[font=Tahoma]بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله سؤال : يقال : إن الذهبي تحامل على الصوفية، وكذا على الأشاعرة في كتبه ، فهل لهذا أصل ؟ تَحَامُلُ الذهبي على الصوفية والأشاعرة أَثْبَتَهُ جَمْعٌ من الأئمة ، ومنهم :
ـ الإمام ابن كِيْكَلْدي العلائي رحمه الله تعالى ، حيث قال التاج السبكي رحمه الله تعالى في : "قاعدة في الجرح والتعديل" (ص/36ـ37) : "ونقلتُ من خَطّ الحافظ صلاح الدين خليل بن كِيْكَلْدي العلائي رحمه الله ما نَصُّه: (الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي لا أشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقوله عن الناس، ولكنه غلب عليه مذهب الإثبات ومُنافرةُ التأويل، والغفلة عن التنزيه ، حتى أَثَّر ذلك في طبعه انحرافاً شديداً عن أهل التنزيه، وميلاً قوياً إلى أهل الإثبات. فإذا ترجم واحداً منهم يُطنب في وصفه بجميع ما قيل فيه من المحاسن، ويبالغ في وصفه، وَيتَّغَافل عن غلطاته ويتأَوَّل له ما أَمْكن. وإذا ذَكَرَ أحداً من الطرف الآخر كإمام الحرمين والغزالي ونحوِهما لا يبالغ في وصفه ، ويَكثر من قولِ من طعن فيه، ويُعيد ذلك ويبديه ، ويعتقده ديناً وهو لا يَشْعر، ويُعرض عن محاسنةم الطافحة فلا يستوعبها، وإذا ظفر لأحد منهم بغلطةٍ ذكرها. وكذلك فِعْله في أهل عصرنا إذا لم يقدر على أحد منهم بتصريح يقول في ترجمته : "واللهُ يصلحه" ونحو ذلك ، وسببه المخالفة في العقائد" أ.هـ.
-الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى، حيث قال بعد حكايته لقالة ابن كِيْكَلْدي العلائي (ص/37) : "والحال في حقِّ شيخنا الذهبي أَزْيَدُ مما وَصَفَ ، أي : العلائي ـ ، وهو شيخنا ومُعلِّمنا غير أن الحق أحق أن يُتَّبَع، وقد وصل من التَّعصُّب المُفْرط إلى حَدٍّ يُسْخر منه، وأنا أخشى عليه يوم القيامة من غالب علماء المسلمين وأئمتهم الذين حملوا لنا الشريعة النبوية، فإن غالبهم أشاعرة، وهو إذا وقع بأشعري لا يُبْقي ولا يَذَر ، والذي أعتقده أنهم خصماؤه يوم القيامة، عند من لعلَّ أدناهم عنده أَوْجَهُ منه، فالله المسؤول أن يُخَفِّف عنه ـ وأن يُلْهمهم العفو عنه، وأن يُشَفّعهم فيه.
والذي أدركنا عليه المشايخ النهيُ عن النظر في كلامه،وعدم اعتبار قوله ، ولم يكن يَسْتجري أي : يَجْرأ ـ أن يُظْهِر كتبه التاريخية إلا لمن يَغلب على ظنه أنه لا ينقل عنه ما يعاب عنه .
وأما قول العلائي : (لا أَشُكُّ في دينه وورعه وتَحرِّيه فيما يقوله) فقد كنتْ أعتقد ذلك، وأقول عند هذه الأشياء إنه ربما اعتقدها ديناً، ومنها أمور أقطعُ بأنه يعرفها بأنها كذب، وأقطعُ بأنه لا يَخْتلقها، وأقطعُ بأنه يحب وضعها في كتبه لتنتشر، وأقطع بأنه يُحِبُّ أن يعتقد سامعها صحتها ؛ بغضاً للمُتَحدَّث فيه، وتنفيراً للناس عنه، مع قِلَّة معرفته بمدلولات الألفاظ ، ومع اعتقاده أن هذا : مما يوجب نَصْرَ العقيدة التي يعتقدها هو حقاً، ومع عدم ممارسته لعلوم الشريعة !
غير أني لما أَكْثرتُ بعد موته النظرَ في كلامه عند الاحتياج إلى النظر فيه ـ توقَّفت في تَحَرِّيه فيما يقوله، ولا أزيد على هذا غيرَ الإحالة على كلامه . فَلْيُنْظر كلامه من شاء، ثم يُبصر هل الرجل مَتَحرٍّ عند غضبه أو غير متحرٍّ؟ وأعني بغضبه : وقت ترجمته لواحد من علماء المذاهب الثلاثة المشهورين من الحنفية والمالكية والشافعية، فإني أعتقد أن الرجل كان إذا مَدَّ القلم لترجمة أحدهم غَضِبَ غضباً مُفْرِطاً ، ثم قرطم أي : قَطَعَ الكلام ومَزَّقه ، وفعل من التعصُّب ما لا يَخْفى على ذي بصيرة .
ثم هو مع ذلك غيرُ خبير بمدلولات الألفاظ كما ينبغي . فربما ذَكَر لفظة من الذم لو عَقَلَ معناها لما نطق بها . ودائماً أتعجَّبُ من ذِكْره الإمام فخر الدين الرازي في كتاب : "الميزان" في الضعفاء ـ يعني : ميزان الاعتدال ـ ، وكذلك السيف الآمدي . وأقول : يا لله العجب ؟! هذان لا رواية لهما ، ولاجَرَحَهما ، ولا سُمِعَ من أحد أنه ضَعَّفهما فيما ينقلانه ، من علومهما ، فأيُّ مَدْخل لهما في هذا الكتاب ؟!
ثم إنا لم نسمع أحداً يُسمَّي الإمام فخر الدين بـ (الفخر) بل إما (الإمام) وإما (ابن الخطيب) ، وإذا تُرْجم كان في : (المُحَمَّدين) ـ أي : من اسمه : محمد ـ ، فجعله في حرف (الفاء) ، وسماه (الفخر) ، ثم حَلَفَ في آخر الكتاب أنه لم يتعمد فيه هوى نفسه!! فأيُّ هوى نفسٍ أعظمُ من هذا ؟! فإما أن يكون ورَّى في يمينه ، أو استثنى غَيْرَ الرواة. فيقال له : فلم ذكرتَ غَيْرَهم ؟ وإما أن يكون اعتَقَدَ أن هذا ليس هوى نفس، وإذا وصل إلى هذا الحَد والعياذ بالله فهو مطبوع على قلبه" أ.هـ.
وقال التاج السبكي في : "طبقات الشافعية" (1/190) في ترجمة : (أحمد بن صالح المصري) : "هذا شيخنا الذهبي له عِلْم وديانة، وعنده على أهل السنة تحامُلٌ مُفْرِط فلا يجوز أن يُعتمد عليه ، وهو شيخنا ومُعَلِّمنا ، غير أن الحق أحق بالاتباع، وقد وصل من التعصُّب المفرط إلى حَدٍّ يُسْتَحْيَ منه ، وأنا أخشى عليه من غالب علماء المسلمين وأئمتهم الذين حَمَلُوا الشريعة النبوية، فإن غالبهم أشاعرة، وهو إذا وقع بأشعري : لا يُبْقي ولا يَذَر والذي اعتقده أنهم خصماؤه يوم القيامة" أ.هـ.
ـ الإمام عفيف الدين عبدالله اليافعي رحمه الله تعالى (ت:768هـ) ، حيث حَمَل على الذهبي في كتابة : مرآة الجَنَان وعِبْرة اليقظان" ، وقد بَيَّن اللكنوي رحمه الله تعالى المواضع التي ورد فيها ذلك في كتابة : "السعي المشكور في رَدّ المذهب المأثور" (ص/425ـ427) و"تذكرة الراشد برد تبصرة الناقد" (ص/261ـ272) ، وأشار إلى ذلك في كتابة : "الرفع والتكميل" (ص/313ـ315) بقوله : "وقد صَرَّح بهذا ـ أي : تحامل الذهبي على الصوفية ومن إليهم -عبدالله بن أسعد اليافعي اليمني في "مرآة الجَنَان" في كثير من مواضعه، كما بسطته مع ذكر عباراته في : "السعي المشكور في رد المذهب المأثور" وفي : "تذكرة الراشد بردَ تبصرة الناقد" أ.هـ.
والمواضع المشار إليها من : "مرآة الجنان" هي في ترجمة كلٍ مِنْ : الحلاج (2/260) ، وأحمد الغزالي (3/225) ، وأحمد الرفاعي (3/409)، وأبي الحسن الشاذلي (4/142)، وأبي عبدالله التلمساني (4/200) ، والعفيف التلمساني (4/216)، وأبي محمد المَرْجاني (4/234) ، وسليمان التركماني (4/253) ، وعبدالله الأصبهاني (4/265) .
الإمام عبد الوهاب الشَّعراني رحمه الله تعالى، حيث قال في : "اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر" (1/8) : "مع أن الحافظ الذهبي كان من أشدّ المنكرين على الشيخ . يعني : ابن العربي ، وعلى طائفة الصوفية هو وابن تيمية " أ.هـ.
ـ الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى : "حيث قال في : "قمع المعارض بنُصرة ابن الفارض" : "إن غَرَّك دندنة الذهبي ـ فقد دندن على الإمام فخر الدين الخطيب ذي الخطوب، وعلى أكبر من الإمام وهو أبو طالب المكي صاحب : "قوت القلوب" ، وعلى أكبر من أبي طالب وهو الشيخ أبو الحسن الأشعري الذي ذكره يجول في الآفاق ويجوب، وكتُبُه مشحونة بذلك، و"الميزان" و"التاريخ" و"سير النبلاء" . أفقابل أنت كلامه في هؤلاء؟ كلا والله لا يُقبل كلامه فيهم، بل نُوْصِلُهم حَقَّهم ونُوَفِّيهم" أ.هـ.
وعلى كلٍّ : فَتَغالي الذهبي في كثير من أهل الإثبات كالإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في : "ذيل التاريخ" لا تخطؤه العين ، وغمزه للصوفية والأشاعرة له دلائله وشواهده ، ويُعْرَف بموازنة كلامه مع غيره من الأئمة، يقول اللكنوي ، رحمه الله تعالى في : "الرفع والتكميل" (ص/308ـ311) : "واعلم : أن من النُّقّاد من له تَعنُّتٌ في جَرْح أهلِ بعض البلاد أو بعض المذاهب ، لا في جَرْح الكل، فحينئذٍ يُنْقَّح الأمر في ذلك الجرح ... ومن ذلك : جرح الذهبي في : "ميزانه" و"سير النبلاء" وغيرهما من تأليفاته، في كثير من الصوفية وأولياء الأمة، فلا تَعْتَبر به ما لم تجد غَيْرَه من متوسِّطي الأجلَّة، ومنصفي الأئمة موافقاً له ؛ وذلك لما عُلِم من عادة الذهبي؛ بسبب تَقَشُّفه وغاية ورعِهِ واحتياطه، وتجرُّده عن أشعَّة أنوار التصوف والعلم الوهبي _ الطَّعنُ على أكابر الصوفية الصافية، وضيقُ العَطَن في مدح هذه الطائفة الناجية كما لا يخفى على من طالع كتبه" أ.هـ. وبنحوه قال التهانوي : رحمه الله تعالى في : "إنهاء السَّكَن إلى من يطالع إعلاء السنن" (1/193ـ194).
لكن في كلام السبكي ونحوه مبالغة ، قال الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى في : "الإعلان بالتوبيخ" (ص/76) : "بالغ السبكي في كلامه ! مع أن الذهبي عُمْدته في جُلّ التراجم، وكونه هو ـ أي : السبكي ـ قد زاد في التعصُّب على الحنابلة ، كما أسلفتهفمشاركة فيما زعمه من التَّعصُّب ، ودعوى الغيبة ، مع أَنِّي لا أنزِّه الذهبي عن بعض ما نُسِب إليه" أ.هـ المراد .
هذا والله الموفق .....
منقول [/font]
_________________ بدأت ببسم الله روحى به اهتدت .. الى كشف أسرار بباطنه انطوت وصليت فى الثانى على خير خلقه .. محمد من زاح الضلالة والغلت
|