موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 174 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 8, 9, 10, 11, 12
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: عقيدة ابن تيمية وتقرير بدعة التجسيم والتكفير
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مارس 31, 2024 12:29 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2434


من تكتيكات التَّيْمِيَّة لنُصرة مشربهم!!! (٣٥)

ابنُ تيميَّة ممهِّداً لبدعة خطيرة تقضي باتِّهام مُعظم السَّلف بإقرار وإمرار ذرائع الشِّرك الأكبر المبيح للدَّم والمال!!!...يقرِّر ما حاصله: حُرمةُ المسجد النَّبوي الشَّريف ‌وَالعِبَادَةُ ‌فِيْهِ - قبل دُخول القبر الشَّريف فيه - ‌أَفْضَلُ وَأَعْظَمُ مِمَّا بَقِيَ بَعْدَ إِدخالِه فيه!!!

قَالَ ابْنُ تيميَّة: ((وَالصَّلَاةُ فِي المَسَاجِدِ المَبْنِيَّةِ عَلَى القُبُوْرِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا مُطْلَقًا، بِخِلَافِ مَسْجِدِهِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيْهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ؛ فَإِنَّهُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَكَانَ حُرْمَتُهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ وَحَيَاةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ - قَبْلَ دُخُوْلِ الحُجْرَةِ فِيْهِ - حِيْنَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيْهِ وَالمُهَاجِرُوْنَ وَالأَنْصَارُ، ‌وَالعِبَادَةُ ‌فِيْهِ ‌إذْ ‌ذَاكَ ‌أَفْضَلُ وَأَعْظَمُ مِمَّا بَقِيَ بَعْدَ إدْخَالِ الْحُجْرَةِ فِيْهِ، فَإِنَّهَا إنَّمَا أُدْخِلَتْ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ فِي إمَارَةِ الوَلِيْدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ)) [مجموع الفتاوى (27/185)، ط. دار الوَفاء].

وترجمة كلام هذا الحرَّاني تكون كما يلي: حُرمة وأفضليَّة وعظَمة المسجد النَّبوي الشَّريف تضعضعت بعد إدخال القبر الشَّريف فيه!!!.

نسأل الله السلامة والعافية
https://m.facebook.com/story.php?story_ ... 6739351796

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عقيدة ابن تيمية وتقرير بدعة التجسيم والتكفير
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مارس 31, 2024 12:07 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7642
لا حول ولا قوة إلا بالله ........
حسبنا الله والنبي صلى الله عليه وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عقيدة ابن تيمية وتقرير بدعة التجسيم والتكفير
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد إبريل 07, 2024 11:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2434

من تكتيكات التَّيْمِيَّة لنُصرة مشربهم!!! (٣٦)

- أوَّلًا: ابن تيميَّة مدافعا عن خرافته في "الجِهة العَدَميَّة": ((مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ كَوْنَ "اللَّهِ فِي السَّمَاءِ"، بِمَعْنَى: أَنَّ ‌السَّمَاءَ ‌تُحِيطُ بِهِ وَتَحْوِيهِ، فَهُوَ: كَاذِبٌ - إن نَّقَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ -!!! وَضَالٌّ - إنْ اِعْتَقَدَهُ فِي رَبِّهِ -!!!))

قَال ابنُ تيميَّة الحرَّاني: ((مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ كَوْنَ "اللَّهِ فِي السَّمَاءِ"، بِمَعْنَى: أَنَّ ‌السَّمَاءَ ‌تُحِيطُ بِهِ وَتَحْوِيهِ، فَهُوَ كَاذِبٌ - إن نَّقَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ - وَضَالٌّ - إنْ اِعْتَقَدَهُ فِي رَبِّهِ - وَمَا سَمِعْنَا أَحَدًا يَفْهَمُ هَذَا مِنْ اللَّفْظِ، وَلَا رَأْيَنَا أَحَدًا نَقَلَهُ عَنْ وَاحِدٍ، وَلَوْ سُئِلَ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ: هَلْ تَفْهَمُونَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: "إنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ": إنَّ السَّمَاءَ تَحْوِيهِ؟، لَبَادَرَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَى أَنْ يَقُولَ: هَذَا شَيْءٌ لَعَلَّهُ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِنَا)) ["الفَتاوى الحمَوَيَّة الكُبرى" ضِمن: مَجمُوع الفتاوى (5/70)، ط. دار الوَفاء].

- ثانياً: ابن تيميَّة ينقل عن طائفة قليلة من أهل الحديث أنَّ الله ينزل - بحركة - إلى السَّماء الدُّنيا، ويخلو منه العرش!!!

قال ابن تيميَّة في مسألة "هل يخلو منه العرش عند نزوله؟": ((‌وَأَهْلُ ‌الْحَدِيثِ ‌فِي ‌هَذَا ‌عَلَى ‌ثَلَاثَةِ ‌أَقْوَالٍ:
- مِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ أَنْ يُقَالَ: يَخْلُو أَوْ لَا يَخْلُو، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ المقدسي وَغَيْرُهُ.
- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ، وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْدَه مُصَنَّفًا فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ، وَسَمَّاهُ: " الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَعَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ، وَعَلَى مَنْ تَأَوَّلَ النُّزُولَ عَلَى غَيْرِ النُّزُولِ"...الخ)) ["شَرح حديث النُّزول" ضِمن: مَجمُوع الفتاوى (5/228)، ط. دار الوَفاء] ثمَّ قَال: ((وَهُوَ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ، وَيَجْعَلُ هَذَا مِثْلَ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَمَنْ يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ فِي مَكَانٍ. وَكَلَامُهُ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ طَائِفَةٍ تَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يَنْزِلُ نُزُولًا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ. وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: مَا ثَمَّ نُزُولٌ أَصْلًا...وَهُوَ يَحْمِلُ كَلَامَ السَّلَفِ: "يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" عَلَى أَنَّهُ نُزُولٌ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ...وَفِي الْجُمْلَةِ: فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ "يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ" طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ...)) ["شَرح حديث النُّزول" ضِمن: مَجمُوع الفتاوى (5 /236-237)، ط. دار الوَفاء].

فانظر ماذا ترى؟!!!
https://m.facebook.com/story.php?story_ ... 6739351796

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عقيدة ابن تيمية وتقرير بدعة التجسيم والتكفير
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 08, 2024 9:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2434


من تكتيكات التَّيْمِيَّة لنُصرة مشربهم!!! ٣٧)

يُقسِّم ابنُ تيميَّة الأشاعرةَ إلى قِسمَين في مسألة نسبة العُلوِّ الحسِّي لله ربِّ العالَمين:

(1) قسم يزعم أنَّهم كانوا - مثله ومثل أسلافه المجسَّمة -: يُثبتون العلوَّ الحسِّي، كمشايخهم الكُلَّابيَّة: ابن كُلَّاب والقَلَانِسي والحارث المحاسبي وغيرهم، ويطلق عليهم: المثبتة مِن قدماء الأشعريَّة، ويذكر منهم: الإمام الأشعري وعلي بن مُحَمَّد الطَّبري وابن مُجاهد وابن خَفيف الشِّيرازي والباقلَّاني وابن فُورَك وابن أبي زيد القيرواني والقاضي عبد الوهَّاب بن نصر البغدادي وغيرهم، فهؤلاء كانوا يثبتون أنَّ الله بذاته خارج العالَم!، أي: أنَّه تعالى مُنفصل عن العالَم بالمسافة = البينونة بالجِهة، هكذا يزعم الحرَّاني!

(2) القِسم المتبقي: مَن تأثَّروا بإمام الحَرَمَين الجويني، فخالفوا أيمَّتهم أولئك الأوائل، ونَفوا الدُّخول والخروج في حقِّه تعالى، فكانوا بهذا أشرّ من الحلوليَّة "الكفرة" الَّذين أثبتوا - على الأقل - وجود الرَّبّ حتَّى وإن جعلوه بذاته في كلِّ مكان، وأمَّا هؤلاء - فبنَفيِهم الدُّخول والخروج في حقِّه تعالى - يكونون قد حكموا رأساً بنفي وجود الرَّبِّ، هكذا يدَّعي هذا الرَّجل كما تجده في كتبه. ويُطلق على هذا القسم: الجَهميَّة نُفاة الرَّبِّ!!!، ومقصوده طبعاً: السَّادة الأشاعرة أيمَّة الإسلام، ونَقلة دين الله عبر مرِّ العصور والدُّهور.

وأمَّا عن اتِّهامه لمتأخِّري الأشاعرة؛ فالكلام عليه يكون في محلّ آخر إن شاء الله تعالى، وما يهمُّنا في هذه العُجالة هو الكلام - باقتضاب - عن دعواه العريضة في حقِّ متقدِّميهم.

فابن تيميَّة يعمَد إلى بعض الإطلاقات في إثبات الفوقيَّة والعلوِّ، الصَّادرة من قدماء الأشاعرة، فيفسِّرها على مشربه المعروف، ولكنَّه يُهمل بالكلِّيَّة التَّوفيق بينها وبين صريح كلامهم في نفي لوازم الفَوقيَّة الحِسِّيَّة والعلُوّ المكاني، وهذه طريقة مَن يتَّبعون ما تشابه من الأقوال عِوَض التَّحقيق العِلمي.

نعم؛ فكلّ مَن يحقِّق في كتابات ابن تيميَّة؛ يجده يقرِّر ما يلي:
(1) قُدماء الأشاعرة: ينفون الحُدود والحَجم والمساحة والأبعاد والمُماسَّة والملاصقة وغيرها من لوازم الجسميَّة في حقِّه تعالى، وينفون أيضاً قيام الحوادث بالذَّات العليَّة كالحركة والتَّغيُّر.

(2) العلوّ يقتضي أن يكون تعالى في جِهة من العالَم، فالله فوق العالَم فوقيَّة حِسِّيَّة، بحيث يصحُّ أن تقطع الملائكة مسافة حتَّى تصعد إليه تعالى، تتقلَّص هذه المسافة كلَّما صعدنا نحوَ الأعلى، وتنعدم عند نهاية حَدِّ العالَم، وتزداد كلَّما ابتعدنا عن العلوِّ، فالَّذي هو على المنارة أقرب إلى الله مَسافة ممَّن هو تحتها، ورائد الفضاء أقرب مسافة إليه تعالى ممَّن هو على سطح الأرض، وهكذا، وقد التزم ابن تيميَّة بهذه اللَّوازم كما في فتاواه.

إذن: فَوقنا: السَّماء الدُّنيا، وفوقها: الثَّانية، وفوق هذه: الثَّالثة، وهكذا إلى السَّابعة، وفوق السَّابعة: الكرسي، وفوق الكرسي: العرش، وينتهي حدّ العالَم بسطح عرش الرَّحمن، وفوقه مباشرة يبدأ امتداد ذات ربِّ ابن تَيميَّة، وهذا يستلزم أن يكون لكلّ نقطة مِن على سطح العرش ما يحاذيها من ذات الرَّبِّ، فَوقها مباشرة - والعياذ بالله -، أي: أنَّ سَطح العرش يعلوه مباشرة الجانب التَّحتاني للذَّات العليَّة، وعليه فالحدُّ التَّحتاني لذات ربِّ ابن تيميَّةَ مُماسٌّ ومُلَاصقٌ مباشرةً لسطح العرش - لزاماً -، فربُّه محدودٌ مِن جانبه التَّحتاني بالصَّفحة العُليا للعرش حتَّى لا يكون داخلًا في العالَم. وقد التزم الحرَّاني بكلِّ هذه اللَّوازم كما تجده في كتابه "بيان تلبيس الجهميَّة" وكذلك "درء تعارض العقل والنَّقل" وغيرها، بل ونسبَ هذه الوَثَنيَّة للسَّلف وأهل الحديث!!!، وقد خاب مَنِ افترى.

فتحصَّل من هذا البيان المقتضب لعقيدة الرَّجل، أنَّ العلوَّ عنده: يقتضي إثبات محدوديَّة الذَّات العَليَّة، أي إثبات: الجِسميَّة، لأنَّ المحدوديَّةَ لا تنفكُّ عن الحَجميَّة = الجِسميَّة.

فيمكن جمع تقريرات ابن تيميَّة الحرَّاني على النَّحو التَّالي:
(1) الكلَّابيَّة وقُدماء الأشاعرة يثبتون العلوّ الحِسِّي!!!
(2) العلوُّ الحِسِّي لا ينفك عن إثبات الحدود في حقِّه تعالى!!!
(3) قُدماء الأشاعرة ينفون الجسميَّة والحدود عنه تعالى

والآن: كيف يجمع ابن تيميَّة بين دعواه من جهة أنَّ قُدماء الأشاعرة يثبتون العلوّ الحسِّي، وبالمقابل اعترافه - هو بلسانه - أنَّهم ينفون كلَّ لوازم هذا العلوِّ؛ على غرار: الحدود والجسميَّة والمسافة؟!!!

وكيفَ ينسب عاقل - فضلًا عن كبار متكلِّمة الإسلام - العلوّ المكاني والجهة الحسِّيَّة لمن حقيقته - هي عنده - ليست أصلًا بحسِّيَّة، ولا هو جسم ولا هو محدود، ولا يصحُّ عليه الاتِّصال أو الانفصال الحِسِّي؟!!!

وهل يصحُّ - عقلًا أو نقلًا أو لغةً - إرادة حقيقة العلوِّ لذات غير محدود فوق عالَم محدود أو ما ليس بجسم فوق جسم؟!!!

الجواب: أنَّ ابن تيميَّة يتهرَّب بكلِّ قوَّة مِن ولوج هذه المحاور الفيصليَّة الَّتي تنسف دعواه من جذورها، بل تراه يجهد نفسه في محاولة توظيف هذا "التَّباين" - المزعوم - بين قُدماء الأشاعرة وخَلفهم، لاختلاق مساجلة وَهميَّة بَين "الفريقين"...الخ، فيضرب تقرير هذا بذاك، وتقرير ذاك بهذا، وهكذا هي طريقته الَّتي يتباهى بها دائماً، بل المرَّة الوحيدة الَّتي حاول الرَّجل فيها الجمع بين "مختلف" كلام الإمام ابن فُورَك في مسألة العلوِّ، انتهى به المطاف إلى اتِّهام الإمام بالتَّناقض والتَّذبذب!!!، كما تجده في فتاواه.

والحقيقة هي أنَّ عقيدة الكلَّابيَّة والأشاعرة الأوائل في مسألة العلوّ لا تختلف عن عقيدة خلَفهم، وإنَّما الإشكال في طريقة ابن تيميَّة - العوجاء - في فهمه وتصويره لحقيقة مذهبهم.

وأمَّا طريقة قُدماء السَّادة الأشاعرة فهي تقوم على:
(1) إطلاق ما أطلقته النُّصوص من إثبات العلوِّ، مع عدم الخوض في المعاني التَّفصيليَّة، ردًّا على شُبهات الحلوليَّة وغيرهم من الفِرق المنحرفة

(2) نفي جميع لوازم العلوّ الحِسِّي والفَوقيَّة المكانيَّة: كالتَّحيُّز والمكان والنُّقلة والمساحة والحَجم والحدود وقيام الحوادث بالذَّات العليَّة

فَمن (1) و(2) يكون مرادهم بالعلوِّ:
(1) العلوُّ المعنوي [القهر، الغلبة، الجبروت...الخ]: مطلقٌ غير مقيَّد بزمان ولا مكان..

(2) العلوّ بمعنى صفة سَلبيَّة: أي سَلب كلّ المعاني الباطلة في حقِّه تعالى، فهو جلَّ وعلا فوق كلِّ المعاني الأرضيَّة..

إذن: فمن حمَل النُّصوص المطلقة التي أطلقها قدماء الأشاعرة في مسألة العلوّ على مُحكم كلامهم، تبيَّن له اتِّساق مذهبهم في المسألة، وأنَّه لا تباين بين عقيدة السَّابق منهم واللَّاحق.

وأمَّا مَن اكتفى ببعض نصوصهم في الإطلاق، واستنبط منها إثبات الجهة الحسِّيَّة لله تعالى كما فعل ابن تيميَّة، فلا ولن يستطيع البتَّة أن يجمع بين دعواه العريضة من جهة، وبين صريح كلامهم في نفي لوازم الجِسميَّة والحدود في حقِّه تعالى، لأجل هذا تجد ابن تيميَّة يذكر نصوص القوم في الإطلاق، ويهمل بالكلِّيَّة إسقاطها على صريح كلامهم في التَّنزيه، وهذا حتى لا يفتضح أمره، وتنهدم دعواه العريضة في حقِّهم، وهذه الطريقة بالإضافة إلى كونها بضاعة المفلسين، فهي خيانة علميَّة لا تليق بطالب علم، فضلًا عن شيخ، فضلًا عن عالِم، فضلًا عن مُشيَّخ على الإسلام.

هذا، ولعلَّ وعسى أن نعالج الأمر بتوثيق أكثر، والله الموفِّق.

يراجع للفائدة:
- إثبات الفوقية بين قدماء أهل السنة الأشاعرة والخلف من أيمة الإسلام:
https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... XizxsjB6tl

- من تلبيسات ابن تيميَّة على ابن كلَّاب:
https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... 4aVnYGHrPl

- من تلبيسات ابن تيميَّة على علي بن مهدي الطَّبري:
https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... kEA5va8jtl

- نُصْرَةً لِمَشْرَبِهِ الـمَعْرُوفِ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي يَسْتَبِيحُ (الخِيَانَة العِلْمِيَّة!) فِي نَقْلِ كَلاَم الإِمَام ابْن فُوْرَك فِي مَسْأَلَةِ "الفَوْقِيَّةِ"؟!:
https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... iH92YwL9jl

- من تلبيسات ابن تيميَّة على الإمام ابن فورك في مسألة العلوِّ:
https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... YFhridjUYl

- من تلبيسات ابن تيميَّة على الإمام الباقلَّاني في مسألة العلوِّ:
https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... Wp8pDWwUTl

https://m.facebook.com/story.php?story_ ... 6739351796

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عقيدة ابن تيمية وتقرير بدعة التجسيم والتكفير
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 16, 2024 11:19 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2434


حول كلام ابن تيميَّة في عقيدة أئمَّة الكُلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة (1)

بسم الله والصَّلاة والسَّلام على خير خلق الله.

سنحاول في هذه السِّلسلة بإذن الله تعالى، تحليل بعض ما كَتبه ابن تيميَّة من تقريرات متعلِّقة بعقيدة أئمَّة الكُلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة.

ولا يخفى على باحث أنَّ هذا الرَّجل قد أطال النَّفَس لأجل أن يُثبتَ نوع مُصادمة أو مُناقضة بينَ عقيدة هؤلاء الأئمَّة الأوائل، وبينَ عقيدة مَن خلَفهم مِن المتأخِّرين، ويعني بهم: كلّ مَن جاء بعد إمام الحَرَمَين أبي المعالي الجويني.

- عرض مذهب أئمَّة الكُلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة في مسألة العُلوِّ والاستواء كما قرَّرهُ ابن تيميَّة الحرَّاني:

- أوَّلًا: يُقِرُّ ابن تيميَّة بأنَّ الإمام الأشعري وقُدَماء الأشعريَّة كانوا يُثبون الاستواء في حقِّه تعالى: صِفة فِعلٍ، بمعنى: أنَّ الله فَعَل فِعلًا في العَرش - وليس في ذاته - سمَّاه: استواءً، فالله لَم يَتغَيَّر ولم يَتَحَوَّل بعد الاستواء؛ بل العرش هو الَّذي تغيَّر بفعل الله فيه، وهذا الفِعل هو الَّذي يُطلق عليه "الاستواء"، ويضيف الحرَّاني بأنَّ هذا المذهب مُخالف لعقيدة السَّلف:

قال ابنُ تيميَّةَ: ((فَالْأَشْعَرِيُّ يَقُولُ: ‌الِاسْتِوَاءُ فِعْلٌ فَعَلَهُ فِي الْعَرْشِ، فَصَارَ بِهِ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ. وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي الْإِتْيَانِ وَالنُّزُولِ. وَيَقُولُ: هَذِهِ الْأَفْعَالُ لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ الْأَجْسَامِ، بَلْ تُوصَفُ بِهَا الْأَجْسَامُ وَالْأَعْرَاضُ، فَيُقَالُ: "جَاءَتْ الْحُمَّى، وَجَاءَ الْبَرْدُ، وَجَاءَ الْحَرُّ"، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَهَذَا - أَيْضًا - قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَغَيْرِهِمَا)) [مجموع الفتاوى (16/221)، ط. دار الوفاء].

وَقَال: ((وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُمْ - كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يُوَافِقُ أَبَا الْحَسَنِ ‌الْأَشْعَرِيَّ -: عَلَى أَنَّ "الْفِعْلَ" هُوَ الْمَفْعُولُ، وَأَنَّهُ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ. يَقُولُونَ: مَعْنَى النُّزُولِ وَالِاسْتِوَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: أَفْعَالٌ يَفْعَلُهَا الرَّبُّ فِي الْمَخْلُوقَاتِ. وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ‌الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالُوا: ‌الِاسْتِوَاءُ فِعْلٌ فَعَلَهُ فِي الْعَرْشِ كَانَ بِهِ مُسْتَوِيًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الزَّاغُونِي. وَهَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ وَافَقُوا السَّلَفَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ)) [مجموع الفتاوى (5/240)، ط. دار الوَفاء] وَ [شَرح حديث النُّزول لابن تيميَّة (ص: 209-210)، تحقيق: محمَّد ين عبد الرَّحمن الخميِّس، ط. دار العاصمة].

إذن: فالإمام الأشعري ومَن وافقه مِن الحنابلة كالقاضي أبي يعلى الحنبلي وابن الزَّاغوني، كانوا يُثبتونَ الاستواء صِفةَ فِعلٍ، وهذا الفعل يقوم بالعَرش لا بالرَّبِّ، وَهذا مذهبٌ باطِلٌ مُخالِف لعقيدة السَّلف، هكذا يقرِّر ابن تيميَّة بكلِّ وضوح كما في قوله: ((وَهَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ وَافَقُوا السَّلَفَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ)).

يُتبع..

اللَّاحق: https://www.facebook.com/yacine.ben.rab ... wcKMWCxUrl

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عقيدة ابن تيمية وتقرير بدعة التجسيم والتكفير
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 18, 2024 1:23 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2434


حول كلام ابن تيميَّة في عقيدة أئمَّة الكُلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة (2)

- ثانياً: كيف فسَّر ابنُ تيميَّة مَذهبَ أئمَّة الكلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة في مسألة الاستواء؟

قَالَ ابْنُ تيميَّة الحرَّانيُّ: ((وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُ ابْنِ كُلَّابٍ وَالْأَشْعَرِيِّ والقَلَانِسِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الرَّبُّ فِي الْعَرْشِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي النُّزُولِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ يُحْدِثُ فِي الْعَرْشِ قُرْبًا ‌فَيَصِيرُ ‌مُسْتَوِيًا ‌عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ بِهِ - نَفْسُهُ - فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ)) [مَجمُوع الفتاوى (5/260)، ط. دار الوَفاء] وَ [شَرح حديث النُّزول لابن تيميَّة (ص: 262)، تحقيق: محمَّد ين عبد الرَّحمن الخميِّس، ط. دار العاصمة] فالله خلقَ العرش ثمَّ أحدثَ فيه (قُربًا!)، فصار تعالى مُستويًا عليه، مِن غير أن يَتَغَيَّر ذاته تعالى أو ينفعل أو يتأثَّر، هكذا يُقرِّر ابن تيميَّة على لسان أئمَّة الكُلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة!.

ولكن: ماذا يعني ابنُ تيميَّة بالقُرب هنا؟ والجواب تجده في قوله: ((زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ أَخَذَ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، وَكَثِيرٍ مِمَّا نُقِلَ فِي كِتَابِ "مَقَالَاتُ الْإِسْلَامِيِّينَ" مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ عَنْهُمْ مَا ذَكَرَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مِنْ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَأَنَّهُ يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ.

وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَنْ يَنْفِي قِيَامَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِذَاتِهِ: أَنَّهُ يَخْلُقُ أَعْرَاضًا فِي بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ يُسَمِّيهَا: نُزُولًا، كَمَا قَالَ: إنَّهُ يَخْلُقُ فِي الْعَرْشِ مَعْنًى يُسَمِّيهِ: اسْتِوَاءً. وَهُوَ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ: ‌تَقْرِيبُ ‌الْعَرْشِ ‌إلَى ‌ذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ بِهِ فِعْلٌ، بَلْ يَجْعَلُ أَفْعَالَهُ اللَّازِمَةَ - كَالنُّزُولِ وَالِاسْتِوَاءِ - كَأَفْعَالِهِ الْمُتَعَدِّيَةِ - كَالْخَلْقِ وَالْإِحْسَانِ -، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ هُوَ الْمَفْعُولُ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ.
وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ - كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ - يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ، وَلَكِنْ يَقُولُونَ فِي النُّزُولِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ هَذَا الْقَوْلَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي نَفْيِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ، وَالسَّلَفُ الَّذِينَ قَالُوا: يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَنْزِلُ كَيْفَ شَاءَ وَكَمَا شَاءَ...مُرَادُهُمْ نَقِيضُ هَذَا الْقَوْلِ)) [مَجمُوع الفتاوى (5/231-232)، ط. دار الوَفاء] وَ [شَرح حديث النُّزول لابن تيميَّة (ص: 181-182)، تحقيق: محمَّد ين عبد الرَّحمن الخميِّس، ط. دار العاصمة] إذن: فالله قَرَّب إلى ذاته العرشَ، القُرب الحِسِّي المعروف في الأجسام أي: بقطع مسافة، فاللهُ حَرَّك العرشَ وقَرَّبه إلى ذاته تعالى، فصار جلَّ وعلا فَوقَ عَرشه فَوقيَّةَ جِهةٍ ومَكانٍ وتحَيُّزٍ، مِن غير أن يَتحرَّك هو تَعالى إلى جِهة العَرش، بل العرش هو الذي تحرَّك - بقدرة الله - نحو الجِهة التَّحتانيَّة للذَّات العَليَّة، وصار الرَّبُّ فَوقَهُ، هكذا يشرح ابن تيميَّة مذهب أئمَّة الكلَّابيَّة والأشعريَّة في مسألة الاستواء كما تجده في قوله: ((وَهُوَ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ: ‌تَقْرِيبُ ‌الْعَرْشِ ‌إلَى ‌ذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ بِهِ فِعْلٌ)) فالتَّقريب إلى ذات الرَّبِّ: حِسِّيٌّ، وانظر إلى قوله: ((وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ - كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ - يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ)) فالعرش صار تحتَ الذَّاتِ العليَّةِ تحتِيَّةً حِسِّيَّةً، وهو تعالى فَوقَهُ فَوقيَّةً حِسِّيَّةً.

وَقَالَ فِي نصٍّ آخر: ((‌وَاَلَّذِينَ ‌يُثْبِتُونَ ‌تَقْرِيبَهُ الْعِبَادَ إلَى ذَاتِهِ: هُوَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُلَّابِيَةِ؛ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ قُرْبَ الْعِبَادِ إلَى ذَاتِهِ، وَكَذَلِكَ يُثْبِتُونَ اسْتِوَاءَهُ عَلَى الْعَرْشِ بِذَاتِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ: الِاسْتِوَاءُ فِعْلٌ فَعَلَهُ فِي الْعَرْشِ، فَصَارَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ، وَهَذَا - أَيْضًا - قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ الزَّاغُونِي، وَطَوَائِفَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ)) [مَجمُوع الفتاوى (5/278)، ط. دار الوَفاء] وَ[شَرح حديث النُّزول لابن تيميَّة (ص: 318)، تحقيق: محمَّد ين عبد الرَّحمن الخميِّس، ط. دار العاصمة] وفي هذا النَّص يُقرِّر ابنُ تيميَّةَ نفس ما قرَّره في النَّصِّ السَّابق، إلَّا أنَّه هنا ادَّعى إثبات الإمام الأشعري وأئمَّة الكُلَّابيَّة قُرب العِباد - وليس العرش فقط - إلى ذاته تعالى!، وهو يعني طبعاً: القُرب الحِسِّي بالمسافة كما هو واضح، فكما يُقرِّب اللهُ العرشَ إلى ذاته قُرب مَسافة، يُقرِّب تعالى أيضاً العبادَ إلى ذاته؛ بل والملائكة وغيرها مِن المخلوقات، وينسب الحرَّاني كلَّ هذه الاعتقادات الباطلة إلى قُدماء الأشعريَّة والكُلَّابيَّة!.

وهذا في الحقيقة عقيدته هو وسلَفه المجسِّمة لا غير، ولتنظر في قوله: ((الثَّالِثُ: قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، الَّذِينَ يُثْبِتُونَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ، وَأَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِمَّنْ دُونَهُمْ، وَأَنَّ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنْ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إلَى السَّمَاءِ صَارَ يَزْدَادُ قُرْبًا إلَى رَبِّهِ بِعُرُوجِهِ وَصُعُودِهِ؛ وَكَانَ عُرُوجُهُ إلَى اللَّهِ، لَا إلَى مُجَرَّدِ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَنَّ رُوحَ الْمُصَلِّي تَقْرُبُ إلَى اللَّهِ فِي السُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ بَدَنُهُ مُتَوَاضِعًا. وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ)) [مَجْمُوع الفَتَاوَى (6/8)، ط. دَار الوَفَاء] وعلى هذا فرائد الفضاء الكافر وهو في مكُّوكه أقرب إلى الله مِن المُوَحِّد وهو في بيت الله!.

يُتبع..

اللَّاحق: https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... 4c4LEeXs5l

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عقيدة ابن تيمية وتقرير بدعة التجسيم والتكفير
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 18, 2024 2:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2434


حول كلام ابن تيميَّة في عقيدة أئمَّة الكُلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة (3)

- ثالثاً: الاستواءُ والعُلوُّ عند ابن تيميَّة لا ينفكُّ عن الحركة والانتقال والتَّحوُّل من حال إلى حالٍ في حقِّه تعالى:

قَالَ ابْنُ تيميَّة الحرَّاني: ((وَأَمَّا لُزُومُ الانْتِقَالِ؛ فَلِلنَّاسِ عَنْهُ جَوَابَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى جَوَازِ قِيَامِ الصِّفَاتِ الفِعْلِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِالمَشِيئَةِ بِذَاتِهِ:
1- فَمَن لَّمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ قَالَ: إِنَّهُ لَمَّا خَلَقَ العَالَمَ لَمْ يَنْتَقِلْ هُوَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ؛ بَلْ خَلَقَهُ مُبَايِناً لَهُ، لَمْ يَدْخُلْ فِي العَالَمِ، وَلَمْ يَدْخُلِ العَالَمَ فِيهِ، وَحَدَثَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ العَالَمِ إِضَافَةٌ كَمَا حَدَثَتْ إِضَافَةُ المَعِيَّةِ، وَحُدُوثُ الإِضَافَاتِ جَائِزٌ اِتِّفَاقًا؛ بَل لَّا بُدَّ مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: الِاسْتِوَاءُ إِضَافَةٌ مَحْضَةٌ، وَأَنَّهُ فَعَلَ [فِعْلًا] فِي الْعَرْشِ صَارَ بِهِ مُسْتَوِيًا عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ خَلَقَ العَرْشَ تَحْتَهُ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ فَوْقَهُ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ مِنَ الرَّبِّ، وَلَا تَحَوُّلٍ قَائِمٍ بِذَاتِهِ.
2- وَالجَوَابُ الثَّانِي: جَوَابُ مَنْ يُجَوِّزُ قِيَامَ الأَفْعَالِ الإِرَادِيَّةِ بِذَاتِهِ، كَمَا هُوَ المَفْهُومُ مِنَ النُّصُوصِ، وَهَؤُلَاءِ يَلْتَزِمُونَ مَا ذُكِرَ مِنْ مَعْنَى الِانْتِقَالِ وَالْحَرَكَةِ؛ لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ يُقِرُّ بِالْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ؛ لِكَوْنِ الشَّرْعِ لَمْ يَرِدْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظِ الِاسْتِوَاءِ، وَالْمَجِيءِ، وَالنُّزُولِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقِرُّ بِاللَّفْظِ أَيْضًا، وَيَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُدُوثَ، وَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِذَلِكَ عَلَى الحُدُوثِ بَاطِلٌ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ حُجَّةُ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ فَقَدْ أَبْطَلَ؛ بَلْ قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ تَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ الْمَطْلُوبِ)) [مُختصَر الفتاوى المصريَّة لابن تيميَّة (2/450-451)، تأليف البَعلي، ط. ركائز]، وَفي الطَّبعات الأخرى بدلَ: ((وَحَدَثَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ العَالَمِ إِضَافَةٌ كَمَا حَدَثَتْ إِضَافَةُ المَعِيَّةِ)) جَاءَ كَلامُه هكذا: ((وَحَدَثَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ العَالَمِ إِضَافَةُ التَّحْتِيَّةِ)) [المُسْتَدرك عَلَى مَجمُوع فَتَاوى ابنِ تيميَّة (1/70)، ط. محمَّد بن عبد الرَّحمن بن قاسم] وَ[مُختصَر الفتاوى المصريَّة لابن تيميَّة (ص: 584)، تأليف البَعلي، ط. دار الكتب العلميَّة].

وفي هذا النَّص يُوَضِّح ابنُ تيميَّة مرَّةً أخرى مذهب القائلين بأنَّ الاستواء فِعلٌ فَعلَه الله في العرش وليس في ذاته، فخلق سبحانه العَرش تحت ذاته مُباشرة - كما في زعمه: ((خَلَقَ العَرْشَ تَحْتَهُ)) -، ولكن ألا يلزم هنا إثبات مُماسَّة ومُلاصقة الخالق للمخلوق؟!، ولا تغفل عن أنَّ ابن تيميَّة في النُّصوص السَّابقة، زعم تقريبه تعالى العرشَ إلى ذاته سبحانه!، ثمَّ يكمل: فلزم أن يكون هو نفسه تعالى فوق العَرش - كما في زعمه: ((فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ فَوْقَهُ)) وزعمه أيضاً: ((بَلْ خَلَقَهُ مُبَايِناً لَهُ)) -، مِن غير أن يُحرِّك تعالى ذاته أو يتغيَّر مِن حالٍ إلى حالٍ - كما تجده في زعمه: ((لَمَّا خَلَقَ العَالَمَ لَمْ يَنْتَقِلْ هُوَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ)) -، وهذا مذهب الفريق الأوَّل من أهل الإثبات كما يدَّعي ابنُ تيميَّة؛ فَهذا الفَريقُ: يُثبتون العلوَّ الحِسِّي، ولكنَّهم يَنفونَ قِيام الحوادث بالله تعالى، وهو المذهب الَّذي يحاول ابن تيميَّة جاهداً إلصاقه بأئمَّةِ الكُلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة كما هو واضحٌ، ومع هذا فليس هذا هو المذهبُ الحقّ عند ابنِ تيميَّة.

بل الحقّ عنده مع مَن يربطون العُلوَّ الحِسِّي بقِيام الحركةِ والانتقالِ والتَّحوُّل من حالٍ إلى حالٍ في حقِّه تعالى، فالله تعالى حَرَّك نفسه ليَستويَ على العَرش، فانتقل مِن حالٍ = "غير مستوٍ على العرش" إلى آخر = "الاستواء على العرش"، وهذا يستلزم تحرُّكه تعالى من حيِّزٍ إلى آخر، وتَحَوُّله جلَّ وعلا من حالٍ كان عليه إلى آخر، فأحدثَ تعالى في ذاته تغيُّراً، وانفعالًا بمخلوقاته، هذه هي عقيدة ابن تيميَّة في الاستواء والفَوْقيَّةِ كما يعكسه قوله: ((جَوَابُ مَنْ يُجَوِّزُ قِيَامَ الأَفْعَالِ الإِرَادِيَّةِ بِذَاتِهِ، كَمَا هُوَ المَفْهُومُ مِنَ النُّصُوصِ، وَهَؤُلَاءِ يَلْتَزِمُونَ مَا ذُكِرَ مِنْ مَعْنَى الِانْتِقَالِ وَالْحَرَكَةِ))، فالنُّصوص دالَّةٌ عليه!، وتأمَّل أنَّ كلامَ الرَّجل هنا عن معاني الحركة والانتقال لا مُجرَّد الألفاظ فقط، فالاستواءُ والنُّزولُ وغيره مِن "الصِّفات الاختياريَّة" - كما يُطلق عليها ابنُ تيميَّة - لَا تنفكُّ عن معاني التَّغَيُّر والتَّحوُّل والحركة والانتقال، وغير هذا: تَعطيل ونفي لصفة الاستواءِ والعُلُوِّ، هذا حاصل تقرير ابن تيميَّة هنا.

وقال أيضاً: ((وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الْإِلْحَادِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: "وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ" قَصَدَ بِهَا الْمُتَكَلِّمَةُ الْمُتَجَهِّمَةُ: نَفْيَ الصِّفَاتِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ، مِنْ اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ، وَنُزُولِهِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَالُوا:" كَانَ فِي الْأَزَلِ لَيْسَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ، وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ"، فَلَا يَكُونُ عَلَى الْعَرْشِ لِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنَ التَّحَوُّلِ وَالتَّغَيُّرِ.
وَيُجِيبُهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْإِثْبَاتِ بِجَوَابَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ:
- أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُتَجَدِّدَ نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَرْشِ بِمَنْزِلَةِ الْمَعِيَّةِ، وَيُسَمِّيهَا ابْنُ عَقِيلٍ الْأَحْوَالَ، وَتَجَدُّدُ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ؛ إذْ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ تَغَيُّرًا، وَلَا اسْتِحَالَةً.
- وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ اقْتَضَى تَحَوُّلًا مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَمِنْ شَأْنٍ إلَى شَأْنٍ، فَهُوَ مِثْلُ: مَجِيئِهِ، وَإِتْيَانِهِ، وَنُزُولِهِ، وَتَكْلِيمِهِ لِمُوسَى، وَإِتْيَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُورَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ، وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَهُوَ لَازِمٌ لِسَائِرِ الْفِرَقِ)) [مجموع الفتاوى (2/167-168)، ط. دار الوفاء] وَ[مجموعة الرَّسائل والمسائل (4/94-95)، ط. رشيد رضا] وأمَّا ما ذكرهُ في الجواب الأوَّل مِن نفي ارتباط الاستواء بحدوث الانتقال والتَّغيُّر والتَّحوُّل في ذات الرَّب، فهو ما ينسبه إلى قُدماء الأشعريَّة وأئمَّة الكُلَّابيَّة، وأمَّا ما ذَكره في الجواب الثَّاني من ربط الاستواء والنُّزول والمجيء والإتيان يوم القيامة في (صورة!)، وغيرها من الأفعال؛ أي: رَبطها: بالحركة والتَّحوُّل والتَّغيُّر في حقِّه تعالى؛ فهو المذهب الحقّ عند ابن تيميَّة؛ لأنَّه: ((دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ، وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ)) على حدِّ زعمه.

وإن كنتَ يا عبد الله لا زلتَ - ربَّما! - في شكٍّ من تَفسير كلام ابن تيميَّة على هذا النَّحو، فاستمع إليه وهو يقول صراحةً: ((لِلنَّاسِ فِي أَنَّ اللهَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَالْعَالَمِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِعَامَّةِ الطَّوَائِفِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا:
- أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُجَرَّدُ نِسْبَةٍ وَإِضَافَةٍ بَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَالْخَالِقِ، وَبَيْنَ الْعَرْشِ وَالرَّبِّ، تَجَدَّدَتْ بِخَلْقِهِ لِلْعَرْشِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ فِي نَفْسِهِ تَحَرَّكَ أَوْ تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: يَمْتَنِعُ حُلُولُ الْحَوَادِثِ بِذَاتِهِ، وَتَمْتَنِعُ الْحَرَكَةُ عَلَيْهِ.
- وَالْقَولُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ مِنْ الطَّوَائِفِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمِ: أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَيْهِ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، فَيَكُونُ قَدْ اِسْتَوَى عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوِيًا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ اِسْتِوَاؤُهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَمَجِيئُهُ، وَإِتْيَانُهُ؛ كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ النُّصُوصُ الْمُتَوَاتِرَةُ الصَّحِيحَةُ)) [بَيَانُ تَلْبِيسِ الْجَهْمِيَّةِ (3/237-238)، (3/802-803) وَ(4/236)، ط. المجمَّع] فالفَوقيَة والاستواء والإتيان والمجيء في حقِّه تعالى، معناه: أنَّ الله (يَتَصَرَّف!) في نفسه على حدِّ تعبير ابن تيميَّة هُنا، فَحَرَّك تعالى ذاته ليستوي على العرش أو إلى السَّماء أو يأتي أو يجيء، وعلى هذا مذهب السَّلف وأئمَّة الحديث، هكذا يقرِّر ابن تيميَّة كما ترى.

ولكن: إذا جوَّز ابنُ تيميَّة أن يؤثِّر الله في نفسه وينفعل بمخلوقاته ويتغيَّر، فما الَّذي يمنعه مِن أن يُجَوِّز أيضاً أن يُعدِم الله ذاته أو يَزيد ويُنقص في حَجْمِه - تعالى الله عن ذلك علُوًّا كثيراً -؛ فيلزم القول بانقلاب الذَّات، وهو كُفر باتِّفاق؟!.

يُتبع..

السَّابق: https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... RytWvaBSJl

اللَّاحق: https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... TaJhJtvfVl

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عقيدة ابن تيمية وتقرير بدعة التجسيم والتكفير
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 24, 2024 9:43 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2434


حول كلام ابن تيميَّة في عقيدة أئمَّة الكُلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة (4)

- رابعاً: يَدَّعي ابنُ تيميَّة أنَّ أئمَّةَ الكُلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة كانوا يُثبتون الفَوقِيَّة الحِسِّيَّة حتَّى مع نَفيِهم الحدود والنِّهايات والمُماسَّة وغيرها من معاني الجِسميَّة في حقِّه تعالى، ويدَّعي أيضاً: أنَّ الحقَّ في إثبات ما نفاهُ هؤلاءِ الأئمَّة، وأنَّهُ تعالى جسمٌ مَحدُودٌ مُتمَكِّنٌ فَوق العَرش بمُماسَّة ومُلَاصَقَةٍ، وله قَدْرٌ = حَجْمٌ لَا يعلمه غيره!!!:

قَالَ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي: ((فَلَا جَرَمَ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِثُبُوتِ المُمَاسَّةِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ، وقَالَهُ أَئِمَّةُ السَّلَفِ، وَهُوَ نَظِيرُ الرُّؤْيَةِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَسْأَلَةِ الْعَرْشِ، وَخَلْقِ آدَمَ بِيَدِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ نَفَاهُ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيرِهِمْ)) [بيانُ تَلبيس الجَهميَّة (4/343)، ط. المجمَّع] فاستواء الله على العرش كانَ بمُماسَّة وملاصقَة لسطح العرش!، وكذلك خلقَ الله تعالى آدم بيَده؛ فمسَّه بِها مَسيسًا!، فالله يَمَسُّ!!! ويُمَسُّ!!!، وهذه عقيدة أئمَّة السَّلف!!!، كذا زعم ابن تيميَّة كما ترى.

وهذه المسألة أعني: تعلُّق العُلُوّ الحِسِّي والاستواء المادِّي بإثبات المُماسَّة والحدود والحَجم والتَّحيُّز وغيره من معاني الجسميَّة في حقِّه تعالى، تُعَدُّ مِن أهمِّ المسائل الكاشفة عن حقيقة مذهب ابن تيميَّة في الذَّات والصِّفات، لأجل هذا تجده في كثيرٍ مِن النُّصوص الَّتي يتعرَّض فيها لهذه المسألة؛ يتحاشى التَّصريح مباشرة بالأخذ برأي المُثبتة فيها، ولكنَّه ينصر رأيهم بأسلوبه المعروف في التَّلبيس والتَّمويه والتَّشغيب والتَّقيَّة، كأن ينقل بإقرار وإمرار واستسمان معاني الجِسميَّةِ ولوازمها البَيِّنَةِ، ويدافع عنها بكلِّ قوَّة، بل ويجعلها مذهب العُقلاء والأذكياء وأصحاب الفِطرة السَّليمة، ثمَّ يتظاهر بتحاشي إطلاق الألفاظ الدَّالة على هذه المعاني في حقِّه تعالى، وكأنَّ المشكلة عنده في إطلاق الألفاظ فقط وليست في المعاني الباطلة التي تحملها هذه الألفاظ في حقِّه تعالى، ولكنَّه - وفي بعض النُّصوص الأخرى - لا يتوارى في الإفصاح عن حقيقة مُراده، خاصَّةً إذا تعلَّق الأمر بمُحاوَلاته المتكرِّرة للرَّدِّ على إلزامات الفَخر الرَّازي للمُجسَّمةِ باللَّوازم الشَّنيعة من وراء القول بمذهبهم الباطل، ومِن بين هذه النُّصوص الصَّريحة؛ هذا النَّص الَّذي سننقله عنه، والَّذي تعرَّض فيه الحَرَّاني لهذه المسألة رادًّا على الإمام الفَخر الرَّازي.

نعم؛ فقد ذكرَ ابنُ تيميَّةَ مذاهب النَّاس في مدى ارتباط العُلوّ الحِسِّي والاستواء المادِّي بإثبات معاني الجِسميَّة؛ فقالَ: ((النَّاسُ لَهُم فِي هذَا المَقَامِ أَقْوَالٌ:
- مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُو نَفْسُهُ فَوقَ ‌العَرْشِ غَيرُ ‌مُمَاسٍّ، وَلَا بَيْنَهُ وبَيْنَ ‌العَرْشِ فُرجَةٌ، وهَذَا قَوْلُ ابنِ كُلَّابٍ، وَالحَارِثِ المُحَاسِبِيِّ، وَأَبِي العَبَّاسِ القَلَانِسِيِّ، والأَشعَريِّ، وابْنِ البَاقِلَّانِيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ وَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ طَوَائِفُ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْنَافِ العُلَمَاءِ، مِنْ أَتْبَاعِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ، وَأَهْلِ الحَدِيثِ والصُّوفيَّةِ، وغَيرِهِمْ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ بِذَاتِهِ فَوْقَ ‌العَرْشِ، وَلَيسَ بِجِسْمٍ، وَلَا هُوَ مَحْدُودٌ وَلَا مُتَنَاهٍ)) [دَرْءُ تَعارُض العَقلِ والنَّقلِ (6/288)، ط: الدُّكتور محُمَّد رَشاد سالم] فَهَذَا مذهبُ الفَريق الأوَّل في المسألةِ، وهُم أئمَّة الكُلَّابيَّة وقُدماء الأشعريَّة، فهم حسبَ نصِّ ابن تيميَّة هنا:
1. يُثبتون العُلُوَّ (الحِسِّي!) في حقِّهِ تعالى، كما في قوله: ((يَقُولُونَ: إِنَّهُ بِذَاتِهِ فَوْقَ ‌العَرْشِ))
2. وينفون عنه تعالى الاتِّصال الحِسِّي بالعالَمِ، كما في قوله: ((هُو نَفْسُهُ فَوقَ ‌العَرْشِ غَيرُ ‌مُمَاسٍّ))
3. وينفون عنه أيضاً الانفصال الحِسِّي، كما في قوله: ((وَلَا بَيْنَهُ وبَيْنَ ‌العَرْشِ فُرجَةٌ))، فلا مسافة بينَ الله وبين العالَمِ
4. وَينفون الحدود والأبعاد والحَجم والتَّناهي أي: معاني الجِسميَّة، كما في قوله: ((وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: وَلَيسَ بِجِسْمٍ، وَلَا هُوَ مَحْدُودٌ وَلَا مُتَنَاهٍ))

فتحصَّل من تحرير ابن تيميَّة لمذهب أئمَّة الكلَّابيَّة وقُدماء الأشعريَّة: أنَّ الله ليس بجِسمٍ، وهو فوق العَالَمِ فَوقِيَّةً (حِسِّيَّةً!)، بِلَا مُماسَّةٍ لِلعَالَمِ، ولَا فُرجَةٍ بَيَنَهُ وَبَيْنَ العالَمِ.

ثمَّ يذكر ابنُ تيميَّة القولَ الثَّاني في المسألة؛ فيقول: ((- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ نَفْسُهُ فَوْقَ العَرْشِ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُوفاً بِقَدْرٍ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ. ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ عَلَيْهِ مُماسَّةُ العَرْشِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الفِقْهِ، وَالصُّوفِيَّةِ وَالكَلَامِ غَيْر الكَرَّامِيَّةِ، فَأَمَّا أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالحَدِيثِ وَأَتْبَاعُهُمْ، فَلَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ "الجِسْمِ" نَفْياً وَلَا إِثْبَاتاً، وَأَمَّا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكَلَامِ فَيُطْلِقُونَ لَفْظَ "الجِسْمِ"، ‌كَهِشَامِ ‌بْنِ ‌الْحَكَمِ، وَهِشَامِ بْنِ الْجَوَالِيقِيِّ وَأَتْبَاعِهِمَا)) [دَرْءُ تَعارُض العَقلِ والنَّقلِ (6/288-289)، ط: الدُّكتور محُمَّد رَشاد سالم] فهذا القول الثَّاني جَعله ابنُ تيميَّة مُقابِلًا للقول الأوَّل فِي نَفي الجِسميَّةَ عن الله، وادَّعى أنَّهُ: ((قَوْلُ أَهْلِ الحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ))، فهو إذن: قولُه في المسألة؛ لأنَّه ما بَرح يُدندنُ أنَّه على عقيدة مَن يُسمِّيهم: "أهل الحديث".

إذن: فأهلُ الحديث والسُّنَّة حسبَ نَصِّ ابن تيميَّة هنا:
1. يُثبتون العُلُوَّ (الحِسِّي!) في حقِّهِ تعالى، كما تجده في قوله: ((هُوَ نَفْسُهُ فَوْقَ العَرْشِ))، فهذا القَدر من الإثبات يشتَركُ فيه أصحابُ القَول الأوَّل، وكذا هذا الثَّاني.
2. وَيُثبتون ما نفاه أئمَّة الكُلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة من معاني الجِسميَّة، كما تجده في قوله: ((وَإِنْ كَانَ مَوْصُوفاً بِقَدْرٍ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ))، وبهذا القدر من الإثبات يُبايِن أصحابُ هذا القولِ "الثَّاني" - مُثبتَة الجِسمِ - أصحابَ القَول "الأوَّل" - نُفاة الجِسمِ -، فأصحابُ القَول الأوَّل يقولُونَ أنَّه تعالى ((لَيسَ بِجِسْمٍ، وَلَا هُوَ مَحْدُودٌ وَلَا مُتَنَاهٍ))، وأمَّا أصحابُ هذا القول الثَّاني فيَصفُونَهُ تعالى - حسبَ ابن تيميَّة -: ((بِقَدْرٍ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ))، إذن: فالله تعالى عندَ أهل الحديث والسُّنَّة: مُتَنَاهٍ وَمَحدُودٌ وَلهُ قَدْرٌ حِسِّيٌّ أيْ: حَجْمٌ لا يعلمه إلَّا هو، فحَجْمُ الله عظيم لا يُدركه إلَّا هو، هكذا يقرِّر ابنُ تيميَّةَ، ولا يذهبنَّ بكَ الوَهم إلى أنَّ الرَّجل ربَّما يقصدُ القَدْر المَعنوي، إذ هذا القَدر لَا يُخالِفُ فيه أصحابُ القَولِ الأوَّل حتَّى يُخصِّصه ابنُ تيميَّة بأصحاب هذا القول الثَّاني أو يُمَيِّزهم به عنِ الأوَّل، بل ولا يوجد في مقالاتِ الإسلاميِّين - فضلًا عن مُتكلّمة الكُلَّابيَّة والأشعريَّة - مَن ينفي هذا النَّوع من القَدْرِ، إذ نفيهُ عن الباري كُفرٌ باتِّفاق، فتَنَبَّه.
3. وَ: ((مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ عَلَيْهِ مُماسَّةُ))، إذن: فقد ذهبَ بعض أهل الحديث والسُّنَّة إلى أنَّ االله جِسمٌ فَوق العرش، ولكن بلَا مُمَاسَّةٍ!، ولإثبات هذا الفريق الجسميَّة في حقِّ ربِّهم؛ لم يدرج ابن تيميَّة قَولهم هذا ضمن القَول الأوَّل.
4. ((وَمِنْهُمْ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ)) أي: المُماسَّة، ((وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ)) إذن: فمذهب خُلَّص أهلِ الحديث والسُّنَّة: أنَّ الله جِسمٌ - مَحدودٌ وَمُتَناهٍ - عَالٍ على العاَلَمِ عُلُوَّ مَكَانٍ بِمُماسَّةٍ للصَّفيحة العُليا مِن العرشِ!.
5. إلَّا أنَّهم مع إرادة معاني الفَوقِيَّة الحِسَّيَّةِ وَالجسميَّة والمُماسَّة؛ يتورَّعونَ عن إطلاقِ لفظ "الجسم" في حقِّه تعالى، فلا يطلقونه: لا نفيًا ولا إثباتًا، فلا يقولون: "الله جِسمٌ" ولا يقولون: "الله ليس بجسمٍ"، وهذا معنى قول ابن تيميَّة: ((فَأَمَّا أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالحَدِيثِ وَأَتْبَاعِهِمْ، فَلَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ "الجِسْمِ" نَفْياً وَلَا إِثْبَاتاً))، إذن: فلا مُشكلة عندهُ في إرادة مَعنى الجِسمِ مع تحاشي إطلاق اللَّفظ عليه تعالى، وهذا مِن أساليبه الملتويَّة لأجل حشو التَّجسيم؛ وإلَّا فَالعِبرة بالمعاني لا المباني كما تقرَّر.

إذن: عقيدة أهلِ الحديث والسُّنَّة وكثيرٍ من أهلِ الفقه والصُّوفيَّةِ والمتكلِّمةِ: أنَّ الله جِسمٌ مَحدودٌ وَمُتناهٍ، وأمَّا مِن جانبه التَّحتاني فهو تعالى محدودٌ بالعالَمِ؛ لأجل هذا صحَّت مُماسَّته من هذه الجِهة للصَّفحة العُليا مِن العالَمِ، هكذا يزعم ابنُ تيميَّة. وهذا في الحقيقة مذهبه الَّذي طالما دندنَ حوله، وأراد حَشوه بأساليب مُلتويَّة، لا يفكُّ شِفرَتها إلَّا مَن سَبر غوار تواليفه، خاصَّة المطوَّلات منها.

ويُعدُّ هذا النَّص مِن المواطن القليلة الَّتي يُصرِّح فيها ابنُ تيميَّةَ بعقيدته في التَّجسيم هكذا؛ بِلَا مُوارَبةٍ ولا تَقِيَّةٍ ولا مُشاغبةٍ.

وهذا النَّص يتطلَّبُ بعض الوَقفات - وإن سبقت الإشارة إلى بعضها -:
1. زَعمَ ابنُ تيميَّة أنَّ عقيدةَ أئمَّةِ الكُلَابيَّة وقُدَماءِ الأشعريَّة؛ أنَّه تعالى: ((بِذَاتِهِ فَوْقَ ‌العَرْشِ، وَلَيسَ بِجِسْمٍ، وَلَا هُوَ مَحْدُودٌ وَلَا مُتَنَاهٍ)) فاللهُ فَوق العَرش الفَوقِيَّة (الحِسِّيَّة!) المعقولَة في الأجسامِ: "جِسم فوق جِسم"، أي: فَوقِيَّة مَسافةٍ وجِهةٍ ومكانٍ وتَحَيُّزٍ، ومع ذلك فهؤلاء الأئمَّة يُجرِّدون هذه الفَوقيَّة (الحِسِّيَّة!) من كلِّ معانيها الحِسِّيَّة، فينفون عنه تعالى الحُدود والنِّهايات والامتداد في الأبعاد وغيرها من المعاني الجِسميَّةِ، هذا حاصل كلام ابن تيميَّة في حقِّ هؤلاء الأئمَّة.
2. ثمَّ يدَّعي الحرَّاني أنَّهم: ((يَقُولُونَ: هُو نَفْسُهُ فَوقَ ‌العَرْشِ غَيرُ ‌مُمَاسٍّ، وَلَا بَيْنَهُ وبَيْنَ ‌العَرْشِ فُرجَةٌ)) أي: مع إثباتهم العُلُوَّ (الحِسِّي!) - على حدِّ زعمه -؛ إلَّا أنَّهم يَنفون المُماسَّة والملاصقة في حقِّ ربِّهم، كما ينفون وُجود فُرجةٍ أي: مسافة بينه وبين العرش، أي: ينفونَ البَينُونةَ الحِسِّيَّة بين الخالق والمخلوق = العرش، فلا هو تعالى مُتَّصل بالعَرش = ((فَوقَ ‌العَرْشِ غَيرُ ‌مُمَاسٍّ))، ولا هو مُنفصل عنه بمسافة = ((وَلَا بَيْنَهُ وبَيْنَ ‌العَرْشِ فُرجَةٌ)).

والآن: إذا كان الأمر كما هو حاصل تقرير ابن تيميَّة في هذا النَّصِّ - وهو حقٌّ -، أي: أنَّ مذهب أئمَّة الكُلَّابيَّة وقُدماء الأشعريَّة في العُلُوِّ والاستواء أنَّه: لا هو تعالى مُتَّصل بالعرش = بمُماسَّة، ولا هو منفصلٌ عنه بفُرجة = مسافة؛ وهذا لأنَّ المُماسَّة وَالمُباينة بمسافة لا تكون إلَّا بينَ الأجسام المحدودة، والله ليس جسماً ولا هو محدودٌ، فلا يقبلُ أصلًا الاتِّصال الحِسِّي ولَا الانفصال بمسافة.

أقول: إذا كان الأمر كذلك؛ فكان يَتوَجَّبُ على ابن تيميَّة أن يُبَيِّن لمُخالفيه كيفَ جَمَع - من جهة - بين ما قرَّرهُ هو نفسه على لسان قُدماء الكُلَّابيَّة والأشعريَّة في هذا النَّصِّ؛ مِن تجريد تامٍّ للعُلُوِّ الحِسِّي مِن كلِّ معانيه الحسِّيَّةِ اللَّازمة؛ وبالمقابل دعواه العريضة: على أنَّهم كانوا يُثبتون العُلوَّ الحِسِّي، بكلِّ ما يحمله هذا الإثبات مِن معاني؟! يعني: هل يجوز العلوّ الحسِّي في حقِّ مَن لا يقبل الاتِّصال بِالمُماسَّة ولا الانفصال بفُرجة؟!، وهل يُعقَل فوقيَّة حدودٍ بين: مَعبود لا يقبل أصلًا النِّهايات والحُدود، وَموجود مُتناهٍ مَحدود؟!، وإذَا قبلَ ابنُ تيميَّة مثل هذا التَّوجيه؛ فما الَّذي يمنع غيره من إثبات الجِهة الحسِّيَّة أو الإشارة الحسِّيَّة إلى ما هو من غير الأجسام أصلًا: كالحركة أو السُّكون مثلًا؟! أو إلى غيرها: كالغَضب والرَّحمةِ والحُزن والحُبِّ والبُغضِ والعِلمِ والإرادةِ والقُدرةِ وغيرها من المعاني الثَّابتة خارجاً؟!.

وَإذا كان الله قد خلق العرش تحتَه مُباشرة بالجِهةِ والحَيِّزِ كما يدَّعي هذا الرَّجل في حقِّ هؤلاء الأئمَّةِ، ألا يستدعي هذا إثبات المُماسَّة؟!، إذْ ما ثَمَّ إلَّا الخالق والمخلوق، فإذا خلق الخالق خلقا وجعله تحته مُباشرة، على المعنى الَّذي يقصده ابنُ تيميَّة، فيلزم إثبات مُماسَّة الخالق لهذا المخلوق ولَا بُدَّ، والسُّؤال هُنا: لماذا أَضرب ابن تيميَّة عن بيان كيفيَّة منع هذه الملازمة التي أَوقعها فيها فهمه المغلوط لمذهب أئمَّة الكلَّابيَّة والأشعريَّة؟!، يعني ببساطة: هل تُعقَّل فَوقيَّة جِهة ومَسافة ومَكان وحيِّزٍ بَين مَوجودين أحدهما فوق الآخر مُباشرة؛ مِن غير إثبات مُماسَّة ومُلاصقة أحدهما للآخر؟!.

ولتنظر يا عبد الله الآن إلى ما قرَّرهُ ابنُ تيميَّة نفسه عند حديثه عمَّا هو منسوب إلى الإمام عبد الله بن المبارك في مسألة الاستواء؛ حيث حاول تفسيره على مَشربه المعروف في التَّجسيم؛ فقال: ((فَبَيَّنَ ابنُ المُبَارَكِ أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ مُبَايِنٌ لِخَلْقِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، وَذَكَرَ الْحَدَّ لِأَنَّ الجَهْمِيَّةَ كَانُوا يَقُولُونَ: لَيْسَ لَهُ حَدٌّ، ‌وَمَا ‌لَا ‌حَدَّ ‌لَهُ: لَا يُبَايِنُ المخْلُوقَاتِ، وَلَا يَكُونُ فَوْقَ العَالَمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَدِّ، فَلَمَّا سَأَلُوا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ - فِي كُلِّ شَيْءٍ - عَبْدَ اللهِ بْنَ المُبَارَكِ بِمَاذَا نَعْرِفُهُ؟ قَالَ: "بِأَنَّهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ". فَذَكَرُوا لَهُ لَازِمَ ذَلِكَ الَّذِي تَنْفِيهِ الجَهْمِيَّةُ، وَبِنَفْيِهِمْ لَهُ يَنْفُونَ مَلْزُومَهُ الَّذِي هُوَ مَوجُودٌ فَوْقَ العَرْشِ، وَمُبَايَنَتُهُ لِلْمَخْلُوقَاتِ، فَقَالُوا لَهُ: بِحَدٍّ؟ قَالَ: بِحَدٍّ. وَهَذَا يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ عَرَفَ مَا بَيْنَ قَولِ المُؤْمِنِينَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَبَيْنَ الجَهْمِيَّةِ المَلَاحِدَةِ، مِنَ الفَرْقِ)) [بَيَانُ تَلْبِيسِ الْجَهْمِيَّةِ (3/43-44)، ط. المجمَّع] فها هو ابنُ تيميَّة يُقرُّ بأنَّ كلَّ = ((مَنْ عَرَفَ مَا بَيْنَ قَولِ المُؤْمِنِينَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَبَيْنَ الجَهْمِيَّةِ المَلَاحِدَةِ، مِنَ الفَرْقِ)): يعلمُ أنَّ إثباتَ العُلوّ الحِسِّي لله تعالى، لا ينفكُّ عن إثباتِ الحَدِّ الحِسِّي في حقِّه تعالى، فَلا عُلُوّ بالمسافة إلَّا لمحدودٍ ومُتَناهٍ أي: الجسم، فنَفيُ الحدِّ عنِ الله تعالى يَستلزمُ نفي صفة العُلُوِّ كما صرَّح هو نفسه عندَ قولهِ: ((‌وَمَا ‌لَا ‌حَدَّ ‌لَهُ: لَا يُبَايِنُ المخْلُوقَاتِ، وَلَا يَكُونُ فَوْقَ العَالَمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَدِّ))، وأَئمَّةُ الكُلَّابيَّة وَقُدَماء الأشعريَّة ينفون الحدود والنِّهايات عنه جلَّا وعلا، وَيقولون على - حدِّ زعمِ ابنِ تيميَّةَ - أَنّهُ عزَّ وجلَّ ((بِذَاتِهِ فَوْقَ ‌العَرْشِ، وَلَيسَ بِجِسْمٍ، وَلَا هُوَ مَحْدُودٌ وَلَا مُتَنَاهٍ)) كما مرَّ معكَ كلامه، وعَلَيهِ: فما الَّذي جعلَ ابن تيميَّة يَحشرُ هؤلاءِ الأئمَّة في زُمرةِ المُثبتة للعُلُوِّ الحِسّي في حقِّه تعالى حتَّى مع نَفيِهم الصَّريح لما يقول ابن تيميَّة نفسه أنَّه من لَوازِم صفة العُلُوِّ كالحَدِّ والنِّهايات؟!.

وختاماً، هذه فذلكة بالدَّعاوى العريضة التي أطلقها ابن تيميَّة، قد تفيد الباحث في استيعاب ما هو آت إن شاء الله تعالى:
1. ادَّعى ابنُ تيميَّةَ أنَّ أئمَّة الكلَّابيَّة وقُدماء الأشعريَّة يُثبتون العُلوَّ الحِسِّي في حقِّه تعالى، مع نَفيِهم الحُدود والمُماسَّة والتَّغيُّر والتَّحَوُّل والانتقال وغيرها من معاني الجِسميَّة، وفَسَّر الحرَّاني الاستواءَ عند هؤلاء الأئمَّة: بأنَّ الله خلقَ العرش، ثُمَّ حرَّكه إلى ذاته ليَستويَ عليه، أو أنَّهُ تعالى خلقَه مباشرة تحتَه، فلزم أن يكون هو نفسه جل وعلَّا فَوقَ العرش، مِن غير أن تحُلّه الحوادث.
2. وادَّعى بالمقابل أنَّ مذهب أهل الحديث والسَّلف، أنَّه تعالى فوق العالَم الفَوقِيَّةَ المعروفة أي: "فوقيَّة محدود على محدود"، وأنَّ الله جِسمٌ مُتَناهٍ، مَحدودٌ مِن أسفله بسطح العَالَمِ، حرَّك تعالى نفسه حتَّى (يستويَ!) على العرش، بمُماسَّةٍ ومُلَاصقةٍ للصَّفيحة العُليا منَ العَرش.
3. وَادَّعى أنَّ نفيَ الحدّ الحِسِّي عنِ الله مُستلزم لنفي العُلوّ الحِسِّي، ثمَّ نسبَ العلوَّ الحِسِّي لأئمَّة الكلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة حتَّى مع اعترافه بأنَّهم ينفون لوازم هذا العُلُوِّ أي: ينفون الحدودِ والنِّهايات في حقِّه تعالى!، وهذا ما يضع علامات استفهام كبيرة على طريقة ابنِ تيميَّة في تقرير مذهب أئمَّة الكلَّابيَّة وقُدماء الأشعريَّة في مسألةِ العُلُوِّ.

يُتبع..

السَّابق: https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... CzQ6FyAtLl

اللَّاحق: https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... f6ZCVCvZpl

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عقيدة ابن تيمية وتقرير بدعة التجسيم والتكفير
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 25, 2024 10:06 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2434


حول كلام ابن تيميَّة في عقيدة أئمَّة الكُلَّابيَّة وقُدَماء الأشعريَّة (5)

- طريقةُ ابن تيميَّة في تصوير (النِّزاع!) بين قُدماءِ الأشاعرة وخَلَفهم في مسألة العُلُوِّ

"ضرب أقوال الفِرق بعضها ببعض" يُعدُّ مِن (التَّكتيكات!) المفضَّلة التي يستعملها ابنُ تيميَّة لأجل نُصرة آرائه العَقديَّة، ومُدافعة حُجج مخالفيه، واستمع إليه وهو يقول: ((وَالْمُنَاظَرَةُ تَارَةً تَكُونُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَتَارَةً بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْبَاطِلَيْنِ لِتَبْيِينِ بُطْلَانِهِمَا، أَوْ بُطْلَانِ أَحَدِهِمَا، أَوْ كَوْنِ أَحَدِهِمَا أَشَدَّ بُطْلَانًا مِنَ الْآخَرِ، فَإِنَّ هَذَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَثِيرًا فِي أَقْوَالِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ وَأَمْثَالِهِمْ، مِمَّنْ يَقُولُ أَحَدُهُمُ الْقَوْلَ الْفَاسِدَ وَيُنْكِرُ عَلَى مُنَازِعِهِ مَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الصَّوَابِ، فَيُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ مُنَازِعِهِ أَحَقُّ بِالصِّحَّةِ إِنْ كَانَ قَوْلُهُ صَحِيحًا، وَأَنَّ قَوْلَهُ أَحَقُّ بِالْفَسَادِ إِنْ كَانَ قَوْلُ مُنَازِعِهِ فَاسِدًا، لِتَنْقَطِعَ بِذَلِكَ حُجَّةُ الْبَاطِلِ، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مُهِمٌّ، إِذْ كَانَ الْمُبْطِلُونَ يُعَارِضُونَ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِأَقْوَالِهِمْ، فَإِنَّ بَيَانَ فَسَادِهَا أَحَدُ رُكْنَيِ الْحَقِّ وَأَحَدُ الْمَطْلُوبِينَ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَوْ تَرَكُوا نُصُوصَ الْأَنْبِيَاءِ لَهَدَتْ وَكَفَتْ، وَلَكِنْ صَالُوا عَلَيْهَا صَوْلَ الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَإِذَا دُفِعَ صِيَالُهُمْ وَبُيِّنَ ضَلَالُهُمْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) [دَرءُ تَعَارض العقل والنَّقل (4/206)، تحقيق: الدُّكتور محُمَّد رَشاد سالم، النَّاشر: جامِعةُ محمَّد بن سُعود الإسلاميَّة: السُّعوديَّة].

وعلى هذا؛ فردُّ الباطل الشَّديد بِالباطل الَّذي هو دونه في المرتبة، يُعدُّ من أساليب المناظرة عند ابن تيميَّة، لأجل هذا تراه في تواليفه يُكثر السِّجالات والمُنازعات والفَنقلَات الوَهميَّة = "فإن قيل: كذا، قيل: كذا"، فينتحلُّ ألسنةَ مَن لا يُسَمِّهم!، وما هي عند التَّحقيق إلَّا أقواله وتفريعاته هو لا غير، ينصبها بين المُثبتة (=المجسَّمة) والنُّفاة (=المنزِّهة) كما يحلو له أن يُلقِّبهم، فيضرب مثلًا قول أهل السُّنَّة الأشاعرة بقول المعتزلة، ويُقابل أقوال المنزِّهة بأقوال المشبِّهة، ويردُّ على الرَّوافض بكلام الخوارج، وهكذا.

ومَن درس تواليف ابنِ تيميَّةَ حقَّ الدِّراسة يعرفُ هذا الأمر جيِّداً، ويُدرك مِصداق ما قاله الإِمَام مُحمَّد العَرْبِي بْنُ التَّبَّانِي الجَزَائِرِي (ت : 1390 هـ) في أسلوب هذا الرَّجل: ((فَهُوَ [=ابْنُ تَيْمِيَّة الحَرَّانِي] فِي رَدِّهِ عَلَى الْإِمَامِيَّةِ يَقُولُ لَهُمْ: إِنْ كَفَّرْتُم أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ لَكُمْ الْخَوَارِجُ: وَعَلِيُّ "..." وَلَا تَسْتَطِيعُونَ إِثْبَاتَ إِيمَانِ عَلِيٍّ وَكُفْرِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهَذَا الهَذَرُ دَأْبُهُ فِي "مِنْهَاجِهِ" وَغَيْرِهِ مِنْ تَآلِيفِهِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى اللَّبِيبِ أَنَّ الهَذَرَ لَيْسَ مِنَ العِلْمِ وَأَدِلَّتِهِ فِي شَيْءٍ، فَاحْتِجَاجُهُ عَلَى الرَّافِضَةِ بِأَبَاطِيلِ الخَوَارِجِ إِنَّمَا هُوَ: مُقَابَلَةُ خَبَثٍ بِمِثْلِهِ)) [بَرَاءَةُ الْأَشْعَريِّينَ مِنْ عَقَائِدِ المُخَالِفِينَ (2/90)، دار المصطفى].

ولقد وظَّف ابن تيميَّة هذا (التَّكتيك!) مرَّات عديدة، خاصَّة في ثنايا كلامه حول صفة العُلُوِّ بين قُدماءِ الأشاعرة وخلَفهم مِن المتأخِّرين.

ولا بأس أن نذكِّر القارئ هنا بمزاعم الحرَّاني في هذا الموضوع:
1. يدَّعي أنَّ أئمَّة الكلَّابيَّة وقُدماء الأشاعرة أثبتوا العلوَّ الحِسِّي في حقِّه تعالى، ونَفَواْ الجِسميَّة.
2. وأنَّ خلَفهم بَدءًا مِن إِمام الحرَمين أبي المعالي الجويني (ت : 478 هـ) فمَن بعده: خالفوا أسلافهم هؤلاء في صفة العُلُوِّ، فَنفواْ العُلُوَّ الحِسِّي والجسميَّة معًا.

وعوَض أن يُبيِّن ابنُ تيميَّة كيف يَتعقَّل من له أدنى ‌مُسْكَة ‌عَقلٍ - فضلًا عن كبار قُدماء الأشاعرة - عُلُوَّ المكان والمحدوديَّة في حقِّ مَن هو مُنزَّهٌ أصلًا عن المكان والمحدوديَّة؟!، تراه يجهد نفسه في محاولة الاستثمار في هذا (التَّباين!) - المزعوم - بين قُدماء الأشاعرة وخلَفهم؛ فيختلق مُساجلات (وَهميَّة!) بَين الفريقين، ويضرب تَقرير هذا بذاك، وتقرير ذاك بهذا، ليَسدَّ الفراغ الَّذي يلاحقه من هذا الجانب، عِوَضَ أن يخوض غمار البحث العلمي في صلبِ الموضوع، ويُقابل الحُجَّة بالحُجَّة ويُناطح الدَّليل بالدَّليل.
والحقيقة هي أنَّ عقيدة الكُلَّابيَّة والأشاعرة الأوائل في مسألة العُلوِّ، لا تختلف عن عقيدة خلَفهم، وإنَّما المشكلة فقط في طريقة تصوير ابنِ تيميَّة لمذهب القوم.

نعم؛ فلمَّا بَيَّن الإمامُ الفَخر الرَّازي (ت : 606 هـ) بأنَّه يَلزمُ مِن إثباتِ العُلُوِّ الحِسِّي والاستواء المكاني لله تعالى؛ إثبات الحَدِّ والنِّهايةِ والحَجْمِ وَالمِساحةِ وغيرها من معاني الجِسميَّة في حقِّه جلَّ وعزَّ، اعترَض عليه ابنُ تيميَّة وذَكَر أنَّ الرَّدَّ على هذه الحُجَّة يكون فِي مَقَامَينِ: ((أَمَّا الأَوَّلُ: فَهُوَ قَولُ مَنْ يَقُولُ: هُوَ ‌فَوْقَ ‌العَرْشِ ‌وَلَيْسَ ‌لَهُ ‌حَدٌّ وَلَا مِقْدَارٌ وَلَا هُوَ جِسْمٌ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الصِّفَاتِيَّةِ: مِنَ الكُلَّابِيَّةِ، وَأَئِمَّةِ الأَشْعَرِيَّةِ وَقُدَمَائِهِمْ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالطَّوَائِفِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِم، وَأَهْلِ الحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ، وَهُمْ أُمَمٌ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللهُ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ: ‌أَبُو ‌حَاتِمٍ ا‌بْنُ ‌حِبَّانَ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الخَطَّابِيُّ؛ البُسْتِيَّانِ)) [بيانُ تلبيس الجَهميَّة (3/725)، ط. المجمَّع].

فأئمَّةُ الكُلَّابيَّةِ وقُدَماءُ الأشعَريَّةِ والإمامُ الحافظ ابنُ حِبَّان - صاحب "صَحيح ابنِ حبَّان" وغيرها من التَّواليف التي بلغت الآفاق -، والإمامُ الخَطَّابي - صاحب "مَعالم السُّنَن" وغيرها من التَّواليف المعروفة المشهورة -، وكذلك طوائف لا يحصيهم إلَّا الله تعالى - تأمَّل "لا يحصيهم إلَّا الله تعالى"! -: كلُّهم كانوا يُثبتون العُلُوَّ الحِسِّي للرَّبِّ!، ويَنفون عنه تعالى الحَدَّ والمقدار أي: الحَجم وغيرها من معاني الجِسميَّة، ويقولون: هو (بذاته!) تعالى فوق العَرش - فوقيَّةَ مسافةٍ ومكانٍ وجِهةٍ -، ومع ذلك فليس هو بجسمٍ!، هكذا يدَّعي ابن تيميَّة كما ترى.

ثُمَّ حكى الرَّجل مُناظرةً (وَهميَّة!)، حَبَك خيوطها بخياله (الواسع!)، ونصبها بَين مُتقدِّمي الأشعريَّة وَمُتأخِّريهم، بقصد تَوهين التَّلازم البَيِّنِ بين العُلُوِّ الحسِّي والجِسميَّة، فقالَ: ((وَالمقصُودُ: أَنَّ نُفَاةَ الحَدِّ وَالمِقْدَارِ وَالجِسْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إٍنَّهُ عَلَى العَرْشِ، يَقُولُونَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَوْقَ العَرْشِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُوصَفَ بِتَنَاهِي المِقْدَارِ، كَمَا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُوصَفَ بِالانْقِسَامِ. وَكَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُوصَفَ عِنْدَهُمْ بِعَدَمِ التَّنَاهِي الَّذِي هُوَ بُعْدٌ لَا يَتَنَاهَى، كَمَا لَا يُوصَفُ عِنْدَهُمْ بِعَدَمِ الِانْقِسَامِ الَّذِي هُوَ جُزْءٌ لَا يَنْقَسِمُ، وَكَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنَ العَرْشِ ‌فِي ‌المِقْدَارِ ‌وَالمِسَاحَةِ، أَوْ أَصْغَرُ، أَوْ بِقَدْرِهِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: هَذِهِ اللَّوازِمُ كُلُّهَا إِنَّمَا تَلْزمُ إِذَا فُرِضَ أَنَّ فَوْقَ العَرْشِ مَا هُوَ جِسْمٌ، أَمَّا إِذَا كَانَ الَّذِي فَوْقَ العَرْشِ لَيْسَ بِجِسْمٍ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَسْتَلْزِمَ لَوَازِمَ الجِسْمِ، لِأَنَّ الانْقِسَامَ أَوِ التَّنَاهِي وَالتَّحْدِيدَ وَنَحْوَ ذَلِكَ هِيَ لَازِمَةٌ لِلْجِسْمِ وَمَلْزُومَةٌ لَهُ، فَلَا يَكُونُ مُتَنَاهِيًا مَحْدُودًا مَقْسُومًا إِلَّا مَا يَكُونُ جِسْمًا، وَلَا يَكُونُ جِسْمًا إِلَّا مَا جَازَ أَنْ يُوصَفَ بِالِانْقِسَامِ أَوْ بِقَبُولِ التَّنَاهِي وَالتَّحْدِيدِ وَعَدَمِ ذَلِكَ)) [بيانُ تلبيس الجَهميَّة (3/737-738)، ط. المجمَّع].

وأضافَ مُنتحلًا لسان قُدماءِ الأشعريَّةِ وكأنَّهم يردُّون على المتأخِّرين - على عادته المعروفة - فقال: ((قَالُوا لِمُنَازِعِيهِم مِنَ النُّفَاةِ: فَإِذَا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ، أَوْ إِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَقَدْ عَلِمْنَا بِالْفِطْرَةِ والضَّرُورَةِ العَقْلِيَّةِ، وَالأَدِلَّةِ المُتَوَاتِرَةِ السَّمْعِيَّةِ، واتِّفَاقِ سَلَفِ الأُمَّةِ وَخَيْرِ البَرِيَّةِ: أَنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ، كَانَ التَّقْدِيرُ أَنَّ الَّذِي فَوْقَ العَرْشِ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ القَائِلِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَنَاهِياً أَوْ ذَاهِباً فِي الجِهَاتِ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْقَسِمًا، أَوْ جَوْهَرًا فَرْدًا: كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّوَازِمُ إِنَّمَا تَكُونُ إِذَا كَانَ الَّذِي عَلَى العَرْشِ جِسْمًا. أَمَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ جِسْمٍ وَلَا مُتَحَيِّزٍ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ اللَّوَازِمِ. وَقَالُوا: هَذَا اللُّزُومُ وَالتَّقْسِيمُ كُلُّهُ مِنْ حُكْمِ الوَهْمِ وَالخَيَالِ، وَبَابُ الرُّبُوبِيَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِحُكْمِ الوَهْمِ وَالخَيَالِ)) [بيانُ تلبيس الجَهميَّة (3/738-739)، ط. المجمَّع].

وغرض الحرَّاني من افتعال هذه (المحاورة!) وبهذه الطَّريقة، هو الرَّدُّ على الفَخر الرَّازي، وكأنَّهُ يقول له: إذا كان إثبات العُلُوِّ الحِسِّي والجِهة لله تعالى، يستلزم - عند المتأخِّرين من الأشعريَّة - أن يكون جلَّ وعلا جِسمًا محدوداً وله حَجْمٌ ومِساحةٌ، فهاهم أئمَّتكم قُدماء الأشعريَّة والكلَّابيَّة - الَّذين تَدَّعون الانتساب إليهم -، يُثبتون العُلُوَّ الحِسِّي حتَّى مع نفيِهم الجسميَّة؟!، فإِمَّا أن تتَّهمونَهم: بالجمعِ بين المتناقضات والتَّجسيم!، وإمَّا أن تُقِرُّوا ببُطلان هذا اللُّزوم!، وفي كلا الحالَين يثبت القول بالعُلُوِّ الحِسِّي، ويبطل قولكم في نفي ذلك!.

والحقيقة هنا؛ هي أنَّ ابن تيميَّة يُسفسط ويُراوغ؛ لأنَّ القَول بأنَّ اللهَ فوق العَرش فوقيَّةَ مسافَةٍ، يستلزم القول بأنَّ ذات الرَّبِّ يبدأُ امتداده وانتشاره مِن جانبه التَّحتاني مُباشرةً بعد انتهاء امتداد وانتشار العالَمِ مِن جانبهِ الفَوقَاني، أي بالضَّرورة: إثبات محدوديَّة هذه الذَّات الإلهيَّة منَ الجِهة الَّتي تلي مباشرةً الصَّحيفة العُليا للعالَم أي: سطح العرش، فَعندَ نِهاية حَيِّز وحدود ومِساحة الذَّات التَّحتاني أي: العرش؛ ينطلقُ بعده مُباشرةً حيِّز وحدود ومِساحة الذَّات الفَوقاني أي: "الله" عند ابن تيميَّة، وهذا يقتضي إثبات المماسَّة والملاصقة ولا بُدَّ، إذ ليس هناك "فوق" إلَّا الخالق "واجب الوجود"، وليس تحته إلَّا المخلوق "العالَم الممكن"، ولا شيء يتوَسَّط ذلك، فالنِّسبة بينهما: فوقيَّة جهةٍ مُباشرة بمماسَّةٍ وملاصقةٍ.

إذن: فلا يُعقل عُلُوُّ المكانِ والجِهةِ والمسافةِ إلَّا بين الأجسامِ المحدودةِ المتَحَيِّزة، والعقلُ لا ينسب الجِهة والمكان والعلوَّ الحِسِّي لمن لا يوصف بالحدود والتَّحيُّز والنِّهايات والحجم والمساحة وغيرها من معاني الجِسميَّة، وهذا لأنَّ هذه المعاني شروط ضروريَّة في الوصف بالفَوقيَّة المكانيَّة، وعدَمها في ذاتٍ يعني استحالة وصف هذه الذَّات بالجِهة والمكانِ والعُلُوِّ الحِسِّي.

فمحاولة ابن تيميَّة انتحال لسان قُدماء الأشعريَّة لأجل تمرير هذا الزَّعم القائل: "إذا كان الله ليس بِجسم ولا محدودٍ ولا مُتحَيِّزٍ؛ فلا يُمتَنَع وصفه بالعُلُوِّ الحسِّي": ما هو عند التَّحقيق إلَّا قولٌ سَفسافٌ متناقضٌ، ولا يُتصوَّر صدوره من باقلٍ فضلًا عن عاقل فضلًا عن أئمَّة عباقرة أذكياء تَربَّعوا على عرش المعقول بل وأخذوا بناصية شتَّى العلوم والفنون والأصول، وهذا لأنَّ العُلُوَّ الحسِّي - كما مرَّ معك - لا ينفكُّ عن التَّحيُّز والحدود والمساحة والحجم وغيرها من معاني الجسميَّة، فكيف وقُدماء الأشعريَّة ينفون كلَّ هذه المعاني اللَّازمة في العُلُوِّ الحسِّي وباعتِرافِ ابنِ تَيميَّة نفسه؟!.

والحقُّ أنَّ ابنَ تيميَّة هنا يستعمل أساليبه المعروفة لأجل حشوِ التَّجسيم، فيعمدُ إلى بعض الإطلاقات في كلام هؤلاء الأئمَّةِ؛ فيفهمها بمعزل عن مُحكم أقوالهم، وهذه طريقة من يتَّبعون ما تشابه ابتغاء الفِتنة وابتغاء تكثير السَّواد = "سواد المجسِّمة"، ولقد أصاب في نسبة التَّنزيهِ لأئمَّة الأشعريَّة والكُلَّابيَّة، ولكنَّه افترى عليهم بِنسبتهم إلى مذهب الجِهويَّة.

ثمَّ زَعَمَ ابنُ تيميَّةَ أنَّ هذا القَول - الذي نسبه لقُدماء الأشعريَّة أي: إثبات العُلوِّ الحِسِّي مع نفي الجِسميَّة -: هوَ أصحُّ مِن قول مُتأخِّريهم - نُفاة العُلُوِّ الحِسّي والجِسميَّة معاً -، وفي ثنايا مزاعمه هذه أكمل المناظرة بذكر ردّ مُتأخِّري الأشعريَّة (النُّفاة!) على أئمَّتهم الأوائل في إثبات المباينة بين الخالق والمخلوق بالجهة، وكلّ هذا الأخذ والرَّدّ خيال في خيال!، قَالَ: ((وَلَا رَيْبَ أنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مُنَازِعِيهِمْ مِنَ النُّفَاةِ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ: إِمَّا أَنْ يَكُونَا [الله - العَالَم] مُتَبَايِنَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَا مُتَحَايِثَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِحَيْثُ الآخَرِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَايِنًا عَنْهُ بِالجِهَةِ، فَقَالُوا: لَيْسَ بِكَذَا وَلَا كَذَا، فَنَفَواْ الطَّرِيقَيْنِ جَمِيعًا، وَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحَسَّ بِهِ وَلَا أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالْحِسِّ، فَقِيلَ لَهُمْ: هَذَا أَحْقَرُ مِنَ الجَوْهَرِ الفَرْدِ؟!، فَقَالُوا فِي جَوَابِ ذَلِكَ: إِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ جِسْمًا أَوْ لَوْ كَانَ مَوْصُوفًا بِالحَيِّزِ وَالمِقْدَارِ، ‌وَقَالُوا ‌هَذَا ‌مِنْ ‌حُكْمِ ‌الوَهْمِ وَالخَيَالِ، أَوْ مِنْ حُكْمِ الحِسِّ وَالوَهْمِ)) [بيانُ تلبيس الجَهميَّة (3/339-340)، ط. المجمَّع].

وبعدها؛ جاء دور ابن تيميَّة ليدليَ بدَلوِه في هذه المناظرة التي اختلقها مِن كيسه، فقالَ: ((فَقَدْ بَيَّنَا فِيمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ كَلَامَ مُنَازِعِيهِم هَؤُلَاءِ أَبْعَدُ عَنِ الخَطَأِ فِي العَقْلِ وَالدِّينِ، وَأَنَّهُمْ هُمُ: أَعْظَمُ مُخَالَفَةً لِمَا يُعْلَمُ بِضَرُورَةِ العَقْلِ وَبَدِيهَتِهِ وَفِطْرَتِهِ مِنْ مُنَازِعِيهِم هَؤُلَاءِ، الْمُثْبِتِينَ لِأَنَّ اللهَ عَلَى العَرْشِ، الْمُوَافِقِينَ لَهُمْ عَلَى نَفْيِ الجِسْمِ)) [بيانُ تلبيس الجَهميَّة (3/340)، ط. المجمَّع]

إذن: فقول قُدَماء الأشعريَّة الَّذين يُثبتون العُلُوَّ الحِسِّي - بزعمه - مع نفيِهم الجسميَّة في حقِّه تعالى: فيه نوع (مُخالفة!) للضَّرورة العقليَّة، ولكن لا تصل مُخالفتهم إلى حدِّ (مُخالفة!) هؤلاء المتأخِّرين الَّذين ينفون العُلُوَّ الحِسِّي والجِسميَّةَ معاً، فمذهب قُدماءِ الأشاعرةِ ((أَبْعَدُ عَنِ الخَطَأِ فِي العَقْلِ وَالدِّينِ)) مُقارنةً بمذهب الأشاعرة المتأخِّرين، فهؤلاء مذهبهم أضلُّ مِن حيث المخالفة للعقل والدِّين، هذا حاصل كلام ابنِ تيميَّة هنا.

ولا تغفل عن أنَّ ابن تيميَّة هنا لم يجعل القول الذي نسبه لقدماء الأشاعرة: عين العقل والدِّين، بل جعله: ((أَبْعَد عَنِ الخَطَأِ فِي العَقْلِ وَالدِّينِ)) فقط، وهذا لأنَّه يعتقدُ أنَّ الله جِسمٌ عالٍ على العرش عُلُوَّ مَكانٍ وجِهةٍ، فهو إذن: يتَّفق معهم من حيثُ قولهم بالعلُوِّ الحسِّي - بزعمه -، ولكنَّه يُفارقهم من حيثُ نَفيهم الجسميَّة عنه تعالى.

ثمَّ إنَّهُ ليس أمام المُثبتة - عند ابن تيميَّةَ - إلَّا القول بالعُلُوِّ الحسِّي مع نفيِ الجسميَّة، أو القول بالعُلُوِّ الحسِّي والجسميَّة معاً، وهذه قسمة حاصرة كما لا يخفى، وبما أنَّه يجدُ نوع (مُخالفة!) للضَّرورة العقليَّة في القولِ بالعُلُوِّ الحسِّي مع نفي الجسميَّة، فلم يبقَ - بالحصر والاستقصاء - إلَّا أنَّهُ يعتقد العُلُوَّ الحسِّي والجسميَّةَ معاً، وهذا مذهبه كما بيَّناه سابقاً.

ثُمَّ قَالَ: ((وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَصْلِ كَلَامِ هَؤُلَاءِ، وَأَنَّهُ إِنْ كَان كَثِيراً مِمَّنْ يُوَافِقُهُمْ عَلَى أَنَّ اللهَ عَلَى العَرْشِ، أَوْ عَلَى نَفْيِ الجِسْمِ، يَقُولُ: إِنَّ هَذَا القَوْلَ مُتَنَاقِضٌ، وَيَصِفُهُمْ بِالتَّنَاقُضِ فِي ذَلِكَ، فَالنُّفَاةُ أَعْظَمُ تَنَاقُضًا مِنْهُمْ، وَأَعْظَمُ مُخَالَفَةً لِمَا يُعْلَمُ بِالاِضطِّرَارِ فِي العَقْلِ وَالدِّينِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ أَعْظَمُ مُخَالَفَةً لِلْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالعَقْلِيَّةِ)) [بيانُ تلبيس الجَهميَّة (3/340)، ط. المجمَّع] إذن: فنُفَاةُ العُلُوِّ الحِسّي والجسميَّةِ معًا - وهم مُتأَخِّرو الأشعريَّةِ حسب تقسيم ابن تيميَّة -: هم أعظمُ مخالفةً للضَّرورة العقليَّة وصريح النُّصوص الشَّرعيَّةِ، من أُولئكَ الَّذين يُثبتون العُلُوَّ الحِسّي مع نفيِ الجِسميَّة - وهم متقدِّمو الأشعريَّة بزعمه -، وهذا من ابن تيميَّة إقرار ضمني بأنَّ مذهب قُدماء الأشعريَّةِ - كما صوَّرهُ هو -: فيه نوع تناقضٍ ومُصادمةٍ لصريح المعقول وصحيح المنقول!.
وإذا كان ابنُ تيميَّة راضٍ بنسبةِ العُلوِّ الحسِّي كمذهب لقُدماءِ الأشعريَّة، فلم يبق لرميه لهم بالتَّناقض - بعد فرض صحَّة هذه النِّسبة - إلَّا أنَّهُ غير راضٍ على نفيِهم الجسميَّة عنه تعالى، ومعنى هذا أنَّ ابن تيميَّة يرى العُلُوَّ الحسِّي يستلزمُ الجِسميَّة، وأنَّ إثبات الأوَّل مع نفي الثَّاني فيه: نوع تَناقضٍ، ولكنَّه أخفُّ من تناقض نُفاةِ العُلُوِّ الحِسِّي والجِسميَّةِ معاً، هذا حاصل كلام ابن تيميَّة.

ولتنظر إلى حكايته هذا التَّناقض على لسان غيره، مع أنَّ هذا قوله هو لا غير، وهذا من أساليبه المعروفة، حيثُ ينتحل لسان الغير ليُمرِّر ما يراه، ولتقارن صنيعه هنا بتقريره هو نفسه حين خاطب مُخالفيه قائلًا: ((وَمَنْ أَرَادَ أَنْ ‌يَنْقُلَ ‌مَقَالَةً ‌عَنْ ‌طَائِفَةٍ فَلْيُسَمِّ الْقَائِلَ وَالنَّاقِلَ، وَإِلَّا فَكُلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى الْكَذِبِ)) [مِنهاجُ السُّنَّة (2/518)، تحقيق: محمَّد رَشاد سالم، النَّاشر: جَامِعة محمَّد بن سُعود الإسلاميَّة: السُّعوديَّة]، وهذا أصلٌ علميٌّ متينٌ في المنهجيَّة العِلميَّة، وليته التزمه في ردوده على أهلِ السُّنَّة الأشاعرة.

ثمَّ قال ابنُ تيميَّة: ((وَلَا رَيْبَ أَنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ فِيهِ مَا يَحْتَجُّ بِهِ مُثْبِتُو الحَدِّ وَالمِقْدَارِ وَالتَّحَيُّزِ وَالجِهَةِ، وَفِيهِ مَا يَحْتَجُّ بِهِ نُفَاةُ الجِسْمِ وَالتَّحَيُّزِ وَالجِهَةِ أَيْضًا، فَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّهُمْ مُتَنَاقِضُونَ أَوْ أَنَّ لَهُمْ قَوْلَيْنِ)) [بيانُ تلبيس الجَهميَّة (3/340)، ط. المجمَّع] فها هو يُصرِّح الآن بأنَّ كلام قُدماء الأشعريَّة في إثبات العُلُوِّ الحِسِّي - بزعمه -: فيه حُجَّة لمُثبتةِ الجِسم في حقِّه تعالى، وهذا لأنَّ إثباتَهم الجِهة - بزعمه - كان ينبغي أن يستلزم عندهم إثبات الجِسميَّة أيضاً، وَأنَّ - بالمقابل -: كلامهم في نفيِ الجسميَّة عن الله: فيه حُجَّة لنُفَاةِ العُلُوِّ الحِسِّي، لأنَّ نفيَهم للجِسميَّة يستلزم القول بنَفيِ الجِهة، لأجل هذا فقد قيل عن قُدَماء الأشعريَّة في مسألة العُلُوِّ: ((إِنَّهُمْ مُتَنَاقِضُونَ أَوْ أَنَّ لَهُمْ قَوْلَيْنِ))، هذا حاصل كلام ابن تيميَّة هنا.

وفي الحقيقة هذا (التَّناقض!) الَّذي نسبه ابن تيميَّة إلى قُدماء الأشعريَّة، كان يكون له معنًى؛ لو أنَّه صَحَّ ما زعمه في حقِّهم من إثبات العُلُوِّ الحِسِّي، ولكنَّ زعمه غير صحيحٍ، والتَّناقص - المزعوم - ليس لو من وُجود إلَّا في الدَّعاوى العريضة الَّتي أطلقها هو في حقِّ القوم، ولا وجود له في الحقيقة وعند التَّحقيق.

ثمَّ أخذَ ابنُ تيميَّة يدلِّل على ما ذهب إليه هنا، بذكر بعض كلام الإمام أبي الحسن الأشعري في إثبات صفة العُلُوِّ بنقل نصوص من كتابه "الإبانة"، وادَّعى أنَّ هذه النُّصوص التي احتجَّ بها الإمام في هذه المسألة؛ هي نفسها النُّصوص التي تدلُّ على إثبات الحدود والحيِّز وغيرها من معاني الجسميَّة في حقِّه تعالى [بيانُ تلبيس الجَهميَّة (3/341 إلى 751)، ط. المجمَّع]، وهذا فيه اتِّهام مُبطن للإمام الأشعري بالتَّناقُص عند إثبات العُلُوّ الحسِّي - بزعمه - مع نفيِ لازمه أي: معاني الجسميَّة، وهذا لأنَّ العلوَّ عندَ ابنِ تيميَّة لا ينفكُّ عن معاني الجِسمِيَّة.

إلى حدِّ هنا؛ انتهى ابن تيميَّة في ردِّه على الفخر الرَّازي، مِن الكلام على هذا "المقام الأوَّل"، الَّذي يمثِّله هذا "الفريق الأوَّل"، أي: قُدماء الأشاعرة الَّذين يُثبتون العُلُوَّ الحسِّي - بزعمه - وينفون الجسميَّة في حقِّه تعالى.
ثمَّ جاء الدَّور للكلام عن "المقام الثَّاني"، ويمثِّله "الفريق الثَّاني"، أي: الَّذين يُثبتون العُلُوَّ الحِسِّي أيضاً كهؤلَاءِ، ولكنَّهم يُخالفونَهم مِن حيثُ أنَّهم لَا يَنفونَ الحَدَّ والحَجم والمساحة والنِّهاية والأبعاد وأصل الجسميَّة عن ربِّهم، لأجل هذا جَعلَ ابنُ تيميَّة هذا "الفريق الثَّاني" - مثبتة الجسميَّة - مُقابل "الفريق الأوَّل" - نُفاة الجسميَّة -:
قال ابنُ تيميَّةَ: ((وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي: فَكَلَامُ مَنْ لَا يَنْفِي هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْهِ نُفَاةُ الْعُلُوِّ عَلَى الْعَرْشِ، لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ بَلْ قَدْ يُثْبِتُهَا أَوْ يُثْبِتُ بَعْضَهَا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى، أَوْ لَا يَتَعَرَّضُ لَهَا بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، وَهَذَا الْمَقَامُ هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا، وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ أَسَدُّ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ، حَيْثُ ائْتَمُّوا بِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَقَرُّوا بِفِطْرَةِ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ عَلَيْهَا عِبَادَهُ، فَلَمْ يُغَيِّرُوا، وَجَعَلُوا كُتُبَ اللَّهِ الَّتِي بَعَثَ بِهَا رُسُلَهُ هِيَ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ الْمُجْمَلُ الْمُتَشَابِهُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ النُّفَاةُ فَفَصَّلُوا مُجْمَلَهُ، وَلَمْ يُوَافِقُوهُمْ عَلَى لَفْظٍ مُجْمَلٍ قَدْ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ مَعْنًى حَقٍّ، وَلَا وَافَقُوهُمْ أَيْضًا عَلَى نَفْيِ الْمَعَانِي الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ وَالْعَقْلُ، وَإِنْ شَنَّعَ النُّفَاةُ عَلَى مَنْ يُثْبِتُ ذَلِكَ، أَوْ عَزَمُوا أَنَّ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي أَدِلَّتِهِمْ وَأُصُولِهِمْ)) [بيانُ تلبيس الجَهميَّة (3/751)، ط. المجمَّع].

إذن: هذا "الفريق الثَّاني" - وهم السَّلف عند ابن تيميَّة -، لا يوافقون "الفريق الأوَّل" - نُفاة الجِسم "الأشاعرة" - على ((نَفْيِ الْمَعَانِي الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ وَالْعَقْلُ)) أي: لا يوافقوهم على نفي الحجم والمساحة والجسم والحيِّز والحدود عنه تعالى، فهي معاني دلَّ عليها العقل والنَّقل!، فنفيها ((لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ)) بتعبير ابن تيميَّة!.

وتأمَّل هُنا أنَّ ابن تيميَّة يتكلَّم عن المعاني المندرجة تحت هذه الألفاظ، ولا يتكلَّم عن إطلاق الألفاظ مُجرَّدة كما لا يخفى، فهو يقصد المعاني لا المباني.
إذن: عقيدة سَلف الأمَّة وأئمَّتها وَجَمَاهِير أَهْلِ الْحَدِيثِ: أنَّ الله بذاته فوق العرشِ؛ فوقيَّةَ: جسمٍ على جسمٍ!، ومحدودٍ على محدودٍ!، ومُتحيِّزٍ على مُتحيِّزٍ!، وذي حَجمٍ على ذي حَجمٍ!، ومُتناهٍ على مُتناهٍ!، وذِي مِساحةٍ على ذِي مِساحةٍ!، هذا حاصل تقرير ابن تيميَّة هنا.

هكذا عرض ابنُ تيميَّة ردَّه على الإمام الرَّازي في مسألة استلزام الجِهة للجسميَّة، والخلاصة أنَّه جعل ردَّه في مقامين:
- المقام الأوَّل: ادَّعى أنَّ إثبات الجِهة مع نفي الجسميَّة هو مذهب قُدماء الأشاعرة!، وعليه: أين سيذهب الرَّازي بهذا الاستلزام وفيه مُصادمة صريحة لمذهب أئمَّته؟!.
- المقام الثَّاني: جعلَ التزام مَعاني الجسميَّة والجهة معاً هو مذهب السَّلف وأهل الحديث!، وحاشاهم من هذا الاعتقاد الفاسد، ولكنَّه مذهبه هو الذي يقول به وينصره.

فتحصَّل مِن هذا أنَّ الرَّجل حاول دفع صولة باطل - بزعمه - بباطل يحسبه - بزعمه - أقلّ منه، كما تجده في نصِّه أعلاه، مع أنَّهُ هو نفسه قال: ((وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَدْفَعَ الْأَقْوَالَ الْبَاطِلَةَ، مِنْ أَقْوَالِ الْكٌفَّارِ وَغَيْرِهَا، بِالْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ؛ بَلْ أَمَرَنَا أَنْ نَكُونَ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ، شُهَدَاءَ لِلَّهِ، وَأَن لَّا نَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، وَلَا نَقْفُوا مَا لَيْسَ لَنَا بِهِ عِلْمٌ... وَلَيْسَ مِنَ الْأَحْسَنِ أَنْ يُدْفَعَ الْبَاطِلُ بِالْبَاطِلِ... وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا ذَمَّ بِهِ السَّلَفُ، وَالْأَئِمَّةُ، أَهْلَ الْكَلَامِ وَالْجَدَلِ - وَإِنْ جَادَلُوا الْكُفَّارَ وَأَهْلَ الْبِدَعِ - أَنَّهُمْ يُجَادِلُونَ بِالْبَاطِلِ فِي الْحُجَجِ وَفِي الْأَحْكَامِ، فَتَدَبَّرْ هَذَا، وَاحْتَرِسْ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَوَقَّاهُ تَخَلَّصَتْ لَهُ السُّنَّةُ مِنَ الْبِدْعَةِ، وَالْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْحُجَجُ الصَّحِيحَةُ مِنَ الْفَاسِدَةِ، وَنَجَا مِنْ ضَلَالِ الْمُتَفَلْسِفِينَ، وَحَيْرَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ)) [بيانُ تلبيس الجَهميَّة (1/394-395)، ط. المجمَّع].

وقالَ: ((وَالَّذِينَ نَاظَرُوا هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ رُبَّمَا زَادُوا فِي الْمُنَاظَرَةِ نَوْعًا مِنَ الْبَاطِلِ، وَإِنْ كَانُوا فِي الْأَكْثَرِ عَلَى الْحَقِّ، فَكَثِيرًا مَا يَرُدُّ مَنَاظِرُ الْمُبْتَدِعِ بَاطِلًا عَظِيمًا بِبَاطِلٍ دُونَهُ، وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ، وَيَأْمُرُونَ بِالِاقْتِصَادِ وَلُزُومِ السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ، وَأَن لَّا يُرَدَّ بَاطِلٌ بِبَاطِلٍ دُونَهُ)) [جَامِعُ الرَّسائِل (8/237)، دار عالَم الفوائد].

وقال: ((كَانَ السَّلَفُ وَالأَئِمَّةُ يَذُمُّونَ أَهْلَ الكَلَامِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِمِثْلِ هَذَا الكَلَامِ المُشْتَمِلِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ البَاطِلِ، وَيَمْنَعُونَ أَنْ تُرَدَّ بِدْعَةٌ بِبِدْعَةٍ، وَيُقَابَلَ ‌البَاطِلُ ‌بِالبَاطِلِ، وَيُرَدَّ الفَاسِدُ بِالفَاسِدِ)) [الصَّفَديَّة (1/163)، تحقيق: الدُّكتور محمَّد رَشاد سالم، مكتبة ابنِ تيميَّة].

وقال: ((مَنِ اسْتَدَلَّ بِالْبَاطِلِ فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَمَنْ رَدَّ ‌البَاطِلَ ‌بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الدَّلِيلَ بَاطِلٌ فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَمَنْ أَجَابَ عَنِ البَاطِلِ بِبَاطِلٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ السُّؤَالَ بَاطِلٌ فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَكُلُّ مُبْطِلٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُنْقَطِعًا إِذَا بُيِّنَ بُطْلَانُهُ)) [تنبيه الرَّجل العاقِل على تمويه الجدل الباطل (1/210)، ط. دار عالَم الفوائد].

وما ذكره ابن تيميَّة في هذه النُّصوص الأخيرة، هو المنهج العلمي الَّذي ينبغي أن يلتزمه كلّ مُناظر وباحث عن الحقِّ، وليته استمسك به في ردوده على أهل السُّنَّة الأشاعرة، ولكنَّه - وللأسف - أخذه التَّحامل إلى ما ترى وإلى ما سوف ترى، نسأل الله السَّلامة والعافية.

يُتبع..

السَّابق: https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... XF6YevCYXl

اللَّاحق: https://www.facebook.com/yacine.ben.rab ... 5RZpNvRoBl

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 174 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 8, 9, 10, 11, 12

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 5 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط