موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 31 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أغسطس 31, 2013 8:01 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

البحر المحيط الذي لا يسمع لموجه غطيط، في معرفة الذات والصفات والأفعال
أنكحتها بكر صهباء، في لجة عمياء (1)، وهي معرفة ذاته، جلت عن الإدراك الكوني، والعلم الإحاطي،
غطس الغاطس ليخرج ياقوتها الأحمر، في صدفه الأزهر،
فخرج إلينا من قعر ذلك البحر صفر اليدين، مكسور الجناحين، مكفوف العين، أخرس لا ينطق، مبهوتا لا يعقل،
فسئل بعد ما رجع إليه النَّفَس، وخرج من سُدْفة الغَلَس (2)، فقيل له: ما رأيك وما هذا الأمر الذي أصابك؟
فقال: هيهات لما يطلبون، وبعد الماء يرومون، والله لا ناله أحد، ولا تضمن معرفته روح ولا جسد،
هو العزيز الذي يُدْرِك ولا يُدْرَك، والموجود الذي يَمْلِك ولا يُمْلَك، إذ حارت العقول وطاشت الألباب في تلقي صفاته، فكيف لها بدرك ذاته،
ألا ترى حكم تجليه في ربوبيته في الأزل، كيف خرّ الكليم صعقًا وتدكدك الجبل،
فكيف لو تجلى في هذه الربوبية من غير واسطة الجبل لنبيه موسى، لكان صاحب موسى زمانه لا يوسى،
بعد اندكاك وهلاك، وبعث في نشأة مثله وأملاك (3)، وإذا كان تجلي الربوبية على هذا الحد، فأين أنت من تجلي الألوهية من بعد!
وإذا كان هذا حظ المتبوع الكليم، فكيف بحظ التابع الحليم؟ (4)
فقد رمزنا في الصفات أمرًا يُعجز عنه، ولا يصل أحد إلا إلى ما قُدِّرَ له منه.

وأما معرفة الذات
فمكتنفة بالنور الأضوأ في عمى (5)، محتجبة بحجاب العزة الأَحْمَى، مصونة بالصفات والأسماء،
فغاية من غاب في الغيب، الوصول إلى أقرب ثوب، ونهاية الطلاب، الوقوف خلف ذلك الحجاب، هنا وفي الآخرة، وفي النشأة الدنيوية وفي الحافرة،
فمن رام رفعه، أو تولى صدعه، في أي مقام كان عُدِمَ من حينه، وطويت أرضه وسماه بيمينه،
ورجع خاسرًا، وبقي حائرًا، وكان قاسطًا جائرًا، ورُدّ إلى أسفل سافلين، وألحق بالطين،
فمن كان من أهل البصائر والألباب، وتأدب بما يجب عليه من الآداب، وصل إلى ذلك الحجاب،
الذي لا يرفعه سبحانه عن وجهه، وكان يوقف على كنهه، والوقوف على كنهه محال، فلا سبيل إلى رفع ذلك الحجاب بحال،
فإذا وصل إليه العاقل اللبيب، والفطن المصيب، وأفرغ عليه رداء الغيرة، قال أغار عليه أن يعلمه غيره،
فوقف خلف الحجاب، وناداه باسمه الوهاب، أيها البعيد، الأقرب إلينا من حبل الوريد، فيجيبه الحق بالمزيد، وحقائق الوجود،
وتقدس وتنزه، وتملك وتشبه، ودخل حيث شاء من جنة الصفات، وارتاح في رياض الكلمات، وجال وصال، بالمتجلي المتعال،
لا يرد له أمر، ولا يحجب عنه سر، ونادى الحق من عرش التنزيه، خلف حجاب عزة التنويه، هذا عبدي حقًا، وكلمتي صدقًا،
عرف فأصاب، وتأدب فطاب، فليقبل جميع ما تضمنته هذه الحضرة إليه، ولينصب ذلك كله بين يديه، ليأخذ ما شاء مختارًا، ويترك ما شاء ادخارًا،
فيؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وهو الحكيم الخبير.
وهذا مقام الأدباء، ومنزل الأمناء، وحضرة اللقاء، وكل واحد من الواصلين إليه، على قدر علمه، وقوة عزمه،
وإن شملهم المقام وعمّ، فمنهم التام ومنهم الأتمّ، ومن هذا المقام يرجع صاحب الجماعة، وفيه يبقى من قامت في حقه الساعة،
فهو المنتهى والختام، ومقام الجلال والإكرام.
وفي هذا المقام قلت:

مَوَاقِفُ الْحَقِّ أَدَّبَتْنِي ** وَإِنَّمَا يُوقَفُ الْأَدِيبُ
أَشْهَدَنِي ذَاتَهُ كِفَاحًا ** فَلَمْ أَرَ شَمْسَهَا تَغِيبُ
وَاتّخذت ذَاتنَا فَلَمَّا ** كُنْتُ أَنَا الْعَاشِقُ الْحَبِيبُ
أَرْسَلَنِي بِالصِّفَاتِ كَيْمَا ** يَعْرِفُنِي الْعَاقِلُ الْمُصِيبُ
فَيَأْخُذُ السِّرَّ مِنْ فُؤَادِي ** فَتَفْتَدِي بِاسْمِهِ الْقُلُوبُ

فإن قلت: فأين معرفة الياقوت الأحمر، المصون في الصدف الأزهر؟ فأقول: إن معرفة الياقوت الأحمر أن لا يُعرف، ولا يُحدُّ ولا يُوصف،
فإذا علمت أن ثمَّ موجودًا ألا يعرف فقد عرفت، وإذا أقررتَ بالعجز عن الوصول إلى كُنهِهِ فقد وصلت،
فقد صحت الحقيقة لديك، واتضحت الطريقة بين يديك، فإنه من لم يقف على هذا العلم، ولا قام به هذا الحكم،
يدوم ما لا يحصل له، وذلك لما ذهل عنه وجهله، فكفاك أن تعلم أن لا يعلم، وهذا الحق قد انبلج صبحه فالزم،

واقتدِ بالنبيّ والصدّيق؛ إذ قال (صلى الله عليه وسلم): "لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك" (6)،
وهذا غاية العجز، أو معرفة من وقف عند حجاب العز.
وقال الصدّيق الأكبر: "العجز عن درك الإدراك إدراك"، فلا سبيل إلى الاشتراك، وليس بعد حجاب العزة الإلهية، إلا الكيفية والماهية،
فسبحان من بعد وقرب، وتعالى ونزل، وعرفه العارفون على قدر ما وهب، وحَسْبُ كل عارف به ما كسب فكسب، وذلك من صفات السلب،
فغاية معرفتنا أنه موجود، وأنه الخالق المعبود، وأنه السيد الصمد، المنزّه عن الصاحبة والولد، وهذا كله راجع إلى التنزيه، وسلب التشبيه،
فتعالى أن تعرف منه صفات الإثبات، وجلّ أن تدرك كنهَ جلاله المحدثات، وإذا كانت صفات الجلال لا يحاط بها، فكيف من قامت به واتصف بها،
فجلّ الكبير المتعال، العزيز الذي لا ينال، فبحر الياقوت الأحمر هو المسمى بـ "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" (7)،
و "سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿١٨٠﴾" (8)، فقد أشار إلى حجاب العزة الذي ذكرناه، والسر الذي وصفناه.


____________________
(1) الصهباء: الخمر، اللجة: معظم البحر وتردد أمواجه (2) السدفة: الظلمة، والغَلَس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح
(3) بأخرى: في نشأة مثليه وأفلاك (4) بأخرى: الحكيم (5) بأخرى: فمتفقة بالنور الأضوائي في غمى / الأصوافي عمى
(6) رواه مسلم في الصلاة 223، وأبو داود في الصلاة 148، وفي الوتر 5، والنسائي في قيام الليل 51،
والترمذي في الدعوات 75، 112، وابن ماجه في الدعاء 3، وفي الإقامة 117، وغيرهم.
(7) سورة الشورى، الآية 11 (8) سورة الصافات، الآية 180


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 02, 2013 12:28 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
الصفات لمحةُ بارق، وخيالٌ طارق

قُلْ للباحث عما لا يصل إليه، والطالب فوق ما يكفيه، هل عرف من الحق غير ما أوجده فيه، وإلا فهل أثبت له ما لم يتصف به،
وهل زلت في معرفته عن الأمر المشتبه إلا من طريق السلب والتنزيه، والتقديس ونفي التشبيه،
وإن قلت: هو الحي، المتكلم، القدير، المريد، العليم، السميع، البصير، فأنت كذلك. وإن قلت: الرحيم، القاهر، حتى تستوفي أسماءه، فأنت هنالك.
فما وصفته سبحانه بوصف إلا اتصفتْ به ذاتُك، ولا تسميه باسم إلا وقد حصلتْ منه تخلقًا وتحققًا مقاماتُك وصفاتُك.
فأين ما أثبت له دونك من جهة العين، وغاية معرفتك به أن تسلب عنه نقائص الكون، وسلب العبد عن ربه تعالى ما لا يجوز عليه، راجع إليه.

وفي هذا المقام، قال من قال سبحاني، ما أعظم شاني دون شؤوني هيهات، وهل يُعرَّى من شيء إلا من لبسه، أو يؤخذ شيء إلا ممن حبسه،
ومتى لبس الحق صفات النقص حتى تسلبه عنها أو تُعرّيه، ووالله ما هذه حالة التنزيه، وإنما الملحد الجاحد، حكم على الغائب بالشاهد،
وظن أن ذلك نص، فنسب إليه النقص، فإنما أنزّه نفسي أن ألبس ما لبسه هذا الملحد، وأعرّيها منه حتى أكون المحقق الموحد،
فنفسي إذًا نزَّهت، وذاتي قدَّست، والباري سبحانه منزَّه عن التنزيه، فكيف عن التشبيه،
فالتنزيه راجع إلى تطهير محلك لا إلى ذاتِه، وهو من جملة مِنَحِه لك وهِبَاتِه، فالحمد لله الذي قدَّسك، وعلى ثوب التنزيه الذي ألبسك.

ولولانا ما لاح لعينك من ذلك لمحة بارق، وطرقك عند هجعتك (1) منه خيال طارق، ما صحت لك هذه العناية، ولا ألبسك ثوب الخلافة والولاية،
وخرجت بها في وجودك كما كنت عليها في الصفة العملية (2)، والمشيئة الاختيارية، سابقة قدم، قبل خط القلم.

فاعلم أنك متصل به في الصفات المعنوية من جهة الظلال، من غير اتصال،
منفصل عنه بالصفات النفسية المجهولة في كل حال، من غير انفصال،
فلولا ما وصفك بأوصافه، واعتنى بك في سورة أعرافه،
وأنزلك فيها منزلة في وقت القبضتين والتعالي، وقوله: "هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي" (3)،
لما ارتفع عنه النفع والضرر، وتنزه عن صفات البشر. فقال تعالى: "وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ" (4)، وما كانوا له وفيه وما هم،
وذلك لما خلق سبحانه وتعالى هذا الشخص الإنساني على صورته، وخصَّه بسريرته، فصفات الحق صفات العبد. فلا تعكس، فتنكس،

فانظر إلى ما أشرنا إليه في هذه الشذور، وتأمل ما وراء هذه الستور، وتحقق ما حصل عندك من معرفة الصفات، وإياك والالتفات،
فما عرفت قط صفة على الحقيقة من معبودك، وإنما عرفت ما تحصل من الأوصاف في أركان وجودك، فما زالت عنك، وما خرجت منك،
والتحقت صفاته بذاته فتنزهت عن تعلق علمك بماهيتها، واتصلت في ذلك معرفتك بذاتها، فأنت العاجز عنها، والواقف دونها،
فعلى طريق التحقيق، ما عرفت ربك من كل طريق، وما عرفت أيضًا سواه، وما نزّهت إلا إياه،
فإن قلت عرفتُهُ، قلتَ الحق، وأنت اللاحق، وإن قلتَ إنك لم تعرفه، قلت الصدق، وأنت السابق،
فاختر النفي لنفسك أو الإثبات، فقد تنزهت الصفات، مِن تعلُّق العلم الحادث بها كما تنزهت الذات.


___________________
(1) الهَجْعَة: النومة الخفيفة من أول الليل (2) بأخرى: العلمية
(3) عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلق الله آدم ثم أخذ الخلق من ظهره،
فقال هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي" قال قائل: يا رسول الله، فعلى ماذا نعمل؟ قال: "على مواقع القدر".
الحديث رواه ابن حبان في صحيحه في البر والإحسان، وأحمد في مسنده (4) سورة الأعراف، الآية 46


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 02, 2013 12:43 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
الأفعال موج ضرب في الساحل وانصرف، وترك به اللؤلؤ والصدف، فمنهم من زهد ومنهم من اغترف

ولما كانت نجوم السماء السيارة، تضاهي بعض الأسماء من باب الإشارة، وهي باب في الأحكام، على ضروب وأقسام؛
منها ما هو لسلب النقائص والتشبيه، ونفي المماثلة للتنزيه، وهو حظنا في هذا التركيب من علم الذات،
ومنها ما هو شرط الألوهية، ومنها ما لا ينقص بعدمه لو جاز على الماهية، وهوعلم الصفات،
ومنها ما هو لتعلق إيجاد العين، والتأثير في عالم الكون، وهو صور الأفعال،
فنقول على هذا الصراط السوي، في اسمه تعالى: القدوس، العزيز، الغني، صفات جلال.
ونقول في اسمه تعالى: العليم، السميع، البصير، صفات كمال.
ونقول في اسمه تعالى: الخالق، البارئ، المصور، صفات أفعال.
وما فيها والحمد لله صفة إلا ولنا فيها قدم، ولنا إليها طريق أمم، فهذا الباب لصفات الفعل، وهو باب الطول والفضل، والإنعام والبذل.

امتن سبحانه وتعالى أولًا بالإيجاد من غير أن يجب ذلك عليه، أو يضطره أمر إليه،
بل كان مختارًا بين العدم والوجود، فاختار أحد الجائزين ترجيحًا وسعادة للعبيد،
فعلق بنا القدرة بين العدم والوجود ولا بَيْنِيَّة، فبرز للعين عن تعلقها دون كيفية، إذ كانت غير متعلقة بموجود، ولا أيضًا متعلقة بمفقود.

وهذا بحر، ليس له قعر، فرددناه للفضل المتقدم، ولم أكن فيه بالجائر المتحكم، وذلك لو علمنا حقيقة القدرة الأزلية، وماهيتها في العالمية،
لعرفنا كيف تحققت، ومتى تعلقت، ولم نقدر في هذا الكتاب على قياس الغائب على الشاهد، لأنا ما اجتمعنا على معنى واحد،
إذ ليس للقدرة الحادثة تعلق بإيجاد كون، وإنما هو سبب عادي لإبراز العين، وحجاب نصبه الحق في أول الإنشاء، ليضل به من يشاء ويهدي به من يشاء.

والفعل قد يكون نفس المفعول بالتشبيه والاشتباه، كقوله تعالى: "هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ" (1)، أي مخلوق الله، الذي أوجده بقدرته.
وقد يكون عبارة عن الحالة عند تعلق الفاعل بالمفعول، وكيفية تعلق القدرة الأزلية بالإيجاد الذي حارت فيه المشاهد والعقول.
وكل من رام الوقوف عليه نكص على عقبه، ورجع عن مذهبه، وهو قوله تعالى: "مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ" (2)،
وقال في حق أنفَسهم وأقدسهم، حين قال: "رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ" (3)، فأراه آثار القدرة لا تعلقها،
فعرف كيفية الإنشاء، والتحام الأجزاء، حتى قام شخصًا سويًا، وما رأى تعلق قدرة ولا تحققها،
فقال له الخبير العليم: "اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (4)، لما تقدمه من صورة الأطيار، وتفريقه الأطوار.

وكما نفخ المسيح، في صورة الطين الروح، وانتفض طيرًا، وأظهر في الوجود خيرًا، فكان النفخ له حجابًا، وما فتح له من باب تعلق القدرة بابًا،
ولذلك يقول لمن يشاء الله تعالى أن يقول للشيء كن فيكون (5)، ذلك عند أمره، وينفرد الحق بسر نشئه ونشره،
فالتفاضل بين الخلق، إنما هو في الأمر الحق، فشخص يكون أمرًا ربانيًا لتحققه فيكون عنه ما يشاء،
وآخر غير متحقق ليس له ذلك وإن كان قد ساواه في الإنشاء، فسبحان من انفرد بالاختراع والخلق، وتسمى بالواحد الحق،
"لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".
أوجد العالم كله من غير مثال في كافة كثافاته ولطافاته، ظاهرًا وباطنًا، دنيويًا وبرزخيًا وأخرويًا، ملكًا وملكوتًا وغيبًا، فتعالى الله علوًا كبيرًا.


_________________
(1) سورة لقمان، الآية 11 (2) سورة الكهف، الآية 51 (3) سورة البقرة، الآية 260
(4) "وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" الآية السابقة، وجاء في خ: فقال له العليم الخبير: "اعلم أن الله على كل شيء قدير" "عزيز حكيم"
(5) بأخرى: وكذلك يقول من سأل الله تعالى أن يقول للشيء كن فيكون


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 03, 2013 12:21 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
محاضرة أزلية على نشأة أبدية

اجتمعت الأسماء بحضرة المسمى اجتماعًا وتريًا منزهًا عن العدد، في غير مادة ولا أمد،
كالأسماء والصفات الإلهية تتخاطب كلها دون انفصال على مقتضيات الحكمة لتأخذ عن الذات الإلهية ما أرادته،
فلما أخذ كل اسم فيها مرتبته، ولم يعد منزلته، فتنازعوا الحديث دون محاورة، وأشار كل اسم إلى الذي بجانبه دون ملاصقة ولا مجاورة،

وقالوا: يا ليت شعرنا، هل يتضمن الوجود غيرنا، فما عرف واحد منهم ما يكون، إلا اسمان أحدهما العلم المكنون،
فرجعت الأسماء إلى الاسم العليم الفاضل (1)، وقالوا: أنت لنا الحكم العادل، فقال نعم بسم الله،
وأشار إلى الاسم الجامع الرحمن، وأشار إلى الاسم التابع الرحيم، وأشار إلى الاسم العظيم (2)،

وصلى الله ورجع إلى الجامع من جهة الرحمة على النبي، وأشار إلى الاسم الخبير والعلي (3)،
محمد الكريم، وأشار إلى الاسم الحميد، خاتم الأنبياء وأول الأمة، وصاحب لواء الحمد (4) والنعمة،
فنظر من الأسماء من لم يكن له فيما ذُكر (5) حظ، ولا جرى عليه من أسماء الكريم لفظ.

وقال العليم: من ذا الذي صليتَ عليه، وأشرتَ في كلامك إليه، وقرنتَه بحضرة جمعنا، وقرعتَ به باب سمعنا،
ثم خصصت بعضنا بالإشارة والتقييد، إلى اسمه الرحيم والحميد؟

فقال له: عجبًا وهذا هو الذي سألتموني عنه أن أبينه لكم تحقيقًا، وأوضح لكم إلى معرفته طريقًا،
هو موجود يضاهيكم في حضرتكم، وظهر عليه آثار نفحتكم، فلا يكون في هذه الحضرة شيء إلا ويكون فيه، ويحصله ويستوفيه،
ويشارككم في أسمائكم، ويعلم بي حقائق أنبائكم، وعن هذا الموجود المذكور الصادر من حضرتكم،
وأشار إلى بعض الأسماء منها الموجود والنور، يكون هذا الوجود الكنه والكيف والأين،
وفيه يظهر بالاسم الظاهر حقائقكم، وإليه بالاسم المنَّان وأصحابه تمتد رقائقكم.

فقالوا: أنبهتنا عن أمر لم نكن به عليمًا، وكان هذا الاسم إشارته إلى المتفضل (6) علينا عظيمًا، فمتى يكون هذا الأمر، ويلوح هذا السر؟

فقال: سألتم الخبير، واهتديتم بالبصير، ولسنا في زمان، فيكون بيننا وبين وجود هذا الكون مدة وأوان،
فغاية الزمان في حقنا ملاحظة المشيئة، حضرة القديم والنسيئة (7)، فتعالوا نسأل هذا الاسم الإحاطي في جنسه، المنزه في نفسه،
وأشار إلى المريد، فقيل له: متى يكون علام التقييد، في الوجود الذي يكون لنا فيه الحكم والصولة،
وتجول بظهور آثارنا عليه الكون على ما ذكره الاسم العليم حوله؟
فقال المريد: وكأن به قد كان، ويوجد في الأعيان.

وقال الاسم العليم: ويسمى الإنسان، ويصطفيه الاسم الرحمن، ويقبض عليه الاسم المحسن وأصحابه سوابغ الإحسان،
فأطلق اسم الرحمن محيّاه، وحيّا المحسن وبيّاه، وقال: نِعم الأخ ونعم الصاحب، وكذا الاسم الواهب،
فقام (8) اسم الوهاب، فقال أنا المعطي بحساب وغير حساب، فقال الاسم الحبيب: أقيد عليكم ما تهبونه، وأحسب عليكم ما تعطونه،
بشهادة الاسم الشهيد، فإني صاحب الضبط والتقييد، غير أن الاسم العليم قد يعرف المعطى له ما يحصل له في وقت،
ويبهم عليه الاسم المريد في وقت، إبهامًا يعلمه ولا يمضيه، ويريد الشيء ويريد ضده فلا يقضيه،
فلا زوال لي عنكما، ولا فراق لي منكما، فأنا لكم لزيم، ونعم الجار والحميم.


_________________
(1) بأخرى: فرجعت الأسماء وأشار إلى الاسم العليم الفاضل (2) بأخرى: الاسم الأعظم العظيم (3) بأخرى: والعليم
(4) حديث: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر،
ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر" رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)،
وفي مستدرك الحاكم كتاب الإيمان: عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر،
ما من أحد إلا وهو تحت لوائي يوم القيامة ينتظر الفرج، وإن معي لواء الحمد، أنا أمشي ويمشي الناس معي حتى آتي باب الجنة فأستفتح،
فيقال من هذا فأقول محمد، فيقال مرحبا بمحمد، فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا، أنظر إليه هذا حديث كبير في الصفات والرؤية
صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (5) في (ط): فيما ذكره العليم (6) بأخرى: المفضل (7) بأخرى: والنسبة (8) بأخرى: فقال


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 03, 2013 12:37 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
فوزعت الأسماء كلها مملكة العبد الإنساني، على هذا الحد الرباني،
وتفاخرت في الحضرة الإلهية الذاتية بحقائقها، وبينت حكم مسالكها وطرائقها،
وعجلوا في وجود هذا الكون، رغبة في أن يظهر لهم عين، فلجوا إلى الاسم المريد، الموقوف عليه تخصيص الوجود.

وقالوا: سألناك بهذه الحضرة التي جمعتنا، وتحقيق الذات التي شملتنا، إلا ما علقت نفسك بهذا الوجود المنتظر فأردتَه،
فأنت يا قادر سألتك بذلك إلا ما أوجدتَه، وأنت يا حكيم سألتك بذلك إلا ما أحكمتَه،
وأنت يا رحمن سألناك إلا ما رحمتَه، ولم تزل تسأل كلها واحدًا واحدًا، قائمًا قاعدًا.

فقال له القادر: يا إخواننا على المريد بالتعلق وعليَّ بالإيجاد.
وقال الحكيم: على القادر بالوجود، وعليِّ بالإحكام.
فقام الرحمن وقال: عليّ بصلة الأرحام، فإنه سجنه مني، فلا صبر له عني.
فقال له القادر: كل ذلك تحت حكمي وقهري.
فقال القاهر: لا تفعل إن ذلك لي وأنت خديمي، وإن كنت صاحبي وحميمي.
فقال العليم: أما الذي قال تحت حكمي، فليقدم علمي.

فتوقف الأمر على جميع الأسماء، وإن بجملتها وجود عالم الأرض والسماء، وما بينهما إلا مقام الاستواء.
ولو فتحنا عليك باب توقفها والتجائها بعضها إلى بعض،
لرأيت أمرًا يهولك منظره، ويطلب لك مخبره، ولكن فيما ذكرناه، تنبيه على ما سكتنا عنه وتركناه.

فلنرجع ونقول "وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ" (1): فعندما وقع هذا الكلام الأنفس، في هذا الجمع الكريم الأقدس،
تعطشت الأسماء إلى ظهور آثارها في الوجود، ولا سيما الاسم المعبود،
ولذلك خلقهم سبحانه وتعالى ليعرفوه بما عرفهم، ويصفوه بما وصفهم، فقال:
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴿٥٦﴾ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴿٥٧﴾" (2).

فلجأت الأسماء كلها إلى اسم الله الأعمّ، والركن القوي الأعظم، فقال: ما هذا اللجأ، ولأي شيء هذا الالتجاء؟

فقالت: أيها الإمام الجامع، لما نحن عليه من الحقائق والمنافع،
ألستَ العالم أن كل واحد منا في نفسه على حقيقة، وعلى سُنَّة وطريقة،
وقد علمت يقينًا أن المانع من إدراك الشيء مع وجود النظر، كونك فيه الأكثر،
فلو تجرد عنك بمعزل لرأيته، وتنزهت بظهوره وعرفته، ونحن بحقائقنا متحدون لا نسمع لها خبرًا، ولا نرى لها أثرًا،
فلو برز هذا الوجود الكوني، وظهر هذا العالم الذي يقال له العلوي والسفلي، لامتدت إليه رقائقنا، وظهرت فيه حقائقنا،
فكنا نراه مشاهدة عين، لما كان منا في أين، وفي حال فصل بين، ونحن باقون على تقديسنا من الأينية،
وتنزيهنا عن إحاطتهم بنا من جهة الماهية الكيفية، فغايتهم أن يستدلوا برقائقنا على حقائقنا استدلال مثال، وطروق ببال،
وقد لجأنا إليك مضطرين، ووصلنا إليك قاصدين.

فلجأ الاسم الأعظم إلى الذات، كما لجأت الأسماء والصفات، وذكر الأمر، وأخبر السر، فأجاب نفسه المتكلم بنفسه العليم،
إن ذلك قد كان بالرحمن، فقل للاسم المريد يقول للقائل يأمر يكن، والقادر يتعلق بإيجاد الأعيان،
فيظهر ما تمنيتم، ويبرز لعيانكم ما اشتهيتم، فتعلقت بالإرادة والعلم والقول والقدرة، فظهر أصل العدد والكثرة،
وذلك من حضرة الرحمة، وفيض النعمة، أصل البدء، وأول النشء (3)،
نشء سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) على أكمل وجه وأبدع نظام.


________________
(1) سورة الأحزاب، الآية 4 (2) سورة الذاريات، الآيتان (56 ، 57) (3) بأخرى: أصل الإبداء، وأول الإنشاء


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 03, 2013 1:03 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
بحر اللؤلؤ والمرجان، المودع في العالم الأكبر والإنسان

ولما تعلقت إرادة الحق سبحانه بإيجاد خلقه، وتقدير رزقه، برزت الحقيقة المحمدية، من الأنوار الصمدية، في الحضرة الأحدية،
وذلك عندما تجلى لنفسه بنفسه من سماء الأوصاف، وسأل ذاته بذاته موارد الألطاف، في إيجاد الجهات والأكناف،
فتلقى ذلك السؤال منه إليه بالقبول والإسعاف، فكان المسئول والسائل، والداعي والمجيب، والمنيل والنائل، فكمن فيه كمون تنزيه،
ودخل جوده في حضرة علمه، فوجد الحقيقة المحمدية على صورة حكمه، فسلخها من ليل ذاته (1) فكانت نهارًا، وفجّرها عيونًا وأنهارًا،
ثم سلخ العالم منها فكانت سماءً عليهم مدرارًا، وذلك أنه سبحانه اقتطع من نور ذاته (2) قطعة لم تكن متصلة، فتكون عنه عند التقاطع منفصلة.

ولكن لما فطره سبحانه وتعالى على الصورة، فصار كان ثم جنسًا يجمعها ضرورة، فكان قطع هذا النور المنزل والممثل، من ذلك الجنس المتخيل،
والبارئ منزه في نفسه، عن قيام الفصل به والوصل والإضافة بالإنسان إلى جنسه، فهو قطع مثلي أبدي أحدي، عن معنى أزلي،
فكان لحضرة ذلك المعنى باب، وعلى وجهها حجاب.

ثم إن الحق صيّره حجابًا لا يُرفع، وبابًا لا يُقرع، ومن خلف ذلك الحجاب يكون التجلي، ومن وراء ذلك الباب يكون التدلي،
كما إليه ينتهي التداني والتولي، وعلى باطن ذلك الحجاب يكون التجلي في الدنيا للعارفين، ولو بلغوا أعلى مقامات التمكين،
وليس بين الدنيا والآخرة فروق العارفين في التجلي، عن غير الإحاطة بالحجاب الكلي، وهو في حقنا حجاب العزة إن شئت رداء الكبرياء (3)،
كما أن ذلك الحجاب يكون تجلي الحق له خلف حجاب البهاء، وإن شئت قلت رد الثناء، وما ذكرناه زبدة الحق اليقين، وتحفة الواصلين.

فلنرجع إلى ما كنا بسبيله، من حسن النشء وقبيله، فنقول على ما قدمنا في حق الحق من التنزيه، ونفي المماثلة والتشبيه،
إنه سبحانه لمّا اقتطع القطعة المذكورة، مضاهية للصورة، أنشأ منها محمدا (صلى الله عليه وسلم) على النشأة التي لا تنجلي أعلامها،
ولا يظهر من صفاته إلا إحكامها (4)، ثم اقتطع العالم كله تفصيلًا على تلك الصورة، وأقامه متفرقًا على غير تلك النشأة المذكورة،
إلا الصورة الآدمية الإنسانية، فإنها كانت ثوبًا على تلك الحقيقة المحمدية النورانية، ثوبًا يشبه الماء والهواء، في حكم الدقة والصفاء،
فتشكل بشكله، فلذلك لم يخرج في العالم غيره على مثله، فصار حضرة الأجناس، إليه يرجع الجماد والناطق والحساس،
وكان محمد (صلى الله عليه وسلم) نسخة من الحق بالأعلام، وكان آدم نسخة منه على التمام، وكنّا نحن نسخة منهما عليهما السلام،
وكان العالم أسفله وأعلاه نسخة منّا وانتهت الأقلام، غير أن في نسختنا من كتابي آدم ومحمد سرًا شريفًا، ومعنى لطيفًا.

أما النبيون، المرسلون وغير المرسلين، والعارفون والوارثون منا فنسخًا منهما على الكمال،
وأما العارفون والوارثون من سائر الأمم والمؤمنون منا فنسخة من آدم وواسط محمد (عليهما السلام) في حضرة الجلال.
وأما أهل الشقاوة والشمال فنسخة من طين آدم لا غير، فلا سبيل لهم إلى خير،
فتحقق أيها الطالب هذه النسخة تعش سعيدًا، وتكن في زمانك فردًا وحيدًا.

فالحقيقة المحمدية المنبّه عليها "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" (5)، وما نزل عليها من النسخ فعدم وليل وظل، وفي أربعة الأربعة، والحقيقة منزهة مرتفعة،
ثم خلق الخلق، وفتق الرتق، وقدر الرزق، ومهد الأرض، وأنزل الرفع والخفض، وأقام النشأة الآدمية، والصورة الإبهامية (6)،
وجعلها تتناسل وتتفاضل، وتترافع وتتنازل، إلى أن وصل أوانه، وجاء زمانه،
فصير العالم كله في قبضته ومحضته، فكان جسم محمد (صلى الله عليه وسلم) زبدة محصنة كما كانت حقيقة أصل نشأته،
فله الفضل بالإحاطة، وهو المتبوع بالوساطة، إذ كان البداية والختم، ومحل الإفشاء والكتم.

فهذا هو بحر اللآلئ، دليل النواشئ، وقد تمهد فاستره، وتجسد فأخبره، فقد حصل في علمك نشء أول موجود، وأين مرتبته من الوجود،
ومنزلته من الوجود، ثم علق العالم به تعلق اختيار الحق، لأنه استوجبه في حبه بحق،
حتى يصح أنه تعالى المنعم المتفضل ابتداء على من شاء بما شاء لاحقه، ولما كان من العالم دوريًا، ونشؤه فلكيًا،
رجع العود على البدء، واستوى الكل في النشء، وصار اللابس ملبوسًا، والمعقول محسوسًا،
فوجود أسرار الكون الأكبر في العالم الاصغر إعادة، وهو لها إشارة.
"كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ" (7) "وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ ﴿٦٢﴾" (8)
ولهذا جعلها المحجوبون بعقولهم كَرَّة خاسرة، فقالوا "أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ" (9)
فليس هناك في النشأة حقيقة زائدة، سوى أعراض واردة.


________________
(1) بأخرى: من ليل غيبه (2) بأخرى: غيبه (3) حديث "الكبرياء ردائي والعزة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار".
رواه أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة. (4) بأخرى: ولا تظهر في صفاته إلا أحكامها
(5) سورة الشورى، الآية 11 (6) بأخرى: الإيهامية (7) سورة الأعراف، الآية 29 (8) سورة الواقعة، الآية 62 (9) سورة النازعات، الآية 10


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 04, 2013 11:30 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
تعديل بآخر فقرة في المشاركة السابقة
===========

فهذا هو بحر اللآلئ، دليل النواشئ، وقد تمهد فاستره، وتجسد فاخبره، فقد حصل في علمك نشء أول موجود، وأين مرتبته من الوجود،
ومنزلته من الوجود، ثم علق العالم به تعلق اختيار الحق، لأنه استوجبه في حبه بحق،
حتى يصح أنه تعالى المنعم المتفضل ابتداء على من شاء بما شاء.

لاحقة

ولما كان من العالم دوريًا، ونشؤه فلكيًا،
رجع العود على البدء، واستوى الكل في النشء، وصار اللابس ملبوسًا، والمعقول محسوسًا،
فوجود أسرار الكون الأكبر في العالم الاصغر إعادة، وهو لها إشارة.
"كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ" (7) "وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ ﴿٦٢﴾" (8)
ولهذا جعلها المحجوبون بعقولهم كَرَّة خاسرة، فقالوا "أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ" (9)
فليس هناك في النشأة حقيقة زائدة، سوى أعراض واردة.


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 04, 2013 11:46 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
إشارة
وإن كان قد تبين فيما تقدم معناها، ولكن هنا منتهاها

هل الإنسان معدود في العالم الأكبر، وهو منفصل عنه بمقامه الأزهر، فإنه آخر موجود حسًا، وأول موجود نفسًا،
فإن كان من جملة العالم الأكبر فإني نسخة منه، وإن لم يكن من جملته فعلى أي نسبة يخبر به عنه،
فمدّ البصر، وردد النظر، وخلّص المذكور والمغالبة، واستعن بالفكر والمراقبة، وتهيأ للقبول، بما يرد عليك به الرسول،
فستقف من ذلك على جلى، وسيكشف عن عينك غطاء العمى، وهذه نكتة فاعرف قدرها، وحقق أمرها، فهي زبدة الأمر، وخفي السر.

وإن شئت أن أنبئك فاسمع، وحصّل ما أشير به إليك واجمع العالم في الأين، والإنسان في العين،
فإن كنتَ في الأين فأنت منه، وإن كنتَ في العين فلا يُخبَر بك (1) عنه، ولستَ بحقٍّ في عدم الأين، ولكنك بروح الأمرين،
صاحب لقاء وإلقاء، وشديد نزول وارتقاء، فانظر أينك، وحقق عينك، وأنا المبرأ من تأويلك، المقدس عن تفصيلك،
إلا إن وافقت أوامر الحق، وألحقتني بالخلق، وهذا لب، لمن كان له قلب، قشر عليه، لئلا يتوصل من ليس من أهله إليه،
وذلك أن العالم بما فيه، من جميع أجناسه على اختلاف صوره ومبانيه، وأسافله وأعاليه،
ليس الإنسان بشيء زائد على جميع تلك المعاني عند افتراقها، ويشمل الإنسان تلك الأجناس والعيون عند اتفاقها،
فعلى هذا الوجه، صح للعارف سلخه، فكان له أكمل نسخة.

حظ الإنسان من العالم

فاعلم أن الإنسان على ما اقتضاه الكشف والعلم روح العالم، والعالم الجسم،
فهو الآن روح للعالم الدنياوي، وبه بقاؤه، وبه فتق أرضه وسماؤه، وعالم الأخراوي، إلى أن ينفخ فيه الأمر الرباني، هذا الروح الإنساني.
هو الآن كصورة آدم قبل نفخ الروح، والأرض قبل إشراق يوح (2)، فإذا أُخذ هذا النشء الإنساني، من هذا العالم الدنياوي،
تهدمت بنيته، وتخربت أفنيته، ونفخ في العالم الأخروي، فحَيَتْ به الجَنَّة، وكانت له كالدنيا سترًا وجُنَّة،
والروح المضاف إلى الحق، الذي نفخ فيه في عالم الخلق، في الحقيقة المحمدية (3)، القائمة بالأحدية،
فعلى هذا الحد هو الإنسان في الدارين، وظهوره في العالمين.

نشء العالم من الحقيقة المحمدية
نشأة، ما العرش عنها لؤلؤة


كان الغرض أن أجعل إلى جانب كل لؤلؤة في هذا الباب مرجانتها، ومع كل بداية نهايتها،
غير أن هذا الفصل لما كان لبيان ما تورّد (4) عن ذات واحدة، فظهر عنها من أجناس متباعدة (5)،
أردت أن أكمل لآلئه على نسق، وأجعلها طبقًا تحت طبق، حتى تأتي على آخر الكون رغبة أن لا يتحير الناظر فيه،
فتذهب عنه أكثر معانيه، فإن استوفيت إن شاء الله لآلئَهُ، ورتبت نواشئَهُ،
وعرف الطالب مغزاه، وتبين معناه، أخذنا في سياق مرجانه على ترتيب لآلئه.


______________
(1) بأخرى: يخبرك (2) في نسخة: يلوح (3) بأخرى: هي الحقيقة المحمدية (4) بأخرى: تعدد (5) بأخرى: متعاقدة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 05, 2013 12:06 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب

المرجانة الأولى للؤلؤة الأولى من هذا الفصل،
على أحسن نظم وأبدع صنع وأحكم وصل


فأقول: إن سيدنا محمدا (صلى الله عليه وسلم) لما أبدعه الحق سبحانه وتعالى حقيقة مثلية، وجعله نشأة كلية،
حيث لا أين ولا بين، وقال له أنا المَلِك وأنتَ المَلَك، وأنا المدبر وأنت الفلك، وسأقيمك فيما يتكون عنك من مملكة عظمى، وطامة كبرى،
سايسًا ومدبرًا، وناهيًا وآمرًا، تعطيها على حدّ ما أعطيتك، وتكون فيهم كما أنا فيك، فليس سواك كما ليس سواي،
فأنت صفاتي فيهم وأسمائي، فحد الحد، وأنزل العهد، وسأسألُك بعد التنزيل والتدبير، عن النقير والقطمير (1)،
فتفصَّد لهذا الخطاب عرقًا حياء (2)، فكان ذلك العرق الظاهر ماء، وهو الماء الذي نبأ به الحق تعالى في صحيح الأنباء،
فقال سبحانه: "وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (3)، وهو منتهى الخلاء، إلا ما كان هنالك من زعزع مسيطر، حامل لها مستقر،
وليس وراء ذلك وراء، يكون فيه خلاء وملاء. فما عمر العالم سوى الخلاء، فيكون خلاء أو ملاء، لأن العرش منتهى الخلاء.

لؤلؤة نشء الملأ الأعلى منه (صلى الله عليه وسلم)

ثم انبجست منه (صلى الله عليه وسلم) عيون الأرواح، فظهر الملأ الأعلى، وهو بالنظر الأجلى، فكان له المورد الأجلى،
فكان (صلى الله عليه وسلم) الجنس العالي إلى جميع الأجناس، والأب الأكبر إلى جميع الموجودات والناس،
وإن تأخرت طينته، فقد عرفت قيمته، فلما وقع الاشتراك مع الأملاك في عدم الأين، حتى كأنهم في العين،
أراد (صلى الله عليه وسلم) التفرد بالعين، وتخليص الملأ الاعلى من الأين (4).

لؤلؤة نشء العرش منه (صلى الله عليه وسلم)

فلما علم الحق سبحانه وتعالى إرادته، وأجرى في إمضائها عادته، نظر إلى ما أوجده في قلبه من مكنون الأنوار،
فحينئذٍ رفع عنها ما اكتنفها من الأستار (5)، فتجلّى له من جهة القلب والعين، حتى تكاثف النور من الجهتين،
فخلق سبحانه وتعالى من ذلك النور المنفهق عنه (صلى الله عليه وسلم) العرش وجعله مستواه،
وجعل الملأ الأعلى وغيره مما شاء كرسيًا احتواه (6)، لكنهم منه (صلى الله عليه وسلم) بالموضع الأدنى،
ومن مستواه بالمحل الأسنى، تحصلوا في أيْنِيَّة الحصر، وتمكنوا من قبضة الأسر،
وانفرد (صلى الله عليه وسلم) في مستواه، بمن اجتباه واصطفاه، وصيره الحق تعالى خزانة سره، وموضع نفوذ أمره،
فهو المعبر عنه بكُنْ، لمَا لم يكن، فلا ينفذ أمر إلا منه، ولا ينقل خبر إلا عنه (7)، وهو حجاب تجليه، وصياغة تحليه، وترقي تدانيه، وتلقي تدليه.
سبحان من تعالى في دنوه، وتدانى في علوه.

لؤلؤة نشء الكرسي منه (صلى الله عليه وسلم)

ثم نظر طالبًا أين يضع قدميه، وأين موضع نعليه، فانبعث من تلك الطرقة أشعة في الخلا، استدارت أنوارها كاستدارة المرآة،
لطيفة الكيف، فارغة الجوف، معلومة المنازل، عند السالك والراحل، فجعل ذلك الكور، وأنشأ ذلك الدور، كرسيًّا لقدميه،
وحضرة لنفوذ ما يصدر من الأمر بين يديه، فيخرج الأمر منه متحد العين، حتى إذا وصل الكرسي انقسم قسمين،
إذ كان المخاطب من ذلك الموضع إلى أقصى الأسفل موجود بين اثنين، وإن كان واحدًا فمن جهة أخرى، وعلى ذلك الواحد تتابع الرسل تترى،
فإن المخاطب بجميع الأشياء إنما هو الإنسان، ليس ملك ولا جان، فإن الملك والجان جزء منه، وأنموذج خرج عنه،
فله بعض الخطاب، والإنسان كلّيّ الكتاب، المنبّه عليه بقوله تعالى: "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ" (8)،
ثم عمم بقوله: "ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" (9)، كما نبّه على الحقيقة المحمدية التي هي أصل الإنشاء، وأول الابتداء (10)،
فقال: "وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" (11)، فنحن الكتاب الأجلى، وهو الأمّ الأعلى، فالإنسان الكتاب الجامع، والليل المظلم والنهار المشرق الساطع،
فمن علو مرتبته، وسمو منزلته. وإنه واحد بالنظر إلى معناه، واثنان بالنظر إلى حاله، وثلاثة بالنظر إلى عالمه، وأربعة بالنظر إلى قواعده،
وخمسة بالنظر إلى مملكته، وستة بالنظر إلى جهاته، وسبعة بالنظر إلى صفاته، وثمانية بالنظر إلى نسخته،
وتسعة بالنظر إلى مراتبه، وعشرة بالنظر إلى إحاطته، وأحد عشر بالنظر إلى ولايته، وهو روح القدس،
فإن أمده هذا الروح من غير كشف ملكي وهو تابع لغيره، فهو صدّيق، وهي المنزلة الحادية عشرة في الإنسان.
وإن أمده على الكشف الملكي وهو أيضًا تابع أو لا تابع ولا متبوع، فهو نبيّ، وهي المنزلة الثانية عشرة في الإنسان.
وإن أمده على الكشف الملكي وهو متبوع لا تابع، فهو الرسول، وتلك الرسالة، وهي المنزلة الثالثة عشرة في الإنسان، بتمام وجود الإنسان،
وبه تم الوجود في العشرة، ثم جاء الحادي عشر نظير الأول -إن تأملت- ومنعطف عليه،
ونظير الثاني عشر والثالث عشر نظير الثاني والثالث من البسائط، وتبين ذلك في الوسائط،
فاعتكفت ملائكة التقييد على قدميه لاحظة، ولما يصدر عنه من العلوم فيها حافظة،
فإن قيل: هذا الكرسيّ الأجلى، فأين اللوح المحفوظ والقلم الأعلى؟ وأين الدّواة واليمين؟ وكيفية كتاب التعيين؟
فنقول: تركنا تعيين ما ذكرته موقوفًا على نفسك، حتى تطلع على ذلك ببصرك، عند شروق شمسك،
وقد نبّهنا عليها في هذا الكتاب بالتضمين لا بالتعيين، فاشحذ فؤادك، وقوِّ اجتهادك،
عسى الله أن يفتح لك بابًا من عنده، عند مواظبتك على الوفاء بعهده، والتصديق بوعيده ووعده.


_________________
(1) النقير: نُقرة صغيرة في ظهر النواة، يقال: لا يساوي شَرْوَى نقير، أي: لا يساوي شيئًا،
والقطمير: القشرة الرقيقة على النواة كاللفافة لها، وأيضا الشيء الهين.
(2) تفصّد: سال، تفصّد جبينُه عَرَقًا، أي: سال عَرَقُ جبينه (وجبينه محذوفة فهمت من السياق) (3) سورة هود، الآية 7
(4) بأخرى: وتحصيل الملأ الاعلى في الأين (5) بأخرى: الأسرار (6) بأخرى: مما ذكر ما احتواه (7) بأخرى: ولا ينفعل خير إلا عنه
(8) سورة الأنعام، الآية 38 (9) الجزء الثاني من الآية السابقة (10) بأخرى: زيادة (فهو الأصل والأم والعالم فروعه) (11) سورة الرعد، الآية 39


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 05, 2013 12:31 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
لؤلؤة الأفلاك
وهي أرواح السماوات، منشأ السبع الطرائق والكواكب منه (صلى الله عليه وسلم)

فلما كمل هذا الكرسي، واستقر فيه الملأ الأمري، أحال أنوار السبعة الأعلام، فكان عنها السبع الطرائق متماسة الأجرام،
جعلها سقفًا مرفوعًا لمهاد سيكون، إذا توجه عليه الأمر بقوله تعالى "كُنْ فَيَكُونُ"،
وكواكبها منتهى الأشعة في الخلاء على الاستيفاء، فسقطت الأنوار وتجارت، وانتشأت الأفلاك واستدارت،
وهي منتهى الأشعة، وبقي منتهى الأشعة على أصله، نيّرًا في محلّه.
فالأفلاك اتصال أشعة الأنوار المحمدية، والمقامات الأحدية، ويرجع صغر حجم الكواكب وكبرها لمسام ذاته المشرقة، وينابيعه المنفهقة،
وعلة دور الأفلاك الإحاطة، التي اتصفت بها الوساطة، وتحريكها بالتماس مشروط، على عقد مربوط.
واختصت كواكب المنازل بالكرسي الكريم، لما كان المقام الذي يُفْرَقُ فيه كل أمر حكيم،
فتنبّه يا غافل، وتدبر يا عاقل، لهذا النشء المصون، والكتاب المكنون، الذي لا يمسُّه إلا المطهرون.
ولما استدارت هذه الأفلاك متجوفة، واستقرّت بساحاتها عوالم الأملاك متخوفة، وكملت البنية في النشأة العلوية، واستمرت الجزئية،
وطلب التأثير إليه فلم يجد، فرجع فقيرًا إلى حجاب الأحد، فجثا عند قدميها راغبًا، ولمملكته منها طالبًا،
وضجت ملائكة السماء، وما بقي هنالك من الأسماء، لوجود الأرض والماء والنار والهواء.

لؤلؤة نشء العناصر الأُوَل منه (صلى الله عليه وسلم)

فنظر (صلى الله عليه وسلم) ذاته بعين الاستقصاء، إذ قد أنشأه الحق محل الإحصاء، ثم نظر ما وجد منه،
فوجد الملأ الأعلى والعالم الأدنى، وفقد العالم الأوسط والأقصى، فأخذ يدبر في إيجاد أصول الكون الأسفل، والنور الأنزل،
إذ لا بد لكل علوّ من سُفل، ولكل طيب من تَفل.
فقبض عليه الحق سبحانه عند هذه النظرة، ومرور هذه الحضرة، قبض الجلال والهيبة، ليخرج ما بقي من الأشعة في تلك الغيبة.
فعندما اشتد عليه الأمر، وقوي عليه القهر (1)، رَشَح لتلك الصفة صفة (2)، فكان ذلك الرشح ماء.
ثم نفس عنه يسيرا فتنفس، فكان ذلك النفس هواء.
ثم أوقفه على سر الجهة التي قبضه منها، فلاح له ميزان العدل قائما على نصف ذاته، فزفر زفرة له فكانت تلك الزفرة نارًا،
فسُتر عنه ميزان العدل، بحجاب الفضل، فوجد برد الرحمة، فيبس ما بقي من الرشح بعد قطرة، فكان ذلك اليبس والبرد أرضًا قرارًا.
ثم ناداه من حضرة العين، يا محمد هذه أصول الكون، فصِرْها إليك، ثم امزج بعضها ببعض، فيكون منه عالم الهواء والأرض،
والجامع لهؤلاء العوالم الإنسان، وهو الذي أشار إليه العارف بقوله: لا أبدع من هذا العالم في الإمكان،
فيكون فيه الخلاف والمثل، وظهرت الصورة والشكل، وكل خلق بالإضافة إلى ما خلق منه يسير، وإلى ما كوّن منه بعد انحلاله يصير،
وسيعلم أن رفيقه القديم، في قوله تعالى: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴿٤﴾
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴿٥﴾"، إلى ما خلق من الطين، "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ"،
فعرف من أين جاء، وزال الظل ثم فاء، "فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ"، مشاهدة تمكين، "فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ﴿٧﴾"، مكاشفة التعيين،
"أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴿٨﴾" (3)، بين المتنازعين من أهل البرازخ بين الشمائل واليمين، فصُن هذه الدرر، وتكتم بها واستتر،
فلا يعرف ذلك إلا من طعم وشرب من مائدة الحق، فعاين الصدق، وتريح عنه أثواب الرق.


______________
(1) بأخرى: زاد جملة (فظهر عليه العدل والأمر) (2) بأخرى: لتلك الضغطة (3) سورة التين، الآيات من 4 إلى 8


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 09, 2013 2:17 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
لؤلؤة نشء الدُّخَان الذي فُتِقَتْ فيه في السمَوات العُلَى

ولما خلق الله تعالى هذه العناصر الأُوَل، على الخلق الذي قدره في الأزل، جعلها سبعًا طباقًا، وأسكنها أقواتًا وأرزاقًا،
كما أسكن الطباق العُلى معارف وأخلاقًا، فتماسّت طباق الأرض، وحكّ بعضها في بعض، فتولد بينهن لهب، ذو سبع شعب،
كل شعبة من جنس أهلها (1)، وكذلك تميز بعضها من بعضها، فعلا من كل لهيب دخان مختلط، ففتق فلك الماء والهواء والنار،
ومازج أفلاك الدراري والأنوار، مرتوق الشُّعب، منزوع اللهب، ففرقته الأفلاك والنيرات بحقائقها، فكان فتقًا، وصعد هيولانيًا،
فصير الحق عنه هذه الأسباب صورًا وخلقًا، فأداره سبع طرائق، وجعل الأفلاك أرواحًا لهن وحقائق،
فقال تعالى: "ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ" (2)، وقال: "فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ" (3)،
بعدما خلق الأرض وقدّر فيها القوت في أربعة أيام، وذلك لكثافة الأجرام، فإنها أربعة عناصر، مختلفة الأواصر.

ولما كان الدخان من نار السبع الطباق الترابية، فكانت مختلفة في اللونية، كذلك جاءت الطباق السماوية مختلفة اللونية،
فزرقة وصفرة وحمرة وبياض وخضرة، كل سماء من جنس أرضها، إذ هي من بعضها، ولذلك لما كان أصل السماوات أرضيًا عنصريًا
زالت بزوالها في الآخرة، وبقيت الأفلاك العلوية أوجها دائرة، من غير جرم محسوس، ولا جسم ملموس، ولذلك لا تظهر فيها النجوم،
فإن الفلك يبرز بذاته على العموم (4)، إذ النجم عبارة عما ظهر في الفلك، فتأمل يا أخي هذا الخير الذي شملك،
فالأفلاك باقية ببقاء الجنان، والإنسان والسماوات فانية بفناء الأرض والحدثان، فتأمل لولا الحقائق المرتبطة، والأفلاك الروحانية المتوسطة،
ما بدلت الأرض غير الأرض، وصارت دَرْمَكَة بيضاء تحت قدم الخفض (5)، فظهور الأفلاك النيرات، عبارة عن تبدل السماوات،
فتأمل هذه الإشارات، وابحث عما تضمنته هذه العبارات، فلا يعرف السر، إلا من غمس في بحر البر.

لؤلؤة نشء منها مثال رؤية الحق في عالم الخلق

وتجلى الحق سبحانه وتعالى للناطق من الحيوان، كتجلي السراب للظمآن، وليس في الكون كله شيء يشبه تجلي الحق إلى قلوب العباد
من سماء المعرفة، سوى هذه الصفة، ألا ترى التجلي لا يكون إلا من أعلى على أدنى، وجعل القيعان (6) دون الجبال محلا للسراب الأسنى،
فانظرها حكمة ما أجلاها، وقطرة مُزْنٍ ما أعذبها وأحلاها.

ثم حجب حقيقة هذا السر إذ نصبه تشبيهًا بعمل أهل الكفر، ثم نبه أهل الإشارة على عظمته عنده في آخر الأمر،
فقال حين أنزل عهده، وخاطب عبده: "حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ" (7)، فستره أولا بعمل الكفر وبتوفيه الحساب بعده،
إذ "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (8)، ولا يدرك وصفه "وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" (9)،
فارفع هذه الطنب، واخترق هذه الحجب، تبصر العجب العجاب، وتشكر القشر الذي صان هذا اللباب (10).


_______________
(1) بأخرى: أرضها (2)و (3) سورة فصلت، الآية 11، 12 (4) في نسخة: الفلك مدبر ذاته على العموم
(5) عن أبي إسحاق قال سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله في قوله عز وجل {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}
قال أرض بيضاء نقية لم يسفك فيها دم ولم يعمل فيها بخطيئة يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا حتى يلجمهم العرق
هذا حديث صحيح الإسنادين جميعا على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (مستدرك الحاكم كتاب الأهوال)
وعن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ"
قَالَ سَهْلٌ أَوْ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لأَحَد. رواه البخاري كتاب الرقاق، وموجود عند مسلم وأبي يعلى وابن حبان.
العفراء: بيضاء تضرب إلى الحمرة قليلا وقيل بيضاء بياضا غير ناصع وقيل خالصة البياض. وقرصة النقي: القرصة من الدقيق النقي من الغش والنخال.
والدَّرْمَك: دقاق كل شَيْء وَالتُّرَاب الناعم والدقيق الْأَبْيَض، وفي الحديث عن وصف تربة الجنة: دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ، مِسْكٌ خَالِصٌ
(6) القاع: أرض مستوية مطمئنة عما يحيط بها من الجبال والآكام تنصبُّ إليها مياه الأمطار فتمسكها. (7) سورة النور، الآية 39
(8) سورة الشورى، الآية 11 (9) سورة الأنعام، الآية 103، والملك، الآية 14 (10) فالسر غال، والأمر عال، والمعرفة ملزمة، فقف عند حد الأدب،
واترك الطلب، وقل: سبحان الله وسع كل شيء رحمة وعلما. وهنا يقول المحقق لهذا الكتاب الشيخ البهنساوي:
السر لا يستبين العقل حكمته ** إلا بنور من العرفان رباني ** فارقب بقلبك ما تخفيه حكمته ** واستمطر الخير من ذياكم الجاني


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 09, 2013 2:39 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب

لؤلؤة التحام اليواقيت وانتظام المواقيت

ولما تمهدت الخليقة، وامتدت الرقيقة إلى الحقيقة، وتجسد في أول النشء الترابي، الشخص الإنساني الآدمي،
المخلوق بيد التنزيه، والمكسو حُلّة التشريف والتنويه، وتردد الجسد طورًا بعد طور، وكورًا بعد كور، في قوالب يكثر عددها، ويكبر أمدها،
حتى كانت تلك الأطوار، في تلك الأدوار، نشاة متحدة، وهيأة فردية متجسدة، فلما كملت بنيتها، وتخلصت تصفيتها،
نفخ فيها الشخص الروحاني، والكلمة الإلهية والأمر الرباني، فقامت النشأة على ساقها تعتمد، وبأمرها تستند، وتوالى الدور بالنشأ، على أصل البدء،
إلى أن سلخ ذلك النهار من ليل أرضه، والتحق بعنصره الأعلى واختلط بعضه ببعضه، وبقي في أوجه الأعلى رقيبًا، وعلى تعاقب الأدوار حسيبًا،
وتبصرنه على التعيين، في مقام التمكين، "وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴿٨٨﴾" (1)، وهو إذ ذاك أحكم الحاكمين.

فلما ارتفع كما ذكرناه، في الرد الذي به سترناه، لحقت المملكة بالفساد، وعم الهلاك جميع العباد، إلى أن حصلت الشمس في حملها،
وثبت شرفها وجذلها، وسطع الدوْر، وتنزل الأمْر، فلم يبق ملأ أعلى إلا صعق لذلك التجلي، ولا بقي رفرف أسنى إلا كان محلًا لذلك التدلي،
فتنزل نور "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" (2)، في أنبوب ما له فَيْء، مكتنفا باردية الصون، حتى وصل إلى عالم الكون، فحل الدريّ المشرق في برجه،
وحصل الرقم المودع في درجه، فكان ياقوتة حمراء، تجوفت لها ياقوتة صفراء،
فأودعها سبحانه وتعالى فيها، وختم عليها بخاتم: "إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا" (3).
فلما التحمت الحقيقتان، والتقت الرقيقتان، زهرت الأفلاك، واعتصمت الأملاك، وظهرت الرجوم، لمن أراد الهجوم، وتنزل النور الحق، والكلم الصدق،
ثم اغتمست الياقوتتان في الظلمات، لتعاين الصفراء منهما ما غاب عنها من الآيات، فعندما اجتمعت الصفراء بأختها كانت لها بنتًا،
ثم ارتقت إلى من كانت له بيتًا، فأكرمت الأم مثواها، وحمدت مستواها، فطلعت الحميراء من خلف حجاب الكتم، فإذا هي بنور الختم،
فخاطبه بلسان الاستنباء، أنا خاتم الأولياء، ومقدم جماعة الأصفياء، أنا مكنون حكمتك، وخاتم أمتك،
فقال له: هل لك أن تكون معي وزيرًا صديقًا؟ فقال: قد استخلفت عتيقًا، وشال رداءه، فإذا بالصديق إزاءه، وشمس المغرب وراءه، ثم فارقه، وقد شاقه.
فلما عدمت الأغيار، وتقطعت الأنوار، واتصلت (4) الرقيقة المثلية، بالحقيقة الكلية، في أنبوب الزمردة الطينية،
سمع صوت وزيره، وصاحب سره وتدبيره، الذي استخلفه خاتم أوليائه، في الجري على أنحائه (5).
ثم كانت أمور في هذا التجلي لا يسع الوقت إلي إفشائها، ولا يعطي الحال أيضا إذاعة أنبائها،
فإن القصد في هذا الكتاب إنما هو معرفة الخليفة والختم، وتنزل الأمر الحتم.
فنقول: فرجع عوده على بدئه في ليله، وأدرك صلاة الصبح مع أهله، فتسود ذلك الجسد على أمثاله، ممن تقدم أو تأخر من أشكاله،
لما كانت مادة الحقيقة الأصلية، والنشأة البدنية (6)، إليه من ذاتها، وإلى غيره من صفاتها.

لؤلؤة اعتراض، لمن أصاب الصيد بالمعراض

ولما كان هذا النشء المحمدي بهذه المنزلة العلية، وكان الأصل الجامع لجميع البرية، وصح له المجد الذي لا ينبغي لغيره،
وأقامه الحق سبحانه وتعالى صورة نفعه وضيره، عدلا وفضلا، وجمعًا وفصلًا، وأراد الحق أنم يتم تكرمته حسًّا، كما أتمها نفسًا،
فأنشأ لها في عالم الحس صورة مجسمة، بعد انقضاء الدورة التي انعطف آخرها على أولها، وكانت في أوسطها مكملة،
وسمى سبحانه وتعالى ذلك الجسم المكرم المطهر محمدًا، وجعله إمامًا للناس كافة وللعالم سيدًا،
ونطق على ظاهر ذلك الجسد لسان الأمر، فقال: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر"، ثم نزل لهم تعظيمًا (7) فافتقر، وردد فيهم البصر ونظر،
وقال: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ" (8)، وذلك لما كنا له مثالًا، وكان لنا تمثالا، فطورًا تقدّس، وطورًا تجنس، فهو السابق ونحن اللاحقون، وهو الصادق ونحن المصدقون.
ولما كانت أيضا صورته الجسدية ختمًا لمقام الأنبياء، لا لصورة الإنشاء، كما كان بدءًا لوجود الكون، وظهور العين،
فكانت دورة فلكه دورة ملك، والدورة المتقدمة المذكورة دورة ملك، لعلك تقول: كيف يتأخر وجود الملك عن وجود المملكة، وهي قد حصلت في ميدان الهلكة،
فإلى من كان في ذلك الوقت استنادها، وعلى من قام أمرها وعمادها، فها أنا أشفي الغليل، وأوضح السبيل، وأعرفك بامتداد الرقائق، وتناسب الحقائق.


_______________
(1) سورة ص، الآية 88 (2) سورة الشورى، الآية 11 (3) سورة طه، الآية 15
(4) بأخرى: والتصقت (5) إنجائه (6) البدائية (7) معلِّما (8) سورة الكهف، الآية 110، وفصلت، الآية 6


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 09, 2013 3:00 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
لؤلؤة امتداد الرقائق، من الحقيقة المحمدية إلى جميع الحقائق

ولما أوجد الحق سبحانه -كما قدمنا- الأفلاك سقفًا مرفوعًا لأهل السفل، ونصب الأرض مهادًا موضوعًا لحمالة الثقل،
وانتشرت عنه (صلى الله عليه وسلم) من مستواه في الملأ الأعلى حقائقه، وتكونت من أنوار أشعة نوره طرائقه،
واتصلت بعالم الأرض الموضوع رقائقه، وظهرت فيهم شمائله (صلى الله عليه وسلم) وخلائقه،
لكل حقيقة شرب معلوم، ومع كل رقيقة رزق مقسوم، ولحظنا تفاضل الرقائق (1)، فوجدناها راجعة إلى تفاوت الخلائق في الخلائق (2)؛

فكشفنا من مقام المشاهدة والتعيين (3)، على رقائق الأنبياء والمرسلين، فرأيناها تنزل عليهم (صلوات الله عليهم) على قسمين؛
منها ما ينزل بها ملائكة القدمين، ومنها ما ينزل عليهم من مستواه مكاشفة عين، ورأينا مشاركة أتباعهم لهم في هذين التنزيلين،
ولكن بوساطتهم لا بالعين، إلا هذه الأمة التي قيل فيها إنها "خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" (4)، فإنها تأخذ عنه من غير واسطة ولا التباس،
كما أخذ عنه من تقدم من رسول مرسل، أو نبي منزل، غير أن تنزل الملك قد يفاجئهم وقتًا ما، كما يعمهم بالإلقاء في الأجل المسمّى.

وأما من خلق جاحدًا، وطُبع مُلحدًا، فإن النور المحمدي لما ضرب في الأرض شعاعه، وحميت قيعانه وبقاعه،
تولدت بينهما حرارة، وتجسدت بالنبات فتكوّن منها شرارة، ففتق في تلك الشرارة الجن على قسمين: رفع وخفض،
لما كانت تلك الحرارة نتاجًا بين النور والأرض، ولذلك قال الله تعالى: "وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴿١٥﴾" (5)، إشارة إلى اختلاط الأرض بالأنوار،
فمن غلب عليه النور في ذلك النتاج كان من الجن اللاحق بالأنوار، ومن غلب عليه الأرض في ذلك النتاج كان من الجن اللاحق بالبوار،
فتنزل الرقائق على من طبع كافرًا في أنابيب ذلك النار الشيطاني، وإن كان أصله من النور السلطاني.

وأما العصاة فتنزل رقائقهم بواسطة ما قدمناه من الحرارة، لا بواسطة الشرارة، فكانت رقيقته (صلى الله عليه وسلم)
في دورة الملك الهالك إلى هلم جرّا إلى الأبد أصلًا لجميع الرقائق، وحقيقته ممتدة في كل زمان وأوان إلى جميع الحقائق،
فهو المُمِدُّ (صلى الله عليه وسلم) لجميع العوالم من أول منشئه إلى أبد لا يتناهى، مادة شريفة مكملة لا تُضاهى.

مرجانة اللؤلؤة الأولى

حظ الإنسان منها انسلاخه عن حقيقته المجردة، بمشاهدة حقيقة من كان أوجده، ففني عن نفسه، حين أحاط به نور شمسه، في حضرة قدسه،
فحصل له الإحاطة بالعلم الكلي تقديرًا، وبقي له تأثير الحكم تكويرًا، فصاحب هذا المقام لا يعجز عما يسأله عنه سائل، وكيف يعجز من أحاط بالعلم الكامل!
وتحصيل العلم عنده عند السؤال، وهو الفرق بينه وبين المتعال، كما أن الفرق بينه وبين عالم الذل والعز، عدم الحصر والعجز،
وقد يسأل نفسه أو يرى، فيعرف ما سكن في الليل والنهار أو تحرك في الورى، فهذا نعت من حصل في هذا الكشف الأجلى، والمقام السني الأعلى،
فلا تخدع نفسك بنفسك، ولا تترك الغمائم على شمسك، إلا إن استسقاك من جدبت (6) أرضه، وتعطل عليه فرضه وهلك بعضه،
فاروه من مُزنك حتى يستصحبك، فيعلم أن جميع مطالبه فيك، فعند ذلك أرخِ العنان، وأطلق سبيل العيان،
وقل للريح تَذْرُوها ذَرْوًا (7) حتى تبدو الشمس للعيان، فإذا أحاط الإنسان بهذا الوصف، وتحقق بهذا الكشف،
فليس وراءه عدم ولا وجود، ولا عابد ولا معبود، إذ لا وراء ولا إزاء، قد حصل الوجودين، وتحقق بالعدمين، وفصل العدم الثالث فصلين،
ولم يبق له من العلم سوى حرف العين، وانفردت المادة بالميم، واللام بلطف القديم، فليس في ذلك المقام سوى علم مجرد، وتحقيق قديم ومجدد .


_______________
(1) المراد من الحقائق ما تتنزل به الملائكة مشافهة بالخطاب المنطوق، ومنها ما هو إلهام عن طريق الكشف. (2) في الحقائق
(3) المشاهدة واليقين (4) سورة آل عمران، الآية 110 (5) سورة الرحمن، الآية 15 (6) جدبت: يبست لاحتباس الماء عنها
(7) تذروها: تفرّقها وتطيرها (8) أي علوم لا تُبتدأ، وإنما هي قديمة من حيث تعلق الإرادة الإلهية بما انكشف في علمها القديم،
لكن إظهارها في الزمن المراد والمكان المراد حسب تخصيص مشيئته تبارك وتعالى اعتبرت علوما مجددة (أمور يبديها ولا يبتديها).


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 12, 2013 1:43 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
مرجانة اللؤلؤة الثانية

كذلك بعض الخواطر الأُول، اللاحقة بالأزل، لا تتصف بالوجود ولا بالعدم، ولا يتضمنها لوح ولا خطها قلم، ولا كانت مجملة في الدواة، كالتمر في النواة،
لم تتصف بالأين، ولا زالت تكر من العين إلى العين، فمن هنا وقع الشبه والاشتراك، بين هذه الخواطر وعيون الأملاك،
وذلك قبل خلق العرش، وفتق الفرش، فقد صحت المقابلة، وعينت المماثلة.

مرجانة اللؤلؤة الثالثة

كذلك إذا خلع الإنسان نعليه، وتجرد عن ثوبيه، وزهد في كونيه، حل هذا المحل الأسنى، وكان منه كقاب قوسين أو أدنى،
ورثًا نبويًا من دنا، كل قوس على حسب راميها، وعلى حسب اختلافها في مراميها.
هذا هو مقام الاستواء، وحضرة وتر الأنبياء، فيه ترد عليه مخاطبات التأنيس، وقواعد التأسييس، بعين الاتحاد، من غير إلحاد،
فتمايل ذاته في ذلك النور تمايل السراج، من وارد السرور والابتهاج، فكأنه نشوان أخذ منه الراح، فرام الارتياح، ولم يجد السراج،
فسمع منه إليه، فتواجد بعضه عليه، فكان عشاقًا لنفسه، تواقًا لشمسه،
فطلعت عليه من فؤاده، وأشرقت أرض بلاده، فتنعم بعضه في بعضه، لما جادت سماؤه على أرضه.

مرجانة اللؤلؤة الرابعة

كذلك إذا حصل الإنسان من ذاته في برزخ البرازخ، مقام المجد الشامخ، والعز الباذخ، فيه تكون ليلة قدره، وكمال بدره،
يميز فيه بين الأشياء، ويفصل بين الأموات والأحياء، ويطلع على أهل البلاء والنعماء، فيه يبرز على صحابته بالكتابين بالشمال واليمين،
وهؤلاء بأسمائهم وأنسابهم في عليين، وهؤلاء كذلك في سجين، بعد ما يحصل له فيه التجلي العالي، من حضرة المتعالي،
فهؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي، منه أنزل الفرقان، وإليه أنزل القرآن، وفيه يعلق الميزان، وتتطاير صحف الشمائل والأيمان،
في هذا المقام تقوم قيامته الخاصة بذاته، وتقع مسائل العدل في أسمائه وصفاته، فتنطق الجوارح لبعض العارفين،
وتبدو الفضائح لأهل التلوين، والمصالح لأهل التمكين، فيه تبدل سيئاتهم حسنات، وكراماتهم آيات، فيه يحصل له بعد قيامته، واستواء إقامته،
الورث الأنبائي (1)، والمقام الاختصاصي، فنادى في ذلك الأنباء الخاص، ألا فانزل إلى القصاص، وعجل بالأوبة "وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ" (2)،
فمبادر ومتلكك، فمتملَّك ومتملِّك (3)، من هذه الحضرة ينقلب الوليّ نبيًا، والنبيّ وليًا، فهي حضرة الخليفة والختم، ومحل الإفشاء والكتم،
وإن رغم أنف المنكر، فإنه العائل المستكبر، أخذ بقضاء الله (4)، إلا إن حصل في مضمار الانتباه، فينقلب عينه، ويتصل بينه.
فيا حضرة فرق، ويا مقعد صدق، ما أعطاه بحق.

مرجانة اللؤلؤة الخامسة

كذلك إذا طلعت نجوم العلوم، من سماوات الفهوم، افتقر إليه كل شيء، ولم يفتقر هو إلى شيء، وسبحت دراري صفاته، في أفلاك ذواته،
على برج مقاماته، ومنازل كراماته، فتخلق الأيام بدورتها، وتثبت الأحكام بكرتها، فسبعة سابحة في سبعة لها إقبال في ثمانية وعشرين،
ورجعة مقسمة على اثني عشر محلًّا، لتصبح اثني عشر شهرًا حرامًا وحلًّا، فليس إلا أربعة أعلام أيام، وجمع وشهور وأعوام؛ فالأيام داخلة في الجُمَع،
والجمع والأيام داخلة في الشهور، والأيام والجمع والشهور داخلة في الأعوام، ثم يرجع الكور، ويتوالى الدَّور، فالدراري جمعة تمام، والمنازل شهر والبروج عام.

فإن كان يومك الأحد، فإدريس جليسك فلا تلو على أحد،
وإن كان يومك الإثنين، فآدم جليسك في برزخ النشأتين،
وإن كان يومك الثلاثاء، فهارون جليسك فالزم الاهتداء، ويحيى أنيسك فالزم العفاف والاكتفاء،
وإن كان يومك الأربعاء، فعيسى جليسك فالزم الحياة القدسية والبيداء،
وإن كان يومك الخميس، فموسى جليسك فقد ارتفع التلبيس، وكملت على كشف ولا أنيس (5)، وقد استبشر الملك وخنس إبليس،
وإن كان يومك العروبة (6)، فيوسف جليسك صاحب الصفات المعشوقة المحبوبة،
وإن كان يومك السبت، فإبراهيم جليسك فبادر بكرامة ضيفك قبل الفوت، فهذه أيام العارفين، وهؤلاء دراري أفلاك السائرين.

وأما شهورهم فأربع جمع، فاستمع أيها السالك واتبع، فكشف جمعتهم الأولى لوحية، والثانية قلمية، والثالثة يمنية (7)، والرابعة علمية.

وعامهم: "اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ" (8)، فعليك بالانتباه، فمحرم التحريم والتبري، وصفر التجلي والتعري،
وربيع العرف، وربيع الكشف، وجمادى الأولى وجمادى الآخرة (9) ورجب المشهد الأشمخ، وشعبان البرزخ، ورمضان الصمدانية، وشوال عين الماهية،
وذو القعدة البساط، وذو الحجة الانبساط، فهذه شهورهم، وهكذا دهورهم.

فشمسهم حياتهم، وزهرتهم بصرهم، وكتابهم كلامهم، وقمرهم (10) علمهم، والمقاتل قدرتهم، والمشترى إرادتهم، والمريخ (11) سمعهم،
فشمسهم روحهم، وقمرهم نفسهم، والخنس حواسهم، وترحيلهم سيرهم في المقامات، وتأثيرهم ما ظهر عنهم من الكرامات،
ورجوع دورانهم نزولهم إلى البدايات بعد النهايات.
لكن نشأة أخرى، في يوم طامة كبرى، فيمانية وشمالية في الترحيل، فالترقي بأسماء خلق لحق، وأسماء حق لخلق، على التحريم والتحليل،
وكسوف يعتري، لكمّل قد يري، وأدنى يكشف أعلى، لغلب الشهادة على ما خفى، وزيادة في قمر النفس، ونقص وذلك لتعريج القوس،
فخروج من حضرة الحق ودخول، ومحاق وأفول (12)، ولا يكشف إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، ويكسف القمر الشمس في أوجها، إذ دخل برجها (13)،
ولولا طلب الاختصار، لأوضحنا هنا من الأسرار، ما فيه عبرة لأولي الأبصار،
فانظر على هذا الأنموذج في نفسك، واجتهد في ترحيل قمرك في شمسك، والله يهدي إلى الطريق الأقوم، والسبيل الأقدم (14).


_____________
(1) الأنبيائي (2) سورة ص، آية 3 (3) بأخرى: فمتبادر ومتكلل، ومتملل ومتهلل (4) أخذ بغضًا من الله (5) على كشف الأنس والأنيس
(6) اسم من أسماء يوم الجمعة، والعَرُوبة تعني الحبيبة، فالعَروب من النساء المتحببة لزوجها، ومنها قوله تعالى: "عُرْبًا أَتْرَابًا". (7) يمينية
(8) سورة التوبة، آية 36 (9) وجمادى الأولى المشاهدة وجمادى الآخرة المعرفة الأولى والأخرى (10) وخمرهم (11) وكيوان
(12) عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إنما الأعمال بالخواتيم". (صحيح ابن حبان)، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول:
حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوماً وأربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله،
ثم يكون مضغة مثله، ثم يُبعث إليه الملك، فيُؤذن بأربع كلمات، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح،
فإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار.
وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها". (رواه البخاري وغيره)
(13) ويكشف القمر الشمس في أوجها إذا حل القمر في برجها (14) يقول المحقق محذرا: أيها المريد، حتى تستفيد وتفيد، إلى التثبت والفهم،
حتى لا تقع في خيالات الوهم، والجموح في المغالاة والشطط، واسأل ربك الشرح، حتى لا تقع في الشطح، فهذه علوم رجال أفذاذ، لهم عند ربك ملاذ،
اجتباهم، وعلى عينه رباهم، وجعلهم أوعية لعلومه وأسراره، ومصابيح لإظهار جمال بوارق أنواره.


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عنقا مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. للشيخ محيي الدي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 23, 2013 11:46 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 07, 2009 12:22 am
مشاركات: 1888
مكان: سيدنا الحسين وسيدتنا زينب
مرجانة الللؤة السادسة

كذلك إذا كان الإنسان في مقام المجاهدة وعدم القرار، فعنصره النار.
فإن تلطفت ذاته بكشف الإيماء، وفني عن تأثير الإرادات وسلطان الأهواء، فعنصره الهواء.
فإن كان في مقام التحقق بالأسماء، بعد الأسرار والنزول من السماء، فعنصره الماء.
فإن صمت وهو متكلم، وتبرأ من العلم وهو معلم، وساوى بين الأقارب والأتراب، وعم بخطاب الهداية الأعداء والأحباب، فعنصره التراب.

مرجانة اللؤلؤة السابعة

كذلك إذا علم الإنسان أن وجوده سراب، إلى جانب وجود الوهاب، "يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا" (1)،
فلولا نفخة الدعوى ما تشبه بالماء، فإن ارتقى عن هذا الشكل، فسرابه عبارة عن المثل، وذلك إذا تجلى الحق إلى قلبه، في مكنون غيبه،
فسطعت أنواره عند التجلي، فتخيل الظفر به في ذلك التدلي، فوجد الأين يحصره، والعين تبصره، والكيف ينعته، والعقل في التشبيه يمقته،
فيرجع بعد الفنا إلى العجز، ويعرف أنه خلف حجاب العز، فحينئذ يجد الله عنده، فيوفيه عهده. فتحقَّقْ رشده (2).

مرجانة اللؤلؤة الثامنة

كذلك من وسع الحق قلبه، فقد استوى شهادته وغيبه، والتحمت يواقيته، وانعدمت مواقيته، وكان الحق هنا الساري لعبده، رحمة من عنده.
وهذا الفرق بين النبي والولي، والتهامي والنجدي، فإن النبي يسري إلى الخلاق العلي، والحق يسري إلى الولي،
إذ لا طاقة له على السري لقوة امتزاجه بالورى، وتثبته في الثرى.
فمن غلبت عليه روحانيته، واستولت عليه ربانيته، سرى إليه سير النبي، على البراق العملي، "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" (3)،
والحق يفرقه ويجمعه، فمن أراد بسط هذه المرجانة ولؤلؤتها على الاستيفاء، فليطالع من كتبنا كتاب الإسراء، هنالك يعرف منزلته، ويكشف مرتبته.

مرجانة اللؤلؤة التاسعة

كذلك عالم الشهادة تمام العوالم، ونكتة العالم، هو مجتمع الأسرار، ومطالع الأنوار، به يصح المجد، وله يحصل الجد،
فإن قال: أنا سيد العالم فله أن يقول، لأن العقل لم يصح له علم إلا بعد المغيب في هذا الجسد والأفول،
وإن قال: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ" (4) دون زيادة، فالاشتراك في العبادة،
والإنسان في نفسه نسختان، ولذلك له إذا صام فرحتان، فنسخة إحساسه تفرح بفطرها، ونسخة عقله تفرح بلقاء ربها، فكان الواحد مثالًا، والآخر تمثالًا،
وقد كان ملك الروح موجودًا، وعالم الملك مفقودًا، ولكن يلاحظه في أطوار تنقله من الأصلاب، إلى أوان الانسلاخ منها والانسلاب،
فمن انسلخ عن صلبه، فقد فاز بلذة قربه، ومن تقدم روحه على حسه، فقد حاز حضرة قدسه،
ومن دبر ملكه في عالم الغيب، برأه الله عند وجوده من العيب والريب،
ومن كان آدمي الوضع محمدي السر، فقد حصل المقامات على الاستيفاء، وكلمة الجبار بوساطة الافتقار، إلى النار في حق الأغيار.
كذلك من مشى في حق غيره، فقد باء بجميع خيره، فإن مشى في حق الحق، فهو في مقعد الصدق. فتحقق ترشد.


_______________
(1) سورة النور، الآية 39 (2) يشير بذلك إلى الآية الشريفة السابقة "وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ"،
والمقصود أن العبد الرباني إذا انزاحت عنه الحجب في حضرات التجلي شاهد المتجلي.
(3) سورة فاطر، الآية 10 (4) سورة الكهف الآية ١١٠، سورة فصلت الآية ٦


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 31 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 12 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط