موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 11 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 11, 2022 10:38 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني

الحــذف طبيعة من طبائــع العربية، وظاهرة مــن ظواهرها الفذة، وسمة من سماتها العبقرية؛ لأنها مبنية على الإيجاز والاختصار، وفهم المعنى من حاق اللفظ، وقديما قالوا: البلاغة الإيجاز، وما الحذف إلا ضرب من ضروب الإيجاز لا شك.

والمقصــود بحديثنــا عن الحذف هنا حذف نــوع معين منه، وهو حــذف الحرف الذي لم يَلق العنايــة اللائقة به في كتب البلاغيين كما لقيت أنواع الحذف الأخرى.

كمــا أن المقصــود بالحديث عــن حذف الحرف في تلك الدراســة حذف حروف المباني، وحروف المعاني.

والمراد بحروف المبانــي الحروف التي تُبنى وتتشــكل منها الكلمة ليفهم معناهــا المعجمي سواء كانت حروفا أصلية مجردة مثل (ضرب)، و(خــرج)، أو حروفــا زائــدة وردت للدلالة على معنى: فالألــف مثــلا مــن (ضــارب) يــدل على معنــى الفاعلية، والميم والواو فــي (مضروب) للدلالة علــى المفعوليــة، وبدون هذه الزوائد لا يســتفاد هــذا المعنــى، وهكــذا الحــال فــي بقيــة الصيغ الصرفية المختلفة.

فالمقصــود مــن حــروف المبانــي علــى ذلك جميع حــروف الكلمة المجــردة والزائدة، وهي تضم بذلك جميع الحروف الهجائية المعروفة .

وأعنــي بحذف حــروف المباني هنــا الحذف الجائــز الواقع في بعض الكلمــات القرآنية الذي منشــؤه علة بلاغية، ولا أعني به الحذف القياسي الواجــب المطرد لعلة صرفية مثل حذف الواو في مضارع المثال الواوي كما في «وعد يعد، ووصل يصل» وحذف حرف العلة لالتقاء الساكنين نحو: «لا تقــل، ولا تخف»، وكــذا حذف الياء من الأمر فــــي (وقى) فتقــول: (ِق)، والأمــر من (وعى) فتــقــول: (عِ)، فمثل هــذا وإن كان الحذف فيه للتخفيــف إلا أنــه حذف صرفي مطــرد، لا يدخل في بحثنا.

ولكــنَّ قصدنا من حــذف الحرف هنا الحرف المحذوف لعلة بلاغية، ووراء حذفه معنى لطيف، وفي إثباته مغزى دقيق.

ولهــذا الحــذف من الحســن والأريحيــة ما لا يتوافــر البتــة فــي الحــذف الواجب الكائــن لعلة صرفية أو نحوية.

وهذا النوع من الحذف رأى بعضُ العلماء أنه حذف ســماعي لا يقــاس عليه، يقــول العلوي : «الإيجاز بحذف بعــض اللفظ، وهذا إنما يكون واردًا علــى جهــة الســماع لا يُقاس، وهذا إنما يكون في الألفاظ التي تستعمل على جهة الكثرة دون مــاعداها، وهــذا كقولهــم (عِــمْ صباحًا) فــي (أنعــم صباحًا)، وقولــه: «لم يــك حاصلًا لــك درهم» قــال الله تعالــى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ} [غافر: 85]؛ لأن الجازم إنما يحذف الــواو كما يحــذف من قولنا: «لم يقــل» لالتقاء الســاكنين، والنــون حذفهــا مــن أجــل الإيجاز والاختصار، وهكذا قولنا: (لَمْ أُبَلْ) فإن الأصل فيــه: (أُبالي) فحذفت الياء للجــازم كما تحذف من قولنــا: (لم أُمَارِ) في (أماري)، ثم حُذف الألف على غير قيــاس على جهة التخفيــف، وقد جاء فــي المنظوم حذف بعض الكلمة كما قال بعض الشعراء:

كَأَنَّ إِبْرِيقَهُمْ ظَبْيٌ عَلَى شَرَفٍ ... مُفَدَّمٌ بِسَبَا الْكَتَّانِ مَلْثُومُ

أراد: بســبائب الكتان فحــذف إيجازًا، وهــذا كله لا يقاس عليه، وإنما يقر حيث ورد» ومــا قاله العلــوي جيد، ولكننــي أضيف على كلامــه أن هذا النــوع من الحذف الواقــع في بنية الكلمة ليس كله سماعيًا بل ينقسم قسمين:

الأول: حذف قياســي جائز لعلــة بلاغية مثل حــذف تاء المضارع الذي ماضيه مبدوء بتاء زائدة فــي جميع الأفعال التي تكون على تلك الشــاكلة كما سيأتي.

الثاني: حــذف ســماعي جائز مقصــور على بعــض الألفــاظ مثل حــذف النــون فــي المضارع المجــزوم (لم يكــن)، وغير ذلك لعلــة بلاغية أيضًا كما سيأتي.

وهذان القســمان مــن الحذف يطلــق عليهما بعــض العلمــاء- ومنهــم الســيوطي فــي معتــرك الأقران- الاقتطاع؛ لأن الحرف المحذوف كأنه اقْتُطـِـع من بنيــة الكلمة اقتطاعًا، كما يســميهما بعض البلاغيين حذف جزء كلمة، والتســميةُ التــي أطلقتُها عليه، وهي حــذف حروف المباني تســمية دقيقــة أيضـًـا؛ لأنهــا تكشــف عــن أن المحذوف يشــكل بنيــةً، أو لبنة من اللبنات التي تتكون منها الكلمة.

والغريب أن هذا النوع من الحذف الذي تكثر فيه المزايا البيانية وتتنوع الخصائص البلاغية قد رفضــه ابن الأثير وجعله من الحذف القبيح حيث يقــول: « واعلــم أن العــرب قد حذفــت من أصل الألفاظ شيئًا لا يجوز القياس عليه كقول بعضهم:

كَأَنَّ إِبْرِيقَهُمْ ظَبْيٌ عَلَى شَرَفٍ ... مُفَدَّمٌ بِسَبَا الْكَتَّانِ مَلْثُومُ

فقوله: « بسبا الكتان» يريد: بسبائب الكتان، وكذلك قول الآخر:

يُذْرِينَ جَنْدلَ حائِرٍ لجُنُوبها ... فَكأنَّما تُذْكِى سَنابِكُها الحُبَا

فهــذا وأمثالــه ممــا يقبــح، ولا يحســن، وإن كانــت العرب قد اســتعملته فإنه لا يجــوز لنا أن نستعمله».

وقــد عارض الإمام ابنُ قيــم الجوزية ابنَ الأثير قائــلًا: «هذا الذي ذكره ابــن الأثير فيه نظر؛ لأنه قد صــح، ومثل هذا في أشــعار العــرب وكلامهم كثير، وإذا كثر استعماله كان من الكلام الفصيح معدودًا، وحســن في التركيب، وكلمــا بَعُدَ غور الكلمة، واســتعجم معناهــا كان فهمه بأول وهلة دليلًا على صحة الأفهام، وجودة الغرائز، وسلامة الطباع، وحسن موقع اللفظ به».

وهــذا ما نؤيده؛ لأن حذف حرف المبنى وقع كثيرًا في القرآن الكريم- كما سيأتي- والحديث الشريف وكلام العرب شعره ونثره.

والحــذف في هذا النوع من الحروف لم يشــر إليــه إلا قليــل جدًّا مــن البلاغيين القدمــاء، وهو حذف لمــن يتأمله له مواقعــه الفريدة وخصائصه العجيبة كما سيتضح بعدُ إن شاء الله تعالى.

أما حروف المعاني فهي الحروف: «التي تفيد معنى فيمــا اتصلت به، أو دخلت عليه كالســين التــي للاســتقبال، و(مِنْ) التبعيضيــة، و(أَنَّ) التوكيديــة، و(لَمْ) النافيــة، فهذه الحروف وغيرها كثير مثل بقية حروف الجر، والعطــف، والنداء، والنفي، والاستفهام، إلخ تلحق الأسماء والأفعــال لتدل على معنى مــن المعاني المختلفة لا يُفاد بدونها هــذا المعنى، فإذا حُذفت لا بد أن يكون وراء ذلك سر من الأسرار.

وهــذا الحذف هو مُبْتَغانــا وطِلبتنا، وهو الذي يكمن فيه اللطائف الفنيــة، والنكات التعبيرية، والأسرار البلاغية الإعجازية.

ولكــنَّ الغريبَ أيضــا أن هذا الحــذف الكثير قــد عارضه ابن جنــي بقوله: «اعلــم أن الحروف لا يليــق بهــا الزيــادة، ولا الحــــذف، وأنَّ أعدل أحوالهــا أن تســتعمل غير مزيــدة، ولا محذوفة، فأمــا وجه القيــاس في امتناع حذفها فمــن قِبَلِ أن الغــرض في الحــروف إنما هو الاختصــار ألا ترى أنــك إذا قلت: ما قــام زيد، فقد نابــت (مَا) عن أنفــي)، وإذا قلــت: هــل قــام زيد؟ فقــد نابت (هــــل) عــن «أســتفهــم» فوقــوع الحــرف مقام الفعل، وفاعله غاية الاختصار، فلو ذهبتَ تحذفُ الحرف تخفيفًا لأفرطت في الإيجاز؛ لأن اختصار المختصر إجحاف به ».

وقــد تابعــه ابن يعيــش بقوله: «وفــي الجملة حــذف الحروف مما يأباه القيــاس؛ لأن الحروف إنمــا جيء بهــا اختصــارًا، ونائبة عــن الأفعال فــ «ما» النافية نائبة عن (أنفي)، وهمزة الاســتفهام نائبــة عــن (أســتفهم)، وحــروف العطــف عــن (أعطف)، وحــروف النداء نائبــة عــن (أنادي) فإذا أخــذتَ تحذفُهــا كان اختصــــار المختصر، وهو إجحاف».

ولكــن يَرِدُ عليهما أن هذا النــوع من الحذف قد جاء في القرآن الكريم منه الشــيء الكثير كما سيأتي، وذاك أكبر دليل على جوازه.

هــذا، وقــد التفت بعــض البلاغييــن القدماء إلــى هــذا النوع من الحذف فذكــروا بعض أمثلته باختصــار، وبخاصــة حــذف حــرف النفي (لا)، وحذف حرف النداء (يا).

والمحصلة النهائية أن حذف الحرف بنوعيه: المبنى والمعنى قــد عارضه بعض العلماء، ولكنَّ هذا مردود عليهم بما قدمناه، كما أن هذا الحذف بنوعيــه لم يلق العنايــة الكافية من البلاغيين مثل حذف الكلمة والجملة، والجمل.

من هنا أخذ هذا المقال على عاتقه أن يظهر ما في حذف الحروف بنوعيها الســابقين في القرآن الكريم من أسرار ونكات بلاغية إعجازية، لا تقل بحــال من الأحوال عن حذف الكلمة، وغيرها في القــرآن الكريم؛ لأنه كمــا قلت فإن أي حذف في الذكر الحكيــم كتاب ربنا العظيــم الذي لا يأتيه الباطــل مــن بيــن يديه ولا مــن خلفه لا بــد وراءه مــن هدف بلاغــي ومغزى إعجــازي ندعو المولى ســبحانه أن يرشدنا إلى تلك الأســرار، وأن نقف على تلك النكات البلاغية الإعجازية.

ويجــدر بنــا قبــل اســتعراضنا لمواضع حذف الحــروف، وبيان أســرارها المختلفة فــي القرآن أن نعطــي للقــارئ الكريم لمحة موجــزة عن أهم شــروط الحــذف، وكيفيــة تقديــر المحــذوف، وأسباب الحذف وفوائده، فنقول وبالله التوفيق:

أولًا: من أهم شروط الحذف: وجود قرينة لفظية أو عقلية تدل على العنصر المحذوف؛ لأن اللغة العربية لغة ترتفع بنفسها عن الألغاز والمعميات، وإذا وقع فيها الحذف في أي نوع من أنواعه فإنها تَنصبُ قرائن وأدلــة للقارئ يتوصل بها إلى المحذوف، فإن لم يكن هناك دليل على المحذوف فهو لغو لا يجوز، وقد نبه ابن جني على ذلك بقوله: « قد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة، وليس شيء من ذلك إلا عن دليل عليه، وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب بمعرفته«.

»فليــس الحذف في اللغةأمــرًا متروكًا للناطق أو النحــوي، بل إنه قائم علــى أركان ثابتة حتى لا تصبح اللغة فوضى لا نظام لها« .

هذا، والمشــهور عنــد النحــاة والبلاغيين أن القرينة تنقســم قســمين قرينة لفظية وحالية، أو بعبارة أخرى مقالية، ومقامية.

أما القرينة اللفظية فتعني: أن يكون في سياق الــكلام الســابق، أو اللاحق ما يــدل على العنصر المحــذوف أيــا كان نوعــه من ذلك قولــه تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا } [النحل: 30]، أي: أنــزل خيرًا فحــذف الفعل (أنزل)؛ لأنه مذكور في السؤال السابق.

وينــدرج فــي هــذا النوع مــن القرائــن الدليل الإعرابــي، أو ما يســميه ابن هشــام فــي المغني، والســيوطي فــي معتــرك الأقــران بالصناعــة النحويــة؛ فــإن مجــيء اللفــظ مفعــولًا بــه دون وجــود ناصــب لــــه يــدل علــى أن الفعــل الــذي نصبــه محذوف من ذلك قولــه تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13] ومنــه في موضوعنا قولــه تعالــى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] فقد دلت الصناعة النحوية على أن «لا» النافيــة هنــا مقــدرة؛ لأنه لــو كان الكلام مثبتًا لدخلــت الــلام علــى الفعــل {تَفْتَأُ}، وأُكِّـدَ بالنون وجوبًا، مثلما أُكِّـدَ في قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ} [الأنبياء: 57] فلما كان الــكلام على نية حــذف حرف النفــي جاء جواب القسم خاليًا من التوكيد.

ومنــه تعديــة الفعــل الــذي لا يتعــدى أصلا إلى المفعــول به فيحذف حــرف الجر مثل قولــه تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } [النساء: 127] فــإن الفعل رغب يتعدى بحرف جر، ولكنه حذف وَنُصِبَ الــكلامُ على نــزع الخافض كمــا ســيأتي، أو تعديته إلى المفعول الثاني بنفســه، وهو يتعدى إليه بحرف جــر، ومنه قوله تعالــى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155] والتقدير: واختار موســى من قومه .

وهكــذا، مَنْ يتأمــل في مواضــع الحذف في القرآن الكريم يجد أنه يترك في طوايا الكلام أدلة على المحذوف أيا كان نوعه.

ومما يعد من القرائن اللفظية أيضا ما يَرِدُ في سياقات الموضوع نفسه في موطن آخر في الذكر الحكيــم، وأعني به أن يحذف حــرف المبنى في موضــع، ويذكر فــي موضع آخر مثــل حذف التاء مــن المضارع «تَذَكَّرُون» فقــد حذفت في مواضع كثيــرة، ودل على حذفها كما ســيأتي ذكرها في موضع آخر في لفظة »تَتَذ َّكرون».

وكذلــك حرف الجــر قد يحذف فــي موضع، ويســتدل علــى حذفــه بوجــوده فيمــا يناظر هذا التركيب فــي موطن آخر مثل حــذف حرف الجر »إِلَى» في قولــه تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، فقــد دل علــى حذفــه وروده في قولــه: {وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 16]، وســوف يأتــي مــن ذلــك فــي موضوعنا الكثير.

أمــا الأدلةالحاليــة أو المقامية فهي أدلة تُلمح مــن ســياق الــكلام، فــلا ينــص عليها نصًّــا، بل تــدرك بالعقل والعادة إدراكًا، وهذه الأدلة الحالية العقلية اعتد بها البلاغيون في كتبهم، وأوســعوا القول فيها بالتفصيل.

ومــن أهم شــروط الحــذف أيضًــا: «أن يكون اللبــس مأمونًا على المســتوى اللفظي والمعنوي بعــد الحذف حتــى لا تختلــــط المعانــي بعضها ببعض، أو تختلط الألفاظ فيكون اللبس.

وألا يــؤدي الحــذف إلــى غموض فــي تحديد المعنى المراد، فــإن أدى الحذف إلى غموض فلا حذف.

وألا يكــون المحذوف مؤكِّدا؛ لأن التوكيد تطويــل، والحــذف تخفيــف واختصــار، وهمــا نقيضــان لا يجتمعــان، وقــد نــص علــى ذلــك السيوطي في معترك الأقران.

وألا يــؤدي الحذف إلى ثقــل آخر أشــد على الجهاز النطقي من الثقل الأول».

وهذه الشروط السابقة جميعها قد توافرت في الحــذف القرآني المعجز بمختلــف أنواعه، ومنه حذف الحرف على أحســن وأفضل ما يكون كما سيظهر في موضعه إن شاء الله تعالى.

المصدر:

مجلة الأزهر عدد شوال 1440 هـ يونيه 2109 م

يتبع إن شاء الله

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 12, 2022 8:56 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7602
متابعة لا مقاطعة ..
للأهمية ,
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 12, 2022 12:04 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مارس 29, 2012 9:53 pm
مشاركات: 45685
فراج يعقوب كتب:
متابعة لا مقاطعة ..
للأهمية ,
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 12, 2022 1:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358
حامد الديب كتب:
فراج يعقوب كتب:
متابعة لا مقاطعة ..
للأهمية ,
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 12, 2022 10:40 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2916
فراج يعقوب كتب:
متابعة لا مقاطعة ..
للأهمية ,
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 13, 2022 1:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
مولانا الفاضل فضيلة الشيخ فراج يعقوب

الأخ الكريم الفاضل حبيب مولانا الدكتور حامد الديب

الأخ الفاضل أحمد ماهر البدوي

الأخ الفاضل النووي

جزاكم الله خيرا كثيرا وشرفني مروركم الكريم

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 13, 2022 1:21 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
تحدثنا فــى المقال الســابق عن الحذف ومعنــاه وأنواعه من حيث القياس والسماع، وشروط الحذف، وفى هذا المقال نتحدث عن:

ثانيًا: كيفية تقدير المحذوف:

"إن التقديــر الصحيــح للمحذوفــات عند النحاة يجــب أن يراعي أمرين أساســيين همــا: المعنــى، والصناعةالنحويــة، والمقصودبها الأصول النحوية العامة، والقواعد الخاصة المتفق عليها".

وقد وضع العلماء لتقدير المحذوف- أيا كان نوعه- شروطًا وضوابط عديدة بَنَوْها على مراعاة الأمرين السابقين أهمها:

1- يجــب أن يكون المقــدر المحــذوف في مكانه الأصلي؛ لأن تقديره في غير مكانه الأصلي يتطلب تقديرًا آخر يتصل بإعادة ترتيب الجملة.

2- يجب تقليل المقدَّر ما أمكن؛ إذ الأصل ألا يكــون في الكلام حذف، وكلمــا كان المحذوف قليلا كان الخروج عن الأصل قليلا.

3- ينبغي أن يقدر المحذوف من لفظ المذكور ما أمكن.

كما تحدث العلماء عن أولويات المقدَّر بوجه عــام، ومن ضمنها الحــرف، فوضعوا قواعد عامة من الممكن أن نستضيء بها في موضوعنا.

من هذه القواعد:
إذا احتمل التقدير أن يكون الحرف المحذوف من بنية الكلمــة الأول أو الثاني فالأولى بالحذف هو الحــرف الثاني، ويقع الاحتمــال الذي يغلب فيــه أن يكون العنصــر الثاني هــو المحذوف في المواضع التالية:

1- إذا اجتمعــت نــون الرفــع مــن الفعــل المضــارع- وهي اســم- مع نــون الوقاية وهــي حــرف، وأردنا حذف أحدهمــا مثل حذف النون من «تأمرونــي وتحاجوني» في بعــض القراءات حيث يجــوز الحــذف لتوالي الأمثــال، فالكثير مــن العلماء يرون أن المحذوف هو النون الثانية (نون الوقاية).

2- اجتمــاع تاء المضارعة مع تاء الفعل حيث يجوز حذف أحدهما كما ســيأتي بعد، فالجمهور على أن المحذوف هــو التاء الثانية (تاء الفعل)؛ لأن الأولى وردت لتفيد المضارعة.

3- نون «إِن َّوأَنَّ» الثقيلتين إذا دخلت عليهما نون الوقاية فتحذف نون الوقاية بناء على القاعدة الرئيســة في الحــذف من حذف العنصــر الثاني، وهكذا دواليك كما ســيأتي تفصيلــه مما يخص موضوعنا.

ثالثًا: أسباب الحذف وأغراضه:
كل حــذف يقصــده البليــغ- حتما- يكون وراءه سبب، وغرض يهــدف إليه، ونعني بأسباب الحذف وأغراضــه هنا الأسباب والأغراض العامة التي قد تنطبق على كثير من صور الحذف القرآني وغيره.

وأسباب الحذف العامة كثيرة ومتنوعة نوردها هنا إجمالا، ومــن أراد التفصيل فليرجع إليها في مظانها خشية الإطالة، يقول أحد الباحثين معددًا هــذه الأسبــاب:

السبب الأول: كثرة الاستعمال:
... والحق أن كثرة الاستعمال لها دور كبير ومهم في قضية التخفيف، فلو أن تعبيرًا ثقيلا ساد على ألسنة الناس، وشاع شيوعا عاما ملحوظا لأصبح بذلك متطلبا للخفة بالحذف» ثم ضرب لذلك أمثلة نسبها لسيبويه في الكتاب٢ /١٩٦ بقوله: «إن الشيء إذا كثر في كلامهم كان له نحو ليس لغيره مما هو مثله، ألا ترى أنك تقول: «لم أكُ» ولا تقول «لم أقُ» إذا أردت: أقــل، وتقول (لا أدرِ) كما تقــول: «هذا قاض».

ثــم يســتطرد فيقــول: «وكثــرة الاســتخدام هــي التي أباحــت كثيرًا من ألــــوان الحذف مثل: حــذف حرف النداء، ونون (لم يك)... وحذف حرف الجر في جملة القسم إلخ، كل هذا الحذف جاء تخفيفا على اللسان".

ولكــنَّ «الغالــب في الحــذف المعلــل بكثرة الاســتعمال أن يقــع في الصيغ لا فــي التراكيب، أي إنــه يعتري جــزءًا أو أكثر من أجزاء الكلمة- غالبــا ما يكــون الجــزء الأخير- وهو مــا اصطلح على تسميته عند المتأخرين بالاقتطاع، ويعتري هذا الحذف الأســماء فتــرخم بحــذف آخرها في النــداء، ويعتري الأفعال كما فــي «لم يك»، و«لا أدر».

السبب الثاني من أسباب الحذف: طول العنصر اللغوي...
لهذا كــان ثقل استطالة العنصر اللغوي سببًا فـي الحذف والتخلص من بعض أجــزاء الكلام حتى يخف النطق، ويقل المجهود العضلي الـذي يبذله الناطق عند الحديث.

وينطبق هذا الســبب على بعــض المحذوفات فــي موضوعنا فقد أشــار المبرد في مواضع كثيرة إلى اعتبار طول الكلام ســببًا من أسباب الحذف، ويُحملُ عليه حذف اللام من قوله تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } [الشمس: 9]

الواقعة جوابا للقسم بقوله تعالى:

{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]

السبب الثالث: ثقل العنصر اللغوي ...
فكلمات مثــل: (إنَّ، أنَّ، لكنَّ، لعلَّ) عندما تُدْخَلُ عليهــا الضمائــر تقــول: إنَّنِي، أَنَّنِي لكنني، لعلنــي، وفي هذا ثقل ينتــج عن التماثل والتضعيــف، يقول ســيبويه: «فإن قلــت: ما بال العــرب قد قالت: إني وكأني ولعلي ولكني؟ فإنه زعم أن هذه الحــروف اجتمع فيها أنها كثيرة في كلامهم، وأنهم يستثقلون في كلامهم التضعيف فلما كثر اســتعمالهم إياها مع تضعيف الحروف حذفوا التي تلي الياء".

والســبب الثاني مقبــول، ومتحقــق في بعض الحــروف كما ســبق عنــد المبــرد، أما الســبب الثالــث فلا يقبل على علاتــه؛ لأن بعض الحروف التــي تمثَّلَ بهــا مثل (إنَّ) وردت فــي القرآن كله ومعها النون الثانيــة نون الوقاية مرات في الآيات (الأنعــام ١٦١،وهــود ٢، وطــه ١٤، وفصلــت ٣٣ ، والزخرف ٢٦ ) وهذا يهدم ما قاله.

صحيــح أن النــون حُذفــت في مواضــع كثيرة جــدا، ولكنَّ قاعدته تكون قــد انخرمت فلا تقبل على عواهنها.

ثم يقــول: "السبب الرابع: التناسب، ويقصــد به المحافظــة على موســيقى الفواصل، أو الســجع فــي الــكلام، وهو من مظاهــر الخفة؛ لأنه يعطي الكلام موســيقى رنانــة يخف بها وقع الثقــل اللفظي في الكلام، ويــؤدي هذا إلى الخفة المعنويــة حيــث تســهل متابعــة معانــي الكلام، والحفاظ علــى التناسب مثل قولــه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } [الفجر: 4] فقــد حذفت اليــاء من «يَسْرِ» للحفــاظ على موســيقى الــكلام فيكــون متســاوقا مــــع «وتــر وحجر».


وهذا السبب الرابع مقبول كذلك، وفي القرآن حذوفات كثيرة وقعت في آخر الكلمات بســبب الفواصل، مثل حذف الياء من «التَّلاقِ» في ســورة غافر، وحذف المفعول في قوله تعالى:

{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3]

والتقدير: (وما قلاك) على ماذهب إليه بعض البلاغيين.

ولكن هذه العلة الســابقة قــد لا تتأتى البتة إذا وقع الحــذف في وســط الكلام لا فــي الفواصل، وحتى لــو كان الحذف في الفواصل فهي ليســت علة وحيدة للمحذوف، ولكنها من ضمن العلل؛ لأنــه مــن الجائز أن يكون للحــذف علل وأغراض كثيــرة يدركهــا بعض النــاس وتغيب عــن أذهان البعض الآخر، وكما قيل: فإن النكات البلاغية لا تتزاحم، وهذا فضــل من الله- عز وجل- يمنحه لبعض عباده.

ومــن ثم كان هذا الباحــث حصيفًا دقيقا حين احتاط لنفســه في هــذا العنصر واســتطرد قائلا: "وربما كانت هناك أســباب أخرى للحذف ترتبط بالموقف اللغوي مثل حذف الفاعل للخوف منه، أو للخوف عليه، أو للتنزيه، أو للتعظيم...".


المصدر:

مجلة الأزهر ذو القعدة 1440 هـ يوليو 2019 م


يتبع إن شاء الله

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت إبريل 16, 2022 1:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
وإذ قد تحدثنا عن أسباب الحذف، ودوافعه- في المقال السابق- نعــرج على ذكر الأغراض العامة التي يرمي إليها البليغ حين يميل إلى الحذف.

أما الأســرار الخاصة فنتركها في موضعها؛ لأنه لا يمكن أن نحصر تلــك الأســرار الخاصة التــي تعتمد على ســياق الــكلام ومقاماته؛ إذ الحذف شــأنه شــأن غيره من أســاليب الكلام منبعه النفس الإنسانية، وأســرار النفس غائرة عميقة لا تتناهــى، ومن ثم فلا يمكن حصر هذه الأسرار الخاصة.

إنما من الممكن أن نبين فوائد الحذف العامة التي قد تنطبق علــى كثير من مواضع الحذف في القرآن الكريم، وفي غيره، فنقول وبالله التوفيق:

إن أغــراض الحذف العامــة «متنوعةومتعددة، وقــد يعزى الحذف في موضــع واحد إلى أكثر من غــرض، وجانب كبيــر مــن الأغراض أو المقاصد يتصــل بالمعنــى، ويؤثــر فيــه، وبعضهــا يتصل باللفــظ حيــث تقتضيهــا الصناعــة اللفظيــة من الشــعر والنثر، وهذه الأغــراض يمكن أن تحصر- على سبيل التقريب- فيما يلي:

1- التخفيــف: كثير مــن الأســباب الظاهرة للحذف يكمــن وراءها التخفيف غرضًا للحذف، فكثرة الاستعمال تجيء معها الرغبة في التخفيف بالحذف في الصيغ والتراكيب.

2- الإيجــاز والاختصــار فــي الــكلام: كثير مــن أنــواع الحذف فــي التراكيب تنتــج عن رغبة المتكلــم في الإيجاز والاختصار، ذلك أن الإيجاز فضلا عمــا فيه من تخفيف يكســب العبارة قوة، ويجنبهــا ثقل الاســتطالة وترهلها، وبســبب من هذا الترهل والضعف رأينا الحذف يكثر في جملة الصلة عند اســتطالتها، كما يلحظ إعراض النص القرآني عن ذكر التفصيلات في القصص القرآني التــي يمكن إدراكهــا عقًلا، أو التــي لا يتعلق بها غرض النص.

3- الاتســاع: وهو نــوع من الحــذف للإيجاز والاختصــار، لكنــه ينتــج عنه نــوع مــن المجاز بســبب نقل الكلمة من حكــم كان لها إلى حكم ليــس بحقيقة فيها، ومثــال ذلك حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كما في قوله تعالى:
{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]
وقــد ينتج التوســع عــن حذف بعــض حروف الجر فينصــب مجرورهــا لفظًا لوقوعـه مفعولًا به"، وهذا ما يهمنا هنا كما سيأتي.

وبعــد، فكانت هذه لمحة يســيرة مهّدنا بها لبحثنا هذا الذي لم أجد أحدًا- والله أعلم- اختص الحديث عن الحروف المحذوفة في القرآن ببحث مســتقل به، ومن ثــم فالمكتبة البلاغية في أشــد الحاجة إليه ليســد ثلمة واضحة في هذا المجال، وسنحاول أن نستلهم الأسرار البلاغية الإعجازية الكامنــة في حذف حروف المبانــي والمعاني في الذكر الحكيم.

فنقول وبالله التوفيق:
ليســت كل حروف المباني سواء في تعرضها للحذف «فأكثر الحــروف تعرضًا للحذف أحرف العلة، وحذفها من أواخر الكلمات يبدو أظهر في اللغة، وأكثر من حذفها في أوائلها أو حشوها.

فموقــع الحــرف مــن الكلمــة عامــل مهم في تعريضــه للحذف، وقد نبه ابن جني إلى أن أواخر الكلمات أكثر تعرضًا للسقوط، ويوافقه في ذلك اللغويــون المحدثون، والحذف مــن أول الكلمة يلي فــي كثرته الحذف من آخرهــا، والحذف من وسط الكلمة أقل من الحذف في طرفيها وأندر.

والحــذف الوارد في اللغة بالنســبة للحروف التــي هي أجزاء من الكلمــات يكاد يقتصر على حروف معينــة، وهذه الحروف المحذوفة مرتبة بحســب كثرة الحذف في اللغــة إلى:
١ــ حروف العلة
٢ــ حرف النون
٣ــ التاء".

»والحذف في غير هــذه الأنواع يبدو قليلًا في اللغة، وأظهــر مواضعه النداء؛ حيث يجوز حذف آخر المنادى فيما يســمى بالترخيــم، وفيما عدا الترخيم بالنسبة لغير الحروف التي ذكرناها يبدو الحذف قليلًا، ويقع بســبب كثرة الاستعمال، أو توالي الأمثال مثل: ظل ومس وأحس: إذا أُسندت لضمير رفع متحرك«.

وبمطالعــة حــروف المباني المحذوفــة حذفًا بلاغيــًّا جائــزًا فــي القــرآن الكريــم وجدتهــا لم تخــرج عما ســبق ذكره، من ثم ســنقوم بدراســة هذه الحروف المحذوفة حسب الترتيب السابق، فنقول وباالله التوفيق:

الإعجاز القرآني في حذف بعض حروف العلة

كثر حذف حروف العلة في الأسلوب العربي والقــرآن الكريــم كثرة فائقــة ســواء كان حذفا صرفيًــا واجبـًا، أو بلاغيًّا جائزًا، ومــا يهمنا هنا هــو الحذف البلاغــي الجائز، وأعنــي بالجائز- كمــا نوهنا قبلُ- أن الحــرف المحذوف لو ظهر في الكلمــة لا يُعَدُّ مَنْ نطقه قــد جانب الصواب بخــلاف الحذف الصرفي الواجــب فإن مَنْ أورده في كلامه يعــد مخطئًا، وقد ورد من هذا الحذف البلاغــي الجائــز في القرآن الكريــم حذف الواو والياء:

أولًا: حذف الواو:

وقــع حــذف الــواو حذفًا بلاغيًّا جائزًا فــي القــرآن الكريم فــي أربعــة أفعــال؛ ثلاثة في الفعــل المضارع (يَدْعُو)، والرابــع في المضارع (يَمْحُو)، وهذه المواضع هي:

١ ــ قوله تعالى: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11]
إذ أصلــه: (ويدعــو) بالــواو، حذفــت وليس هناك مقتضى نحوي للحذف كأن تكون مجزومة مثلما جاءت في قوله تعالى:
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117]
وهذا دليل على أن حذفها في آية الإسراء لعلة بلاغيــة، ولطيفة فنية، يقــول القرطبي: «حذفت الواو من:
{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ} فــي اللفظ والخط ولم تحذف في المعنى؛ لأن موضعها رفع فحذفت لاســتقبالها اللام الساكنة، كقولــه تعالــى: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}، {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ}، {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ}، {يُنَادِ الْمُنَادِ}، {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}".

وفي الحذف سر آخر غير ما قاله القرطبي؛ لأن حذف هذه الواو ليس من أجل أن وليها ساكن، بل قد تحذف ولو وليها متحرك مثلما حذفت مثيلتها الياء كما سيأتي.

وأرى- والله أعلم- أن حذف الواو مِنْ (يَدْعُو) فيه إشعار بعدم تريث الإنسان الموصوف في هذه الآية، وأنه يستعجل الشــر كما يستعجل الخير، وهذا منه أمر عجيب وغريب، فدل حذف الحرف على التعجب من فعله وتصرفه.

كمــا أن في حــذف الحرف التئامًــا واضحًا مع قوله: (عَجُــولا)، فإن من ينطــق الفعل بدون واو فهــو يتعجل في نطقــه، ولا يتريث فيه؛ لأن الواو تطيــل أمد النطق؛ لأنها حرف مد، فانظر إلى هذا التناغــم والالتحــام بيــن الحذف ونظــم الكلام، فمــا أروع وأبدع هذا القرآن إنــه تنزيل من حكيم حميد!

وقريب مما ذكرناه أشار إليه الزركشي بقوله:
"حــذف الــواو يدل علــى أن الشــر ســهل عليه، ويســارع فيه كمــا يعمل في الخير، وإتيان الشــر إليه من جهة ذاته أقرب إليه من الخير".

وَيَلْمَحُ البقاعي ســرًّا آخر بقوله: «قال تعالى: {وَيَدْعُ } حُذف واوه الذي هو لام الفعل مشــيرًا إلى أنه يدعو بالشــر لســفهه وقلــة عقله، وهو لا يريــد علو الشــر عليه بما أشــير إليــه بحذفِ ما معنــاه عند أهــل الله الرفعة والعلــو، وإلى أن غاية فعله الهلاك إلى أن يتداركه الله".

2- وقوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} [القمر: 6]
وفــي ذلك يقــول الزركشــي: «حذفــت الواو لسرعة الدعاء، وسرعة الإجابة".

ويــرى الإمــام البقاعــي أن فــي حــذف الواو: "إشــارة إلى كونها بأدنى دعاء، وأيضًا ففي حذفه تشبيه للخبر بالأمر إشارة إلى أن هذا الدعاء لا بد أن يكــون على أعظم وجه وأتقنه وأهوله وأمكنه، كما يكون كل مأمور من الأمر المطاع".

ويــرى أحــد الباحثيــن: « أن حذف الــواو من الفعل، والياء من الاسم لقصر المد الذي يقتضيه إحسان وصل الكلمة بالكلمة التي تتلوها إحسانًا في الأداء لا يتوفر مع وجود أصوات المد".

وهــذه كلها أســرار دقيقــة ومقبولــة تنم عنها حــذف الواو، ولا يصــح أن يعترض علينا معترض بــأن الواو هنا قــد حذفت لالتقاء الســاكنين كما أشــار القرطبــي فيما مضــى؛ لأنا نقــول إن هناك مواطــن حذفــت فيها الحــروف المتأخــرة وليس بعدها ساكن؛ مثل حذف حرف الياء من (يَسْرِي) والياء من (الدَّاع)، و (الْمُهْتَد) كما سيأتي.

وعليه فإن الحذف هنا يشير للطائف السابقة، وفيه أيضًا محافظة على التوازن الداخلي الإيقاعي بيــن كلمات الآيــة الواحــدة؛ لأن الإتيــان بالواو في(يَدْعُو) والياء فــي (الدَّاعِي) ولو كانا من بنية الكلمــة- يخل بالإيقــاع فيُىسْــتَغْنَى عنهما نظير المحافظة على ذلك، وجرب هذا بنفســك، وردد ألفــاظ الآية على لســانك مرة بالــواو والياء ومرة بدونهما تجد مصداق ما أقول لك، وهذا ســر قد ينطبق على أمثال هذه المحذوفات.


المصدر:
مجلة الأزهر- ذو الحجة 1440 هـ - أغسطس 2019 م

يتبع إن شاء الله

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد إبريل 17, 2022 11:57 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
[b]٣ ــ وفي قوله تعالى:
{سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 18]
يقــول ابن عاشـور: "وكتب {سَنَدْعُ} في المصحف بدون واو بعد العين مراعاة لحالة الوصل؛ لأنها ليسـت محل وقف ولا فاصلة".

ويشير الإمام الزركشي إلى سر حذف الواو بقوله: "فيه سـرعة الفعل، وإجابة الزبانية، وقوة البطش، وهو وعيد عظيم ذكر مبدؤه، وحذف آخره، ويدل عليه قوله تعالى:
{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50]

ويشـير البقاعـيُّ إلى سـرٍّ بلاغي آخرَ فيقول: «المعنى في ذلك- والله أعلم- أن لا يظن أنهم دُعوا لرفعةٍ لهم في ذواتهم يستعان بهم بسـببها؛ لأن معنى الـواو عند الربانيين العلو والرفعة؛ إشـارة إلى أنهم لا قوة لهم إلا بالقوي العزيز، أو يقال: إن الحذف دالٌّ على تشبيه الفعل بالأمر؛ ليدل على أن هذا الدعاء أمـر لا بـد من إيقـاع مضمونه، ومـن إجابة المدعويـن إلـى مادعـوا إليـه، وأن ذلك كله يكون على غاية الإحكام والاتسـاق بين خطه ومعناه والانتظام، لاسيما مع التأكيد بالسين الدَّالِّ علـى تحتم الاتحاد والتمكين، أو يكون المعنـى: إنـا ندعوهم بأيسـر دعاء وأسـهل أمـر؛ فيكـون منهم ما لا يطاق ولا يسـتطاع دفعه بوجه، فكيف لو أكدنا دعوتهم، وقوينا عَزْمتهم؟!".

وفي الحذف- كذلك- إيجاز واختصار مراعـاة لطـول العنصـر اللغوي فـي لفظة {الزَّبَانِيَةَ} فحذف الـواو حتى لا يثقل الكلام بالـواو الممدودة ليتم التعـادل الصوتي بين كلمات الآية، وهو ملحظ دقيق جدًّا والله أعلم.

٤ ــ وقوله تعالى:
{فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِه} [الشورى: 24]
حيـث حذفـت الـواو مـن «يمحـو»، ولا مقتضى إعرابي لحذفها؛ لأنها ليست معطوفة على المضارع المجزوم {يَخْتِمْ} قبلها، ولأن مـا بعدها-، وهـوالفعـل {وَيُحِقُّ } مرفوع معطوف عليها، فدلت الصناعة النحوية على أنها هنا وفيما مر كان الحذف لعلة بلاغية.

وفي ذلك يقول الإمام الزركشي- منوِّهًا- بحذفها ذاكرًا دليلَ الحذف وسـره البلاغي-" {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ}، حذفـت منـه الـواو؛ علامة على سـرعة الحق، وقبـول الباطل له بسرعة، بدليل قوله:
{إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]
وليس {وَيَمْحُ} معطوفًـا على {يَخْتِمْ} الـذي قبله؛ لأنه ظهر مـع{وَيَمْحُ} الفاعل، وعطف على الفعل ما بعده، وهو
{وَيُحِقُّ الْحَقَّ}
قلتُ: إن قيل: لِمَ رُسِم الواو في:
{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39]
وحذفت في:
{وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ}
قلـت؛ لأن الإثبـات الأصل، وإنمـا حذفت فـي الثانيـة لأن قبلـه مجـزوم، وإن لم يكن معطوفا عليـه؛ لأنه قد عطف عليه{وَيُحِقُّ} وليس مقيَّدًا بشرط، ولكن قد يجيء بصورة العطف على المجزوم، وهذا أقرب من عطف الجوار في النحو، والله أعلم".

ويقول ابن عاشـور: {وَيَمْحُ} مرفوع، وحقه ظهور الـواو في آخره، ولكنها حذفت تخفيفًـا في النطق، وتبـع حذفَها في النطق حذفُها في الرسـم؛ اعتبارًا بحال النطق، كما حذف واو:
{سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}
وواو:
{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ}".

وأرى- واللـه أعلـم- أن هنـاك أسـرارًا أخـرى للحـذف تضـاف إلى ما سـبق، منها أن الحذف متسـق اتسـاقًا واضحًا مع دلالة اللفظة المعجمية، فلما كان الفعل {وَيَمْحُ} منه يدل على المحـو والإبعاد والإزالـة أُزيل منه حرف الواو؛ تجانسًا وتشاكلًا مع تلك الدلالة، وهذا جليٌّ جدًّا لا يشك فيه شاكٌّ، وهو أوضح ما يكون فـي هذا الحذف بالـذات، فما أبدعَ هذا القرآن وأجلَّه وأحكمَه!.

وفي الحذف أيضًا إشارة إلى سرعة محو الله- عز وجل- الباطل إذا شاء ذلك، وكأنه لم يكن لــه وجود البتة، ومعلوم أن نطق اللفظ دون الواو- التي هي حرف مد واسـتطالة- يختصر زمن النطـق بها، وهذا يعكس- بلا شك- سرعة محو الباطل وإزهاقه.

وهذا ماقد يفهم من كلام الإمام البقاعيِّ بقولـه: «حذفـت واوه في الخـط في جميع المصاحـف مع أنه اسـتئناف غير داخل في الجواب؛ لأنه تعالى يمحو الباطل مطلقا إيماء إلى أنه سـبحانه يَمحَقُ رفعـه وعلوه وغلبته التـي دلـت عليها الـواو مطابقـة بين خطه ولفظه ومعناه؛ تأكيدا للبشـارة بمحوه محوًا لا يـدع لــه عينًا ولا أثـرًا لمن ثبتَ لصولته، وصبَر كما أُمـر لجولته؛ اعتمادا على صادق وعد الله؛ إيمانًا بالغيب وثقة بالرسـل عليهم الصلاة والسلام.

وفي الحذف أيضًا تشـبيه له بفعل الأمر؛ إيمـاء إلى أن إيقاع هذا المحـو أمر لا بد من كونـه على أتـم الوجـوه وأحكمهـا وأعلاها وأتقنهـا، كمـا يكـون المأمور به مـن الملك المطاع، وأما الحق فإنه ثابت شديد مضاعف؛ فلذا قال: {وَيُحِقُّ} أي:
يثبت على وجه لا يمكن زواله".

فللـه دَرُّ هـذا الإمـام الخطيـر، والعالـم الجِهْبِذ القدير، على استخراج هاتيك الأسرار من حذف حرف واحد مـن بنية الكلمة! وقد كثر حديث الإمام البقاعي عن أسـرار حذف حـروف المبانـي في سـفره الجليـل «نظم الدرر» كما سيلقانا كثيرًا فيما سيأتي.


المصدر:
مجلة الأزهر المحرم ١٤٤١ هـ - سبتمبر ٢٠١٩ م
[/b]

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 18, 2022 1:24 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
حذف الياء:
والمقصود من الياء المحذوفة هنا الياء الحرفية الواقعة في آخر الكلمة في الأفعال والأسماء على السواء مثل ياء (يسـري والداعي والمهتدي) إلـخ، ومن ثم فلا يدخل في موضوعنا حذف الياء في (تبشرون، وأخرتنِ، ودعـانِ، ويا عباد)، وغيـر ذلك كثير؛ لأنها يـاء المتكلم الاسمية، وحديثنا هنا عن حذف الياء التي هي حرف من بنية الكلمة، وإن كانت الأسرار البلاغية المذكورة في حذف الياء الحرفية تتشابه مع حذف الياء الاسمية إلى حد كبير.

وبتأمـل المواضع التي حذفـت منها هذه اليـاء الحرفيـة رأينا أن هذا الحـذف الجائز قد وقع في الأسـماء المنقوصة المحلاة بأل، والمضافة، كما وقع كذلك في الأفعال.

القسم الأول- حذف الياء في الأسماء المنقوصة المحلاة بأل والمضافة:
وقبل الشـروع في بيان الأسرار الإعجازية والخصائـص الفنيـة فـي حـذف اليـاء في المواضـع التاليـة أود أن أنبـه على خط عام تخضـع له أسـرار حـذف الياء فـي الأفعال والأسـماء فـي القـرآن الكريم أشـار إليه د/ فاضل السـامرائي بقولـه: «ويمكن أن نذكر هنا أصلًا عامًّا في ذكر الياء وحذفها، وهو أن الاجتزاء بالكسـرة عن اليـاء يختلف عن ذكر اليـاء في كل مـا ورد في القـرآن الكريم عدا خواتـم الآي والنـداء، ولها فـي ذلك خط عام إضافة إلى السـياق الخاص؛ ففي كل موطن ذكرت اليـاء فيه يكـون المقام مقـام إطالة وتفصيل في الكلام، بخلاف الاجتزاء بالكسرة فإن فيه اجتزاء في الكلام هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى: إن الياء تتردد مُظْهرةً فـي المواطن التي تذكر فيهـا الياء أكثر من المــواطـن التي يجتزأ بالكسـرة عنها، وقد تتـردد الكلمـــة ذات اليـاء المُظْهـرة فـي السـورة أكثـر مـن تـردد الكلمـة ذات الياء المجتـزأة في موطنها، هـذا عــلاوة علــى السـياق الخـــاص الـذي يقتضـي الذكر، والحذف..."

هذا، وقدجاء حذف الياء في كلمات كثيرة، وبعض تلـك الكلمات تحذف منهـا الياء في القرآن الكريم مرة واحـدة، وبعضها تحذف منها الياء فـي مواضع، وتثبـت في مواضع أخرى، ونشـرع الآن في ذكـر المواضع التي حذفت منها الياء.

1- قـال تعالـى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9]
فالمتعـال أصلها المتعالي، ولا مقتضى صرفي لحذف اليـاء كما حذفـت من المنقـوص النكرة في حالتي الرفع والجر مثل (قاض وداع)، فكان هذا دليلًا على أن الحذف هنا لعلة بلاغية.

وفـي ذلك يقول النحـاس: «حذفت الياء؛ لأنه رأس آيـة". وهذا صحيح وبخاصة أن حرف اللام يعد من أكثر الحروف التي بنيت عليها فواصل تلك السورة الكريمة، فقد ورد وحده سبع مرات.

وهذا مـا ذهب إليه ابن عاشـور أيضًا بقولـه: «وحـذف اليـاء مـن {الْمُتَعَالِ} لمراعـاة الفواصـل السـاكنة؛ لأن الأفصح فـي المنقوص غير المنـون إثبات الياء في الوقـف إلا إذا وقعـت فـي القافيـة، أو في الفواصـل كما في هذه الآيـة لمراعاة {مِنْ وَالٍ}، {وَالْآصَالِ}، وقد ذكر سـيبويه أن ما يختار إثباته من الياءات والواوات يحذف فـي الفواصـل والقوافي، والإثبـات أقيس، والحذف عربي كثير".

وهذه العلة المذكـورة علة لفظية مقبولة ومعقولة، ولكنها ليسـت علة وحيدة للحذف بـل هناك علـل معنوية أخرى منهـا: أن في الحذف انسـجامًا تامًّا مع قوله في أول الآية {عَالِمُ الْغَيْبِ} أي مـا خفـي مـن الأمـور وبطـن، فأخفـى الياء مـن آخر اللفظـة ليتم الموافقة بين المبدأ والنهاية، والله أعلم.


2- وقال تعالى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } [طه: 12] وأصله (بالوادي) فحذفت الياء.

يقول ابن عاشور مشيرًا للسر البلاغي: "الـواد: المفرج بين الجبـال والتلال، وأصله بيـاء في آخـره، وكثر تخفيفه بحـذف الياء كما في هذه الآية، فإذا ثُنِّيَ لزمته الياء يقال: واديان ولا يقال وادان".

وحـذف الياء للتخفيف سـر عام ينطبق علـى جميع أنـواع حذف الحـرف كما نوهنا قبلُ، وهـذا لا ينقع غلة البلاغـي الباحث عن الأسرار الخاصة وراء حذف الحرف.

ومـن ثم فإني أرى - واللـه أعلم - أن في الحـذف دلالة علـى عدم امتداد تلـك البقعة المقدسـة لتشـمل أرجاء الوادي كله بل هي محصورة في المكان الذي آنس فيه موسـى- عليه السلام- الشـجرة، والذي كلمـه فيه الله بكلام لا يُعرف كنهـه، وهي المنطقـة التي يصح أن توصـف بالتقديس والتطهيـر كما صرحت بذلك الآية الكريمة، وكأن طي الياء أشار إلى اختصار هذا المـكان واقتصاره على منطقة بعينها، والله أعلم.

ويندرج فيما قلناه نظير تلك الآية في قوله تعالى: {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } [النازعات: 16]

3- وقـال تعالـى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ } [النمل: 18]
حيـث حذفت اليـاء مـن «واد» المضافة، ولا مقتضـى صرفـي ونحـوي لحذفها فدل ذلك علـى أن الحذف لعلة بلاغيـة أومأ إليها الزركشـي بقوله: «هو موضع لابتداء سـماع الخطاب من أخفض الخلق، وهي النملة- إلى أعلاهـم- وهو الهدهـد، والطير، ومن ظاهر الناس، وباطـن الجن إلى قول العفريت، إلى قول الذي عنده علم من الكتاب، على ما وراء ذلك من هداية الكتاب، علــى مقام الإسـلام لله رب العالمين".

وأرى أن فـي الحـذف أيضـًا دلالـة على صغـر حجم هـذه المملكة، وخفـاء أمر تلك النمال علــى سـليمان وجنـوده بادئ الأمر حتى سـمع- عليه السلام- زعيمتهم تحذرهم، فعكس الحـذف هنـا صغـر الحجـم، وخفـاء الأمر واستتاره.

وقـد يكون فـي الحذف أيضـا دلالة على أن الـوادي غير مقصود في حـد ذاته، وإنما القصد إلى ذكـر النمل وبيـان الحكمة التي ألقتهـا مَلِكَتُهُمْ فطوى الـكلام بحذف حرف المد طيًّا للوصول إلى المقصود بسرعة والله أعلم.

4- وقال تعالى: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر: 9]
وقد دلـت الصناعة النحويـة على حذف الياء هنا، لأنه لا مسوغ لحذفها حذفًا قياسيًّـا واجبًا كما قدمنـا، والقول بـأن الحذف هنا للتخفيف فحسـب كما ذهب ابن عاشور قبلُ لا يكفي.

كما أن القول بأن الحذف مراعاة للفاصلة قبلها وبعدهـا- وإن كان صحيحًا- لا يكفي أيضا؛ لأنها لم ترد إلا فاصلة في سورة الفجر فحسـب، إذن لا بـد أن يكـون هناك أسـرار أخرى منها- والله أعلم- الإشـارة إلى أن هذا الوادي الذي يقطعون منه هذه الصخور كان مقصـورًا عليهـم، ومنحصرًا فيهـم لا يوجد مثيـل له فـي غيره مـن الوديـان القريبة أو البعيـدة منهم، وأن هـذا كان عطاء من ربهم لهـم، ولكنهـم قابلـوه بالجحـود والنكران، وإخفاء هذه النعم.

كما أن الحـذف يتفق اتفاقـًا واضحًا مع قولـه: {جَابُوا} فـإن معنـاه أنهـم قطعـوا صخـور الجبـال، ونحــتـوا منهـا البيوت، وحـــذف الياء مـن {الـوَادِ} نَحْـتٌ وقطع لحرف مـن الكلمة، فأومأ هـذا إلى ذاك لكي يتم التشاكل، وهذه لطيفة دقيقة وخصيصة عجيبة مـن خصائص حذف حروف المباني سـتلقانا ً كثيـرا، وهـي مـن دلائـل الإعجاز اللامتناهية، والله أعلم.

5- وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]
ويلاحـظ أن في الآية حذفيـن الأول: في المنقـوص {الدَّاعِ} إذ أصله الداعي فَحُذِف حـرف من بنيـة الكلمـة وهو لامهـا، والذي دل علـى حذفهـا ورودهـا فـــي قــولـه تعالـى: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه: 108]، والثاني: في الفعل {دَعَانِ} إذ أصله «دعاني» بياء المتكلم فحذفت أيضًا دون مقتضـى نحـوي، فـدل ذلـك علـى أن الحذف هنا لعلة بلاغية.

وفي الحذف دلالة- والله أعلم- على سرعة استجابة المولى- سـبحانه- دعوة الداعين، وبخاصـة الصائمون الذيـن وردت الآية في سـياق الحديث عنهم، فأبواب السماء مفتحة لا تغلـق دونهم، وفي ذلـك مكافأة لهم، ومن ثم لـم يُكْتَفَ بحذف حرف واحـد بل حُذِفَ حرفـان؛ مبالغة في سـرعة الإجابـة، وبيان شدة اقتراب الصائمين من ربهم سبحانه؛ إذ بمجرد الدعاء تكون الإجابة.

وإلى ذلك أشـار الإمام الزركشـي بقوله: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} حذفت تنبيهًا علـى المخلـص لله الـذي قلبـه ونهايته في دعائه في الملكوت والآخرة".

وقد يلمح ذلك أيضًا من قول ابن عاشور: "وفـــي هـــذه الآية إيماء إلـى أن الصائم مرجـو الإجابة، وإلـى أن شـهــر رمضان مرجـوة دعواته، وإلى مشـروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان".

وقد أشـار البقاعي إلى سـر آخر طريف بقوله: « وفي قراءةالاكتفاء بكسرة {الدَّاعِ} و{دَعَانِ} عـن ياءيهمـا، وقـراءة تمكينهما توسعة القراءة بما تيسـر على قبائل العرب بحسـب ما في ألسـنة بعضها من التمكين، وما في ألسنة بعضها من الحذف".

وهـذا- إذا صـح- ينطبـق علـى جميع الكلمـات التي حذفت منها الـواو والياء فإن حذفهمـا يحدث خفة على اللسـان يتفق مع سلاسة النطق عند هذه القبائل التي لا تنطق إلا بالخفة كمايقول البقاعي، وفي هذاتيسير واضح، والله أعلم.

6- وقال تعالـى: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر: 5]
حيـث حذفـت الياء مـن «تغنـي»، ودل على حذفها هنـا ذكرها في قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] وقد انسجم الحذف مـع دلالة (تغني) فلما نفى اسـتغناءهم عن إنذار الرسـل اسْـتُغْنِيَ عن هذا الحرف إيماء إلى ذلك، والله أعلم.

ولم يحذف في نظير هذه الآية في سـورة يونـس- كما مر- لأن النظم في آية سـورة القمر قائـم على السـرعة، واللمحـة الدالة، وقصـر اللفظـــة والعبارة؛ عـلاوة على أن سـياق الآية يدور حول تصوير يوم القيامة، وما فيه من أهوال وفظائع تجعل المرء عاجزًا عن التعبير من هول ما يرى، ويشاهد.

ومـن ثم لا حظنـا أن حذف الـواو والياء قد كثر في هذه السـورة كمـا هنا، وكما في تعالـى قولـه: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ } [القمر: 6]، وقوله تعالى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر: 8]، ليتناسب مع هذا السياق المرعب الرهيب، وهذا يؤكد ما قلناه، والله أعلم.

كما أن حذف الـواو من {يَدْعُ}، والياء مـن {الدَّاعِ} يتفـق تمامًا مع دلالـة ألفاظ الآيـة، انظرإلى لفظة {فَتَوَلَّ} وما فيها من إعـراض وابتعاد عنهم، وما حذف الحرف إلا إعراض وابتعاد عن ذكره.

وتأملْ لما كان الداعي- وهو إسـرافيل- يدعو الكفار إلى شـيء منكـر فظيع تكرهه نفوسـهم وتنكره؛ لشـدته وهولـه، وهو يوم الحشـر ومـا فيـه مـن الأهـوال والفظائع؛ تناكرت ألفاظ الآية، وحذف منها ما لم يجبْ أن يحذف.

كمـا يلاحظ أن المحذوف فـي هذه الآية- لغير علة صرفيـة أو نحوية- حرفان الواو واليـاء، وحذفهما جـاء متعـادلًا مع ضمتي {نُكُرٍ} فإن الضمتين لما كانتا ثقيلتين على هـذا اللفظ، وهـو من الصفـات القليلة النـادرة في العربية مثل: (أُنُف، وأُجُد) قوبل هـذا الثقل بحـذف حرفـي العلـة؛ تخفيفًا، وتعـادلًا، وتشـاكلًا، وجرب أن تنطـق الواو والياء، ثم قارن بين الأسـلوبين عندئذ ستجد البون شاسعًا والفرق ساطعًا، وستعلم أن ما جاء عليه الذكر الحكيم هو الأليق والأنسب لا معدل عنه، والله أعلم.

ثـم تأمل حـذف الياء فـي قولـه تعالى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر: 8] تجـده متلائمـًا مع لفظة {مُهْطِعِينَ} بمعنـى مسـرعين مذعوريـن ماديـن أعناقهم لا يلتفتون لشـيء، وتلائمها كذلـك مـع لفظـة {عَسِرٌ} وهـذا كلـه من خصائص حذف الحرف، ومن سمات إعجاز الذكر الحكيم، وعجائبه التي لا تتناهى.

المصدر:
مجلة الأزهر- صفــر ١٤٤١ هـ - أكتــوبر ٢٠١٩ م

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 18, 2022 1:57 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2916
تسجيل متابعه

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 11 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 5 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط