موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 271 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 12, 13, 14, 15, 16, 17, 18, 19  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يونيو 17, 2023 4:05 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٠٤ -البقرة
حسنُ الخطاب من تمام الآداب، وتمام الآداب هو السبب الموصل إلى عين الصواب، فمن لا أدب له لا تربية له، ومن لا تربية له لا سَيْر له، ومن لا سير له لا وصول له، فمن لا يتربى على أيدي الرجال لا يُربى الرجال، وقد قالوا: من أساء الأدب مع الأحباب طُرد إلى الباب، ومن أساء الأدب في الباب طرد إلى سياسة الدواب. وقالوا أيضاً: اجعل عملك ملحاً، وأدبك دقيقاً. وقال آخر: إن الإنسان ليبلغ بالخلق وحسن الأدب إلى عظيم الدرجات وهو قليل العمل، ومن حرم الأدب حُرم الخيرَ كله، ومن أُعطي الأدب فقد مُكن من مفاتيح القلوب.
قال أبو عثمان رضي الله عنه: الأدب عند الأكابر وفي مجالس السادات من الأولياء يبلغ بصاحبه إلى الدرجات العلا والخير في الدنيا والعقبى. وقال أبو حفص الحداد رضي الله عنه: التصوّف كله آدب، لكل وقت أدب، ولكل حال أدب، ولكل مقام أدب، فمن لازم الأدب بلغ مبلغ الرجال، ومن حرم الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب، مردود من حيث يرجوا الوصول. وقال ذو النون المصري رضي الله عنه: (إذا خرج المريد عن استعمال الأدب فإنه يرجع من حيث جاء). وقيل: من لم يتأدب لوقت فوقته مقت. وقيل: من حَبَسه النسب أطلقه الادب، ومن قل أدبه كثر شغبه. وقيل: الأدب سند الفقراء، وزينة الأغنياء. هـ. وبالله التوفيق.
مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ١٠٥البقرة

في الآية تنبيهان: أحدهما: أن من كان يحسد أهل الخصوصية وينكر عليهم، فيه نزعة يهودية، وخصلة من خصال المشركين، والثاني: أن حسد أهل الخصوصية والإنكار عليهم أمر شائع وسنة ماضية، فليوطن المريد نفسه على ذلك: وليعلم انه ما يقال له إلا ما قيل لمن قبله، { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } [الأحزَاب: 62]، وما من نعمة إلا وعليها حسود.
وقال حاتم الطائي:
ومِنْ حَسَدٍ يَجُورُ عَلَيَّ قَومي وأيُّ الدهر ذُو لَمْ يَحْسُدُوني

وبالله التوفيق.
---
البحر المديد لإبن عجيبة الحسيني

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يونيو 20, 2023 11:07 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ١٠٥ -البقرة
الإشارة: في الآية تنبيهان: أحدهما: أن من كان يحسد أهل الخصوصية وينكر عليهم، فيه نزعة يهودية، وخصلة من خصال المشركين، والثاني: أن حسد أهل الخصوصية والإنكار عليهم أمر شائع وسنة ماضية، فليوطن المريد نفسه على ذلك: وليعلم انه ما يقال له إلا ما قيل لمن قبله، { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } [الأحزَاب: 62]، وما من نعمة إلا وعليها حسود.
وقال حاتم الطائي:
ومِنْ حَسَدٍ يَجُورُ عَلَيَّ قَومي وأيُّ الدهر ذُو لَمْ يَحْسُدُوني

وبالله التوفيق.

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 22, 2023 9:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١٠٦
قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} [الآية: 106]. ما نقلتك من حالة إلا أوصلناك إلى مقام أشرف منها وأعلى إلى أن تنتهى بك الأحوال إلى محل الندامى والخطاب من غير واسطةٍ بقوله { { دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } } [النجم: 8-10]."السلمي"
،،،،،
النسخُ الإزالة أي ما ينقلك من حال إلى ما هي فوقها وأعلى منها، فغُصنُ وَصْلِك أبداً ناضر، ونجمُ عِزِّكَ أبداً ظاهر، فلا ننسخُ من آثار العبادةِ شيئاً إلا وأبدلنا عنه أشياء من أنوار العبودية، ولا نسخنا من أنوار العبودية أشياء إلا أقمنا مكانها أشياء من أقمار العبودةِ.
فأبداً سِرُّك في الترقي، وقدرك في الزيادة بحسن التَوَلِّي.
وقيل ما رقَّاكَ عن محل العبودية إلا سَلكَكَ بساحات الحرية، وما رَفَعَ شيئاً من صفات البشرية إلا أقامك بشاهدٍ من شواهد الألوهية."القشيري"
،،،،،
قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه في تفسيرها: ما نذهب من بدل إلا ونأت بخير منه أو مثله. هـ. ومعناه: ما نذهب بولي إلا ونأت بخير منه أو مثله إلى يوم القيامة، وبهذا يُرَدّ على مَن زعم أن شيخ التربية انقطع؛ فإن قدرة الله عامة، وملك الله قائم، والأرض لا تخلو ممن يقوم بالحجة حتى يأتي أمر الله.
قال في لطائف المنن: وقد سئل بعض العارفين عن أولياء المدد: أينقُضون في زمن؟ فقال: لو نقص منهم واحد ما أرسلت السماء قطرها، ولا أبرزت الأرض نباتها، وفساد الوقت لا يكون بذهاب أعدادهم، ولا بنقص إمدادهم، ولكن إذا فسد الوقت كان مراد الله وقوع اختفائهم مع وجود بقائهم، ثم قال: وقد قال عليّ - كرّم الله وجهه - في مخاطبته لكميل: اللهم لا تخلو الأرض من قائم لك بحجتك، أولئك الأقلون عدداً، الأعظمون عند الله قدراً، قلوبهم معلقة بالمحل الأعلى. أولئك خلفاء الله في بلاده وعباده، واشوقاه إلى رؤيتهم.
وروى الترمذي الحكيم عن ابن عمر رضي الله عنه يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمتي كالمَطَرِ لا يُدْرَى أَولهُ خيرٌ أم آخِرُه" . وبالله التوفيق.
"ابن عجيبة الحسيني"

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 11, 2023 6:13 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ١٠٧
سُنَّتُه - سبحانه - أن يجذب أولياءه عن شهود مُلْكِه إلى رؤية مِلْكِه، ثم يأخذهم من مُطالعةِ مِلْكه إلى شهود حقِّه، فيأخذهم من رؤية آياته إلى رؤية صفاته، ومن رؤية صفاته إلى شهود ذاته."لطائف الإشارات للقشيري"
---
ويحدثنا العلماء أن العسَسَ وهم الجنود الذين يسيرون ليلاً لتفقد أحوال الناس وجدوا شخصاً يسير ليلاً.. فلما تقدموا منه جرى فجروا وراءه إلى أن وصل إلى مكان خرب ليستتر فيه.. تقدم العسس وأمسكوا به وإذا بهم يجدون جثة قتيل في المكان.. فقالوا له أنت القاتل لأنك جريت حين رأيتنا ولأنك موجود الآن في المكان الذي فيه جثة القتيل.فأخذوه ليحاكموه فقال لهم أمهلوني لأصلي ركعتين لله.. فأمهلوه فصلى ثم رفع يديه إلى السماء وقال اللهم إنك تعلم أنه لا شاهد على براءتي إلا أنت.. وأنت أمرتنا ألا نكتم الشهادة فأسألك ذلك في نفسك.. فبينما هم كذلك إذا أقبل رجل فقال.. أنا قاتل هذا القتيل وأنا أقر بجريمتي.. فتعجب الناس وقالوا لماذا تقر بجريمتك ولم يرك أحد ولم يتهمك أحد.. فقال لهم والله ما أقررت إنما جاء هاتف فأجرى لساني بما قلت.. فلما أقر القاتل بما فعل وقام ولي المقتول وهو أبوه فقال.. اللهم إني أشهدك إني قد أعفيت قاتل ابني من دينه وقصاصه. انظر إلى طلاقة قدرة الحق سبحانه وتعالى.. القاتل أراد أن يختفي ولكن انظر إلى دقة السؤال من السائل أو المتهم البريء.. وقد صلى ركعتين لله.. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا أنه إذا حزبنا أمر قمنا إلى الصلاة فليس أمامنا إلا هذا الباب.. وبعد أن صلى سأل الله أنت أمرتنا ألا نكتم الشهادة ولا يشهد ببراءتي أحد إلا أنت فأسألك ذلك في نفسك وبعد ذلك كان ما كان. وهذه القصة تدلنا على أننا في قبضة الله.. أردنا أو لم نرد.. بأسباب أو بغير أسباب.. لماذا؟.. لأن الله له ملك السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير.. وقوله تعالى: { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [البقرة: 107].. الولي هو من يواليك ويحبك.. والنصير هو الذي عنده القدرة على أن ينصرك وقد يكون النصير غير الولي.. الحق تبارك وتعالى يقول أنا لكم وليٌّ ونصير أي محب وأنصركم على من يعاديكم."خواطر الشيخ الشعراوي"

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يوليو 12, 2023 9:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ١٠٨
إنَّ بني إسرائيل آذَوْا موسى عليه السلام، فنُهِيَ المسلمون عن فِعْل ما أسلفوه، وأُمِروا بمراعاة أن حشمة الرسول صلى الله عليه وسلم بغاية ما يتسع في الإمكان. فكانوا بحضرته كأنَّ على رؤوسهم الطير. قال تعالى:{ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } [الفتح: 9] وحسنُ الأدب - في الظاهر - عنوانُ حسن الأدب مع الله في الباطن.
"القشيري"
وسئل ابن سيرين اى الادب اقرب الى الله فقال معرفة ربوبيته والعمل بطاعته والحمد على السراء والصبر على الضراء
فكثير من العوام لا يقرون الولي حتى يروا له آية أو كرامة، مع أن الولي كلما رسخت قدمه في المعرفة قلَّ ظهور الكرامة على يديه لأن الكرامة إنما هي معونة وتأييد وزيادة إيقان. والجبل الراسي لا يحتاج إلى عماد. والحق هو ما قاله الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: وإنهما كرامتان جامعتان محيطتان: كرامة الإيمان بمزيد الإيقان على نعت الشهود والعيان، وكرامة العمل على السنة والمتابعة، ومجانبة الدعاوى والمخادعة، فمن أُعْطِيَهُمَا ثم اشتاق إلى غيرهما فهو مفتر كذاب، أو ذو خطأ في العلم والفهم، كمن أكرم بشهود الملك على نعت الرضى والكرامة، ثم جعل يشتاق إلى سياسة الدوام وخِلَعِ الرضا أو كما قال رضي الله عنه. وقال شيخنا رضي الله عنه: الكرامة الحقيقية هي الأخلاق النبوية والعلوم اللدنية. فمن أنكر أولياء أهل زمانه وطلب منهم الدليل غير ما تقدم فقد ضلّ سواء السبيل، وبقي مربوطاً في سجن البرهان والدليل. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق."البحر المديد لإبن عجيبة الحسيني"

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يوليو 15, 2023 6:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
مَنْ لَحِقَهُ خسران الفهم من أصحاب الغفلة ودَّ أَلاّ يطلع لأحدٍ بالسلامة نجمٌ، ومَنْ اعتراه الحسد أراد ألا تنبسط على محسوده شمسٌ.

وكذلك كانت صفات الكفار، فأرغم اللهُ أَنْفَهُم، وكبَّهم على وجوههم.

والإشارة من هذا إلى حال أصحاب الإرادة في البداية إذا رغبوا في السلوك، فمن لم يساعده التوفيق (في الصحبة، وعاشر أناساً مترسِّمين بالظواهر) فإنهم يمنعون هؤلاء من السلوك ولا يزالون يخاطبونهم بلسان النصح، والتخويف بالعجز والتهديد بالفقر حتى ينقلوهم إلى سبيل الغفلة، ويقطعوا عليهم طريق الإرادة، أولئك أعداء الله حقاً، أدركهم مقت الوقت. وعقوبتهم حرمانهم من أن يشموا شيئاً من روائح الصدق.

{ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ } فسبيل المريد أن يحفظ عن الأغيار سِرَّه، ويستعمل مع كل أحدٍ ضلة، ويبذل في الطلب رفعة، فعن قريب يفتح الحق عليه طريقه."القشيري"
،،،،
الإشارة: من جملة مَا دَبَّ إلى بعض الطوائف المتجمدين على تقليد أشياخهم: التعصب والحمية على طريق أشياخهم، ولو ظهر الحق عند غيرهم، وخصوصاً أولاد الصالحين منهم، فإذا رأوا أحداً ظهرت عليه أنوار الولاية، وأسرار الخصوصية، تمنَّوْا أن يردوهم عن طريق الحق، ويصرفوهم إلى مخالطة الخلق، حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق، فيقال لمن توجه إلى الحق: فاعفوا واصفحوا حتى يظهر الحق، ولا تلتفتوا إلى تشغيبهم، ولا تشتغلوا قط بعيبهم فتكونوا أقبح منهم. قال بعض العارفين: لا تشتغل قط بمن يؤذيك واشتغل بالله يرده عنك، وقد غلط في هذا الأمر خلق كثير، اشتغلوا بمن يؤذيهم فطال الأذى مع الإثم. ولو أنهم رجعوا إلى مولاهم لكفاهم أمرهم. بل ينبغي لمن يُحْسَدُ أو يُؤْذَى أن يغيب عن الحاسد وكيده، ويشتغل بما هو مكلف به من حقوق العبودية وشهود عظمة الربوبية، فإن الله لا يضيع من التجأ إليه، ولا يخيب مقصود من اعتمد عليه. وبالله التوفيق."البحر المديد لإبن عجيبة الحسيني"


_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 18, 2023 8:07 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ*وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة:١١٥
الواجب على المريد إقامة المواصلات، وإدامة التوسل بفنون القُربات، واثقاً بأن ما يقدمه من صدق المجاهدات تُدرك ثمرته في أواخر الحالات.كلُّ حِزْبٍ يُمَهِّد الأملَ لنفسه، ويظنُّ النجاة لحاله، ويدعي الوسل من سهمه. ولكنّ مجرد الحسبان دون تحقق البرهان لا يأتي بحاصل، ولا يجوز بطائل.أسلم وجهه أي أخلص لله قصده، وأفرد لله وجهه، وطهَّر عن الشوائب عقله. { وَهُوَ مُحْسِنٌ }. عالِمٌ بحقيقة ما يفعله وحقيقة ما يستعمله، وهو محسن في المآل كما أنه مسلم في الحال.

ويقال: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه " فتكون مستسلماً بظاهرك، مشاهداً بسرائرك، في الظاهر جهد وسجود وفي الباطن كشف ووجود.

ويقال: { أَسْلَمَ وَجْهَهُ } بالتزام الطاعات، { وَهُوَ مُحْسِنٌ } قائمٌ بآداب الخدمة بحسن آداب الحضور، فهؤلاء ليس عليهم خوف الهجر، ولا يلحقهم خفيُّ المكر، فلا الدنيا تشغلهم عن المشاهدة ولا الآخرة تشغلهم غداً عن الرؤية.لا زالت الصوفية بخبرٍ ما تنافروا، ولا يَقْبَلُ بعضهم بعضاً لأنه لو قَبِل بعضُهم بعضاً بقي بعضُهم مع بعض.

لكنّ الأعداء كلهم على الباطل: عند تَبَرِّي بعضهم من بعض أمَّا الأولياء فكُلُّهم على الحق - وهذه ما ذكرنا من حكم العكس.
الظالم مَنْ خَرَّبَ أوطان العبادة بالشهوات، وأوطان العبادة نفوس العابدين. وخَرّبَ أوطان المعرفة بالمُنى والعلاقات، وأوطان المعرفة قلوب العارفين. وخَرَّب أوطان المحبة بالحظوظ والمُسَاكنات، وهي أرواح الواجدين. وخرَّب أوطان المشاهدات بالالتفات إلى القربات وهي أسرار الموحدين.

قوله جلّ ذكره: { لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.

لأهل الإشارة خزي الدنيا بذل الحجاب، وعذاب الآخرة الامتناع بالدرجات.
الإشارة منها إلى مشارق القلوب ومغاربها. وللقلوب شوارق وطوارق. وطوارقها هواجس النفوس تطرق في ظلمات المنى والشهوات.

وشوارقها نجوم العلوم وأقمار الحضور وشموس المعارف.

فما دامت الشوارق طالعة فَقِبلْةُ القلوب، واضحة ظاهرة، فإذا استولت الحقائق خَفَى سلطانُ الشوارق، كالنجوم تستتر عند طلوع الشمس، كذلك عند ظهور الحق يحصل اصطلام وقهر، فلا شهود رسم، ولا بقاء حِسِّ وفَهْم، ولا سلطان عقل وعلم، ولا ضياء عرفان. فإن وجدان هذه الجملة صفات لائقة ببقاء البشرية، وإذا صار الموصوف محواً فأنَّى لهم ببقاء الصفة.

قال تعالى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ } ما دام يبقى من الإحساس والتمييز بقية - ولو شظية - فالقِبْلة مقصودة، فإن لم تكن معلومة تكون مطلوبة. وعلى لسان العلم إذا اشتبهت الدلائلُ بكلِّ وِجْهَةٍ، ولا معرفةَ بالقِبْلة تَسَاوَتْ الجهاتُ في جواز الصلاة إلى كل واحدٍ منها إذا لم يكن للنية ترجيح.

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 20, 2023 10:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ١١٦البقرة
قوله جلّ ذكره: { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ }.

مَكَرَ بهم لم يُفْنِهم - من الإفناء - في الحال، بل جعل موجب اغترارهم طول الإمهال، فنطقوا بعظيم الفِرْية على الله، واستنبطوا عجيب المِرْية في وصف الله، فوصفوه بالولد! وأنَّى بالولد وهو أحدي الذات؟! لا حدَّ لذاتِه، ولا تجوز الشهوة في صفاته.

قوله جلّ ذكره: { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }.

أي ليس في الكون شيء من الآثار المفتقرة أو الأعيان المستقلة إلا وتنادي عليه آثار الحِلْقَة، وتفصح منه شواهد الفطرة، وكل صامتِ منها ناطق، وعلى وحدانيته - سبحانه - دليلٌ وشاهد."القشيري"
،،،،
الإشارة: اعلم أنك إذا نظرت بعين البصيرة، أو بحق البصيرة، إلى الوجود بأسره، وجدته ذاتاً واحدة، ونسبته من الحق نسبة واحدة، أنوار ظاهرة، وأسرار باطنة، حكمته ظاهرة، وقدرته باطنة حسن ظاهر، ومعنى باطن، عبودية ظاهرية، وأسرار معاني الربوبية باطنة إذا لا قيام للعبودية إلا بأسرار معاني الربوبية، قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ } [فَاطِر: 41]، وقال تعالى:{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [النُّور: 35]، وقال في الحكم: " الأكوان ظاهرها غرة وباطنها عبرة، فالنفس تنظر إلى ظاهر بهجتها، والقلب ينظر إلى باطن عبرتها ". فأهل الفَرْقِ يثبتون الأشياء مستقلة مع الله، وربما تغالى بعضهم فأشركها معه في الألوهية، فتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. قال محيي الدين الحاتمي: من رأى الخلق لا فعلَ لهم فقد فاز، ومن رآهم لا حياة لهم فقد جاز، ومن رآهم بعين العدم فقد وصل. هـ. قلت: ومن أثبتهم بالله فقد تمكن وصاله، وأنشدوا:
مَن أبصرَ الخلقَ كالسرابِ فقَد تَرقَّى عن الحجابِ إلى وُجودٍ تراهُ رتقا بِلاَ ابتعادٍ ولا اقْتِرابِ ولم تُشَاهِدْ به سواهُ هناك تهدي إلى الصوابِ فَلا خِطابَ بِه إليهِ وَلا مُشِيرَ إلى الخطابِ
هـ. ولما قال رافع بن حريملة - من أحبار يهود - للرسول صلى الله عليه وسلم: أسمعنا كلام الله إن كنت رسوله، أو أرنا آية تصدقك.
"البحر المديد لإبن عجيبة الحسيني"

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أغسطس 05, 2023 10:32 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ١١٧
قال بعض البغداديين: كُلُّ صُنع صَنَعَهُ ولا علَّةَ لصنعهِ ليس لكانِهِ كانٌ، لأنه قبل الكون والكان وأوجد الأكوان بقوله كن." السلمي"
،،،،،
البديع عند العلماء مُوجِد العين لا على مِثْل، وعند أهل الإشارة الذي ليس له شيء مِثله. فهذا الاسم يشير إلى نفي المثل عن ذاته، ونفي المثال عن أفعاله، فهو الأحد الذي لا عدد يجمعه، والصمد الذي لا أَمَدَ يقطعه، والحق الذي لا وهم يصوِّره، والموجود الذي لا فهم يقدره. وإذا قضى أمراً فلا يعارض عليه مقدور، ولا ينفكُ من حكمه محظور."للقشيري"
،،،،،
اعلم أنك إذا نظرت بعين البصيرة، أو بحق البصيرة، إلى الوجود بأسره، وجدته ذاتاً واحدة، ونسبته من الحق نسبة واحدة، أنوار ظاهرة، وأسرار باطنة، حكمته ظاهرة، وقدرته باطنة حسن ظاهر، ومعنى باطن، عبودية ظاهرية، وأسرار معاني الربوبية باطنة إذا لا قيام للعبودية إلا بأسرار معاني الربوبية، قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ } [فَاطِر: 41]، وقال تعالى:{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [النُّور: 35]، وقال في الحكم: " الأكوان ظاهرها غرة وباطنها عبرة، فالنفس تنظر إلى ظاهر بهجتها، والقلب ينظر إلى باطن عبرتها ". فأهل الفَرْقِ يثبتون الأشياء مستقلة مع الله، وربما تغالى بعضهم فأشركها معه في الألوهية، فتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. قال محيي الدين الحاتمي: من رأى الخلق لا فعلَ لهم فقد فاز، ومن رآهم لا حياة لهم فقد جاز، ومن رآهم بعين العدم فقد وصل. هـ. قلت: ومن أثبتهم بالله فقد تمكن وصاله، وأنشدوا:
مَن أبصرَ الخلقَ كالسرابِ فقَد تَرقَّى عن الحجابِ إلى وُجودٍ تراهُ رتقا بِلاَ ابتعادٍ ولا اقْتِرابِ ولم تُشَاهِدْ به سواهُ هناك تهدي إلى الصوابِ فَلا خِطابَ بِه إليهِ وَلا مُشِيرَ إلى الخطابِ
هـ. ولما قال رافع بن حريملة - من أحبار يهود - للرسول صلى الله عليه وسلم: أسمعنا كلام الله إن كنت رسوله، أو أرنا آية تصدقك."البحر المديد لإبن عجيبة الحسيني"

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أغسطس 06, 2023 10:56 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ }
قال الواسطى: قد كلمتُهُم حيثُ أنزلت عليهم خطابى فلم يفهموا، وأى آية أشرف من محمد صلوات الله وسلامه عليه؟ وقد أظهرت لهم ذلك..."السلمي"
،،،،
كلام الله سبحانه متعلق بجميع المخلوقات بأعيانها وآثارها، وأمر التكوين (يتناول المكلفين وأفعال المكلفين)، لكن من عَدم سمع الفهم تصامم عن استماع الحق، فإنه - سبحانه - خاطب قوماً من أهل الكتاب، وأسمعهم خطابه، فلم يطيقوا سماعه، وبعدما رأوا من عظيم الآيات حرَّفوا وبدَّلوا. وفي الآيات التي أظهرها ما يزيح العِلَّة من الأغيار، ويشفي الغُلَّة من الأخيار، ولكن ما تُغْنِي الدلائل - وإنْ وَضُحَتْ - عمن حُقَّتْ لهم الشقاوة وسبقت؟ "القشيري"
،،،،،
الإشارة: طلب الكرامات وظهور الآيات من طبع أهل الجهل والعناد، وليس هو من شيم أهل الهداية والاسترشاد. فالطريق واضح لمن طلب السبيل، والحق لائح لمن أبصر الدليل، فمن كحل عين بصرته بإثمد التوحيد الخاص، لم يقع بصره إلا على إلا على الحق، ولا يعرف إلا إياه، ورأى الأشياء كلها قائمة بالله، بل لا وجود لها مع الله، ومن فتح الله سمع قلبه لم يسمع إلا من الحق، ولا يسمع إلا به، كما قال القائل: أنا بالله أنطق ومن الله أسمع. وقال الجنيد رضي الله عنه: لي أربعون سنة أُناجي الحق، والناس يَروْن أني أناجي الخلق. فالخالق محذوفون عند أهل العلم بالتحقيق، مُثْبَتُونَ عند أهل الجهل والتفريق. يقولون: لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية، مع أنه يكلمهم في كل وقت وساعة، كذلك قال مَن شاركهم في الجهل بالله، مع وضوح الآيات لمن عرف الله. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. ولمَّا قالت اليهود والنصارى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعل بيننا وبينك هُدْنة نتبعك بعدها، وأضمَرُوا في نفوسهم أنهم لا يتبعونه حتى يتبع ملتهم، فضحهم الله تعالى. "البحر المديد لإبن عجيبة الحسيني"

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أغسطس 08, 2023 11:20 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ ١١٩
وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ١٢٠
أفردناكَ بخصائص لم نُظْهِرْها على غيرك؛ فالجمهور والكافة تحت لوائك، والمقبول من وافَقَك، والمردود من خالفَك، وليس عليك من أحوال الأغيار سؤال، ولا عنك لأحدٍ (...).لا تبالِ برضاء الأعداء بعد ما حصل لك رضانا، فإنهم لا يرضون عنك إلا بمتابعة أديانهم، ودون ذلك لهم حظ القتال فَأَعْلِنْ التبري منهم، وأظهر الخلاف معهم، وانصب العداوة لهم، واعلم أن مساكنتهم إلى ما يرضون سبب الشقاوة المؤبدة، فاحرص ألا يخطر ذلك بِبالِك، وادعُ - إلى البراءةِ عنهم وعن طريقتهم - أُمَّتَكَ، وكُنْ بِنا لَنَا، مٌتَبرِّياً عمن سوانا، واثقاً بنصرتنا، فإنَّكَ بِنَا وَلَنَا."القشيري"
،،،،،
الإشارة: التماس رضى الناس من علامة الإفلاس، ولن يرضى عنك الناس حتى تتبع أهواءهم، ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما تحققت ما هم فيه، إنك إذاً لمن الظالمين، فمن التمس رضى الناس وقع في سخط الله، ومن التمس رضى الله قطع يأسه من الناس، ولذلك قال بعضهم: كل ما سقط من عين الخلق عظم في عين الحق، وكل ما عظم في عين الخلق سقط من عين الحق، وقال آخر: إن الذي تكرهون مني هو الذي يشتهيه قلبي. هـ. وقال بعض الصالحين: لقيتُ بعض الأبدال، فقلت له: دُلَّني على الطريق؟ فقال: لا تخالط الناس؟ فإن مخالطتهم ظلمة، فقلت: لا بد من مخالطتهم وأنا بين أظهرهم؟ فقال: لا تعاملهم، فإن معاملتهم خسران. قلت: لا بد من معاملتهم؟ فقال: لا تركن إليهم، فإن في الركون إليهم هلكة، فقالت: هذا لعله يكون؟ فقال: يا هذا، أتخالط البطالين، وتعامل الجاهلين، وتركن إلى الهلكى، وتحب أن يكون قلبك مع الله؟ هيهات... هذا لا يكون أبداً، ثم غاب عني ولم أره. ولما عاتب الله بني إسرائيل ووبخهم استثنى من آمن منهم."البحر المديد لإبن عجيبة الحسيني"

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أغسطس 08, 2023 10:30 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ ١٢١
الذين فتحنا أبصارهم بشهود حقنا وَكَلْنَا أسماع قلوبهم بسماع خطابنا، وخصصناهم بإسبال نور العناية عليهم، وأيَّدناهم بتحقيق التعريف في أسرارهم، يقومون بحق التلاوة، ويتصفون بخصائص الإيمان والمعرفة فهم أهل التخصيص، ومَنْ سِواهم أصحابُ الرد."القشيري"
،،،،
الإشارة: ما قيل في التوراة وأصحابه يقال مثله في القرآن وأهله فمن آتاه الله القرآن، وتلاه حق تلاوته، بحيث جَوَّدَ حروفه وتَدبَّر معانيه، وعمل بما فيه، فأولئك هم المؤمنون به حقّاً، والفائزن بثمار معانيه حلاوة وذوقاً، ومن ترك التدبر في معانيه فقد حرم نفسه ثمار حلاوته، وذلك عين الخسران عند أهل الإيقان. وبالله التوفيق." ابن عجيبة الحسيني"

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 09, 2023 1:23 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ ١٢٢
جرت سُنتُه - سبحانه - في الخطاب مع قوم موسى عليه السلام أن يناديهم بنداء العلامة فيقول: يا بني إسرائيل اذكروا، أي يا بني يعقوب، ومع هذه الأُمة أن يخاطبهم بنداء الكرامة فيقول: { يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا }.
يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ ١٢٣
أَمَّا الأعداء فلا يَقْبَلُ منهم شيئًا، وأمَّا الأولياء فقال صلى الله عليه وسلم: " اتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة " ، والكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين فهذا حكم كل أمةٍ مع نبيِّها، وأمَّا المؤمنون - فعلى التخصيص - تنفعهم شفاعة نبيِّهم صلى الله عليه وسلم.

وكلُّ أحدٍ يقول يومئذٍ نفسي نفسي ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم يقول: " أمتي أمتي "."القشيري"


_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أغسطس 12, 2023 11:13 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123

{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }
قوله جلّ ذكره: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ
قوله جلّ ذكره: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ }.

البلاء تحقيق الولاء، فأصدقهم ولاءً أشدُّهم بلاء.

ولقد ابتلى الحق - سبحانه - خليلَه عليه السلام بما فرض عليه وشرع له، فقام بشرط وجوبها، ووَفَّى بحكم مقتضاها، فأثنى عليه سبحانه بقوله:{ وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [النجم: 37] - من التوفيه - أي لم يُقَصِّر بوجهٍ ألبتة.

يقال حملَّه أعباء النبوة، وطالبه بأحكام الخُلَّة، وأشد بلاء له كان قيامه بشرائط الخلة، والانفراد له بالتجافي عن كل واحد وكل شيء، فقام بتصحيح ذلك مختليًا عن جميع ما سواه، سِرًّا وعَلَنًا.

كذلك لم يلاحظ جبريلَ عليه السلام حين تعرض له وهو يُقْذف في لُجة الهلاك، فقال: هل من حاجة؟ فقال: أمَّا إِليكَ... فلا.

ومن كمال بلائه تعرض جبريل عليه السلام في تلك الحالة، وأي بقية كانت بقيت له منه حتى يكون لمخلوق فيه مساغ كائنًا من كان؟!

وفي هذا إشارة دقيقة إلى الفَرْقِ بين حال نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وحال إبراهيم عليه السلام، لأنه تعرض جبريل للخليل وعَرَضَ عليه نفسه:

فقال: أمَّا إليكَ... فَلاَ. ولم يُطِقْ جبريل صحبة النبي صلى الله عليه وسلم فنطق بلسان العجز وقال:

لو دنوتُ أنملة لاحترقتُ.

وشتّان بين حالة يكون فيها جبريل عليه السلام من قُوَّتِه بحيث يعرض للخليل عليه السلام نفسه، وبين حالةٍ يعترف للحبيب - صلوات الله عليه - فيها بعجزه.

قوله جلّ ذكره: { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً }.

الإمام مَنْ يُقْتَدى به، وقد حقَّق له هذا حتى خاطب جميع الخلائق إلى يوم القيامة بالاقتداء به فقال:{ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } [الحج: 78] أي اتبعوا ملة إبراهيم يعني التوحيد، وقال: { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }.

هذا هو تحقيق الإمامة. ورتبة الإمامة أن يَفْهَم عن الحق ثم يُفْهِمَ الخَلق؛ فيكون واسطة بين الحق والخَلْق، يكون بظاهره مع الخَلْق لا يفتر عن تبليغ الرسالة، وبباطنه مشاهدًا للحق، لا يتغير له صفاء الحالة، ويقول للخلْق ما يقوله له الحق.

قوله جلّ ذكره: { وَمِن ذُرِّيَّتِي }.

نطق بمقتضى الشفقة عليهم، فطلب لهم ما أُكرِم به. فأخبره أن ذلك ليس باستحقاق نَسَب، أو باستيجاب سبب، وإنما هي أقسام مضت بها أحكام فقال له: { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } وليس هذا كنعيم الدنيا وسعة الأرزاق فيها، فهي لا ادِّخَار لها عن أحد وإن كان كافرًا، ولذلك قال جلّ ذكره: { وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ }.فقال الله تعالى: { وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً }.

يعني ليس للدنيا من الخطر ما يمنعها عن الكفار، ولكن عهدي لا يناله إلا مَنْ اخترته مِنْ خواص عبادي.
أمَّا الطعام والشراب فغير ممنوع من أحد.

أمَّا الإسلام والمحاب فغير مبذول لكل أحد.

قوله جلّ ذكره: { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً }.

واذكر يا محمد حين جعلنا البيت - يعني الكعبة - مثابة للناس إليه يثوبون، ومأمنًا لهم إليه يرجعون، وإياه من كل نحوٍ يقصدون.

هو بيت خلقتُه من الحجر ولكن أضفته إلى الأزل؛ فمن نظر إلى البيت بعين الخِلْقَة انفصل، ومن نظر إليه بعين الإضافة وصل واتصل، وكلُّ من التجأ إلى ذلك البيت أَمِنَ من عقوبة الآخرة إذا كان التجاؤه على جهة الإعظام والاحترام، والتوبة عن الآثام.

ويقال بُنيَ البيتُ من الحجر لكنه حجر يجذب القلوب كحجر المغناطيس يجذب الحديد.

بيتٌ من وقع عليه ظِلُّه أناخ بعَقْوَةِ الأمن.

بيتٌ مَنْ وقع عليه طَرْفُه بُشِّرَ بتحقيق الغفران.

بيتٌ مَنْ طاف حَوْلَه طافت اللطائف بقلبه، فطَوْفَة بطوفة، وشَوْطة بشوطة وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

بيتٌ ما خَسِرَ مَنْ أنفق على الوصول إليه مَالَه.

بَيت ما ربح مَنْ ضَنَّ عليه بشيءٍ؛ مَنْ زاره نَسِيَ مزارَه، وهجر ديارَه.

بيت لا تُسْتَبْعَدُ إليه المسافة، بيت لا تُنْرَك زيارته لحصول مخافة، أو هجوم آفة، بيت ليس له بمهجة الفقراء آفة.

بيت من قعد عن زيارته فَلِعدَمِ فُتَوَّتِه، أو لقلة محبته.

بيتٌ من صَبِرَ عنه فقلبه أقسى من الحجارة. بيت من وقع عليه شعاعُ أنواره تَسَلَّى عن شموسه وأقماره.

بيت ليس العجب ممن بقي (عنه) كيف يصبر، إنما العجب ممن حضره كيف يرجع!

قوله جلّ ذكره: { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }.

عَبْدٌ رفع لله سبحانه قَدمًا فإلى القيامة جعل أثر قَدَمِه قِبْلَةً لجميع المسلمين إكرامًا لا مدى له.

قوله جلّ ذكره: { وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }.

الأمر في الظاهر بتطهير البيت، والإشارة من الآية إلى تطهير القلب.

وتطهير البيت بِصَوْنه عن الأدناس والأوضار، وتطهير القلب بحفظه عن ملاحظة الأجناس والأغيار.

وطوافُ الحجاج حول البيت معلومٌ بلسان الشرع، وطوافُ المعاني معلومٌ لأهل الحق؛ فقلوب العارفين المعاني فيها طائفة، وقلوب الموحدين الحقائق فيها عاكفة، فهؤلاء أصحاب التلوين وهؤلاء أرباب التمكين.

وقلوبُ القاصدين بملازمة الخضوع على باب الجود أبدًا واقفة.

وقلوب الموحدِّين على بساط الوصل أبدًا راكعة.

وقلوب الواجدين على بساط القرآن أبدًا ساجدة.

ويقال صواعد نوازع الطالبين بباب الكرم أبدًا واقفة، وسوامي قصود المريدين بمشهد الجود أبدًا طائفة، ووفود هِمَمِ العارفين بحضرة العِزِّ أبداً عاكفة..

قوله جلّ ذكره: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً }.

السؤال إذا لم يكن مشوبًا بحظِّ العبد كان مستجابًا، ولم يكن سؤال إبراهيم هذا لحظِّ نفسه، وإنما كان لِحقِّ ربِّه عزَّ وجلَّ.

ولمَّا حفظ شرط الأدب طلب الرزق لمن آمن منهم على الخصوص أجيب فيهم وفي الذين لم يؤمنوا. ولمَّا قال في حديث الإمامة: " ومن ذُرِّيتي " من غير إذن مُنِعَ وقيل له: { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }.
* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ)

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أغسطس 13, 2023 4:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2123


قوله: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } [الآية: 124].

قال بعضهم: أشد ما ابتلى اللهُ به إبراهيم عليه السلام أن حملَهُ أثقالَ الخُلة، ثم طالبه بتصحيح شرائطها، وتصحيح شرائطِ الخُلة التخلى مما سواه ظاهرًا وباطنًا.

قوله تعالى: { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً }.

أى: جاعلك سفيرًا بينى وبين خلقى لتهديهم لاستصلاح الحضرة وهذا هو الإمامةُ.

وقال أبو عثمان: الإمام هو الذى يعاشر على الظاهر، ولا يؤثرُ ذلك فيما بينه وبين ربه بسبب كالنبى صلى الله عليه وسلم كان قائماً مع الخلق على حدِّ الإبلاغ قائمًا مع الله على المشاهدة.

قوله تعالى: { وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }.

قطع بهذا أن يكون أحد يصل إليه بسبب أو نسب، إلا برضا الأزل وسبق العناية.
قوله تعالى: { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً } [الآية: 125].

أى: مفزعًا للمذنبين وأمناً أى: من دخله من المؤمنين حافظًا لحدود الله فيه آمِنٌ من نار جهنم.

سمعت منصورًا يقول بإسناده عن جعفر عليه السلام قال: البيت ها هنا محمد صلى الله عليه وسلم فمن آمن به وصدق برسالته دخل فى ميادين الأمن والأمانة.

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [الآية: 82].

قال بعض العراقيين: العمل لا يبلغ إلا إلى مخلوق مثله، وأعظم حجاب العارفين الجنة والاشتغال بها عن الحق هى المصيبة العظمى، لأن الجنة خرجت من تحت " كن ".
وقال بعضهم: العارفون فى الجنة لا يستلذون بشىء منها، لأن الحق إذا استولى على سر لا يملكه سواه.
----
حقائق التفسير للسلمى

_________________

أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 271 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 12, 13, 14, 15, 16, 17, 18, 19  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 2 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط