موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 14 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: من خواطر ابن الجوزي- مفاجئات و قنابل
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 24, 2005 4:47 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء أغسطس 17, 2005 9:44 pm
مشاركات: 20
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة


الكثير يحبون ان يستشهدوا بكتاب ابن الجوزي تلبيس ابليس في الرد على السادة الصوفية.

و قد رأيت هذا الكتاب بطبعات مختلفة و ألوان مختلفة. فلو أردت لونا احمر ستجد. و لو أردت نسخة للجيب ستجد. أما كتبه الأخرى فليست مخدومة مثل هذا الكتاب.

و من الكتب التي ليس لها طبعات كثيرة كتاب دفع شبه التشبيه. الذي يفضح كثير من شبهات المجسمة.


و لكن المفاجأة جائت في كتاب يكثرون من طباعته و هو كتاب " صيد الخاطر "

و هو كتاب جمع فيه خواطره في مواضيع متعدد.

و لعلهم طبعوه لوجود بعض الخواطر التي يحبونها في الرد على الصوفية و لكن هناك ما يفضحهم و يرد عليهم كذلك.


و اضع لكم بعضها على حلقات.


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 24, 2005 4:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء أغسطس 17, 2005 9:44 pm
مشاركات: 20
[align=center]فصل الخلوة وحلاوة المناجاة

كنت في بداية الصبوة قد الهمت سلوك طريق الزهاد بادامة الصوم والصلاة‏.‏

وحببت الي الخلوة‏.‏

فكنت اجد قلباً طيباً‏.‏

وكانت عين بصيرتي قوية الحدة تتاسف على لحظة تمضي في غير طاعة وتبادر الوقت في اغتنام الطاعات‏.‏

ولي نوع انس وحلاوة مناجاة فانتهى الامر الى ان صار بعض ولاة الامور يستحسن كلامي فامالني اليه فمال الطبع ففقدت تلك الحلاوة‏.‏

ثم استمالني اخر فكنت اتقي مخالطته ومطاعمه لخوف الشبهات‏.‏

وكانت حالتي قريبة‏.‏

ثم جاء التاويل فانبسطت فيما يباح فانعدم ما كنت اجد من استنارة وسكينة‏.‏

وصارت المخالطة توجب ظلمة في القلب الى ان عدم النور كله‏.‏

فكان حنيني الى ما ضاع مني يوجب انزعاج اهل المجلس فيتوبون ويصلحون واخرج مفلساً فيما بيني وبين حالي‏.‏

[fot]وكثر ضجيجي من مرضي وعجزت عن طب نفسي فلجات الى قبور الصالحين وتوسلت في صلاحي فاجتذبني لطف مولاي الى الخلوة على كراهة مني ورد قلبي علي بعد نفور عني واراني عيب ما كنت اوثره‏.‏ [/fot]
فافقت من مرض غفلتي‏!‏ وقلت في مناجاة خلوتي‏:‏ سيدي كيف اقدر على شكرك وباي لسان انطق بمدحك اذ لم تؤاخذني على غفلتي ونبهتني من رقدتي واصلحت حالي على كره من طبعي‏.‏

فما اربحني فيما سلب مني اذا كانت ثمرته اللجا اليك‏!‏‏.‏

وما اغناني اذ افقرتني اليك وما انسني اذ اوحشتني من خلقك‏.‏

اه على زمان ضاع في غير خدمتك‏!‏ اسفاً لوقت مضى في غير طاعتك‏.‏

قد كنت اذا انتبهت وقت الفجر لا يؤلمني نومي طول الليل‏.‏

واذا انسلخ عني النهار لا يوجعني ضياع ذلك اليوم‏.‏

وما علمت ان عدم الاحساس لقوة المرض‏.‏

فالان قد هبت نسائم العافية فاحسست بالالم فاستدللت على الصحة‏.‏

فيا عظيم الانعام تممم لي العافية‏.‏

اه من سكر لم يعلم قدر عربدته الا في وقت الافاقة‏.‏

لقد فتقت ما يصعب رتقه فوااسفاً على بضاعة ضاعت وعلى ملاح تعب في موج الشمال مصاعداً مدة ثم غلبه النوم فرد الى مكانه الاول‏.‏

يا من يقرا تحذيري من التخليط فاني - وان كنت نفسي بالفعل نصيح لاخواني بالقول - احذروا - اخواني من الترخص فيما لا يؤمن فساده‏.‏

فان الشيطان يزين المباح في اول مرتبة‏.‏

ثم يجر الي الجناح فتلمحوا المال وافهموا الحال‏.‏

وربما اراكم الغاية الصالحة وكان في الطريق اليها نوع مخالفة فيكفي الاعتبار في تلك الحال انما تامل ادم الغاية وهي الخلد ولكنه غلط في الطريق وهذا اعجب مصايد ابليس التي يصيد بها العلماء‏.‏

يتاولون لعواقب المصالح فيستعجلون ضرر المفاسد‏.‏

مثاله ان يقول للعالم ادخل على هذا الظالم فاشفع في مظلوم فيستعجل الداخل رؤية المنكرات ويتزلزل دينه‏.‏

وربما وقع في شرك صار به اظلم من ذلك الظالم‏.‏

فمن لم يتق بدينه فليحذر من المصائد فانها خفية‏.‏

واسلم ما للجبان العزلة خصوصاً في زمان قد مات فيه المعروف وعاش المنكر ولم يبق لاهل العلم وقع عند الولاة‏.‏

فمن داخلهم دخل معهم فيما لا يجوز ولم يقدر على جذبهم مما هم فيه‏.‏

ثم من تامل حال العلماء الذين يعملون لهم في الولايات يراهم منسلخين من نفع العلم قد صاروا كالشرطة‏.‏

فليس الا العزلة عن الخلق‏.‏

والاعراض عن كل تاويل فاسد في المخالطة‏.‏

ولان انفع نفسي وحدي‏:‏ خير لي من ان انفع غيري واتضرر‏.‏

فانه ان انفردت بمولاك فتح لك باب معرفته‏.‏

فهان كل صعب وطاب كل مر وتيسر كل عسر وحصلت كل مطلوب‏.‏

والله الموفق بفضله ولا حول ولا قوة الا به‏.‏ [/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 24, 2005 4:56 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء أغسطس 17, 2005 9:44 pm
مشاركات: 20
[align=center]فصل خير الامور الوسط

رايت نفسي كلما صفا فكرهاً او اتعظت بدارج او زارت قبور الصالحين تتحرك همتها في طلب العزلة والاقبال على معاملة الله تعالى‏.‏

اتراك تريدين مني ان اسكن قفراً لا انيس به فتفوتني صلاة الجماعة ويضيع مني ما قد علمته لفقد من اعلمه‏.‏

وان اكل الجشب الذي لم اتعوده فيقع نضوي طلحاً في يومين‏.‏

وان البس الخشن الذي لا اطيقه فلا ادري من كرب محمولي من انا‏.‏

وان اتشاغل عن طلب ذرية تتعبد بعدي مع بقاء القدرة على الطلب‏.‏

بالله ما نفعني العلم الذي بذلت فيه عمري ان وافقتك وانا اعرفك غلط ما وقع لك بالعلم‏.‏

اعلمي ان البدن مطية والمطية اذا لم يرفق بها لم تصل براكبها الى المنزل‏.‏

وليس مرادي بالرفق الاكثار من الشهوات وانما اعني اخذ البلغة الصالحة للبدن فحينئذ يصفو الفكر ويصح العقل ويقوي الذهن‏.‏

الا ترين الى تاثير المعوقات عن صفاء الذهن في قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان وقاس العلماء على ذلك الجوع وما يجري مجراه من كونه حاقناً او حاقباً‏.‏

وهل الطبع الا ككلب يشغله الاكل فاذا رمي له ما يتشاغل به طاب له الاكل‏.‏

فاما الانفراد والعزلة فعن الشر لا عن الخير‏.‏

ولو كان فيها لك وقع خير لنقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن اصحابه رضي الله عنهم‏.‏

هيهات لقد عرفت ان اقواماً دام بهم التقلل واليبس الى ان تغير فكرهم وقوي الخلط السوداوي عليهم فاستوحشوا من الناس ومنهم من اجتمعت له من الماكل الردية اخلاط مجة فبقي اليوم واليومين والثلاثة لا ياكل وهو يظن ذلك من امداد اللطف واذا به من سوء الهضم‏.‏

وفيهم من ترقى به الخلط الى رؤية الاشباح فيظنها الملائكة‏.‏

فالله الله في العلم والله الله في العقل فان نور العقل لا ينبغي ان يتعرض لاطفائه والعلم لا يجوز الميل الى تنقيصه‏.‏

فاذا حفظا حفظاً وظائف الزمان ودفعا ما يؤذي وجلبا ما يصلح وصارت القوانين مستقيمة في المطعم والمشرب والمخالطة‏.‏

فقالت لي النفس‏:‏ فوظف لي وظيفة واحسبني مريضاً قد كتبت له شربة‏.‏

فقلت لها‏:‏ قد دللتك على العلم وهو طبيب ملازم‏.‏

يصف كل لحظة لكل داء يعرض دواء يلائم‏.‏

وفي الجملة ينبغي لك ملازمة تقوى الله عز وجل في المنطق والنظر وجميع الجوارح وتحقق الحلال في المطعم وايداع كل لحظة ما يصلح لها من الخير ومناهبة الزمان في الافضل ومجانبة ما يؤدي الى من نقص ربح او وقوع خسران‏.‏

ولا تعملي عملاً الا بعد تقديم النية‏.‏

وتاهبي لمزعج الموت فكان قد وما عندك من مجيئه في اي وقت يكون‏.‏

ولا تتعرضي لمصالح البدن بل وفريها عليه وناوليه اياها على قانون الصواب لا على مقضى الهوى فان اصلاح البدن سبب لاصلاح الدين‏.‏

ودعي الرعونة التي يدل عليها الجهل لا العلم من قول النفس فلان ياكل الخل والبقل وفلان لا ينام الليل فاحملي ما تطيقين وما قد علمت قوة البدن عليه‏.‏

فان البهيمة اذا اقبلت الى نهر او ساقية فضربت لتقفز لم تفعل حتى تزن نفسها فان علمت فيها قوة الطفر طفرت وان علمت انها لا تطيق لم تفعل ولو قتلت‏.‏

وليس كل الابدان تتساوى في الاطاقة ولقد حمل اقوام من المجاهدات في بداياتهم اشياء اوجبت امراضاً قطعتهم عن خير وتسخطت قلوبهم بوقوعها فعليك بالعلم‏.‏

فانه شفاء من كل داء والله الموفق‏.‏

عجبت من اقوام يدعون العلم ويميلون الى التشبيه بحملهم الاحاديث على ظواهرها فلو انهم امروها كما جاءت سلموا لان من امر ما جاء ومر من غير اعتراض ولا تعرض فما قال شيئاً لا له ولا عليه‏.‏

ولكن اقواماً قصرت علومهم فرات ان حمل الكلام على غير ظاهره نوع تعطيل ولو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا‏.‏

وما هم الا بمثابة قول الحجاج لكاتبه وقد مدحته الخنساء فقالت‏:‏ اذا هبط الحجاج ارضاً مريضة تتبع اقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذي بها غلام اذا هز القناة شفاها فلما اتمت القصيدة قال‏:‏ لكاتبه اقطع لسانها فجاء ذاك الكاتب المغفل بالموسى‏.‏

فقالت له‏:‏ ويلك انما قال اجزل لها العطاء‏.‏

ثم ذهبت الى الحجاج فقالت‏:‏ كاد والله يقطع مقولي‏.‏

فكذلك الظاهرية الذين لم يسلموا بالتسليم فانه من قرا الايات والاحاديث ولم يزد لم المه وهذه طريقة السلف‏.‏

فاما من قال‏:‏ الحديث يقتضي كذا ويحمل على كذا مثل ان يقول‏:‏ استولى على العرش بذاته ولقد عجبت لرجل اندلسي يقال له ابن عبد البر صنف كتاب التمهيد فذكر فيه حديث النزول الى السماء الدنيا فقال‏:‏ هذا يدل على ان الله تعالى على العرش‏.‏

لانه لولا ذلك لما كان لقوله ينزل معنى‏.‏

وهذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل لان هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الاجسام‏.‏

فقاس صفة الحق عليه‏.‏

فاين هؤلاء واتباع الاثر‏.‏

ولقد تكلموا باقبح ما يتكلم به المتاولون ثم عابوا المتكلمين‏.‏

واعلم ايها الطالب للرشاد انه سبق الينا من العقل والنقل اصلان راسخان‏.‏

عليهما مر الاحاديث كلها‏.‏

اما النقل فقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ‏"‏‏.‏

ومن فهم هذا لم يحمل وصفاً له على ما يوجبه الحس‏.‏

واما العقل فانه قد علم مباينة الصانع للمصنوعات واستدل على حدوثها بتغيرها ودخول الانفعال عليها فثبت له قدم الصانع‏.‏

وا عجباً كل العجب من راد لم يفهم طبيعة الكلام‏.‏

اوليس العقل اذا استغنى في هذا صرف الامر عن حقيقته‏.‏

لما ثبت عند من يفهم ماهية الموت‏.‏

فقال‏:‏ الموت عرض يوجب بطلان الحياة‏.‏

فكيف يمات الموت‏.‏

فاذا قيل له فما تصنع بالحديث‏.‏

قال‏:‏ هذا ضرب مثل باقامة صورة ليعلم بتلك الصورة الحسية فوات ذلك المعنى‏.‏

قلنا له‏:‏ فقد روي في الصحيح‏:‏ تاتي البقرة وال عمران كانهما غمامتان‏.‏

فقال الكلام لا يكون غمامة ولا يتشبه بها‏.‏

قلنا له افتعطل النقل قال‏:‏ لا ولكن اقول ياتي ثوابهما‏.‏

قلنا‏:‏ فما الدليل الصارف لك عن هذه الحقائق‏.‏

فقال‏:‏ علمي بان الكلام لا يتشبه بالاجسام والموت لا يذبح ذبح الانعام ولقد علمتم سعة لغة العرب‏.‏

ما ضاقت اعطانكم من سماع مثل هذا‏.‏

فقال العلماء صدقت‏:‏ هكذا نقول في تفسير مجيء البقرة وفي ذبح الموت‏.‏

[fot]فقال‏:‏ واعجبا لكم صرفتم عن الموت والكلام ما لا يليق بهما حفظاً لما علمتم من حقائقهما فكيف لم تصرفوا عن الاله القديم ما يوجب التشبيه له بخلقه بما قد دل الدليل على تنزيهه فما زال يجادل الخصوم بهذه الادلة‏.‏ [/fot]

ويقول‏:‏ لا اقطع حتى اقطع فما قطع حتى قطع‏.‏
[/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 24, 2005 4:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء أغسطس 17, 2005 9:44 pm
مشاركات: 20
[align=center]فصل مخالطة المحجوبين عن الله غشاوة
ما رايت اكثر اذى للمؤمن من مخالطة من لا يصلح فان الطبع يسرق‏.‏

فان لم يتشبه بهم ولم يسرق منهم فتر عن عمله‏.‏

وان رؤية الدنيا تحث على طلبها وقد راى رسول الله صلى الله عليه وسلم ستراً على بابه فهتكه وقال‏:‏ ما لي وللدنيا ولبس ثوباً له طراز فرماه وقال‏:‏ شغلتني اعلامه ولبس خاتماً ثم رماه وقال‏:‏ نظرت اليكم ونظرت اليه‏.‏

وكذلك رؤية ارباب الدنيا ودورهم واحوالهم خصوصاً لمن له نفس تطلب الرفعة‏.‏

وكذا سماع الاغاني ومخالطة الصوفية الذين لا نظر لهم اليوم الا في الرزق الحاصل‏.‏

لو كان من اي مكان قبلوه ولا يتورعون ان ياخذوا من ظالم وليس عندهم خوف كما كان اوائلهم‏.‏

فقد كان سري السقطي يبكي طول الليل وكان يبالغ في الورع وهم ليس لهم ورع سري ولا وانما ثم اكل ورقص وبطالة وسماع اغاني من المردان حتى قال بعض من يعتبر قوله‏:‏ حضرت مع رجل كبير يوما اليه من مشايخ الربط ومغنيهم امرد فقام الشيخ ونقطه بدينار على خده‏.‏

وادعاؤهم ان سماع هذه الاشياء يدعو الى الاخرة فوق الكذب‏.‏

وليس العجب منهم انما العجب من جهال ينفقون عليهم فينفقون عليهم‏.‏

ولقد كان جماعة من القدماء يرون اوائل الصوفية يتعبدون ويتورعون فيعجبهم حالهم وهم معذورون في اعجابهم بهم‏.‏

وان كان اكثر القوم في تعبدهم على غير الجادة كما ذكرت في كتابي المسمى بتلبيس ابليس‏.‏

فاما اليوم فقد برح الخفاء احدهم يتردد الى الظلمة وياكل اموالهم ويصافحهم بقميص ليس فيه طراز وهذا هو التصوف فحسب‏.‏

او لا يستحي من الله من زهد في رفيع الاثواب لاجل الخلائق لا لاجل الحق‏.‏

ولا يزهد في مطعم ولا شبهة‏!‏‏.‏

فالبعد عن هؤلاء لازم‏.‏

وينبغي للمنفرد لطاعة الله تعالى عن الخلق ان لا يخرج الى سوق جهده فان خرج ضرورة غض بصره وان لا يزور صاحب منصب ولا يلقاه فان اضطر دارى الامر‏.‏

ولا يفتح على نفسه باب التزوج بل يقنع بامراة فيها دين فقد قال الشاعر‏:‏ والمرء ما دام ذا عين يقلبها في اعين العين موقوف على الخطر يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحباً بسرور وعاد بالضرر فان كان يغلب عليه العلم انفرد بدراسته واحترز من الاتباع المعلمين وان غلبت عليه العبادة زاد في احترازه‏.‏

وليجعل خلوته انيسه والنظر في سير السلف جليسه‏.‏

[fot]وليكن له وظيفة من زيارة قبور الصالحين والخلوة بها‏.‏ [/fot]
ولا ينبغي ان يفوته ورد قيام الليل وليكن بعد النصف الاول فليطل مهما قدر فانه زمان بعيد المثل‏.‏

وليمثل رحيله عن قرب ليقصر امله وليتزود في الطريق على قدر طول السفر نسال الله عز وجل يقظة من فضله واقبالاً على خدمته وان لا يخذلنا بالالتفات عنه انه قريب مجيب‏.‏
[/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 24, 2005 5:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء أغسطس 17, 2005 9:44 pm
مشاركات: 20
[align=center] فصل علماء الاخرة ملوك
وقد صرح بهذا ابن عمر رضي الله عنهما فقال‏:‏ والله لا ينال احد من الدنيا شيئاً الا نقص من درجاته عند الله وان كان عنده كريماً‏.‏

فالسعيد من اقتنع بالبلغة فان الزمان اشرف من ان يضيع في طلب الدنيا‏.‏

اللهم الا ان يكون متورعاً في كسبه معيناً لنفسه عن الطمع قاصداً اعانة اهل الخير والصدقة على المحتاجين فكسب هذا اصلح من بطالته‏.‏

فاما الصعود الذي سببه مخالطة السلاطين فبعيد ان يسلم معه الدين فان وقعت سلامته ظاهراً فالعاقبة خطرة‏.‏

قال ابو محمد التميمي‏:‏ ما غبطت احداً الا الشريف ابا جعفر يوم مات القائم بامر الله فانه غسله وخرج ينفض اكمامه فقعد في مسجده لا يبالي باحد ونحن منزعجون لا ندري ما يجري علينا‏.‏

وذاك ان التميمي كان متعلقاً على السلطان يمضي له في الرسائل فخاف مغبة القرب‏.‏

وقد راينا جماعة من العلماء خالطوا السلطان فكانت مغبتهم سيئة‏.‏

ولعمري انهم طلبوا الراحة فاخطاوا طريقها لان غموم القلب لا توازيها لذة مال ولا لذة مطعم هذا في الدنيا قبل الاخرة‏.‏

وليس اشرف واطيب عيشاً من منفرد في زاوية لا يخالط السلاطين ولا يبالي اطاب مطعمه ام لم يطب‏.‏

فانه لا يخلو من كسرة وقعب ماء ثم هو سليم من ان تقال له كلمة تؤذيه او يعيبه الشرع حين دخوله عليهم او الخلق‏.‏

ومن تامل حال احمد بن حنبل في انقطاعه وحال ابن ابي داؤد ويحيى بن اكثم عرف الفرق في طيب العيش في الدنيا والسلامة في الاخرة‏.‏

وما احسن ما قال ابن ادهم‏:‏ لو علم الملوك وابناء الملوك ما نحن فيه من لذيذ العيش لجالدونا عليه بالسيوف‏.‏

ولقد صدق ابن ادهم فان السلطان ان اكل شيئاً خاف ان يكون قد طرح له فيه سم وان نام خاف ان يغتال وهو وراء المغاليق لا يمكنه ان يخرج لفرجة فان خرج كان منزعجاً من اقرب الخلق اليه واللذة التي ينالها تبرد عنده ولا تبقي له لذة مطعم ولا منكح‏.‏

وكلما استظرف المطاعم اكثر منها ففسدت معدته وكلما استجد الجواري اكثر منهن فذهبت قوته ولا يكاد يبعد ما بين الوطء والوطء فلا يجد في الوطء كبير لذة لان لذة الوطء بقدر بعد ما بين الزمانين وكذلك لذة الاكل‏.‏

فان من اكل على شبع ووطىء من غير صدق شهوة وقلق لم يجد اللذة التامة التي يجدها الفقير اذا جاع والعزب اذا وجد امراة‏.‏

ثم ان الفقير يرمي نفسه على الطريق في الليل فينام ولذة الامن قد حرمها الامراء فلذتهم ناقصة وحسابهم زائد‏.‏

والله ما اعرف من عاش رفيع القدر بالغاً من اللذات ما لم يبلغ غيره الا العلماء المخلصين كالحسن واحمد وسفيان والعباد المحققين كمعروف فان لذة العلم تزيد على كل لذة‏.‏

واما ضرهم اذا جاعوا او ابتلوا باذى فان ذلك يزيد في رفعتهم‏.‏

وكذلك لذة الخلوة والتعبد‏.‏

فهذا معروف كان منفرداً بربه طيب العيش معه لذيذ الخلوة به‏.‏

[fot]ثم قد مات منذ نحو اربعمائة سنة فما يخلو ان يهدي اليه كل يوم ما تقدير مجموعة اجزاء من القران‏.‏

واقله من يقل على قبره فيقرا‏:‏ ‏"‏ قل هو اللّه احد ‏"‏ ويهديها له‏.‏ [/fot]

والسلاطين تقف بين يدي قبره ذليلة‏.‏

هذا بعد الموت ويوم الحشر تنشر الكرامات التي لا توصف وكذلك قبور العلماء المحققين‏.‏

ولما بليت اقوام بمخالطة الامراء اثر ذلك التكدير في احوالهم كلها‏.‏

وهذا ابو يوسف القاضي لا يزور قبره اثنان‏.‏

فالصبر عن مخالطة الامراء وان اوجب ضيق العيش من وجه يحصل طيب العيش من جهات‏.‏

ومع التخليط لا يحصل مقصود‏.‏

فمن عزم جزم‏.‏

كان ابو الحسن القزويني لا يخرج من بيته الا وقت الصلاة فربما جاء السلطان فيقعد لانتظاره ليسلم عليه‏.‏

ومد النفس في هذا ربما اضجر السامع ومن ذاق عرف‏.‏ [/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 24, 2005 5:06 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء أغسطس 17, 2005 9:44 pm
مشاركات: 20
[align=center]
[fot]هذا فصل جميل جدا ارجوا التأمل في قراءته[/fot]

فصل ضرر الجدال
فان الانبياء عليهم الصلاة والسلام بالغوا في الاثبات ليتقرر في انفس العوام وجود الخالق فان النفوس تانس بالاثبات فاذا سمع العامي ما يوجب النفي‏.‏

طرد عن قلبه الاثبات فكان اعظم ضرر عليه وكان هذا المنزه من العلماء على زعمه مقاوماً لاثبات الانبياء عليهم الصلاة والسلام بالمحو وشارعاً في ابطال ما يفتون به‏.‏

وبيان هذا ان الله تعالى اخر باستوائه على العرش فانست النفوس الى اثبات الاله ووجوده قال تعالى‏:‏ ‏"‏ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ‏"‏ وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتَانِ ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ‏"‏ ‏"‏ رَضيَ اللَّهُ عنهم ‏"‏ واخبر الرسول ان ينزل الى السماء الدنيا وقال‏:‏ قلوب العباد بين اصبعين وقال‏:‏ وكتب التوراة بيده وكتب كتاباً فهو عنده فوق العرش الى غير ذلك مما يطول ذكره‏.‏

فاذا امتلا العامي والصبي من الاثبات وكاد يانس من الاوصاف بما يفهمه الحس قيل له‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ‏"‏ فمحا من قلبه ما نقشه الخيال وتبقى الفاظ الاثبات متمكنة‏.‏

ولهذا اقر الشرع مثل هذا فسمع منشداً يقول‏:‏ وفوق العرش رب العالمينا فضحك‏.‏

وقال له اخر‏:‏ اويضحك ربنا فقال‏:‏ نعم وقال‏:‏ انه على عرشه هكذا كل هذا ليقرر الاثبات في النفوس‏.‏

واكثر الخلق لا يعرفون الاثبات الا على ما يعلمون من الشاهد فيقنع منهم بذلك الى ان يفهموا فاما اذا ابتدانا بالعامي الفارغ من فهم الاثبات فقلنا‏:‏ ليس في السماء ولا على العرش ولا يوصف بيد وكلامه صفة قائمة بذاته وليس عندنا منه شيء ولا يتصور نزوله انمحى من قلبه تعظيم المصحف ولم يتحقق في سره اثبات اله‏.‏

وهذه جناية عظيمة على الانبياء توجب نقض ما تعبوا في بيانه ولا يجوز لعالم ان ياتي الى عقيدة عامي قد انس بالاثبات فيهوشها فانه يفسده ويصعب صلاحه‏.‏

فاما العالم فانا قد امناه لانه لا يخفى عليه استحالة تجدد صفة الله تعالى وانه لا يجوز ان يكون استوى كما يعلم ولا يجوز ان يكون محمولاً ولا ان يوصف بملاصقة ومس ولا ان ينتقل‏.‏

ولا يخفى عليه ان المراد بتقليب القلوب بين اصبعين الاعلام بالتحكم في القلوب فان ما يدبره الانسان بين اصبعين هو متحكم فيه الى الغالية‏.‏

ولا يحتاج الى تاويل من قال‏:‏ الاصبع الاثر الحسن فالقلوب بين اثرين من اثار الربوبية وهما‏:‏ الاقامة والازاغة‏.‏

ولا الى تاويل من قال‏:‏ يداه نعمتاه لانه اذا فهم ان المقصود الاثبات‏.‏

وقد حدثنا بما نعقل‏.‏

وضربت لنا الامثال بما نعلم وقد ثبت عندنا بالاصل المقطوع به انه لا يجوز عليه ما يعرفه واصلح ما نقول للعوام‏:‏ امروا هذه الاشياء كما جاءت ولا تتعرضوا لتاويلها وكل ذلك يقصد به حفظ الاثبات وهذا الذي قصده السلف‏.‏

وكان احمد يمنع من ان يقال‏:‏ لفظي بالقران مخلوق او غير مخلوق كل ذلك ليحمل على الاتباع وتبقى الفاظ الاثبات على حالها‏.‏

واجهل الناس من جاء الى ما قصد النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه فاضعف في النفوس قوي التعظيم‏.‏

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تسافروا بالقران الى ارض العدو يشير الى المصحف‏.‏

ومنع الشافعي ان يحمله المحدث بعلاقته تعظيماً له‏.‏

فاذا جاء متحذلق فقال‏:‏ الكلام صفة قائمة بذات المتكلم فمعنى قوله هذا ان ما ههنا شيء يحترم فهذا قد ضاد بما اتى به مقصود الشرع‏.‏

وينبغي ان يفهم اوضاع الشرع ومقاصد الانبياء عليهم الصلاة والسلام وقد منعوا من كشف ما قد قنع الشرع فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلام في القدر ونهى عن الاختلاف لان هذه الاشياء تخرج الى ما يؤذي‏.‏

فان الباحث عن القدر اذا بلغ فهمه الى ان يقول‏:‏ قضى وعاقب تزلزل ايمانه بالعدل‏.‏

وان قال‏:‏ لم يقدر ولم يقض تزلزل ايمانه بالقدرة والملك فكان الاولى ترك الخوض في هذه الاشياء‏.‏

ولعل قائلاً يقول‏:‏ هذا منع لنا عن الاطلاع على الحقائق وامر بالوقوف مع التقليد‏.‏

فاقول‏:‏ لا انما اعلمك ان المراد منك الايمان بالجمل وما امرت بالتنقير لمعرفة الكنه مع ان قوى فهمك تعجز عن ادراك الحقائق‏.‏

فان الخليل عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ ارني كيف تحيي فاراه ميتاً حيي ولم يره كيف احياه لان قواه تعجز عن ادراك ذلك‏.‏

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي بعث ليبين للناس ما نزل اليهم يقنع من الناس بنفس الاقرار واعتقاد الجمل‏.‏

وكذلك كانت الصحابة فما نقل عنهم انهم تكلموا في تلاوة ومتلو وقراءة ومقروء ولا انهم قالوا استوى بمعنى استولى ويتنزل بمعنى يرحم‏.‏

بل قنعوا باثبات الجمل التي تثبت التعظيم عند النفوس وكفوا كف الخيال بقوله‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ‏"‏‏.‏

ثم هذا منكر ونكير انما يسالان عن الاصول المجملة فيقولان‏:‏ من ربك وما دينك ومن ومن فهم هذا الفصل سلم من تشبيه المجسمة وتعطيل المعطلة ووقف على جادة السلف الاول والله الموفق‏.‏
[/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 24, 2005 5:09 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء أغسطس 17, 2005 9:44 pm
مشاركات: 20
[align=center]فصل السعادة الحقة
لقد غفل طلاب الدنيا عن اللذة فيها وما اللذة فيها الا شرف العلم وزهرة العفة وانفة الحمية وعز القناعة وحلاوة الافضال على الخلق‏.‏

فاما الالتذاذ بالمطعم والمنكح فشغل جاهل باللذة لان ذاك لا يراد لنفسه بل لاقامة العوض في البدن والولد‏.‏

واي لذة ي النكاح وهي قبل المباشرة لا تحصل‏.‏

وفي حال المباشرة قلق لا يثبت‏.‏

وعند انقضائها كان لم تكن ثم تثمر الضعف في البدن‏.‏

واي لذة في جمع المال فضلاً عن الحاجة‏.‏

فانه مستعبد للخازن يبيت حذراً عليه ويدعوه قليله الى كثيره‏.‏

واي لذة في المطعم وعند الجوع يستوي خشنه وحسنه‏.‏

فان ازداد الاكل خاطر بنفسه‏.‏

قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه‏:‏ بنيت الفتنة على ثلاث النساء وهن فخ ابليس المنصوب‏.‏

والشراب وهو سيفه المرهف‏.‏

والدينار والدرهم وهما سهماه المسمومان‏.‏

فمن مال الى النساء لم يصف له عيش‏.‏

ومن احب الشراب لم يمتع بعقله‏.‏

ومن احب الدينار والدرهم كان عبداً لهما ما عاش‏.‏

اصل كل محنة في العقائد قياس امر الخالق على احوال الخلق‏.‏

فان الفلاسفة لما راوا ايجاد شيء لا من شيء كالمستحيل في العادات قالوا بقدم العالم‏.‏

ولما عظم عندهم في العادة الاحاطة بكل شيء قالوا‏:‏ انه يعلم الجمل لا التفاصيل‏.‏

ولما راوا تلف الابدان بالبلاء انكروا اعادتها‏.‏

وقالوا الاعادة رجوع الارواح الى معادنها‏.‏

[fot]وكل من قاس صفة الخالق على صفات المخلوقين خرج الى الكفر‏.‏

فان المجسمة دخلوا في ذلك لانهم حملوا اوصافه على ما يعقلون‏.‏ [/fot]

وكذلك تدبيره عز وجل‏.‏

فان من حمله على ما يعقل في العادات راى ذبح الحيوان لا يستحسن والامراض تستقبح وقسمة الغنى للابله والفقر للجلد العاقل امراً ينافي الحكمة‏.‏

وهذا في الاوضاع بين الخلق‏.‏

فاما الخالق سبحانه فان العقل لا ينتهي الى حكمته‏.‏

بلى‏.‏

قد ثبت عنده وجوده وملكه وحكمته‏.‏

فتعرضه بالتفاصيل على ما تجري به عادات الخلق جهل‏.‏

الا ترى الى اول المعترضين وهو ابليس كيف ناظر فقال ‏"‏ انا خير منه ‏"‏ وقول خليفته وهو ابو العلاء المعري‏:‏ راى منك ما لا يشتهي فتزندقا اترى نقدر على تعليل افعاله فضلاً عن مطالعة ذاته‏.‏

وكيف نقيس امره على احوالنا‏.‏

فاذا راينا نبينا صلى الله عليه وسلم يسال في امه وعمه فلا يقبل منه ويتقلب جائعاً والدنيا ملك يده ويقتل اصحابه والنصر بيد خالقه اوليس هذا مما يحير‏!‏‏.‏

فما لنا والاعتراض على مالك قد ثبتت حكمته واستقر ملكه‏.‏
[/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 24, 2005 5:11 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء أغسطس 17, 2005 9:44 pm
مشاركات: 20
[align=center]
فصل السلامة في كتاب الله
رأيت كثيراً من الخلق وعالماً من العلماء لا ينتهون عن البحث عن أصول الأشياء التي أمر بعلم جلها من غير بحث عن حقائقها كالروح مثلاً فإن الله تعالى سترها بقوله‏:‏ ‏"‏ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ‏"‏ فلم يقنعوا وأخذوا يبحثون عن ماهيتها ولا يقعون بشيء ولا يثبت لأحد منهم برهان على ما يدعيه وكذلك العقل فإنه موجود بلا شك كما أن الروح موجودة بلا شك كلاهما يعرف بآثاره لا بحقيقة ذاته‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فما السر في كتم هذه الأشياء قلت‏:‏ لأن النفس ما تزال تترقى من حالة إلى حالة فلو اطلعت على هذه الأشياء لترقت إلى خالقها فكان ستر ما دونه زيادة في تعظيمه لأنه إذا كان بعض مخلوقاته لا يعلم كنهه فهو أجل وأعلى‏.‏

ولو قال قائل‏:‏ ما الصواعق وما البرق وما الزلازل‏.‏

قلنا‏:‏ شيء مزعج ويكفي‏.‏

والسر في ستر هذا أنه لو كشفت حقائقه خف مقدار تعظيمه‏.‏

ومن تلمح هذا الفصل علم أنه فصل عزيز فإذا ثبت هذا في المخلوقات فالخالق أجل وأعلى‏.‏

فينبغي أن يوقف في إثباته على دليل وجوده ثم يستدل على جواز بعثه رسله ثم تتلقى أوصافه من كتبه ورسله ولا يزاد على ذلك‏.‏

وإذا قلنا‏:‏ إنه موجود وعلمنا من كلامه أنه سميع بصير حي قادر‏.‏

كفانا هذا في صفاته ولا نخوض في شيء آخر‏.‏

وكذلك نقول‏:‏ متكلم والقرآن كلامه ولا نتكلف ما فوق ذلك‏.‏

ولم يقل السلف‏:‏ تلاوة ومتلو وقراءة ومقروء ولا قالوا‏:‏ استوى على العرش بذاته ولا قالوا‏:‏ ينزل بذاته بل أطلقوا ما ورد من غير زيادة‏.‏

ونقول‏:‏ لما لم يثبت بالدليل ما لا يجوز عليه‏.‏

وهذه كلمات كالمثال فقس عليها جميع الصفات تفز سليماً من تعطيل متخلصاً من تشبيه‏.‏ [/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 24, 2005 5:19 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء أغسطس 17, 2005 9:44 pm
مشاركات: 20
[align=center]
فصل حدود العقل

سألني سائل قد قال بعض الحكماء‏:‏ من لم يحترز بعقله هلك بعقله فما معنى هذا فبقيت مدة لا ينكشف لي المعنى ثم اتضح‏.‏

[fot]وذلك أنه إذا طلبت معرفة ذات الخالق سبحانه من العقل فزع إلى الحس فوقع التشبيه‏.‏

فالاحتراز من العقل بالعقل هو أن ينظر فيعلم أنه لا يجوز أن يكون جسماً ولا شبهاً لشيء‏.‏ [/fot]

بلغني عن بعض الكرماء أن رجلاً سأله فقال‏:‏ أنا الذي أحسنت إلي يوم كذا وكذا فقال‏:‏ مرحباً بمن يتوسل إلينا بنا ثم قضى حاجته‏.‏

فأخذت من ذلك إشارة فناجيت بها فقلت‏:‏ أنت الذي هديته من زمن الطفولة وحفظته من الضلال وعصمته عن كثير من الذنوب وألهمته طلب العلم لا بفهم لشرف العلم لموضع الصغر ولا بحب والده - لموت الوالد - ورزقته فهماً لتفقهه وتصنيفه وهيأت له أسباب جمعه وقمت برزقه من غير تعب منه ولا ذل للخلق بالسؤال وحاميت عنه الأعداء فلم يقصده جبار وجمعت له ما لم تجمع لأكثر الخلق من فنون العلم التي لا تكاد تجتمع في شخص وأضفت إليها تعلق القلب بمعرفتك ومحبتك وحسن العبارة ولطفها في الدلالة عليك ووضعت له في القلوب القبول حتى أن الخلق يقبلون عليه ويقبلون ما يقوله ولا يشكون فيه ويشتاقون إلى كلامه ولا يدركهم الملل منه وصنته بالعزلة عن مخالطة من لا يصلح وآنسته في خلوته بالعلم تارة وبمناجاتك أخرى وإن ذهبت أعد لم أقدر على إحصاء عشير العشير ‏"‏ وإن تَعُدُّوا نعمة اللّه لا تحصوها ‏"‏‏.‏

فيا محسناً إلي قبل أن أطلب لا تخيب أملي فيك وأنا أطلب‏.‏

فبإنعامك المتقدم أتوسل إليك‏.‏

سبحان من جعل الخلق بين طرفي نقيض والمتوسط منهم يندر‏.‏

منهم من يغضب فيقتل ويضرب‏.‏

ومنهم من هو أبله بقوة الحلم لا يؤثر عنده السب‏.‏

ومنهم شره يتناول كل ما يشتهي‏.‏

ومنهم متزهد يتجفف فيمنع النفس حقها‏.‏

وكذلك سائر الأشياء المحمود منها المتوسط‏.‏

فالمنفق كل ما يجد مبذر والبخيل يخبىء المال ويمنع نفسه حظها‏.‏

ومعلوم أن المال لا يراد لنفسه بل للمصالح فإذا بذر الإنسان فيه احتاج إلى بذل وجهه ودينه ومنة البخلاء عليه وهذا لا يصلح‏.‏

ولأن يخلف الإنسان لعدوه أحسن من أن يحتاج إلى صديقه‏.‏

وفي الناس من يبخل ثم يتفاوتون في البخل حتى ينتهي البلاء بهم إلى عشق عين المال‏.‏

فربما مات أحدهم هزالاً وهو لا ينفقه فيأخذه الغير ويندم المخلف‏.‏

ولقد بلغني في هذا ما ليس فوقه مزيد ذكرته لتعتبر به‏.‏

فحدثني شيخنا أبو الفضل بن ناصر عن شيخه عبد المحسن الصوري قال‏:‏ كان بصور تاجر في غرفة له يأخذ كل ليلة من البقال رغيفين وجوزة فيدخل إلى غرفته وقت المغرب فيضرم النار في الجوزة فتضيء بمقدار ما ينزع ثوبه‏.‏

وفي زمان إحراق القشر تكون قد استوت فيمسح بها الرغيفين ويأكلهما‏.‏

فبقي على هذا مدة فمات فأخذ منه ملك صور ثلاثين ألفاً‏.‏

ورأيت أن رجلاً من كبار العلماء قد مرض فاستلقى عند بعض أصدقائه ليس له من يخدمه ولا يرفقه وهو يتضرر به فلما مات وجدوا بين كتبه خمسمائة دينار‏.‏

وحدثني أبو الحسن الراندسي قال‏:‏ مرض رجل عندنا فبعث إلي فحضرت فقال‏:‏ قد ختم القاضي على مالي فقلت‏:‏ إن شئت قمت وفتحت الختم وأعطيتك الثلث تفرقه وتعمل به ما تشاء‏.‏

فقال‏:‏ لا والله ما أريد أن أفرقه بل أريد مالي يكون عندي فقلت‏:‏ ما يعطونك وأنا آخذ لك الثلث كي تكون حراً فيه‏.‏

فقال‏:‏ لا أريد فمات وأخذ ماله‏.‏

قال‏:‏ وجاء رجل فحدثني بعجيبة قال‏:‏ مرضت حماتي فقالت لي‏:‏ أريد أن تشتري لي خبيصاً فاشتريت لها وكانت ملقاة في صفة ونحن في صفة أخرى‏.‏

فجاءني ولدي الصغير وقال‏:‏ يا سيدي إنها تبلع الذهب فقمت وإذا بها تجعل الدينار في شيء من الخبيص فتبلعه‏.‏

فأمسكت يدها وزجرتها عن هذا‏.‏

فقالت‏:‏ أنا أخاف أن تتزوج على إبنتي فقلت‏:‏ ما أفعل فقالت‏:‏ إحلف لي فحلفت فأعطتني باقي الذهب ثم ماتت فدفنتها‏.‏

فلما كان بعد أشهره مات لنا طفل فحملناه إليها وأخذت معي خرقة خام وقلت للحفار‏:‏ اجمع لي عظام تلك العجوز في الخرقة فجئت بها إلى البيت وتركتها في أجانة وصببت عليها الماء وحركتها فأخرجت ثمانين ديناراً أو نحوها كانت قد ابتلعتها‏.‏

وحكى لي صديق لنا أن رجلاً مات ودفن في الدار ثم نبش بعد مدة ليخرج فوجد تحت رأسه لبنة مقيرة‏.‏

فسئل أهله عنها فقالوا‏:‏ هو قير هذه اللبنة وأوصى أن تترك تحت رأسه في قبره وقال‏:‏ إن اللبن يبلى سريعاً وهذه لموضع القار لا تبلى‏.‏

فأخذوها فوجدوها رزينة فكسرها فوجدوا فيها تسعمائة دينار فتولاها أصحاب التركات‏.‏

وبلغني أن رجلاً كان يكنس المساجد ويجمع ترابها ثم ضربه لبناً فقيل له هذا لأي شيء فقال‏:‏ هذا تراب مبارك وأريد أن يجعلوه على لحدي فلما مات جعل على لحده ففضل منه لبنات فرموها في البيت فجاء المطر فتفسخت اللبنات فإذا فيها دنانير‏.‏

فمضوا وكشفوا اللبن عن لحده وكله مملوء دنانير‏.‏

ولقد مات بعض أصدقائنا وكنت أعلم له مالاً كثيراً وطال مرضه فما أطلع أهله على شيء ولا أكاد أشك أنه من شحه وحرصه على الحياة ورجائه أن يبقى لم يعلمهم بمدفونه خوفاً أن يؤخذ فيحيا هو وقد أخذ المال‏.‏

وما يكون بع هذا الخزي شيء‏.‏

وحدثني بعض أصحابنا عن حالة شاهدها من هذا الفن‏.‏

قال‏:‏ كان فلان له ولدان ذكران وبنت وله ألف دينار مدفونة‏.‏

فمرض مرضاً شديداً فاحتوشته أهله فقال لأحد ابنيه لا تبرح من عندي‏.‏

فلما خلا به قال له إن أخاك مشغول باللعب بالطيور وإن أختك لها زوج تركي ومتى وصل من مالي إليهما شيء أنفقوه في اللعب وأنت على سيرتي وأخلاقي ولي في الموضع الفلاني ألف دينار فإذا أنا مت فخذها وحدك‏.‏

فاشتد بالرجل المرض فمضى الولد فأخذ المال فعوفي الأب فجعل يسأل الولد أن يرد المال إليه فلا يفعل فمرض الولد فأشفى فجعل الأب يتضرع إليه ويقول‏:‏ ويحك خصصتك بالمال دونهم فتموت فيذهب المال ويحك لا تفعل فما زال به حتى أخبره بمكانه فأخذه ثم عوفي الولد ومضت مدة فمرض الأب فاجتهد الولد أن يخبره بمكان المال وبالغ فلم يخبره ومات وضاع المال‏.‏

فسبحان من أعدم هؤلاء العقول والفهوم إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً‏.‏
[/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 24, 2005 5:29 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء أغسطس 17, 2005 9:44 pm
مشاركات: 20
[align=center]أعجبتني هذه الخاطرة فنقلتها لكم.




فصل مظاهر الاصطفاء
لقد اعتبرت على مولاي سبحانه وتعالى أمراً عجيباً وهو أنه تعالى لا يختار لمحبته والقرب منه إلا الكامل صورة ومعنى‏.‏

ولست أعني حسن التخاطيط وإنما كمال الصورة اعتدالها والمعتدلة ما تخلو من حسن فيتبعها حسن الصورة الباطنة وهو كمال الأخلاق وزوال الأكدار ولا يرى في باطنه خبثاً ولا وقد كان موسى عليه السلام كل من رآه يحبه وكان نبينا صلى الله عليه وسلم كالقمر ليلة البدر‏.‏

وقد يكون الولي أسود اللون لكنه حسن الصورة لطيف المعاني‏.‏

فعلى قدر ما عند الإنسان من التمام في كمال الخلق والخلق يكون عمله ويكون تقريبه إلى الحضرة بحسب ذلك‏.‏

فمنهم كالخادم على الباب ومنهم حاجب ومنهم مقرب ويندر من يتم له الكمال‏.‏

ولعله لا يوجد في مائة سنة منهم غير واحد‏.‏

وهذه حكاية ما تحصل بالاجتهاد بل الاجتهاد يحصل منها‏.‏

لأنه إذا وقع تماماً حث على الجد على قدر نقصائه‏.‏

وهذا لا حيلة في أصله إنما هو جبلة وإذا أرادك لأمر هيأك له‏.
[/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 24, 2005 5:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء أغسطس 17, 2005 9:44 pm
مشاركات: 20
[align=center] فصل التعجيل بالخير

أعجب الأشياء اغترار الإنسان بالسلامة وتأميله الإصلاح فيما بعد وليس لهذا الأمل منتهى ولا للاغترار حد‏.‏

فكلما أصبح وأمسى معافى زاد الاغترار وطال الأمل‏.‏

وأي موعظة أبلغ من أن ترى ديار الأقران وأحوال الإخوان وقبور المحبوبين فتعلم أنك بعد أيام حاشا من له عقل أن يسلك هذا المسلك‏.‏

بلى والله إن العاقل ليبادر السلامة فيدخر من زمنها للزمن ويتزود عند القدرة على الزاد لوقت العسرة‏.‏

خصوصاً لمن قد علم أن مراتب الآخرة إنما تعلو بمقدار علو العلم لها وأن التدارك بعد الفوت لا يمكن‏.‏

وقدر أن العاصي عفى عنه أينال مراتب العمال‏.‏

ومن أجال على خاطره ذكر الجنة التي لا موت فيها ولا مرض ولا نوم ولا غم بل لذاتها متصلة من غير انقطاع وزيادتها على قدر زيادة الجد ههنا انتهب هذا الزمان فلم ينم إلا ضرورة ولم يغفل عن عمارة لحظة‏.‏

ومن رأى أن ذنباً قد مضت لذته وبقيت آفاته دائمة كفاه ذلك زاجراً عن مثله خصوصاً الذنوب التي تتصل آثارها مثل أن يزني بذات زوج فتحمل منه فتلحق بالزوج فيمنع الميراث أهله ويأخذه من ليس من أهله وتتغير الأنساب والفرش ويتصل ذلك أبداً وكله شؤم لحظة‏.‏

فنسأل الله عز وجل توفيقاً يلهم الرشاد ويمنع الفساد إنه قريب مجيب‏.‏

[fot]تأملت سبب تخليط العقائد فإذا هو الميل إلى الحس وقياس الغائبات على الحاضر‏.‏

فإن أقواماً غلب عليهم الحس فلما لم يشاهدوا الصانع جحدوا وجوده ونسوا أنه قد ظهر بأفعاله‏.‏

وأن هذه الأفعال لا بد لها من فاعل‏.‏

فإن العاقل إذا مر على صحراء خالية ثم عاد وفيها غرس وبناء علم أنه لا بد من غارس إذ الغرس لا يكون بنفسه ولا البناء‏.‏

ثم جاء قوم فأثبتوا وجود الصانع ثم قاسوه على أحواله فشبهوا حتى إن قائلهم يقول‏:‏ في قوله‏:‏ ينزل إلى السماء ينتقل ويستدل بأن العرب لا تعرف النزول إلا الانتقال‏.‏

وضل خلق كثير في صفاته كما ضل خلق كثير في ذاته‏.‏

فظن أقوام أنه يتأثر حين سمعوا أنه يغضب ويرضى‏.‏

ونسوا أن صفته تعالى قديمة لا يحدث منها شيء‏.‏

وضل خلق في أفعاله فأخذوا يعللون فلم يقنعوا بشيء فخرج منهم قوم إلى أن نسبوا فعله إلى ضد الحكمة تعالى عن ذلك‏.‏

ومن رزق التوفيق فليحضر قلبه لما أقول‏:‏ إعلم أن ذاته سبحانه لا تشبه الذوات وصفاته ليست كالصفات وأفعاله لا تقاس بأفعال الخلق‏.‏

أما ذاته سبحانه فإنا لا نعرف ذاتاً إلا أن تكون جسماً وذاك يستدعي سابقة تأليف وهو منزه عن ذلك لأنه المؤلف وإما أن يكون جوهراً فالجوهر متحيز وله أمثال وقد جل عن ذلك أو عرضاً فالعرض لا يقوم بنفسه بل بغيره وقد تعالى عن ذلك‏.‏

فإذا أثبتنا ذاتاً قديمة خارجة عما يعرف فليعلم أن الصفات تابعة لتلك الذات فلا يجوز لنا أن نقيس شيئاً منها على ما نفعله ونفهمه بل نؤمن به ونسلمه‏.‏ [/fot]
وكذلك أفعاله فإن أحدنا لو فعل فعلاً يجتلب به نفعاً ولا يدفع عنه ضراً عد عابثاً‏.‏

وهو سبحانه أوجد الخلق لا لنفع يعود إليه ولا لرفع ضر إذ المنافع لا تصل إليه والمضار لا تتطرق عليه‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ إنما خلق الخلق لينفعهم‏:‏ قلنا‏:‏ يبطله إنه خلق منهم للكفر وعذبهم‏.‏

ونراه يؤلم الحيوان والأطفال ويخلق المضار وهو قادر أن لا يفعل ذلك‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ إنه يثيب على ذلك‏.‏

قلنا‏:‏ وهو قادر أن يثيب بلا هذه الأشياء فإن السلطان لو أراد أن يغني فقيراً فجرحه ثم أغناه ليم على ذلك لأنه قادر أن يغنيه بلا جراح‏.‏

ثم من يرى ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه من الجوع والقتل مع قدرة الناصر ثم يسأل أمه فلا يجاب ولو كان المسؤول بعضنا قلنا لم تمنع ما لا يضرك‏.‏

والذي يوجب علينا التسليم أن حكمته فوق العقل فهي تقضي على العقول والعقول لا تقضي عليها‏.‏

ومن قاس فعله على أفعالنا غلط الغلط الفاحش وإنما هلكت المعتزلة من هذا الفن‏.‏

فإنهم قالوا‏:‏ كيف يأمر بشيء ويقضي بامتناعه ولو أن إنساناً إلى داره ثم أقام من يصد الداخل لعيب‏.‏

ولقد صدقوا فيما يتعلق بالشاهد‏.‏

فأما من أفعاله لا تعلل ولا يقاس يشاهد فإنا لا نصل إلى معرفة حكمته‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فكيف يمكنني أن أقود عقلي إلى ما ينافيه‏.‏

قلنا‏:‏ لا منافاة لأن العقل قد قطع بالدليل الجلي أنه حكيم وأنه مالك والحكيم لا يفعل شيئاً إلا الحكمة غير أن الحكمة لا يبلغها العقل‏.‏

ألا ترى أن الخضر خرق سفينة وقتل شخصاً فأنكر عليه موسى عليهما السلام بحكم العلم ولم يطلع على حكمة فعله فلما أظهر له الحكمة أذعن ولله المثل الأعلى‏.‏

فإياك إياك أن تقيس شيئاً من أفعاله على أفعال الخلق أو شيئاً من صفاته أو ذاته سبحانه وتعالى فإنك إن حفظت هذا سلمت من التشبيه الذي وقع فيه من رأى الاستواء اعتماداً وأول القوم إبليس فإنه رأى تقديم الطين على النار ليس بحكمة فنسي أنه إنما علم ذلك بزعمه بالفهم الذي وهب له والعقد الذي منحه فنسي أن الواهب أعلم ‏"‏ أولم يروا أن اللّه الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ‏"‏‏.‏

ولقد رأيت لابن الرومي اعتراضاً على من يقول بتخليد الكفار في النار‏.‏

قال‏:‏ إن ذلك التأبيد مزيد من الانتقام ينكره العقل وينبغي كل ما يقوله العقل ولا يرد بعضه إذ ليس رد بعضه بأولى من رد الكل وتخليد الكفار لا غرض فيه للمعذب ولا للمعذب فلا يجوز أن يكون‏.‏

فقلت العجب من هذا الذي يدعي وجود العقل ولا عقل عنده‏.‏

وأول ما أقول له‏:‏ أصح عندك الخبر عن الخالق سبحانه أنه أخبر بخلود أهل النار أم لم يصح‏.‏

فإن كان ما صح عنه فالكلام إذن في إثبات النبوة وصحة القرآن فما وجه ذكر الفرع مع جحد الأصل‏.‏

وإن قال قد ثبت عندي فواجب عليه أن يتمحل لإقامة العذر إلا أن يقف في وجه المعارضة‏.‏

وإنما ينكر هذا من يأخذ الأمر من الشاهد وقد بينا أن ذات الحق كالذوات وأن صفته لا كالصفات وأن أفعاله لا تعلل‏.‏

ولو تلمح شيئاً من التعليل لخلود الكفار لبان إذ من الجائز أن يكون دوام تعذيبهم لإظهار صدق الوعيد‏.‏

فإنه قال‏:‏ من كفر بي خلدته في العذاب ولا جناية كالكفر ولا عقوبة كدوام الإحراق فهو يدوم ليظهر صدق الوعيد‏.‏

ومن الجائز أن يكون ذلك لتتمة تنعيم المؤمنين فإنهم أعداء الكفار‏.‏

وقد قال سبحانه ‏"‏ ويشف صدور قوم مؤمنين ‏"‏‏.‏

وكم من قلق في صدر وحنق على أبي جهل فيما فعل وكم من غم في قلب عمار وأمه سمية وغيرهم من أفعال الكفار بهم فدوام عذابهم شفاء لقلوب أهل الإيمان‏.‏

ومن الجائز أن يدوم العذاب لدوام الاعتراض وذكر المعذب بما لا يحسن فكلما زاد عذابهم زاد كفرهم واعتراضهم فيهم يعذبون لذلك‏.‏

ودليل كفرهم ‏"‏ يحلفون له كما يحلفون لكم ‏"‏ فإذن كفرهم ما زال ومعرفتهم به ما حصلت والشر كامن في البواطن وعلى ذلك يقع التعذيب ‏"‏ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ‏"‏‏.‏
[/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 24, 2005 5:52 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء أغسطس 17, 2005 9:44 pm
مشاركات: 20
[align=center]


فصل السعادة الحقة

لقد غفل طلاب الدنيا عن اللذة فيها وما اللذة فيها إلا شرف العلم وزهرة العفة وأنفة الحمية وعز القناعة وحلاوة الإفضال على الخلق‏.‏

فأما الالتذاذ بالمطعم والمنكح فشغل جاهل باللذة لأن ذاك لا يراد لنفسه بل لإقامة العوض في البدن والولد‏.‏

وأي لذة ي النكاح وهي قبل المباشرة لا تحصل‏.‏

وفي حال المباشرة قلق لا يثبت‏.‏

وعند انقضائها كأن لم تكن ثم تثمر الضعف في البدن‏.‏

وأي لذة في جمع المال فضلاً عن الحاجة‏.‏

فإنه مستعبد للخازن يبيت حذراً عليه ويدعوه قليله إلى كثيره‏.‏

وأي لذة في المطعم وعند الجوع يستوي خشنه وحسنه‏.‏

فإن ازداد الأكل خاطر بنفسه‏.‏

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ بنيت الفتنة على ثلاث النساء وهن فخ إبليس المنصوب‏.‏

والشراب وهو سيفه المرهف‏.‏

والدينار والدرهم وهما سهماه المسمومان‏.‏

فمن مال إلى النساء لم يصف له عيش‏.‏

ومن أحب الشراب لم يمتع بعقله‏.‏

ومن أحب الدينار والدرهم كان عبداً لهما ما عاش‏.‏

[fot]أصل كل محنة في العقائد قياس أمر الخالق على أحوال الخلق‏.‏

فإن الفلاسفة لما رأوا إيجاد شيء لا من شيء كالمستحيل في العادات قالوا بقدم العالم‏.‏

ولما عظم عندهم في العادة الإحاطة بكل شيء قالوا‏:‏ إنه يعلم الجمل لا التفاصيل‏.‏

ولما رأوا تلف الأبدان بالبلاء أنكروا إعادتها‏.‏

وقالوا الإعادة رجوع الأرواح إلى معادنها‏.‏

وكل من قاس صفة الخالق على صفات المخلوقين خرج إلى الكفر‏.‏

فإن المجسمة دخلوا في ذلك لأنهم حملوا أوصافه على ما يعقلون‏.‏

وكذلك تدبيره عز وجل‏.‏

فإن من حمله على ما يعقل في العادات رأى ذبح الحيوان لا يستحسن والأمراض تستقبح وقسمة الغنى للأبله والفقر للجلد العاقل أمراً ينافي الحكمة‏.‏

وهذا في الأوضاع بين الخلق‏.‏

فأما الخالق سبحانه فإن العقل لا ينتهي إلى حكمته‏.‏

بلى‏.‏

قد ثبت عنده وجوده وملكه وحكمته‏.‏

فتعرضه بالتفاصيل على ما تجري به عادات الخلق جهل‏[/fot].‏

ألا ترى إلى أول المعترضين وهو إبليس كيف ناظر فقال ‏"‏ أنا خير منه ‏"‏ وقول خليفته وهو أبو العلاء المعري‏:‏ رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا أترى نقدر على تعليل أفعاله فضلاً عن مطالعة ذاته‏.‏

وكيف نقيس أمره على أحوالنا‏.‏

فإذا رأينا نبينا صلى الله عليه وسلم يسأل في أمه وعمه فلا يقبل منه ويتقلب جائعاً والدنيا ملك يده ويقتل أصحابه والنصر بيد خالقه أوليس هذا مما يحير‏!‏‏.‏

فما لنا والاعتراض على مالك قد ثبتت حكمته واستقر ملكه‏.‏



[hr]
[fot]لاحظوا ان ابن الجوزي ياخذ بالرأي في عدم نجاة ابوي النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الجميع يعرف الأدلة على نجاتهم

و لكن لفت انتباهي الى الطريقة التي قال بها ذلك. اي انه لم لمح فقط و ليس كما يفعل الوهابية اليوم عندما يقولون : في النار . هكذا بدون ادب[/fot]
[/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: ابن الجوزي الحنبلي يُعظم قبور الصالحين
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يناير 29, 2024 2:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس يونيو 10, 2021 2:44 pm
مشاركات: 57


قال رحمه الله في كتابه (صيد الخاطر) :
كنت في بداية الصبوة قد ألهمت سلوك طريق الزهاد بادامة الصوم والصلاة‏.‏

وحببت الي الخلوة ‏.‏.

فكنت أجد قلباً طيباً ‏..‏

وكانت عين بصيرتي قوية الحدة تتأسف على لحظة تمضي في غير طاعة وتبادر الوقت في اغتنام الطاعات‏.‏

ولي نوع أنس وحلاوة مناجاة فانتهى الامر الى أن صار بعض ولاة الامور يستحسن كلامي فأمالني اليه فمال الطبع ففقدت تلك الحلاوة‏.‏

ثم استمالني آخر فكنت أتقي مخالطته ومطاعمه لخوف الشبهات‏.‏

وكانت حالتي قريبة‏.‏

ثم جاء التأويل فانبسطت فيما يباح فانعدم ما كنت أجد من استنارة وسكينة‏.‏

وصارت المخالطة توجب ظلمة في القلب الى ان عدم النور كله‏.‏

فكان حنيني الى ما ضاع مني يوجب انزعاج أهل المجلس فيتوبون ويصلحون وأخرج مفلساً فيما بيني وبين حالي‏.‏

وكثر ضجيجي من مرضي وعجزت عن طب نفسي فلجأت الى قبور الصالحين وتوسلت في صلاحي فاجتذبني لطف مولاي الى الخلوة على كراهة مني ورد قلبي علي بعد نفور عني وأراني عيب ما كنت اوثره‏.‏




وقال أيضاً :
رأيت نفسي كلما صفا فكرها او اتعظت بدارج أو زارت قبور الصالحين تتحرك همتها في طلب العزلة والاقبال على معاملة الله تعالى‏
.‏


وقال أيضاً :
وينبغي للمنفرد لطاعة الله تعالى عن الخلق ان لا يخرج الى سوق جهده فان خرج ضرورة غض بصره وان لا يزور صاحب منصب ولا يلقاه فان اضطر دارى الامر‏.‏

ولا يفتح على نفسه باب التزوج بل يقنع بامراة فيها دين فقد قال الشاعر‏:‏ والمرء ما دام ذا عين يقلبها في اعين العين موقوف على الخطر يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحباً بسرور وعاد بالضرر فان كان يغلب عليه العلم انفرد بدراسته واحترز من الاتباع المعلمين وان غلبت عليه العبادة زاد في احترازه‏.‏

وليجعل خلوته أنيسه والنظر في سير السلف جليسه‏.‏

وليكن له وظيفة من زيارة قبور الصالحين والخلوة بها‏


_________________
إملا القدح واسقينا
إملا القدح واسقينا
مشروبك سيدي صبيح
مشروب السلاطينا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من خواطر ابن الجوزي- مفاجئات و قنابل
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يناير 29, 2024 5:01 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 3:04 pm
مشاركات: 527

تم دمج هذين الموضوعين معًا لسبق التناول ووحدة الموضوع.

مع خالص الأمنيات بالتوفيق للجميع.

مع تحياتي / حمزة.



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 14 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 6 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط