تنبهوا أيها الأطلال المستمدون من الله في كل الأحوال : ـــــــــــ { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }
{ وَكَذَلِكَ } أي: ومثل ما أوحينا إلى من تقدمك من الأنبياء والرسل، وتكلمنا معهم بإحدى الطرق الثلاث { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } أيضاً يا أكمل الرسل لنتكلم معك { رُوحاً } منَّا تكريماً لك وتعظيماً لشأنك، وتخصيصاً لك من بين سائر الأنبياء لظهوره على نشأة التوحيد الذاتي، ناشئاً { مِّنْ أَمْرِنَا } المتعلق لتدبيراتنا وتصرفاتنا في ملكنا وملكوتنا، ألا وهو القرآن المنتخب من حضرة علمنا ولوح قضائنا، سميناه روحاً؛ لأنه يحيي به أموات مطلق التعينات، وخصصناك به مع أنك { مَا كُنتَ تَدْرِي } وتعلم قبل نزوله { مَا ٱلْكِتَابُ } المبين للأحكام المتعلقة بتهذيب الظواهر والبواطن { وَلاَ ٱلإِيمَانُ } والإيقان المتعلق لتوحيد الحق وعرفانه، لكونك أميّاً عارياً عن طريق الاستفادة والتعلم مطلقاً { وَلَـٰكِن } من محض جودنا وفضلنا اصفيناك لرسالتنا، واجتبيناك لخلافتنا ونيابتنا؛ لذلك أنزلناه إليك.
وبعد نزوله { جَعَلْنَاهُ نُوراً } تلألأ وتشعشع بعد ظهور نشأتك { نَّهْدِي بِهِ } إلى توحيدنا { مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } المجبولين على فطرة الإسلام { وَإِنَّكَ } أيضاً بمقتضى خلافتك ونيابتك عنَّا { لَتَهْدِيۤ } به عموم عبادنا وتدعوهم { إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى: 52] لا عود فيه ولا انحراف؛ لكونه { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ } مظاهر { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي: العلويات والسفليات، وما ظهر منهما وفيهما وعليهما، وبالجملة: عموم ما ظهر وبطن وغاب وشهد؛ إذ هو سبحانه آخذ بيمين القدرة بناصية الكل، ويجذبه نحوه.
{ أَلاَ } أي: تنبهوا أيها الأطلال المستمدون من الله في كل الأحوال { إِلَى ٱللَّهِ } أي: إلى وجهه الكريم لا إلى غيره من وجوه الأسباب والوسائل العادية { تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } [الشورى: 53] أي: إليه ترجع وجوه الصور المرتبة بعد ارتفاع الوجوه الهالكة عن البين واضمحلال الرسوم الباطلة عن العين ) ــــــــــــــــــ تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) ـــــــــــــ اللهم صل على نورك الأسبق وصراطك المحقق وعلى آله وسلم
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|