موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 13 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مايو 30, 2024 5:40 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 9218

الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء:

ذهب كثير من المعاصرين من غير المختصين بعلم الحديث خاصة أو الشريعة الإسلامية عامة إلى أن صحة أي حديث يجب أن تُبنى أولاً على صحة متنه وليس على صحة إسناده، وقالوا: لا بد عندما نسمع كلاماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نقول: هل يمكن حقاً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول بمثل هذا الكلام أم لا؟.

ويقولون: إن الغرض من وراء ذلك ليس إلا إثبات صحة كلامه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم مع مقتضيات العصر، وذلك لأنه يوجد في كتب الحديث المعتمدة كالكتب الستة بعض الأحاديث المخالفة للعقل والعلم والتي لا يُتصور أن يكون الرسول الكريم قد قالها!!

ومثل هذه الآراء ليست بجديدة على تراثنا وثقافتنا الإسلامية، بل هي تكرار لما قاله بعض المستشرقين، بل لما قالته بعض الفرق الإسلامية أيام الإمام الشافعي ومن بعده، وإن اختلفت العبارات والصياغة إلا أن المضمون الفكري من منبع فكري واحد مصدره الشيطان والهوى.

والذي ينبغي أن يُعلم أن الإسناد من خصائص الأمة المحمدية؛ وليس لأمة من الأمم قاطبة طريق موصول بنور الوحي مثل أمة الإسلام وليس هذا في الحديث فقط؛ بل اهتم علماء الإسلام بالسند في تلقي سائر علوم الإسلام كالقراءات والتفسير والفقه والتاريخ والرجال والأنساب واللغة والنحو والأدب والشعر والقصص والحكايات، حتى دخل في سياق الكلمة الواحدة من أخبار الحمقى والمغفلين والمضحكين، فترى المؤلف يسوق في مثل هذه الكتب سنداً مطولاً ربما لينقل لنا سطراً أو أقل أو أكثر، فمن أجل نقل جملة صغيرة أو كلمة واحدة عن قائلها لا يوردها علماء الإسلام في مصنافتهم إلا بالسند، فهل هذا يُعد عيباً في تراث المسلمين!!!!


يتبع بمشيئة الله.....


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يونيو 22, 2024 1:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 9218

إن العلماء لم ينقلوا ذلك مسنداً فحسب بل دققوا في عدالته وضبطه خاصة عندما يختص الأمر بالحديث الشريف، وربما يتسامحون في القصص والحكايات وغيرها ويوردونها مسندة –أيضاً- على اعتبار قاعدة: "من أسندك فقد أحالك أو حمَّلك".

ثم إن علماء المسلمين قد قاموا بمجهود خارق لخدمة السنة الشريفة، وما من حديث من الأحاديث النبوية إلا ووضع تحت المجهر العلمي لدى علماء الحديث الشريف فدُرِسَ سنداً ومتناً، تصحيحاً وتضعيفاً، شرحاً وتحليلاً، وربما قامت المعركة العلمية والمناظرة الكبيرة حول اللفظة الواحدة من الكلام النبوي، وأُفردت المؤلفات التى لا تحصى حول الحديث الواحد بطرقه وروايته وشواهده ومتابعاته وشرحه وتحليله، ثم يطالعنا قوم لا خلاق لهم بأن السنة النبوية لم تدرس حق الدراسة ولم تفهم حق الفهم؛ وهو ظلم بيِّن، وحيدة عن الحق، وعدم إنصاف منهم، ولو كانوا صادقين في نقدهم لعظموا تراث الأمة الإسلامية الذي قام على دراسة الوحيين الشريفين بما لم يحدث لكتاب على مدار تاريخ الإنسانية.

ومن أكبر ما يدلك على مدى الجهاد والمعاناة التى كابدها رواة الحديث الشريف ما جاء عن عن عبد الله بن بريدة أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه وهو يمد ناقة له فقال:" إني لم آتك زائرا إنما أتيتك لحديث بلغني عن رسول الله صلى الله عليه و سلم رجوت أن يكون عندك منه علم ".(1) أهـ

قال الخطيب البغدادي المتوفي 463ه: "ارْتَحَلَ كَتَبَةُ الْحَدِيثِ , وَتَكَلَّفُوا مَشَاقَّ الْأَسْفَارِ إِلَى مَا بَعُدَ مِنَ الْأَقْطَارِ لِلِقَاءِ الْعُلَمَاءِ وَالسَّمَاعِ مِنْهُمْ فِي سَائِرِ الْآفَاقِ , وَمِنْ قَبْلُ قَدْ سَلَكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الرِّحْلَةِ لِلسَّمَاعِ , حَتَّى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَأَتَيْتُهُ , وَرَحَلَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ إِلَى مِصْرَ فِي سَبَبِ حَدِيثٍ وَاحِدٍ-أي لأجل حديث واحد- , وَذَلِكَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَحَلَ إِلَى مِصْرَ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ حَتَّى سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ , وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنْ كُنْتُ لَأَسِيرُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ مَسِيرَةَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ , وَرَحَلَ الْحَسَنُ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى الْكُوفَةِ فِي مَسْأَلَةٍ , وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ: إِنْ كَانَ الرَّاكِبُ لَيَرْكَبُ إِلَى الْمَدِينَةِ فِيمَا دُونَهُ , وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كُنَّا نَسْمَعُ الرِّوَايَةَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْبَصْرَةِ , فَمَا نَرْضَى حَتَّى نَرْكَبَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَسْمَعُهَا مِنْ أَفْوَاهِهِمْ , وَاسْتِيعَابُ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى يَطُولُ"أهـ (2) أهـ

فاهتم علماء الإسلام بالإسناد على مدار التاريخ الإسلامي منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم وكذا من جاء بعدهم إلى زماننا هذا؛ حتى قال ابن المبارك: " الْإِسْنَادُ عِنْدِي مِنَ الدِّينِ , لَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ , وَلَكِنْ إِذَا قِيلَ لَهُ: مَنْ حَدَّثَكَ بَقِيَ "(3) أهـ

وكانوا ينهون من يحدث بالأحاديث من غير سند؛ حتى يُظهر رجاله الذين يحدث عنهم، فعن عتبة بن أبي حكيم، قال: "جَلَسَ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ إِلَى الزُّهْرِيِّ , فَجَعَلَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُ ابْنُ شِهَابٍ: مَا لَكَ؟ قَاتَلَكَ اللَّهُ تُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ لَيْسَ لَهَا أَزِمَّةٌ , وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ ابْنِ شِهَابٍ شَبِيهٌ بِهَذَا الْمَعْنَى "(4) أهـ


يتبع بمشيئة الله.....


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 23, 2024 12:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 9218

ولذا "استطاع المسلمون بمهارة فائقة" لم تحدث على مدار تاريخ الإنسانية كلها أن يدونوا لنا أكثر من نصف مليون ترجمة لرواة الحديث؛ يعرف عن كل واحد منهم اسمه، ونسبه، ولقبه، وصفاته، وشيوخه، وتلامذته، ومدى عدالته وضبطه، ويعرضون مروياته على مرويات الثقات، ويوازنون ويرجحون بشئ من القوة العلمية والرصانة البحثية فيما لم يُعرف مثله في تاريخ البشرية إلا في أمة الإسلام؛ ثم يُدرج تحت طبقة من طبقات التوثيق أو التضعيف، حتى شهد بهذا الجهد الكبير المستشرق "شبرنجر" في مقدمته الإنجليزية على كتاب "الإصابة في أحوال الصحابة" للحافظ ابن حجر، قال: "لم تكن فيما مضى أمة من الأمم السالفة، كما أنه لا يوجد الآن أمة من الأمم المعاصرة، أتت في علم أسماء الرجال بمثل ما جاء به المسلمون في هذا العلم العظيم الخطر، الذي يتناول أحوال خمس مئة ألف رجل وشؤونهم" (5)أهـ

ومع كثرة الوضع والدس والتحريف والتبديل والتغيير الذي درج على السنة النبوية عبر التاريخ إلا أن السنة أصبحت كالشمس في ضحاها، وعرفنا كتب الصحاح، والمسانيد، والمعاجم، والمصنفات، والأجزاء وغيرها، ومُيز الصحيح من غيره، وكُتبت المؤلفات المفردة للأحاديث الموضوعة، ولم يُسلَّم لأصحابها حتى تُعقِّب عليها واستقر أمرها حتى برح الخفاء.

إن الرشيد قد أخذ زنديقاً ليقتله، فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفاً حرفاً (6)أهـ

فالمحدثون يعلمون عظم المسؤولية التي طوق الله سبحانه وتعالى بها أعناقهم في نقل سنة النبي المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم وسلكوا في ذلك أشد أنواع التثبت والتحري، فكان الأئمة الأكابر لا يأخذون الحديث إلا مسنداً، ولا يقبلون سماع المتن إلا بسنده ومن أهله، فكان الإمام مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: " إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ , لَقَدْ أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ عِنْدَ هَذِهِ الْأَسَاطِينِ: " وَأَشَارَ إِلَى مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُونَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ , فَمَا أَخَذْتُ عَنْهُمْ شَيْئًا , وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَوِ ائْتُمِنَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ لَكَانَ بِهِ أَمِينًا , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ , وَيَقْدَمُ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ , وَهُوَ شَابٌّ فَنَزْدَحِمُ عَلَى بَابِهِ " (7)أهـ

فلم يكن اعتمادهم على الصلاح والتقوى فقط؛ فتلك العدالة المشترطة؛ ولكن لابد من أمر آخر هو الضبط في الحفظ والإتقان؛ حتى قال عبد الله بن المبارك: قلت لسفيان الثوري: إن عبَّاد بن كثير من تعرف حاله، وإذا حدَّث جاء بأمر عظيم؛ فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال سفيان: بلى.

قال عبد الله: فكنت إذا كنت في مجلس ذُكر فيه عبَّاد أثنيت عليه في دينه، وأقول لا تأخذوا عنه.

وعن محمد بن يحي بن سعيد القطان عن أبيه قال: "لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث"(8).

وكان يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ رحمه الله يقول: «آتَمِنُ الرَّجُلَ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ , وَلَا أَئْتَمِنُهُ عَلَى حَدِيثٍ» (9) أهـ.

يتبع بمشيئة الله.....


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يونيو 24, 2024 12:21 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 9218

فلم يكن عالم الحديث كحاطب ليل يجمع من هنا وهناك، بل كانت لأئمة هذا العلم من الشروط ما يجعلهم لا يروون من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ما استقامت طرائقه، ولم يكن الصلاح وحده كافياً لذلك بل لا بد من قوة حفظ وإتقان وعرض على روايات الأقران وتمييز بين المرويات، بل بعد التثبت والتحري وهذه الدقة الفائقة كان لا بد للمؤلف بعد كتابة الكتاب أن يعرضه على أهل العلم الثقات، فيصوبوا ما فيه من خطأ، ويقبلوا ما ثبتت صحته، وهذا صنيع كافة أهل العلم من المحدثين.

فعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " كَتَبْتَ فَأَقُولُ نَعَمْ , قَالَ: عَرَضْتَ كِتَابَكَ قُلْتُ لَا قَالَ لَمْ تَكْتُبْ "(10).

كل ذلك وغيره لإبراز التدقيق الزائد في حفظ الكلام النبوي الشريف، ووضعه تحت ميزان العلم، وهذا المنهج ليس وليد العصور المتأخرة؛ بل هو وليد عهد الصحابة رضي الله عنهم حين دققوا في الكلام النبوي، وكان الواحد منهم لا يحدث بحديث إلا بعد ما يأتي بالشهود الذين شاركوه في السماع لهذا الحديث، فلما جاء أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يستأذن على سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستأذن ثلاثاً ثم رجع، فأرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أثره، فقال: ما لك لم تدخل؟ فقال أبو موسى رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ، وَإِلَّا فَارْجِعْ» فَقَالَ عُمَرُ: وَمَنْ يَعْلَمُ هَذَا لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا وَكَذَا، فَخَرَجَ أَبُو مُوسَى حَتَّى جَاءَ مَجْلِسًا فِي الْمَسْجِدِ يُقَالُ لَهُ مَجْلِسُ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ إِنِّي أَخْبَرْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ، وَإِلَّا فَارْجِعْ»، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ هَذَا لَأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَلْيَقُمْ مَعِي، فَقَالُوا لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: قُمْ مَعَهُ، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ أَصْغَرَهُمْ، فَقَامَ مَعَهُ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي مُوسَى: أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ، وَلَكِنْ خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (11).


يتبع بمشيئة الله....


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يونيو 25, 2024 11:13 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 9218

ثم كانوا يبالغون في دقة الكلام النبوي كما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى لا يتغير من ألفاظه ومعانيه شيءٌ ولو يسيراً، ومع إجازة أكثر العلماء لرواية الحديث الشريف بالمعنى إلا أنهم اشترطوا في الراوي أن يكون من أهل الاجتهاد، وأهل العربية، عارفاً بمواقع الألفاظ بصيراً بدلالاتها، وإذا غيَّر أحد الرواة اللفظ النبوي الذي يخل بالمعنى يتدارك ذلك أهل العلم فينبهون عليه ويكشفوا عما وقع فيه من وهم؛ حتى جاء في "تدريب الراوي" : (إن لم يكن الراوي عالماً بالألفاظ) ومدلولاتها (ومقاصدها خبيراً بما يحيل معانيها) بصيراً بمقادير التفاوت بينهما، (لم تجز له الرواية) لما سمعه (بالمعنى بلا خلاف، بل يتعين اللفظ الذي سمعه) (12).

وقال ابن رجب الحنبلي: ("وقد روى كثير من الناس الحديث بمعنى فهموه منه، فغيروا المعنى: مثل ما اختصر بعضهم من حديث عائشة في حيضها في الحج، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وكانت حائضا: "انقضي رأسك وامتشطي" وأدخله في باب غسل الحيض، وقد أنكر أحمد ذلك على من فعله، لأنه يخل بالمعنى، فإن هذا لم تؤمر به في الغسل من الحيض عند انقطاعه، بل في غسل الحائض إذا أرادت الإحرام.) أهـ (13).

والذي يتأمل في النصوص النبوية يعلم أن الرواية بالمعنى ليست مؤثرة في المعنى الذي قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا تحيد عنه، بل توافقه إلا فيما وقع الخطأ والنسيان الذي لم يُعصم منه إلا الأنبياء، ولك أن تتأمل ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما لما قال: (قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الشهر تسع وعشرون وصفق بيديه مرتين ثم صفق الثالثة وقبض إبهامه فقالت عائشة غفر الله لأبي عبد الرحمن إنه وهل إنما هجر رسول الله صلى الله عليه و سلم نساءه شهرا فنزل لتسع وعشرين فقالوا يا رسول الله إنك نزلت لتسع وعشرين فقال إن الشهر يكون تسعا وعشرين) (14).

بل دققوا حتى نشأ علم التصحيف والتحريف الذي يهتم بالحرف الواحد والشكلة والنقطة، حتى قالوا: (لا يُنير الكتاب حتى يُظلِم) قال أبو بكر البغدادي: "يجب أن يزيل التحريف، ويغير الخطأ والتصحيف"(15)، وهو علم من العلوم المهمة في علوم الحديث الشريف وقد صُنفت فيه المصنفات الكثيرة (16).

ومن تتبع جهود المحدثين في خدمة هذا العلم الشريف فإنه يقف على مؤلفات لا تكاد تنحصر ما بين شرح وتحليل، ودراسة وإسناد، وتخريج، وتعقيب واستدراك وغير ذلك.


يتبع بمشيئة الله......


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يونيو 26, 2024 5:37 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 9218
وصفوة القول:

لقد قام علماء الإسلام بمجهود لا يوصف في خدمة السنة النبوية من كافة الوجوه والزوايا، ولا ينبغي لإنسان أن يطعن في منهج علمي عاشت عليه الأمة هذه القرون الطويلة، ثم يأتي ويدعي هو أن منهجهم كان خطأً وأنهم لم يميزوا الصحيح من السقيم، وأن هناك أحاديث كثيرة تخالف العقل والعلم، بل هناك من الأحاديث ما يخالف القرآن الكريم.

يتبع بمشيئة الله.....

_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يونيو 26, 2024 5:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد يوليو 31, 2022 2:30 am
مشاركات: 2385
مكان: كوكب الأرض
حتى لا أحرم كتب:
وصفوة القول:

لقد قام علماء الإسلام بمجهود لا يوصف في خدمة السنة النبوية من كافة الوجوه والزوايا، ولا ينبغي لإنسان أن يطعن في منهج علمي عاشت عليه الأمة هذه القرون الطويلة، ثم يأتي ويدعي هو أن منهجهم كان خطأً وأنهم لم يميزوا الصحيح من السقيم، وأن هناك أحاديث كثيرة تخالف العقل والعلم، بل هناك من الأحاديث ما يخالف القرآن الكريم.

يتبع بمشيئة الله.....


ممكن توضيح بأمثلة
بارك الله فيكم أخي الفاضل الكريم

_________________

{ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ }
الله دايم باقي حي .. سيدنا النبي ما له زي
كريمٌ رسول الله واللهُ أكرمُ ... وهل فقيرٌ بين الكريمين يُحرمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 27, 2024 4:45 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 9218

وصفوة القول:

لقد قام علماء الإسلام بمجهود لا يوصف في خدمة السنة النبوية من كافة الوجوه والزوايا، ولا ينبغي لإنسان أن يطعن في منهج علمي عاشت عليه الأمة هذه القرون الطويلة، ثم يأتي ويدعي هو أن منهجهم كان خطأً وأنهم لم يميزوا الصحيح من السقيم، وأن هناك أحاديث كثيرة تخالف العقل والعلم، بل هناك من الأحاديث ما يخالف القرآن الكريم.

وهو في كل ذلك متجنٍّ ومدعٍ بلا حجة ولا بينة قوية؛ إذ أن التعارض الحقيقي في الوحي الصحيح غير ممكن قطعاً؛ ولكن قد يشتبه بعض الوحي على بعض الناس، وعند التشابه يجب أن يكون المرجع إلى الراسخين في العلم، فهم أعلم الناس به، ولا بد قبل الطعن والتهجم على الوحيين الشريفين وإبطال العمل بهما أن يعلم الطاعن الفرق بين العام والخاص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمجمل والمفصل، وغير ذلك مما لا يتسنى فهم العلم إلا به، وأن يكون دارساً من علوم الآلات ما يمكنه من فهم نصوص الشرع الشريف، ولكن الطامة الكبرى أنك تجد أكثر الطاعنين في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يجيدون قراءة القرآن من المصحف الشريف، ولم يدرس أحدهم شيئاً من علوم العربية، ولا الأصول ولا المنطق، وعدم وجود هذا عند الباحث يجعله يتخبط ويأتي بالعجائب والغرائب؛ كما قال الحافظ ابن حجر: "وإذا تكلم المرء في غير فنه أتى بهذه العجائب" (17).

فمن زعم التعارض فليأت به إلى أهل العلم، فإنهم أدرى به، وكان الإمام ابن خزيمة يقول: "ليس ثمّ حديثان متعارضان من كل وجه، ومن وجد شيئاً من ذلك فليأت لأؤلف له بينهما" (18).

وقال ابن رجب الحنبلي: "والجمع بين الأحاديث والعمل بها أولى من معارضة بعضها ببعض إذا كان العمل بها كلها لا يؤدي إلى مخالفة ما عليه السلف الأول" (19).أهـ

الهوامش:

1-مسند الإمام أحمد: مسند فضالة بن عبيد الأنصاري (39/388) برقم (23969).
2-الكفاية في علم الرواية (ص:403).
3-الكفاية في علم الرواية (ص:393).
4- الكفاية في علم الرواية (ص:391).
5-نقلاً عن الرسالة المحمدية لسليمان الندوي (ص:62).
6-تذكرة الحفاظ (1/201)، تهذيب التهذيب (1/152)، إكمال تهذيب الكمال (1/271).
7- الكفاية في علم الرواية (ص:159).
8-صحيح مسلم: باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة (1/17).
9- الكفاية في علم الرواية (ص:158).
10- الكفاية في علم الرواية (ص:237).
11-موطأ مالك: كتاب الإستئذان (2/964).
12-تدريب الراوي شرح تقريب النواوي (1/532-533).
13-شرح علل الترمذي لابن رجب (1/157).
14-مسند أحمد: مسند عبد الله بن عمر الخطاب رضي الله عنهما.
15-الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/277).
16-من ذلك ما كتبه الحسن بن عبد الله العسكري (تصحيفات المحدثين) وابن المبرد الحنبلي (جواب بعض الخدم لأهل النعم عن تصحيف حديث احتجم) والحافظ السيوطي (التطريف في التصحيف).
17-فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (3/584).
18-الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث (1/175).
19- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب الحنبلي (17/ 131) بتصرف.

تم بحمد الله بتصرف يسير.

المصدر:كشف الخفا لبيان ما أُشكل من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
الجزء الأول (ص:33-44)، تأليف: إبراهيم شعبان المرشدي الأزهري
إشراف: رواق البحوث العلمية والتحقيق، 1439هـ - 2017مـ


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 27, 2024 4:53 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 9218
السيد لطيف كتب:


ممكن توضيح بأمثلة
بارك الله فيكم أخي الفاضل الكريم


حاضر أخي الفاضل، ولعله يكون حديث إرضاع الكبير بمشيئة الله، فإن الوهابية يجوزون ذلك - كفتوى الألباني- والقرآنيين المشككين في التراث يحاولون الطعن في السنة بسبب الحديث، وسنبين ضلال الفرقتين وصحة الحديث، وذلك في المشاركة القادمة في هذا الموضوع بمشيئة الله


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 27, 2024 6:29 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد يوليو 31, 2022 2:30 am
مشاركات: 2385
مكان: كوكب الأرض
الله يحضر لكم الخير ...أعانكم الله
جزاكم الله عنا كل خير

_________________

{ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ }
الله دايم باقي حي .. سيدنا النبي ما له زي
كريمٌ رسول الله واللهُ أكرمُ ... وهل فقيرٌ بين الكريمين يُحرمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يونيو 29, 2024 1:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 9218
وإياكم يا رب العالمين

_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يونيو 29, 2024 1:45 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 9218

حديث رضاع الكبير

صح عَنْ السيدة عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْضِعِيهِ»، قَالَتْ: وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ؟ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ»، زَادَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ: وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1).

وهذا حديث صحيح متفق على صحته عند أهل العلم، ومن طعن فيه تشبث بقضيتين:

الأولى: أن رضاع الكبير لا يحرم، وهذا ما جاء في السنة النبوية في كثير من الأحاديث الأخرى.

الثانية: كيف يجوز لرجل كبير ذو لحية أن يلتقم ثدي امرأة غريبة عليه؛ حتى تحرم عليه ويحرم عليها؟

والجواب عن ذلك واضح من خلال العلم بملابسات الحديث الشريف؛ فلما نشأ سيدنا سالم في بيت أبي حذيفة، وتربى في حجر الرجل وامرأته كولد لهما، كبُر الولد، وظهرت عليه ملامح الشباب، وهو في ذلك يَعتبر أن أبا حذيفة أبوه، وسهلة أمه، فقد تربى ونشأ في حجرهما، فهل هو من محارمها يرى منها ما يراه المحرم أم هو أجنبي عنها؟

كان الرجل يغار على زوجته عندما يراها سالم بثياب بيتها، ويتعامل معها على أنها أمه، وهي ليست كذلك، لاحظت سهلة التغير على وجه زوجها، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتلتمس الرخصة في ذلك حتى تُرضي زوجها التي أحسَّت أن في نفسه شيئاً، وإن لم يُفصح به أمامها.

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أرضعيه يحرم عليك"، فقالت المرأة متعجبة كيف؟ وهو رجل كبير، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عرفت أنه كبير، أرضعيه يحرم عليكِ، فأرضعته.

هذه هي قصة الحديث التي تُثار حولها الشبهات.

فكان سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدا السيدة عائشة رضي الله عنها يرين أن ذلك من الأمور الخاصة التي خصها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسالم وسهلة رضي الله عنهما، وجاء في بعض الروايات رجوع السيدة عائشة عن القول بعموم ذلك، حتى قال الزهري: "وكانت عائشة تفتي بأنه يحرم الرضاع بعد الفصال حتى ماتت" (2).

وهذا ما جاءت به النصوص المتكاثرة عن أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما دام الأمر على الخصوص فلا يصح لمعترض أن يعترض على الحديث.

فرضاع الكبير لا تثبت به حرمة، وهو الذي ذهب إليه الصحابة، واتفقت كلمة الأئمة عليه، حتى كان الصحابة والسلف أنفسهم يهابون هذا الموقف، ولا يحدثون به، قال ابن أبي مليكة: فمكثت سنة أو قريباً منها لا أحدث به رهبة له، ثم لقيت القاسم فقلت له: لقد حدثتني حديثاً ما حدثت به بعد، فقال ما هو؟ فأخبرته، فقال: حدِّث به عني؛ فإن عائشة أخبرتنيه.

قال ابن عبد البر المتوفي 463هـ: "هذا يدل على أنه حديث تُرك قديماً، ولم يعمل به، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه بل تلقوه بالخصوص" (3).

وكلام الحافظ معناه: أنهم تلقوا الحديث من حيث الثبوت وتركوه من حيث العمل، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لها ذلك، ولكنهم تلقوه على وجه الخصوص لسالم، وليس لعموم الناس.

ولذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقلن: ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسالم خاصة.

ومن قال بقول السيدة عائشة بأنه عام رجع عن قوله، كأبي موسى الأشعري لما خالفه ابن مسعود، وحكاه ابن عبد البر، فقال أبو موسى: "لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم".

فقال ابن عبد البر برجوع أبي موسى إلى قول ابن مسعود في هذه المسألة من رضاع الكبير فيما تقدم من هذا الباب، ولولا أنه بان له أن الحق في قول ابن مسعود رضي الله عنهما ما رجع إليه، ولا يزال الناس بخير ما انصرفوا إلى الحق إذ بان لهم (4).

إذن فقد تلقى العلماء هذا الحديث من حيث القبول؛ ومن حيث العمل فقد عدوه خاصاً بسالم وسهلة، وهذا الفهم منقول عن الصحابة رضي الله عنهم وأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما الإشكال في أنه كيف يلتقم ثديها وهو رجل كبير؟ .............


يتبع بمشيئة الله...............


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 30, 2024 10:05 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 9218

وأما الإشكال في أنه كيف يلتقم ثديها وهو رجل كبير؟ فمن قال إنه التقم ثديها وهو كبير؟!!

لم يرد ذلك في أي لفظة من ألفاظ هذا الحديث على تعدد رواياته، فالذين يقولون بهذا هم من يثيرون الشبهة بلا داعٍ، وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكونوا كما يتصورهم هؤلاء المفترون، فهم أعف الناس، وأتقى الناس، وأكثر الناس خشية لله سبحانه وتعالى، فإن قالوا: كيف أرضعته حينئذٍ؟، قلنا: جاء في الروايات أن الرضاع كان عن طريق إناء وليس بمباشرة التقام الثدي، وقد جاء ذلك مصرحاً به؛ كما روى عبد الرزاق قال: " أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَسْأَلُ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: سَقَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ لَبَنِهَا بَعْدَ مَا كُنْتُ رَجُلًا كَبِيرًا أَأَنْكِحُهَا؟ قَالَ: «لَا». قُلْتُ: وَذَلِكَ رَأْيُكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ عَطَاءٌ: كَانَتْ عَائِشَةُ: «تَأْمُرُ بِذَلِكَ بَنَاتِ أَخِيهَا»" (5).

وقوله: " سَقَتْنِي" ظاهر الوضوح في مقابل "أرضعتني".

وروي صريحاً في قصة سالم عن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:" كَانَ يَحْلُبُ فِي مِسْعَطٍ أَوْ إِنَاءٍ قَدْرَ رَضْعَةٍ فَيَشْرَبُهُ سَالِمٌ كُلَّ يَوْمٍ. خَمْسَةَ أَيَّامٍ (6).

ومع أن في سنده الواقدي، وقد ضعفوه إلا أنه حافظ من كبار حفاظ الإسلام، وعلم من أعلامه، ويؤخذ بقوله في السير والمغازي، وهو علم فيها بلا مدافعة أو منازعة، والأرجح تضعيفه في الحديث؛ ولذا لم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة في حديث واحد، وروى له الطبراني والحاكم في المستدرك وغيرهما، ولكنه ليس بالمتفق على ضعفه، بل وثقه جماعةكما سبق بيانه، واتفقوا على أنه يُحتاج إليه في السير والمغازي وأخبار الناس، وقد قال الحافظ الذهبي عنه: "محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي المديني القاضي صاحب التصانيف والمغازي العلامة الإمام أبو عبد الله أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه" (7).

قلت –القائل المؤلف- : وهذا تحامل من الإمام الذهبي عليه؛ بل ينبغي أن يقول: الأرجح تضعيفه، فالرجل ليس بالمتفق على ضعفه، وقد وثقه غير واحد من أهل العلم في الحديث، كيعقوب بن شيبة، والصاغاني، ومصعب الزبيري، والمسيَّبي، وأبو يحي الأزهري، والقاسم بن سلام، حتى سُئل معن بن عيسى عنه فقال: أأُسأل أنا عن الواقدي، يُسأل الواقدي عني (8).

وقال الحافظ ابن عبد البر: " رَضَاعُ الْكَبِيرِ -كَمَا ذَكَرَ عَطَاءٌ- يُحْلَبُ لَهُ اللَّبَنُ وَيَسْقَاهُ
وَأَمَّا أَنْ تُلْقِمَهُ الْمَرْأَةُ ثَدْيَهَا كَمَا تَصْنَعُ بِالطِّفْلِ فَلَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ" (9).

وعليه فلا شبهة حول الحديث، والله أعلم.أهـ

تم بحمد الله.

الهوامش:

1-رواه مسلم في صحيحه: باب رضاعة الكبير (2/1076)، وأبو داود في سننه: فيمن حرم به (2/223)، وابن ماجه في سننه: باب رضاع الكبير (1/625) واللفظ لمسلم وابن ماجه.
2-مصنف عبد الرزاق: (7/459) برقم (13885).
3-الاستذكار: (6/255).
4-الاستذكار: (6/257)، المنتقى شرح الموطأ: (3/355).
5- مصنف عبد الرزاق: رضاع الكبير (7/458) برقم (13883).
6-الطبقات الكبرى لابن سعد: (8/212)، الروض الأنف للسهيلي: (4/197)، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: (8/193) .
7-سير أعلام النبلاء/ ترجمة الواقدي: (8/158).
8-تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي: (26/192).
9-الاستذكار: (6/255).

المصدر: كشف الخفا لبيان ما أُشكل من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
الجزء الأول (ص:353-358)، تأليف: إبراهيم شعبان المرشدي الأزهري
إشراف: رواق البحوث العلمية والتحقيق، 1439هـ - 2017مـ.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 13 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 3 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط