اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm مشاركات: 6438
|
العز بن عبد السلام هو عز الدين بن عبد السلام بن عبد العزيز بن أبى القاسم شيخ الإسلام وسلطان العماء ( مغربى الأصل ) ( شافعى المذهب ) المولد بسوريا وتوفى بحى البساتين فى سنة 660 هـ تحت سفح المقطم هذا الجبل الذى روى بأجساد العملاء والأولياء وآل البيت * إن صفات العز الخُلُقية كثيرة، وهي في مجملها تدل على تمتعه بأكمل الصفات، وأجمل الخصال، وأنبل المزايا، ولد بدمشق ( سوريا ) فى 578 هـ أو 577 هـ ونشأ بها فى أسرة فقيرة – تفقه على الفخر بن عساكر وأخذ الأصول عن السف الأبذى وسمع الحديث عن عمر بن طبرزد وبرع فى الفقه والأصول العربية ( يقول الذهبى فى العبر ) أنتهت اليه معرفة المذهب مع الزهد والورع وبلغ رتبة الاجتهاد – قدم الى مصر فأقام بها أكثر من عشرين سنة ناشرا العلم آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر يغلظ على الملوك ولم دخل مصر استقبله الشيخ زكى الدين المنذرى وبالغ فى الأدب معه وامتنع عن الافتاء لأجله قائلا ( كنا نفتى قبل حضوره ) كان العزّ بن عبد السلام جليلاً مهاباً حسن الصورة، منبسط الأسارير، متواضعاً في مظهره وملبسه، وكان لا يتأنّق ولا يتكلّف الحشمة ولا يستألف الوقار استألافاً، ولم يكن يتقيد بوضع العمامة على رأسه كما كانت عادة العلماء والفقهاء في عصرهوقد يلبس قبعة اللباد (طاقية من الصوف يغلب عليها اللون الداكن أو الأبيض)، وكان يحضر الأماكن العامّة والمجالس الرسمية بها. وقد خالط العزّ كبار دولة بني أيوب التي أنشأها صلاح الدين في الشام ومصر. يروي السبكي عن والده أن العزّ بن عبد السلام كان فقيراً في أول أمره، ولم يشتغل بالعلم إلا على كبر، وأنه قد ابتدأ بقراءة "التنبيه" فحفظه في مدة وجيزة، ثم أقبل بعد ذلك على المزيد من العلم حتى صار أحد أعلم زمانه. فقد قصد العزّ فطاحل العلماء في عصره، وجلس في حلقاتهم، ونهل من علومهم، وتأثر وبأخلاقهم، واستوعب العلوم في مدة تعتبر وجيزة. فقد قال عن نفسه: «ما احتجت في علم من العلوم إلى أن أكمله على الشيخ الذي أقرأ عليه إلا وقال لي الشيخ: قد استغنيت عني، فاشتغل مع نفسك، ولم أقنع بذلك، بل لا أبرح حتى أكمل الكتاب الذي أقرؤه عليه في ذلك العلم». وجمع العزّ في تحصيله بين العلوم الشرعية والعلوم العربية، فقد برز أيضا في اللغة والنحو والبلاغة وعلم الخلاف. وكان أكثر تحصيله في دمشق نفسها، ولكنه ارتحل أيضا إلى بغداد للازدياد من العلم، إذ كانت في زمانه الرحلة لطلب العلم قاعدة مستقرة، تعتبر منقبة ومفخرة لصاحبها. وقد رحل إلى بغداد عام 597 هـ وأقام بها أشهراً، ثم عاد إلى دمشق.
كان العز بن عبد السلام في بداية أمره منكراً على الصوفية إلا أنه بعدما التقى بالشيخ أبو الحسن الشاذلي سلك التصوف وبدأ يحضر دروسهم، قال السيوطي في رسالته "تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي": «الشيخ عز الدين كان في أول أمره على طريقة الفقهاء من المسارعة إلى الإنكار على الصوفية، فلما حجّ الشيخ أبو الحسن الشاذلي ورجع، جاء إلى الشيخ عز الدين وأقرأه السلام من النبي صلى الله عليه وسلم، فخضع الشيخ عز الدين لذلك ولزم مجلس الشاذلي وصار يبالغ في الثناء على الصوفية لما فهم طريقهم على وجهها وصار يحضر معهم مجالس السماع ويرقص فيها» [1][2]. وكان قد رجع أيضاً عن إنكاره على ابن عربي الصوفي، قال السيوطي: «وحكي عن خادم الشيخ عز الدين قدس الله روحه أنه دخل مع الشيخ إلى الجامع بدمشق، فقال الخادم للشيخ عز الدين: أنت وعدتني أنك تريني القطب. فقال له: ذلك القطب، وأشار إلى ابن عربي وهو جالس والخلق حلقة حوله. فقال له: يا سيدي فأنت تقول فيه ما تقول؟ فقال له: هو القطب، فكرر عليه القول وهو يقول له ذلك» [3]. كما أخذ التصوف من شهاب الدين عمر السهروردسي، وقرأ بين يديه الرسالة القشيرية[4]. في دمشق حكم دمشق في أيام العزّ بن عبد السلام الملك الأشرف موسى ومن بعده الملك الصالح عماد الدين إسماعيل من بني أيّوب، فقدّرا للعزّ تفوّقه في العلم وولّوه خطابة جامع بني أمية الكبير بدمشق. وبعد فترة قام الملك الصالح بقتال ابن أخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب، حاكم مصر آنذاك، لانتزاع السلطه منه، مما أدّى بالصالح إسماعيل إلى موالاة الصليبين، فأعطاهم حصن الصفد والثقيف وسمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح والتزوّد بالطعام وغيره. فاستنكر العزّ بن عبد السلام ذلك وصعد المنبر وخطب في الناس خطبة عصماء، فأفتى بحُرمة بيع السلاح للفرنجة، وبحُرمة الصلح معهم، وقال في آخر خطبته «اللهم أبرم أمرا رشدا لهذه الأمة، يعزّ فيه أهل طاعتك، ويذلّ فيه أهل معصيتك»، ثم نزل من المنبر دون الدّعاء للحاكم الصالح إسماعيل (كعادة خطباء الجمعة)، فاعتبِر الملك ذلك عصيانا وشقّا لعصا طاعته، فغضب علي العزّ وسجنه. فلما تأثّر الناس، واضطرب أمرهم، أخرجه الملك من سجنه وأمر بإبعاده عن الخطابة في الجوامع. فترك العزّ الشام وسافر إلى مصر. وصل العزّ بن عبد السلام إلى مصر سنة 639هـ، فرحّب به الملك الصالح نجم الدين أيوب وأكرم مثواه، ثم ولاّه الخطابة والقضاء. وكان أول ما لاحظه العزّ بعد توليه القضاء قيام الأمراء المماليك، وهم مملوكون لغيرهم، بالبيع والشراء وقبض الأثمان والتزوّج من الحرائر، وهو ما يتعارض في نظره مع الشرع الإسلامي، إذ هم في الأصل عبيد لا يحق لهم ما يحق للأحرار. فامتنع أن يمضي لهم بيعاً أو شراء، فتألّبوا عليه وشكوه إلى الملك الصالح الذي لم تعجبه بدوره فتوى العزّ، فأمره أن يعْدل عن فتواه، فلم يأتمر بأمره، بل طلب من الملك ألا يتدخل في القضاء إذ هو ليس من شأن السلطان، وأدّى به أنكاره لتدخّل السلطان في القضاء أن قام فجمع أمتعته ووضعها علي حماره ثم قال: «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها»[5]؟ إشارة منه إلى الآية القرآنية. ويرْوى أنّه تجمّع أهل مصر حوله، واستعدّ العلماء والصلحاء للرحيل معه، فخرج الملك الصالح يترضّاه، وطلب منه أن يعود وينفذ حكم الشرع.[6]). فاقترح العزّ على الأمراء المماليك أن يعقد لهم مجلساً وينادي عليكم (بالبيع) لبيت مال المسلمين[7]. وعندما نصحه أحد أبنائه بأن لا يتعرّض للأمراء خشية بطشهم، ردّ عليه بقوله: «أأبوك أقلّ من أن يُقتل في سبيل الله؟» وفي آخر دولة الأيوبيين تولت الحكم امرأة هي شجرة الدر، في تجربة تعدّ الثّالثة في تاريخ الإسلام (بعد تولي رضية الدين سلطنة دلهي 634 هـ - 638 هـ، وأروى بنت أحمد الصليحي باليمن 492 هـ - 532 هـ) وكان العزّ بن عبد السلام من الذين استنكروا الأمر وعارضوه جهرة، لاعتقاده مخالفة ذلك للشرع، ولم يدم حكم شجرة الدرّ سوى 80 يوماً، إذ تنازلت على عرشها للأمير عز الدين أيبك الذي تزوّجته وبقيت تحكم من خلاله. وبعد وصول قطز لسدّة الحكم في مصر، وظهور خطر التتار ووصول أخبار فظائعهم، عمل العزّ على تحريض الحاكم واستنفاره لملاقاة التتار الزاحفين. ولما أمر قطز بجمع الأموال من الرّعية للإعداد للحرب، وقف العزّ بن عبد السلام في وجهه، وطالبه ألا يؤخذ شيئا من الناس إلا بعد إفراغ بيت المال، وبعد أن يخرج الأمراء وكبار التجار من أموالهم وذهبهم المقادير التي تتناسب مع غناهم حتى يتساوى الجميع في الأنفاق، فنزل قطز على حكم العزّ بن عبد السلام.
وتقول الدكتورة سعاد ماهر : عن سبب ترك العزبن عبد السلام سوريا وحضوره لمصر فيقول المقريزى فى كتاب السلوك فى حوادث سنة 638 هـ ( اذن الملك الصالح إسماعيل للفرنج فى دخول دمشق وشراء السلاح فأكثروا من أبتياع الأسحلة وآلات الحرب من أهل دمشق فأنكر المسلمون ذلك ومشى أهل الدين منهم إلى العلماء فأستفتوهم فأفتى الشيخ العز بن عبد السلام بتحريم بيع الأسحلة للفرنج وقطع من الخطبة بالمسجد الأموى بدمشق والذعاء للصالح اسماعيل وصار يدعو فى الخطبة بدعاء ( اللهم أبرم بهذه الأمة إبرام رشد تعز فيه أولياءك وتزل فيه أعدائك ويعمل فيه بطاعتك وينهى فيه عن معصيتك ) والناس يضجون بالدعاء وكان الملك الصالح غائبا فكتب اليه أحد رجاله بذلك فورد كتابه بعزل الشيخ العز بن عبد السلام ومنعه من الخطابة واعتقاله هو والشيخ أبى عمرو بن الحاجب ولما عاد الصالح الى دمشق أمر بالافراج عنه وألزمه منزلة وعدم الاجتماع بأحد وعدم الخطابة ولكن العز أستأذنه بصلاة الجمعة والخروج لقضاء حاجته وأستطاع العز بن عبد السلام والشيخ جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب بالخروج الى الديار المصرية * فأرسل الصالح اسماعيل الى العز بن عبد السلام رسولا يطلب منه العودة الى دمشق فاجتمع به ولايته وقال له ما نريد منك شيئا إلا ان تنكس للسلطان وتقبل يده فرد عليه العز بن عبد السلام وقال له ( يا مسكين ، ما أرضاه أن يقبل يدى فضلا عن أن أقبل يده ، يا قوم انتم فى واد وأنا فى واد والحمد لله الذى عافانا مما أبتلاكم ) فلما وصل مصر استقبله سلطانها الصالح نجم الدين ايوب ( آخر سلاطين الدولة الأيوبية ) وأكرمه ولاه قضاء مصر إلا انه سرعان ما أصطدم بأمرائها وحكامها ولكنه لم يخشى فقد حدث ان استاتدار ( المشرف على شنون القصر ) السلطان نجم الدين وهو الذى كان يتولى امر المملكة - عمدا الى أحد مساجد القاهرة بضرب الطبول فى احد المساحد فأستاء أهل الحى من هذه الطبول التى تضرب فى بيوت الله فلما علما الشيخ عز الدين حكم بهدم هذا واسقط فخر الدين كما عزل نفسه من القضاء * وكان للمواقف المشرفة التى وقفها الشيخ العز بن عبد السلام ضد المنتهكين لحرمة الاسلام والمسلمين غير عاتئ بما يتعرض له من أذى أو أضطهاد أثره الكبي ليس فى مصر فحسب بل فى جيمع أنحاء العالم الاسلامى * ويقول السيوطى أن كرامات العز بن عبد السلام كثيرة فلقد بس خرقة التصورف من الشهاب الشهرودى كما كان يحضر عند الشيخ أبى الحسن الشاذلى الذى يقول عند ما على ودجه الأرض مجلس فى الفقه أبهى من مجلس الشيخ العز بن عبد السلام ويقول القطب اليونينى عن ابن عبد السلام وكان مع شدته وصلابته حسن المحاضرة بالنوادر والاشعار ويحضر مجلس الذكر ويختم ترجمته بشهادة تلميذه القاضى ابن دقيق العيد : كان العز بن عبد السلام أحد السلاطين العلماء *
ويقول بن كثير كان فى آخر عمره لا يتقيد بالمذهب بل اتسع نطاقه وأفتى بما أدى اليه اجتهاده ولما عزل الشيخ نفسه عن القضاء تلطف السلطان فى رده إليه فباشره مرة ثم ثانية وتلطف مع السلطان فى إمضاء عزله فأمضاه وأبقى جميع نوابه من الحكام وكتب لكل حاكم تقليدا ثم ولاه التدريس بالمدرسة التى أنشأها فى القصر الفاطمى التى تعرف بالمدرسة الصالحية . - ويقول على باشا مبارك فى خططه ( المدرسة الصالحية ) هى بخط بين القصرين تجاه الصاغة أنشأها الملك الصالح نجم الدين أيوب سنة 640هـ وهى عامرة الى الآن وتعرف بجامع الصالح . - ويقول السخاوى فى تحفة الاحباب وبغية الطلاب : قيل إن أبتداء عمارة المدارس الصالحية فى رابغ عشر ربيع الآخر سنة أربيعن وستمائة ولما انتهت عمارتها جعل مدرسيها من المذاهب الأربعة قضاة القضاة فى سنة إحدى وأربعين وستمائة وكان الملك الصالح صاحب هذه المدارس الصالحية أول من عمل بمصر دروسا أربعة فى مكان واحد ودخل فى هذه المدرسة باب القصر المعروف بباب الزهومة ومضعه الآن قاعة الحنابلة .
ملحوظة : ===== لما مرض مرض الموت أرسل له الملك الظاهر بيبرس وقال له: عين مناصبك لمن تريد من أولادك، فقال: ما فيهم من يصلح، وهذه المدرسة الصالحية تصلح للقاضي تاج الدين بن بنت الأعز أحد تلاميذه، ففوضت إليه. ومنها عزله لنفسه من القضاء أكثر من مرة خوفاً من حمله الثقيل، وتبعاته العظيمة. كان العز من الزهاد حقاً وصدقاً، بل كان شديد الزهد، فلم يجمع من الدنيا إلا القليل، وإذا عرضت عليه أعرض عنها، وقصصه في ذلك كثيرة، منها: بعد أن انتهت محنته مع الملك الأشرف، أراد الملك أن يسترضيه، فقال: "والله لأجعلنه أغنى العلماء" ولكن العز لم يأبه لذلك، ولم ينتهز هذه الفرصة لمصالحه الشخصية، ولم يقبل درهماً من الملك، بل رفض الاجتماع به لأمور شخصية. ولما مرض الملك الأشرف مرض الموت وطلب الاجتماع به ليدعو له، ويقدم له النصيحة اعتبر العز ذلك قربة لله تعالى، وقال: نعم، إن هذه العبادة لمن أفضل العبادات، لما فيها من النفع المتعدي إن شاء الله تعالى. وذهب ودعا للسلطان لما في صلاحه من صلاح المسلمين والإسلام، وأمره بإزالة المنكرات، وطلب منه الملك العفو والصفح عما جرى في المحنة، قائلاً: يا عز الدين، اجعلني في حل.. فقال الشيخ: أما محاللتك فإني كل ليلة أحالل الخلق، وأبيت وليس لي عند أحد مظلمة، وأرى أن يكون أجري على الله. وفي نهاية الجلسة أطلق له السلطان ألف دينار مصرية، فردها عليه، وقال: هذه اجتماعة لله لا أكدرها بشيء من الدنيا. ولما استقال العز من القضاء عند فتواه ببيع الأمراء، ورفض السلطان لذلك، خرج من القاهرة، وكل أمتعته في الحياة، مع أسرته، حمل حمار واحد، ممايدل على قناعته بالقليل، وزهده في المال والمتاع. ومن ذلك ما ذكرته من عرض الظاهر بيبرس عليه أن يجعل أي أبنائه شاء خلفاً له في مناصبه بعد وفاته وإبائه لذلك، عندها قال له الظاهر: من أين يعيش ولدك؟ قال: من عند الله تعالى. قال: نجعل له راتباً؟ قال: هذا إليكم. والحقيقة أن ولد العز الشيخ عبد اللطيف كان عالماً فقيهاً، ويصلح للتدريس، ولكن ورع العز وزهده منعه من جعل منصب التدريس وراثة لأولاده. قال الداودي: "وكان كل أحد يضرب به المثل في الزهد والعلم الكرم والسخاء والبذل : وهي صفة تؤكد صفة الزهد فيه رحمه الله، فقد كان باسط اليد فيما يملك، يجود بماله على قلته طمعاً في الأجر والثواب. حكى قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة رحمه الله، أن الشيخ لما كان بدمشق وقع مرة غلاء كبير حتى صارت البساتين تباع بالثمن القليل، فأعطته زوجته مَصاغا ًلها، وقالت: اشتر لنا به بستاناً نَصيف به، فأخذ المصاغ، وباعه، وتصدق بثمنه، فقالت: يا سيدي اشتريت لنا؟ قال: نعم، بستاناً في الجنة، إني وجدت الناس في شدة فتصدقت بثمنه، فقالت له: جزاك الله خيراً ولما جاء أستاذ الدار الغِرز خليل برسالة الملك الأشرف بدمشق للشيخ العز بعزله عن الإفتاء، قال له: يا غرز من سعادتي لزومي لبيتي، وتفرغي لعبادة ربي، والسعيد من لزم بيته، وبكى على خطيئته، واشتغل بطاعة الله تعالى، وهذا تسليك من الحق، وهدية من الله تعالى إلي، أجراها على يد السلطان وهو غضبان، وأنا بها فرحان، والله يا غرز لو كانت عندي خلعة تصلح لك على هذه الرسالة المتضمنة لهذه البشارة لخلعت عليك، ونحن على الفتوح، خذ هذه السجادة صل عليها، فقبِلها وقبّلها، وودعه وانصرف إلى السلطان، وذكر له ما جرى بينه وبينه. فقال لمن حضره: قولوا لي ما أفعل به، هذا رجل يرى العقوبة نعمة، اتركوه، بيننا وبينه الله قال ابن السبكي: "وحكي أنه كان مع فقره كثير الصدقات، وأنه ربما قطع من عمامته، وأعطى فقيراً يسأله إذا لم يجد معه غير عِمامته التواضع : على الرغم من الهيبة التي حظي بها العز والتي كان يخشاه لأجلها السلطان والأمراء، وعلى الرغم من المكانة الاجتماعية والعلمية، فقد كان الشيخ العز متواضع النفس مع نفسه ومع ربه ومع الناس جميعاً. ومما يذكر له في ذلك أن نائب السلطنة في مصر عندما جاءه حاملاً سيفه ليقتل العز لفتواه ببيع الأمراء المماليك قام لاستقباله، فاعترضه ابنه خشية عليه من القتل، فقال له: "يا ولدي، أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله وكان رحمه الله يترك التكلف في لباسه، فقد قال ابن السبكي بعد أن ذكر كثرة صدقاته وأنه قد يتصدق بعمامته: "وفي هذه الحكاية ما يدل على أنه كان يلبس العمامة، وبلغني أنه كان يلبس قبّع لباد، وأنه كان يحضر المواكب السلطانية به، فكأنه كان يلبس تارة هذا، وتارة هذا، على حسب ما يتفق له من غير تكلف وقد سبق أنه خرج من مصر وكل متاعه حمل حمار مما يدل على تواضعه في معيشته، وتركه للتكلف فيها. الهيبة : كان العز رحمه الله مهيباً في شخصيته، وكان يظهر أثر ذلك في دروسه وخطبه، وفي اجتماعه مع الناس، ومعاملته مع طلابه ومعاصريه، بل كانت هذه الهيبة تضفي آثارها الجسيمة على المتجبرين والمتكبرين والمتعالين والمتجرئين على الله والناس. ومما يستشهد به لهذا الخلق قصته مع الأمراء الأتراك في مصر، وهم جماعة ذكر أن الشيخ لم يثبت عنده أنهم أحرار، وأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين، فبلغهم ذلك، فعظم الخطب عندهم فيه، وأضرم الأمر، والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعاً ولا شراء ولا نكاحاً، وتعطلت مصالحهم بذلك، وكان من جملتهم نائب السلطنة، فاستشاط غضباً، فاجتمعوا وأرسلوا إليه، فقال: نعقد لكم مجلساً وينادى عليكم لبيت مال المسلمين، ويحصل عتقكم بطريق شرعي، فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث إليه، فلم يرجع، فجرت من السلطان كلمة فيها غلظة، حاصلها الإنكار على الشيخ في دخـوله في هذا الأمر، وأنه لا يتعلق به، فغضب الشيخ، وحمل حوائجه على حمار، وأركب عائلته على حمار آخر، ومشى خلفهم خارجاً من القاهرة، قاصداً نحو الشام، فلم يصل إلى نحو نصف بريد إلا وقد لحقه غالب المسلمين، لم تكد امرأة ولا صبي ولا رجل لا يؤبه إليه يتخلف، لا سيما العلماء والصلحاء والتجار وأنحاؤهم، فبلغ السلطان الخبر، وقيل له: متى راح ذهب ملكك، فركب السلطان بنفسه، ولحقه واسترضاه وطيب قلبه، فرجع واتفقوا معهم على أنه ينادى على الأمراء، فأرسل إليه نائب السلطنة بالملاطفة، فلم يفد فيه، فانزعج النائب وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟ والله لأضربنه بسيفي هذا، فركب بنفسه في جماعته، وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده، فطرق الباب، فخرج ولد الشيخ - أظنه عبد اللطيف - فرأى من نائب السلطنة ما رأى، فعاد إلى أبيه، وشرح له الحال، فما اكترث لذلك ولا تغير، وقال: يا ولدي، أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله، ثم خرج كأنه قضاء الله قد نزل على نائب السلطنة، فحين وقع بصره على النائب يبست يد النائب، وسقط السيف منها، وأرعدت مفاصله، فبكى، وسأل الشيخ أن يدعو له، وقال: يا سيدي خير، أيش تعمل؟ قال: أنادي عليكم وأبيعكم. قال: ففيم تصرف ثمننا، قال: في مصالح المسلمين. قال: من يقبضه؟ قال: أنا. فتم له ما أراد، ونادى على الأمراء واحداً واحداً، وغالى في ثمنهم، وقبضه، وصرفه في وجوه الخير، وهذا ما لم يسمع بمثله عن أحد، رحمه الله تعالى ورضى عنه وقال الأستاذ محمود رزق عن بيبرس: "وكان يهاب سلطان العلماء في زمانه، وهو عز الدين بن عبد السلام ومما يذكر له في هذا الشأن أنه عندما عزل من مناصبه في دمشق وأمر أن يلزم بيته، استأجر بستاناً متطرفاً عن البساتين، وكان مخوفاً، "واتفقت له فيه أعجوبة، وهو أن جماعة من المفسدين قصدوه في ليلة مقمرة، وهو في جوسق عال، ودخلوا البستان، واحتاطوا بالجوسق، فخاف أهله خوفاً شديداً، فعند ذلك نزل إليهم، وفتح باب الجوسق، وقال: أهلاً بضيوفنا، وأجلسهم في مقعد حسن، وكان مهيباً مقبول الصورة، فهابوه، وسخرهم الله له، وأخرجوا لهم من الجوسق ضيافة حسنة، فتناولوها، وطلبوا منه الدعاء، وعصم الله أهله وجماعته منهم بصدق نيته وكرم طويته، وانصرفوا عنه
|
|