موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 301 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8 ... 21  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أغسطس 02, 2022 1:29 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


وقال سيّدنا عليّ - كَرَّمَ الله وجهه -: (الصراط المستقيم هنا القرآن). وقال جابر رضي الله عنه: (هو الإسلام) يعني الحنيفية السمحاء وقال سهل بن عبد الله: (هو طريق محمد صلى الله عليه وسلم). يعني اتباعَ ما جاء به. وحاصله ما تقدم من إصلاح الظاهر بالشريعة والباطن بالحقيقة، فهذا هو الطريق المستقيم الذي من سلكه كان من الواصلين المقربين مع النبيين والصدِّيقين.

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أغسطس 11, 2022 11:10 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ٦ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ ٧ -الفاتحة
الدر المنثور في التفسير بالمأثور
أخرج وكيع وأبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي داود وابن الأنباري كلاهما في المصاحف من طرق عن عمر بن الخطاب . أنه كان يقرأ{صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين}.
وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن أبي داود وابن الأنباري عن عبد الله بن الزبير قرأ {صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين} في الصلاة.
وأخرج ابن الأنباري عن الحسن أنه كان يقرأ {عليهمي} بكسر الهاء والميم، واثبات الياء.
وأخرج ابن الأنباري عن الأعرج أنه كان يقرأ {عليهمو} بضم الهاء والميم، وإلحاق الواو.
وأخرج ابن الأنباري عن عبد الله بن كثير أنه كان يقرأ {أنعمت عليهمو} بكسر الهاء وضم الميم مع إلحاق الواو.
وأخرج ابن الأنباري عن ابن إسحق أنه قرأ {عليهم} بضم الهاء والميم من غير إلحاق واو.
وأخرج ابن أبي داود عن ابراهيم قال: كان عكرمة والأسود يقرآنها {صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين}.
وأخرج الثعلبي عن أبي هريرة قال {أنعمت عليهم} الآية السادسة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {صراط الذين أنعمت عليهم} يقول: طريق من أنعمت عليهم من الملائكة، والنبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين الذين أطاعوك وعبدوك.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {صراط الذين أنعمت عليهم} قال: المؤمنين.
وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في قوله {صراط الذين} قال: النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه.
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله {صرط الذين أنعمت عليهم} قال: النبيون {غير المغضوب عليهم} قال: اليهود {ولا الضالين} قال: النصارى.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {غير المغضوب عليهم} قال: اليهود {ولا الضالين} قال: النصارى.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال:اليهود والنصارى.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير والبغوي في معجم الصحابة وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبد الله بن شقيق قال "أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى على فرس له، وسأله رجل من بني العين فقال: من المغضوب عليهم يا رسول الله؟ قال: اليهود قال: فمن الضالون؟ قال: النصارى" .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر أهل وادي القرى فقال له رجل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء {المغضوب عليهم} يعني اليهود قال: يا رسول الله فمن هؤلاء الطائفة الأخرى؟ قال: هؤلاء {الضالون} يعني النصارى" .
وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن {المغضوب عليهم} قال: اليهود. قلت {الضالين} قال: النصارى" .
وأخرج البيهقي في الشعب من طريق عبد الله بن شقيق عن رجل من بلعين عن ابن عم له أنه قال "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى فقلت: من هؤلاء عندك؟ قال: {المغضوب عليهم} اليهود {ولا الضالين} النصارى" .
وأخرج سفيان بن عيينة في تفسيره وسعيد بن منصور عن اسماعيل بن أبي خالد "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {المغضوب عليهم} اليهود {والضالون} هم النصارى" .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن {المغضوب عليهم} اليهود وإن {الضالين} النصارى" .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه والطبراني عن الشريد قال "مَرَّ بِي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري، واتكأت على الية يدي قال: أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟
" . وأخرج ابن جريج عن ابن مسعود قال {المغضوب عليهم} اليهود و {الضالين} النصارى.
وأخرج ابن جريرج عن مجاهد. مثله.
قال ابن أبي حاتم: لا أعلم خلافاً بين المفسرين في تفسير {المغضوب عليهم} باليهود {والضالين} بالنصارى.
ذكر آمين
أخرج وكيع وابن أبي شيبة عن أبي ميسرة قال: لما أقرأ جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب فبلغ {ولا الضالين} قال: "قل آمين فقال: آمين".
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن وائل بن حجر الحضرمي قال "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقال (آمين) يمد بها صوته" .
وأخرج الطبراني والبيهقي عن وائل بن حجر "أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: رب اغفر لي (آمين)" .
وأخرج الطبراني عن وائل وابن حجر قال "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة، فلما فرغ من فاتحة الكتاب قال (آمين) ثلاث مرات" .
وأخرج ابن ماجه عن عليّ "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال {ولا الضالين} قال (آمين)" .
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا قرأ ـ يعني الإمام ـ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا (آمين) يجبكم الله" .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أمن الإِمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه" .
وأخرج أبو يعلى في مسنده وابن مردويه بسند جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا قال الإمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال الذين خلفه (آمين) التقت من أهل السماء وأهل الآرض، ومن لم يقل (آمين) كمثل رجل غزا مع قوم فاقترعوا سهامهم ولم يخرج سهمه فقال: ما لسهمي لم يخرج؟ قال: إنك لم تقل (آمين)" .
وأخرج أبو داود بسند حسن عن أبي زهير النميري وكان من الصحابة أنه كان إذا دعا الرجل بدعاء قال: اختمه (بآمين) فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة، وقال "أخبركم عن ذلك؟ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأتينا على رجل قد ألح في المسألة، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يسمع منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب أن ختم. فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال بـ (آمين) فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب" .
وأخرج أحمد وابن ماجه والبيهقي في سننه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على التأمين" .
وأخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول (آمين)" .
وأخرج ابن عدي في الكامل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" "إن اليهود قوم حسد، حسدوكم على ثلاثة أشياء، إفشاء السلام، واقامة الصف، وآمين" .
واخرج الطبراني في الأوسط عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن اليهود قوم حسد، ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث: رد السلام، وإقامة الصفوف، وقولهم خلف إمامهم في المكتوبة (آمين)" .
وأخرج الحرث بن أسامة في مسنده والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعطيت ثلاث خصال: أعطيت صلاة في الصفوف، وأعطيت السلام وهو تحية أهل الجنة، وأعطيت (آمين) ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم إلا أن يكون الله أعطاها هرون، فإن موسى كان يدعو وهرون يؤمن. ولفظ الحكيم: إن الله أعطى أمتي ثلاثاً لم يعطها أحد قبلهم: السلام وهو تحية أهل الجنة، وصفوف الملائكة، (وآمين) إلا ما كان من موسى وهرون" .
وأخرج الطبراني في الدعاء وابن عدي وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين" .
وأخرج جويبر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال "قلت يا رسول الله ما معنى آمين؟ قال: رب أفعل" .
وأخرج الثعلبي من طريق الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس. مثله.
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة في المصنف عن هلال بن يساف ومجاهد قالا (آمين) اسم من أسماء الله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن حكيم بن جبير. مثله.
واخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كان يستحب إذا قال الإِمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} أن يقال: اللهم اغفر لي (آمين).
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: إذا قال الإِمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقل : اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الربيع بن خيثم قال: إذا قال الإمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فاستعن من الدعاء ما شئت.
واخرج ابن شاهين في السنة عن إسماعيل بن مسلم قال: في حرف أبي بن كعب {غير المغضوب عليهم وغير الضالين آمين بسم الله} قال إسماعيل: وكان الحسن إذا سئل عن (آمين) ما تفسيرها؟ قال: هو اللهم استجب.
وأخرج الديلمي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} ثم قرأ فاتحة الكتاب، ثم قال آمين، لم يبق في السماء ملك مقرب إلا استغفر له" .
-----
الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ)



_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أغسطس 14, 2022 10:30 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358

قَوْلُهُ تَعَالَى: {صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}؛ همُ الأنبياءُ وأهلُ طاعةِ الله تعالى. واختلافُ القراءة في {صِرَاطَ} كاختلافِهم في {ٱلصِّرَاطَ}.
قوله عَزَّ وَجَلَّ: {غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ} {ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} هم اليهودُ؛ و{ٱلضَّآلِّينَ} هم النصارى.
وأما (آمِيْن) فليس من السُّورةِ؛ ولكن رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقولهُ ويأمر به. وقال: "لَقَّنِّي جِبْريْلُ عليه السلام بَعْدَ فَرَاغِي مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَاب: آمِيْن، وقال: إِنَّهُ كَالطَّابَعِ عَلَى الْكِتَاب" . وَقِيْلَ: معنى آمين: اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ. وَقِيْلَ: معناهُ: يا آمِينَ؛ أي يَا اللهُ. فآمِينَ اسمٌ مِن أسماءِ الله. وَقِيْلَ: معناهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. وفي آمين لُغتان: الْمَدُّ والقصرُ؛ قال الشاعرُ في القصر:
تَبَاعَدَ مِنِّى فَطْحُلٌ إذْ رَأَيْتُهُ أمِينَ فَزَادَ اللهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدَا

وقال آخرُ في المدِّ:
صَلَّى الإلَهُ عَلَى لُوطٍ وَشِيْعَتِهِ أبَا عُبَيْدَة قُلْ باللهِ آمِيْنَ

وقال آخرُ في الْمَدِّ أيضاً:
يَا رَبِّ لاَ تَسَلُبَنِى حُبَّهَا أبَداً وَيَرْحَمُ اللهُ عَبْداً قَالَ آمِيْنَا

قال صلى الله عليه وسلم: "فَاتِحَةُ الْكِتَاب رُقْيَةٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلاَّ السَّأْمَ" وهو الموتُ. وروي أن جبريلَ قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ أخْشَى الْعَذَابَ عَلَى أُمَّتِكَ فَلَمَّا نَزَلَتِ الْفَاتِحَةُ أمِنَتْ؛ لأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ؛ وَجَهَنَّمُ لَهَا سَبْعَةُ أبْوَابٍ، فَمَنْ قَرَأَهَا صَارَتْ كُلُّ آيَةٍ طَبَقاً عَلَى بَابٍ" .
----
التفسير الكبير للطبرانى


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أغسطس 15, 2022 11:01 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


إن الله تعالـى ذكره جمع لنبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم ولأمته بـما أنزل إلـيه من كتابه معانـي لـم يجمعهن بكتاب أنزله إلـى نبـي قبله ولا لأمة من الأمـم قبلهم. وذلك أن كل كتاب أنزله جل ذكره علـى نبـي من أنبـيائه قبله، فإنـما أنزله ببعض الـمعانـي التـي يحوي جميعها كتابه الذي أنزله إلـى نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم، كالتوراة التـي هي مواعظ وتفصيـل، والزَّبُور الذي هو تـحميد وتـمـجيد، والإنـجيـل الذي هو مواعظ وتذكير لا معجزة فـي واحد منها تشهد لـمن أنزل إلـيه بـالتصديق. والكتابُ الذي أنزل علـى نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم يحوي معانـي ذلك كله، ويزيد علـيه كثـيراً من الـمعانـي التـي سائر الكتب غيره منها خالٍ، وقد قدمنا ذكرها فـيـما مضى من هذا الكتاب. ومن أشرف تلك الـمعانـي التـي فضل بها كتابنا سائر الكتب قبله: نظمه العجيب، ورصفه الغريب، وتألـيفه البديع، الذي عجزت عن نظم مثل أصغر سورة منه الـخطبـاء، وكلَّتْ عن وصف شكل بعضه البلغاء، وتـحيرت فـي تألـيفه الشعراء، وتبلَّدت قصوراً عن أن تأتـي بـمثله لديه أفهام الفهماء. فلـم يجدوا له إلا التسلـيـم، والإقرار بأنه من عند الواحد القهار، مع ما يحوي مع ذلك من الـمعانـي التـي هي ترغيب، وترهيب. وأمر، وزجر، وقصص، وجدل، ومثل، وما أشبه ذلك من الـمعانـي التـي لـم تـجتـمع فـي كتاب أنزل إلـى الأرض من السماء.

فمهما يكن فـيه من إطالة علـى نـحو ما فـي أم القرآن، فلـما وصفت قبلُ من أن الله جل ذكره أراد أن يجمع بوصفه العجيب، ونظمه الغريب، الـمنعدل عن أوزان الأشعار، وسجع الكهان، وخطب الـخطبـاء، ورسائل البلغاء، العاجز عن وصف مثله جميع الأنام، وعن نظم نظيره كل العبـاد الدلالة علـى نبوّة نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما فـيه من تـحميد وتـمـجيد وثناء علـيه، تنبـيه للعبـاد علـى عظمته وسلطانه وقدرته وعظم مـملكته، لـيذكروه بآلائه ويحمدوه علـى نعمائه، فـيستـحقوا به منه الـمزيد ويستوجبوا علـيه الثوابَ الـجزيـل. وبـما فـيه من نعت من أنعم علـيه بـمعرفته، وتفضل علـيه بتوفـيقه لطاعته، تعريفعبـاده أن كل ما بهم من نعمة فـي دينهم ودنـياهم فمنه، لـيصرفوا رغبتهم إلـيه، ويبتغوا حاجاتهم من عنده دون ما سواه من الآلهة والأنداد، وبـما فـيه من ذكره ما أحل بـمن عصاه من مثلاته، وأنزل بـمن خالف أمره من عقوبـاته ترهيب عبـاده عن ركوب معاصيه، والتعرّض لـما لا قبل لهم به من سخطه، فـيسلك بهم فـي النكال والنقمات سبـيـل من ركب ذلك من الهلاك. فذلك وجه إطالة البـيان فـي سورة أم القرآن، وفـيـما كان نظيراً لها من سائر سور الفرقان، وذلك هو الـحكمة البـالغة والـحجة الكاملة.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنـي العلاء بن عبد الرَّحمن بن يعقوب، عن أبـي السائب مولـى زهرة، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا قالَ العَبْدُ: الـحَمْدُ لِلَّهِ رب العالَـمِينَ، قالَ اللَّهُ: حَمَدَنِـي عَبْدِي، وَإذَا قالَ: الرحْمَنُ الرَّحِيـمِ، قال: أثنى عَلـيَّ عَبْدِي، وَإذَا قالَ: مالِكِ يَوْمِ الدّينِ، قالَ: مَـجَّدَنِـي عَبْدِي، فَهَذَا لـي. وَإذَا قالَ: إياكَ نَعْبُدُ وَإياكَ نَسْتَعِينُ إلـى أنْ يَخْتِـمَ السورَةَ قالَ: فَذَاكَ لَهُ" .
------
جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أغسطس 25, 2022 1:18 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


{ اهدنا الصراط المستقيم }
الهداية هى الدلالة الواضحة-والدلالة بتثليث الدال،والفتح أعلى-وليست مطلق الدلالة،لأنها مأخوذة من هوادى الخيل والإبل أى الجماعات المتقدمة منها،أو أعناقها،وهوادى الوحش : متقدماتها الهادية لغيرها،والدلالات تتفاوت فى وضوحها،فليست كلها بالطبع فى درجة واحدة.
والفعل(هدى)فى القرآن الكريم تارة يتعدى إلى مفعول واحد كقوله تعالى {واذكروه كما هداكم }،وتارة يتعدى إلى مفعولين كآية الفاتحة هذه.
والهداية فى القرآن مراد بها إما مجرد الدلالة فقط نحو قوله سبحانه {وهديناه النجدين} اى دللناه على طريق الخير وطريق الشر،وقوله {وأما ثمود فهديناهم} وإما الدلالة التى تصحبها معونة وتوفيق،وهذا المعنى هو المراد فى قوله تعالى{اهدنا الصراط المستقيم} أى دلنا دلالة تصحبها معونة منك وتوفيق على كل ما هو خير لنا فى المعاش والمعاد على السواء.
والهداية بالمعنى الأول أى الدلالة هى المثبتة له صلى الله عليه وسلم { وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم } والهداية بالمعنى الثانى أى الدلالة المصحوبة بالمعونة والتوفيق هى المنفية عنه صلى الله عليه وسلم { إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء } لأن المعونة والتوفيق لا يكونان إلا منه سبحانه .
والدعاء فى { اهدنا } المراد منه الاستزادة من الهداية،وتجديدها،لأن كل لحظة تمر على الإنسان هو فى حاجة ماسة فيها إلى هداية جديدة منه سبحانه،فى كل شأن من شئونه الدينية والدنيوية،ومراد بها أيضا الثبات والمداومة على الهداية الحاصلة بالفعل .
والصراط هو الطريق،والمستقيم أى المستوِى الذى لا عوج فيه.
والمراد بالصراط المستقيم هو كل ما يوصل إلى الخير والسعادة فى الدنيا والآخرة،والتحديد والتضييق فى مرادات القرآن ومدلولات ألفاظه مرغوب عنه،والأفضل فى أكثر الأحيان هو التوسعة والتعميم،فهذا هو الذى يليق بالقرآن،ويناسب شموله .
تفضل سبحانه وتعالى فمنح الإنسان أنواعا متعددة من الهدايات،بيد أنها تنحصر فى جانبين عامين : الهداية الحسية،والهداية المعنوية .
فمن الهداية الحسية الحواس الظاهرة،وهى منافذ الإدراك الأولى،ومنها كذلك الآيات التى بثها الله فى الآفاق وفى الأنفس.
ومن الهداية المعنوية هداية الفطرة التى تميز بين ما ينبغى وما لا ينبغى،والتى يسمونها الآن بالضمير.
ومنها هداية العقل وهى أرقى من سابقتها،وهى الخاصة التى ميز الله بها الإنسان عن الكثير من المخلوقات الأخرى،والتى أهلته للخلافة فى الأرض،وهى الأمانة التى حملها الإنسان التى تحدثت عنها الآية الكريمة{إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} وهذا باعتبار الأكثرية.
ثم تأتى بعد ذلك هداية الدين،وهى أرقى أنواع الهدايات،لأن العقل لا يمكن الاستغناء به،ولا التعويل عليه وحده،وأكبر شاهد على ذلك هو تاريخ الفلسفة نفسها،فكان من حكمته سبحانه،ورحمته بالإنسان أن تفضل عليه بهداية الدين،التى طلبها الإنسان ولكن بلسان حاله.
ووظيفة الدين أمران : الأول : تصحيح ما عسى أن يقع العقل فيه من أخطاء.
والثانى : هداية العقل إلى ما لا يمكن أن يصل إليه بنفسه،سواء فى ذلك جانب العقيدة وجانب الأخلاق وجانب التشريع .
{صراط الذين أنعمت عليهم}
{صراط الذين}بدل من{الصراط المستقيم}
والنعمة أصلها من النعومة.ضد الخشونة.
و{أنعمت عليهم}كلمة عامة تشمل كل من أنعم الله عليه بنعمة سواء أكانت دينية أم دنيوية،ولذلك قال { غير المغضوب عليهم ولا الضالين }فخصص ما كان من قبل عاما.
وقال هنا:هناك الكثيرون من غير المسلمين أُنعم عليه بنعم لم يُنعم على كثير من المسلمين بها،وأمثال هذه النعمة داخل فى نطاق طلب النعمة السابق لولا تخصيص النعمة بغير المغضوب عليهم والضالين.
والمغضوب عليهم هم الذين عرفوا الحق ولكنهم أعرضوا عنه عنادا واستكبارا،سواء أكانوا من غير المسلمين،أم من المسلمين الذين لم يستعملوا النعم-ومن أجلّها نعمة العقل-فى الوجوه التى شرعها الله،وبالصورة التى يرضاها.
وقد تقدم أن الغضب إذا وُصف الله به سبحانه فمعناه العقاب.
والمبدأ العام فى هذا المقام كما سبق بيانه أن الصفات التى تدل على الانفعالات النفسية كالرحمة والرأفة والغضب وغيرها مستحيلة عليه تعالى،فالمراد بها فى حقه سبحانه غاياتها لا مقدماتها،فالغضب إذا أُسند إليه سبحانه فمعناه العقاب والعذاب،لأن الغضب أوله رغبة فى الانتقام تُلِمّ بالنفس،ونهايته عقاب،لأن من شأن الغاضب أن ينهى غضبه بإيقاع العقاب بمن غضب منه أو عليه.
{ولا الضالين}
الضلال هنا أعم من ضلال العقيدة،بل المراد منه العدول عن الحق بوجه عام،أو عدم الوصول إلى الصواب،أو عدم المعرفة فى أى أمر من أمور الدنيا والآخرة.
فمثلا إذا كان هناك رجل مريض يريد أن يذهب إلى القاهرة ليتداوى عند أطبائها،والأطباء فيها كثيرون،ولا يدرى إلى أى طبيب يذهب،فمن هداية الله له وعدم إضلاله إياه أن يهديه إلى الطبيب الذى يجد عنده دواء دائه.
و{لا}فى {ولا الضالين}لإزالة ما يمكن أن يقع فى الذهن من أن المقصود هو الاحتراز من الجمع بين الغضب والضلال معا،فهى تبين أن كلا منهما على حدة يجب الاحتراز منه،ويتعين التباعد عنه.
وفيها أيضا إلى جانب ذلك تأكيد معنى النفى المفهوم من كلمة{غير}فإن(غير)فيها معنى النفى،فإنك إذا قلت:قرأتُ كتابا غيرَ كتابك فكأنك قلت:قرأتُ كتابا ليس هو كتابَك.
لخصت الفاتحة بداية الإنسان ونهايته ففى قوله تعالى{رب العالمين}توجيه لنظر الإنسان إلى نعم الله عليه بخلقه،ثم بما تعهده به سبحانه من التربية المادية،والتربية المعنوية فى عمره الذى سيعيشه،وفى قوله تعالى{مالك يوم الدين}تذكير لهذا الإنسان الذى ستُطغيه هذه الدنيا بما ستمد إليه من أسباب الثراء والجاه والسلطة وغير ذلك بأنه لا محالة عائد إلى ربه ليحاسبه ويجازيه،وتوسيط{الرحمن الرحيم}بينهما لإرشاد الإنسان إلى أنه مهما جمحت به نفسه فإن الله سيعامله بالرحمة التى تليق به سبحانه متى تاب هذا الإنسان وعاد إلى ربه.
وإذا كان الله هو الذى خلق،وهو الذى تعهد بالتربية من ناحيتيها الحسية والمعنوية،وهو الذى إليه المنتهى للحساب والجزاء فليس أمام الإنسان بمقياس العقل والمنطق إلا أن يخص الله وحده بالعبادة،والاستعانة،وطلب الهداية.ولهذا جاء بعد هذا مباشرة قوله تعالى{إياك نعبد وإياك نستعين& اهدنا الصراط المستقيم}
وهكذا تسلسلت آيات الفاتحة فى نظام منطقى دقيق.
ومن تمام العبادة ألا يبحث الإنسان عن الهداية إلا فى شرع الله ودينه.
وقد قال سبحانه {قل إن هدى الله هو الهدى} وقال{قل إن الهدى هدى الله}
وقال{فمن اتبع هداى فلا يضل}أى فى الدنيا { ولا يشقى}أى فى الآخرة
فالخير فى الدنيا،والخير فى الآخرة لا ينالهما الإنسان إلا باتباع هداية الله .
...............
تفسير الفاتحة للشيخ أبى الوفاء الشرقاوى رحمه الله

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أغسطس 25, 2022 10:12 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ٦ -الفاتحة
حقائق التفسير
قيل معناه: مِلّ بقلوبنا إليك وأقم بهممنا بين يديك وكن دليلنا منك إليك؛ حتى لا ينقطع عما بك لك.
وقيل: اهدنا الصراط المستقيم أى: أرشدنا إلى طرق المعرفة؛ حتى نستقيم معك بخدمتك فهذا دعاء المريدين فى هذه الآية.
وقيل: اهدنا أى: أرنا طريق هدايتك كى نستقيم معك على توحيدك فهذا دعاء المؤمنين.
وقيل: اهدنا أى: أرنا طريق أنسك فنفرح ونطرب بقربك فهذا دعاء العارفين.
وقيل: اهدنا بك إليك، لنستعين ببدايتك عن وسائط المقامات والمجاهدات.
وقيل: اهدنا بفناء أوصافنا فبنا الطريق إلى أوصافك التى لم تزل ولا تزال.
وقيل: اهدنا بكشف الغفلة عنا طريق الوصول إلى رضاك.
وقيل: اهدنا هدى العيان بعد البيان؛ لنستقيم لك على حب إرادتك فينا.
وقيل: اهدنا هدى من أنت المتولى لهدايته طريق حقيقة معرفتك؛ لنستقيم لك بفناء أوصافنا فيك.
وقيل: اهدنا هدى من يكون منك مبداه؛ حتى يكون إليك منتهاه.
وقيل: اهدنا أى: اكشف عنا ظلمات أحوالنا لننظر فى خفى غيبك نظرة الاستقامة.
وقيل: اهدنا الصراط المستقيم بالغيبوبة عن الصراط ليلاً يكون من يوطأ بالصراط.
وقيل: اهدنا بك ولا تشغلنا بموارد الصراط والاستقامة عنك.
حُكى عن أبى عثمان فى قوله: اهدنا الصراط المستقيم أى: أرشدنا لاستعمال السنن فى أداء فرائضك.
حُكى عن فُضيل بن عياض فى قوله اهدنا الصراط المستقيم قال: طريق الحج صراط الذين أنعمت عليهم من الأنبياء والأولياء غير المغضوب عليهم ولا الضالين غير اليهود والنصارى، فإنك قطعت عليهم طريق الحج بقولك: { { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } } [التوبة: 28].
وقيل: اهدنا الصراط المستقيم لنستعين بهدايتك على الشيطان، فإنه قال: { { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } } [الأعراف: 16].
وقيل: اهدنا الصراط المستقيم وهو الافتقار إليك، كما قيل لأبى حفص النيسابورىرحمه الله : فإذاً تقدم على ربك، قال: وما للفقير أن يقدم به على الغنى سوى فقره.
وقال سهل بن عبد الله: أرشدنا بمعونتك الطريق إليك.
قيل أليس قد هداه الصراط المستقيم حتى صلى وسأل فقال: إنما سأل الله زيادة هدى، كما قال الله تعالى: { { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } } [محمد: 17] بسؤالهم اهدنا الصراط المستقيم.
وقال الجنيد: إن القوم إنما سألوا الهداية من الحيرة التي قدرت عليهم من أسماء صفات الأزلية، فسألوا الهداية إلى أوصاف العبودية ليلاً؛ ليستغرقوا في رؤية صفات الأزلية.
-----
حقائق التفسير/ السلمي



_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 01, 2022 11:41 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358

الهداية الإرشاد، وأصلها الإمالة، والمهديُّ من عرف الحق سبحانه، وآثر رضاه، وآمن به. والأمر في هذه الآية مضمر؛ فمعناه اهدنا بنا - والمؤمنون على الهداية في الحال - فمعنى السؤال الاستدامة والاستزادة. والصراط المستقيم الطريق الحق وهو ما عليه أهل التوحيد. ومعنى اهدنا أي مِلْ بنا إليك، وخُذْنا لك، وكن علينا دليلنا، ويَسِّرْ إليك سبيلنا، وأقم لنا هممنا، واجمع بك همومنا.
فصل: اقطعْ أسرارنا عن شهود الأغيار، ولوِّح في قلوبنا طوالع الأنوار، وأفْرِدْ قصودنا إليك عن دَنَس الآثار، ورقِّنا عن منازل الطلب والاستدلال إلى جَمْع ساحات القُرب والوصال.
فصل: حُلْ بيننا وبين مساكنة الأمثال والأشكال، بما تلاطفنا به من وجود الوصال، وتكاشفنا به من شهود الجلال والجمال.
فصل: أرْشِدْنَا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات، ويقع على وجه التوحيد غبار الظنون وحسبان الإعلال.
اهدنا الصراط المستقيم أي أزِلْ عنَّا ظلمَاتِ أحوالنا لنستضيء بأنوار قُدْسِك عن التفيؤ بظلال طلبنا، وارفع عنا ظل جهدنا لنستبصر بنجوم جودك، فنجدك بك.
فصل: اهدنا الصراط المستقيم حتى لا يصحبنا قرين من نزغات الشيطان ووساوسه، ورفيق من خطرات النفوس وهواجسها، أو يصدنا عن الوصول تعريج في أوطان التقليد، أو يحول بيننا وبين الاستبصار ركون لي معتاد من التلقين، وتستهوينا آفة من نشو أو هوادة، وظن أو عادة، وكلل أو ضعف إرادة، وطمع مالٍ أو استزادة.
فصل: الصراط المستقيم ما عليه من الكتاب والسنة دليل، وليس للبدعة عليه سلطان ولا إليه سبيل. الصراط المستقيم ما شهدت بصحته دلائل التوحيد، ونبهت عليه شواهد التحقيق، الصراط المستقيم ما دَرَجَ عليه سَلَفُ الأمة، ونطقت بصوابه دلائل العبرة. الصراط المستقيم ما باين الحظوظَ سالكُه، وفارق الحقوقَ قاصدُه. الصراط المستقيم ما يُفْضِي بسالكه إلى ساحة التوحيد، ويُشْهِدُ صاحبَه أثرَ العناية والجود، لئلا يظنَّه موجَبٌ (ببدل) المجهود.
-----
لطائف الإشارات للقشيري


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 03, 2022 2:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358

قوله تعالى: {ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ}: اي اهْدِنا مراك منّالان الطريق المستقمَ ما اراد المؤمن الخلق من الصدق والخلاص في عبوديته وايضاً ارشِدُنا الى ما انت عليه وايضاً اهْدِنِا انابتك حتى نتّصف بصفاتك وايضاً ادنا الى معرفتك حتى نستريح من معاملتنا بنسيم انسك وحقائق حسنك وقيل معنى اهِدِنا اي----- بقلوبنا اليك------ بين يديك وكن دليلَنا منك اليك حتى لا تقطع عمالك بك وقيل اي ارشدنا طريق المرعفة حتى تستقيم معك بخدمتك وقيل ارِنَا طريق الشكر فنقْرحَ ونَطِرب بقربك وقيل اهدنا بفناء او صافا الطريق الى وصافاته التي لم يزل ولا ينالك وقيل اعدنا هدى العيان بعد لبيان لتستقيم -----حسب ارادتك وقيل اعدنا هدى من يكون منك مَبُدالا حتى يكون اليك منتهاه وقيل اهدِنا الصّراط المستقيم ----- عن الصّراط لئلاّ يكون مربوطاً بالصّراط قال الجنيد أن القوم لما سألوا الهدياة عز الحيرة التي وردت عليهم عن اشهاد صفاته الازليّة فسألو الهداية الى اوصات العبوديّة كيلا تستغرق في روية صفات الازليّة قال بعضهم اليك قصدنات ومنا قيل اهدنا القوة والتمكين وقال الحسين اي اهدِنا طريق المحبة لك والسعى اليك قال الشلبي اهدنا صراط الاولياء والاصفياء وقال بعضهم ارشدنا الي لا اعوجاج فيه وهوالاسلام وقيل ارشدنا في الدنيا الى الطاعات وبلغنا في الاخرة الدرجات وقال الاستاذ اي ازل عنّاظلمتِ احوالنا لنستضئ بانوار قدسك عن التفيؤ لظلال طلبنا وارفع عنّا ظلّ جَهدنا لنستبصر بنجوم جودك فنجدك بك قال الحسينُ ادنا الى طاعتك كما ارشَدَنا الى علم توحيد قال على بن ابي طالب كرم الله وجهه اهدِنا اي ثبتنا على الطريق المستقيم والمنهج القويم.
-----
عرائس البيان في حقائق القرآن للبقلي


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 07, 2022 1:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ٦ -الفاتحة
روح البيان في تفسير القرآن
{اهدنا الصراط المستقيم} بيان المعونة المطلوبة كانه قيل كيف اعينك فقالوا اهدنا الصراط المستقيم وايضا ان التعقيب بالدعاء بعد تمام العبادة قاعدة شرعية. قال فى التيسير { إياك نعبد } [الفاتحة: 5].
اظهار التوحيد {واياك نستعين} طلب العون عليه وقوله {اهدنا} لسؤال الثبات على دينه وهو تحقيق عبادته واستعانته وذلك لان الثبات على الهداية اهم الحاجات اذ هو الذى سأله الانبياء والاولياء كما قال يوسف عليه السلام توفنى مسلما وسحره فرعون توفنا مسلمين والصحابة وتوفنا مع الابرار وذلك لانه لا ينبغى ان يعتمد على ظاهر الحال فقد يتغير فى المآل كما لابليس وبرصيصا وبلعم بن باعورا

وفى تفسر القاضى اذا قاله العارف الواصل الى الله عنى به ارشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات احوالنا وتميط غواشى ابداننا لنستضيء بنور قدسك فنراك بنورك. قال المولى الفنارى ومبناه ان السير فى الله غير متناه كما قال قطب المحققين ولا نهاية للمعلومات والمقدورات فما دام معلوم او مقدور فالشوق للعبد لا يسكن ولا يزول واصل الهداية ان يعدى باللام أو إلى فعومل معاملة اختار فى قوله تعالى { واختار موسى قومه } [الأعراف: 155].
والصراط المستقيم استعارة عن ملة الاسلام والدين الحق تشبيها لوسيلة المقصود بوسيلة المقصد او لمحل التوجه الروحانى بمحل التوجه الجسمانى وانما سمى الدين صراطا لان الله سبحانه وان كان متعاليا عن الامكنة لكن العبد الطالب لا بد له من قطع المسافات ومس الآفات وتحمل المجافاة ليكرم لوصول والموافاة.
ثم فى قوله { اهدنا الصراط المستقيم } [الفاتحة: 6].
مع انه مهتد وجوه الاول ان لا بد بعد معرفة الله تعالى والاهتداء بها من معرفة الخط المتوسط بين الافراط والتفريط فى الاعمال الشهوية والغضبية وانفاق المال والمطلوب ان يهديه الى الوسط والثانى انه وان عرف الله بدليل فهناك ادلة اخرى فمعنى اهدنا عرفنا ما فى كل شئ من كيفية دلالته على ذاتك وصفاتك وافعالك. والثالث ان معنا بموجب قوله تعالى { وأن هذا صراطي مستقيما } [الأنعام: 153].
طلب الاعراض عما سوى الله وان كان نفسه والاقبال بالكلية عليه حتى لو امر بذبح ولده كابراهيم عليه السلام او بان ينقاد للذبح كاسماعيل عليه السلام او بأن يرمي نفسه في البحر كيونس عليه السلام أو بأن يتلمذ مع بلوغه اعلى درجات الغايات كموسى او بان يصير في الأمر بالمعروف على القتل والشق بنصفين كيحيى وزكريا عليهما السلام فعل وهذا مقام هائل الا ان فى قوله { صراط الذين أنعمت عليهم } [الفاتحة: 7] دون ان يقول صراط الذين ضربوا وقتلوا تيسيرا ما وترغيبا الى مقام الانبياء والاولياء من حيث انعامهم ثم الاستقامة الاعتدالية ثم الثبات عليها امر صعب ولذا قال النبى صلى الله عليه وسلم "شيبتنى هود واخواتها" .
حيث ورد فيها فاستقم كما امرت فان الانسان من حيث نشأته وقواه الظاهرة والباطنة مشتمل على صفات واخلاق طبيعية وروحانية ولكل منها طرفا افراط وتفريط والواجب معرفة الوسط من كل ذلك والبقاء عليه وبذلك وردت الاوامر ونطقت الآيات كقوله تعالى { ولا تجعل يدك مغلولة } [الإسراء: 29].
الآية حرضة على الوسط بين البخل والاسراف وكقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله مستشيرا فى الترهيب وصيام الدهر وقيام الليل كله بعد زجره اياه "ان لنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا فصم وافطر وقم ونمbr>" . وهكذا فى الاحوال كلها نحو قوله تعالى { ولا تجهر بصلاتكَ ولا تخافت بها } [الإسراء: 110] ولم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. { ما زاغ البصر وما طغى } [النجم: 17].
"ولما رأى صلى الله عليه وسلم عمر رضى الله عنه يقرأ رافعا صوته سأله فقال اوقظ الوسنان واطرد الشيطان قال عليه السلام اخفض من صوتك قليلا واتى اباك بكر رضى الله عنه فوجده يقرأ خافضا صوته فسأله فقال قد اسمعت من ناجيت فقال عليه السلام ارفع من صوتك قليلا" وهكذا الامر فى باقى الاخلاق فان الشجاعة صفة متوسطة بين الهور والجبن والبلاغة بين الايجاز المجحف والاطناب المفرط وشريعتنا قد تكلفت بيان ميزان الاعتدال فى كل ترغيب وترهيب وحال وحكم وصفة وخلق حتى عينت للمذمومة مصارف اذا استعملت فيها كانت محمودة كالمنع لله والبغض لله.
والمستقيم على اقسام منها مستقيم بقوله وفعله وقلبه ومستقيم بقلبه وفعله دون قوله اى لم يعلم احدا ولهذين الفوز والاول اعلى ومستقيم بفعله وقوله دون قلبه وهذا يرجى له النفع بغيره ومنها مستقيم بقوله وقلبه دون فعله ومستقيم بقوله دون فعله وقلبه ومستقيم بقلبه دون قوله وفعله ومستقيم بفعله دون قوله وقلبه وهؤلاء الاربعة عليهم لا لهم وان كان بعضهم فوق بعض ولبس المراد بالاستقامة بالقول ترك الغيبة والنميمة وشبههما فان الفعل يشتمل ذلك.
انما المراد بها ارشاد الغير الى الصراط المستقيم وقد يكون عريا مما يرشد اليه مثال اجتماعها رجل تفقه فى امر صلاته وحققها ثم علمها غيره فهذا مستقيم فى قوله ثم حضر وقتها فاداها على ما علمها محافظا على اركانها الظاهرة فهذا مستقيم فى فعله ثم علم ان مراد الله منه من تلك الصلاة حضور قلبه معه فاحضره فهذا مسقتيم بقلبه وقس على ذلك بقية الاقسام.
وفى التأويلات النجمية ان اقسام الهداية ثلاثة.
الاولى هداية العامة أي عامة الحيوانات الى جلب منافعها وسلب مضارها واليه اشار بقوله تعالى { أعطى كل شئ خلقه ثم هدى } [طه: 50].
وقوله { وهديناه النجدين } [البلد: 10].
والثانية هداية الخاصة اى للمؤمنين الى الجنة واليه الاشارة بقوله تعالى { يهديهم ربهم بإيمانهم } [يونس: 9] الآية.
والثالثة هداية الاخص وهى هداية الحقيقة الى الله بالله وإليه الاشارة بقوله تعالى { قل إن هدى الله هو الهدى } [البقرة: 120].
وقوله { وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين } [الصافات: 99].
وقوله { الله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب } [الشورى: 13] وقوله { ووجدك ضالا فهدى } [الضحى: 7].
اى كنت ضالا فى تيه وجودك فطلبتك بجودى ووجدتك بفضلى ولطفى وهديتك بجذبات عنايتى ونور هدايتى الى وجعلتك نورا فاهدى بك الى من اشاء من عبادى فمن اتبعك وطلب رضاك فنخرجهم من ظلمات الوجود البشرى الى نور الوجود الروحانى ونهديهم الى صراط مستقيم كما قال تعالى { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله } [المائدة: 15] والصراط المستقيم هو الدين القويم وهو ما يدل عليه القرآن العظيم وهو خلق سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فيما قال تعالى { وإنك لعلى خلق عظيم } [القلم: 4] ثم هو اما الى الجنة وذلك لاصحاب اليمين كما قال تعالى { والله يدعوا إلى دار السلام } [يونس: 25].
الآية واما الى الله تعالى وهذا للسابقين المتقربين كما قال تعالى { إلى صراط مستقيم صراط الله } [الشورى: 52-53] وكل ما يكون لاصحاب اليمين يحصل للسابقين وهم سابقون على اصحاب اليمين بمالهم من شهود الجمال وكشف الجلال وهذا خاصة لسيد المرسلين ومتابعيه كما قال تعالى { قل هذه سبيلى أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى } : [يوسف: 108].
----
روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ)




_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2022 11:44 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ٦ -الفاتحة
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
قلت: الهدايةُ في الأصل: الدلالة بلطف، ولذلك تُستعمل في الخير، وقوله: { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } [الصَّافات: 23] على التهكم، والفعل منه (هَدَى) بالفتح، وأصله أن يُعدى باللام، أو "إلى"، فَعْومل هنا معاملة: { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ } [الأعرَاف: 155]. والصراط لغة: الطريق، مشتق من سَرَط الطعامَ إذا ابتعله، فكأنها تبتلع السابلةَ؛ أي المارَّة به، وَقُلِبَتْ السين صاداً لتطابق الطاء في الإطباق، وقد تُشَمُّ زاياً لقرب المَخرج، و {المستقيم}: الذي لا عوج فيه، والمراد به طريق الحق المُوصَّلة إلى الله.
يقول الحقّ جلّ جلاله: مُعلماً لعباده كيف يطلبونه، وما ينبغي لهم أن يطلبوا، أي: قُولوا {اهدنا} أي: أَرشِدْنا إلى الطريق المستقيم، الموصلة إلى حضرة النعيم، والطريقُ المستقيم هو السيرُ على الشريعة المحمدية في الظاهر، والتبرِّي من الحول والقوة في الباطن، أو تقول: هو أن يكون ظاهرُك شريعةً وباطنك حقيقة، ظاهرك عبودية وباطنك حرية، الفرق على ظاهرك موجود والجمع في باطنك مشهود، وفي الحكم: "متى جَعَلَك في الظاهر ممتثلاً لأمره وفي الباطن مستسلماً لقهره، فقد أعظم المِنَّة عليك".
فالصراط المستقيم الذي أمرَنَا الحقُّ بطلبه هو: الجمع بين الشريعة والحقيقة، والمفهوم من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفَاتِحَة: 5]، ولذلك وصلَه به، فكأن الحق - سبحانه - يقول: "يا عبادي احمدوني ومجدوني وأفردوني بالقصد وخُصُّوني بالعبادة، وكونوا في ظاهركم مشتغلين بعبادتي، وفي باطنكم مستعينين بحولي وقوتي، أو كونوا في ظاهركم متأدبين بخدمتي، وفي باطنكم مشاهدين لقدرتي وعظمة ربوبيتي" .
وقال سيّدنا عليّ - كَرَّمَ الله وجهه -: (الصراط المستقيم هنا القرآن). وقال جابر رضي الله عنه: (هو الإسلام) يعني الحنيفية السمحاء وقال سهل بن عبد الله: (هو طريق محمد صلى الله عليه وسلم). يعني اتباعَ ما جاء به. وحاصله ما تقدم من إصلاح الظاهر بالشريعة والباطن بالحقيقة، فهذا هو الطريق المستقيم الذي من سلطه كان من الواصلين المقربين مع النبيين والصدِّيقين.
فإن قلت: إذا كان العبدُ ذاهباً على هذا المنهاج المستقيم، فكيف يطلب ما هو حاصل؟ فالجواب: أنه طلب التثبيت على ما هو حاصل، والإرشاد إلى ما هو ليس بحاصل، فأهل مقام الإسلام يطلبون الثبات على الإسلام، الذي هو حاصل، والترقي إلى مقام الإيمان الذي ليس بحاصل، على طريق الصوفية، الذين يخصون العمل الظاهر بمقام الإسلام، والعمل الباطن بمقام الإيمان، وأهلُ الإيمان يطلبون الثبات على الإيمان الذي هو حاصل، والترقي إلى مقام الإحسان الذي ليس بحاصل، وأهل مقام الإحسان يطلبون الثبات على الإحسان، والترقي إلى ما لا نهاية له من كشوفات العرفان { وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَليمٌ } [يُوسُف: 76].
وقال الشيخ أبو العباس المرس رضي الله عنه: {اهدنا الصراط المستقيم} بالتثبيت فيما هو حاصل، والإرشاد فيما ليس بحاصل، ثم قال: عمومُ المؤمنين يقولون: {اهدنا الصراط المستقيم} أي: بالتثبيت فيما هو حاصل، والإرشاد لما ليس بحاصل، فإنه حصل لهم التوحيد وفاتَهُم درجات الصالحين، والصالحون يقولون: {اهدنا الصراط المستقيم} معناه: نسألك التثبيت فيما هو حاصل والإرشاد إلى ما ليس بحاصل، فإنهم حصل لهم الصلاح وفاتهم درجات الشهداء، والشهداءُ يقولون: {اهدنا الصراط المستقيم} أي بالتثبيت فيما هو حاصل والإرشاد إلى ما ليس بحاصل، فإنهم حصلت لهم الشهادة وفاتهم درجات الصديقين، والصديقون يقولون: {اهدنا الصراط المستقيم} أي: بالتثبيت فيما هو حاصل والإرشاد إلى ما ليس بحاصل، فإنهم حَصل لهم درجات الصديقين وفاتهم درجات القطب، والقطبُ يقول: {اهدنا الصراط المستقيم} بالتثبت فيما هو حاصل والإرشاد إلى ما ليس بحاصل، فإنه حصل له رتبة القطبانية، وفاته علم ما إذا شاء الله أن يطلعه عليه أطلعه. هـ.
وقال بعضهم: الهدايةُ إما للعين وإما للأثرِ الدالَّ على العين، ولا نهاية للأولى، قلت: فالأولى لأهل الشهود والعِيان، والثانية لأهل الدليل والبرهان، فالهداية للعين هي الدلالةُ على الله. والهداية للأثر هي الدلالة على العمل، "مَنْ دَلَّكَ على الله فقد نصحك، ومن دلَّك على العمل فقد أتعبك". وإنما كانت الأولى لا نهاية لها؛ لأن الترقي بعد المعرفة لا نهاية له. بخلاف الدلالة على الأثر فنهايتها الوصول إلى العين، إن كان الدالُّ عارفاً بالطريق.
قال البيضاوي: وهداية الله تتنوَّعُ أنواعاً لا يحصيها عد { وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحصُوهَآ } [إبراهيم: 34] لكنها تنحصر في أجناس مترتبة:
الأول: إِفاضَةُ الُقُوَى التي بها يتمكنُ المرء من الاهتداء إلى مصالحه، كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة.
الثاني: نَصْبُ الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد، وإليه الإشارة بقوله: { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } [البَلَد: 10]، وقال: { فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } [فُصّلَت: 17].
الثالث: الهدايةُ بإرسال الرسل وإنزال الكُتُب، وإياها عني بقوله: { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [الأنبيَاء: 73]، وقوله: { إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ } [الإسرَاء: 9].
الرابع: أن يكشف عن قلوبهم السرائر ويُرِيَهُمْ الأشياءَ كما هي بالوحي والإلهام والمنامات الصادقة. وهذا يختص بِنَيْله الأنبياءُ والأولياءُ، وإياه عني بقوله: { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } [الأنعام: 90]، { وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العَنكبوت: 69].
فالمطلوب: إما زيادةُ ما مُنحوه من الهدى والثباتُ عليه، أو حصولُ المراتب المترتبة عليه، فإذا قال العارفُ الواصل عَنَى بقوله: أرشدنا طريق السير فيك، لتمحُوَ عنا ظلماتِ أحوالنا، وتُمِيطَ غواشِيَ أبداننا، لنستضيء بنور قدسك فنراكَ بنورك. هـ.
قلت: قوله الرابع... الخ، في عبارته قَلَقٌ واختصار، والصواب أن يقول: الرابعُ - أن يكشف عن قلوبهم الظُّلَمَ والأغيار، ويُشرق عليها الأنوار والأسرار، ويُريهم الأشياء كما هي بالوحي والإلهام، وباستعمال الفكرة في عظمةِ الملك العلاَّم، حتى تستولي أنوارُ المعاني على حِسِّ الأواني، ثم يقول: وهذا قسم يختصّ بنيله الأنبياء والأولياء.
وقوله: فإذا قال العارف... الخ، الصواب أن يقول: فإذا قاله المريد السائر؛ لأن الواصل انمحت عنه الظلماتُ كلها والغواشي وسائرُ الأكدار؛ لأن الله تعالى غطَّى وصفه بوصفه ونعته بنعته، فلم يَبْقَ له وصفٌ ظُلماني. وأيضاً قوله: [أرشدنا إلى طريق السير] إنما يناسب السائر دون الواصل؛ لأن الواصل ما بَقِيَ له إلا الترقي، ولا يُسمى في اصطلاح الصوفية [السير] إلا قبلَ الوصول. والله تعالى أعلم.
-----
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ)



_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 13, 2022 1:11 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358

ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ٦ -الفاتحة
تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
معناه ثبتنا، لأنهم كانوا مهتدين، وإنما هو رغبة إلى الله أن يثبتنا على ذلك حتى يأتي الموت ونحن عليه.
وقيل: معناه / ألهمنا الثبات على الصراط المستقيم، وهو دين الإسلام، وهو مروي عن ابن عباس.
و "هَدَى" يكون بمعنى: "أَرْشَد"، نحو قوله: { وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } [ص: 22]، أي أرشدنا.
ويكون بمعنى "بَيَّنَ" كقوله: { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ } [فصلت: 17]، أي بينّا لهم الصواب من الخطأ، فاستحبوا الخطأ.
ويكون بمعنى "أَلْهَمَ" كقوله: { ثُمَّ هَدَىٰ } [طه: 50]، / أي ألهم الذَّكَر من الحيوان إلى إتيان الأنثى.
وقيل: معناه ألهم المصلحة ويكون هدى بمعنى "وَفَّقَ" كما قال" { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 258] أي لا يوفقهم.
والصراط المستقيم كتاب الله. وهو مروي عن النبي [عليه السلام].
وقال ابن عباس: "هو الطريق إلى الله عز وجل".
وعن جماعة من الصحابة أنه الإسلام.
وقال جابر بن عبد الله: "هو الإسلام وهو أوسع مما بين السماء والأرض".
وعن أبي العالية أنه: "رسول الله صلى الله عليه وسلم / وصاحباه ابو بكر وعمر".
وهو قول الحسن.
وأصله الطريق الواضح.
وقال ابن الحنفية: "هو دين الله تعالى".
وسمي مستقيماً لأنه لا عوج فيه ولا خطأ.
وقيل: سمي بذلك لاستقامته بأهله إلى الجنة.
وأصل {ٱلْمُسْتَقِيمَ}: "الْمُسْتَقْوِم"، فألقيت حركة الواو على القاف وبقيت الواو ساكنة فقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. كما قالوا ميزان، وهو من الوزن. وأصله "مِوْزَان"، ثم قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وكذلك يقلبون الياء واواً إذا انضم ما قبلها نحو "مُوقِنٍ" و "موسِرٍ" لأنه من اليقين واليسار.
----
تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ)


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 14, 2022 12:02 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


{صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بدل من {ٱلصِّرَاطَ} الأول بدل الكل من الكل وهو الذي يسميه ابن مالك البدل الموافق أو المطابق تحاشياً من إطلاق الكل على الله تعالى في مثل { صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ * ٱللَّهِ } [إبراهيم: 1-2]. وفائدة الإبدال تأكيد النسبة بناءً على أن البدل في حكم تكرير العامل والإشعار بأن الصراط المستقيم بيانه وتفسيره صراط المسلمين فيكون ذلك شهادة لاستقامة صراطهم على أبلغ وجه وآكده، وقيل صفة له. ومن غريب المنقول أن الصراط الثاني غير الأول وكأنه نوى فيه حرف/ العطف وفي تعيين ذلك اختلاف، فعن جعفر بن محمد هو العلم بالله والفهم عنه وقيل موافقة الباطن للظاهر في إسباغ النعمة وقيل التزام الفرائض والسنن ولا يخفى أن هذا القول خروج عن الصراط المستقيم فلا نتعب جواد القلم فيه. وقرأ ابن مسعود وزيد بن علي {صراط من أنعمت عليهم} وهو المروي عن عمر وأهل البيت رضي الله تعالى عنهم. قال الشهاب: وفيه دليل على جواز إطلاق الأسماء المبهمة {كَمَنْ} على الله تعالى انتهى. وهو خبط ظاهر إذ الإضافة إلى المفعول لا الفاعل.

والإنعام إيصال الإحسان إلى الغير من العقلاء كما قاله الراغب فلا يقال أنعم على فرسه ولذا قيل إن النعمة نفع الإنسان من دونه لغير عوض، واختلف في هؤلاء المنعم عليهم فقيل المؤمنون مطلقاً وقيل الأنبياء وقيل أصحاب موسى وعيسى عليهما السلام قبل التحريف والنسخ. وقيل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما. وقيل الأولى ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بالذين أنعمت عليهم الأنبياء والملائكة والشهداء والصديقون ومن أطاع الله تعالى وعبده وإليه يشير قوله تعالى: { فأُولَـئِكَ مع ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّيْنَ وَٱلصّدّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاء وَٱلصَّـٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً } [النساء: 69] فما في هاتيك الأقوال اقتصار على بعض الأفراد. ولم يقيد الأنعام ليعم { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [إبراهيم: 34] وقيل أنعم عليهم بخلقهم للسعادة. وقيل بأن نجاهم من الهلكة. وقيل بالهداية وفي بناء أنعمت للفاعل استعطاف فكأن الداعي يقول أطلب منك الهداية إذ سبق إنعامك فاجعل من إنعامك إجابة دعائنا وإعطاء سؤالنا وسبحانه ما أكرمه كيف يعلمنا الطلب ليجود على كل بما طلب:

لو لم ترد نيل ما نرجو ونطلبه من فيض جودك ما علمتنا الطلبا
----
روح المعاني الألوسي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة سبتمبر 16, 2022 7:31 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


وأول ما يطلب المؤمن هو الهداية والصراط المستقيم: {ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6].
والهداية نوعان: هداية دلالة وهداية معونة. هداية الدلالة هي للناس جميعا .. وهداية المعونة هي للمؤمنين فقط المتبعين لمنهج الله. والله سبحانه وتعالى هدى كل عباده هداية دلالة أي دلهم على طريق الخير وبينه لهم .. فمَنْ أراد أن يتبع طريق الخير اتبعه .. ومَنْ أراد ألا يتبعه تركه الله لما أراد.
هذه الهداية العامة هي أساس البلاغ عن الله. فقد بَيَّنَ الله تبارك وتعالى في منهجه بافعل ولا تفعل ما يرضيه وما يغضبه .. وأوضح لنا الطريق الذي نتبعه لنهتدي. والطريق الذي لو سلكناه حق علينا غضب الله وسخطه .. ولكن هل كل مَنْ بين له الله سبحانه وتعالى طريق الهداية اهتدى؟ .. نقول لا .. واقرأ قوله جل جلاله: { { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [فصلت: 17].
إذن هناك مَنْ لا يأخذ طريق الهداية بالاختيار الذي أعطاه الله له .. فلو أن الله سبحانه وتعالى أرادنا جميعا مهديين .. ما استطاع واحد من خلقه أن يخرج على مشيئته. ولكنه جل جلاله خلقنا مختارين لنأتيه عن حب ورغبة بدلا من أن يقهرنا على الطاعة .. ما الذي يحدث للذين اتبعوا طريق الهداية والذين لم يتبعوه وخالفوا مراد الله الشرعي في كونه؟
الذين اتبعوا طريق الهداية يعينهم الله سبحانه وتعالى عليه ويحببهم في الإيمان والتقوى ويحببهم في طاعته .. واقرأ قوله تبارك وتعالى: { { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [محمد: 17].
أي أن كل من يتخذ طريق الهداية يعينه الله عليه .. ويزيده تقوى وحبا في الدين .. أما الذين إذا جاءهم الهدى ابتعدوا عن منهج الله وخالفوه .. فإن الله تبارك وتعالى يتخلى عنهم ويتركهم في ضلالهم. واقرأ قوله تعالى: { { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف: 36].
والله سبحانه وتعالى قد بَيَّنَ لنا المحرومين من هداية المعونة على الإيمان وهم ثلاثة كما بَيَّنْهُم لنا في القرآن الكريم: { { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [النحل: 107]. { { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [المائدة: 108] { { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 258].
إذن فالمطرودون من هداية الله في المعونة على الإيمان هم الكافرون والفاسقون والظالمون .. الحق سبحانه وتعالى يقول: {ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] ما هو الصراط؟ .. إنه الطريق الموصلة إلى الغاية. ولماذا نص على أنه الصراط المستقيم. لأن الله سبحانه وتعالى وضع لنا في منهجه الطريق المستقيم .. وهو أقصر الطرق إلى تحقيق الغاية .. فأقصر طريق بين نقطتين هو الطريق المستقيم. ولذلك إذا كنت تقصد مكانا فأقصر طريق تسلكه هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه ولكنه مستقيم تماما.
ولا تحسب أن البعد عن الطريق المستقيم يبدأ باعوجاج كبير. بل باعوجاج صغير جدا ولكنه ينتهي إلى بُعد كبير.
ويكفي أن تراقب قضبان السكة الحديد .. عندما يبدأ القطار في اتخاذ طريق غير الذي كان يسلكه فهو لا ينحرف في أول الأمر إلا بضعة ملليمترات .. أي أن أول التحويلة ضيق جدا وكلما مشيت اتسع الفرق وازداد اتساعا. بحيث عند النهاية تجد أن الطريق الذي مشيت فيه يبعد عن الطريق الأول عشرات الكيلو مترات وربما مئات الكيلو مترات .. إذن فأي انحراف مهما كان بسيطا يبعدك عن الطريق المستقيم بعدا كبيرا .. ولذلك فإن الدعاء: {ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] أي الطريق الذي ليس فيه إعوجاج ولو بضعة ملليمترات .. الطريق الذي ليس فيه مخالفة تبعدنا عن طريق الله المستقيم.
لذلك فإن الإنسان المؤمن يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يهديه إلى أقصر الطرق للوصول إلى الغاية .. وما هي الغاية؟ انها الجنة والنعيم في الآخرة .. ولذلك نقول يا رب اهدنا وأعنا على أن نسلك الطريق المستقيم وهو طريق المنهج ليوصلنا إلى الجنة دون أن يكون فيه أي اعوجاج يبعدنا عنها.
ولقد قال الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي: إنه إذا قال العبد: {ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] يقول جل جلاله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
----
مولانا الشيخ الشعراوي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة سبتمبر 23, 2022 11:05 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ ٧ -الفاتحة
حقائق التفسير
قوله تعالى: {صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.
صراط الذين أنعمت عليهم أى: مقام الدين. أنعمت عليهم بالمعرفة وهم العارفون، وأنعم على الأولياء بالصدق والرضا واليقين، وأنعم على الأبرار بالحلم والرأفة وأنعم على المريدين بحلاوة الطاعة، وأنعم على المؤمنين بالاستقامة، هذا قول ابن عطاء.
وحُكى عن أبى عثمان أنه قال: صراط الذين أنعمت عليهم بأن عَرَّفتهم مهالك الصراط ومكايد الشيطان وخيانة النفس.
وحُكى عن محمد بن الفضل أنه قال: صراط الذين أنعمت عليهم لقبول ما افترضت عليهم.
وقال أبو الحسن الوراق: صراط الذين أنعمت عليهم بالعناية على الاستقامة فى طريق مناجاتك.
وقال بعضهم صراط الذين أنعمت عليهم فى سابق الأزل بالسعادة.
وحُكى عن بعض البغداديين أنه قال: مَن أفنيته عن النظر إلى النعمة بدوام التنعم بقربك ومؤانستك.
وقال بعضهم: صراط الذين أنعمت عليهم بالنظر إلى جريان ما جرى عليهم فى الأزل فلم يشغلهم كشف ذلك لهم عن الشغل بك.
وحُكى عن مالك بن أنس أنه سئل عن قوله {صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فقال: متابعة النبى صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: صراط الذين أنعمت عليهم بالإيمان والهداية والتوفيق والرعاية والمراقبة والكلاءة.
وقال جعفر بن محمد: صراط الذين أنعمت عليهم بالعلم بك والفهم عنك.
وقال بعض البغداديين: صراط الذين أنعمت عليهم بفناء حظوظهم وقيامهم معك حسن الأدب.
وقيل: صراط الذين أنعمت عليهم بمشاهدة المنعم بغير النعمة.
وقيل: صراط الذين أنعمت عليهم بالإسلام ظاهرًا والإيمان باطنًا. قال الله تعالى { { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } } [لقمان: 20] وقيل: صراط الذين أنعمت عليهم بإزالة ظلمات الأكوان عن سرائرهم وطهرت أرواحهم بنور قدسك فشاهدوك بهممهم، ولم يشاهدوا معك سواك.
وقال محمد بن على: صراط الذين أنعمت عليهم قال الذين زممت جوارحهم بالهيبة عند خدمتك.
وقيل: صراط الذين أنعمت عليهم من غيبك المستتر بأنوار هدايتك.
وقيل: صراط الذين أنعمت عليهم بعبادتك على المشاهدة. كما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم " "أن تعبد الله كأنك تراه" ". وسُئل سهل بن عبد الله عن قوله صراط الذين أنعمت عليهم قال: متابعة السُّنة.
وقيل أيضاً: صراط الذين أنعمت عليهم بأن أذنت لهم فى مناجاتك وسؤالك.
أخبرنا نصر بن محمد الأندلسى قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن هلال بن نزار العطار قال: حدثنا الحسن بن محمد بن حيان الفريانى قال: حدثنا أحمد بن عبد الواحد قال: حدثنا محمد بن ميمون قال حدثنا معاذ بن هلال قال: حدثنا إسماعيل بن حسام عن الحسن فى قوله صراط الذين أنعمت عليهم قال: أبو بكر وعمر رضى الله عنهم.
قوله تعالى: {غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ}.
قال ابن عطاء: غير المخذولين ولا المطرودين ولا المهانين ولا الضالين الذين ضلوا عن طريق هدايتك ومعرفتك وسبيل ولايتك.
وقيل: غير المغضوب عليهم فى طريق الهلكى، ولا الضالين عن طريق الهدى باتباع الهوى.
وقيل: غير المغضوب عليهم المستهلكين فى مفاوز الشيطان، ولا الضالين المطرودين عن طاعة الرحمن.
وقيل: غير المغضوب عليهم برؤية الأفعال ولا الضالين عن رؤية المنن، وقيل غير المغضوب عليهم بطلب الأعواض على أعمالهم ولا الضالين عن طريق الشكر بتيسير الخدمة عليهم.
وقيل: غير المغضوب عليهم بترك حسن الأدب فى أوقات القيام بخدمتك، ولا الضالين عن... فيستغفر وينيب.
وقيل: غير المغضوب عليهم بالرياء ولا الضالين بترك السنن فى أركان العبادات.
وقال أبو عثمان: غير المغضوب عليهم بترك قراءة هذه السورة فى صلواتهم، ولا الضالين عن ترك قراءتها.
وقيل: غير المغضوب عليهم بأن وكلتهم إلى أنفسهم ولا الضالين بقطعك الاعتصام عنهم.
وقيل: غير المغضوب عليهم باتباع البدع ولا الضالين عن سنن الهدى والسنة فى قول القائل آمين بعد قراءة هذه السورة فى صلاته والجهر به.
وقال ابن عطاء: أى كذلك فافعل ولا تكلنى إلى نفسى طرفة عين.
وقال جعفر: آمين أى: قاصدين نحوك وأنت أكرم من أن تجيب قاصدك.
وقال الجنيدرحمه الله : معنى آمين أى: عاجزين عن بلوغ الثناء عليك بصفاتنا إلا باتباع محمد الأمين فيه.
وقال بعض العراقيين: آمين أى: راجين لإجابة هذه الدعوات التى دعوتك بها.
وقال بعضهم مستقيلين من جميع اسؤلَتِنا؛ لأن حسن اختيارك لنا خير من اختيارنا.
وقيل: آمين أى: راضين بما قضيت علينا ولنا.
----
حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ)




_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 29, 2022 12:04 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


قوله جل ذكره {صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.
يعني طريق من أنعمتَ عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم، وهم الأولياء والأصفياء. ويقال طريق من (أفنيتهم) عنهم، وأقمتهم بك لك، حتى لم يقفوا في الطريق، ولم تصدهم عنك خفايا المكر. ويقال صراط من أنعمت عليهم بالقيام بحقوقك دون التعريج على استجلاب حظوظهم.
ويقال صراط من (طهرتهم) عن آثارهم حتى وصلوا إليك بك.
ويقال صراط من أنعمت عليهم حتى تحرروا من مكائد الشيطان، ومغاليط النفوس ومخاييل الظنون، وحسبانات الوصول قبل خمود آثار البشر (ية).
ويقال صراط من أنعمت عليهم بالنظر والاستعانة بك، والتبري من الحول والقوة، وشهود ما سبق لهم من السعادة في سابق الاختيار، والعلم بتوحيدك فيما تُمضيه من المَسَار والمضار.
ويقال صراط الذين أنعمت عليهم بحفظ الأدب في أوقات الخدمة، واستشعار نعت الهيبة.
ويقال صراط الذين أنعمت عليهم بأن حفظت عليهم آداب الشريعة وأحكامها عند غلبات (بواده) الحقائق حتى لم يخرجوا عن حد العلم، ولم يُخِلُّوا بشيء من أحكام الشريعة. ويقال صراط الذين أنعمت عليهم حتى لم تطفئ شموسُ معارفهم أنوارَ ورعهم ولم يُضيِّعُوا شيئاً من أحكام الشرع.
ويقال صراط الذين أنعمتَ عليهم بالعبودية عند ظهور سلطان الحقيقة.
قوله جل ذكره: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}.
المغضوب عليهم الذين صدمتهم هواجم الخذلان، وأدركتهم مصائب الحرمان، وركبتهم سطوة الرد، وغلبتهم بَوَاده الصد والطرد.
ويقال هم الذين لحقهم ذل الهوان، وأصابهم سوء الخسران، فشغلوا في الحال باجتلاب الحظوظ - وهو في التحقيق (شقاء)؛ إذ يحسبون أنهم على شيء، وللحق في شقائهم سر.
ويقال هم الذين أنِسُوا بنفحات التقريب زماناً ثم أظهر الحق سبحانه في بابهم شانا؛ بُدِّلوا بالوصول بعاداً، وطمعوا في القرب فلم يجدوا مراداً، أولئك الذين ضلّ سعيُهم، وخاب ظنهم.
ويقال غير المغضوب عليهم بنسيان التوفيق، والتعامي عن رؤية التأييد. ولا الضالين عن شهود سابق الاختيار، وجريان التصاريف والأقدار.
ويقال غير المغضوب عليهم بتضييعهم آداب الخدمة، وتقصيرهم في أداء شروط الطاعة.
ويقال غير المغضوب عليهم هم الذين تقطعوا في مفاوز الغيبة، وتفرّقت بهم الهموم في أودية وجوه الحسبان.
فصل: ويقول العبد عند قراءة هذه السورة آمين، والتأمين سُنَّة، ومعناه يا رب افعل واستجب، وكأنه يستدعي بهذه القالة التوفيق للأعمال، والتحقيق للآمال، وتحط رِجْلُه بساحات الافتقار، ويناجي حضرة الكرم بلسان الابتهال، ويتوسل (بتبريه) عن الحول والطاقة والمُنَّة والاستطاعة إلى حضرة الجود. وإن أقوى وسيلة للفقير تعلقه بدوام الاستعانة لتحققه بصدق الاستغاثة.
----
لطائف الإشارات للقشيري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 301 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8 ... 21  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 7 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط