البحيرة والسائبة والوصيلة والحام
معنى قوله عز وجل {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} ؟
الْبَحِيرَةُ: وَهِيَ فَعِيلَةٌ مِنَ الْبَحْرِ وَهُوَ الشَّقُّ، يُقَالُ: بَحَرَ نَاقَتَهُ إِذَا شَقَّ أُذُنَهَا، وَهِيَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالزَّجَّاجُ: النَّاقَةُ إِذَا نَتَجَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ، وَكَانَ آخِرُهَا ذَكَرًا شَقُّوا أُذُنَ النَّاقَةِ وَامْتَنَعُوا مِنْ رُكُوبِهَا وَذَبْحِهَا وَسَيَّبُوهَا لِآلِهَتِهِمْ، وَلَا يُجَزُّ لَهَا وَبَرٌ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى ظَهْرِهَا، وَلَا تُطْرَدُ عَنْ مَاءٍ، وَلَا تُمْنَعُ عَنْ مَرْعًى، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا وَإِذَا لَقِيَهَا الْمُعْيَى لَمْ يَرْكَبْهَا تَحْرِيجًا.
وَأَمَّا السَّائِبَةُ: فَهِيَ فَاعِلَةٌ مِنْ سَابَ إِذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يُقَالُ: سَابَ الْمَاءُ وَسَابَتِ الْحَيَّةُ، فَالسَّائِبَةُ هِيَ الَّتِي تُرِكَتْ حَتَّى تَسِيبَ إِلَى حَيْثُ شَاءَتْ، وَهِيَ الْمُسَيَّبَةُ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ بِمَعْنَى مَرْضِيَّةٍ، وَذَكَرُوا فِيهَا وُجُوهًا: أَحَدُهَا: مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا مَرِضَ أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ نَذَرَ نَذْرًا أَوْ شَكَرَ نِعْمَةً سَيَّبَ بَعِيرًا، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَحِيرَةِ فِي جَمِيعِ مَا حَكَمُوا لَهَا، وَثَانِيهَا: قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا وَلَدَتِ النَّاقَةُ عَشَرَةَ أَبْطُنٍ كُلُّهُنَّ إِنَاثٌ، سُيِّبَتْ فَلَمْ تُرْكَبْ وَلَمْ تُحْلَبْ وَلَمْ يُجَزَّ لَهَا وَبَرٌ، وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إِلَّا وَلَدٌ أَوْ ضَيْفٌ، وَثَالِثُهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: السَّائِبَةُ هِيَ الَّتِي تُسَيَّبُ لِلْأَصْنَامِ أَيْ تُعْتَقُ لَهَا، وَكَانَ الرَّجُلُ يُسَيِّبُ مِنْ مَالِهِ مَا يَشَاءُ، فَيَجِيءُ بِهِ إِلَى السَّدَنَةِ وَهُمْ خَدَمُ آلِهَتِهِمْ فَيُطْعِمُونَ/ مِنْ لَبَنِهَا أَبْنَاءَ السَّبِيلِ، وَرَابِعُهَا: السَّائِبَةُ هُوَ الْعَبْدُ يُعْتَقُ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ وَلَا عَقْلٌ وَلَا مِيرَاثٌ.
وَأَمَّا الْوَصِيلَةُ: فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِذَا وَلَدَتِ الشَّاةُ أُنْثَى فَهِيَ لَهُمْ وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا فَهُوَ لِآلِهَتِهِمْ، وَإِنْ ولدت ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم، فالوصيلة بمعنى الموصولة كأنها وصلت بغيرها، ويجوز أن تكون بمعنى الواصلة لأنها وَصَلَتْ أَخَاهَا.
وَأَمَّا الْحَامُ فَيُقَالُ: حَمَاهُ يَحْمِيهِ إِذَا حَفِظَهُ وَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: الْفَحْلُ إِذَا رُكِبَ وَلَدُ وَلَدِهِ. قِيلَ: حَمَى ظَهْرَهُ أَيْ حَفِظَهُ عَنِ الرُّكُوبِ فَلَا يُرْكَبُ وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ مَاءٍ وَلَا مَرْعًى إِلَى أَنْ يَمُوتَ فَحِينَئِذٍ تَأْكُلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَثَانِيهَا: إِذَا نَتَجَتِ النَّاقَةُ عَشَرَةَ أَبْطُنٍ قَالُوا حَمَتْ ظَهْرَهَا حَكَاهُ أَبُو مُسْلِمٍ. وَثَالِثُهَا: الْحَامُ هُوَ الْفَحْلُ الَّذِي يَضْرِبُ فِي الْإِبِلِ عَشْرَ سِنِينَ فَيُخَلَّى، وَهُوَ مِنَ الْأَنْعَامِ الَّتِي حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا، وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ فَإِنْ قِيلَ: إِذَا جَازَ إِعْتَاقُ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ إِعْتَاقُ هَذِهِ الْبَهَائِمِ مِنَ الذَّبْحِ وَالْإِتْعَابِ وَالْإِيلَامِ.
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا مَنَعَ النَّاسَ مِنَ الْبَحْثِ عَنْ أُمُورٍ مَا كُلِّفُوا بِالْبَحْثِ عَنْهَا كَذَلِكَ مَنَعَهُمْ عَنِ الْتِزَامِ أُمُورٍ مَا كُلِّفُوا الْتِزَامَهَا، وَلَمَّا كَانَ الْكُفَّارُ يُحَرِّمُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمُ الِانْتِفَاعَ بِهَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ وَإِنْ كَانُوا فِي غَايَةِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا، بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَقَالَ: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ.
(من التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي بتغيير في العرض والترتيب )
_________________ مدد ياسيدى يارسول الله مدديااهل العباءة .. مدد يااهل بيت النبوة اللهم ارزقنا رؤية سيدنا رسول الله فى كل لمحة ونفس
|