بسم الله الرحمن الرحيم
فضائل القرآن ـ الكريم ـ وآداب حملته .
فضائل القرآن في القرآن فضائل القرآن ووجوه عظمته كثيرة، تعز على الاستقصاء والإحاطة، وقد عرض لها القرآن نفسه في آيات كثيرة جدا، نشير إلى أصول مهمة من مقاصدها فيما يأتي:
1 - إن القرآن آية الله الكبرى، والمعجزة الإلهية الخالدة، الدالة على حقّيّة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد تحدّى الله به الإنس والجن، فقال عزّ من قائل: ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا ).
بل تحداهم بمثل سورة منه: ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ).
2 - أنه كتاب هداية العالم كله إلى الطريق الأقوم، والمرشد لسعادة الدنيا والآخرة، قال تعالى: ( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. وقال عز وجل: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ).
3 - إن القرآن علاج آفات الأفراد والمجتمعات قال تعالى: ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. وقال أيضا: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاء) ٌ.
4 - القرآن حجة الله على العباد، لإظهار الحق وإزهاق الباطل، وبه يجاهد الباطل ويقاوم، وذلك لغاية ما اشتمل عليه من الحجج الدامغة والبراهين القاطعة، قال تعالى:(( فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيرا ))ً
.
5 - القرآن حاكم على الكتب السابقة ومهيمن عليها. قال تعالى:(( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)) .
فالقرآن مهيمن على ما سبقه يقرّ من أحكامها ما كان صالحا للبقاء، وينسخ ما كان خاصا بتلك الأمة لا يصلح للبقاء، ويبين الحق فيما دخل على الكتب السابقة من التغيير والتبديل، والزيادة والنقص، فهو مهيمن عليها. وهو المرجع في مضامينها.
وفي الحق أن بحث فضائل القرآن في القرآن ، به عناوين مهمة جدا، يحتاج شرح كل منها إلى بحث، تذكرة للطالب، وإثارة لرغبة المؤمن الراغب، ليقبل على كتاب ربه بكليته، ويجعله نبراس حياته.
فدونك كتاب الله تعالى، أقبل عليه، متأملا آياته، من هذه الزاوية، متعمقا في معانيه وخصائصها، تجد العجب العجاب، الذي تسجد له أولو الألباب.
فضائل القرآن في الحديث الشريف :
إن الأحاديث الدالة على فضل القرآن وعظمته كثيرة جدا، جمعت فيها مؤلفات بهذا الاسم «فضائل القرآن» منها، لابن الضّريس، ولابن أبي شيبة، والنسائي، وأبي عبيد القاسم بن سلام، ، والسيوطي وسماه «خمائل الزّهر في فضائل السور» وغيرهم. ومن الأحاديث ما يدل على فضائل القرآن كله عامة، ومنها ما يدل على فضل سور أو آيات.
ونذكر من أمهات مقاصد الأحاديث الواردة في فضل القرآن عامة ما يأتي:
1 - أنه خير الحديث والكلام قاطبة:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم» أخرجه مسلم.
وهو مأخوذ من القرآن الكريم. قال تعالى: (( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ )).
2 - القرآن يشفع لصاحبه:
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» أخرجه أحمد ومسلم وابن حبان وابن الضّريس.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إن القرآن شافع مشفّع، وماحل مصدّق، فمن جعله بين يديه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار» أخرجه الطبراني وصححه ابن حبان من حديث جابر مرفوعا.
أي من عمل به قاده إلى الجنة، ومن لم يعمل به ساقه إلى النار، وصار في حقه ماحلا مصدقا أو خصما مجادلا ضدّه، لأن القرآن هو مقياس العمل الصالح وغير الصالح، ومقياس الفلاح والخسار.
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والقرآن حجة لك أو عليك» أخرجه مسلم.
3 - القرآن يرفع صاحبه مع السفرة البررة:
عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاقّ له أجران» متفق عليه.
4 - القرآن يؤنس صاحبه في الحشر:
عن بريدة الأسلميّ رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: «إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشقّ عنه قبره، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن، أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم وراء كل تجارة. قال: فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلّتين لا يقوم لهما أهل الدنيا. فيقولان: بم كسينا هذه؟ فيقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنّة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقول، هذّا كان، أو ترتيلا» أخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه على شرط مسلم. وقال الهيثمي في رجال أحمد: «رجال الصحيح».
وله شواهد بطوله عن أبي أمامة الباهلي وأبي هريرة ومجاهد مرسلا وعن شمر بن عطية وفيه عند قوله: «حين ينشق قبره»: «فيقول: أبشر بكرامة الله، أبشر برضوان الله. فيقول: مثلك يبشّر بالخير، فمن أنت؟ فيقول: أنا القرآن .. ».
خطورة الغفلة عن القرآن:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» أخرجه الترمذي وصححه.
وعن عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس ما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسّى» متفق عليه.
أي أنه نسّاه عقوبة له على ذنوب، لأن نسيان القرآن من أعظم المصائب، فلا يكون إلا من ذنب عظيم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها» أخرجه أبو داود والترمذي.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن البيت إذا قرئ فيه القرآن حضرته الملائكة، وتنكّبت عنه الشياطين. واتّسع على أهله، وكثر خيره وقلّ شرّه. وإنّ البيت إذا لم يقرأ فيه القرآن حضرته الشياطين، وتنكبت عنه الملائكة، وضاق على أهله، وقلّ خيره وكثر شرّه» أخرجه الإمام محمد بن نصر المروزي. وفي معنى الحديث أحاديث كثيرة.
آداب حملة القرآن وتلاوته :
ليذكر قارئ القرآن فضائل القرآن وجلالة شأنه، وأنه حجة له أو عليه، فليعتبر بذلك كلّه، وليستحضر أيضا تكريم الله إياه أن جعله يقرأ هذا القرآن ويناجي به ربّه، فإذا وفّق لذلك انكفّت نفسه عن الرذائل، وأقبلت على العمل الصالح الكامل، ونبعت آداب التلاوة وصدرت من النفس متأثرة بهذه المشاعر، وزادت بالتالي توفيق القارئ فقطف ثمار قراءته، وتنوّر بأنوار تلاوته.
فهناك ستة أقسام:
1 - آداب معلم القرآن وحامله.
2 - آداب متعلم القرآن.
3 - آداب التأهب لقراءة القرآن
4 - آداب تلاوة القرآن.
5 - آداب الاستماع للقرآن.
6 - آداب ختم القرآن.
آداب معلم القرآن وحامله:
وهي آداب كل معلم علما شرعيا، أو عالم بعلم من هذه العلوم الشريفة، لأن علوم الشرع مشتملة على العلم بالقرآن كليا أو جزئيا، وهي مستمدة منه وخادمة له.
1 - أول هذه الآداب (الإخلاص):
واجب أساسي وهو روح كل عمل- لا سيما هذه العلوم، التي هي أفضل ما عبد الله به بعد أركان الإسلام- وذلك هو الإخلاص، قال تعالى: ( وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنّيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه، وهذا الحديث من أصول الإسلام، بل هو نصف الإسلام.
ويساعد على ذلك سؤال الله تعالى الإخلاص، ودعاء التوجه في افتتاح الصلاة بحضور قلب وضراعة، والتعوذ من دخول الدنيا في قصده بأي صورة، أو شكل.
2 - أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل :
، وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى الله عنه، إجلالا للقرآن، وأن يكون مترفعا على الجبابرة والمستكبرين من أهل الدنيا، اعتزازا بما آتاه الله تعالى من كنز القرآن أو علم الشرع، فإنه أنفس شيء عند العقلاء، لا تقوم به الدنيا، قال تعالى ممتنّا على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ* لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ). فجعل سبحانه إيتاء القرآن موجبا للترفع على الدنيا وأهلها، وللتواضع للمؤمنين المتقين.
3 - ليحذر عالم القرآن أو أي علم شرعي أن يتخذ القرآن أو العلم أداة لكسب المال :
، يقصد به الدنيا. لما سبق من وجوب الإخلاص، والبعد عن الرياء، ولما ورد في الكتاب والسنة من التهديد والوعيد على كتمان العلم.
ومنه تعليم القرآن فإنه واجب على الكفاية، كما أن تعلمه واجب على كل مسلم.
وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن- لمن خصلت نيته عن قصد الدنيا وأكل المال بالقرآن أو العلم فهذا الأخذ للأجرة بهذا الشرط قد اختلف العلماء فيه، وكثير من السلف كانوا على المنع ومنهم الحنفية والمالكية. ثم اتفق المتأخرون على جواز أخذ الأجرة على ما ذكرنا، لما رأوا ضرورة انتظام تعليم القرآن، ونشر العلم توجب ذلك.
ويشهد لذلك حديث عبد الله بن عباس في اللديغ، لما رقاه بعض الصحابة وجعلوا له جعلا، أي عطية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» أخرجه البخاري.
وإن بذل التعليم بلا مقابل طلبا للثواب مرتبة عليا، هي عمل الأنبياء والمرسلين.
4 - أن يبذل المعلم النصيحة لطلبته:
فإن «الدين النصيحة» كما ثبت الحديث الشريف وصح ، ومن النصيحة لله ولكتابه ولرسوله إكرام قارئ القرآن، وطالب العلم وإرشاده إلى مصلحته، وأن يحرضه على الطلب، ويذكر له فضيلة ذلك، ليكون سببا في نشاطه.
5 - اتخاذ حال المهابة والوقار:
ليكن معلم القرآن أو أي علم وقورا، أي ساكنا، لا يكثر من الحركات بغير حاجة. ولذلك ينبغي أن يصون يديه عن العبث، وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة، ويقبل على كل طلابه، ويقعد على طهارة مستقبل القبلة، ويستعين بالإشارة بيده لتفهيم المعنى من غير إكثار أو زيادة، وتكون ثيابه وسائر هندامه نظيفة، وشعر لحيته ورأسه مرجّلا مرتّبا.
يتبع إن شاء الله ـ تعالى ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــ
علوم القرآن الكريم نور الدين محمد عتر الحلبي
_________________ يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم
بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم
|