موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 309 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 4, 5, 6, 7, 8, 9, 10 ... 21  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يناير 05, 2023 6:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2414


الۤـمۤ
بدأت سورة البقرة بقوله تعالى: {الۤمۤ} [البقرة: 1] .. وهذه الحروف حروف مقطعة .. ومعنى مقطعة أن كل حرف ينطق بمفرده. لأن الحروف لها أسماء ولها مسميات .. فالناس حين يتكلمون ينطقون بمسمى الحرف وليس باسمه .. فعندما تقول كتب تنطق بمسميات الحروف. فإذا أردت أن تنطق بأسمائها. تقول كاف وتاء وباء .. ولا يمكن أن ينطق بأسماء الحروف إلا من تعلم ودرس، أما ذلك الذي لم يتعلم فقد ينطق بمسميات الحروف ولكنه لا ينطق بأسمائها، ولعل هذه أول ما يلفتنا. فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ولذلك لم يكن يعرف شيئا عن أسماء الحروف .. فإذا جاء ونطق بأسماء الحروف يكون هذا إعجازاً من الله سبحانه وتعالى .. بأن هذا القرآن موحى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم .. ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم درس وتعلم لكان شيئاً عادياً أن ينطق بأسماء الحروف. ولكن تعالَ إلى أي أمي لم يتعلم .. إنه يستطيع أن ينطق بمسميات الحروف .. يقول الكتاب وكوب وغير ذلك .. فإذا طلبت منه أن ينطق بأسماء الحروف فإنه لا يستطيع أن يقول لك. إن كلمة كتاب مكونة من الكاف والتاء والألف والباء .. وتكون هذه الحروف دالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن ربه. وأن هذا القرآن موحى به من الله سبحانه وتعالى.
ونجد في فواتح السور التي تبدأ بأسماء الحروف. تنطق الحروف بأسمائها وتجد الكلمة نفسها في آية أخرى تنطق بمسمياتها. فـ "الم" في أول سورة البقرة نطقتها بأسماء الحروف ألف لام ميم. بينما تنطقها بمسميات الحروف في شرح السورة في قوله تعالى: { { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشرح: 1].
وفي سورة الفيل في قوله تعالى: { { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [الفيل: 1].
ما الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ينطق {الۤمۤ} [البقرة: 1] في سورة البقرة بأسماء الحروف .. وينطقها في سورتي الشرح والفيل بمسميات الحروف. لابد أن رسول الله عليه الصلاة والسلام سمعها من الله كما نقلها جبريل عليه السلام إليه هكذا. إذن، فالقرآن أصله السماع لا يجوز أن تقرأه إلا بعد أن تسمعه. لتعرف أن هذه تُقرأ ألف لام ميم والثانية تقرأ ألم .. مع أن الكتابة واحدة في الاثنين .. ولذلك لابد أن تستمع إلى فقيه يقرأ القرآن قبل أن تتلوه .. والذي يتعب الناس أنهم لم يجلسوا إلى فقيه ولا استمعوا إلى قارئ .. ثم بعد ذلك يريدون أن يقرأوا القرآن كأي كتاب. نقول لا .. القرآن له تميز خاص .. إنه ليس كأي كتاب تقرؤه .. لأنه مرة يأتي باسم الحرف. ومرة يأتي بمسميات الحرف. وأنت لا يمكن أن تعرف هذا إلا إذا استمعت لقارئ يقرأ القرآن.
والقرآن مبني على الوصل دائما وليس على الوقف، فإذا قرأت في آخر سورة يونس مثلا: { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } [يونس: 109] لا تجد النون عليها سكون بل تجد عليها فتحة، موصولة بقول الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم. ولو كانت غير موصولة لوجدت عليها سكونا.
إذن فكل آيات القرآن الكريم مبنية على الوصل .. ما عدا فواتح السور المكونة من حروف فهي مبنية على الوقف .. فلا تقرأ في أول سورة البقرة: {الۤمۤ} [البقرة: 1] والميم عليها ضمة. بل تقرأ ألفا عليها سكون ولاما عليها سكون وميما عليها سكون. اذن كل حرف منفرد بوقف. مع أن الوقف لا يوجد في ختام السور ولا في القرآن الكريم كله.
وهناك سور في القرآن الكريم بدأت بحرف واحد مثل قوله تعالى: { { صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ص: 1]. { { نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } [القلم: 1].
ونلاحظ أن الحرف ليس آية مستقلة. بينما "الم" في سورة البقرة آية مستقلة. و:"حم". و: "عسق" آية مستقلة مع أنها كلها حروف مقطعة. وهناك سور تبدأ بآية من خمسة حروف مثل "كهيعص" في سورة مريم .. وهناك سور تبدأ بأربعة حروف. مثل "المص" في سورة "الأعراف". وهناك سور تبدأ بأربعة حروف وهي ليست آية مستقلة مثل "المر" في سورة "الرعد" متصلة بما بعدها .. بينما تجد سورة تبدأ بحرفين هما آية مستقلة مثل: "يس" في سورة يس. و"حم" في سورة غافر وفصلت .. و: "طس" في سورة النمل. وكلها ليست موصلة بالآية التي بعدها .. وهذا يدلنا على أن الحروف في فواتح السور لا تسير على قاعدة محددة.
"الم" مكونة من ثلاثة حروف تجدها في ست سور مستقلة .. فهي آية في البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم والسجدة ولقمان. و"الر" ثلاثة حروف ولكنها ليست آية مستقلة. بل جزء من الآية في أربع سور هي: يونس ويوسف وهود وإبراهيم .. و: "المص" من أربعة حروف وهي آية مستقلة في سورة "الأعراف" و "المر" أربعة حروف، ولكنها ليست آية مستقلة في سورة الرعد إذن فالمسألة ليست قانوناً يعمم، ولكنها خصوصية في كل حرف من الحروف.
وإذا سألت ما هو معنى هذه الحروف؟.. نقول إن السؤال في أصله خطأ .. لأن الحرف لا يسأل عن معناه في اللغة إلا إن كان حرف معنى .. والحروف نوعان: حرف مَبْنَى وحرف معنى. حرف المبنى لا معنى له إلا للدلالة على الصوت فقط .. أمَّا حروف المعاني فهي مثل: في ومِنْ .. وعلى .. (في) تدل على الظرفية .. و(مِنْ) تدل على الابتداء و(إلى) تدل على الانتهاء .. و(على) تدل على الاستعلاء .. هذه كلها حروف معنى.
وإذا كانت الحروف في أوائل السور في القرآن الكريم قد خرجت عن قاعدة الوصل لأنها مبنية على السكون لابد أن يكون لذلك حكمة .. أولاً لنعرف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حَسَنَةٌ والحَسَنَةُ بعَشْر أمْثَالها، لا أقولُ الم حرف ولكن ألفٌ حرْفٌ ولاَمٌ حرف ومِيمٌ حرف" .
ولذلك ذكرت في القرآن كحروف استقلالية لنعرف ونحن نتعبد بتلاوة القرآن الكريم أننا نأخذ حسنة على كل حرف. فإذا قرأنا بسم الله الرحمن الرحيم. يكون لنا بالباء حسنة وبالسين حسنة وبالميم حسنة فيكون لنا ثلاثة حسنات بكلمة واحدة من القرآن الكريم. والحسنة بعشر أمثالها. وحينما نقرأ "الم" ونحن لا نفهم معناها نعرف أن ثواب القرآن على كل حرف نقرؤه سواء فهمناه أم لم نفهمه .. وقد يضع الله سبحانه وتعالى من أسراره في هذه الحروف التي لا نفهمها ثواباً وأجراً لا نعرفه، ويريدنا بقراءتها أن نحصل على هذا الأجر.
والقرآن الكريم ليس إعجازاً في البلاغة فقط. ولكنه يحوي إعجازاً في كل ما يمكن للعقل البشري أن يحوم حوله. فكل مفكر متدبر في كلام الله يجد إعجازاً في القرآن الكريم. فالذي درس البلاغة رأى الإعجاز البلاغي، والذي تعلم الطب وجد إعجازاً طبياً في القرآن الكريم. وعالم النباتات رأى إعجازاً في آيات القرآن الكريم، وكذلك عالم الفلك.
وإذا أراد إنسان منا أن يعرف معنى هذه الحروف فلا نأخذها على قدر بشريتنا .. ولكن نأخذها على قدر مراد الله فيها .. وقدراتنا تتفاوت وأفهامنا قاصرة. فكل منا يملك مِفْتاحاً من مفاتيح الفهم كل على قدر علمه .. هذا مفتاح بسيط يفتح مرة واحدة وآخر يدور مرتين .. وآخر يدور ثلاث مرات وهكذا .. ولكن مَنْ عنده العلم يملك كل المفاتيح، أو يملك المفتاح الذي يفتح كل الأبواب.
ونحن لا يصح أن نجهد أذهاننا لفهم هذه الحروف. فحياة البشر تقتضي منا في بعض الأحيان أن نضع كلمات لا معنى لها بالنسبة لغيرنا .. وإذن كانت تمثل أشياء ضرورية بالنسبة لنا. تماماً ككلمة السر التي تستخدمها الجيوش لا معنى لها إذا سمعتها. ولكن بالنسبة لمَنْ وضعها يكون ثمنها الحياة أو الموت .. فخذ كلمات الله التي تفهمها بمعانيها .. وخذ الحروف التي لا تفهمها بمرادات الله فيها. فالله سبحانه وتعالى شاء أن يبقى معناها في الغيب عنده.
والقرآن الكريم لا يؤخذ على نسق واحد حتى نتنبه ونحن نتلوه أو نكتبه. لذلك تجد مثلا بسم الله الرحمن الرحيم مكتوبة بدون ألف بين الباء والسين. ومرة تجدها مكتوبة بالألف في قوله تعالى: { { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } [العلق: 1].
وكلمة تبارك مرة تكتب بالألف ومرة بغير الألف .. ولو أن المسألة رتابة في كتابة القرآن لجاءت كلها على نظام واحد. ولكنها جاءت بهذه الطريقة لتكون كتابة القرآن معجزة وألفاظه معجزة.
ونحن نقول للذين يتساءلون عن الحكمة في بداية بعض السور بحروف .. نقول إن لذلك حكمة عند الله فهمناها أو لم نفهمها .. والقرآن نزل على أمة عربية فيها المؤمن والكافر .. ومع ذلك لم نسمع أحداً يطعن في الأحرف التي بدأت بها السور. وهذا دليل على أنهم فهموها بملكاتهم العربية .. ولو أنهم لم يفهموها لطعنوا فيها.
وأنا أنصح مَنْ يقرأ القرآن الكريم للتعبد .. ألا يشغل نفسه بالتفكير في المعنى. أما الذي يقرأ القرآن ليستنبط منه فليقف عند اللفظ والمعنى .. فإذا قرأت القرآن لتتعبد فاقرأه بسر الله فيه .. ولو جلست تبحث عن المعنى .. تكون قد حددت معنى القرآن الكريم بمعلوماتك أنت. وتكون قد أخذت المعنى ناقصاً نقص فكر البشر .. ولكن اقرأ القرآن بسر الله فيه.
إننا لو بحثنا معنى كل لفظ في القرآن الكريم فقد أخرجنا الأمي وكل مَنْ لم يدرس اللغة العربية دراسة متعمقة من قراءة القرآن. ولكنك تجد أمياً لم يقرأ كلمة واحدة ومع ذلك يحفظ القرآن كله. فإذا قلت كيف؟ نقول لك بسر الله فيه.
والكلام وسيلة إفهام وفهم بين المتكلم والسامع. المتكلم هو الذي بيده البداية، والسامع يفاجأ بالكلام لأنه لا يعلم مقدماً ماذا سيقول المتكلم .. وقد يكون ذهن السامع مشغولا بشيء آخر .. فلا يستوعب أول الكلمات .. ولذلك قد تنبهه بحروف أو بأصوات لا مهمة لها إلا التنبيه للكلام الذي سيأتي بعدها.
وإذا كنا لا نفهم هذه الحروف. فوسائل الفهم والإعجاز في القرآن الكريم لا تنتهي، لأن القرآن كلام الله. والكلام صفة من صفات المتكلم .. ولذلك لا يستطيع فهم بشري أن يصل إلى منتهى معاني القرآن الكريم، إنما يتقرب منها. لأن كلام الله صفة من صفاته .. وصفة فيها كمال بلا نهاية.
فإذا قلت إنك قد عرفت كل معنى للقرآن الكريم .. فإنك تكون قد حددت معنى كلام الله بعلمك .. ولذلك جاءت هذه الحروف إعجازاً لك. حتى تعرف إنك لا تستطيع أن تحدد معاني القرآن بعلمك.
إن عدم فهم الإنسان لأشياء لا يمنع انتفاعه بها .. فالريفي مثلاً ينتفع بالكهرباء والتليفزيون وما يذاع بالقمر الصناعي وهو لا يعرف عن أي منها شيئاً. فلماذا لا يكون الله تبارك وتعالى قد أعطانا هذه الحروف نأخذ فائدتها ونستفيد من أسرارها ويتنزل الله بها علينا بما أودع فيها من فضل سواء أفهم العبد المؤمن معنى هذه الحروف أو لم يفهمها.
وعطاء الله سبحانه وتعالى وحكمته فوق قدرة فهم البشر .. ولو أراد الإنسان أن يحوم بفكره وخواطره حول معاني هذه الحروف لوجد فيها كل يوم شيئاً جديداً. لقد خاض العلماء في البحث كثيراً.. وكل عالم أخذ منها على قدر صفائه، ولا يدَّعي أحد العلماء أن ذلك هو الحق المراد من هذه الحروف .. بل كل منهم يقول والله أعلم بمراده. ولذلك نجد عالما يقول (الر) و(حم) و(ن) وهي حروف من فواتح السور تكوِّن اسم الرحمن .. نقول إن هذا لا يمكن ان يمثل فهماً عاماً لحروف بداية بعض سور القرآن .. ولكن ما الذي يتعبكم أو يرهقكم في محاولة إيجاد معان لهذه الحروف؟!.
لو أن الله سبحانه وتعالى الذي أنزل القرآن يريد أن يفهمنا معانيها .. لأوردها بمعنى مباشر أو أوضح لنا المعنى. فمثلاً أحد العلماء يقول إن معنى (الم) هو أنا الله اسمع وأرى .. نقول لهذا العالم لو أن الله أراد ذلك فما المانع من أن يورده بشكل مباشر لنفهمه جميعا .. لابد أن يكون هناك سر في هذه الحروف .. وهذا السر هو من أسرار الله التي يريدنا أن ننتفع بقراءتها دون أن نفهمها.
ولابد أن نعرف أنه كما أن للبصر حدوداً. وللأذن حدوداً وللمس والشم والتذوق حدوداً، فكذلك عقل الإنسان له حدود يتسع لها في المعرفة .. وحدود فوق قدرات العقل لا يصل إليها.
والإنسان حينما يقرأ القرآن والحروف الموجودة في أوائل بعض السور يقول إن هذا أمر خارج عن قدرة عقلي .. وليس ذلك حجراً أو سَدّاً لباب الاجتهاد .. لأننا إن لم ندرك فإن علينا أن نعترف بحدود قدراتنا أمام قدرات خالقنا سبحانه وتعالى التي هي بلا حدود.
وفي الإيمان هناك ما يمكن فهمه وما لا يمكن فهمه .. فتحريم أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر لا ننتظر حتى نعرف حكمته لنمتنع عنه. ولكننا نمتنع عنه بإيمان أنه ما دام الله قد حرمه فقد أصبح حراماً.
ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عرفتم من محكمه فاعملوا به، وما لم تدركوا فآمنوا به" .
والله سبحانه وتعالى يقول: { { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [آل عمران: 7].
إذن، فعدم فهمنا للمتشابه لا يمنع أن نستفيد من سر وضعه الله في كتابه .. ونحن نستفيد من أسرار الله في كتابه فهمناها أم لم نفهمها.
-----
خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)




_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يناير 06, 2023 4:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2414

الۤـمۤ ١ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ٣ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ٤ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ٥ -البقرة

[/quote][/quote]


الألف الله، واللام العبد، والميم محمد صلى الله عليه وسلم كي يتصل العبد بمولاه من مكان توحيده واقتدائه بنبيه. وقال سهل: بلغني عن ابن عباس أنه قال: أقسم الله تعالى أن هذا الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الكتاب الذي هو من عند الله تعالى فقال: {الۤمۤ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ} الألف الله، واللام جبريل عليه السلام، والميم محمد صلى الله عليه وسلم، فأقسم الله تعالى بنفسه وجبريل ومحمد عليهما السلام. وقال: إن الله تعالى اشتق من اسمه الأعظم الألف واللام والهاء، فقال: { إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [القصص:30] واشتق لهم اسماً من أسمائه فجعله اسم نبيه صلى الله عليه وسلم، وآخر من اسم نبيه آدم عليه السلام فقال: { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } [محمد:11] إلاَّ الطاغوت أي الشيطان.
ومعنى: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} [2] أي لا شك فيه. {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}[2] أي بياناً للمتقين، والمتقون هم الذين تبرؤوا من دعوى الحول والقوة دون الله تعالى، رجعوا إلى اللجا والافتقار إلى حول الله وقوته في جميع أحوالهم، فأعانهم الله ورزقهم من حيث لا يحتسبون، وجعل لهم فرجاً ومخرجاً مما ابتلاهم الله به. قال سهل: حول الله وقوته فعله، وفعله بعلمه، وعلمه من صفات ذاته. وحول العبد وقوته دعواه الساعة وإلى الساعة، والساعة لا يملكها إلاَّ الله تعالى، فالمتقون الذين يؤمنون بالغيب فالله هو الغيب ودينه الغيب، فأمرهم الله عزَّ وجلَّ أن يؤمنوا بالغيب وأن يتبرؤوا عن الحول والقوة فيما أمروا به ونهوا عنه اعتقاداً وقولاً وفعلاً ويقولوا لا حول لنا عن معصيتك إلا بعصمتك، ولا قوة لنا على طاعتك إلاَّ بمعونتك، إشفاقاً منه عليهم، ونظراً لهم من أن يدعوا الحول والقوة والاستطاعة كما ادعاها من سبقت له الشقاوة، فلما عاينوا العذاب تبرؤوا من ذلك، فلم ينفعهم تبرؤهم حين عاينوا العذاب، وقد أخبر الله عمن هذا وصفهم في قوله: { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ } [غافر:85] أي دعواهم، { لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر:85] { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [الأعراف:5] وكما ادعى الحول والقوة والاستطاعة فرعون وقال: متى شئت إني أؤمن، فلما آمن لم يقبل منه، قال الله تعالى: { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ } [يونس:91].قوله: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [3] قال سهل: إن الله تعالى وصف بذلك من جبله بجبلّةٍ متعلقاً بسبب من سببه غير منفك عن مراقبته، وهم الذين لم يختاروا قط اختياراً، ولا أرادوا شيئاً دونه، ولا اختياراً دون اختياره لهم كما اختاره لهم، ولا أرادوا شيئاً منسوباً يغنيهم عنه، ومن غيره هم مبرؤون. قال أبو بكر: قيل لسهل: لقد آتاك الله الحكمة، فقال: قد أوتيت، إن شاء الله، الحكمة، وغيباً علمت من غيب سره، فأغناني عن علم ما سواه. { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } [النجم:42] وبإتمام ما بدأني به من فضله وإحسانه.قوله عزَّ وجلَّ: {أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ}[5] أي بيان من ربهم بنور هدايته القلوب مشاهدة له، وسكوناً إليه من نوره الذي أفردهم به في سابق علمه، فلا ينطقون إلاَّ بالهدى، ولا يبصرون إلاَّ إلى الهدى، فالذين به اهتدوا غير مفارق لهم، فكانوا بذلك مشاهدين لأنهم غير غائبين عنه، ولو سئلوا عنه أخبروا، ولو أرادوا لسبقت الأشياء إرادتهم، فهم المفلحون، وهم المرشدون إلى الهدى والفلاح بهدايته لهم، والباقون في الجنة مع بقاء الحق عزَّ وجلَّ. قال سهل: ولقد بلغني أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: يا دواد، انظر لا أفوتك أنا، فيفوتك كل شيء، فإني خلقت محمداً صلى الله عليه وسلم لأجلي، وخلقت آدم عليه السلام لأجله، وخلقت عبادي المؤمنين لعبادتي، وخلقت الأشياء لأجل ابن آدم، فإذا اشتغل بما خلقته من أجله حجبته عما خلقته من أجلي.
-----
تفسير القرآن/ التستري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يناير 07, 2023 1:00 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2414


قوله تعالى: {ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ}.
قيل: ذلك الكتاب الذى كتبت علىالخلق بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق، لا ريب فيه: لا مبدل له.
وقيل: ذلك الكتاب الذى كتبت فى قلوب أوليائى من محبتى ومعرفتى فى الرضا بموارد قضائى، والكتاب هو العهد إلى الحبيب وموضع السر، والنبى صلى الله عليه وسلم مشرف على أسرار ما خوطب به، والأولياء والصديقون بعده على حب معرفتهم وحب الكشف لهم عن لطائفه.
وقيل: ذلك الكتاب الذى كتبت على نفسى فى الأزل " "إن رحمتى سبقت غضبى" " وقيل لا ريب فيه: لا شك فيه لمن فتحت سره وزينت قلبه بالفهم عنى، وقيل لا ريب فيه: لمن طهرت سره بنور الاطلاع على لطائف معانيه.
قوله تعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}.
حقاً لأهل المعرفة وزيادة بيان وهدى.
وقال سهل: بيان لمن تكبر أمر حوله وقوته.
وقال الجنيدرحمه الله : هدىً للمتقين، وصلة للمنقطعين عن الأعيان.
وقال أبو يزيدرحمه الله : المتقى من إذا قال: قال لله وإذا عمل عمل لله.
وقال الدارانى: المتقون الذين نزع من قلوبهم حب الشهوات.قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ}.
قيل: الغيب هو الله.
وقيل: إن الإيمان بالغيب للعام، لأن الإيمان بالغيب قطع عن مغيب الغيب حجبهم بالغيب عن مغيبه.
وقال: بعض العراقيين: الغيب هو مشاهدات الملك بعين الحق.
وقيل: الذين يؤمنون بالغيب: الذين يصدقون ما أظهره على أوليائك من الآيات والكرامات.
وقال أبو يزيد رحمة الله عليه: لا يؤمن بالغيب من لم يكن معه سراج الغيب.
وقال بعض العراقيين: إنهم بغيب القرآن عاينوا غيب الآخرة، ثم بغيب الغيب شاهدوا الحق مطلعًا عليهم فى جميع الأوقات، فغابوا باطلاعه عليهم مشاهدة عن مشاهدة كل ما سواه، فهم قائمون معه على المشاهدة، وهذا هو الإيمان بالغيب.
وقال فارس: الإيمان بالغيب تعظيم الحقيقة وصون الشريعة والرضا بالقضية، حتى تستيقن أن ليس لك من الأمر شىء.
قوله تعالى: {وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ}.
وإقامتها: حفظ حدودها ظاهرًا وباطنًا.
وقال بعضهم: النية فى إقامة الصلاة أى: لا أواصلك بها ولا أواصلك بتركها، ولكنها اتباع الأمر والنهى.
وقيل لا يكن حظك من صلاتك إقامتها دون السرور بما أحلت له من القربة والمناجاة.
وقيل: لا يكن همك فيها إقامتها دون الهيبة والتعظيم والخوف عن كيفية إقامتها ورؤية التقصير فيها.
وقال ابن عطاء: إقامة الصلاة فيها حفظ حدودها مع حفظ السرّ مع الله أى: لا يختلج بسرك سواه.
قوله تعالى: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.
قال بعض العراقيين: فى الإمساك لذة وفى الإنفاق لذة، وكل ما يلتذ به العبد فهو يعبد من عين الحق.
وقيل: مما رزقناهم ينفقون أى: مما خصصناهم به من أنوار المعرفة يفيضون بركتها ونورها على متبعيهم.
وقيل: الذين يؤمنون بالغيب حظ قلبك ويعلمون حظ بدنك، ومما رزقناهم ينفقون حظ مالك معناه تجرد قلبك وتتعب بدنك في خدمتى وتنفق مالك فى مرضاتى لأوصلك إلى معرفتى.
الذين لزموا طريق المواصلة بالانفصال عما سوى الحق فأفلحوا فانقطعت الحجب عن قلوبهم فشاهدوا.
----
حقائق التفسير/ السلمي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يناير 07, 2023 9:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2414


قوله جلّ ذكره: {ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ}.
قيل ذلك الكتاب أي هذا الكتاب، وقيل إشارة إلى ما تقدم إنزاله من الخطاب، وقيل ذلك الكتاب الذي وعدْتُك إنزاله عليك يوم الميثاق.
لا ريب فيه، فهذا وقت إنزاله. وقيل ذلك الكتاب الذي كتبتُ فيه الرحمةَ على نفسي لأمتك - لا شك فيه، فتحقق بقولي.
وقيل الكتاب الذي هو سابق حكمي، وقديم قضائي لمن حكمت له بالسعادة، أو ختمت عليه بالشقاوة لا شك فيه.
وقيل (حكمي الذي أخبرت أن رحمتي سبقت على غضبي لا شك فيه).
وقيل إشارة إلى ما كتب في قلوب أوليائه من الإيمان والعرفان، والمحبة والإحسان، وإن كتاب الأحباب عزيز على الأحباب، لا سيما عند فقد اللقاء، وبكتاب الأحباب سلوتهم وأنسهم، وفيه شفاؤهم ورَوْحهم، وفي معناه أنشدوا:
وكتْبُكَ حولي لا تفارق مضجعي وفيها شفاء للذي أنا كاتم

وأنشدوا:
ورد الكتاب بما أقَرَّ عيوننا وشفى القلوب فَنِلْن غايات المنى
وتقاسم الناسُ المسرةَ بينهم قِسَماً وكان أجلهم حَظّاً أنا

قوله جلّ ذكره: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}.
أي بياناً وحجة، وضياء ومحجة، لمن وقاه الحق سبحانه وتعالى من ظلمات الجهل، وبصَّره بأنوار العقل، واستخلصه بحقائق الوصل. وهذا الكتاب للأولياء شفاء، وعلى الأعداء عمًى وبلاء. المُتَّقي من اتقى رؤية تقاه، ولم يستند إلى تقواه، ولم يَرَ نجاته إلا بفضل مولاه.

قوله جلّ ذكره: {ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ}.
حقيقة الإيمان التصديق ثم التحقيق، وموجب الأمرين التوفيق. والتصديق بالعقل والتحقيق ببذل الجهد، في حفظ العهد، ومراعاة الحد. فالمؤمنون هم الذين صدَّقوا باعتقادهم ثم الذين صَدَقُوا في اجتهادهم.
وأمَّا الغيب فما يعلمه العبد مما خرج عن حد الاضطرار؛ فكل أمر ديني أدركه العبد بضرب استدلال، ونوع فكر واستشهاد فالإيمان به غَيْبِيُّ. فالرب سبحانه وتعالى غيب. وما أخبر الحق عنه من الحشر والنشر، والثواب والمآب، والحساب والعذاب - غيب.
وقيل إنما يؤمن بالغيب من كان معه سراج الغيب، وأن من أيّدوا ببرهان العقول آمنوا بدلالة العلم وإشارة اليقين، فأوْرَدَهم صدقُ الاستدلال ساحاتِ الاستبصار، وأوصلهم صائبُ الاستشهاد إلى مراتب السكون؛ فإيمانهم بالغيب بمزاحمة علومهم دواعي الريب. ومن كوشف بأنواع التعريف أسبل عليهم سجوف الأنوار، فأغناهم بلوائح البيان عن كل فكر وروية، وطلب بخواطر ذكية، وردِّ وردع لدواعٍ ردية، فطلعت شموس أسرارهم فاستغنوا عن مصابيح استدلالهم، وفي معناه أنشدوا:
لَيْلِي من وجهك شمس الضحا وظلامه في الناس ساري
والنــاس فـي ســدف الظـــلا م ونحن في ضوء النهـار

وأنشدوا:
طلعت شمس من أحبَّك ليلاً فاستضاءت وما لها من غروب
إن شمس النهار تغرب بالليل وشمس القلوب ليست تغيب

ومن آمن بالغيب بشهود الغيب غاب في شهود الغيب فصار غيباً يغيب.
وأمَّا إقامة الصلاة فالقيام بأركانها وسننها ثم الغيبة عن شهودها برؤية مَنْ يُصَلَّى له فيحفظ عليه أحكام الأمر بما يجري عليه منه، وهو عن ملاحظتها محو، فنفوسهم مستقبلة القِبْلة، وقلوبهم مستغرقة في حقائق الوصلة:
[color=#6F0000][b][size=200]
أراني إذا صَلَّيْت يَمَّمْت نحوها بوجهي وإنْ كان المُصَلَّى ورائيا
أصلي فلا أدري إذا ما قضيتها اثنتين صليت الضحا أم ثمانيا؟


وإن أصحاب العموم يجتهدون عند افتتاح الصلاة ليردوا قلوبهم إلى معرفة ما يؤدون من الفرض، ولكن عن أودية الغفلة ما يرجعون. أما أهل الخصوص فيردون قلوبهم إلى معرفة ما يؤدون ولكن عن حقائق الوصلة ما يرجعون؛ فشتَّان بين غائبٍ يحضر أحكام الشرع ولكن عند أوطان الغفلة، وبين غائبٍ يرجع إلى أَحكام الشرع ولكن عند حقائق الوصلة.
قوله جلّ ذكره: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.
الرزق ما تمكَّن الإنسان من الانتفاع به، وعلى لسان التفسير أنهم ينفقون أموالهم إمَّا نَفْلاً وإما فرضاً على موجب تفصيل العلم. وبيان الإشارة أنهم لا يدخرون عن الله سبحانه وتعالى شيئاً من ميسورهم؛ فينفقون نفوسهم في آداب العبودية، وينفقون قلوبهم على دوام مشاهدة الربوبية. فإنفاق أصحاب الشريعة من حيث الأموال، وإنفاق أرباب الحقيقة من حيث الأحوال، فهؤلاء يكتفي منهم عِشْرين بنصفٍ ومن المائتين بِخَمس، وعلى هذا السَّنَن جميع الأموال يعتبر فيه النِّصاب. وأمَّا أهل الحقائق فلو جعلوا من جميع أحوالهم - لأنفسهم ولحظوظهم - لحظةً قامت عليهم القيامة.
فصل: الزاهدون أنفقوا في طريقة متابعة هواهم، فآثروا رضاء الله على مناهم، والعابدون أنفقوا في سبيل الله وسعهم وقواهم، فلازموا سراً وعلناً نفوسهم. والمريدون أنفقوا في سبيله ما يشغلهم عن ذكر مولاهم فلم يلتفتوا إلى شيء من دنياهم وعقباهم. والعارفون أنفقوا في سبيل الله ما هو سوى مولاهم فقرَّبهم الحق سبحانه وأجزاهم، ويحكم الإفراد به لقَّاهم.
فصل: الأغنياء أنفقوا من نعمهم على عاقبتهم. والفقراء أنفقوا من هممهم على مَنَابَتِهمْ. ويقال العبد بقلبه وببدنه وبماله فبإيمانهم بالغيب قاموا بقلوبهم، وبصلاتهم قاموا بنفوسهم، وبإنفاقهم قاموا بأموالهم، فاستحقوا خصائص القربة من معبودهم، وحين قاموا لِحَقِّه بالكلية استوجبوا كمال الخصوصية.إيمانهم بالغيب اقتضى إيمانهم بالقرآن، وبما أنزل الله من الكتب قبل القرآن، ولكنه أعاد ذكر الإيمان ها هنا على جهة التخصيص والتأكيد، وتصديق الواسطة صلى الله عليه وسلم في بعض ما أخبر يوجب تصديقه في جميع ما أخبر، فإن دلالة صِدْقه تشهد على الإطلاق دون التخصيص، وإنما أيقنوا بالآخرة لأنهم شهدوا على الغيب فإن حارثة لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أصبحت؟ قال: أصبحت مؤمناً بالله حقاً، وكأني بأهل الجنة يتزاورون وكأني بأهل النار يتعاوون وكأني بعرش ربي بارزاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبْتَ فالْزَمْ"
. وهذا عامر بن عبد القيس يقول: "لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً". وحقيقة اليقين التخلص عن تردد التخمين، والتقصي عن مجوزات الظنون.يعني على بيان من ربهم ويقين وكشف وتحقيق، وذلك أنه تجلَّى لقلوبهم أولاً بآياته ثم تجلَّى لها بصفاته ثم تجلى لها بحقه وذاته.
وقوم {عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} بدلائل العقول؛ وضعوها في موضعهما فوصلوا إلى حقائق العلوم، وقوم على بصيرة ملاطفات التقريب فبمشاهدة الرحمة والكرم وصلوا إلى بيان اليقين، وآخرون ظهرت الحقيقة لأسرارهم فشهدوا بالغيب حقيقة الصمدية، فوصلوا بحكم العرفان إلى عين الاستبصار.
{وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} الفلاح الظفر بالبُغية، والفوز الطِلبة، ولقد نال القوم البقاء في مشهد اللقاء فظفروا بقهر الأعداء، وهي غاغة النفوس من هواجسها، ثم زلات القلوب من خواطرها، فوقفوا بالحق للحق بلا واسطة من عقل، أو رجوع إلى ذكر وفكر.
-----
لطائف الإشارات / القشيري

[/size][/b][/color]

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يناير 08, 2023 1:06 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2414


{ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ} اي ذلك سرّ الذي كُتِمَتُ في الحروف المفُردة للرّبانين والروحانين لا شك فيه أيضاً ذلك الكتابُ الذي كَتَبْتُ في صحائف القدس من رموز لها مّعانى حتى تقرأ منها ارواح الصديقين في حقائق القرآن لا ريب فيه اى لا معارضة فيما نفهم اسرار العارفين من نفائس الغيب وايضاً ذلك الكتاب اي الذي عَلمتُ ما كان ومايكون وما يفعلُ الخلقُ بعد كونهم لا شك فيه وقيل ذلك الكتاب الذي جرى في سابق علمى ان انزل اليك وقال ابو عثمان ذلك الكتابُ الذي خاطبتُ به خواص اوليائى واحبائ امرتُهُم فيه ونهيتُهُمْ فيه فمنهم من تقرب الى بقراءته ومنهم من تقرب الىّ بفهمه ومنهم من تقرب الىّ بالاوامر فيه فلكل واحد من عبادى فيه حَظُّ عام وخاصُ وقيل ذلك الكتاب الذي جرى في سابق علمى كتبتُ في قولب اوليائى من محبّتي ومعرفتي ورضائي وقيل ذلك الكتاب الذي كتبُ على نفسى في الازل ان رحمتى سَبَقت غضبى والكتاب اسرار الحبيب الى المحب فكل واحد مشرّف على ما خوطب بقدر معرفته وحسب كشف لطائف الخطاب له وقيل ذلك الكتاب اشارةٌ الى ما تقَدَم من الكتاب وقيل خطاب الاحباب عزيزٌ على الاحباب لاسيّما عندَ فقُدِ اللقاء وبكتبا الاحباب سلوتهم وانسُهم وفيه شفاؤهم ورَوُحهم وان الله تعالى انزل كتابه على خواصّ الانبياء ليستقيموا في طلب الرّغائب ويصبروا في نزول النّوائب ويتطايبو بخطابه تسليّاً من فقدان لقائه {لاَ رَيْبَ فِيهِ} اي لاتُهْمَةَ فيما كشفت لاسرار الانبياء والاولياء من لطائق خطابى وغرائب اسرارى وايضا لا معارضة للنفس فيما عاينْتُ الرَّوحَ من سرّ الملكوت وقيل اي لا شكّ في لمن فتحتُ سرّه وزيّنت قلَبهُ بالهم عنّى وقيل لا ريب فيه من طَهّرت سره بنور الاطلاع على الطائف معانيه {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} اي هادياً للعَارفينَ الى نفسى وايضاً اي بياناً عما بينى وبين عبادى من اسرار الربوبيّة والعبوديَة وايضاً كاشفا عما للاتقياء بياناً عما بينى وبين عبادى من اسرار الروبيةَ والعبوديَة وايضاً اي كاشفا عما وعَدْ للاتقياء والاصفياء والاولياء وايضاً اي مرشداً للمريدين الى حسن الاداب وهاديَا للمحبين إلي حسن الثواب ومفسر العارفين حقائق الخطاب وقيل كشفا لاهل المعرفة زيادة هدى وبيانٍ قال ابن عطا طريقه لمن اراد قربى وقال سهل بيانا لمن تبرَّا من حوله وقوته والمتقى الذي وصفه الله تعالى الذي عَزَل عن الالوان والحَدَثان تورّعا عن اغواء الشيطان وتخلقاً بخلق الرحمن وقال ابو يزيد المتقى من اذا قال الله واذا عَمِلَ عَمِلَ الله وقال الداراني الذي نزع من قلوبهم حب الشهوات وقيل المتقى من اتقى رؤية تقواهُ ولم يستند الى تقواه ولم يَرَ نجاته الا بفضل مولاهُ وقال سهلُ اذا كان هو الهادى فمن يضل في ذلك الطريق الا من سَلكه على التجارُب لا على العارف فَيْصده عن مقصده بشوم تدبيره ويَهلِكه في أخر القدم.
{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ} ما غابَ عن الابصار منكشفا بنعت الانوار لعيون الاسرار والايمان بالغيب هو تفرس الرّوح بنور اليقين مشاهدة الحق سبحانه وتعالي و الايمان بالغيب شوق القلب الى لقاء الربّ وايضاً الايمان تصديق السّرَ الرّوح من مكنون حقائق الغيب بنعت مباشرة حلاوة انكشاف نور الحق في صميم سرّ السّر
و اتصال بروقه بطنان القلب وتعريفه اوصاف صفات الحق عقل الكل وايضا الايمان وتصديق القلب بوجدان الرّوح رؤية الربّ جلّ وعلا المؤمن هم الذي صدقوا مواعيد الغيوب بعداد لاكهم مواجيد قلوبهم من رؤيتها ومواجيدُ قلوبهم لا يكون الا من رؤية ابصار بصائرهم انوار غيب الغيب وترائى الغيب لا يكون لروح الناطقة الا بعد ان يؤدها الحق بتبين البرَاهين واستكشافه حقائق الاستدلال بشهود الحال رؤية المدلول واستحكام انوار البصيرة فاذا كَمُلت هذه الاوصاف للرّوح ابصُرَتَ صفاء صحارى الغيب وتمكن تحت ركوبهم انوار اليقين وسناء قدس الحق بنعت بروزه في لباس حق اليقين وحيقية حق ايقين لا تحصل بالتحقيق الا بعد انسلاخ السّر عن لاستشهاد والاستدلال فاذا فرغ منها اوصله التائيد الى مراتب الكشوف وايضاح الفرقان واورده صدق تحقيقُ روية الغيب ساحات استبصار عيون النفوس ولاتسغناه بما اَنَس من عجائب جلال المشهود من سَيرانه في عالم الشواهِدِ واذا عاين مكشوفات الغيب ببصر العرفان دَخَل في سُجوفِ ايواءِ عزّ الحقّ واغناءِ الحقّ بوايح البيان عن طلب الماشهدة بالفكر في الحدثان وتَطلع له شموسُ اسرارانوار القَدِم وتَخُلصُه بجمالِها عن اقتباس مصابيح البراهين واذا بَرَق السَرَ بهذه المعانى اشرق له حق الغيب باوصافه فصار السُر والغيب متحداً ويكو السّر غيباً بعينه والغيب سرا بعينه فيغُيَّبُ السّر في الغيب والغيب في السّر وتحصيل هذا العلم ان الغيبَ يصير اهلاً للسّر لا يحوى فوءهُ ابداً وصاحبه في كل حالٍ شاهداً لمشاهدة يرى في جميع الانفاس عالم الملكوتِ وعالم الجبروت وهذا صفةٌ قلب محمدٍ صلى الله عليه وسلم وقال الشبلى لما صَفَتُ اروحُهُمُ وشَرّفَتْ هموهم اشرفوا على اسرار الغيب بعظم اما نَتهم وقال بعضهم الّذين تُصدّق نفوسُهُم ارواحَهم بما ادَّت اليهم من خبر ما شاهدته قلوبُهم بما غيب عن نفوسهم وقال ابو بكر بن ظاهرٍ اشار الحقُّ الى اخلاص عبادة المخلصين باَنّهم بذلوا لمحبوبهم قلوبهم بالايمان والغيب وبَذَلوا نفوسّهُم الخدمة والعبودية بقوله ويقيمون الصلوة وبذلوا ماملكهم فاينجلوا عليه بشئ من ذلك علماً بانّها عوارٍ في ايديهم وهو تعالى المالكُ للها ولهم على الحقيقة بقوله ومِمّا رزقنهم ينفقون وقال الواسطى امنوا بالغيب ولما عاينوا الحق في القيمة علموا حقيقية انّ ما امنوا به بعيدٌ ما شاهَدُونا وقال بعضهم الله غيب وهو مُغيب الغَيْب والقلبُ غيب فاذا امن الغيب مع الححابُ عن الغيب فوجد في الغيب الغيب صاحب الغيب وذلك قوله الذين يؤمنون بالغيب وقال بعضهم الذين يقضون بالغيب في الغيب للغيبُ قال الاستاذ حقيقة الايمان التصديق ثم التحقيق وموجب الامرين التوفيق فالتصديق بالعقد والتحقيق بذلك الجهد في حفظ العهد وفرسان اهل الغيب خمس طوائف النفوسُ والارواح والعقول والقلوب والاسرار ومشاربهم متفاوته فمشرب صرف بلا مزاجٍ ومشرب عذبُ بلا اجاج ومشربُ ملحُ ومشربُ يَقٌ ومشربُ سايقُ ومشرب زنجيل المحَّة ومشرب سلسبيل المعرفة ومشرب تسنيم المشاهدة ومشرب عين المكاشفة وقائدُ التوفيق يقود طائفة السَّعَادة الى مناهل القرية وسائق الخذلان يَسُوق طائفة الشقاو الى موارد الشهود وموارد النفوس التي تَرُدّها اسُنّ المنى واحَسَنُ الهوى ومناهل الشهوات سواحِل نهر الغفلات ومشارب الاروح الت تُرُدها هي سواقى المشاهدات والمكاشفات وعيون القلوب التي تَرُدُّها هي صفاء المعاملات وانوارُ المناجات والانهار التي ترُدّها القعول هي مشاهدة الربوبيّة واردارك نور القربة من مرأة الايات والينابيع التي تُرّدها الاسرار هي عجائب كشوف جمال القِدم وشهودها مشهدا التّوحيد وحقائق حق البروبيّة ومطالع شموس الصفات ومشارق اقمار انوار الذات فالزّهاد اصحاب العقول ومَشُرَبُهم الطاعات والعبادات والهبوبون هم اصحاب القلوب ومشربهُمُ الوجود الحالات العرافون هم اصحاب الارواح ومشربهم المقراقبات والانس والخلوات والموجّدون هم اصحاب الاسرار ومشربهُهُ التفرّد عن الاكوان والتجّرد عن الحدثان والبطالون هم اصحاب النفوس ومشربهم الدَّعاوى والاباطيل والترهت والمزخرفات وقيل الغيب هو الله تعالى وقال بعض العراقين الغيبُ هو مشاهدة الكلّ بعين الحقّ وقال ابو يزيد لا يؤمن بالغيب من لم يكن معه سراج من الغيب {وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ} يراقبون اوقاتَ الصّلوة لاستنشاقِ نفخات الصفات واقامة الصلوة حفظ اداب العبوديّة في جناب الربوبية بنعت الافتقار الى مشاهضدة الملك الجبار لان في الصّلوة قرّة عيون العارفين ومناجاة المحبين ومشاهدة الحق للشائقين وقال ابن عطا اقامه الصلوة حفظ حدودها مع حفظ السرّ مع الله ان لا يختلم بسره سواه {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} اي يطلبَوُن قرب الرزّاق بخروجهم عن الارزاق واينماً يتقربون اليه بما نالوا منه وايضاً يتخلَّقون بخلقه في الاكرام والاعطاء وايضاً يتحدّثون بما وَجَدُ وامن انوارالكواشف وكرائم المعارف عند السّالكين الصّادقين وقيل في الامسَاك لذة وفي الانفاق لذة وكلُ ما يَلذ فهو يعبد من عَين الحق وقيل ينفقون مما خصصناهم به من انوار المعرفة يفيضون بركاتها ونورها على مَنْ تَبَعهُم. على حقيقة يقين متصلة بانوار المعرفة ان الله تعالى بلا معارضة النفس وريب الشيطان مفلحون من مكائدهم ووسواسهما وايضاً مفلحون من الله بالله وقيل اولئك الذين لزموا طريق المفاصلة بالانفصال عما سوى الحق فافلحها فانُقَطَع الحجب عن قلوبهم فشاهدوا {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} اي انَّ احتجبوا عنا بحظوظ البشريات سواء عندهم انذار بقطيعتنا عنهم وتخويفهم بعقوبتنا عليهم لانهم في مهمة الغفلة عن مباشرة المعرفة لا يقرون باللقاء والمشاهدة لا ستغراقهم في بحار الشهوة وقيل ان الذين ضَلّوا عن روية مثنى عليهم في السّبْق سواء عندهم مَنْ شاهد الاعواض في خدمتى ومَنْ شاهدا العوّض لا تخلص سَرَايرهم ولا يثبت لهم الايمان الغيبىّ وانّما ايمانهم على العبادة.

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يناير 08, 2023 6:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مارس 29, 2012 9:53 pm
مشاركات: 45821

بارك الله فيكم


_________________
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يناير 08, 2023 8:04 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2414


رضي الله عنكم د حامد وزادكم الله بسطة في العلم والفهم وجعلكم من خاصته ﷺ)

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يناير 08, 2023 10:00 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2414


قالوا لما انزل الله تعالى على موسى التوراة وهى الف سورة كل سورة الف آية قال موسى عليه السلام يا رب ومن يطيق قراءة هذا الكتاب وحفظه فقال تعالى اني أنزل كتاباً أعظم من هذا قال على من يا رب قال على خاتم النبيين قال وكيف تقرؤه امته ولهم اعمار قصيرة قال انى ايسره عليهم حتى يقرؤه صبيانهم قال يا رب وكيف تفعل قال إني انزلت من السماء الى الارض مائة وثلاثة كتب خمسين على شيت وثلاثين على ادريس قال وعشرين على ابراهيم والتوراة عليك والزبور على داود والانجيل على عيسى وذكرت الكائنات فى هذه الكتب فأذكر جميع معانى هذه الكتب فى كتاب محمد واجمع ذلك كله فى مائة واربع عشرة سورة واجعل هذه السور فى ثلاثين جزأ والأجزاء فى سبعة اسباع ومعنى هذه الاسباع فى سبع آيات الفاتحة ثم معانها فى سبعة احرف وهى بسم الله ثم ذلك كله فى الألف من الم ثم افتتح سورة البقرة فاقول الم ولما وعد الله ذلك فى التوراة وانزله على محمد عليه السلام جحدت اليهود لعنهم الله ان يكون هذا ذلك فقال تعالى ذلك الكتاب كما فى تفسير التيسير
{يؤمنون بالغيب} اى بنور غيبى من الله فى قلوبهم نظروا فى قول محمد صلى الله عليه وسلم فشاهدوا صدق قوله فآمنوا به كما قال عليه السلام "المؤمن ينظر بنور الله" . واعلم ان الغيب غيبان غيب غاب عنك وغيب غبت عنه فالذى غاب عنك عالم الارواح فانه قد كان حاضرا حين كنت فيه بالروح وكذرة وجودك فى عهد الست بربكم واستماع خطاب الحق ومطالعة آثار الربوبية وشهود الملائكة وتعارف الارواح من الانبياء والاولياء وغيرهم فغاب عنك اذ تعلقت بالقالب ونظرت بالحواس الخمس اى بالمحسوسات من عالم الاجسام واما الغيب الذي غبت عنه فغيب الغيب وهو حضرة الربوبية قد غبت عنه بالوجود وما غاب عنك بالوجود وهو معكم اينما كنتم انت بعيد منه وهو قريب منك كما قال { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } [ق:16] انتهى كلام الشيخ نجم الدين قدس سره
{ويقيمون الصلاة}قال ابراهيم النخعى اذا رأيت رجلا يخفف الركوع والسجود فترحم على عياله يعنى سن ضيق المعيشة.
وذكر ان حاتما الزاهد دخل على عاصم بن يوسف فقال له عاصم يا حاتم هل تحسن ان تصلى فقال نعم قال كيف تصلى قال اذا تقارب وقت الصلاة اسبغ الوضوء ثم استوى فى الموضع الذى اصلى فيه حتى يستقر كل عضو منى وارى الكعبة بين حاجبى والمقام بحيال صدرى والله فوقى يعلم ما فى قلبى وكأن قدمى على الصراط والجنة عن يمينى والنار عن شمالى وملك الموت خلفى واظن انها آخر الصلاة ثم اكبر تكبيرا باحسان واقرأ قراءة بتفكر واركع ركوعا بالتواضع واسجد سجودا بالتضرع ثم اجلس على التمام وأتشهد على الرجاء واسلم على السنة ثم اسلمها للاخلاص واقوم بين الخوف والرجاء ثم اتعاهد على الصبر قال عاصم يا حاتم أهكذا صلاتك قال كذا صلاتى منذ ثلاثين سنة فبكى عاصم وقال ما صليت من صلاتى مثل هذا قط
واما الحكمة فى ان جعلها الله تعالى مثنى وثلاث ورباع فلانه عليه السلام شاهد هياكل الملائكة تلك الليلة اى ليلة الاسراء اولى اجنحة مثنى وثلاث ورباع فجمع الله ذلك فى ضور انوار الصلوات عند عروج ملائكة الاعمال بارواح العبادات لان كل عبادة تتمثل فى الهيا كل النورانية وصورها كما وردت الاشارات فى ذلك بل يخلق الملائكة من الاعمال الصالحة كما ورد فى الاحاديث الصحيحة وكذلك جعل الله اجنحة الملائكة على ثلاث مراتب فجعل اجنحتك التي تطير بها الى الله موافقه لاجنحتهم ليستغفروا لك وأما الحكمة فى كونها خمس صلوات فلانه عليه السلام بعد سؤاله التخفيف ومراجعته قال له الله تعالى "يا محمد انهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر حسنات فتلك خمسون صلاة وكانت خمسين على من قبلنا" فحطت ليلة المعراج الى خمس تخفيفا وثبت جزاء الخمسين تضعيفا. وحكمة اخرى فى كونها خمس صلوات انها كانت متفرقة فى الامم السالفة فجمعها سبحانه لنبيه وامته لانه عليه السلام مجمع الفضائل كلها دنيا وآخره وامته بين الامم كذلك فاول من صلى الفجر آدم والظهر ابراهيم والعصر يونس والمغرب عيسى والعشاء موسى عليهم السلام واما الحكمة فى ان جعلها الله تعالى مثنى وثلاث ورباع فلانه عليه السلام شاهد هياكل الملائكة تلك الليلة اى ليلة الاسراء اولى اجنحة مثنى وثلاث ورباع فجمع الله ذلك فى ضور انوار الصلوات عند عروج ملائكة الاعمال بارواح العبادات لان كل عبادة تتمثل فى الهيا كل النورانية وصورها كما وردت الاشارات فى ذلك بل يخلق الملائكة من الاعمال الصالحة كما ورد فى الاحاديث الصحيحة وكذلك جعل الله اجنحة الملائكة على ثلاث مراتب فجعل اجنحتك التي تطير بها الى الله موافقه لاجنحتهم ليستغفروا لك وأما الحكمة فى كونها خمس صلوات فلانه عليه السلام بعد سؤاله التخفيف ومراجعته قال له الله تعالى "يا محمد انهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر حسنات فتلك خمسون صلاة وكانت خمسين على من قبلنا" فحطت ليلة المعراج الى خمس تخفيفا وثبت جزاء الخمسين تضعيفا. وحكمة اخرى فى كونها خمس صلوات انها كانت متفرقة فى الامم السالفة فجمعها سبحانه لنبيه وامته لانه عليه السلام مجمع الفضائل كلها دنيا وآخره وامته بين الامم كذلك فاول من صلى الفجر آدم والظهر ابراهيم والعصر يونس والمغرب عيسى والعشاء موسى عليهم السلام فهذا سر القرار على خمس صلوات وقيل صلى آدم عليه السلام الصلوات الخمس كلها ثم تفرقت بعده بين الانبياء عليهم السلام واول من صلى الوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج لذلك قال "زادنى ربى صلاة" اى الوتر على الخمس او صلاة الليل فافهم اول من بادر الى السجود جبريل عليه السلام ولذلك صار رفيق الانبياء وخادمهم واول من قال سبحان الله جبريل والحمد لله آدم ولا اله الا الله نوح والله اكبر ابراهيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كل ذلك فى كشف الكنوز وحل الرموز. وذكر فى الحكم الشاذلية وشرحها انه لما علم الحق منك وجود الملل لون لك الطاعات لتستريح من نوع الى نوع وعلم ما فيك من وجود الشر المؤدى الى الملل القاطع عن بلوغ الامل فحجرها عليك فى الاوقات اذ جعل فى اليوم خمسا وفى السنة شهرا وفى المائتين خمسة وفى العمر زورة ولكل واحدة فى تفاصيلها وقت لا تصح فى غيره كل ذلك رحمة بك وتيسيرا للعبودية عليك وقد قيد الله الطاعات باعيان الاوقات كيلا ينفك عنها وجود التوسيف ووسع الوقت عليك كى تبقى صفة الاختياروالايمان بالغيب واقامة الصلاة والانفاق وهى صفة الخلفاء الراشدين الاربعة ففى الآية بيان فضلهم التقوى لابى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه قال الله تعالى { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى } [الليل: 5-6] والايمان بالغيب لعمر الفاروق رضى الله عنه قال الله تعالى { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } [الأنفال: 64].
واقامة الصلاة لعثمان ذى النورين رضى الله تعالى عنه قال الله تعالى { أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما } [الزمر: 9] الآية.
والانفاق لعلى المرتضى رضى الله تعالى عنه قال الله تعالى { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار } [البقرة: 247] الآية.
وعند القوم اى الصوفية السخاء هو الرتبة الاولى ثم الجود بعده ثم الايثار فمن اعطى البعض وابقى البعض فهو صاحب سخاء ومن بذل الاكثر وابقى لنفسه شيأ فهو صاحب جود والذي قاسى الضرورة وآثر غيره بالبلغة فهو صاحب ايثار وبالجملة فى الانفاق فضائل كثيرة. وروى عن ابى عبد الله الحارث الرازى انه قال اوحى الله الى بعض انبيائه "انى قضيت عمر فلان نصفه بالفقر ونصفه بالغنى فخيره حتى اقدم له أيهما شاء" فدعا نبى الله عليه السلام الرجل واخبره فقال حتى اشاور زوجتى فقالت زوجته اختر الغنى حتى يكون هو الاول فقال لها ان الفقر بعد الغنى صعب شديد والغنى بعد الفقر طيب لذيذ فقالت لا بل اطعنى فى هذا فرجع الى النبى عليه السلام فقال اختار نصف عمرى الذى قضى لى فيه بالغنى ان يقدم فوسع الله عليه الدنيا وفتح عليه باب الغنى فقالت له امرأته ان اردت ان تبقى هذه النعمة فاستعمل السخاء مع خلق ربك فكان اذا اتخذ لنفسه ثواباً اتخذا لفقير ثوبا مثله فلما تم نصف عمره الذى قضى له فيه بالغنى اوحى الله تعالى الى نبى ذلك الزمان "انى كنت قضيت نصف عمره بالفقر ونصفه بالغنى لكنى وجدته شاكرا لنعمائى والشكر يستوجب المزيد فبشرة انى قضيت باقى عمره بالغنى" وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
قال ابو الليث رحمه الله فى تفسيره اليقين على ثلاثة اوجه يقين عيان ويقين خبر ويقين دلالة فاما يقين العيان فهو انه اذا رأى شيأ زال الشك عنه فى ذلك الشئ واما يقين الدلالة فهو ان يرى الرجل دخانا ارتفع من موضع يعلم باليقين ان هناك نارا وان لم يرها واما يقين الخبر فهو ان الرجل يعلم باليقين ان فى الدنيا مدينة يقال لها بغداد وان لم ينته اليها فههنا يقين خبر ويقين دلالة لان الآخرة حق ولان الخبر يصير معاينة عند الرؤية انتهى كلامه.
ويقال علم اليقين ظاهر الشريعة وعين اليقين الاخلاص فيها وحق اليقين المشاهدة فيها
قال ابو على الدقاق رحمه الله فى قول النبى عليه السلام فى عيسى ابن مريم عليهما السلام "لو لم يزدد يقينا ما مشى فى الهواء" .
اشار بهذا الحديث الى حال نفسه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج لان فى لطائف المعراج انه قال رأيت البراق قد بقى ومشيت * وقال ابو تراب رأيت غلاما فى البادية يمشى بلا زاد فقلت ان لم يكن معه يقين فقد هلك فقلت يا غلام أيمشى فى مثل هذا الموضع بلا زاد فقال يا شيخ ارفع رأسك هل ترى غير الله تعالى فقلت الآن فاذهب حيث شئت.
قال ابراهيم الخواص طلب المعاش لاكل الحلال فاصطدمت السمك فيوما وقع فى الشبكة سمك فاخرجتها وطرحت الشبكة فى الماء فوقعت اخرى فيها ثم عدت فهتف بى هاتف لم تجد معاشا الا ان تأتى الى من يذكر الله فتقتلهم فكسرت القصبة وتركت كذا فى الرسالة القشيرية
----
روح البيان لإسماعيل حقي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يناير 09, 2023 11:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2414


{ذّلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ... }
قلت: الريب: تحرُّك القلب واضطرابه بالشكوك والأوهام، وتقابله الطمأنينة بالسكون إلى الحق على الدوام.
يقول الحقّ جلَ جلاله: يا أيها الرسول المصطفى والنبيّ المجتبى {ذَلِكَ الْكِتَابُ} الذي أنزلناه عليه من جبروت قدسنا وملكوت عزِّنا {لا رَيْبَ فِيهِ} أنه من عندنا. فمن ارتاب فيه، أو نسبه إلى غيرنا، فقد استحق البعد من ساحة رحمتنا، وحلّت عليه شدائد نقمتنا، ومن تحقق به أنه من لدنا، وآمن بمن جاء به من عندنا، فقد استحق دخول حضرة قدسنا حتى يسمع منا ويتكلم بنا، فإذا أحببته كنت له، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يتكلم... الحديث. فيكون من الصديقين المقربين مع النبيين والمرسلين، وكان في ذروة درجات المتقين، الذين يهتدون بهدي القرآن المبين، كما أشار إلى ذلك بقوله:
{... هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ} قلت: {هدى} خبر عن مبتدأ مضمر، أو مبتدأ بتقديم الخبر. أي: هو هاد للمتقين، أو فيه الهدى لهم. والهدى: هو الإرشاد والبيان، ومعناه: الدلالة الموصلة إلى الحق. والمتقي: من جعل بينه وبين مقت الله وقاية، وله ثلاث درجات:
* حفظ الجوارح من المخالفات،
* وحفظ القلوب من المساوئ والهفوات،
* وحفظ السرائر من الوقوف مع المحسوسات،
فالأولى لمقام الإسلام، وإليه توجه الخطاب بقوله: { فَاتَقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التّغَابُن: 16]، والثانية لمقام الإيمان، وإليه توجه الخطاب بقوله: { فَاتَّقُواْ اللَّهَ يَأُوْلِي الأَلْبَابِ } [المَائدة: 100]، والثالثة لمقام الإحسان، وإليه توجه الخطاب بقوله: { اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عِمرَان: 102].
يقول الحقّ جلّ جلاله: {ذَلِكَ الكِتَابُ} الذي لا يقرب ساحتَه شكٍّ ولا ارتياب، هو عين الهداية لأهل التقى من ذوي الألباب، فلا يزالون يَتَرَقَّوْنَ به في المقامات والأحوال حتى يسمعوه من الكبير المتعال، بلا واسطة تبليغ ولا إرسال، قد انمحت في حقهم الرسوم والأشكال، وهذه غاية الهداية، وتحقيق سابق العناية.
قال جعفر الصادق: (والله لقد تجلّى الله تعالى لخلقه في كلامه ولكن لا يشعرون).
وقال أيضاً - وقد سألوه عن حالة لحقَته في الصلاة حتى خرّ مغشيّاً عليه، فلما سُرِّيَ عنه، قيل له في ذلك فقال: (ما زلت أرددت الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها، فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته).
فدرجات القراءة ثلاث:
أدناها: أن يقرأ العبد كانه يقرأ على الله تعالى واقفاً بين يديه، وهو ناظر له ومستمع منه، فيكون حاله السؤال والتملق والتضرّع والابتهال.
والثانية: أن يشهد بقلبه كأن الله تعالى يخاطبه بألفاظه، ويناجيه بإنعامه وإحسانه، فمقامه الحياء والتعظيم، والإصغاء والفهم.
والثالثة: أن يرى في الكلام المتكلم، فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته، بل يكون فانيّا عن نفسه، غائباً في شهود ربه، لم يبق له عن نفسه إخبار ولا مع غير الله قرار.
فالأولى لأهل الفناء في الأفعال، والثانية لأهل الفناء في الصفات، والثالثة لأهل الفناء في شهود الذات، رضي الله عنهم، وحشرنا على منهاجهم... آمين.
ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
الإشارة: يا من غرق في بحر الذات وتيار الصفات {ذلك الكتاب} الذي تسمع من أنوار ملكوتنا، وأسرار جبروتنا {لا ريب فيه} أنه من عندنا، فلا تسمعه من غيرها، { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ } [القيامة: 18]، فهو هاد لشهود ذاتنا، ومرشد للوصول إلى حضرتنا، لمن اتقى شهود غيرِنا، وغرق في بحر وحدتنا، الذي يؤمن بغيب غيبنا، وأسرار جبروتنا، التي لا تحيط بها العلوم، ولا تسمو إلى نهايتها الأفكار والفهوم، الذي جمع بين مشاهدة الربوبية، والقيام بوظائف العبودية، إظهاراً لسر الحكمة بعد التحقق بشهود القدرة، فهو على صلاته دائم، وقلبه في غيب الملكوت هائم، ينفق مما رزقه الله من أسرار العلوم ومخازن الفهوم، فهو دائماً ينفق من سعة علمه وأنوار فيضه، فلا جرم أنه على بينة من ربه.
ولمَّا ذكر الحق تعالى من آمن من العرب، ذكر من آمن من أهل الكتاب.وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ٤ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
الإشارة: قلت: كأن الآية الأولى في الواصلين، والثانية في السائرين، لأن الأولين وصفهم بالإنفاق من سعة علومهم، وهؤلاء وصفهم بالتصديق في قلوبهم، فإن داموا على السير كانوا مفلحين فائزين بما فاز به الأولون. فأهل الآية الأولى من أهل الشهود والعيان، وأهل الثانية من أهل التصديق والإيمان. أهل الأولى ذاقوا طعم الخصوصية، فقاموا بشهود الربوبية وآداب العبودية، وأهل الثانية صدقوا بنزول الخصوصية ودوامها، واستنشقوا شيئاً من روائح أسرارها وعلومها، فهم يوقنون بوجود الحقيقة، عالمون برسوم الطريقة، فلا جرم أنهم على الجادة وطريق الهداية، وهم مفلحون بالوصول إلى عين العناية.دون الفرقة الثالثة التي هي الإنكار موسومة، ومن نيل العناية محرومة، التي أشار إليها الحق تعالى.
----
البحر المديد لإبن عجيبة الحسيني

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يناير 10, 2023 5:35 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7632
جزاكم الله خيرا
ومدد يا أهل الرقائق والحقائق
ويا كل وراث الحبيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 11, 2023 12:07 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2414
﷽___________
اللهم صل على سيدنا محمد النور الحبيب العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وسلم عليه قدر نظرك إليه
- - - رضي الله عنكم سيدي الشيخ فراج يعقوب
وزادك الله بسطة فى العلم والفهم وجزاك الله خيرا وكساك بأنوار حضرته ﷺ)
- - -
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله
فراج يعقوب كتب:
جزاكم الله خيرا
ومدد يا أهل الرقائق والحقائق
ويا كل وراث الحبيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 11, 2023 12:18 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2414

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ٦ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ٧ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ٨ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ٩ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ١٠ -البقرة



قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ} الآية.
معناه: إن الذين ضلوا عن رؤية منتى عليهم فى السبق سواء عليهم من شاهد الأعواض فى خدمتى ومن شاهد العوض لأخلص سرائرهم، ولا يثبت لهم الإيمان الغيبى، وإنما إيمانهم على العادة.
قوله تعالى: {خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ}.
فلا يقول عن الحق فهوم مخاطباته، على سمعهم فلم يسمعوا منه لذيذ كلامه، وعلى أبصارهم فلم يبصروا المغيبات بعين الغرامة، غشاوة غشيتهم ظلمات أنفسهم فلم تضئ لهم أنوار قلوبهم، ولهم عذاب عظيم سكوتهم إلى هذه الأحوال واكتفاؤهم بها.
وقال بعضهم: أهل البصر نظروا من الله إلى الأشياء فشاهدوها فى سر القدرة، وأهل النظر استدلوا بالأشياء على الله تعالى محجتهم عقولهم واستدلالهم عن بلوغ كنه المعرفة بالله.
قيل فيه: إن الناس اسم جنس واسم الجنس لا يخاطب به الأولياء.
وقال بعضهم: ليس الإيمان ما يتزين به العبد قولاً وفعلاً لكن الإيمان جرى السعادة فى سابق الأزل وأما ظهورها على الهياكل فربما تكون عوارى وربما تكون حقائق.
قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ...} الآية.
قال بعض العراقيين: الخداع والمكر تنبيه من جهة شهود السعايات والاكتفاء إلى الطاعات حتى لا يعتقد فيها بأنها أسباب الوصول إلى الحق. كلا.
وقيل: إنما يخادع من لا يعرف البواطن، فأما من عرف البواطن فمن دخل معه فى الخداع فإنما يخادع نفسه.
قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}.
لخلوها من العصمة والتوفيق والرعاية.
قال أبو عثمان: فى قلوبهم مرض لسكونهم إلى الدنيا وحبهم لها وغفلتهم عن الآخرة وإعراضهم عنها، فزادهم الله مرضاً بأنه وكَلَهُمْ إلى أنفسهم وجمع عليهم هموم الدنيا، فلم يتفرغوا من ذلك إلى اهتمام الدين، ولهم عذاب أليم باشتغالهم بما يغنى عما يبقى.
وقال الجنيدرحمه الله : علل القلب من اتباع الهوى، كما أن علة الجوارح من مرض البدن.
-----
حقائق التفسير للسلمي


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 11, 2023 11:32 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2414

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
من كان في غطاء وصفه محجوباً عن شهود حقه فالإشارة لنعته أنه سيان عنده قول من دلَّه على الحق، وقول من أعانه على استجلاب الحظ، بل هو إلى دواعي الغفلة أميل، وفي الإصغاء إليها أرغب. كيف لا؟ وهو بِكَيِّ الفرقة موسوم، وفي سجن الغيبة محبوس، وعن محل القربة ممنوع، لا يحصل منهم إيمان، لأنه ليس لهم من الحق أمان؛ فلمَّا لم يؤمنوا لم يؤمِنوا. حكم سبق من الله حتم، وقول له فصل، وإن القدرة لا تُعارَض، ومن زاحم الحق في القضية كبسته سطوات العزة، وقَصَمتهْ بواده الحكم.
خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ
ويقال إن الكافر لا يرعوي عن ضلالتهِ لِمَا سَبَق من شقاوته، وكذلك المربوط بأغلال نفسه محجوب عن شهود غيبه وحقه، فهو لا يبصر رشده، ولا يسلك قصده. ويقال إن الذي بقي في ظلمات رعونته سواء عنده نصح المرشدين وتسويلات المُبْطِلين، لأن الله سبحانه وتعالى نزع عن أحواله بركاتِ الإنصاف، فلا يدرك بسمع القبول، ولا يُصغي إلى داعي الرشاد، كما قيل:
وعلى النصوح نصيحتي وعليَّ عصيان النصوح

ويقال من ضلَّ عن شهود المِنَّةِ عليه في سابق القسمة تَوَهَّمَ أن الأمر من حركاته وسَكَنَاته فاتَّكَلَ على أعماله، وتعامى عن شهود أفضاله.

الختم على الشيء يمنع ما ليس فيه أن يدخله وما فيه أن يخرج منه، وكذلك حَكَمَ الحقُّ سبحانه بألا يُفارقَ قلوبَ أعدائه ما فيها من الجهالة والضلالة، ولا يدخلها شيء من البصيرة والهداية. على أسماع قلوبهم غطاء الخذلان، سُدَّت تلك المسامع عن إدراك خطاب الحق من حيث الإيمان، فوساوس الشيطان وهواجس النفوس شغلتها عن استماع خواطر الحق. وأمَّا الخواص فخواطر العلوم وجولان تحقيقات المسائل في قلوبهم شغلت قلوبهم عن ورود أسرار الحق عليهم بلا واسطة، وإنما ذلك لخاص الخاص، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد كان في الأمم مُحَدَّثُون فإن يكن في أمتي فعمر" فهذا المحدَّث مخصوص من الخواص كما أن صاحب العلوم مخصوص من بين العوام. وعلى بصائر الأجانب غشاوة فلا يشهدون لا ببصر العلوم ولا ببصيرة الحقائق، ولهم عذاب عظيم لحسبانهم أنهم على شيء، وغفلتهم عما مُنُوا من المحنة (و...) في الحال والمال، في العاجل فُرقَته، وفي الآجل حُرقته.
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ
ثبتوا على نفاقهم، ودأبوا على أن يلبِّسوا على المسلمين، فهتَكَ الله أستارهم بقوله: {وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} كذا قيل:
من تحلى بغير ما هو فيه فضح الامتحان ما يَدَّعِيه

ولما تجردت أقوالهم عن المعاني كان وبال ما حصلوه منها أكثر من النفع الذي توهموه فيها، لأنه تعالى قال: { إِنَّ المُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } [النساء: 145] ولولا نفاقهم لم يزدد عذابهم.
ويقال لما عَدِموا صدق الأحوال لم ينفعهم صدق الأقوال، فإن الله تعالى قال: { واللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [المنافقون: 1] فكانوا يقولون نشهد إنك لرسول الله، وكذلك من أظهر من نفسه ما لم يتحقق به افتضح عند أرباب التحقيق في الحال، وقيل:
أيها المدعي سليمى هواها لستَ منها ولا قلامة ظفر
إنما أنت في هواها كواوٍ أُلْصِقت في الهجاء ظلماً بعمرو
يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ
عاد وبال خداعهم والعقوبة عليه إلى أنفسهم فصاروا في التحقيق كأنهم خادعوا أنفسهم، فما استهانوا إلا بأقدارهم، وما اسْتَخَفُّوا إلا بأنفسهم، وما ذاق وبالَ فعلهم سواهم، وما قطعوا إلا وتينَهم. ومن كان عالماً بحقائق المعلومات فمن رام خداعه إنما يخدع نفسه.
والإشارة في هذه الآية أن من تناسى لطفه السابق وقال لي وبي ومني وأنا يقع في وهمه وظنه لك وبك ومنك وأنت، وهذا التوهم أصعب العقوبات لأنه يرى سراباً فيظنه شراباً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفَّاه حسابه.
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
في قلوب المنافقين مرض الشك، ويزيدهم الله مرضاً بتوهمهم أنهم نجوا بما لبَّسوا على المسلمين، ثم لهم عذاب أليم مؤلم، يَخْلُص وجعه إليهم في المآل. (وفي) الإشارة يحصل لمن خلط قصده بحظِّه، وشاب إرادته بهواه (أن) يتقدم في الإرادة بِقَدَمٍ، ويتأخر بالحظوظ ومتابعة النَفْس بأخرى، فهو لا مريدٌ صادقٌ ولا عاقلٌ متثبت. ولو أن المنافقين أخلصوا في عقائدهم لأَمِنوا في الآخرة من العقوبة كما أَمِنوا في الدنيا من نحو بذل الجزية وغير ذلك مما هو صفة أهل الشرك والذمة، كذلك لو صدق المريد في إرادته لوصل بقلبه إلى حقائق الوصلة، ولأدركته بركات الصدق فيما رامه من الظفر بالبُغية، ولكن حاله كما قيل:
فما ثبتنا فيثبت لنا عدل بلا حنف ولو خلصنا تخلصنا من المحن

وإن من سقمت عبادته حيل بينه وبين درجات الجنات، ومن سقمت إرادته حيل بينه وبين مواصلات القُرْبِ والمناجاة. وأمَّا من ركن إلى الدنيا واتَّبع الهوى فسكونُهم إلى دار الغرور سقم لقلوبهم، والزيادة في علتهم تكون بزيادة حرصهم؛ كلما وجدوا منها شيئاً - عَجَّلَ لهم العقوبة عليه - يتضاعف حرصهم على ما لم يجدوه.
ثم من العقوبات العاجلة لهم تشتتُ همومهم ثم تَبَغض عيشهم فيبغون بها عن مولاهم، ولم يكن لهم استمتاع ولا راحة فيما آثروه من متابعة هواهم، وهذا جزاء من أعرض عن صحبة مولاه، وفي معناه قيل:
تبدلت فتبدلنا واحسرتا لمن ابتغى عوضاً ليسلو فلم يجد

والإشارة في العذاب الأليم بما كانوا يكذبون إنما هي الحسرة يوم الكشف إذا رأوا أشكالهم الذين صدقوا كيف وصلوا، ورأَوْا أنفسهم كيف خسروا.
----
لطائف الإشارات للقشيري


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 11, 2023 11:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مارس 29, 2012 9:53 pm
مشاركات: 45821
جزاكم الله خيرا
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله

_________________
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يناير 12, 2023 6:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2414


{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} اي انَّ الحتجبوا عنا بحظوظ البشريات سواء عندهم انذار بقطيعتنا عنهم وتخويفهم بعقوبتنا عليهم لانهم في مهمة الغفلة عن مباشرة المعرفة لا يقرون باللقاء والمشاهدة لا ستغراقهم في بحار الشهوة وقيل ان الذين ضَلّوا عن روية مننى عليهم في السّبْق سواء عندهم مَنْ شاهد الاعواض في خدمتى ومَنْ شاهدا العوّض لا تخلص سَرَايرهم ولا يثبت لهم الايمان الغيبىّ وانّما ايمناهم على العبادة.{خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ} اي ما انظر اليها منذ خلقها فحرَّم عليها انوار ذكره ومواصلة الهامه {وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ} اي على سمعهم وقر الضلال فلم يسمعوا حقائق الخطاب {وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} اي على ابصارهم غطاء القَصْر فلم يبصروا بها طراوةَ صفة الصانع في الصنع ولم يتفرَّسوا بالبصائر ما كشف الله الاهل الايمان من ملكوت السموات والارض {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} عَذَابهم بُعْدهم عن قرب مولاهم حتى لم يدركوا بركات كراماته وقيل اَهلْ البصر نظروا من الله الى الاشياء فشاهَدوها في اسرار القدر واهل النظر استدلوا بالاشياء على الله فحَجَبَتهم عقولهم واستدلالاتهم عن بلوغ كنه المعرفة بالله قال سيدنا علي بن ابي طالب رضى الله عنه طبع الله على قلوبهم برؤية افعالهم بمعاونة النفوس حتى كفروا سرّاً وامنوا علانية قال جفعر الصادق الختم على وجوهٍ منهم من خَتَم على قلبه برؤية فعله ومنهم مَن ختم على قلبه برؤية الاعَواض منهم من ختم قلبه بالاسلام ومنهم من ختم قلبَه بالايمان ومنهم من ختم قلبه بالمعرفة ومنهم من ختم قلبه بالتوحيد فكلُّ واقف مع ذلك الختم وقال سهل اسبل عليهم ستر شقاوةٍ فصمُّوا عن سماع الحق وعَمّوا عن ذكِره.{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} هؤلاء اهل الدعاوى الذين يزينون قوالبهم بشعار المخلصين ويَخرُبُون بواطنهم بسوء اخلاق المنافقين كلامهم كلام الصّديقين وافعالهم افعال المكذبين وقيل ان الناس اسم جنسٍ واسم الجنس لا تخاطب به الاولياء وقال بعضهم ليس الايمان ما يتزّين العبيد قوةً وفعلاً لكن الايمان جرى السّعادة فى سابق الازل وامّا ظهورها على الهياكل فربّما يكون عوارض وربّما يكون حقائُق {يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا} اي يخادعون اولياء الله مِنْ حيث اقرار الايمان بالقلوب واخفاء التداهُن في النفوس {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم} حين لا يعلمون تفرسَ اهل الولاية فيفتضحون عندهم واما خدعهم مع اهل الايمان من حيث الظواهر قولاً وفعلاً ودَسَايسهم في البواطن حِقْداً وبعداً وايضاً يخادعون الله بالفرار والذين امنوا بالاقرار وقال بعض العراقين الخداع والمكر تنبيه من جهة شهود السعايات والاتلفات الى الطاعات كي لايعتقد فيها بانها اسباب الوصول الحق كلا {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} اي دعونه تَشْغّلُها قبول الحق وتلهّيها بقبول الحق وايضاً اي غفلة عن ذكر العقبى وهمة مشغولة تجب الدّنيا {فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً} بتَّبعيدهم من قربه وتشغيلهم عن ذكره وقيل في قلوبهم مرض بخلوها من العصر والتوفيق والرعاية وقال بعضهم بميلهم الى نفوسهم وتعظيم طاعتهم عندهم ومن مال الى شيء عَمَى عن غيبة فزادهم الله مرضاً بان حَسَّن عندهم قبائح فتخذوا بها وقال سهل المرض الرياءُ والعجب وقله الاخلاص وذلك مرض لا يداوى الا بالجوع والتقطع وقال ايضاً مرضٌ بقلة المعرفة بنعم الله تعالى والقعود عن القيام بشكرها والغفلة عنها وهذا مرضٌ القلب الذي ربُما يعدى
---
عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 309 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 4, 5, 6, 7, 8, 9, 10 ... 21  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 10 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط