مسجد سيدى على الخواص البرلسى)*
مسجد سيدى على الخواص البرلسى رضى الله عنه هو داخل حارة الخواص بالحسنية على يمين الذاهب إلى العباسية من شارع الحسنية – وقد أنشأه الشيخ رمضان الصائغ لشيخه سيدى بركات الخياط المدفون بالقبة الموجودة بالمسجد المتوفاه عام 922هـ وسميت بزاوية الشيخ بركات ولم تشتهر الزاوية المذكورة باسم الخواص رضى الله عنه إلا بعد دفنه مع الشيخ بركات الخياط شيخه فى آواخر جماد الثانى سنة 945هـ ومن هذا التاريخ لا يعرف المسجد إلا بمسجد الخواص وذلك حينما توفى رضى الله عنه كان يروا أن يدفن بالقرافة الصغرى بالإمام الشافعى ولما صاروا به نحو ذلك ودخلوا به جامع الحاكم للصلاة عليه تغلبت فتوات الحسنية على المشيعين ذلك لما كانوا يعتقدون فيه من الكرامات ودفن فى هذا المسجد وقد لقب بالخواص لأنه كان يصنع المقاطف من الخوص والبرلسى وأيضا بالبرلس نسبة إلى البرلسى قرية فى شمال الدلتا * وكان رضى الله عنه أميا لا ييقرأ ولا يكتب ولكنه يتكلم عن معانى القرآن الكريم والسنة المشرفة كلاما نفيسا تحار فيه علماء زمانه * والمسجد مدفون فيه أيضا عبد الرحمن المجذوب المتوفى عام 944هـ وعبد القادر الظاهرى والشيخ رمضان الصائغ والشيخ ناصر الدين النحاس المتوفى سنة 945هـ ، وفى يوم الجمعة قمت بالزيارة إلى مسجدى سيدى البيومى وسيدى الخواص وقرأت لهم الفاتحة
فى الكواكب الدرية :
على البرلسى ، الأدمى ، المعروف بين الخواص بالخواص ، كان من أكابر اهل الأختصاص ، ومن ذوى الكشف الذى لا يخطر ، والاطلاع علىالخواطر على البديهمة فلا يبطىء .
وكان عليه للولاية أمارة وعلامة ، متبحرا فى الحقيقة ، اشبه البحر اطلاعه والدر كلامه ، وكان فى ابتداء أمره يبيع الجميز ، وهو شاب ، عند الشيخ إبراهيم المتبولى ببركة الحاج ، ثم اذن له أن يفتح دكان زيات ، فمكث بها نحو أربعين سنة ثم ترك ، وصار يضفر الخوص ، حتى مات .
وكان يمسى بين الأولياء ، النسابة ، لكونه أميا ، وهو يعرف نسب بنى آدم وجميع الحيوان .
وكان معه تصرف ثلاثة أرباع مصر ، والربع مع محيسن المجذوب .
وكان اذا شاوره أحد لسفر ، يقول : قل بقلبك عند الخروج من السور أو العمران : دستوريا أصحابالنوبة ، اجعلونى تحت نظركم حتى أرجع ! فإنهم يحبون الدب معهم ، ولهم اطلاع على خواطر من يمر فى دركهم ، وعلى معرفة أعمالهم ولهم تأديب من حصلت منه زلة ، وكان يرد ما يأتيه من الظلمة والأكابر ، ثم قبله آخر عرمه ، وفرقه على العميان والعاجزين .
وكان يزجر من يريد تقبيل يده ، ويقول : إنما يليق بأرباب المناصب ! أما الفقير فاللائق به الذل حتى يجاوز الصراط ، ويدخل الجنة .
وكان يربى بالنظرة تارة وبأمره المريد أن يشرب من إبريقه تارة ، فيقوم مقام التلقين ، وأخذ العهد .
وكان يطوف على المساجد يوم الخميس ويوم الجمعة فكنس ، وينظف احتسابا ، وينظف القياس كل سنة صبيحة نزول النقطة ، فيكشط سلمه من الطين ثم ينزل ، يتوضأ ، ويصلى ، ويدعو ، ويبكى ، ويتضرع إلى الله فى طلوع النيل ، ويقول لإخوانه : زوروا محل نزول الرحمة لأهل مصر ! ولا يطلع الروضة إلا على طهر .
وكان يقرأ من الوح قلبه ، وممح بصره اللوح المحفوظ من المحو .
وكان له طب غريب يداوى به ذوى العاهات ، كبرص وجذام ، فكل ما أشار باستعماله ، فيه الشفاء ، فطلب منه بعض أصحابه تدوين ذلك فى كتاب ، فقال : إنما هى أمور بحسب الإذن ، فإن استعملت بغير إذن ، لم تؤثر ! وأكل رجل سما ، فقال له : كل من النارنج ما تقدر عليه بشحمه من على أمه من الشجر ، ففعل ، فيرىء .
وكان غذا زار القياس ، حمل معه كعكا كثيرا يطعم منه الآدمى والكلاب ويرمى للسمك ورأى ابن عنان ، وهو يصلى الضحى ، بلاء نازلا على أهل مصر ، فإرسل للشيخ يقول له : ما هذا ؟ قال : يرسل الله له من يحمله ! فنظر ابن عنان فى صلاة الصبح أنه ارتفع ، فوقع ذلك اليوم أن شيخ الإسلام ابن النجار الحنبلى (أحمد بن عز الدين عبد العزيز الفتوحى الحنبلى ، الشهير بابن النجار ) شكا الشيخ الخواص ، وكان زياتا فى حارته ، إلى المحتسب ، فضربه ، وخزمه فى أنفه وكتفه ، وطاف به مصر وبولاق ، حتى كاد الشيخ يموت من شدة ما فعل به ، فقال ابن عنان : الحمد لله الذى جئنا فى زمن فيه رجل يحمل بلاء مصر كاملا وحده !
وكان إذا نزل بالناس بلاء ، لا يتكلم ، ولا يأكل ، ولا يشرب ، ولا ينام ، حتى ينكشف
وكان إذا سأل الله رفع البلاء ، كشف رأسه حتى من العرقية ، ويقف منكس الرأس ، حافيا ، يبكى ويتضرع .
وله كلام فى الطريق ، كالبحر الزاجر ، فمنه ما قال : شرط الشيخ أن يكون عنده علم بكشف الحقائق والدقائق ، فارقا بين الحق والحقيقة ، والوهم والخيال ، يعلم ما جاز ، ووجب ، واستحال ، له سريان فى العوالم العلوية والسفلية ، يعرف الفرق بين سمة الشيطان ، والملك ، والنفس ، ونزغات المريد ، له قدرة على التلبس فى الصور والتطور فى الرتب ، ومعرفة بأمراض القلوب والنفوس والأسرار ، وتطهير النجاسة النفسانية وما يدخل منالظلمات على العوالم الروحانية .
وقال ينبغى للرجل تفقد محفوظاته العلمية ، خوف النسيان ، فإن كتب العلم حاوية لما تعبدنا به ، ومن نسيها ، فكأنه نسى القرآن
وقال : ما درس ضريح ولى قط ، إلا لإختياره الخفاء على الظهور
وقال : الكمل لا تصريف لهم ، بخلاف أرباب الأحوال ، فإنهم جلبان الحضرة وهى فياضة بالجود على كل وارد ، فكل من طلب شيئا ، أعطيه ، وربما نقص به مقامه ، ولهذا لما عقد الفقهاء لحسين الجاكى مجلسا لكونه يلحن فى الحديث ، ومنعه فخرج للسلطان من حائط بيت الخلاء ، وهو فيه ، فقال : اعزله ، وإلا خسفت بك الخلاء ! فارتعد وعزله .
وقال روحانية الولى ، إذا جخل مكانا أو مشى فيه ، تبقى فيه ستة أشهر ، كما يشهده أرباب القلوب ، فكيف بمكان يسكنه ، وهذا بعكس بيوت الظلمة والعصاه تجدها موحشة ، لا أنس بها ولا روحانية .
وقال : كل فقير لا يدرك سعادة البقاع وشقوتها ، فهو والبهائم سواء .
وقال : من الأماكن التى تظهر فيها الروحانية لغالب الناس فى مصر ، قبة الشافعى رضى الله تعالى عنه ، وضريح ذى النون المصرى ، وقبور بنى الوفا وجامع محمود وزاوية مدين وجامع الظاهر وجامع نائب الكرك بالحسينية .
وقال : فهذه أماكن لم يزل النور فيها طافحا ، لما يرد عليها من الملائكة والأولياء ، ومن الأماكن التى لا يظهر فيها نروها إلا للخواص ، القطعة من الشارع المقابلة لسوق الكتبيين ، وأنت ذاهب لباب الزهومة ، والقطعة المقابلة لجامع الفكهانى (قرب حارة الروم ) والقطعة المقابلة لجامع الميدان والمقابلة للجامع الأخضر .
وقال : ينبغى عدم الإنكار على من قام وتواجد ، ولو من الظلمة ، أو من لا عادةى له ، فقد تكشف الحجب عن بعض القلوب ، فتحن إلى وطنها الأول ، فتتمايل كشجرة تريد قطع عروقها
وقال : لو ولى الخضر أو القطب شيئا من ولايات هذا الزنان ، ما أمكنه أن يفعل بالناس إلا ما يستحقونه ، إنما هى أعمالكم ترد عليكم
وقال : صرحوا بأن من شرط الشيخ أن يسمع نداء مريده له ، ولو كان بينهما مسيرة ألف عام .
وقال : شرط صحة بداية المريد ، أن يمشى على الماء والهواء ، وتطوى له الأرض ، ومن لم يقع له ذلك ، ليس فى مقام الارادة
مات سنة تسع وثلاثين وتسعمائة بزاوية الشيخ بركات خارج باب الفتوح




