كفر الشيخ إبراهيم (المنوفية)
تم تسمية القرية بهذا الاسـم نسبة إلي الشيخ / إبراهيم بن أدهم من أعلام التصوف وأحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في القرن الثاني الهجري . ولكن لم يدفن بهذا القرية ولا بمصر وإنما دفن بمدية جبلية بسوريا وها نحن نسطر نبذة عن بسيطة عن حياته
إبراهيم بن أدهم
كان والده من أغنى أغنياء خراسان وأحد ملوكها، ولد (إبراهيم) بمكة حينما خرج أبوه وأمه إلى الحج عام 100 هـ أو قريبًا منها، وفتح عينيه على الحياة؛ ليجد الثراء يحيط به من كل جانب؛ فعاش حياة الترف والنعيم، يأكل ما يشاء من أطيب
الطعام، ويركب أحسن الجياد، ويلبس أفخم الثياب.
وفي يوم من الأيام خرج ابراهيم ابن ادهم راكبًا فرسه، وكلبه معه، وأخذ يبحث عن فريسة
يصطادها، وكان إبراهيم يحب الصيد، وبينما هو كذلك إذ سمع نداء من خلفه يقول له: (يا إبراهيم ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت) فوقف ينظر يمينه وشماله، ويبحث عن مصدر هذا الصوت فلم ير أحدًا، فأوقف فرسه ثم قال: والله لا عصيت الله بعد
يومي ذا ما عصمني ربي.
ورجع إبراهيم بن أدهم إلى أهله، فترك حياة الترف والنعيم ورحل إلى بلاد الله الواسعة ليطلب العلم، وليعيش حياة الزهد والورع والتقرب إلى الله
سبحانه وتعالى، ولم يكن إبراهيم متواكلاً يتفرغ للعبادة والزهد فقط ويعيش عالة على غيره، بل كان يأكل من عمل يده، ويعمل أجيرًا عند أصحاب المزارع، يحصد لهم الزروع، ويقطف لهم الثمار ويطحن الغلال، ويحمل الأحمال على كتفيه، وكان نشيطًا في عمله، يحكي عنه أنه حصد في يوم من الأيام ما يحصده عشرة رجال، وفي أثناء حصاده كان ينشد قائلا: اتَّخِذِ اللَّه صاحبًا… ودَعِ النَّاسَ جانبا.
يروي بقية بن الوليد، يقول: دعاني إبراهيم بن أدهم إلى طعامه، فأتيته، فجلس ثم قال: كلوا باسم الله، فلما أكلنا، قلت لرفيقه: أخبرني عن أشد شيء مرَّ بك منذ صحبته.. قال: كنَّا صباحًا، فلم يكن عندنا ما نفطر عليه، فأصبحنا، فقلت: هل لك يا أبا إسحاق أن تأتي الرَّسْتن (بلدة بالشام كانت بين حماة وحمص) فنكري (فنؤجر) أنفسنا مع الحصَّادين؟ قال: نعم.. قال: فاكتراني رجل بدرهم، فقلت: وصاحبي؟ قال: لا حاجة لي فيه، أراه ضعيفًا.. فمازلت بالرجل حتى اكتراه بثلثي درهم، فلما انتهينا، اشتريت من أجرتي طعامي وحاجتي، وتصدقت بالباقي، ثم قربت الزاد، فبكى إبراهيم، وقال: أما نحن فاستوفينا أجورنا، فليت شعري أوفينا صاحبه حقه أم لا؟ فغضبت، فقال: أتضمن لي أنَّا وفيناه، فأخذت الطعام فتصدقت به.
وظل إبراهيم ينتقل من مكان إلى مكان، زاهدًا وعابدًا في حياته، فذهب إلى الشام وأقام في البصرة وقتًا طويلاً، حتى اشتهر بالتقوى والعبادة، في وقت كان الناس فيه لا يذكرون الله إلا قليلا، ولا يتعبدون إلا وهم كسالي، فجاءه أهل البصرة يومًا وقالوا له: يا إبراهيم.. إن الله تعالى يقول في كتابه: {ادعوني أستجب لكم} (غافر: 60) ونحن ندعو الله منذ وقت طويل فلا يستجيب لنا؟! فقال لهم إبراهيم بن أدهم: يا أهل البصرة، ماتت قلوبكم في عشرة أشياء:
أولها: عرفتم الله، ولم تؤدوا حقه .
الثاني: قرأتم كتاب الله، ولم تعملوا به .
الثالث: ادعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركتم سنته.
الرابع: ادعيتم عداوة الشيطان، ووافقتموه .
الخامس: قلتم : نحب الجنة، ولم تعملوا لها .
السادس: قلتم : نخاف النار، ورهنتم أنفسكم بها
السابع: قلتم: إن الموت حق، ولم تستعدوا له .
الثامن: اشتغلتم بعيوب إخوانكم، ونبذتم عيوبكم.
التاسع: أكلتم نعمة ربكم، ولم تشكروها .
العاشر: دفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بها .
وكان إبراهيم كريمًا جوادًا، فالعسل والسمن غالبًا ما يكونان على مائدته يطعم من يأتيه، سمعه أحد أصحابه ذات مرة وهو يقول: (ذهب السخاء والكرم والجود والمواساة، من لم يواس الناس بماله وطعامه وشرابه فليواسهم ببسط الوجه والخلق الحسن.. إياكم أن تكون أموالكم سببًا في أن تتكبروا على فقرائكم، أو سببًا في أن لا تميلوا إلى ضعفائكم، وألا تبسطوا إلى مساكينكم).
وكان إبراهيم بن أدهم شديد التواضع، لا يحب الكبر، كان يقول: (إياكم والكبر والإعجاب بالأعمال، انظروا إلى من دونكم، ولا تنظروا إلى من فوقكم، من ذلل نفسه؛ رفعه مولاه، ومن خضع له أعزه،ومن اتقاه وقاه، ومن أطاعه أنجاه) ودخل إبراهيم بن أدهم المعركة مع الشيطان ومع نفسه مصممًا على الانتصار، وسهر الليالي متعبدا ضارعًا باكيًا إلى الله يرجو مغفرته ورحمته، وكان مستجاب الدعاء.
ذات يوم كان في سفينة مع أصحابه، فهاجت الرياح، واضطربت
السفينة، فبكوا، فقال إبراهيم : يا حي حين لا حي، ويا حي قبل كل حي، ويا حي بعد كل حي، يا حي، يا قيوم، يا محسن يا مُجْمل قد أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك.. وبدأت السفينة تهدأ، وظل إبراهيم يدعو ربه ويكثر من الدعاء.
وكان أكثر دعائه: (اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك) وكان يقول:
(ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا ولا نسأل كشفه من ربنا) وقال: (كل سلطان لا يكون عادلاً فهو واللص سواء، وكل عالم لا يكون تقيًّا فهو والذئب سواء، وكل من ذلَّ لغير الله، فهو والكلب سواء) وكان يقول لأصحابه إذا اجتمعوا: (ما على أحدكم إذا أصبح وإذا أمسى أن يقول: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت الرجاء).
وكان إبراهيم راضيًا بحالة الزهد القاسية، وظل يكثر من الصوم والصلاة ويعطف على الفقراء والمساكين إلى أن مات رضوان الله عليه سنة 162 هـ.
ابراهيم ابن ادهم يعظ شابا
مر شاب بابراهيم بن ادهم (رضى الله عنه ) وهو يعظ الناس فقال الشاب لابراهيم بن ادهم يا ابراهيم انى احب فتاة جميلة فقال له يا بنى لا جمال تراه الا فانيا فاشغل نفسك بالجمال الاعظم تذوب في الوجود وتختلط بحقائق الامور فقال له الشاب يصف له جمال محبوبته
فقال له اه لو رايت عينيها او دانيت وجنتيها اه لو رأيت ثغرها وهى تبتسم لكانت عذابك الدئم الذى تحبه
فقال له ابراهيم بن ادهم
يا مسكين اه لو رايتها بعد الموت بلحظات وقد تغير لونها وشحب وجهها واصفر بياضها واهطل خدها لذهل عقلك واه لو رايتها بعد موتها بثلاثة ايام وقد تعفن جسدها ونتن ريحها وتمزق لحمها وسرح الدود فى ما كنت تشتهيه من محارمها فماذا انت فاعل وقتها يا مسكين
يا فتى
تزود من التقوى فانك لا تدرى
اذا ما جن ليل هل تعيش الى الفجر
فكم من فتى امسى واصبح ضاحكا
وقد خيطت له اثواب من الكفن
وكم من عروس زينوها لزوجها
وقد قبضت ارواحهم ليلة القدر
وكم من صغير يرتجى طول عمره
وقد ادخل جسده في ظلمت القبر
وكم من صحيح مات من غير علت
وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من ملك رفعت له العلامات
فلما علا مات
هى الدنيا لا تامنن مكرها
فلو بقيت لاحد لكان رسول الله خير
باق
السلطان إبراهيم بن أدهم
مرقد السلطان إبراهيم بن في جامعه في جبلة هو ابن إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر وقيل ابن عامر - العجلي التميمي - فهو عربي كريم الحسب .
ولم يحدد الرواة سنة ميلاده واختلفوا في مسقط رأسه فمنهم من قال بأنه ولد ببلخ ومنهم من قال بمولده في مكة حين كانا والداه يحجان وأن أمه طافت به في المسجد الحرام قائلة للناس : ادعو لابني أن يجعله الله رجلاً صالحاً واختلف كذلك في حال أبيه فذكر بعض المؤرخون أنه كان شريفاً وثرياً من أثرياء كورة بلخ وروى البعض أنه كان أميراً عربياً على خراسان وأنه ورث الإمارة من أبيه، وأن الإمارة قد سعت إليه دون رغبة منه ، ونسج حول ذلك رواية لا تخلو من الطرافة . وقالوا : مر أدهم ذات يوم ببساتين بخارى وتوضأ بأحد الأنهار التي تتخللها ، فإذا بتفاحة يحملها ماء النهر فأكلها ، ثم وقع في خاطره من ذلك وسواس فذهب يستحلها من صاحب البستان ، فقرع بابه ، فخرجت إليه امرأة ، فقال لها : ادعي صاحب البستان ، فقالت : إنه لامرأة - فقال : استأذني لي عليها ، ففعلت . فاخبر المرأة بخبر التفاحة ز فقالت له : إن هذا البستان نصفه لي ونصفه للسلطان ، والسلطان ببلخ ، وهي مسيرة عشرة أيام من بخارى ، وأحلته المرأة من نصفها . وذهب إلى بلخ واعترض السلطان في موكبه ، فخبره الخبر واستحله ، فأمر السلطان أن يعود إليه في الغد . وكان له بنت بارعة الجمال ، وقد خطبها أبناء الملوك فتمنعت وحببت إليها العبادة والرجال الصالحون ، فلما عاد السلطان إلى مقره أخبر بنته بخبر أدهم . فرغبت بتزوجه . فلما أتاه في الغد . قال له : لا أحلك إلا أن تتزوج ابنتي . فانقاد لذلك بعدا تمنع . ولما دخل عليها عمد إلى ناحية من البيت ، وأقبل على صلاته حتى أصبح - ولم يزل كذلك سبع ليال . ثم تزوجها وقام فاغتسل وصلى ومات أثناء صلاته ، فحملت منه إبراهيم ، ولم يكن لجده ولد ، فأسند الملك إليه.
وقد تباينت الروايات حول زهد إبراهيم وأسبابه ومن أكثر الروايات شهرة حول تزهده ما أورده ابن عساكر هي :أنه خرج مع بعض أصحابه إلى الصيد ، وبينما كان يكر ويفر جاداً إثر أرنب يروم رميه ، إذ بهاتف من وراء الغيب يناديه باسمه قائلاً : " يا إبراهيم ! ( أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً ، وإنكم إلينا لا ترجعون ) يا إبراهيم ! ألهذا خلقت أم لهذا أمرت بها فلم يبالي في بادئ الأمر . فعاوده الثانية والثالثة . فشد لجام فرسه ووقف حائراً من شدة الجزع . ثم هتف به الرابعة . فآمن آنئذٍ أنه صوت الحق و نذير من رب العالمين , و اطمأنت نفسه من بعد اضطراب , فرجع إلى أهله , ثم جاء إلى راعٍ لأبيه فألقى إليه ما يلبس من حلل الإمارة و حليها , و أخذ منه أطماره و لف جسمه بها و هام على وجهه.
لقد ساح إ براهيم في الأمصار الإسلامية ، فجاب خراسان والعراق وقصد الحجاز فزار قبر الرسول الكريم وعرج على مكة المكرمة فحج وقيل بأنه أثناء سياحته في مكة قام بخدمة الإمام الباقر، وروي أيضاً بأنه كانمن بين المشيعين للإمام الصادق وقد صحب في مكة سفياناً الثوري والفضل ابن عياض ، وقيل أنه قدم مصر ومر بالاسكندرية ثم صارإلى بلاد الشام وقد نقل عنه بأنه كان يردد دائماً قـــولــه ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام أفر بديني من شاهق إلى شاهق فمن رآني يقول حمال وموسوس) قد قضى مدة طويلة من حياته فيها متنقلاً بين ربوعها .
سئل مرة ومذ كم نزلت الشام ؟ فأجاب منذ أربع وعشرين سنة وما نزلت فيها إلا لأشبع خبز الحلال . طوف في سهولها وجبالها ومدنها وقراها ، وزار بيت المقدس ، وقيسارية وغزة ، وطبرية والرملة وعكا ، وعسقلان ، والناقورة وأقام بعض الوقت في صور وصيدا وبيروت والتقى في الأخيرة الإمام الأوزاعي وصحبه وزار الأردن وقضى مدة من الزمن في دمشق وحمص والرستن ورابط في إنطاكية ومرعش والمصيصة وطرسوس وسوقين ، وفي بعض العواصم والثغور الأخرى ، ويبدو أنه ألقى عصا التسيار في الساحل السوري ولا سيما في جبلة قبل أن يلقى جه ربه الكريم.
تعمق إبراهيم في دراسة القرآن الكريم وغاص في أعماق الدين الحنيف فاستخرج جواهر حقائقه الآخروية والدنيوية ومثله الإنسانية السامية وفقه الحديث الشريف ورواه ، وتتبع سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسلوك آله وأصحابه فنهج نهجهم وتثقف ثقافة عربية واسعة فكان بليغاً فصيحاً ، ورجع إلى أصالته العربية ، فعمل بمناقبها ومآثرها الخلقية ، فكان رجلاً فذاً بين الرجال ، كان قوي الإيمان بالله ، فقد قال صاحبه سفيان الثوري حينما سئل عنه : " إن إبراهيم بن أدهم يشبه إبراهيم خليل الرحمن ، ولو كان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان رجلاً فاضلاً له سرائر".
وهو محدث وراوية ثقة ، وثقه النسائي والدار قطني وخرج له البخاري والترمذي وروى عن جماعة من التابعين وتابعي التابعين ، منهم يزيد الرقاشي وعمرو بن عبد الله سبيعي ، ويحيى بن سعد الأنصاري وروى عنه جماعة من المحدثين منهم شقيق البلخي وبقية بن الوليد و إبراهيم بن بشار وغيرهم .
وقد كان عالماً جليلاً وعاملاً مجداً متواضعاً محققاً قوله : " اطلبوا العلم للعمل فإن أكثر الناس قد غلطوا حتى صار علمهم كالجبال وعملهم كالذر " وقوله :" ما صدق الله عبد أحب الشهرة بعلم أو عمل أو كرم "
وعرف عنه التأدب والصدق والسخاء والإيثار . فقال مضاء بن عيسى :" ما فاق إبراهيم بن أدهم إلا بالصدق والسخاء "
وعن رحمته بالناس فكان يقول :" المواساة من أخلاق المؤمنين " ويقول ذهب السخاء والكرم والجود والمواساة فمن لم يواس الناس بماله وطعامه وشرابه ، فليواسهم ببسط الوجه والخلق الحسن "
وكان مجاهداً شجاعاً رابط في العواصم والثغور ، وخاض المعارك ضد البيزنطيين.
فكان صادقاً في زهده ، راض نفسه على الصبر وجاهدها وغالبها ، فقهرها وكبح جماح شهواتها وأهوائها ، وقد عبر إبراهيم عن ذلك بقوله :" ما قاسيت ، في الدنيا ، شيئاً أشد علي من نفسي ، مرة علي ، ومرة لي وأما أهوائي فقد استعنت بالله عليها واستكفيت سوء مغالبتها فكفاني والله ما أس علي ما أقبل من الدنيا ولا ما أدبر منها ".
عاش إبراهيم كما أراد أن يعيش فقيراً معدماً محروماً ، أما الطعام فكان يقنع منه بالبلغة وما يسد الريق فكان يربأ بنفسه أن يأكل إلا من كد يمينه وعرق جبينه كان يرتدي فرواً ليس تحت القميص ـ وكان يلبس مرقعةً تزن ستين رطلاً ، وكان يلبس في الصيف شقتين بأربعة دراهم يتزر بواحدة ويرتدي بأخرى ـ ولم يك يعتمر عمامة أو ينتعل خفين ، كان إذا تجرد للجهاد يأبى أن يركب دابةً ، وسار إلى حلبة القتال ماشيا فكان فارساً شجاعاً ، ومقاتلاً باسلاً وشارك في غزوات كثيرة منها غزاة عباس الإنطاكي ، غزاة محكاف ، فقد روي عنه بأنه قال للصحابة عشية موته وهم في عرض البحر يقاتلون البيزنطيين : أوترو لي قوساً فأوتروه فقبض عليه فمات وهو قابض عليه يريد أن يرمي العدو به.
هكذا كانت خاتمة سيرة هذا الزاهد واالمتصوف والمجاهد المؤمن إبراهيم بن الأدهم وهو القائــل :" من عرف ما الطلب هان عليه ما يبذل " ودفن في جبلة وأقيم له فيها مقام كبير , و ليقام عنده مسجد جامع كبير باسمه يقصد من الناس من جميع الأمصار.
إبراهيم بن أدهم
إبراهيم بن أدهم، أبو إسحاق، إبراهيم بن منصور بن زيد بن جابر العجلي ويقال التميمي[1]، أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في القرن الثاني الهجري[2] من أهل بلْخ.
قصة هدايته
كان من أبناء الملوك والمَياسير. خرج متصيداً، فأثار ثعلب واذا هو طلبه، هتف به هاتف من قربوس سرجه: "والله! ما لهذا خلقت!، ولا بهذا أمرت!". فنزل عن دابته، وصادف راعياً لأبيه، فأخذ جبته فلبسها، وأعطاه ثيابه وقماشه وفرسه وترك طريقته، في التزين بالدنيا، ورجع إلى طريقة أهل الزهد والورع. وخرج إلى مكة، وصحب بها سفيان الثوري، والُفضيل بن عِياض. ودخل بلاد الشام، فكان يعمل فيها، ويأكل من عمل يده.
أقواله
سئل إبراهيم بن أدهم لم لا تخالط الناس ؟ فقال : إن صحبت من هو دوني أذاني بجهله وإن صحبت من هو فوقي تكبر علي وان صحبت من هو مثل حسدني ,فأشتغلت بمن ليس في صحبته ملل ولا وصلة انقطاع ولا في الأنس به وحشة
• الفقر مخزون في السماء، يعدل الشهادة عند الله، لا يعطيه إلا لمن أحبه.
• على القلب ثلاثة أغطية: الفرح، والحزن، والسرور. فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص، الحريص محروم. وإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط، والساخط معذب. وإذا سررت بالمدح فأنت معجب، والعجب يحبط العمل. ودليل ذلك قول القرآن: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)
• قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تكثر الهم والجزع
• كان إبراهيم بن أدهم يمشي في البصرة فاجتمع إليه الناس فقالوا : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا، والله تعالى يقول : ((وقال ربكم ادعون أستجب لكم))
فقال : يا أهل البصرة قد ماتت قلوبكم بعشرة أشياء: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه. قرأتم القرآن ولم تعملوا به. ادعيتم حب الرسول صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته. ادعيتم عداوة الشيطان وأطعتموه. ادعيتم دخول الجنة ولم تعملوا لها. ادعيتم النجاة من النار ورميتم فيها أنفسكم. قلتم الموت حق ولم تستعدوا له. اشتغلتم بعيوب الناس ولم تنشغلوا بعيوبكم. دفنتم الأموات ولم تعتبروا. أكلتم نعمة الله ولم تشكروه عليها
• وكان يقول: (ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا ولا نسأل كشفه من ربنا)
• قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل
فصف لي دواء؟!! فقال : لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف.
• يقول إبراهيم بن أدهم : " إذا كنت بالليل نائما وبالنهار هائماً وفي المعاصي دائماً فكيف تُرضى من هو بأمورك قائماً ؟!
• وقال : إنما يتم الورع بتسوية كل الخلق في قلبك، والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل، فكر في ذنبك وتب إلى ربك ينبت الورع في قلبك واقطع الطمع إلا من ربك.
سيرته
كان كثير التفكر والصمت، بعيداً عن حب الدنيا، وما فيها من شهرة وجاه ومال، حريصاً على الجهاد في سبيل الله لا يفتر عنه. وكان برغم زهده يدعو إلى العمل والجد فيه وإتقانه، ليكون كسباً حلالاً. ولذلك أعرض عن ثروة أبيه الواسعة، وعما كان يصيبه من غنائم الحرب وآثر العيش من كسب يده. وحصد ابرهيم في المزارع عشرين ديناراً ودخل إلى أذنة، ومعه صاحب له. فأراد أن يحلق ويحتجم؛ فجاء إلى حجام، فحقره الحجام وصاحبه، وقال: ما في الدنيا أحد أبغض إلي من هؤلاء! أما وجدوا غيري!" فقضى شغل غيرهما، وأعرض عنهما. ثم قال: "أي شيء تريدان" فقال ابرهيم: "أحتجم واحلق". ففعل به، وأما صاحبه فقال له: "لا أفعل ذلك!" لتهاونه بهما، ثم أعطاه إبراهيم الذي كان معه، فقال له صاحبه: "كيف ذاك!" فقال: "اسكت لئلا يحتقر فقيراً بعده وروى أنه كان يعمل في الحصاد وحفظ البساتين وغير ذلك، وينفق على من في صحبته من الفقراء وكان يعمل نهاره، ويجتمعون ليلا إلى موضع، وهم صيام؛ وكان ابرهيم يبطئ في رجوعه من عمله. فقالوا ليلة: "هلم نسبقه حتى لا يبطئ في رجوعه من عمله" ففعلوا وناموا. فجاء إبراهيم، فظن انهم لم يجدوا طعاماً، فأصلحه لهم، فأنتبهوا وقد وضع شيبته في النار، وينفخ بها، فقالوا له في ذلك فقال: "ظننت إنكم نمتم جوعى لأجل العدم، فأصلحت لكم ذلك!". فقال بعضهم لبعض: "انظروا ما الذي عملنا، وما الذي يعاملنا به. وقدركب مرة البحر، فقال عليهم، فلف رأسه في عباءة ونام. فقيل له: "ما ترى ما نحن فيه من الشدة!" فقال: "ليس هذا شدة! الشدة الحاجة إلى الناس". ثم قال: "اللهم! أريتنا قدرتك، فأرنا لطفك". وقال معاوية بن حفص : إنما سمع إبراهيم بن أدهم عن منصور حديثاً، فأخذ به فساد أهل زمانه قال : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول : حدثنا منصور عن ربعي بن خراش قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل يحبني الله عز وجل به ويحبنى الناس قال : " إذا أردت أن يحبك الله فأبغض الدنيا وإذا أردت أن يحبك الناس فما كان عندك من فضولها فانبذه إليهم " فساد أهل زمانه.
ولإبراهيم بن أدهم رأي في محاربة الغلاء وارتفاع الأسعار فقد ذكروا له أن اللحم غلا ثمنه. فقال: أرخصوه. أي لا تشتروه فترخص أسعاره.
كان إبراهيم شديد الحنين إلى وطنه. فمن أقواله لأصحابه: عالجت العبادة فما وجدت شيئاً أشد عليَّ من نزاع النفس إلى الوطن. كما روي عنه قوله: «ما قاسيت، فيما تركت، شيئاً أشد علي من مفارقة الأوطان».
وفاته
توفي إبراهيم بن أدهم وهو مرابط مجاهد في إحدى جزر البحر المتوسط، ولما شعر بدنو أجله قال لأصحابه: أوتروا لي قوسي. فأوتروه. فقبض على القوس ومات وهو قابض عليها يريد الرمي بها، وقيل إنه مات في حملة بحرية على البيزنطيين، ودفن في مدينة جبلة على الساحل السوري، وأصبح قبره مزاراً، وجاء في معجم البلدان أنه مات بحصن سوقين ببلاد الروم.[3] أقيم في موضع وفاته مسجد سمي جامع السلطان إبراهيم وهو أهم مساجد جبلة اليوم.
.
مقام سيدى إبراهيم بن أدهم فى مدينة جبلة بسوريا وهذا الجبل الذى كان يتعبد فيه
• الطبقات الكبرى، الشعراني. قال الإمام عبد الوهاب الشعرانى فى الطبقات فى الجزء الأول
===============================
=
أبو اسحق ابراهيم بن أدهم بن منصور رضى الله عنه *** كان من كورة بلخ من أولاد الملوك ومن كلامه رشى الله عنه يتمثل كثيرا بهذ البيت
للقمة بجر يش آكلها *** ألذ من تمرة تحشى بزنبور
قلت ومعنى حشوها بزنبور أن يكون فى باطنها علة كان يعطاها لاجل دينه وصلاحه ولولا ذلك ما أعطاها له فمن أدب هذه أن ترد على صاحبها ولا يقبل الا ممن يعلم منه انه يحبه على أى حال كان فهذه هى التى ليس فيها زنبور والله أعلم *** وكان رضى الله عنه يقول أثقل الأعمال فى الميزان أثقلها على الابدان ومن فى العمل وفى الأجر ومن لم يعمل رحل من الدنيا ال الأخرة صفر اليدين وصحب رضى الله عنه رج فلما أراد أن يفارقه قال له الرجل ان كنت رايت فى عيبا فنبهنى عليه فقال له ابراهيم لم أر فيك يا أخى عيبا لانى لاحظتك بعين الوداد فاستحسنت كل ما رأيته منك فاسأل غيرى وكان رضى الله عنه يقول انى لاتمنى المرض حتى لا تجب على الصلاة فى جماعة ولا أرى الناس ولا يرونى وكان يغلق بابه من خارج فيجىء الناس فيجدونه مغلقا فيذهبون وكان رضى الله عنه يقول فى تفسيره قوله تعالى تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الارض من حب العلو أن تستحسن شسع فعلك على شسع فعل أخيك وكان يقول ثلاثة لا يلامون على ضجر المريض والصائم والمسافر وكان يقول بلغنى أن العبد يحاسب يوم القيامة بحضرة من يعرفه ليكون أبلغ فى فضيحته وكان يقول ما صدق الله عبد أحب الشهرة بعلم أو عمل أو كرم وكان رضى الله عنه اذا لم يجد الطعام الحلال يأكل التراب ومكث شهرا يأكل الطين وقال لولا أخاف أن أعين على نفسى ما كلن لى طعام الا الطين حتى أجد الحلال الى أن أموت وكان يقول لا يحتمل الحلال السرف حتى كان يصلى خمس عشرة صلاة بوضوء واحد وكان رضى الله عنه يقول اطلبوا العلم للعمل فان أكثر الناس قد غلطوا حتى صار عملهم كالجبال وعملهم كالذز وكنت اذا رايته كأنه ليس فيه روح ولو نفحته الريح لوقع وقال له بعض العلماء عظنى فقال كن ذنبا ولا تكن رأسا فان الذنب ينجو والرأس يذهب وكتب اليه الاوزاعى رحمه الله تعالى أنى أريد أن أصحبك يا ابراهيم فكتب اليه ابراهيم رضى الله عنه ان الطير اذا طار مع غير شكله كار الطير وتركه والله أعلم
فى الجزء الاول صفحة 35 من الرسالة القشيرية :
========================
من كورة بلخ ، رضى الله تعالى عنه كان من أبناء الملوك ، فخرج يوما متصيدا ، فأثار ثعلبا أو أرنبا وهو فى طلبه ، فهتف به هاتفا (1) يا إبراهيم ، ألهذا خلقت ، أم بهذا أمرت ؟
ثم هتف به ايضا من قربوس (2) سرجه : والله ما لهذا خلقت ، ولا بهذا أمرت ، فنزل عن دابته .
وصادف راعيا لأبيه ، فأخذ جبة للراعى من صوف ولبسها وأعطاه فرسه وما معه ثم إنه دخل البادية ، ثم دخل مكة ، وصحب بها سفيان الثورة (3) ، والفضيل (4) بن عياض ، ودخل الشام ومات بها ،وكان يأكل من عمل يده مثل : الحصاد ، وحفظ البساتين ، وغير ذلك ، وانه رأى فى البادية رجلا علمه ( اسم الله الأعظم ) فدعا به بعده (5) ، فرأى الخضر عليه السلام وقال له : إنما علمك أخى داود اسم الله الأعظم *
(1) من ملك أو خاطر وقع فى قلبه ملهما
(2) القربوس ( بفتح القاف ) حلو السرج أى : فسمة القوس المرتفع من قدام المقعد ومن مؤخره
(3) هو سفيان بن سعيد الثورى ولد عام 97هـ وتوفى بالبصرة سنة 161 هـ وكان عالما عابدا زاهدا ، كانوا يسمونه المؤمنين فى الحديث وكان لا يعلم أحد العلم إلا إذا تعلم الأدب والتزمه وكان يقول إذا فسد العلماء فمن بقى فى الدنيا يصلحهم ثم أنشد
يا معشر العلمائ يا ملج البلد *** من يصلح المبح إذا الملح فسد ّ
وكان إذا جلس المعلم واعجبه متعلقه يقطع الكلام خوفا من الغرر ويقوم ويقول أخذنا ونحن لا نشعر وكان يملى الحديث ويقول والله لو رآنى عمر بن الخطاب لضربنى بالدرة وأقام لى وقال مثلك لا يصلح للحديث ، وكان يقول للناس إذا طلبوا منه الحديث والله ما أرى نفسى أهلا لإ ملاء الحديث ولا أنتم أهلا لأن تسمعوه وما مثلى ومثلكم إلا كما قال القائل أفتضحوا فأصطلحوا وكان قد أمتنع من الجلوس للهلم فقيل له فى ذلك فقال والله لو علمت أنهم يريدون بالعلم وجه الله لأتيتهم فى بيوتهم وعلمتهم ولكن إنما يريدون به المباهاة وقولهم حدثنا سفيان وكان رحمه الله من أعلم هذه الأمة وأعبدها وأزهدها
(4) هو أبو على الفضيل بن عياض بن مسعود التميمى ا شيخ الحرم من أكابر العباد الصلحاء كان ثقة فى الحديث أخذ عنه الإمام الشافعى ومولده فى سمرقند سنة 105 هـ وتوفى بمكة سنة 187هـ
(5) أى بعد أنصراف الرجل
أخبرنا بذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمى ، رحمه الله ، قال حدثنا محمد بن الحسين بن الخشاب قال ، حدثنا أبو الحسن على بن محمد المصرى ، قال : حدثنا أبو سعيد الخراز قال : خدثنا إبراهيم بن بشار قال : صحبت إبراهيم بن أدهم ، فقلت خبرنى عن بدء أمرك فذكر هذا ، وكان إبراهيم بن أدهم كبير الشأن فى باب الورع ويحكى عنه أنه قال : أطب مطعمك ، ولا حرج عليك أن لا تقوم الليل ولا تصوم النهار وقيل : كان عامة دعائه ( اللهم انقلنى من ذل معصيتك إلى عز طاعتك ) وقيل لإبراهيم بن أدهم إن اللحم قد غلا !! فقال : ارخصوه أى : لا تشتروه ، وانشد فى ذلك
وإذا غلا شىء على تركته *** فيكون ارخص ما يكون إذا غلا
أخبرنا محمد بن الحسين ، رحمه الله تعالى ، قال : سمعت منصور بن عبد الله يقول ك سمعت محمد بن حامد يقول سمعت أحمد بن خضروية يقول ، قال إبراهيم بن أدهم لرجل فى الطواف :
أى وتفتح باب الفقر علم أنك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقبات
أولاها : تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة
والثانية : تغلق باب العز ، وتفتح باب الذل
والثالثة : تغلق باب النوم ، وتفتح باب الجهد
والرابعة : تغلق باب النوم ، وتفتح بابا السهر
والخامسة : تغلق بابا الفقر
والسادسة : تغلق باب الأمل ، وتفتح باب الاستعداد للموت
وكان إبراهيم بن أدهم يحفظ كرما ، فمر به جندى ، فقال : أعطنا من هذا العنب فقال ما أمرنى به صاحبه
فأخذ يضربه بسوطه ، فطأطأ رأسه وقال : اضرب راسا طالما عصى الله ، فأعجز الرجل ومضى ، قال سهل بن إبراهيم : صحبت إبراهيم بن أدهم ، فمرضت ، فأنقف على نفقته فأشتهيت شهوة ، فباع حماره وأنفق على ثمنه ، فلما تماثلت ، قلت : يا إبراهيم ، أين الحمار ؟ فقال : بعناه ، فقلت : فعلى ماذا أركب ؟ فقال : يا أخى على عنقى ، فحملنى ثلاث منازل
( الشريف على محمود محمد على حفيد النسابة حسن قاسم )

