موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 144 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 4, 5, 6, 7, 8, 9, 10  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أغسطس 15, 2006 9:51 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
قال تعالى :

إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

المائدة 118
الجلالين
ـــــــــــــــ

"إنْ تُعَذِّبهُمْ" أَيْ مَنْ أَقَامَ عَلَى الْكُفْر مِنْهُمْ "فَإِنَّهُمْ عِبَادك" وَأَنْت مَالِكهمْ تَتَصَرَّف فِيهِمْ كَيْفَ شِئْت لَا اعْتِرَاض عَلَيْك "وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ" أَيْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ "فَإِنَّك أَنْت الْعَزِيز" عَلَى أَمْره "الْحَكِيم" فِي صُنْعه

الطبري
ـــــــــــــ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنْ تُعَذِّب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَة بِإِمَاتَتِك إِيَّاهُمْ عَلَيْهَا , فَإِنَّهُمْ عِبَادك , مُسْتَسْلِمُونَ لَك , لَا يَمْتَنِعُونَ مِمَّا أَرَدْت بِهِمْ وَلَا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسهمْ ضُرًّا وَلَا أَمْرًا تَنَالهُمْ بِهِ . وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ بِهِدَايَتِك إِيَّاهُمْ إِلَى التَّوْبَة مِنْهَا فَتَسْتُر عَلَيْهِمْ , فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ أَرَادَ الِانْتِقَام مِنْهُ لَا يَقْدِر أَحَد يَدْفَعهُ عَنْهُ , الْحَكِيم فِي هِدَايَته مَنْ هَدَى مِنْ خَلْقه إِلَى التَّوْبَة وَتَوْفِيقه مَنْ وَفَّقَ مِنْهُمْ لِسَبِيلِ النَّجَاة مِنْ الْعِقَاب . كَاَلَّذِي : 10153 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ } فَتُخْرِجهُمْ مِنْ النَّصْرَانِيَّة وَتَهْدِيهِمْ إِلَى الْإِسْلَام , { فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } وَهَذَا قَوْل عِيسَى فِي الدُّنْيَا . 10154 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } قَالَ : وَاَللَّه مَا كَانُوا طَعَّانِينَ وَلَا لَعَّانِينَ .






القرطبي
ـــــــــــــــ

قَوْله تَعَالَى : " إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك " شَرْط وَجَوَابه " وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم " مِثْله رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : قَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ لَيْلَة حَتَّى أَصْبَحَ , وَالْآيَة : " إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم " وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيله فَقِيلَ : قَالَهُ عَلَى وَجْه الِاسْتِعْطَاف لَهُمْ , وَالرَّأْفَة بِهِمْ , كَمَا يَسْتَعْطِف السَّيِّد لِعَبْدِهِ ; وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ : فَإِنَّهُمْ عَصَوْك , وَقِيلَ : قَالَهُ عَلَى وَجْه التَّسْلِيم لِأَمْرِهِ وَالِاسْتِجَارَة مِنْ عَذَابه , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ لَا يُغْفَر لِكَافِرٍ , وَقِيلَ الْهَاء وَالْمِيم فِي " إِنْ تُعَذِّبهُمْ " لِمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى الْكُفْر , وَالْهَاء وَالْمِيم فِي " إِنْ تَغْفِر لَهُمْ " لِمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْل الْمَوْت ; وَهَذَا حَسَن , وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَعْلَم أَنَّ الْكَافِر لَا يَغْفِر لَهُ فَقَوْل مُجْتَرِئ عَلَى كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; لِأَنَّ الْأَخْبَار مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا تُنْسَخ . وَقِيلَ : كَانَ عِنْد عِيسَى أَنَّهُمْ أَحْدَثُوا مَعَاصِي , وَعَمِلُوا بَعْده بِمَا لَمْ يَأْمُرهُمْ بِهِ , إِلَّا أَنَّهُمْ عَلَى عَمُود دِينه , فَقَالَ : وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ مَا أَحْدَثُوا بَعْدِي مِنْ الْمَعَاصِي , وَقَالَ : " فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم " وَلَمْ يَقُلْ : فَإِنَّك أَنْتَ الْغَفُور الرَّحِيم عَلَى مَا تَقْتَضِيه الْقِصَّة مِنْ التَّسْلِيم لِأَمْرِهِ , وَالتَّفْوِيض لِحُكْمِهِ . وَلَوْ قَالَ : فَإِنَّك أَنْتَ الْغَفُور الرَّحِيم لَأَوْهَمَ الدُّعَاء بِالْمَغْفِرَةِ لِمَنْ مَاتَ عَلَى شِرْكه وَذَلِكَ مُسْتَحِيل ; فَالتَّقْدِير إِنْ تُبْقِهِمْ عَلَى كُفْرهمْ حَتَّى يَمُوتُوا وَتُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك , وَإِنْ تَهْدِهِمْ إِلَى تَوْحِيدك وَطَاعَتك فَتَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الَّذِي لَا يَمْتَنِع عَلَيْك مَا تُرِيدهُ ; الْحَكِيم فِيمَا تَفْعَلهُ ; تُضِلّ مَنْ تَشَاء وَتَهْدِي مَنْ تَشَاء , وَقَدْ قَرَأَ جَمَاعَة : " فَإِنَّك أَنْتَ الْغَفُور الرَّحِيم " وَلَيْسَتْ مِنْ الْمُصْحَف . ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاض فِي كِتَاب " الشِّفَا " وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَقَدْ طَعَنَ عَلَى الْقُرْآن مَنْ قَالَ إِنَّ قَوْله : " إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم " لَيْسَ بِمُشَاكِلٍ لِقَوْلِهِ : " وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ " لِأَنَّ الَّذِي يُشَاكِل الْمَغْفِرَة فَإِنَّك أَنْتَ الْغَفُور الرَّحِيم وَالْجَوَاب أَنَّهُ لَا يَحْتَمِل إِلَّا مَا أَنْزَلَهُ اللَّه وَمَتَى نُقِلَ إِلَى الَّذِي نَقَلَهُ إِلَيْهِ ضَعُفَ مَعْنَاهُ ; فَإِنَّهُ يَنْفَرِد الْغَفُور الرَّحِيم بِالشَّرْطِ الثَّانِي فَلَا يَكُون لَهُ بِالشَّرْطِ الْأَوَّل تَعَلُّق , وَهُوَ عَلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَاجْتَمَعَ عَلَى قِرَاءَته الْمُسْلِمُونَ مَقْرُون بِالشَّرْطَيْنِ كِلَيْهِمَا أَوَّلهمَا وَآخِرهمَا ; إِذْ تَلْخِيصه إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ عَزِيز حَكِيم , وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم فِي الْأَمْرَيْنِ كِلَيْهِمَا مِنْ التَّعْذِيب وَالْغُفْرَان , فَكَانَ الْعَزِيز الْحَكِيم أَلْيَق بِهَذَا الْمَكَان لِعُمُومِهِ ; فَإِنَّهُ يَجْمَع الشَّرْطَيْنِ , وَلَمْ يَصْلُح الْغَفُور الرَّحِيم إِذْ لَمْ يَحْتَمِل مِنْ الْعُمُوم مَا اِحْتَمَلَهُ الْعَزِيز الْحَكِيم , وَمَا شَهِدَ بِتَعْظِيمِ اللَّه تَعَالَى وَعَدْله وَالثَّنَاء عَلَيْهِ فِي الْآيَة كُلّهَا وَالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوْلَى وَأَثْبَت مَعْنًى فِي الْآيَة مِمَّا يَصْلُح لِبَعْضِ الْكَلَام دُون بَعْض . خَرَّجَ مُسْلِم مِنْ غَيْر طَرِيق عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْله عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيم " رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاس فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّك غَفُور رَحِيم " [ إِبْرَاهِيم : 36 ] وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : " إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم " فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : ( اللَّهُمَّ أُمَّتِي ) وَبَكَى فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( يَا جِبْرِيل اِذْهَبْ إِلَى مُحَمَّد وَرَبّك أَعْلَم فَسَلْهُ مَا يُبْكِيك ) فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَم . فَقَالَ اللَّه : يَا جِبْرِيل اِذْهَبْ إِلَى مُحَمَّد فَقُلْ لَهُ إِنَّا سَنُرْضِيك فِي أُمَّتك وَلَا نَسُوءك ) وَقَالَ بَعْضهمْ : فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير وَمَعْنَاهُ , إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك , وَوَجْه الْكَلَام عَلَى نَسَقِهِ أَوْلَى لِمَا بَيَّنَّاهُ , وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أغسطس 19, 2006 4:43 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Times New Roman]قال تعالى :

" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"

107 الأنبياء

الجلالين
ــــــــــــ
"وَمَا أَرْسَلْنَاك" يَا مُحَمَّد "إلَّا رَحْمَة" أَيْ لِلرَّحْمَةِ "لِلْعَالَمِينَ" الْإِنْس وَالْجِنّ بِك


الطبري
ـــــــــــ

وَقَوْله : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا أَرْسَلْنَاك يَا مُحَمَّد إِلَى خَلْقنَا إِلَّا رَحْمَة لِمَنْ أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِي . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة , أَجَمِيع الْعَالَم الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّد أُرِيدَ بِهَا مُؤْمِنهمْ وَكَافِرهمْ ؟ أَمْ أُرِيدَ بِهَا أَهْل الْإِيمَان خَاصَّة دُون أَهْل الْكُفْر ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا جَمِيع الْعَالَم الْمُؤْمِن وَالْكَافِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18820 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق بْن يُوسُف الْأَزْرَق , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ رَجُل يُقَال لَهُ سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْل اللَّه فِي كِتَابه : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ } قَالَ : مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر كَتَبَ لَهُ الرَّحْمَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَرَسُوله عُوفِيَ مِمَّا أَصَابَ الْأُمَم مِنْ الْخَسْف وَالْقَذْف . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ } قَالَ : تَمَّتْ الرَّحْمَة لِمَنْ آمَنَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن بِهِ عُوفِيَ مِمَّا أَصَابَ الْأُمَم قَبْل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُرِيدَ بِهَا أَهْل الْإِيمَان دُون أَهْل الْكُفْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18821 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ } قَالَ : الْعَالَمُونَ : مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ . قَالَ : { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَة لَكُمْ وَمَتَاع إِلَى حِين } قَالَ : فَهُوَ لِهَؤُلَاءِ فِتْنَة وَلِهَؤُلَاءِ رَحْمَة , وَقَدْ جَاءَ الْأَمْر مُجْمَلًا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ . وَالْعَالَمُونَ هَاهُنَا : مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَأَطَاعَهُ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَهُوَ أَنَّ اللَّه أَرْسَلَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَة لِجَمِيعِ الْعَالَم , مُومِنهمْ وَكَافِرهمْ . فَأَمَّا مُؤْمِنهمْ فَإِنَّ اللَّه هَدَاهُ بِهِ , وَأَدْخَلَهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِالْعَمَلِ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه الْجَنَّة . وَأَمَّا كَافِرهمْ فَإِنَّهُ دَفَعَ بِهِ عَنْهُ عَاجِل الْبَلَاء الَّذِي كَانَ يَنْزِل بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا مِنْ قَبْله .




القرطبي
ــــــــــــ

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَة لِجَمِيعِ النَّاس فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَ بِهِ سَعِدَ , وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن بِهِ سَلِمَ مِمَّا لَحِقَ الْأُمَم مِنْ الْخَسْف وَالْغَرَق . وَقَالَ اِبْن زَيْد : أَرَادَ بِالْعَالَمِينَ الْمُؤْمِنِينَ خَاصَّة [/font]
.

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أغسطس 21, 2006 3:16 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[size=150]"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"الإسراء 1

الجلالين
ــــــــــــــــ

"سُبْحَان" أَيْ تَنْزِيه "الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ" مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَيْلًا" نُصِبَ عَلَى الظَّرْف وَالْإِسْرَاء سَيْر اللَّيْل وَفَائِدَة ذِكْره الْإِشَارَة بِتَنْكِيرِهِ إلَى تَقْلِيل مُدَّته "مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى" بَيْت الْمَقْدِس لِبُعْدِهِ مِنْهُ "الَّذِي بَارَكْنَا حَوْله" بِالثِّمَارِ وَالْأَنْهَار "لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتنَا" عَجَائِب قُدْرَتنَا "إنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير" أَيْ الْعَالِم بِأَقْوَالِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْعَاله فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالْإِسْرَاءِ الْمُشْتَمِل عَلَى اجْتِمَاعه بِالْأَنْبِيَاءِ وَعُرُوجه إلَى السَّمَاء وَرُؤْيَة عَجَائِب الْمَلَكُوت وَمُنَاجَاته لَهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :"أُتِيت بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّة أَبْيَض فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل يَضَع حَافِره عِنْد مُنْتَهَى طَرَفه فَرَكِبْته فَسَارَ بِي حَتَّى أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِس فَرَبَطْت الدَّابَّة بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِط فِيهَا الْأَنْبِيَاء ثُمَّ دَخَلْت فَصَلَّيْت فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْت فَجَاءَنِي جِبْرِيل بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْر وَإِنَاء مِنْ لَبَن فَاخْتَرْت اللَّبَن قَالَ جِبْرِيل : أَصَبْت الْفِطْرَة قَالَ : ثُمَّ عُرِجَ بِي إلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل قِيلَ : مَنْ أَنْتَ قَالَ : جِبْرِيل قِيلَ : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد قِيلَ : أَوَ قَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ ؟ قَالَ : قَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَم فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِالْخَيْرِ ثُمَّ عُرِجَ بِي إلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ : مَنْ أَنْتَ فَقَالَ : جِبْرِيل قِيلَ : وَمَنْ مَعَك قَالَ : مُحَمَّد قِيلَ أَوَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ قَالَ : قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا بِابْنَيْ الْخَالَة يَحْيَى وَعِيسَى فَرَحَّبَا بِي وَدَعَوَا لِي بِالْخَيْرِ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : جِبْرِيل فَقِيلَ : وَمَنْ مَعَك قَالَ : مُحَمَّد فَقِيلَ : أَوَ قَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ : قَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُف وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْر الْحُسْن فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ : مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيل فَقِيلَ : وَمَنْ مَعَك قَالَ : مُحَمَّد فَقِيلَ : أَوَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ قَالَ : قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيس فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ : مَنْ أَنْتَ قَالَ : جِبْرِيل فَقِيلَ : وَمَنْ مَعَك قَالَ : مُحَمَّد فَقِيلَ : أَوَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ قَالَ : قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بَهَارُونَ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ : مَنْ أَنْتَ فَقَالَ : جِبْرِيل فَقِيلَ : وَمَنْ مَعَك قَالَ : مُحَمَّد فَقِيلَ : أَوَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ قَالَ : قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ : مَنْ أَنْتَ فَقَالَ : جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك فَقَالَ : مُحَمَّد قِيلَ : أَوَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ قَالَ : قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيم فَإِذَا هُوَ مُسْتَنِد إلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَإِذَا هُوَ يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إلَيْهِ ; ثُمَّ ذَهَبَ إلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَإِذَا أَوْرَاقهَا كَآذَانِ الْفِيَلَة وَإِذَا ثَمَرهَا كَالْقِلَالِ فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْر اللَّه مَا غَشِيَهَا تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه تَعَالَى يَسْتَطِيع أَنْ يَصِفَهَا مِنْ حُسْنهَا قَالَ : فَأَوْحَى اللَّه إلَيَّ مَا أَوْحَى وَفَرَضَ عَلَيَّ فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة خَمْسِينَ صَلَاة فَنَزَلْت حَتَّى انْتَهَيْت إلَى مُوسَى فَقَالَ : مَا فَرَضَ رَبّك عَلَى أُمَّتك قُلْت : خَمْسِينَ صَلَاة فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة قَالَ : ارْجِعْ إلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك فَإِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ وَإِنِّي قَدْ بَلَوْت بَنِي إسْرَائِيل وَخَبَرْتهمْ قَالَ : فَرَجَعْت إلَى رَبِّي فَقُلْت : أَيْ رَبّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا فَرَجَعْت إلَى مُوسَى قَالَ : مَا فَعَلْت فَقُلْت قَدْ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا قَالَ : إنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ فَارْجِعْ إلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك قَالَ : فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِع بَيْن رَبِّي وَبَيْن مُوسَى وَيَحُطّ عَنِّي خَمْسًا خَمْسًا حَتَّى قَالَ : يَا مُحَمَّد هِيَ خَمْس صَلَوَات فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة بِكُلِّ صَلَاة عَشْر فَتِلْكَ خَمْسُونَ صَلَاة وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَة فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَة وَاحِدَة فَنَزَلْت حَتَّى انْتَهَيْت إلَى مُوسَى فَأَخْبَرْته فَقَالَ ارْجِعْ إلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ فَقُلْت :"قَدْ رَجَعْت إلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْت" رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظ لِمُسْلِمٍ وَرَوَى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"رَأَيْت رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ"

الطبري
ـــــــــــــــ

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيّ : يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا } تَنْزِيهًا لِلَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ وَتَبْرِئَة لَهُ مِمَّا يَقُول فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّ لَهُ مِنْ خَلْقه شَرِيكًا , وَأَنَّ لَهُ صَاحِبَة وَوَلَدًا , وَعُلُوًّا لَهُ وَتَعْظِيمًا عَمَّا أَضَافُوهُ إِلَيْهِ , وَنَسَبُوهُ مِنْ جَهَالَاتهمْ وَخَطَأ أَقْوَالهمْ . وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى قَبْل , أَنَّ قَوْله { سُبْحَان } اِسْم وُضِعَ مَوْضِع الْمَصْدَر , فَنُصِبَ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعه بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَقُول : نُصِبَ لِأَنَّهُ غَيْر مَوْصُوف , وَلِلْعَرَبِ فِي التَّسْبِيح أَمَاكِن تَسْتَعْمِلهُ فِيهَا . فَمِنْهَا الصَّلَاة , كَانَ كَثِير مِنْ أَهْل التَّأْوِيل يَتَأَوَّلُونَ قَوْل اللَّه : { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ } : 37 143 فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُصَلِّينَ . وَمِنْهَا الِاسْتِثْنَاء , كَانَ بَعْضهمْ يَتَأَوَّل قَوْل اللَّه تَعَالَى : { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ } : 68 28 لَوْلَا تَسْتَثْنُونَ , وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لُغَة لِبَعْضِ أَهْل الْيَمَن , وَيُسْتَشْهَد لِصِحَّةِ تَأْوِيله ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ } 68 17 : 18 قَالَ : { قَالَ أَوْسَطهمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ } 68 28 فَذَكَّرَهُمْ تَرْكهمْ الِاسْتِثْنَاء . وَمِنْهَا النُّور , وَكَانَ بَعْضهمْ يَتَأَوَّل فِي الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْلَا ذَلِكَ لَأَحْرَقَتْ سَبَحَات وَجْهه مَا أَدْرَكَتْ مِنْ شَيْء " أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : سَبَحَات وَجْهه : نُور وَجْهه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16613 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن مَوْهِب , عَنْ مُوسَى بْن طَلْحَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ التَّسْبِيح أَنْ يَقُول الْإِنْسَان : سُبْحَان اللَّه , قَالَ : " إِنْزَاهُ اللَّه عَنْ السُّوء " . 16614 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ الْحَسَن بْن صَالِح , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : سُبْحَان اللَّه : قَالَ : إِنْكَاف لِلَّهِ . وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ الْآثَار فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ الْكِفَايَة فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا قَبْل . وَالْإِسْرَاء وَالسُّرَى : سَيْر اللَّيْل . فَمَنْ قَالَ : أَسْرَى , قَالَ : يُسْرِي إِسْرَاء ; وَمَنْ قَالَ : سَرَى , قَالَ : يَسْرِي سُرًى , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَلَيْلَة ذَات دُجًى سَرَيْت وَلَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاهَا لَيْتُ وَيُرْوَى : ذَات نَدًى سَرَيْت .

لَيْلًا

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَيْلًا } مِنْ اللَّيْل . وَكَذَلِكَ كَانَ حُذَيْفَة بْن الْيَمَان يَقْرَؤُهَا . 16615 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : سَمِعْت أَبَا بَكْر بْن عَيَّاش وَرَجُل يُحَدِّث عِنْده بِحَدِيثٍ حِين أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : لَا تَجِيء بِمِثْلِ عَاصِم وَلَا زِرّ , قَالَ : قَرَأَ حُذَيْفَة : " سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى " وَكَذَا قَرَأَ عَبْد اللَّه .

مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى

وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَفِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي مِنْ الْحَرَم , وَقَالَ : الْحَرَم كُلّه مَسْجِد . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا . وَقَالَ : وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى كَانَ نَائِمًا فِي بَيْت أُمّ هَانِئ اِبْنَة أَبِي طَالِب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16616 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي صَالِح بْن بَاذَام عَنْ أُمّ هَانِئ بِنْت أَبِي طَالِب , فِي مَسْرَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهَا كَانَتْ تَقُول : مَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ فِي بَيْتِي نَائِم عِنْدِي تِلْكَ اللَّيْلَة , فَصَلَّى الْعِشَاء الْآخِرَة , ثُمَّ نَامَ وَنِمْنَا , فَلَمَّا كَانَ قُبَيْل الْفَجْر , أَهَبَّنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْح وَصَلَّيْنَا مَعَهُ قَالَ : " يَا أُمّ هَانِئ لَقَدْ صَلَّيْت مَعَكُمْ الْعِشَاء الْآخِرَة كَمَا رَأَيْت لِهَذَا الْوَادِي , ثُمَّ جِئْت بَيْت الْمَقْدِس فَصَلَّيْت فِيهِ , ثُمَّ صَلَّيْت صَلَاة الْغَدَاة مَعَكُمْ الْآن كَمَا تَرَيْنَ " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِد , وَفِيهِ كَانَ حِين أُسْرِيَ بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16617 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن عَدِيّ , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة , وَهُوَ رَجُل مِنْ قَوْمه قَالَ : قَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَيْنَا أَنَا عِنْد الْبَيْت بَيْن النَّائِم وَالْيَقْظَان , إِذْ سَمِعْت قَائِلًا يَقُول , أَحَد الثَّلَاثَة , فَأَتَيْت بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَب فِيهَا مِنْ مَاء زَمْزَم , فَشَرَحَ صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا " قَالَ قَتَادَة : قُلْت : مَا يَعْنِي بِهِ ؟ قَالَ : إِلَى أَسْفَل بَطْنه ; قَالَ : " فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي فَغَسَلَ بِمَاءِ زَمْزَم ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانه , ثُمَّ حُشِيَ إِيمَانًا وَحِكْمَة , ثُمَّ أَتَيْت بِدَابَّةٍ أَبْيَض " , وَفِي رِوَايَة أُخْرَى : " بِدَابَّةٍ بَيْضَاء يُقَال لَهُ الْبُرَاق , فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل , يَقَع خَطْوه مُنْتَهَى طَرَفه , فَحَمَلْت عَلَيْهِ , ثُمَّ اِنْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا إِلَى بَيْت الْمَقْدِس فَصَلَّيْت فِيهِ بِالنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ إِمَامًا , ثُمَّ عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا " . ... فَذَكَرَ الْحَدِيث . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ مَالِك , يَعْنِي اِبْن صَعْصَعَة رَجُل مِنْ قَوْمه , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة رَجُل مِنْ قَوْمه , قَالَ : قَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 16618 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : ثني عَمْرو بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَيْنَا أَنَا نَائِم فِي الْحِجْر جَاءَنِي جِبْرِيل فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ , فَجَلَسْت فَلَمْ أَرَ شَيْئًا , فَعُدْت لِمَضْجَعِي , فَجَاءَنِي الثَّانِيَة فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ , فَجَلَسْت فَلَمْ أَرَ شَيْئًا , فَعُدْت لِمَضْجَعِي , فَجَاءَنِي الثَّالِثَة فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ , فَجَلَسْت , فَأَخَذَ بِعَضُدِي فَقُمْت مَعَهُ , فَخَرَجَ بِي إِلَى بَاب الْمَسْجِد , فَإِذَا دَابَّة بَيْضَاء بَيْن الْحِمَار وَالْبَغْل , لَهُ فِي فَخِذَيْهِ جَنَاحَانِ يَحْفِز بِهِمَا رِجْلَيْهِ , يَضَع يَده فِي مُنْتَهَى طَرَفه , فَحَمَلَنِي عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مَعِي , لَا يَفُوتنِي وَلَا أَفُوتهُ " . 16619 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , عَنْ سُلَيْمَان بْن بِلَال , عَنْ شَرِيك بْن أَبِي نِمْر , قَالَ : سَمِعْت أَنَسًا يُحَدِّثنَا عَنْ لَيْلَة الْمَسْرَى بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِد الْكَعْبَة أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَة نَفَر قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام , فَقَالَ أَوَّلهمْ : أَيّهمْ هُوَ ؟ قَالَا أَوْسَطهمْ : هُوَ خَيْرهمْ , فَقَالَ أَحَدهمْ : خُذُوا خَيْرهمْ , فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَة , فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاءُوا لَيْلَة أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبه - وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَام عَيْنَاهُ , وَلَا يَنَام قَلْبه . وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء تَنَام أَعْيُنهمْ , وَلَا تَنَام قُلُوبهمْ - فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى اِحْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْد بِئْر زَمْزَم , فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام , فَشَقَّ مَا بَيْن نَحْره إِلَى لَبَّته , حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْره وَجَوْفه , فَغَسَلَهُ مِنْ مَاء زَمْزَم حَتَّى أَنْقَى جَوْفه , ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَب فِيهِ تَوْر مَحْشُوّ إِيمَانًا وَحِكْمَة , فَحَشَا بِهِ جَوْفه وَصَدْره وَلَغَادِيده , ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ رَكِبَ الْبُرَاق , فَسَارَ حَتَّى أَتَى بِهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس فَصَلَّى فِيهِ بِالنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ إِمَامًا , ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا , فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابهَا , فَنَادَاهُ أَهْل السَّمَاء : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا جَبْرَائِيل , قِيلَ : مَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قِيلَ : أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا , فَيَسْتَبْشِر بِهِ أَهْل السَّمَاء , لَا يَعْلَم أَهْل السَّمَاء بِمَا يُرِيد اللَّه بِأَهْلِ الْأَرْض حَتَّى يُعَلِّمهُمْ , فَوَجَدَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا آدَم , فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : هَذَا أَبُوك , فَسَلَّمَ عَلَيْهِ , فَرَدَّ عَلَيْهِ , فَقَالَ : مَرْحَبًا بِك وَأَهْلًا يَا بُنَيّ , فَنِعْمَ الِابْن أَنْتَ , ثُمَّ مَضَى بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل بَابًا مِنْ أَبْوَابهَا , فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : جَبْرَائِيل , قِيلَ : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قِيلَ : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ , فَقِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا , فَفُتِحَ لَهُمَا ; فَلَمَّا صَعِدَ فِيهَا فَإِذَا هُوَ بِنَهَرَيْنِ يَجْرِيَانِ , فَقَالَ : مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جَبْرَائِيل ؟ قَالَ : هَذَا النِّيل وَالْفُرَات عُنْصُرهمَا ; ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل بَابًا مِنْ أَبْوَابهَا , فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قِيلَ : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قِيلَ : أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ , قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا , فَفُتِحَ لَهُ فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ عَلَيْهِ قِبَاب وَقُصُور مِنْ لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد وَيَاقُوت , وَغَيْر ذَلِكَ مَا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه , فَذَهَبَ يَشُمّ تُرَابه , فَإِذَا هُوَ مِسْك أَذْفَر , فَقَالَ : يَا جَبْرَائِيل مَا هَذَا الْمَهْر ؟ قَالَ : هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي خَبَّأَ لَك رَبّك فِي الْآخِرَة ; ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَة , فَقَالُوا بِهِ مِثْل ذَلِكَ ; ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى الْخَامِسَة , فَقَالُوا لَهُ مِثْل ذَلِكَ ; ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّادِسَة , فَقَالُوا لَهُ مِثْل ذَلِكَ ; ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّابِعَة , فَقَالُوا لَهُ مِثْل ذَلِكَ , وَكُلّ سَمَاء فِيهَا أَنْبِيَاء قَدْ سَمَّاهُمْ أَنَس , فَوَعَيْت مِنْهُمْ إِدْرِيس فِي الثَّانِيَة , وَهَارُون فِي الرَّابِعَة , وَآخَر فِي الْخَامِسَة لَمْ أَحْفَظ اِسْمه , وَإِبْرَاهِيم فِي السَّادِسَة , وَمُوسَى فِي السَّابِعَة بِتَفْضِيلِ كَلَامه اللَّه , فَقَالَ مُوسَى : رَبّ لَمْ أَظُنّ أَنْ يُرْفَع عَلَيَّ أَحَد ! ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْق ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه , حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهَى , وَدَنَا بَاب الْجَبَّار رَبّ الْعِزَّة , فَتَدَلَّى فَكَانَ قَاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى , فَأَوْحَى إِلَى عَبْده مَا شَاءَ , وَأَوْحَى اللَّه فِيمَا أَوْحَى خَمْسِينَ صَلَاة عَلَى أُمَّته كُلّ يَوْم وَلَيْلَة , ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد مَاذَا عَهِدَ إِلَيْك رَبّك ؟ قَالَ : " عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاة عَلَى أُمَّتِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة " ; قَالَ : إِنَّ أُمَّتك لَا تَسْتَطِيع ذَلِكَ , فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْك وَعَنْهُمْ , فَالْتَفَتَ إِلَى جَبْرَائِيل كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرهُ فِي ذَلِكَ , فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ نَعَمْ , فَعَادَ بِهِ جَبْرَائِيل حَتَّى أَتَى الْجَبَّار عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ مَكَانه , فَقَالَ : " رَبّ خَفِّفْ عَنَّا , فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيع هَذَا " , فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْر صَلَوَات ; ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَاحْتَبَسَهُ , فَلَمْ يَزُلْ يُرَدِّدهُ مُوسَى إِلَى رَبّه حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْس صَلَوَات , ثُمَّ اِحْتَبَسَهُ عِنْد الْخَمْس , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد قَدْ وَاَللَّه رَاوَدْت بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الْخَمْس , فَضَعُفُوا وَتَرَكُوهُ , فَأُمَّتك أَضْعَف أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا , فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْك رَبّك , كُلّ ذَلِكَ يَلْتَفِت إِلَى جَبْرَائِيل لِيُشِيرَ عَلَيْهِ , وَلَا يَكْرَه ذَلِكَ جَبْرَائِيل , فَرَفَعَهُ عِنْد الْخَمْس , فَقَالَ : " يَا رَبّ إِنَّ أُمَّتِي ضِعَاف أَجْسَادهمْ وَقُلُوبهمْ وَأَسْمَاعهمْ وَأَبْصَارهمْ , فَخَفِّفْ عَنَّا " , قَالَ الْجَبَّار جَلَّ جَلَاله : يَا مُحَمَّد , قَالَ : " لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك " , فَقَالَ : إِنِّي لَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ كَمَا كَتَبْت عَلَيْك فِي أُمّ الْكِتَاب , وَلَك بِكُلِّ حَسَنَة عَشْر أَمْثَالهَا , وَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمّ الْكِتَاب , وَهِيَ خَمْس عَلَيْك ; فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى , فَقَالَ : كَيْف فَعَلْت ؟ فَقَالَ : " خَفَّفَ عَنِّي , أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَة عَشْر أَمْثَالهَا " , قَالَ : قَدْ وَاَللَّه رَاوَدَنِي بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا فَتَرَكُوهُ فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْك أَيْضًا , قَالَ : " يَا مُوسَى قَدْ وَاَللَّه اِسْتَحْيَيْت مِنْ رَبِّي مِمَّا أَخْتَلِف إِلَيْهِ " , قَالَ : فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّه , فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , وَالْمَسْجِد الْحَرَام هُوَ الَّذِي يَتَعَارَفهُ النَّاس بَيْنهمْ إِذَا ذَكَرُوهُ , وَقَوْله : { إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى } يَعْنِي : مَسْجِد بَيْت الْمَقْدِس , وَقِيلَ لَهُ : الْأَقْصَى , لِأَنَّهُ أَبْعَد الْمَسَاجِد الَّتِي تُزَار , وَيَنْبَغِي فِي زِيَارَته الْفَضْل بَعْد الْمَسْجِد الْحَرَام . فَتَأْوِيل الْكَلَام تَنْزِيهًا لِلَّهِ , وَتَبْرِئَة لَهُ مَا نَحَلَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْإِشْرَاك وَالْأَنْدَاد وَالصَّاحِبَة , وَمَا يَجِلّ عَنْهُ جَلَّ جَلَاله , الَّذِي سَارَ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ بَيْته الْحَرَام إِلَى بَيْته الْأَقْصَى . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي صِفَة إِسْرَاء اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَسْرَى اللَّه بِجَسَدِهِ , فَسَارَ بِهِ لَيْلًا عَلَى الْبُرَاق مِنْ بَيْته الْحَرَام إِلَى بَيْته الْأَقْصَى حَتَّى أَتَاهُ , فَأَرَاهُ مَا شَاءَ أَنْ يُرِيه مِنْ عَجَائِب أَمْره وَعِبَره وَعَظِيم سُلْطَانه , فَجَمَعْت لَهُ بِهِ الْأَنْبِيَاء , فَصَلَّى بِهِمْ هُنَالِكَ , وَعُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء حَتَّى صَعِدَ بِهِ فَوْق السَّمَاوَات السَّبْع , وَأَوْحَى إِلَيْهِ هُنَالِكَ مَا شَاءَ أَنْ يُوحِي ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام مِنْ لَيْلَته , فَصَلَّى بِهِ صَلَاة الصُّبْح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَذَكَرَ بَعْض الرِّوَايَات الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَصْحِيحِهِ : 16620 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس بْن يَزِيد , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن الْمُسَيَّب وَأَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْرِيَ بِهِ عَلَى الْبُرَاق , وَهِيَ دَابَّة إِبْرَاهِيم الَّتِي كَانَ يَزُور عَلَيْهَا الْبَيْت الْحَرَام , يَقَع حَافِرهَا مَوْضِع طَرَفهَا , قَالَ : فَمَرَّتْ بِعِيرٍ مِنْ عِيرَات قُرَيْش بِوَادٍ مِنْ تِلْكَ الْأَوْدِيَة , فَنَفَرَتْ الْعِير , وَفِيهَا بَعِير عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ : سَوْدَاء , وَزَرْقَاء , حَتَّى أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيلِيَاء فَأُتِيَ بِقَدَحَيْنِ : قَدَح خَمْر , وَقَدَح لَبَن , فَأَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَح اللَّبَن , فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : هُدِيت إِلَى الْفِطْرَة , لَوْ أَخَذْت قَدَح الْخَمْر غَوَتْ أُمَّتك . قَالَ اِبْن شِهَاب : فَأَخْبَرَنِي اِبْن الْمُسَيَّب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ هُنَاكَ إِبْرَاهِيم وَعِيسَى , فَنَعَتَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " فَأَمَّا مُوسَى فَضَرْب رَجِل الرَّأْس كَأَنَّهُ مِنْ رِجَال شَنُوءَة , وَأَمَّا عِيسَى فَرَجِل أَحْمَر كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاس , فَأَشْبَه مَنْ رَأَيْت بِهِ عُرْوَة بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ ; وَأَمَّا إِبْرَاهِيم فَأَنَا أَشْبَه وَلَده بِهِ " ; فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَدَّثَ قُرَيْشًا أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ . قَالَ عَبْد اللَّه : فَارْتَدَّ نَاس كَثِير بَعْد مَا أَسْلَمُوا , قَالَ أَبُو سَلَمَة : فَأَتَى أَبُو بَكْر الصِّدِّيق , فَقِيلَ لَهُ : هَلْ لَك فِي صَاحِبك , يَزْعُم أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ رَجَعَ فِي لَيْلَة وَاحِدَة , قَالَ أَبُو بَكْر : أَوَقَالَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : فَأَشْهَد إِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ , قَالُوا : أَفَتَشْهَد أَنَّهُ جَاءَ الشَّام فِي لَيْلَة وَاحِدَة ؟ قَالَ : إِنِّي أُصَدِّقهُ بِأَبْعَد مِنْ ذَلِكَ , أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ السَّمَاء . قَالَ أَبُو سَلَمَة : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْش قُمْت فَمَثَّلَ اللَّه لِي بَيْت الْمَقْدِس , فَطَفِقْت أُخْبِرهُمْ عَنْ آيَاته وَأَنَا أَنْظُر إِلَيْهِ " . 16621 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن هَاشِم بْن عُتْبَة بْن أَبِي وَقَّاص , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : لَمَّا جَاءَ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالْبُرَاقِ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَأَنَّهَا ضَرَبَتْ بِذَنَبِهَا , فَقَالَ لَهَا جَبْرَائِيل : مَهْ يَا بُرَاق , فَوَاَللَّهِ إِنْ رَكِبَك مِثْله ; فَسَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا هُوَ بِعَجُوزٍ نَاءٍ عَنْ الطَّرِيق : أَيْ عَلَى جَنْب الطَّرِيق . قَالَ أَوْ جَعْفَر : يَنْبَغِي أَنْ يُقَال : نَائِيَة , وَلَكِنْ أَسْقَطَ مِنْهَا التَّأْنِيث . فَقَالَ : " مَا هَذِهِ يَا جَبْرَائِيل ؟ " قَالَ : سِرْ يَا مُحَمَّد , فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَسِير , فَإِذَا شَيْء يَدْعُوهُ مُتَنَحِّيًا عَنْ الطَّرِيق يَقُول : هَلُمَّ يَا مُحَمَّد , قَالَ جَبْرَائِيل : سِرْ يَا مُحَمَّد , فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَسِير ; قَالَ : ثُمَّ لَقِيَهُ خَلْق مِنْ الْخَلَائِق , فَقَالَ أَحَدهمْ : السَّلَام عَلَيْك يَا أَوَّل , وَالسَّلَام عَلَيْك يَا آخِر , وَالسَّلَام عَلَيْك يَا حَاشِر , فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : اُرْدُدْ السَّلَام يَا مُحَمَّد , قَالَ : فَرَدَّ السَّلَام ; ثُمَّ لَقِيَهُ الثَّانِي , فَقَالَ لَهُ مِثْل مَقَالَة الْأَوَّلِينَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْمَاء وَاللَّبَن وَالْخَمْر , فَتَنَاوَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّبَن , فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : أَصَبْت يَا مُحَمَّد الْفِطْرَة , وَلَوْ شَرِبْت الْمَاء لَغَرِقْت وَغَرِقَتْ أُمَّتك , وَلَوْ شَرِبْت الْخَمْر لَغَوَيْت وَغَوَتْ أُمَّتك . ثُمَّ بَعَثَ لَهُ آدَم فَمَنْ دُونه مِنْ الْأَنْبِيَاء , فَأَمَّهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَة , ثُمَّ قَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : أَمَّا الْعَجُوز الَّتِي رَأَيْت عَلَى جَانِب الطَّرِيق , فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ عُمْر تِلْكَ الْعَجُوز , وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَ أَنْ تَمِيل إِلَيْهِ , فَذَاكَ عَدُوّ اللَّه إِبْلِيس , أَرَادَ أَنْ تَمِيل إِلَيْهِ ; وَأَمَّا الَّذِينَ سَلَّمُوا عَلَيْك , فَذَاكَ إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى . 16622 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَوْ غَيْره - شَكَّ أَبُو جَعْفَر - فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْله , لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } قَالَ . جَاءَ جَبْرَائِيل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ مِيكَائِيل , فَقَالَ جَبْرَائِيل لِمِيكَائِيل : اِئْتِنِي بِطَسْتٍ مِنْ مَاء زَمْزَم كَيْمَا أُطَهِّر قَلْبه , وَأَشْرَح لَهُ صَدْره , قَالَ : فَشَقَّ عَنْ بَطْنه , فَغَسَلَهُ ثَلَاث مَرَّات , وَاخْتَلَفَ إِلَيْهِ مِيكَائِيل بِثَلَاثِ طَسَّات مِنْ مَاء زَمْزَم , فَشَرَحَ صَدْره , وَنَزَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ غِلّ , وَمَلَأَهُ حِلْمًا وَعِلْمًا وَإِيمَانًا وَيَقِينًا وَإِسْلَامًا , وَخَتَمَ بَيْن كَتِفَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّة , ثُمَّ أَتَاهُ بِفَرَسٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِ كُلّ خُطْوَة مِنْهُ مُنْهَى طَرَفه وَأَقْصَى بَصَره . قَالَ : فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام , فَأَتَى عَلَى قَوْم يَزْرَعُونَ فِي يَوْم وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْم , كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا جَبْرَائِيل مَا هَذَا ؟ " قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه , تُضَاعَف لَهُمْ الْحَسَنَة بِسَبْعِ مِائَة ضِعْف , وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ شَيْء فَهُوَ يُخْلِفهُ وَهُوَ خَيْر الرَّازِقِينَ ; ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْم تُرْضَخ رُءُوسهمْ بِالصَّخْرِ , كُلَّمَا رَضَخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ , لَا يُفَتَّر عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , فَقَالَ : " مَا هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل ؟ " قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَتَثَاقَل رُءُوسهمْ عَنْ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ; ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْم عَلَى أَقْبَالهمْ رِقَاع , وَعَلَى أَدْبَارهمْ رِقَاع , يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَح الْإِبِل وَالْغَنَم , وَيَأْكُلُونَ الضَّرِيع وَالزَّقُّوم وَرَضَف جَهَنَّم وَحِجَارَتهَا , قَالَ : " مَا هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل ؟ " قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَات أَمْوَالهمْ , وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّه شَيْئًا , وَمَا اللَّه بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ; ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْم بَيْن أَيْدِيهمْ لَحْم نَضِيج فِي قُدُور , وَلَحْم آخَر نِيء قَذِر خَبِيث , فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ النِّيء , وَيَدَعُونَ النَّضِيج الطَّيِّب , فَقَالَ : " مَا هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل ؟ " قَالَ : هَذَا الرَّجُل مِنْ أُمَّتك , تَكُون عِنْده الْمَرْأَة الْحَلَال الطَّيِّب , فَيَأْتِي اِمْرَأَة خَبِيثَة فَيَبِيت عِنْدهَا حَتَّى يُصْبِح , وَالْمَرْأَة تَقُوم مِنْ عِنْد زَوْجهَا حَلَالًا طَيِّبًا , فَتَأْتِي رَجُلًا خَبِيثًا , فَتَبِيت مَعَهُ حَتَّى تُصْبِح . قَالَ : ثُمَّ أَتَى عَلَى خَشَبَة فِي الطَّرِيق لَا يَمُرّ بِهَا ثَوْب إِلَّا شَقَّتْهُ , وَلَا شَيْء إِلَّا خَرَقَتْهُ , قَالَ : " مَا هَذَا يَا جَبْرَائِيل ؟ " قَالَ : هَذَا مَثَل أَقْوَام مِنْ أُمَّتك يَقْعُدُونَ عَلَى الطَّرِيق فَيَقْطَعُونَهُ . ثُمَّ قَرَأَ : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ } 7 86 الْآيَة . ثُمَّ أَتَى عَلَى رَجُل قَدْ جَمَعَ حُزْمَة حَطَب عَظِيمَة لَا يَسْتَطِيع حَمْلهَا , وَهُوَ يَزِيد عَلَيْهَا , فَقَالَ : " مَا هَذَا يَا جَبْرَائِيل ؟ " قَالَ : هَذَا الرَّجُل مِنْ أُمَّتك تَكُون عِنْده أَمَانَات النَّاس لَا يَقْدِر عَلَى أَدَائِهَا , وَهُوَ يَزِيد عَلَيْهَا , وَيُرِيد أَنْ يَحْمِلهَا , فَلَا يَسْتَطِيع ذَلِكَ ; ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْم تُقْرَض أَلْسِنَتهمْ وَشِفَاههمْ بِمَقَارِيض مِنْ حَدِيد , كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَا يُفَتَّر عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , قَالَ : " مَا هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل ؟ " فَقَالَ : هَؤُلَاءِ خُطَبَاء أُمَّتك خُطَبَاء الْفِتْنَة يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ; ثُمَّ أَتَى عَلَى جُحْر صَغِير يَخْرُج مِنْهُ ثَوْر عَظِيم , فَجَعَلَ الثَّوْر يُرِيد أَنْ يَرْجِع مِنْ حَيْثُ خَرَجَ فَلَا يَسْتَطِيع , فَقَالَ : " مَا هَذَا يَا جَبْرَائِيل ؟ " قَالَ : هَذَا الرَّجُل يَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ الْعَظِيمَة , ثُمَّ يَنْدَم عَلَيْهَا , فَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يَرُدّهَا ; ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ , فَوَجَدَ رِيحًا طَيِّبَة بَارِدَة , وَفِيهِ رِيح الْمِسْك , وَسَمِعَ صَوْتًا , فَقَالَ : " يَا جَبْرَائِيل مَا هَذِهِ الرِّيح الطَّيِّبَة الْبَارِدَة وَهَذِهِ الرَّائِحَة الَّتِي كَرِيحِ الْمِسْك , وَمَا هَذَا الصَّوْت ؟ " قَالَ : هَذَا صَوْت الْجَنَّة تَقُول : يَا رَبّ آتِنِي مَا وَعَدْتنِي , فَقَدْ كَثُرَتْ غُرَفِي وَإِسْتَبْرَقِي وَحَرِيرِي وَسُنْدُسِي وَعَبْقَرِيّ , وَلُؤْلُئِي وَمَرْجَانِي , وَفِضَّتِي وَذَهَبِي , وَأَكْوَابِي وَصِحَافِي وَأَبَارِيقِي , وَفَوَاكِهِي وَنَخْلِي وَرُمَّانِي , وَلِبَنِي وَخَمْرِي , فَآتِنِي مَا وَعَدْتنِي , فَقَالَ : لَك كُلّ مُسْلِم وَمُسْلِمَة , وَمُؤْمِن وَمُؤْمِنَة , وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي , وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَمْ يُشْرِك بِي , وَلَمْ يَتَّخِذ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا , وَمَنْ خَشِيَنِي فَهُوَ آمِن , وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْته , وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْته , وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلِيّ كَفَيْته , إِنِّي أَنَا اللَّه لَا إِلَه إِلَّا أَنَا لَا أُخْلِف الْمِيعَاد , وَقَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ , وَتَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ , قَالَتْ : قَدْ رَضِيت ; ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتًا مُنْكَرًا , وَوَجَدَ رِيحًا مُنْتِنَة , فَقَالَ : وَمَا هَذِهِ الرِّيح يَا جَبْرَائِيل وَمَا هَذَا الصَّوْت ؟ " قَالَ : هَذَا صَوْت جَهَنَّم , تَقُول : يَا رَبّ آتِنِي مَا وَعَدْتنِي , فَقَدْ كَثُرَتْ سَلَاسِلِي وَأَغْلَالِي , وَسَعِيرِي وَجَحِيمِي , وَضَرِيعِي وَغَسَّاقِي , وَعَذَابِي وَعِقَابِي , وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي وَاشْتَدَّ حَرِّي , فَآتِنِي مَا وَعَدْتنِي , قَالَ : لَك كُلّ مُشْرِك وَمُشْرِكَة , وَكَافِر وَكَافِرَة , وَكُلّ خَبِيث وَخَبِيثَة , وَكُلّ جَبَّار لَا يُؤْمِن بِيَوْمِ الْحِسَاب , قَالَتْ : قَدْ رَضِيت ; قَالَ : ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى بَيْت الْمَقْدِس , فَنَزَلَ فَرَبَطَ فَرَسه إِلَى صَخْرَة , ثُمَّ دَخَلَ فَصَلَّى مَعَ الْمَلَائِكَة ; فَلَمَّا قُضِيَتْ الصَّلَاة . قَالُوا : يَا جَبْرَائِيل مَنْ هَذَا مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , فَقَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ ; قَالَ : ثُمَّ لَقِيَ أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء فَأَثْنَوْا عَلَى رَبّهمْ , فَقَالَ إِبْرَاهِيم : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي اِتَّخَذَنِي خَلِيلًا وَأَعْطَانِي مُلْكًا عَظِيمًا , وَجَعَلَنِي أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ يُؤْتَمّ بِي , وَأَنْقَذَنِي مِنْ النَّار , وَجَعَلَهَا عَلَيَّ بَرْدًا وَسَلَامًا ; ثُمَّ إِنَّ مُوسَى أَثْنَى عَلَى رَبّه فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي كَلَّمَنِي تَكْلِيمًا , وَجَعَلَ هَلَاك آل فِرْعَوْن وَنَجَاة بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى يَدَيَّ , وَجَعَلَ مِنْ أُمَّتِي قَوْمًا يُهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ; ثُمَّ إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام أَثْنَى عَلَى رَبّه , فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ لِي مُلْكًا عَظِيمًا وَعَلَّمَنِي الزَّبُور , وَأَلَانَ لِي الْحَدِيد , وَسَخَّرَ لِي الْجِبَال يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْر , وَأَعْطَانِي الْحِكْمَة وَفَصْل الْخِطَاب ; ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَان أَثْنَى عَلَى رَبّه , فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لِي الرِّيَاح , وَسَخَّرَ لِي الشَّيَاطِين , يَعْمَلُونَ لِي مَا شِئْت مِنْ مَحَارِيب وَتَمَاثِيل وَجِفَان كَالْجَوَابِ , وَقُدُور رَاسِيَات , وَعَلَّمَنِي مَنْطِق الطَّيْر , وَآتَانِي مِنْ كُلّ شَيْء فَضْلًا , وَسَخَّرَ لِي جُنُود الشَّيَاطِين وَالْإِنْس وَالطَّيْر , وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِير مِنْ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ , وَآتَانِي مُلْكًا عَظِيمًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي , وَجَعَلَ مُلْكِي مُلْكًا طَيِّبًا لَيْسَ عَلَيَّ فِيهِ حِسَاب ; ثُمَّ إِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَثْنَى عَلَى رَبّه , فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي كَلِمَته وَجَعَلَ مَثَلِي مَثَل آدَم خَلْقه مِنْ تُرَاب , ثُمَّ قَالَ لَهُ : كُنْ فَيَكُون , وَعَلَّمَنِي الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَجَعَلَنِي أَخْلُق مِنْ الطِّين هَيْئَة الطَّيْر , فَأَنْفُخ فِيهِ , فَيَكُون طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّه , وَجَعَلَنِي أُبْرِئ الْأَكَمَة وَالْأَبْرَص , وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه , وَرَفَعَنِي وَطَهَّرَنِي , وَأَعَاذَنِي وَأُمِّي مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم , فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْنَا سَبِيل ; قَالَ : ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَى رَبّه , فَقَالَ : " كُلّكُمْ أَثْنَى عَلَى رَبّه , وَأَنَا مُثْنٍ عَلَى رَبِّي " , فَقَالَ : " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَنِي رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ , وَكَافَّة لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا , وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الْفُرْقَان فِيهِ تِبْيَان كُلّ شَيْء , وَجَعَلَ أُمَّتِي خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ , وَجَعَلَ أُمَّتِي وَسَطًا , وَجَعَلَ أُمَّتِي هُمْ الْأَوَّلُونَ وَهُمْ الْآخِرُونَ , وَشَرَحَ لِي صَدْرِي , وَوَضَعَ عَنِّي وِزْرِي وَرَفَعَ لِي ذِكْرِي , وَجَعَلَنِي فَاتِحًا خَاتَمًا " قَالَ إِبْرَاهِيم : بِهَذَا فَضَلَكُمْ مُحَمَّد - قَالَ : أَبُو جَعْفَر : وَهُوَ الرَّازِيّ : خَاتَم النُّبُوَّة , وَفَاتِح بِالشَّفَاعَةِ يَوْم الْقِيَامَة - ثُمَّ أَتَى إِلَيْهِ بِآنِيَةٍ ثَلَاثَة مُغَطَّاة أَفْوَاههَا , فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ مِنْهَا فِيهِ مَاء , فَقِيلَ : اِشْرَبْ , فَشَرِبَ مِنْهُ يَسِيرًا ; ثُمَّ دُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاء آخَر فِيهِ لَبَن , فَقِيلَ لَهُ : اِشْرَبْ , فَشَرِبَ مِنْهُ حَتَّى رُوِيَ ; ثُمَّ دُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاء آخَر فِيهِ خَمْر , فَقِيلَ لَهُ : اِشْرَبْ , فَقَالَ : " لَا أُرِيدهُ قَدْ رُوِيت " فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَا إِنَّهَا سَتُحَرَّمُ عَلَى أُمَّتك , وَلَوْ شَرِبْت مِنْهَا لَمْ يَتْبَعك مِنْ أُمَّتك إِلَّا الْقَلِيل , ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل بَابًا مِنْ أَبْوَابهَا , فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قِيلَ : وَمَنْ مَعَك ؟ فَقَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ , قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ ; فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ تَامّ الْخَلْق لَمْ يَنْقُص مِنْ خَلْقه شَيْء , كَمَا يَنْقُص مِنْ خَلْق النَّاس , عَلَى يَمِينه بَاب يَخْرُج مِنْهُ رِيح طَيِّبَة , وَعَنْ شِمَاله بَاب يَخْرُج مِنْهُ رِيح خَبِيثَة , إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَاب الَّذِي عَنْ يَمِينه ضَحِكَ وَاسْتَبْشَرَ , وَإِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَاب الَّذِي عَنْ شِمَاله بَكَى وَحَزِنَ , فَقُلْت : " يَا جَبْرَائِيل مَنْ هَذَا الشَّيْخ التَّامّ الْخَلْق الَّذِي لَمْ يَنْقُص مِنْ خَلْقه شَيْء , وَمَا هَذَانِ الْبَابَانِ ؟ " قَالَ : هَذَا أَبُوك آدَم , وَهَذَا الْبَاب الَّذِي عَنْ يَمِينه بَاب الْجَنَّة , إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ يَدْخُلهُ مِنْ ذُرِّيَّته ضَحِكَ وَاسْتَبْشَرَ , وَالْبَاب الَّذِي عَنْ شِمَاله بَاب جَهَنَّم , إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ يَدْخُلهُ مِنْ ذُرِّيَّته بَكَى وَحَزِنَ ; ثُمَّ صَعِدَ بِهِ جَبْرَائِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ , فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قِيلَ : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد رَسُول اللَّه , فَقَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ , قَالَ : فَإِذَا هُوَ بِشَابَّيْنِ , فَقَالَ : " يَا جَبْرَائِيل مَنْ هَذَانِ الشَّبَّانِ ؟ " قَالَ : هَذَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَيَحْيَى بْن زَكَرِيَّا اِبْنَا الْخَالَة , قَالَ : فَصَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة , فَاسْتَفْتَحَ , فَقَالُوا : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قَالُوا : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ , قَالَ : فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ فَضَلَ عَلَى النَّاس كُلّهمْ فِي الْحُسْن , كَمَا فَضَلَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر عَلَى سَائِر الْكَوَاكِب , قَالَ : " مَنْ هَذَا يَا جَبْرَائِيل الَّذِي فَضَلَ عَلَى النَّاس فِي الْحُسْن ؟ " قَالَ : هَذَا أَخُوك يُوسُف ; ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة , فَاسْتَفْتَحَ , فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ جَبْرَائِيل , قَالُوا : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ ; قَالَ : فَدَخَلَ , فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ , قَالَ : " مَنْ هَذَا يَا جَبْرَائِيل ؟ " قَالَ : هَذَا إِدْرِيس رَفَعَهُ اللَّه مَكَانًا عَلِيًّا . ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل , فَقَالُوا : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : جَبْرَائِيل , قَالُوا : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ ; ثُمَّ دَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ جَالِس وَحَوْله قَوْم يَقُصّ عَلَيْهِمْ , قَالَ : " مَنْ هَذَا يَا جَبْرَائِيل وَمَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَوْله ؟ " قَالَ : هَذَا هَارُون الْمُحَبَّب فِي قَوْمه , وَهَؤُلَاءِ بَنُو إِسْرَائِيل ; ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل , فَقِيلَ لَهُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قَالُوا : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ ; فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ جَالِس , فَجَاوَزَهُ , فَبَكَى الرَّجُل , فَقَالَ : " يَا جَبْرَائِيل مَنْ هَذَا ؟ " قَالَ : مُوسَى , قَالَ : " فَمَا بَاله يَبْكِي ؟ " قَالَ : تَزْعُم بَنُو إِسْرَائِيل أَنِّي أَكْرَم بَنَى آدَم عَلَى اللَّه , وَهَذَا رَجُل مِنْ بَنِي آدَم قَدْ خَلَفَنِي فِي دُنْيَا , وَأَنَا فِي أُخْرَى , فَلَوْ أَنَّهُ بِنَفْسِهِ لَمْ أُبَالِ , وَلَكِنَّ مَعَ كُلّ نَبِيّ أُمَّته ; ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل , فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قَالُوا : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ , قَالَ : فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ أَشْمَط جَالِس عِنْد بَاب الْجَنَّة عَلَى كُرْسِيّ , وَعِنْده قَوْم جُلُوس بِيض الْوُجُوه , أَمْثَال الْقَرَاطِيس , وَقَوْم فِي أَلْوَانهمْ شَيْء , فَقَامَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانهمْ شَيْء , فَدَخَلُوا نَهَرًا فَاغْتَسَلُوا فِيهِ , فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَ , مِنْ أَلْوَانهمْ شَيْء , ثُمَّ دَخَلُوا نَهَرًا آخَر , فَاغْتَسَلُوا فِيهِ , فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَ , مِنْ أَلْوَانهمْ شَيْء , ثُمَّ دَخَلُوا نَهَرًا آخَر فَاغْتَسَلُوا فِيهِ , فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَ , أَلْوَانهمْ شَيْء , فَصَارَتْ مِثْل أَلْوَان أَصْحَابهمْ , فَجَاءُوا فَجَلَسُوا إِلَى أَصْحَابهمْ , فَقَالَ : " يَا جَبْرَائِيل مَنْ هَذَا الْأَشْمَط , ثُمَّ مَنْ هَؤُلَاءِ الْبِيض وُجُوههمْ , وَمَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانهمْ شَيْء , وَمَا هَذِهِ الْأَنْهَار الَّتِي دَخَلُوا , فَجَاءُوا وَقَدْ صَفَتْ أَلْوَانهمْ ؟ " قَالَ : هَذَا أَبُوك إِبْرَاهِيم أَوَّل مَنْ شَمِطَ عَلَى الْأَرْض , وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْبِيض الْوُجُوه : فَقَوْم لَمْ يَلْبَسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ , وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ . فِي أَلْوَانهمْ شَيْء , فَقَوْم خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا , فَتَابُوا , فَتَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَأَمَّا الْأَنْهَار : فَأَوَّلهَا رَحْمَة اللَّه , وَثَانِيهَا : نِعْمَة اللَّه , وَالثَّالِث : سَقَاهُمْ رَبّهمْ شَرَابًا طَهُورًا ; قَالَ : ثُمَّ اِنْتَهَى إِلَى السِّدْرَة , فَقِيلَ لَهُ : هَذِهِ السِّدْرَة يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلّ أَحَد خَلَا مِنْ أُمَّتك عَلَى سُنَّتك , فَإِذَا هِيَ شَجَرَة يَخْرُج مِنْ أَصْلهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن , وَأَنْهَار مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه , وَأَنْهَار مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ , وَأَنْهَار مِنْ عَسَل مُصَفًّى , وَهِيَ شَجَرَة يَسِير الرَّاكِب فِي ظِلّهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يَقْطَعهَا , وَالْوَرَقَة مِنْهَا مُغَطِّيَة لِلْأُمَّةِ كُلّهَا , قَالَ : فَغَشِيَهَا نُور الْخَلَّاق عَزَّ وَجَلَّ , وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَة أَمْثَال الْغِرْبَان حِين يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَرَة , قَالَ : فَكَلَّمَهُ عِنْد ذَلِكَ , فَقَالَ لَهُ : سَلْ , فَقَالَ : " اِتَّخَذْت إِبْرَاهِيم خَلِيلًا , وَأَعْطَيْته مُلْكًا عَظِيمًا , وَكَلَّمْت مُوسَى تَكْلِيمًا , وَأَعْطَيْت دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا , وَأَلَنْت لَهُ الْحَدِيد , وَسَخَّرْت لَهُ الْجِبَال , وَأَعْطَيْت سُلَيْمَان مُلْكًا عَظِيمًا , وَسَخَّرْت لَهُ الْجِنّ وَالْإِنْس وَالشَّيَاطِين , وَسَخَّرْت لَهُ الرِّيَاح , وَأَعْطَيْته مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده , وَعَلَّمْت عِيسَى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَجَعَلْته يُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه , وَأَعَذْته وَأُمّه مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم , فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمَا سَبِيل " . فَقَالَ لَهُ رَبّه : قَدْ اِتَّخَذْتُك حَبِيبًا وَخَلِيلًا , وَهُوَ مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة : حَبِيب اللَّه ; وَأَرْسَلْتُك إِلَى النَّاس كَافَّة بَشِيرًا وَنَذِيرًا , وَشَرَحْت لَك صَدْرك , وَوَضَعْت عَنْك وِزْرك , وَرَفَعْت لَك ذِكْرك , فَلَا أُذْكَر إِلَّا ذُكِرْت مَعِي , وَجَعَلْت أُمَّتك أُمَّة وَسَطًا , وَجَعَلْت أُمَّتك هُمْ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ , وَجَعَلْت أُمَّتك لَا تَجُوز لَهُمْ خُطْبَة , حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّك عَبْدِي وَرَسُولِي , وَجَعَلْت مِنْ أُمَّتك أَقْوَامًا قُلُوبهمْ أَنَاجِيلهمْ , وَجَعَلْتُك أَوَّل النَّبِيِّينَ خَلْقًا , وَآخِرهمْ بَعْثًا , وَأَوَّلهمْ يُقْضَى لَهُ , وَأَعْطَيْتُك سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي , لَمْ يُعْطَهَا نَبِيّ قَبْلك , وَأَعْطَيْتُك الْكَوْثَر , وَأَعْطَيْتُك ثَمَانِيَة أَسْهُم الْإِسْلَام وَالْهِجْرَة , وَالْجِهَاد , وَالصَّدَقَة , وَالصَّلَاة , وَصَوْم رَمَضَان , وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , وَجَعَلْتُك فَاتِحًا وَخَاتَمًا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَضَّلَنِي رَبِّي بِسِتٍّ : أَعْطَانِي فَوَاتِح الْكَلِم وَخَوَاتِيمه , وَجَوَامِع الْحَدِيث , وَأَرْسَلَنِي إِلَى النَّاس كَافَّة بَشِيرًا وَنَذِيرًا , وَقَذَفَ فِي قُلُوب عَدُوِّي الرُّعْب مِنْ مَسِيرَة شَهْر , وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِم وَلَمْ تُحَلّ لِأَحَدٍ قَبْلِي , وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْض كُلّهَا طَهُورًا وَمَسْجِدًا , قَالَ : وَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاة " ; فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُوسَى , قَالَ : بِمَ أُمِرْت يَا مُحَمَّد , قَالَ : " بِخَمْسِينَ صَلَاة " , قَالَ : اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف , فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمَم , فَقَدْ لَقِيت مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل شِدَّة , قَالَ : فَرَجَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَبّه فَسَأَلَهُ التَّخْفِيف , فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى , فَقَالَ : بِكَمْ أُمِرْت ؟ قَالَ : " بِأَرْبَعِينَ " , قَالَ : اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف , فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمَم , وَقَدْ لَقِيت مِنْ بَنَى إِسْرَائِيل شِدَّة , قَالَ : فَرَجَعَ إِلَى رَبّه , فَسَأَلَهُ التَّخْفِيف , فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا , فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى , فَقَالَ : بِكَمْ أُمِرْت ؟ قَالَ : " أُمِرْت بِثَلَاثِينَ " , فَقَالَ لَهُ مُوسَى : اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف , فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمَم , وَقَدْ لَقِيت مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل شِدَّة , قَالَ : فَرَجَعَ إِلَى رَبّه فَسَأَلَهُ التَّخْفِيف , فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا , فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ : بِكَمْ أُمِرْت ؟ قَالَ : " بِعِشْرِينَ " , قَالَ : اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف , فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمَم , وَقَدْ لَقِيت مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل شِدَّة , قَالَ : فَرَجَعَ إِلَى رَبّه فَسَأَلَهُ التَّخْفِيف , فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا , فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى , فَقَالَ : بِكَمْ أُمِرْت ؟ قَالَ : " بِعَشْرٍ " , قَالَ : اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّحْفِيف , فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمَم , وَقَدْ لَقِيت مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل شِدَّة , قَالَ : فَرَجَعَ عَلَى حَيَاء إِلَى رَبّه فَسَأَلَهُ التَّخْفِيف , فَوَضَعَ عَنْهُ خَمْسًا , فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى , فَقَالَ : بِكَمْ أُمِرْت ؟ قَالَ : " بِخَمْسٍ " , قَالَ : اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف , فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمّ , وَقَدْ لَقِيت مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل شِدَّة , قَالَ : " قَدْ رَجَعْت إِلَى رَبِّي حَتَّى اِسْتَحْيَيْت فَمَا أَنَا رَاجِع إِلَيْهِ " , فَقِيلَ لَهُ : أَمَا إِنَّك كَمَا صَبَرْت نَفْسك عَلَى خَمْس صَلَوَات فَإِنَّهُنَّ يَجْزِينَ عَنْك خَمْسِينَ صَلَاة فَإِنَّ كُلّ حَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا , قَالَ : فَرَضِيَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلّ الرِّضَا , فَكَانَ مُوسَى أَشَدّهمْ عَلَيْهِ حِين مَرَّ بِهِ , وَخَيْرهمْ لَهُ حِين رَجَعَ إِلَيْهِ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْر هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة أَوْ غَيْره - شَكَّ أَبُو جَعْفَر - عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي قَوْله : { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } . ... إِلَى قَوْله : { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } قَالَ : جَاءَ جَبْرَائِيل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث عَلِيّ بْن سَهْل , عَنْ حَجَّاج , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ جَبْرَائِيل وَمَعَهُ مِكَائِيل , وَقَالَ فِيهِ : وَإِذَا بِقَوْمٍ يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَح الْأَنْعَام يَأْكُلُونَ الضَّرِيع وَالزَّقُّوم , وَقَالَ فِي كُلّ مَوْضِع قَالَ عَلِيّ : " مَا هَؤُلَاءِ " , " مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل " , وَقَالَ فِي مَوْضِع " تُقْرَض أَلْسِنَتهمْ " " تُقَصّ أَلْسِنَتهمْ " , وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِع قَالَ عَلِيّ فِيهِ : " وَنِعْمَ الْخَلِيفَة " . قَالَ فِي ذِكْر الْخَمْر , فَقَالَ : " لَا أُرِيدهُ قَدْ رُوِيت " , قَالَ جَبْرَائِيل : قَدْ أَصَبْت الْفِطْرَة يَا مُحَمَّد , إِنَّهَا سَتُحَرَّمُ عَلَى أُمَّتك , وَقَالَ فِي سِدْرَة الْمُنْتَهَى أَيْضًا : هَذِهِ السِّدْرَة الْمُنْتَهَى , إِلَيْهَا يَنْتَهِي كُلّ أَحَد خَلَا عَلَى سَبِيلك مِنْ أُمَّتك ; وَقَالَ أَيْضًا فِي الْوَرَقَة مِنْهَا : " تُظِلّ الْخَلْق كُلّهمْ , تَغْشَاهَا الْمَلَائِكَة مِثْل الْغِرْبَان حِين يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَرَة , مِنْ حُبّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " وَسَائِر الْحَدِيث مِثْل حَدِيث عَلِيّ . 16623 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَبِي هَارُون الْعَبْدِيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ ; وَحَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا مَعْمَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو هَارُون الْعَبْدِيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , وَاللَّفْظ لِحَدِيثِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , فِي قَوْله : { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى } قَالَ : ثنا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أُتِيت بِدَابَّةٍ هِيَ أَشْبَه الدَّوَابّ بِالْبَغْلِ , لَهُ أُذُنَانِ مُضْطَرِبَتَانِ وَهُوَ الْبُرَاق , وَهُوَ الَّذِي كَانَ تَرْكَبهُ الْأَنْبِيَاء قَبْلِي , فَرَكِبْته , فَانْطَلَقَ بِي يَضَع يَده عِنْد مُنْتَهَى بَصَره , فَسَمِعْت نِدَاء عَنْ يَمِينِي : يَا مُحَمَّد عَلَى رِسْلك أَسْأَلك , فَمَضَيْت وَلَمْ أُعَرِّج عَلَيْهِ ; ثُمَّ سَمِعْت نِدَاء عَنْ شِمَالِي : يَا مُحَمَّد عَلَى رِسْلك أَسْأَلك , فَمَضَيْت وَلَمْ أُعَرِّج عَلَيْهِ ; ثُمَّ اِسْتَقْبَلْت اِمْرَأَة فِي الطَّرِيق , فَرَأَيْت عَلَيْهَا مِنْ كُلّ زِينَة مِنْ زِينَة الدُّنْيَا رَافِعَة يَدهَا , تَقُول : يَا مُحَمَّد عَلَى رِسْلك أَسْأَلك , فَمَضَيْت وَلَمْ أُعَرِّج عَلَيْهَا , ثُمَّ أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِس , أَوْ قَالَ الْمَسْجِد الْأَقْصَى , فَنَزَلْت عَنْ الدَّابَّة فَأَوْثَقْتهَا بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتْ الْأَنْبِيَاء تُوثِق بِهَا , ثُمَّ دَخَلْت الْمَسْجِد فَصَلَّيْت فِيهِ , فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : مَاذَا رَأَيْت فِي وَجْهك , فَقُلْت : سَمِعْت نِدَاء عَنْ يَمِينِي أَنْ يَا مُحَمَّد عَلَى رِسْلك أَسْأَلك , فَمَضَيْت وَلَمْ أُعَرِّج عَلَيْهِ , قَالَ : ذَاكَ دَاعِي الْيَهُود , أَمَا لَوْ أَنَّك وَقَفْت عَلَيْهِ لَتَهَوَّدَتْ أُمَّتك , قَالَ : ثُمَّ سَمِعْت نِدَاء عَنْ يَسَارِي أَنْ يَا مُحَمَّد عَلَى رِسْلك أَسْأَلك , فَمَضَيْت وَلَمْ أُعَرِّج عَلَيْهِ , قَالَ : ذَاكَ دَاعِي النَّصَارَى , أَمَا إِنَّك لَوْ وَقَفْت عَلَيْهِ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتك , قُلْت : ثُمَّ اِسْتَقْبَلَتْنِي اِمْرَأَة عَلَيْهَا مِنْ كُلّ زِينَة مِنْ زِينَة الدُّنْيَا رَافِعَة يَدهَا تَقُول عَلَى رِسْلك , أَسْأَلك , فَمَضَيْت وَلَمْ أُعَرِّج عَلَيْهَا , قَالَ : تِلْكَ الدُّنْيَا تَزَيَّنَتْ لَك , أَمَا إِنَّك لَوْ وَقَفْت عَلَيْهَا لَاخْتَارَتْ أُمَّتك الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة , ثُمَّ أُتِيت بِإِنَاءَيْنِ أَحَدهمَا فِيهِ لَبَن , وَالْآخَر فِيهِ خَمْر , فَقِيلَ لِي : اِشْرَبْ أَيّهمَا شِئْت , فَأَخَذْت اللَّبَن فَشَرِبْته , قَالَ : أَصَبْت الْفِطْرَة أَوْ قَالَ : أَخَذْت الْفِطْرَة " . قَالَ مَعْمَر : وَأَخْبَرَنِي الزُّهْرِيّ , عَنْ اِبْن الْمُسَيَّب أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَمَا إِنَّك لَوْ أَخَذْت الْخَمْر غَوَتْ أُمَّتك . قَالَ أَبُو هَارُون فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد : " ثُمَّ جِيءَ بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُج فِيهِ أَرْوَاح بَنِي آدَم فَإِذَا هُوَ أَحْسَن مَا رَأَيْت أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَيِّت كَيْف يَحُدّ بَصَره إِلَيْهِ فَعَرَجَ بِنَا فِيهِ حَتَّى اِنْتَهَيْنَا إِلَى بَاب السَّمَاء الدُّنْيَا , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل , فَقِيلَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل ؟ قِيلَ : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قِيلَ : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَفَتَحُوا وَسَلَّمُوا عَلَيَّ , وَإِذَا مَلَك مُوَكَّل يَحْرُس السَّمَاء يُقَال لَهُ إِسْمَاعِيل , مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْف مَلَك مَعَ كُلّ مَلَك مِنْهُمْ مِائَة أَلْف , ثُمَّ قَرَأَ : { وَمَا يَعْلَم جُنُود رَبّك إِلَّا هُوَ } 74 31 وَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَهُ اللَّه لَمْ يَتَغَيَّر مِنْهُ شَيْء , فَإِذَا هُوَ تُعْرَض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُرِّيَّته , فَإِذَا كَانَتْ رُوح مُؤْمِن , قَالَ : رُوح طَيِّبَة , وَرِيح طَيِّبَة , اِجْعَلُوا كِتَابه فِي عِلِّيِّينَ ; وَإِذَا كَانَ رُوح كَافِر قَالَ : رُوح خَبِيثَة وَرِيح خَبِيثَة , اِجْعَلُوا كِتَابه فِي سِجِّيل , فَقُلْت : يَا جَبْرَائِيل مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : أَبُوك آدَم , فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ وَقَالَ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالْوَلَد الصَّالِح , ثُمَّ نَظَرْت فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ لَهُمْ مَشَافِر كَمَشَافِر الْإِبِل , وَقَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَنْ يَأْخُذ بِمَشَافِرِهِمْ , ثُمَّ يَجْعَل فِي أَفْوَاههمْ صَخْرًا مِنْ نَار يَخْرُج مِنْ أَسَافِلهمْ , قُلْت : يَا جَبْرَائِيل مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا . ثُمَّ نَظَرْت فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ يُحْذَى مِنْ جُلُودهمْ وَيُرَدّ فِي أَفْوَاههمْ , ثُمَّ يُقَال : كُلُوا كَمَا أَكَلْتُمْ , فَإِذَا أَكْرَه مَا خَلَقَ اللَّه لَهُمْ ذَلِكَ , قُلْت : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الْهَمَّازُونَ اللَّمَّازُونَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُوم النَّاس , وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضهمْ بِالسَّبِّ ; ثُمَّ نَظَرْت فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ عَلَى مَائِدَة عَلَيْهَا لَحْم مَشْوِيّ كَأَحْسَن مَا رَأَيْت مِنْ اللَّحْم , وَإِذَا حَوْلهمْ جِيَف , فَجَعَلُوا يَمِيلُونَ عَلَى الْجِيَف يَأْكُلُونَ مِنْهَا وَيَدَعُونَ ذَلِكَ اللَّحْم , قُلْت : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الزُّنَاة عَمَدُوا إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَتَرَكُوا مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ ; ثُمَّ نَظَرْت فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ لَهُمْ بُطُون كَأَنَّهَا الْبُيُوت وَهِيَ عَلَى سَابِلَة آل فِرْعَوْن , فَإِذَا مَرَّ بِهِمْ آل فِرْعَوْن ثَارُوا , فَيَمِيل بِأَحَدِهِمْ بَطْنه فَيَقَع , فَيَتَوَطَئُوهُمْ آل فِرْعَوْن بِأَرْجُلِهِمْ , وَهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّار غُدُوًّا وَعَشِيًّا ; قُلْت : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ أَكَلَة الرِّبَا , رَبَا فِي بُطُونهمْ , فَمَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي يَتَخَبَّطهُ الشَّيْطَان مِنْ الْمَسّ ; ثُمَّ نَظَرْت , فَإِذَا أَنَا بِنِسَاءٍ مُعَلَّقَات بِثَدْيِهِنَّ , وَنِسَاء مُنَكَّسَات بِأَرْجُلِهِنَّ , قُلْت : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل ؟ قَالَ : هُنَّ اللَّاتِي يَزْنِينَ وَيَقْتُلْنَ أَوْلَادهنَّ قَالَ : ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة , فَإِذَا أَنَا بِيُوسُف وَحَوْله تَبَع مِنْ أُمَّته , وَوَجْهه كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر , فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَرَحَّبَ بِي , ثُمَّ مَضَيْنَا إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة , فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَة يَحْيَى وَعِيسَى , يُشْبِه أَحَدهمَا صَاحِبه , ثِيَابهمَا وَشَعْرهمَا , فَسَلَّمَا عَلَيَّ , وَرَحَّبَا بِي ; ثُمَّ مَضَيْنَا إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة , فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيس , فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَرَحَّبَ وَقَدْ قَالَ اللَّه : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَالِيًا } ; ثُمَّ مَضَيْنَا إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة , فَإِذَا أَنَا بِهَارُون الْمُحَبَّب فِي قَوْمه , حَوْله تَبَع كَثِير مِنْ أُمَّته " فَوَصَفَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " طَوِيل اللِّحْيَة تَكَاد لِحْيَته تَمَسّ سُرَّته , فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَرَحَّبَ ; ثُمَّ مَضَيْنَا إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى بْن عِمْرَان " فَوَصَفَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " كَثِير الشَّعْر لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ خَرَجَ شَعْره مِنْهُمَا ; قَالَ مُوسَى : تَزْعُم النَّاس أَنِّي أَكْرَم الْخَلْق عَلَى اللَّه , فَهَذَا أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنِّي , وَلَوْ كَانَ وَحْده لَمْ أَكُنْ أُبَالِي , وَلَكِنْ كُلّ نَبِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أُمَّته ; ثُمَّ مَضَيْنَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة , فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيم وَهُوَ جَالِس مُسْنِد ظَهْره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَقَالَ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالْوَلَد الصَّالِح , فَقِيلَ : هَذَا مَكَانك وَمَكَان أُمَّتك , ثُمَّ تَلَا : { إِنَّ أَوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيم لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا , وَاَللَّه وَلِيّ الْمُؤْمِنِينَ } ; ثُمَّ دَخَلْت الْبَيْت الْمَعْمُور فَصَلَّيْت فِيهِ , وَإِذَا هُوَ يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك لَا يَعُودُونَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ; ثُمَّ نَظَرْت فَإِذَا أَنَا بِشَجَرَةٍ إِنْ كَانَتْ الْوَرَقَة مِنْهَا لَمُغَطِّيَة هَذِهِ الْأُمَّة , فَإِذَا فِي أَصْلهَا عَيْن تَجْرِي قَدْ تَشَعَّبَتْ شُعْبَتَيْنِ , فَقُلْت : مَا هَذَا يَا جَبْرَائِيل ؟ قَالَ : أَمَّا هَذَا : فَهُوَ نَهَر الرَّحْمَة , وَأَمَّا هَذَا : فَهُوَ الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّه , فَاغْتَسَلْت فِي نَهَر الرَّحْمَة فَغُفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ , ثُمَّ أَخَذْت عَلَى الْكَوْثَر حَتَّى دَخَلْت الْجَنَّة , فَإِذَا فِيهَا مَا لَا عَيْن رَأَتْ , وَلَا أُذُن سَمِعْت , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر , وَإِذَا فِيهَا رُمَّان كَأَنَّهُ جُلُود الْإِبِل الْمُقَتَّبَة , وَإِذَا فِيهَا طَيْر كَأَنَّهَا الْبُخْت " فَقَالَ أَبُو بَكْر : إِنَّ تِلْكَ الطَّيْر لَنَاعِمَة , قَالَ : " أَكَلَتهَا أَنْعَم مِنْهَا يَا أَبَا بَكْر , وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَأْكُل مِنْهَا , وَرَأَيْت فِيهَا جَارِيَة , فَسَأَلْتهَا : لِمَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَتْ : لِزَيْدِ بْن حَارِثَة " فَبَشَّرَ بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا ; قَالَ : " ثُمَّ إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي بِأَمْرِهِ , وَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاة , فَمَرَرْت عَلَى مُوسَى , فَقَالَ : بِمَ أَمَرَك رَبّك ؟ قُلْت : فَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاة , قَالَ : اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَأَسْأَلهُ التَّخْفِيف , فَإِنَّ أُمَّتك لَنْ يَقُومُوا بِهَذَا , فَرَجَعْت إِلَى رَبِّي فَسَأَلْته فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا , ثُمَّ رَجَعْت إِلَى مُوسَى , فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِع إِلَى رَبِّي إِذَا مَرَرْت لِمُوسَى حَتَّى فَرَضَ عَلَيَّ خَمْس صَلَوَات , فَقَالَ مُوسَى : اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف , فَقُلْت : قَدْ رَجَعْت إِلَى رَبِّي حَتَّى اِسْتَحْيَيْت " أَوْ قَالَ : " قُلْت : مَا أَنَا بِرَاجِعٍ , فَقِيلَ لِي : إِنَّ لَك بِهَذِهِ الْخَمْس صَلَوَات خَمْسِينَ صَلَاة , الْحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا , وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَة , وَمَنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا , وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلهَا لَمْ تُكْتَب شَيْئًا , فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ وَاحِدَة " . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني رَوْح بْن الْقَاسِم , عَنْ أَبِي هَارُون عُمَارَة بْن جُوَيْن الْعَبْدِيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ ; وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : وثني أَبُو جَعْفَر , عَنْ أَبِي هَارُون , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " لَمَّا فَرَغْت مِمَّا كَانَ فِي بَيْت الْمَقْدِس , أُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ , وَلَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَن مِنْهُ , وَهُوَ الَّذِي يَمُدّ إِلَيْهِ مَيِّتكُمْ عَيْنَيْهِ إِذَا حَضَرَ , فَأَصْعَدَنِي صَاحِبِي فِيهِ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى بَاب مِنْ الْأَبْوَاب يُقَال لَهُ بَاب الْحَفَظَة , عَلَيْهِ مَلَك يُقَال لَهُ إِسْمَاعِيل , تَحْت يَدَيْهِ اِثْنَا عَشَرَ أَلْف مَلَك , تَحْت يَدَيْ كُلّ مَلَك مِنْهُمْ اِثْنَا عَشَرَ أَلْف مَلَك " فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيث : " مَا يَعْلَم جُنُود رَبّك إِلَّا هُوَ " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث مَعْمَر , عَنْ أَبِي هَارُون إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : قَالَ : " ثُمَّ دَخَلَ بِي الْجَنَّة فَرَأَيْت فِيهَا جَارِيَة , فَسَأَلْتهَا لِمَنْ أَنْتَ ؟ وَقَدْ أَعْجَبَتْنِي حِين رَأَيْتهَا , فَقَالَتْ : لِزَيْدِ بْن حَارِثَة " فَبَشَّرَ بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْد بْن حَارِثَة ثُمَّ اِنْتَهَى حَدِيث اِبْن حُمَيْد عَنْ سَلَمَة إِلَى هَهُنَا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ اِبْن الْمُسَيَّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ لِأَصْحَابِهِ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى فَقَالَ : " أَمَّا إِبْرَاهِيم فَلَمْ أَرَ رَجُلًا أَشْبَهَ بِصَاحِبِكُمْ مِنْهُ . وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُل آدَم طِوَال جَعْد أَقْنَى , كَأَنَّهُ مِنْ رِجَال شُنُوءَة . وَأَمَّا عِيسَى فَرَجُل أَحْمَر بَيْن الْقَصِير وَالطَّوِيل سَبْط الشَّعْر كَثِير خِيلَان الْوَجْه , كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ دِيمَاس كَأَنَّ رَأْسه يَقْطُر مَاء , وَمَا بِهِ مَاء , أَشْبَه مَنْ رَأَيْت بِهِ عُرْوَة بْن مَسْعُود " . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيَّب , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ , وَلَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة . 16624 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ مُسْرَجًا مُلْجَمًا لِيَرْكَبهُ , فَاسْتُصْعِبَ عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : مَا يَحْمِلك عَلَى هَذَا , فَوَاَللَّهِ مَا رَكِبَك أَحَد أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْهُ ! قَالَ : فَارْفَضَّ عَرَقًا . 16625 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْله } أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللَّه عِشَاء مِنْ مَكَّة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , فَصَلَّى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ , فَأَرَاهُ اللَّه مِنْ آيَاته وَأَمْره بِمَا شَاءَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ , ثُمَّ أَصْبَحَ بِمَكَّة . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " حُمِلْت عَلَى دَابَّة يُقَال لَهَا الْبُرَاق , فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل , يَضَع حَافِره عِنْد مُنْتَهَى طَرَفه " فَحَدَّثَ نَبِيّ اللَّه بِذَلِكَ أَهْل مَكَّة , فَكَذَّبَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ وَأَنْكَرُوهُ وَقَالُوا : يَا مُحَمَّد تُخْبِرنَا أَنَّك أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِس , وَأَقْبَلْت مِنْ لَيْلَتك , ثُمَّ أَصْبَحْت عِنْدنَا بِمَكَّة , فَمَا كُنْت تَجِيئنَا بِهِ , وَتَأْتِي بِهِ قَبْل هَذَا الْيَوْم مَعَ هَذَا ! فَصَدَّقَهُ أَبُو بَكْر , فَسُمِّيَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق مِنْ أَجْل ذَلِكَ . 16626 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد , قَالَ : لَمَّا كَانَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِدَابَّةٍ يُقَال لَهَا الْبُرَاق , دُون الْبَغْل وَفَوْق الْحِمَار , تَضَع حَافِرهَا عِنْد مُنْتَهَى ظُفْرهَا ; فَلَمَّا أَتَى بَيْت الْمَقْدِس أُتِيَ بِإِنَاءَيْنِ : إِنَاء مِنْ لَبَن , وَإِنَاء مِنْ خَمْر , فَشَرِبَ اللَّبَن . قَالَ : فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : هُدِيت وَهُدِيَتْ أُمَّتك . وَقَالَ آخَرُونَ مَنْ قَالَ : أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِنَفْسِهِ وَجِسْمه أَسْرَى بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام , غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَدْخُل بَيْت الْمَقْدِس , وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ , وَلَمْ يَنْزِل عَنْ الْبُرَاق حَتَّى رَجَعَ إِلَى مَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16627 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثَنْي عَاصِم بْن بَهْدَلَة عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش , عَنْ حُذَيْفَة بْن الْيَمَان , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى } قَالَ : لَمْ يُصَلِّ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَوْ صَلَّى فِيهِ لَكَتَبَ عَلَيْكُمْ الصَّلَاة فِيهِ , كَمَا كَتَبَ عَلَيْكُمْ الصَّلَاة عِنْد الْكَعْبَة . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : سَمِعْت أَبَا بَكْر بْن عَيَّاش , وَرَجُل يُحَدِّث عِنْده بِحَدِيثٍ حِين أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُ : لَا تَجِيء بِمِثْلِ عَاصِم وَلَا زِرّ ; قَالَ : قَالَ حُذَيْفَة لِزِرِّ بْن حُبَيْش ; قَالَ : وَكَانَ زِرّ رَجُلًا شَرِيفًا مِنْ أَشْرَاف الْعَرَب , قَالَ : قَرَأَ حُذَيْفَة { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنْ اللَّيْل مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْله , لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } وَكَذَا قَرَأَ عَبْد اللَّه , قَالَ : وَهَذَا كَمَا يَقُولُونَ : إِنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِد فَصَلَّى فِيهِ , ثُمَّ دَخَلَ فَرَبَطَ دَابَّته , قَالَ : قُلْت : وَاَللَّه قَدْ دَخَلَهُ , قَالَ : مَنْ أَنْتَ فَإِنِّي أَعْرِف وَجْهك وَلَا أَدْرِي مَا اِسْمك , قَالَ : قُلْت : زِرّ بْن حُبَيْش , قَالَ : مَا عَمَلك هَذَا ؟ قَالَ : قُلْت : مِنْ قِبَل الْقُرْآن , قَالَ : مَنْ أَخَذَ بِالْقُرْآنِ أَفْلَحَ , قَالَ : فَقُلْت : { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْله } قَالَ : فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ : يَا أَصْلَع , هَلْ تَرَى دَخَلَهُ ؟ قَالَ : قُلْت : لَا وَاَللَّه , قَالَ حُذَيْفَة : أَجَلْ وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا دَخَلَهُ , وَلَوْ دَخَلَهُ لَوَجَبَتْ عَلَيْكُمْ صَلَاة فِيهِ , لَا وَاَللَّه مَا نَزَلَ عَنْ الْبُرَاق حَتَّى رَأَى الْجَنَّة وَالنَّار , وَمَا أَعَدَّ اللَّه فِي الْآخِرَة أَجْمَع ; وَقَالَ : تَدْرِي مَا الْبُرَاق ؟ قَالَ : دَابَّة دُون الْبَغْل وَفَوْق الْحِمَار , خَطْوه مَدّ الْبَصَر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُسْرِيَ بِرُوحِهِ , وَلَمْ يَسْرِ بِجَسَدِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16628 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَعْقُوب بْن عُتْبَة بْن الْمُغِيرَة بْن الْأَخْنَس أَنَّ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان , كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَتْ رُؤْيَا مِنْ اللَّه صَادِقَة . 16629 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : ثني بَعْض آلِ أَبِي بَكْر , أَنَّ عَائِشَة كَانَتْ تَقُول : مَا فُقِدَ جَسَد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّ اللَّه أَسْرَى بِرُوحِهِ . 16630 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ اِبْن إِسْحَاق : فَلَمْ يُنْكِر ذَلِكَ مِنْ قَوْلهَا الْحَسَن أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } 17 60 وَلِقَوْلِ اللَّه فِي الْخَبَر عَنْ إِبْرَاهِيم , إِذْ قَالَ لِابْنِهِ : { يَا بُنَيّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَام أَنِّي أَذْبَحك فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى } 37 102 ثُمَّ مَضَى عَلَى ذَلِكَ , فَعَرَفْت أَنَّ الْوَحْي يَأْتِي بِالْأَنْبِيَاءِ مِنْ اللَّه أَيْقَاظًا وَنِيَامًا , وَكَانَ رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " تَنَام عَيْنِي وَقَلْبِي يَقْظَان " فَاَللَّه أَعْلَم أَيّ ذَلِكَ كَانَ قَدْ جَاءَهُ وَعَايَنَ فِيهِ مِنْ أَمْر اللَّه مَا عَايَنَ عَلَى أَيّ حَالَاته كَانَ نَائِمًا أَوْ يَقْظَانًا كُلّ ذَلِكَ حَقّ وَصِدْق . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَسْرَى بِعَبْدِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى , كَمَا أَخْبَرَ اللَّه عِبَاده , وَكَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ اللَّه حَمَلَهُ عَلَى الْبُرَاق حِين أَتَاهُ بِهِ , وَصَلَّى هُنَالِكَ بِمَنْ صَلَّى مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل , فَأَرَاهُ مَا أَرَاهُ مِنْ الْآيَات ; وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : أُسْرِيَ بِرُوحِهِ دُون جَسَده , لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِب أَنْ يَكُون ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّته , وَلَا حُجَّة لَهُ عَلَى رِسَالَته , وَلَا كَانَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا حَقِيقَة ذَلِكَ مِنْ أَهْل الشِّرْك , وَكَانُوا يَدْفَعُونَ بِهِ عَنْ صِدْقه فِيهِ , إِذْ لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدهمْ , وَلَا عِنْد أَحَد مِنْ ذَوِي الْفِطْرَة الصَّحِيحَة مِنْ بَنِي آدَم أَنْ يَرَى الرَّائِي مِنْهُمْ فِي الْمَنَام مَا عَلَى مَسِيرَة سَنَة , فَكَيْف مَا هُوَ عَلَى مَسِيرَة شَهْر أَوْ أَقَلّ ؟ وَبَعْد , فَإِنَّ اللَّه إِنَّمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابه أَنَّهُ أَسْرَى بِعَبْدِهِ , وَلَمْ يُخْبِرنَا أَنَّهُ أَسْرَى بِرُوحِ عَبْده , وَلَيْسَ جَائِزًا لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى مَا قَالَ اللَّه إِلَى غَيْره . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِز , إِذْ كَانَتْ الْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي كَلَامهَا , كَمَا قَالَ قَائِلهمْ : حَسِبْت بُغَام رَاحِلَتِي عَنَاقًا وَمَا هِيَ وَيْب غَيْرك بِالْعَنَاقِ يَعْنِي : حَسِبْت بُغَام رَاحِلَتِي صَوْت عَنَاق , فَحَذَفَ الصَّوْت وَاكْتَفَى مِنْهُ بِالْعَنَاقِ , فَإِنَّ الْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مَفْهُومًا مُرَاد الْمُتَكَلِّم مِنْهُمْ بِهِ مِنْ الْكَلَام . فَأَمَّا فِيمَا لَا دَلَالَة عَلَيْهِ إِلَّا بِظُهُورِهِ , وَلَا يُوصِل إِلَى مَعْرِفَة مُرَاد الْمُتَكَلِّم إِلَّا بِبَيَانِهِ , فَإِنَّهَا لَا تَحْذِف ذَلِكَ ; وَلَا دَلَالَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ مُرَاد اللَّه مِنْ قَوْله : { أَسْرَى بِعَبْدِهِ } أَسْرَى بِرُوحِ عَبْده , بَلْ الْأَدِلَّة الْوَاضِحَة , وَالْأَخْبَار الْمُتَتَابِعَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أغسطس 22, 2006 3:11 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
" اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ"

يوسف9

الجلالين
ــــــــــــــــ

"اُقْتُلُوا يُوسُف أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضًا" أَيْ بِأَرْضِ بَعِيدَة "يَخْلُ لَكُمْ وَجْه أَبِيكُمْ" بِأَنْ يُقْبِل عَلَيْكُمْ وَلَا يَلْتَفِت لِغَيْرِكُمْ "وَتَكُونُوا مِنْ بَعْده" أَيْ بَعْد قَتْل يُوسُف أَوْ طَرْحه "قَوْمًا صَالِحِينَ" بِأَنْ تَتُوبُوا

الطبري
ــــــــــــــ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُقْتُلُوا يُوسُف أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْه أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْده قَوْمًا صَالِحِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَالَ إِخْوَة يُوسُف بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : اُقْتُلُوا يُوسُف أَوْ اطْرَحُوهُ فِي أَرْضٍ مِنَ الْأَرْض , يَعْنُونَ مَكَانًا مِنَ الْأَرْض . { يَخْلُ لَكُمْ وَجْه أَبِيكُمْ } يَعْنُونَ : يَخْلُ لَكُمْ وَجْه أَبِيكُمْ مِنْ شُغْلِهِ بِيُوسُف , فَإِنَّهُ قَدْ شَغَلَهُ عَنَّا وَصَرَفَ وَجْهَهُ عَنَّا إِلَيْهِ . { وَتَكُونُوا مِنْ بَعْده قَوْمًا صَالِحِينَ } يَعْنُونَ أَنَّهُمْ يَتُوبُونَ مِنْ قَتْلهمْ يُوسُف وَذَنْبهمْ الَّذِي يَرْكَبُونَهُ فِيهِ , فَيَكُونُونَ بِتَوْبَتِهِمْ مِنْ قَتْله مِنْ بَعْد هَلَاك يُوسُف قَوْمًا صَالِحِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14458 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مُحَمَّد , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اُقْتُلُوا يُوسُف أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْه أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْده قَوْمًا صَالِحِينَ } قَالَ : تَتُوبُونَ مِمَّا صَنَعْتُمْ , أَوْ مِنْ صَنِيعكُمْ


القرطبي
ــــــــــــــ

اقْتُلُوا يُوسُفَ

فِي الْكَلَام حَذْف ; أَيْ قَالَ قَائِل مِنْهُمْ : " اُقْتُلُوا يُوسُف " لِيَكُونَ أَحْسَم لِمَادَّةِ الْأَمْر .

أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا

أَيْ فِي أَرْض , فَأَسْقَطَ الْخَافِض وَانْتَصَبَ الْأَرْض ; وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ فِيمَا حُذِفَ مِنْهُ " فِي " : لَدْن بِهَزِّ الْكَفّ يَعْسِل مَتْنه فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ قَالَ النَّحَّاس : إِلَّا أَنَّهُ فِي الْآيَة حَسَن كَثِير ; لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ , أَحَدهمَا بِحَرْفٍ , فَإِذَا حَذَفَتْ الْحَرْف تَعَدَّى الْفِعْل إِلَيْهِ . وَالْقَائِل قِيلَ : هُوَ شَمْعُون , قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه . وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار ; دان . وَقَالَ مُقَاتِل : روبيل ; وَاَللَّه أَعْلَم . وَالْمَعْنَى أَرْضًا تَبْعُد عَنْ أَبِيهِ ; فَلَا بُدّ مِنْ هَذَا الْإِضْمَار لِأَنَّهُ كَانَ عِنْد أَبِيهِ فِي أَرْض .

يَخْلُ

جُزِمَ لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمْر ; مَعْنَاهُ : يَخْلُص وَيَصْفُو .

لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ

فَيُقْبِل عَلَيْكُمْ بِكُلِّيَّتِهِ .

وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ

أَيْ مِنْ بَعْد الذَّنْب , وَقِيلَ : مِنْ بَعْد يُوسُف .

قَوْمًا صَالِحِينَ

أَيْ تَائِبِينَ ; أَيْ تُحْدِثُوا تَوْبَة بَعْد ذَلِكَ فَيَقْبَلهَا اللَّه مِنْكُمْ ; وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ تَوْبَة الْقَاتِل مَقْبُولَة , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُنْكِر هَذَا الْقَوْل مِنْهُمْ . وَقِيلَ : " صَالِحِينَ " أَيْ يَصْلُح شَأْنكُمْ عِنْد أَبِيكُمْ مِنْ غَيْر أَثَرَة وَلَا تَفْضِيل .




_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة أغسطس 25, 2006 3:12 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
يَا [font=Andalus]أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ[/font]"
الجمعة 9

تفسير الجلالين
ــــــــــــــــــــــــــــ

"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ" بِمَعْنَى فِي "يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا" فَامْضُوا "إلَى ذِكْر اللَّه" لِلصَّلَاةِ "وَذَرُوا الْبَيْع" اُتْرُكُوا عَقْده "ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" أَنَّهُ خَيْر فَافْعَلُوا

تفسير الطبري
ـــــــــــــــــــــ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه وَذَرُوا الْبَيْع ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ عِبَاده : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة } وَذَلِكَ هُوَ النِّدَاء , يُنَادِي بِالدُّعَاءِ إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة عِنْد قُعُود الْإِمَام عَلَى الْمِنْبَر لِلْخُطْبَةِ ; وَمَعْنَى الْكَلَام : إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة { فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه } يَقُول : فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه , وَاعْمَلُوا لَهُ ; وَأَصْل السَّعْي فِي هَذَا الْمَوْضِع الْعَمَل , وَقَدْ ذَكَرْنَا الشَّوَاهِد عَلَى ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 26426 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش , عَنْ شُرَحْبِيل بْن مُسْلِم الْخَوْلَانِيّ , فِي قَوْل اللَّه : { فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه } قَالَ : فَاسْعَوْا فِي الْعَمَل , وَلَيْسَ السَّعْي فِي الْمَشْي . 26427 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه } وَالسَّعْي يَا اِبْن آدَم أَنْ تَسْعَى بِقَلْبِك وَعَمَلك , وَهُوَ الْمُضِيّ إِلَيْهَا . 26428 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنَّ أُبَيًّا يَقْرَؤُهَا : { فَاسْعَوْا } قَالَ : أَمَا إِنَّهُ أَقْرَؤُنَا وَأَعْلَمنَا بِالْمَنْسُوخِ وَإِنَّمَا هِيَ " فَامْضُوا " . 26429 - حَدَّثَنَا عُبَيْد الْحَمِيد بْن بَيَان السُّكَّرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَالِم , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : مَا سَمِعْت عُمَر يَقْرَؤُهَا قَطُّ إِلَّا فَامْضُوا . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , قَالَ : ثنا حَنْظَلَة , عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : كَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقْرَؤُهَا : " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَنْظَلَة , عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَرَأَهَا : فَامْضُوا. * حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا حَنْظَلَة بْن أَبِي سُفْيَان الْجُمَحِيّ , أَنَّهُ سَمِعَ سَالِم بْن عَبْد اللَّه يُحَدِّث عَنْ أَبِيهِ , أَنَّهُ سَمِعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب يَقْرَأ : " إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " . * قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَالِم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر , أَنَّ عَبْد اللَّه قَالَ : لَقَدْ تَوَفَّى اللَّه عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَمَا يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة الَّتِي ذَكَرَ اللَّه فِيهَا الْجُمُعَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة } إِلَّا " فَامْضُوا " إِلَى ذِكْر اللَّه . 26430 -حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانَ عَبْد اللَّه يَقْرَؤُهَا : " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " وَيَقُول : لَوْ قَرَأْتهَا فَاسْعَوْا , لَسَعَيْت حَتَّى يَسْقُط رِدَائِي . * حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : لَوْ كَانَ السَّعْي لَسَعَيْت حَتَّى يَسْقُط رِدَائِي , قَالَ : وَلَكِنَّهَا : " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " قَالَ : هَكَذَا كَانَ يَقْرَؤُهَا . 26431 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان الْأَزْدِيّ , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع عَنْ أَبِي الْعَالِيَة أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , أَنَّهُ قَرَأَهَا : " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " . 26432 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : هِيَ لِلْأَحْرَارِ . 26433 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور عَنْ رَجُل , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : عِنْد الْوَقْت . 26434 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ رَجُل , عَنْ مَسْرُوق { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ } قَالَ : عِنْد الْوَقْت . 26435 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُوَ عِنْد الْعَزْمَة عِنْد الْخُطْبَة , عِنْد الذِّكْر. * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة } قَالَ : النِّدَاء عِنْد الذِّكْر عَزِيمَة. * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة } قَالَ : الْعَزْمَة عِنْد الذِّكْر عِنْد الْخُطْبَة . * قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان عَنْ الْمُغِيرَة وَالْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : لَوْ قَرَأْتهَا { فَاسْعَوْا } لَسَعَيْت حَتَّى يَسْقُط رِدَائِي , وَكَانَ يَقْرَؤُهَا : " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه ". * قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : قَرَأَهَا { فَامْضُوا } 26436 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حَيَّان , عَنْ عِكْرِمَة { فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه } قَالَ : السَّعْي : الْعَمَل . 26437 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : وَسَأَلْته عَنْ قَوْل اللَّه : { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه } قَالَ : إِذَا سَمِعْتُمْ الدَّاعِيَ الْأَوَّل , فَأَجِيبُوا إِلَى ذَلِكَ وَأَسْرِعُوا وَلَا تُبْطِئُوا . قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَان إِلَّا أَذَانَانِ : أَذَان حِين يَجْلِس عَلَى الْمِنْبَر , وَأَذَان حِين تُقَام الصَّلَاة ; قَالَ : وَهَذَا الْآخَر شَيْء أَحْدَثَهُ النَّاس بَعْد ; قَالَ : لَا يَحِلّ لَهُ الْبَيْع إِذَا سَمِعَ النِّدَاء الَّذِي يَكُون بَيْن يَدَيْ الْإِمَام إِذَا قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَر وَقَرَأَ { فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه وَذَرُوا الْبَيْع } قَالَ : وَلَمْ يَأْمُرهُمْ يَذَرُونَ شَيْئًا غَيْره , حَرَّمَ الْبَيْع ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ إِذَا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاة , قَالَ : وَالسَّعْي أَنْ يُسْرِع إِلَيْهَا , أَنْ يُقْبِل إِلَيْهَا . 26438 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : إِنَّ فِي حَرْف اِبْن مَسْعُود " إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه ". 26439 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه } السَّعْي : هُوَ الْعَمَل , قَالَ اللَّه : { إِنَّ سَعْيكُمْ لَشَتَّى } وَقَوْله : { وَذَرُوا الْبَيْع } يَقُول : وَدَعُوا الْبَيْع وَالشِّرَاء إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ عِنْد الْخُطْبَة . وَكَانَ الضَّحَّاك يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 26440 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : إِذَا زَالَتْ الشَّمْس حَرُمَ الْبَيْع وَالشِّرَاء . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة } قَالَ : إِذَا زَالَتْ الشَّمْس حَرُمَ الْبَيْع وَالشِّرَاء. 26441 - حَدَّثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : كَانَ قَوْم يَجْلِسُونَ فِي بَقِيع الزُّبَيْر , فَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ يَوْم الْجُمُعَة , وَلَا يَقُومُونَ , فَنَزَلَتْ : { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة } وَأَمَّا الذِّكْر الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالسَّعْيِ إِلَيْهِ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ , فَإِنَّهُ مَوْعِظَة الْإِمَام فِي خُطْبَته فِيمَا قِيلَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 26442 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة } قَالَ : الْعَزْمَة عِنْد الذِّكْر عِنْد الْخُطْبَة . 26443 -حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبْدَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَنْصُور رَجُل مِنْ أَهْل الْكُوفَة , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي كَثِير , أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يَقُول : { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه } قَالَ : فَهِيَ مَوْعِظَة الْإِمَام فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة بَعْد . وَقَوْله : { ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يَقُول : سَعْيكُمْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة إِلَى ذِكْر اللَّه , وَتَرْك الْبَيْع خَيْر لَكُمْ مِنْ الْبَيْع وَالشِّرَاء فِي ذَلِكَ الْوَقْت , إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَصَالِح أَنْفُسكُمْ وَمَضَارّهَا. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { مِنْ يَوْم الْجُمُعَة } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { الْجُمُعَة } بِضَمِّ الْمِيم وَالْجِيم , خَلَا الْأَعْمَش فَإِنَّهُ قَرَأَهَا بِتَخْفِيفِ الْمِيم . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ .





تفسير القرطبي
ـــــــــــــــــــــــــــ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ

فِيهِ مَسَائِل : الْأُولَى قَرَأَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وَالْأَعْمَش وَغَيْرهمَا " الْجُمْعَة " بِإِسْكَانِ الْمِيم عَلَى التَّخْفِيف . وَهُمَا لُغَتَانِ . وَجَمْعهمَا جُمَع وَجُمُعَات . قَالَ الْفَرَّاء : يُقَال الْجُمْعَة ( بِسُكُونِ الْمِيم ) وَالْجُمُعَة ( بِضَمِّ الْمِيم ) وَالْجَمْعَة ( بِفَتْحِ الْمِيم ) فَيَكُون صِفَة الْيَوْم ; أَيْ تَجْمَع النَّاس . كَمَا يُقَال : ضُحَكَة لِلَّذِي يَضْحَك . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَ الْقُرْآن بِالتَّثْقِيلِ وَالتَّفْخِيم فَاقْرَءُوهَا جُمُعَة ; يَعْنِي بِضَمِّ الْمِيم . وَقَالَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْد : وَالتَّخْفِيف أَقْيَس وَأَحْسَن ; نَحْو غُرْفَة وَغُرَف , وَطُرْفَة وَطُرَف , وَحُجْرَة وَحُجَر . وَفَتْح الْمِيم لُغَة بَنِي عَقِيل . وَقِيلَ : إِنَّهَا لُغَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَعَنْ سَلْمَان أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّمَا سُمِّيَتْ جُمُعَة لِأَنَّ اللَّه جَمَعَ فِيهَا خَلْق آدَم ) . وَقِيلَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى فَرَغَ فِيهَا مِنْ خَلْق كُلّ شَيْء فَاجْتَمَعَتْ فِيهَا الْمَخْلُوقَات . وَقِيلَ : لِتَجْتَمِع الْجَمَاعَات فِيهَا . وَقِيلَ : لِاجْتِمَاعِ النَّاس فِيهَا لِلصَّلَاةِ . و " مِنْ " بِمَعْنَى " فِي " ; أَيْ فِي يَوْم ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْض " [ فَاطِر : 40 ] أَيْ فِي الْأَرْض .

الثَّانِيَة : قَالَ أَبُو سَلَمَة : أَوَّل مَنْ قَالَ : " أَمَّا بَعْد " كَعْب بْن لُؤَيّ , وَكَانَ أَوَّل مَنْ سَمَّى الْجُمُعَة جُمُعَة . وَكَانَ يُقَال لِيَوْمِ الْجُمُعَة : الْعَرُوبَة . وَقِيلَ : أَوَّل مَنْ سَمَّاهَا جُمُعَة الْأَنْصَار . قَالَ اِبْن سِيرِينَ : جَمَّعَ أَهْل الْمَدِينَة مِنْ قَبْل أَنْ يَقْدَم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة , وَقَبْل أَنْ تَنْزِل الْجُمُعَة ; وَهُمْ الَّذِينَ سَمَّوْهَا الْجُمُعَة ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ لِلْيَهُودِ يَوْمًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ , فِي كُلّ سَبْعَة أَيَّام يَوْم وَهُوَ السَّبْت . وَلِلنَّصَارَى يَوْم مِثْل ذَلِكَ وَهُوَ الْأَحَد فَتَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ حَتَّى نَجْعَل يَوْمًا لَنَا نَذْكُر اللَّه وَنُصَلِّي فِيهِ - وَنَسْتَذْكِر - أَوْ كَمَا قَالُوا - فَقَالُوا : يَوْم السَّبْت لِلْيَهُودِ , وَيَوْم الْأَحَد لِلنَّصَارَى ; فَاجْعَلُوهُ يَوْم الْعَرُوبَة . فَاجْتَمَعُوا إِلَى أَسْعَد بْن زُرَارَة ( أَبُو أُمَامَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ) فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمئِذٍ رَكْعَتَيْنِ وَذَكَّرَهُمْ , فَسَمَّوْهُ يَوْم الْجُمْعَة حِين اِجْتَمَعُوا . فَذَبَحَ لَهُمْ أَسْعَد شَاة فَتَعَشَّوْا وَتَغَدَّوْا مِنْهَا لِقِلَّتِهِمْ . فَهَذِهِ أَوَّل جُمُعَة فِي الْإِسْلَام . قُلْت : وَرُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا عَلَى مَا يَأْتِي . وَجَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة أَنَّ الَّذِي جَمَّعَ بِهِمْ وَصَلَّى أَسْعَد بْن زُرَارَة , وَكَذَا فِي حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك عَنْ أَبِيهِ كَعْب عَلَى مَا يَأْتِي . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَرُوِّينَا عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ أَنَّ مُصْعَب بْن عُمَيْر كَانَ أَوَّل مَنْ جَمَّعَ الْجُمْعَة بِالْمَدِينَةِ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْل أَنْ يَقْدَمهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ الْبَيْهَقِيّ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُصْعَب جَمَّعَ بِهِمْ بِمَعُونَةِ أَسْعَد بْن زُرَارَة فَأَضَافَهُ كَعْب إِلَيْهِ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَأَمَّا أَوَّل جُمْعَة جَمَّعَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ ; فَقَالَ أَهْل السَّيْر وَالتَّوَارِيخ : قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرًا حَتَّى نَزَلَ بِقُبَاء , عَلَى بَنِي عَمْرو بْن عَوْف يَوْم الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَة لَيْلَة خَلَتْ مِنْ شَهْر رَبِيع الْأَوَّل حِين اِشْتَدَّ الضُّحَى . وَمِنْ تِلْكَ السَّنَة يُعَدّ التَّارِيخ . فَأَقَامَ بِقُبَاء إِلَى يَوْم الْخَمِيس وَأَسَّسَ مَسْجِدهمْ . ثُمَّ خَرَجَ يَوْم الْجُمُعَة إِلَى الْمَدِينَة ; فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَة فِي بَنِي سَالِم بْن عَوْف فِي بَطْن وَادٍ لَهُمْ قَدْ اِتَّخَذَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الْمَوْضِع مَسْجِدًا ; فَجَمَّعَ بِهِمْ وَخَطَبَ . وَهِيَ أَوَّل خُطْبَة خَطَبَهَا بِالْمَدِينَةِ , وَقَالَ فِيهَا : ( الْحَمْد لِلَّهِ . أَحْمَدهُ وَأَسْتَعِينهُ وَأَسْتَغْفِرهُ وَأَسْتَهْدِيه , وَأُومِن بِهِ وَلَا أَكْفُرهُ , وَأُعَادِي مَنْ يَكْفُر بِهِ . وَأَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ . وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله , أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ , وَالنُّور وَالْمَوْعِظَة وَالْحِكْمَة عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل , وَقِلَّة مِنْ الْعِلْم , وَضَلَالَة مِنْ النَّاس , وَانْقِطَاع مِنْ الزَّمَان , وَدُنُوّ مِنْ السَّاعَة , وَقُرْب مِنْ الْأَجَل . مَنْ يُطِعْ اللَّه وَرَسُوله فَقَدْ رَشَدَ . وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُوله فَقَدْ غَوَى وَفَرَّطَ وَضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا . أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه , فَإِنَّهُ خَيْر مَا أَوْصَى بِهِ الْمُسْلِم الْمُسْلِم أَنْ يَحُضّهُ عَلَى الْآخِرَة , وَأَنْ يَأْمُرهُ بِتَقْوَى اللَّه . وَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمْ اللَّه مِنْ نَفْسه ; فَإِنَّ تَقْوَى اللَّه لِمَنْ عَمِلَ بِهِ عَلَى وَجَل وَمَخَافَة مِنْ رَبّه عَوْن صِدْق عَلَى مَا تَبْغُونَ مِنْ أَمْر الْآخِرَة . وَمَنْ يُصْلِح الَّذِي بَيْنه وَبَيْن رَبّه مِنْ أَمْره فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة , لَا يَنْوِي بِهِ إِلَّا وَجْه اللَّه يَكُنْ لَهُ ذِكْرًا فِي عَاجِل أَمْره , وَذُخْرًا فِيمَا بَعْد الْمَوْت , حِين يَفْتَقِر الْمَرْء إِلَى مَا قَدَّمَ . وَمَا كَانَ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ يَوَدّ لَوْ أَنَّ بَيْنه وَبَيْنه أَمَدًا بَعِيدًا . " وَيُحَذِّركُمْ اللَّه نَفْسه وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ " [ آل عِمْرَان : 30 ] . وَهُوَ الَّذِي صَدَّقَ قَوْله , وَأَنْجَزَ وَعْده , لَا خُلْف لِذَلِكَ ; فَإِنَّهُ يَقُول تَعَالَى : " مَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ " [ ق : 29 ] . فَاتَّقُوا اللَّه فِي عَاجِل أَمْركُمْ وَآجِله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ; فَإِنَّهُ " مَنْ يَتَّقِ اللَّه يُكَفِّر عَنْهُ سَيِّئَاته وَيُعْظِم لَهُ أَجْرًا " [ الطَّلَاق : 5 ] . وَمَنْ يَتَّقِ اللَّه فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا . وَإِنَّ تَقْوَى اللَّه تَوَقِّي مَقْته وَتَوَقِّي عُقُوبَته وَتَوَقِّي سَخَطه . وَإِنَّ تَقْوَى اللَّه تُبَيِّض الْوُجُوه , وَتُرْضِي الرَّبّ , وَتَرْفَع الدَّرَجَة . فَخُذُوا بِحَظِّكُمْ وَلَا تُفَرِّطُوا فِي جَنْب اللَّه , فَقَدْ عَلَّمَكُمْ كِتَابه , وَنَهَجَ لَكُمْ سَبِيله ; لِيَعْلَم الَّذِينَ صَدَقُوا وَيَعْلَم الْكَاذِبِينَ . فَأَحْسِنُوا كَمَا أَحْسَنَ اللَّه إِلَيْكُمْ , وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ , وَجَاهِدُوا فِي اللَّه حَقّ جِهَاده ; هُوَ اِجْتَبَاكُمْ وَسَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ . لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة , وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة . وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ . فَأَكْثِرُوا ذِكْر اللَّه تَعَالَى , وَاعْمَلُوا لِمَا بَعْد الْمَوْت ; فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِح مَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه يَكْفِهِ اللَّه مَا بَيْنه وَبَيْن النَّاس . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه يَقْضِي عَلَى النَّاس وَلَا يَقْضُونَ عَلَيْهِ , وَيَمْلِك مِنْ النَّاس وَلَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ . اللَّه أَكْبَر , وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم ) . وَأَوَّل جُمُعَة جُمِّعَتْ بَعْدهَا جُمُعَة بِقَرْيَةٍ يُقَال لَهَا : " جُوَاثَى " مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ . وَقِيلَ : إِنَّ أَوَّل مَنْ سَمَّاهَا الْجُمُعَة كَعْب بْن لُؤَيّ بْن غَالِب لِاجْتِمَاعِ قُرَيْش فِيهِ إِلَى كَعْب ; كَمَا تَقَدَّمَ . وَاَللَّه أَعْلَم .

‎الثَّالِثَة : خَاطَبَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِالْجُمُعَةِ دُون الْكَافِرِينَ تَشْرِيفًا لَهُمْ وَتَكْرِيمًا فَقَالَ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " ثُمَّ خَصَّهُ بِالنِّدَاءِ , وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ فِي عُمُوم قَوْله تَعَالَى : " وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة " [ الْمَائِدَة : 58 ] لِيَدُلّ عَلَى وُجُوبه وَتَأْكِيد فَرْضه . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : كَوْن الصَّلَاة الْجُمُعَة هَاهُنَا مَعْلُوم بِالْإِجْمَاعِ لَا مِنْ نَفْس اللَّفْظ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَعِنْدِي أَنَّهُ مَعْلُوم مِنْ نَفْس اللَّفْظ بِنُكْتَةٍ وَهِيَ قَوْل : " مِنْ يَوْم الْجُمُعَة " وَذَلِكَ يُفِيدهُ ; لِأَنَّ النِّدَاء الَّذِي يَخْتَصّ بِذَلِكَ الْيَوْم هُوَ نِدَاء تِلْكَ الصَّلَاة . فَأَمَّا غَيْرهَا فَهُوَ عَامّ فِي سَائِر الْأَيَّام . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَاد بِهِ نِدَاء الْجُمْعَة لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِهِ بِهَا وَإِضَافَته إِلَيْهَا مَعْنًى وَلَا فَائِدَة .

‎الرَّابِعَة : فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْم الْأَذَان فِي سُورَة " الْمَائِدَة " مُسْتَوْفًى . وَقَدْ كَانَ الْأَذَان عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي سَائِر الصَّلَوَات ; يُؤَذِّن وَاحِد إِذَا جَلَسَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَر . وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَل أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعَلِيّ بِالْكُوفَةِ . ثُمَّ زَادَ عُثْمَان عَلَى الْمِنْبَر أَذَانًا ثَالِثًا عَلَى دَاره الَّتِي تُسَمَّى " الزَّوْرَاء " حِين كَثُرَ النَّاس بِالْمَدِينَةِ . فَإِذَا سَمِعُوا أَقْبَلُوا ; حَتَّى إِذَا جَلَسَ عُثْمَان عَلَى الْمِنْبَر أَذَّنَ مُؤَذِّن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ يَخْطُب عُثْمَان . خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ السَّائِب بْن يَزِيد قَالَ : مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مُؤَذِّن وَاحِد ; إِذَا خَرَجَ أَذَّنَ وَإِذَا نَزَلَ أَقَامَ . وَأَبُو بَكْر وَعُمَر كَذَلِكَ . فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان وَكَثُرَ النَّاس زَادَ النِّدَاء الثَّالِث عَلَى دَار فِي السُّوق يُقَال لَهَا " الزَّوْرَاء " ; فَإِذَا خَرَجَ أَذَّنَ وَإِذَا نَزَلَ أَقَامَ . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ طُرُق بِمَعْنَاهُ . وَفِي بَعْضهَا : أَنَّ الْأَذَان الثَّانِي يَوْم الْجُمُعَة أَمَرَ بِهِ عُثْمَان بْن عَفَّان حِين كَثُرَ أَهْل الْمَسْجِد , وَكَانَ التَّأْذِين يَوْم الْجُمْعَة حِين يَجْلِس الْإِمَام . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : فَأَمَّا الْأَذَان الْأَوَّل فَمُحْدَث , فَعَلَهُ عُثْمَان بْن عَفَّان لِيَتَأَهَّب النَّاس لِحُضُورِ الْخُطْبَة عِنْد اِتِّسَاع الْمَدِينَة وَكَثْرَة أَهْلهَا . وَقَدْ كَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَمَرَ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي السُّوق قَبْل الْمَسْجِد لِيَقُومَ النَّاس عَنْ بُيُوعهمْ , فَإِذَا اِجْتَمَعُوا أُذِّنَ فِي الْمَسْجِد , فَجَعَلَهُ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَذَانَيْنِ فِي الْمَسْجِد . قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح : أَنَّ الْأَذَان كَانَ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا , فَلَمَّا كَانَ زَمَن عُثْمَان زَادَ الْأَذَان الثَّالِث عَلَى الزَّوْرَاء , وَسَمَّاهُ فِي الْحَدِيث ثَالِثًا لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى الْإِقَامَة , كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( بَيْن كُلّ أَذَانَيْنِ صَلَاة لِمَنْ شَاءَ ) يَعْنِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة . وَيَتَوَهَّم النَّاس أَنَّهُ أَذَان أَصْلِيّ فَجَعَلُوا الْمُؤَذِّنَيْنِ ثَلَاثَة فَكَانَ وَهْمًا , ثُمَّ جَمَعُوهُمْ فِي وَقْت وَاحِد فَكَانَ وَهْمًا عَلَى وَهْم . وَرَأَيْتهمْ يُؤَذِّنُونَ بِمَدِينَةِ السَّلَام بَعْد أَذَان الْمَنَار بَيْن يَدَيْ الْإِمَام تَحْت الْمِنْبَر فِي جَمَاعَة . , كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ عِنْدنَا فِي الدُّوَل الْمَاضِيَة . وَكُلّ ذَلِكَ مُحْدَث .

الْجُمُعَةِ

اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السَّعْي هَاهُنَا عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال : أَوَّلهَا : الْقَصْد . قَالَ الْحَسَن : وَاَللَّه مَا هُوَ بِسَعْيٍ عَلَى الْأَقْدَام وَلَكِنَّهُ سَعْي بِالْقُلُوبِ وَالنِّيَّة . الثَّانِي : أَنَّهُ الْعَمَل , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَة وَسَعَى لَهَا سَعْيهَا وَهُوَ مُؤْمِن " [ الْإِسْرَاء : 19 ] , وَقَوْله : " إِنَّ سَعْيكُمْ لَشَتَّى " [ اللَّيْل : 4 ] , وَقَوْله : " وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى " [ النَّجْم : 39 ] . وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور . وَقَالَ زُهَيْر : سَعَى بَعْدهمْ قَوْم لِكَيْ يُدْرِكُوهُمْ وَقَالَ أَيْضًا : سَعَى سَاعِيًا غَيْظ بْن مُرَّة بَعْدَمَا تَبَزَّلَ مَا بَيْن الْعَشِيرَة بِالدَّمِ أَيْ فَاعْمَلُوا عَلَى الْمُضِيّ إِلَى ذِكْر اللَّه , وَاشْتَغِلُوا بِأَسْبَابِهِ مِنْ الْغُسْل وَالتَّطْهِير وَالتَّوَجُّه إِلَيْهِ . الثَّالِث : أَنَّ الْمُرَاد بِهِ السَّعْي عَلَى الْأَقْدَام . وَذَلِكَ فَضْل وَلَيْسَ بِشَرْطٍ . فَفِي الْبُخَارِيّ : أَنَّ أَبَا عَبْس بْن جَبْر - وَاسْمه عَبْد الرَّحْمَن وَكَانَ مِنْ كِبَار الصَّحَابَة - مَشَى إِلَى الْجُمْعَة رَاجِلًا وَقَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ اِغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيل اللَّه حَرَّمَهُ اللَّه عَلَى النَّار ) . وَيَحْتَمِل ظَاهِره رَابِعًا : وَهُوَ الْجَرْي وَالِاشْتِدَاد . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الصَّحَابَة الْأَعْلَمُونَ وَالْفُقَهَاء الْأَقْدَمُونَ . وَقَرَأَهَا عُمَر : " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " فِرَارًا عَنْ طَرِيق الْجَرْي وَالِاشْتِدَاد الَّذِي يَدُلّ عَلَى الظَّاهِر . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود كَذَلِكَ وَقَالَ : لَوْ قَرَأْت " فَاسْعَوْا " لَسَعَيْت حَتَّى يَسْقُط رِدَائِي . وَقَرَأَ اِبْن شِهَاب : " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه سَالِكًا تِلْكَ السَّبِيل " . وَهُوَ كُلّه تَفْسِير مِنْهُمْ ; لَا قِرَاءَة قُرْآن مُنَزَّل . وَجَائِز قِرَاءَة الْقُرْآن بِالتَّفْسِيرِ فِي مَعْرِض التَّفْسِير . قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَقَدْ اِحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ الْمُصْحَف بِقِرَاءَةِ عُمَر وَابْن مَسْعُود , وَأَنَّ خَرَشَة بْن الْحُرّ قَالَ : رَآنِي عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمَعِي قِطْعَة فِيهَا " فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه " فَقَالَ لِي عُمَر : مَنْ أَقْرَأَك هَذَا ؟ قُلْت أُبَيّ . فَقَالَ : إِنَّ أُبَيًّا أَقْرَؤُنَا لِلْمَنْسُوخِ . ثُمَّ قَرَأَ عُمَر " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " . حَدَّثَنَا إِدْرِيس قَالَ حَدَّثَنَا خَلَف قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْم عَنْ الْمُغِيرَة عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ خَرَشَة ; فَذَكَرَهُ . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى أَخْبَرَنَا مُحَمَّد وَهُوَ اِبْن سَعْدَان قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ قَالَ : مَا سَمِعْت عُمَر يَقْرَأ قَطُّ إِلَّا " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " . وَأَخْبَرَنَا إِدْرِيس قَالَ حَدَّثَنَا خَلَف قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْم عَنْ الْمُغِيرَة عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَرَأَ " فَامْضُوا إِلَى ذِكْر اللَّه " وَقَالَ : لَوْ كَانَتْ " فَاسْعَوْا " لَسَعَيْت حَتَّى يَسْقُط رِدَائِي . قَالَ أَبُو بَكْر : فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأُمَّة أَجْمَعَتْ عَلَى " فَاسْعَوْا " بِرِوَايَةِ ذَلِكَ عَنْ اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَمَّا عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فَمَا صَحَّ عَنْهُ " فَامْضُوا " لِأَنَّ السَّنَد غَيْر مُتَّصِل ; إِذْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ لَمْ يَسْمَع عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود شَيْئًا , وَإِنَّمَا وَرَدَ " فَامْضُوا " عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . فَإِذَا اِنْفَرَدَ أَحَد بِمَا يُخَالِف الْآيَة وَالْجَمَاعَة كَانَ ذَلِكَ نِسْيَانًا مِنْهُ . وَالْعَرَب مُجْمِعَة عَلَى أَنَّ السَّعْي يَأْتِي بِمَعْنَى الْمُضِيّ ; غَيْر أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ الْجِدّ وَالِانْكِمَاش . قَالَ زُهَيْر : سَعَى سَاعِيًا غَيْظ بْن مُرَّة بَعْدَمَا تَبَزَّلَ مَا بَيْن الْعَشِيرَة بِالدَّمِ أَرَادَ بِالسَّعْيِ الْمُضِيّ بِجِدٍّ وَانْكِمَاش , وَلَمْ يَقْصِد لِلْعَدْوِ وَالْإِسْرَاع فِي الْخَطْو . وَقَالَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة : مَعْنَى السَّعْي فِي الْآيَة الْمُضِيّ . وَاحْتَجَّ الْفَرَّاء بِقَوْلِهِمْ : هُوَ يَسْعَى فِي الْبِلَاد يَطْلُب فَضْل اللَّه ; مَعْنَاهُ هُوَ يَمْضِي بِجِدٍّ وَاجْتِهَاد . وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدَة بِقَوْلِ الشَّاعِر : أَسْعَى عَلَى جُلّ بَنِي مَالِك كُلّ اِمْرِئٍ فِي شَأْنه سَاعِي فَهَلْ يَحْتَمِل السَّعْي فِي هَذَا الْبَيْت إِلَّا مَذْهَب الْمُضِيّ بِالِانْكِمَاشِ ; وَمُحَال أَنْ يَخْفَى هَذَا الْمَعْنَى عَلَى اِبْن مَسْعُود عَلَى فَصَاحَته وَإِتْقَان عَرَبِيَّته . قُلْت : وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد هَاهُنَا الْعَدُوّ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَلَكِنْ اِئْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَة ) . قَالَ الْحَسَن : أَمَا وَاَللَّه مَا هُوَ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَقْدَام , وَلَقَدْ نُهُوا أَنْ يَأْتُوا الصَّلَاة إِلَّا وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَة وَالْوَقَار ; وَلَكِنْ بِالْقُلُوبِ وَالنِّيَّة وَالْخُشُوع . وَقَالَ قَتَادَة : السَّعْي أَنْ تَسْعَى بِقَلْبِك وَعَمَلك . وَهَذَا حَسَن , فَإِنَّهُ جَمَعَ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة . وَقَدْ جَاءَ فِي الِاغْتِسَال لِلْجُمُعَةِ وَالتَّطَيُّب وَالتَّزَيُّن بِاللِّبَاسِ أَحَادِيث مَذْكُورَة فِي كُتُب الْحَدِيث .

قَوْله تَعَالَى : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " خِطَاب لِلْمُكَلَّفِينَ بِإِجْمَاعٍ . وَيَخْرُج مِنْهُ الْمَرْضَى وَالزَّمْنَى وَالْمُسَافِرُونَ وَالْعَبِيد وَالنِّسَاء بِالدَّلِيلِ , وَالْعُمْيَان وَالشَّيْخ الَّذِي لَا يَمْشِي إِلَّا بِقَائِدٍ عِنْد أَبِي حَنِيفَة . رَوَى أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَعَلَيْهِ الْجُمُعَة يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا مَرِيض أَوْ مُسَافِر أَوْ اِمْرَأَة أَوْ صَبِيّ أَوْ مَمْلُوك فَمَنْ اِسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَة اِسْتَغْنَى اللَّه عَنْهُ وَاَللَّه غَنِيّ حَمِيد ) خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّه : وَلَا يَتَخَلَّف أَحَد عَنْ الْجُمُعَة مِمَّنْ عَلَيْهِ إِتْيَانهَا إِلَّا بِعُذْرٍ لَا يُمْكِنهُ مِنْهُ الْإِتْيَان إِلَيْهَا ; مِثْل الْمَرَض الْحَابِس , أَوْ خَوْف الزِّيَادَة فِي الْمَرَض , أَوْ خَوْف جَوْر السُّلْطَان عَلَيْهِ فِي مَال أَوْ بَدَن دُون الْقَضَاء عَلَيْهِ بِحَقٍّ . وَالْمَطَر الْوَابِل مَعَ الْوَحِل عُذْر إِنْ لَمْ يَنْقَطِع . وَلَمْ يَرَهُ مَالِك عُذْرًا لَهُ ; حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ . وَلَوْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مُتَخَلِّف عَلَى وَلِيّ حَمِيم لَهُ قَدْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاة , وَلَمْ يَكُنْ عِنْده مَنْ يَقُوم بِأَمْرِهِ رَجَا أَنْ يَكُون فِي سَعَة . وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ اِبْن عُمَر . وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا لِغَيْرِ عُذْر فَصَلَّى قَبْل الْإِمَام أَعَادَ , وَلَا يَجْزِيه أَنْ يُصَلِّيَ قَبْله . وَهُوَ فِي تَخَلُّفه عَنْهَا مَعَ إِمْكَانه لِذَلِكَ عَاصٍ لِلَّهِ بِفِعْلِهِ .

قَوْله تَعَالَى : " إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ " يَخْتَصّ بِوُجُوبِ الْجُمُعَة عَلَى الْقَرِيب الَّذِي يَسْمَع النِّدَاء , فَأَمَّا الْبَعِيد الدَّار الَّذِي لَا يَسْمَع النِّدَاء فَلَا يَدْخُل تَحْت الْخِطَاب . وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَأْتِي الْجُمْعَة مِنْ الدَّانِي وَالْقَاصِي , فَقَالَ اِبْن عُمَر وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَنَس : تَجِب الْجُمْعَة عَلَى مَنْ فِي الْمِصْر عَلَى سِتَّة أَمْيَال . وَقَالَ رَبِيعَة : أَرْبَعَة أَمْيَال . وَقَالَ مَالِك وَاللَّيْث : ثَلَاثَة أَمْيَال . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : اِعْتِبَار سَمَاع الْأَذَان أَنْ يَكُون الْمُؤَذِّن صَيِّتًا , وَالْأَصْوَات هَادِئَة , وَالرِّيح سَاكِنَة وَمَوْقِف الْمُؤَذِّن عِنْد سُور الْبَلَد . وَفِي الصَّحِيح عَنْ عَائِشَة : أَنَّ النَّاس كَانُوا يَنْتَابُونَ الْجُمُعَة مِنْ مَنَازِلهمْ وَمِنْ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَار وَيُصِيبهُمْ الْغُبَار فَتَخْرُج مِنْهُمْ الرِّيح , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ اِغْتَسَلْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا ) ! قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَالصَّوْت إِذَا كَانَ مَنِيعًا وَالنَّاس فِي هُدُوء وَسُكُون فَأَقْصَى سَمَاع الصَّوْت ثَلَاثَة أَمْيَال . وَالْعَوَالِي مِنْ الْمَدِينَة أَقْرَبهَا عَلَى ثَلَاثَة أَمْيَال . وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق : تَجِب الْجُمُعَة عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاء . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّمَا الْجُمُعَة عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاء ) . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : تَجِب عَلَى مَنْ فِي الْمِصْر , سَمِعَ النِّدَاء أَوْ لَمْ يَسْمَعهُ , وَلَا تَجِب عَلَى مَنْ هُوَ خَارِج الْمِصْر وَإِنْ سَمِعَ النِّدَاء . حَتَّى سُئِلَ : وَهَلْ تَجِب الْجُمُعَة عَلَى أَهْل زبارة - بَيْنهَا وَبَيْن الْكُوفَة مَجْرَى نَهْر - ؟ فَقَالَ لَا . وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَة أَيْضًا : أَنَّهَا تَجِب عَلَى مَنْ إِذَا سَمِعَ النِّدَاء وَخَرَجَ مِنْ بَيْته مَاشِيًا أَدْرَكَ الصَّلَاة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيّ : أَنَّهَا تَجِب عَلَيْهِ إِذَا سَمِعَ الْأَذَان .

قَوْله تَعَالَى : " إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه " دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجُمُعَة لَا تَجِب إِلَّا بِالنِّدَاءِ , وَالنِّدَاء لَا يَكُون إِلَّا بِدُخُولِ الْوَقْت , بِدَلِيلِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاة فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَركُمَا ) قَالَهُ لِمَالِك بْن الْحُوَيْرِث وَصَاحِبه . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَة حِين تَمِيل الشَّمْس . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيق وَأَحْمَد بْن حَنْبَل أَنَّهَا تُصَلِّي قَبْل الزَّوَال . وَتَمَسَّكَ أَحْمَد فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع : كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَنْصَرِف وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلّ . وَبِحَدِيثِ اِبْن عُمَر : مَا كُنَّا نَقِيل وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْد الْجُمُعَة . وَمِثْله عَنْ سَهْل . خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَحَدِيث سَلَمَة مَحْمُول عَلَى التَّبْكِير . رَوَاهُ هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك عَنْ يَعْلَى بْن الْحَارِث عَنْ إِيَاس بْن سَلَمَة بْن الْأَكْوَع عَنْ أَبِيهِ . وَرَوَى وَكِيع عَنْ يَعْلَى عَنْ إِيَاس عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا نُجَمِّع مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْس ثُمَّ نَرْجِع نَتَتَبَّع الْفَيْء . وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور مِنْ الْخَلَف وَالسَّلَف , وَقِيَاسًا عَلَى صَلَاة الظُّهْر . وَحَدِيث اِبْن عُمَر وَسَهْل , دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُبَكِّرُونَ إِلَى الْجُمْعَة تَبْكِيرًا كَثِيرًا عِنْد الْغَدَاة أَوْ قَبْلهَا , فَلَا يَتَنَاوَلُونَ ذَلِكَ إِلَّا بَعْد اِنْقِضَاء الصَّلَاة . وَقَدْ رَأَى مَالِك أَنَّ التَّبْكِير بِالْجُمُعَةِ إِنَّمَا يَكُون قُرْب الزَّوَال بِيَسِيرٍ . وَتَأَوَّلَ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَة الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَة ... ) الْحَدِيث بِكَمَالِهِ إِنَّهُ كَانَ فِي سَاعَة وَاحِدَة . وَحَمَلَهُ سَائِر الْعُلَمَاء عَلَى سَاعَات النَّهَار الزَّمَانِيَّة الِاثْنَتَيْ عَشْرَة سَاعَة الْمُسْتَوِيَة أَوْ الْمُخْتَلِفَة بِحَسَبِ زِيَادَة النَّهَار وَنُقْصَانه . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ أَصَحّ ; لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : مَا كَانُوا يَقِيلُونَ وَلَا يَتَغَدَّوْنَ إِلَّا بَعْد الْجُمْعَة لِكَثْرَةِ الْبُكُور إِلَيْهَا .

فَرَضَ اللَّه تَعَالَى الْجُمُعَة عَلَى كُلّ مُسْلِم ; رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُول : إِنَّهَا فَرْض عَلَى الْكِفَايَة ; وَنُقِلَ عَنْ بَعْض الشَّافِعِيَّة . وَنَقَلَ عَنْ مَالِك مَنْ لَمْ يُحَقِّق أَنَّهَا سُنَّة . وَجُمْهُور الْأُمَّة وَالْأَئِمَّة أَنَّهَا فَرْض عَلَى الْأَعْيَان ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : " إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه وَذَرُوا الْبَيْع " . وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَام عَنْ وَدْعهمْ الْجُمُعَات أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ ثُمَّ لَيَكُونَنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ ) . وَهَذَا حُجَّة وَاضِحَة فِي وُجُوب الْجُمُعَة وَفَرْضِيَّتهَا . وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي الْجَعْد الضَّمَرِيّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَة - قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّه عَلَى قَلْبه ) . إِسْنَاده صَحِيح . وَحَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَة ثَلَاثًا مِنْ غَيْر ضَرُورَة طَبَعَ اللَّه عَلَى قَلْبه ) . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الرَّوَاح إِلَى الْجُمُعَة وَاجِب عَلَى كُلّ مُسْلِم ) .

أَوْجَبَ اللَّه السَّعْي إِلَى الْجُمُعَة مُطْلَقًا مِنْ غَيْر شَرْط . وَثَبَتَ شَرْط الْوُضُوء بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّة فِي جَمِيع الصَّلَوَات ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : " إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ " [ الْمَائِدَة : 6 ] الْآيَة . وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَقْبَل اللَّه صَلَاة بِغَيْرِ طُهُور ) . وَأَغْرَبَتْ طَائِفَة فَقَالَتْ : إِنَّ غُسْل الْجُمْعَة فَرْض . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَاطِل ; لِمَا رَوَى النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنهمَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ تَوَضَّأَ يَوْم الْجُمُعَة فَبِهَا وَنِعْمَتْ . وَمَنْ اِغْتَسَلَ فَالْغُسْل أَفْضَل ) . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَوَضَّأَ يَوْم الْجُمْعَة فَأَحْسَنَ الْوُضُوء ثُمَّ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَة فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غَفَرَ اللَّه لَهُ مَا بَيْن الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَيَّام . وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا ) وَهَذَا نَصّ . وَفِي الْمُوَطَّأ : أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْم الْجُمُعَة وَعُمَر بْن الْخَطَّاب يَخْطُب ... - الْحَدِيث إِلَى أَنْ قَالَ : - مَا زِدْت عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت , فَقَالَ عُمَر : وَالْوُضُوء أَيْضًا ؟ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُر بِالْغُسْلِ . فَأَمَرَ عُمَر بِالْغُسْلِ وَلَمْ يَأْمُرهُ بِالرُّجُوعِ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب . فَلَمْ يُمْكِن وَقَدْ تَلَبَّسَ بِالْفَرْضِ - وَهُوَ الْحُضُور وَالْإِنْصَات لِلْخُطْبَةِ - أَنْ يَرْجِع عَنْهُ إِلَى السُّنَّة , وَذَلِكَ بِمَحْضَرِ فُحُول الصَّحَابَة وَكِبَار الْمُهَاجِرِينَ حَوَالَيْ عُمَر , وَفِي مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

لَا تَسْقُط الْجُمُعَة لِكَوْنِهَا فِي يَوْم عِيد , خِلَافًا لِأَحْمَد بْن حَنْبَل فَإِنَّهُ قَالَ : إِذَا اِجْتَمَعَ عِيد وَجُمُعَة سَقَطَ فَرْض الْجُمُعَة ; لِتَقَدُّمِ الْعِيد عَلَيْهَا وَاشْتِغَال النَّاس بِهِ عَنْهَا . وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَان أَذِنَ فِي يَوْم عِيد لِأَهْلِ الْعَوَالِي أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ الْجُمُعَة . وَقَوْل الْوَاحِد مِنْ الصَّحَابَة لَيْسَ بِحُجَّةٍ إِذَا خُولِفَ فِيهِ وَلَمْ يُجْمَع مَعَهُ عَلَيْهِ . وَالْأَمْر بِالسَّعْيِ مُتَوَجِّه يَوْم الْعِيد كَتَوَجُّهِهِ فِي سَائِر الْأَيَّام . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَة : ب " سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى " [ الْأَعْلَى . 1 ] و " هَلْ أَتَاك حَدِيث الْغَاشِيَة " [ الْغَاشِيَة : 1 ] قَالَ وَإِذَا اِجْتَمَعَ الْعِيد وَالْجُمُعَة فِي يَوْم وَاحِد يَقْرَأ بِهِمَا أَيْضًا فِي الصَّلَاتَيْنِ . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهْ .

فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ

أَيْ الصَّلَاة . وَقِيلَ الْخُطْبَة وَالْمَوَاعِظ ; قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالصَّحِيح أَنَّهُ وَاجِب فِي الْجَمِيع ; وَأَوَّله الْخُطْبَة . وَبِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا ; إِلَّا عَبْد الْمَلِك بْن الْمَاجِشُون فَإِنَّهُ رَآهَا سُنَّة . وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبهَا أَنَّهَا تُحَرِّم الْبَيْع وَلَوْلَا وُجُوبهَا مَا حَرَّمَتْهُ ; لِأَنَّ الْمُسْتَحَبّ لَا يُحَرِّم الْمُبَاح . وَإِذَا قُلْنَا : إِنَّ الْمُرَاد بِالذِّكْرِ الصَّلَاة فَالْخُطْبَة مِنْ الصَّلَاة . وَالْعَبْد يَكُون ذَاكِرًا لِلَّهِ بِفِعْلِهِ كَمَا يَكُون مُسَبِّحًا لِلَّهِ بِفِعْلِهِ . الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت : كَيْفَ يُفَسَّر ذِكْر اللَّه بِالْخُطْبَةِ وَفِيهَا غَيْر ذَلِكَ ! قُلْت : مَا كَانَ مِنْ ذِكْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّنَاء عَلَيْهِ وَعَلَى خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَأَتْقِيَاء الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَوْعِظَة وَالتَّذْكِير فَهُوَ فِي حُكْم ذِكْر اللَّه . فَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ ذِكْر الظَّلَمَة وَأَلْقَابهمْ وَالثَّنَاء عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاء لَهُمْ , وَهُمْ أَحِقَّاء بِعَكْسِ ذَلِكَ ; فَهُوَ مِنْ ذِكْر الشَّيْطَان , وَهُوَ مِنْ ذِكْر اللَّه عَلَى مَرَاحِل .

اللَّهِ وَذَرُوا

مَنَعَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ عِنْد صَلَاة الْجُمُعَة , وَحَرَّمَهُ فِي وَقْتهَا عَلَى مَنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِفَرْضِهَا . وَالْبَيْع لَا يَخْلُو عَنْ شِرَاء فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدهمَا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ وَسَرَابِيل تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ " [ النَّحْل : 81 ] . وَخَصَّ الْبَيْع لِأَنَّهُ أَكْثَر مَا يَشْتَغِل بِهِ أَصْحَاب الْأَسْوَاق . وَمَنْ لَا يَجِب عَلَيْهِ حُضُور الْجُمُعَة فَلَا يُنْهَى عَنْ الْبَيْع وَالشِّرَاء . وَفِي وَقْت التَّحْرِيم قَوْلَانِ : إِنَّهُ مِنْ بَعْد الزَّوَال إِلَى الْفَرَاغ مِنْهَا , قَالَهُ الضَّحَّاك وَالْحَسَن وَعَطَاء . الثَّانِي - مِنْ وَقْت أَذَان الْخُطْبَة إِلَى وَقْت الصَّلَاة , قَالَهُ الشَّافِعِيّ . وَمَذْهَب مَالِك أَنْ يُتْرَك الْبَيْع إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ , وَيَفْسَخ عِنْده مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْبَيْع فِي ذَلِكَ الْوَقْت . وَلَا يَفْسَخ الْعِتْق وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وَغَيْره , إِذْ لَيْسَ مِنْ عَادَة النَّاس الِاشْتِغَال بِهِ كَاشْتِغَالِهِمْ بِالْبَيْعِ . قَالُوا : وَكَذَلِكَ الشَّرِكَة وَالْهِبَة وَالصَّدَقَة نَادِر لَا يَفْسَخ . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالصَّحِيح فَسْخ الْجَمِيع , لِأَنَّ الْبَيْع إِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِلِاشْتِغَالِ بِهِ . فَكُلّ أَمْر يَشْغَل عَنْ الْجُمُعَة مِنْ الْعُقُود كُلّهَا فَهُوَ حَرَام شَرْعًا مَفْسُوخ رَدْعًا . الْمَهْدَوِيّ : وَرَأَى بَعْض الْعُلَمَاء الْبَيْع فِي الْوَقْت الْمَذْكُور جَائِزًا , وَتَأَوَّلَ النَّهْي عَنْهُ نَدْبًا , وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :

الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ

قُلْت : وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ ; فَإِنَّ الْبَيْع يَنْعَقِد عِنْده وَلَا يَفْسَخ . وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِير : إِنَّ عَامَّة الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ ذَلِكَ لَا يُؤَدِّي فَسَاد الْبَيْع . قَالُوا : لِأَنَّ الْبَيْع لَمْ يَحْرُم لِعَيْنِهِ , وَلَكِنْ لِمَا فِيهِ مِنْ الذُّهُول عَنْ الْوَاجِب ; فَهُوَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْض الْمَغْصُوبَة وَالثَّوْب الْمَغْصُوب , وَالْوُضُوء بِمَاءٍ مَغْصُوب . وَعَنْ بَعْض النَّاس أَنَّهُ فَاسِد . قُلْت : وَالصَّحِيح فَسَاده وَفَسْخه ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( كُلّ عَمَل لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدّ ) . أَيْ مَرْدُود . وَاَللَّه أَعْلَم .






_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أغسطس 28, 2006 10:59 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Andalus] قال تعالى: " { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } "[/font]
الأنفال 27

[font=Traditional Arabic]الجلالين
ــــــــــــــ

وَنَزَلَ فِي أَبِي لُبَابَة مَرْوَان بْن عَبْد الْمُنْذِر وَقَدْ بَعَثَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَنِي قُرَيْظَة لِيَنْزِلُوا عَلَى حُكْمه فَاسْتَشَارُوهُ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْح لِأَنَّ عِيَاله وَمَاله فِيهِمْ "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَ" لَا "تَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ" مَا ائْتُمِنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الدِّين وَغَيْره

الطبري
ــــــــــــــ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله مِنْ أَصْحَاب نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله { لَا تَخُونُوا اللَّه } . وَخِيَانَتهمْ اللَّه وَرَسُوله كَانَتْ بِإِظْهَارِ مَنْ أَظْهَرَ مِنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَان فِي الظَّاهِر وَالنَّصِيحَة , وَهُوَ يَسْتَسِرّ الْكُفْر وَالْغِشّ لَهُمْ فِي الْبَاطِن , يَدُلُّونَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى عَوْرَتهمْ , وَيُخْبِرُونَهُمْ بِمَا خَفِيَ عَنْهُمْ مِنْ خَبَرهمْ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , وَفِي السَّبَب الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي مُنَافِق كَتَبَ إِلَى أَبِي سُفْيَان يُطْلِعهُ عَلَى سِرّ الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12358 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن بِشْر بْن مَعْرُوف , قَالَ : ثنا شَبَّابَة بْن سَوَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْمُحَرَّم , قَالَ : لَقِيت عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , فَحَدَّثَنِي , قَالَ : ثني جَابِر بْن عَبْد اللَّه : أَنَّ أَبَا سُفْيَان خَرَجَ مِنْ مَكَّة , فَأَتَى جِبْرِيل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ أَبَا سُفْيَان فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : " إِنَّ أَبَا سُفْيَان فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ وَاكْتُمُوا ! " قَالَ : فَكَتَبَ رَجُل مِنْ الْمُنَافِقِينَ إِلَى أَبِي سُفْيَان : إِنَّ مُحَمَّدًا يُرِيدكُمْ , فَخُذُوا حِذْركُمْ ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَحَلَّ : { لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة لِلَّذِي كَانَ مِنْ أَمْره وَأَمْر بَنَى قُرَيْظَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12359 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَوْله : { لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة , بَعَثَهُ رَسُول اللَّه فَأَشَارَ إِلَى حَلْقه أَنَّهُ الذَّبْح . قَالَ الزُّهْرِيّ : فَقَالَ أَبُو لُبَابَة : لَا وَاَللَّه لَا أَذُوق طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَمُوت أَوْ يَتُوب اللَّه عَلَيَّ ! فَمَكَثَ سَبْعَة أَيَّام لَا يَذُوق طَعَامًا وَلَا شَرَابًا , حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ , ثُمَّ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ , فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا لُبَابَة قَدْ تِيبَ عَلَيْك ! قَالَ : وَاَللَّه لَا أُحِلّ نَفْسِي حَتَّى يَكُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يُحِلّنِي ! فَجَاءَهُ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ . ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَة : إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُر دَار قَوْمِي الَّتِي أَصَبْت بِهَا الذَّنْب وَأَنْ أَنْخَلِع مِنْ مَالِي , قَالَ : " يَجْزِيك الثُّلُث أَنْ تَصَدَّق بِهِ " . 12360 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي قَتَادَة , يَقُول : نَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فِي أَبِي لُبَابَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي شَأْن عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12361 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا يُونُس بْن الْحَارِث الطَّائِفِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَوْن الثَّقَفِيّ , عَنْ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قَتْل عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول } الْآيَة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ خِيَانَته وَخِيَانَة رَسُوله وَخِيَانَة أَمَانَته . وَجَائِز أَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة , وَجَائِز أَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِي غَيْره , وَلَا خَبَر عِنْدنَا بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ يَجِب التَّسْلِيم لَهُ بِصِحَّتِهِ , فَمَعْنَى الْآيَة وَتَأْوِيلهَا مَا قَدَّمْنَا ذِكْره . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12362 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول } قَالَ : نَهَاكُمْ أَنْ تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول , كَمَا صَنَعَ الْمُنَافِقُونَ . 12363 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط . عَنْ السُّدِّيّ : { لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول } الْآيَة , قَالَ : كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيث فَيُفْشُونَهُ حَتَّى يَبْلُغ الْمُشْرِكِينَ . وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ . لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول , فَإِنَّ ذَلِكَ خِيَانَة لِأَمَانَاتِكُمْ وَهَلَاك لَهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12364 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } فَإِنَّهُمْ إِذَا خَانُوا اللَّه وَالرَّسُول فَقَدْ خَانُوا أَمَانَاتهمْ . 12365 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } أَيْ لَا تُظْهِرُوا لِلَّهِ مِنْ الْحَقّ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْكُمْ ثُمَّ تُخَالِفُوهُ فِي السِّرّ إِلَى غَيْره , فَإِنَّ ذَلِكَ هَلَاك لِأَمَانَاتِكُمْ وَخِيَانَة لِأَنْفُسِكُمْ . فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل , قَوْله : { وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الظَّرْف . كَمَا قَالَ الشَّاعِر : لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَتَأْتِيَ مِثْله عَار عَلَيْك إِذَا فَعَلْت عَظِيم وَيُرْوَى : " وَتَأْتِي مِثْله " . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول , وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12366 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } يَقُول : لَا تَخُونُوا : يَعْنِي لَا تُنْقِصُوهَا . فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل : لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول , وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْأَمَانَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي قَوْله : { وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مَا يَخْفَى عَنْ أَعْيُن النَّاس مِنْ فَرَائِض اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12367 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } وَالْأَمَانَة : الْأَعْمَال الَّتِي آمَنَ اللَّه عَلَيْهَا الْعِبَاد , يَعْنِي : الْفَرِيضَة . يَقُول : { لَا تَخُونُوا } يَعْنِي لَا تُنْقِصُوهَا . 12368 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه } يَقُول : بِتَرْكِ فَرَائِضه { وَالرَّسُول } يَقُول : بِتَرْكِ سُنَنه وَارْتِكَاب مَعْصِيَته . قَالَ : وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى : { لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } وَالْأَمَانَة : الْأَعْمَال . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث الْمُثَنَّى . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الْأَمَانَات هَاهُنَا : الدِّين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12369 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } دِينكُمْ . { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كُفَّار , يُظْهِرُونَ الْإِيمَان . وَقَرَأَ : { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كُسَالَى } 4 142 الْآيَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَمِنَهُمْ اللَّه وَرَسُوله عَلَى دِينه فَخَانُوا , أَظْهَرُوا الْإِيمَان وَأَسَرُّوا الْكُفْر . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُنْقِصُوا اللَّه حُقُوقه عَلَيْكُمْ مِنْ فَرَائِضه وَلَا رَسُوله مِنْ وَاجِب طَاعَته عَلَيْكُمْ , وَلَكِنْ أَطِيعُوهُمَا فِيمَا أَمَرَاكُمْ بِهِ وَنَهَيَاكُمْ عَنْهُ , لَا تُنْقِصُوهُمَا , وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ , وَتُنْقِصُوا أَدْيَانكُمْ , وَوَاجِب أَعْمَالكُمْ , وَلَازِمهَا لَكُمْ , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَازِمَة عَلَيْكُمْ وَوَاجِبَة بِالْحُجَجِ الَّتِي قَدْ ثَبَتَتْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ .


القرطبي
ــــــــــــــ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ

رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة بْن عَبْد الْمُنْذِر حِين أَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة بِالذَّبْحِ . قَالَ أَبُو لُبَابَة : وَاَللَّه مَا زَالَتْ قَدَمَايَ حَتَّى عَلِمْت أَنِّي قَدْ خُنْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . فَلَمَّا نَزَلَتْ شَدَّ نَفْسه إِلَى سَارِيَة مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِد , وَقَالَ : وَاَللَّه لَا أَذُوق طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ , أَوْ يَتُوبَ اللَّه عَلَيَّ . الْخَبَر مَشْهُور . وَعَنْ عِكْرِمَة قَالَ : لَمَّا كَانَ شَأْن قُرَيْظَةَ بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِيمَنْ كَانَ عِنْده مِنْ النَّاس ; فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَيْهِمْ وَقَعُوا فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى فَرَس أَبْلَقَ فَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : فَلَكَأَنِّي أَنْظُر إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَح الْغُبَار عَنْ وَجْه جِبْرِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام ; فَقُلْت : هَذَا دِحْيَة يَا رَسُولَ اللَّه ؟ فَقَالَ : " هَذَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام " . قَالَ : " يَا رَسُول اللَّه مَا يَمْنَعك مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ ) ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَكَيْفَ لِي بِحِصْنِهِمْ " ؟ فَقَالَ جِبْرِيل : " فَإِنِّي أُدْخِل فَرَسِي هَذَا عَلَيْهِمْ " . فَرَكِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا مُعْرَوْرًى ; فَلَمَّا رَآهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّه , لَا عَلَيْك أَلَّا تَأْتِيَهُمْ , فَإِنَّهُمْ يَشْتُمُونَك . فَقَالَ : " كَلَّا إِنَّهَا سَتَكُونُ تَحِيَّة " . فَأَتَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( يَا إِخْوَة الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير ) فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم , مَا كُنْت فَحَّاشًا ! فَقَالُوا : لَا نَنْزِل عَلَى حُكْم مُحَمَّد , وَلَكِنَّا نَنْزِل عَلَى حُكْم سَعْد بْن مُعَاذ ; فَنَزَلَ . فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَل مُقَاتِلَتهمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيّهمْ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بِذَلِكَ طَرَقَنِي الْمَلَك سَحَرًا " . فَنَزَلَ فِيهِمْ " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ " . نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة , أَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة حِين قَالُوا : نَنْزِل عَلَى حُكْم سَعْد بْن مُعَاذ , لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ الذَّبْح , وَأَشَارَ إِلَى حَلْقه . وَقِيلَ : نَزَلَتْ الْآيَة فِي أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الشَّيْء مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُلْقُونَهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَيُفْشُونَهُ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى بِغُلُولِ الْغَنَائِم . وَنِسْبَتهَا إِلَى اللَّه ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِقِسْمَتِهَا . وَإِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ الْمُؤَدِّي عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَالْقَيِّم بِهَا . وَالْخِيَانَة : الْغَدْر وَإِخْفَاء الشَّيْء ; وَمِنْهُ : " يَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن " [ غَافِر : 19 ] وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ الْجُوع فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيع وَمِنْ الْخِيَانَة فَإِنَّهَا بِئْسَ الْبِطَانَة ) . خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ; فَذَكَرَهُ .

وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا

فِي مَوْضِع جَزْم , نَسَقًا عَلَى الْأَوَّل . وَقَدْ يَكُون عَلَى الْجَوَاب ; كَمَا يُقَال : لَا تَأْكُل السَّمَكَ وَتَشْرَبْ اللَّبَنَ . وَالْأَمَانَات : الْأَعْمَال الَّتِي اِئْتَمَنَ اللَّه عَلَيْهَا الْعِبَاد . وَسُمِّيَتْ أَمَانَة لِأَنَّهَا يُؤْمَن مَعَهَا مِنْ مَنْع الْحَقّ ; مَأْخُوذَة مِنْ الْأَمْن . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " الْقَوْل فِي أَدَاء الْأَمَانَات وَالْوَدَائِع وَغَيْر ذَلِكَ .

أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ

أَيْ مَا فِي الْخِيَانَة مِنْ الْقُبْح وَالْعَار . وَقِيلَ : تَعْلَمُونَ أَنَّهَا أَمَانَة .
[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة سبتمبر 01, 2006 2:10 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic] قال تعالى:

"فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ"
يوسف 31

الجلالين
ـــــــــــ

"فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ" غِيبَتهنَّ لَهَا "أَرْسَلَتْ إلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ" أَعَدَّتْ "لَهُنَّ مُتَّكَئًا" طَعَامًا يُقَطَّع بِالسِّكِّينِ لِلِاتِّكَاءِ عِنْده وَهُوَ الْأُتْرُجّ "وَآتَتْ" أَعْطَتْ "كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتْ" لِيُوسُف "اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ" أَعْظَمْنَهُ "وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهنَّ" بِالسَّكَاكِينِ وَلَمْ يَشْعُرْنَ بِالْأَلَمِ لِشَغْلِ قَلْبهنَّ بِيُوسُف "وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ" تَنْزِيهًا لَهُ "مَا هَذَا" أَيْ يُوسُف "بَشَرًا إنْ" مَا "هَذَا إلَّا مَلَك كَرِيم" لِمَا حَوَاهُ مِنْ الْحُسْن الَّذِي لَا يَكُون عَادَة فِي النَّسَمَة الْبَشَرِيَّة وَفِي الْحَدِيث ( أَنَّهُ أُعْطِيَ شَطْر الْحُسْن )


الطبري
ـــــــــــ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا وَآتَتْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتْ اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَك كَرِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا سَمِعَتْ امْرَأَة الْعَزِيز بِمَكْرِ النِّسْوَة اللَّاتِي قُلْنَ فِي الْمَدِينَة مَا ذَكَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُنَّ , وَكَانَ مَكْرهنَّ مَا : 14667 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } يَقُول : بِقَوْلِهِنَّ 14668 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : لَمَّا أَظْهَرَ النِّسَاء ذَلِكَ مِنْ قَوْلهنَّ : تُرَاوِد عَبْدهَا مَكْرًا بِهَا لِتُرِيهِنَّ يُوسُف , وَكَانَ يُوصَف لَهُنَّ بِحُسْنِهِ وَجَمَاله ; { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } 14669 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } : أَيْ بِحَدِيثِهِنَّ , { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } يَقُول : أَرْسَلَتْ إِلَى النِّسْوَة اللَّاتِي تَحَدَّثْنَ بِشَأْنِهَا وَشَأْن يُوسُف { وَأَعْتَدَتْ } أَفْعَلَتْ مِنَ الْعَتَاد , وَهُوَ الْعِدَّة , وَمَعْنَاهُ : أَعَدَّتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا يَعْنِي مَجْلِسًا لِلطَّعَامِ , وَمَا يَتَّكِئْنَ عَلَيْهِ مِنَ النَّمَارِق وَالْوَسَائِد , وَهُوَ مُفْتَعَل مِنْ قَوْل الْقَائِل : اتَّكَأْت , يُقَال : أَلْقِ لَهُ مُتَّكَئًا , يَعْنِي : مَا يَتَّكِئ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14670 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن الْيَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } قَالَ : طَعَامًا وَشَرَابًا وَمُتَّكَئًا 14671 - قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مُحَمَّد , عَنْ أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } قَالَ : يُتَّكَأ عَلَيْهِ 14672 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } قَالَ : مَجْلِسًا 14673 - قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنِ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { مُتَّكَئًا } وَيَقُول : هُوَ الْمَجْلِس وَالطَّعَام 14674 - قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن يَزِيد : مَنْ قَرَأَ : " مُتْكَئًا " خَفِيفَة , يَعْنِي طَعَامًا , وَمَنْ قَرَأَ { مُتَّكَئًا } يَعْنِي الْمُتَّكَأ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ تَأْوِيل هَذِهِ الْكَلِمَة , هُوَ مَعْنَى الْكَلِمَة وَتَأْوِيل الْمُتَّكَأ , وَأَنَّهَا أَعَدَّتْ لِلنِّسْوَةِ مَجْلِسًا فِيهِ مُتَّكَأٌ وَطَعَام وَشَرَاب وَأُتْرُجّ . ثُمَّ فَسَّرَ بَعْضهمْ الْمُتَّكَأ بِأَنَّهُ الطَّعَام عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الَّذِي أُعِدَّ مِنْ أَجْله الْمُتَّكَأ , وَبَعْضهمْ عَنِ الْخَبَر عَنِ الْأُتْرُجّ , إِذْ كَانَ فِي الْكَلَام : وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا , لِأَنَّ السِّكِّين إِنَّمَا تُعَدّ لِلْأُتْرُجِّ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يُقْطَع بِهِ . وَبَعْضهمْ عَلَى البزماورد : 14675 - حَدَّثَنِي هَارُون بْن حَاتِم الْمُقْرِي , قَالَ : ثنا هُشَيْم بْن الزِّبْرِقَان , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } قَالَ : البزماورد وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى : الْمُتَّكَأ : هُوَ النُّمْرُق يُتَّكَأ عَلَيْهِ وَقَالَ : زَعَمَ قَوْم أَنَّهُ الْأُتْرُجّ , قَالَ : وَهَذَا أَبْطَل بَاطِل فِي الْأَرْض , وَلَكِنْ عَسَى أَنْ يَكُون مَعَ الْمُتَّكَأ أُتْرُجّ يَأْكُلُونَهُ . وَحَكَى أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَام قَوْل أَبِي عُبَيْدَة , ثُمَّ قَالَ : وَالْفُقَهَاء أَعْلَم بِالتَّأْوِيلِ مِنْهُ . ثُمَّ قَالَ : وَلَعَلَّهُ بَعْض مَا ذَهَبَ مِنْ كَلَام الْعَرَب , فَإِنَّ الْكِسَائِيّ كَانَ يَقُول : قَدْ ذَهَبَ مِنْ كَلَام الْعَرَب شَيْء كَثِير انْقَرَضَ أَهْله . وَالْقَوْل فِي أَنَّ الْفُقَهَاء أَعْلَم بِالتَّأْوِيلِ مِنْ أَبِي عُبَيْدَة كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْد لَا شَكَّ فِيهِ , غَيْر أَنَّ أَبَا عُبَيْدَة لَمْ يَبْعُد مِنَ الصَّوَاب فِي هَذَا الْقَوْل , بَلِ الْقَوْل كَمَا قَالَ مِنْ أَنَّ مَنْ قَالَ لِلْمُتَّكَإِ هُوَ الْأُتْرُجّ إِنَّمَا بَيْن الْمُعَدّ فِي الْمَجْلِس الَّذِي فِيهِ الْمُتَّكَأ وَاَلَّذِي مِنْ أَجْله أُعْطِينَ السَّكَاكِين ; لِأَنَّ السَّكَاكِين مَعْلُوم أَنَّهَا لَا تُعَدّ لِلْمُتَّكَإِ إِلَّا لِتَخْرِيقِهِ , وَلَمْ يُعْطَيْنَ السَّكَاكِين لِذَلِكَ . وَمِمَّا يُبَيِّن صِحَّة ذَلِكَ الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْن عَبَّاس , مِنْ أَنَّ الْمُتَّكَإِ هُوَ الْمَجْلِس . ثُمَّ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد عَنْهُ , مَا : 14676 - حَدَّثَنِي بِهِ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا وَآتَتْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا } قَالَ : أَعْطَتْهُنَّ أُتْرُجًّا , وَأَعْطَتْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا فَبَيَّنَ ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة مُجَاهِد هَذِهِ مَا أَعْطَتْ النِّسْوَة , وَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْر بَيَان مَعْنَى الْمُتَّكَإِ , إِذْ كَانَ مَعْلُومًا مَعْنَاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ فِي تَأْوِيل الْمُتَّكَإِ مَا ذَكَرْنَا : 14677 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } قَالَ : الْأُتْرُجّ 14678 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ عَوْف , قَالَ : حُدِّثْت عَنِ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " مُتْكًا " مُخَفَّفَة , وَيَقُول : هُوَ الْأُتْرُجّ 14679 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّة : " وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا " قَالَ الطَّعَام 14680 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب وَالْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَا : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } قَالَ : طَعَامًا - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنِ الْحَسَن , مِثْله . 14681 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا غُنْدَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } قَالَ : طَعَامًا - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر نَحْوه . 14682 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مَنْ قَرَأَ { مُتَّكَئًا } فَهُوَ الطَّعَام , وَمَنْ قَرَأَهَا " مُتْكًا " فَخَفَّفَهَا , فَهُوَ الْأُتْرُجّ 14683 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { مُتَّكَئًا } قَالَ : طَعَامًا - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا شَبَّابَة , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد . وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 14684 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مَنْ قَرَأَ : " مُتْكًا " خَفِيفَة , فَهُوَ الْأُتْرُجّ - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . 14685 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , قَالَ سَمِعْت بَعْضهمْ يَقُول : الْأُتْرُجّ . 14686 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } : أَيْ طَعَامًا - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 14687 - قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { مُتَّكَئًا } قَالَ : طَعَامًا - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } يَعْنِي الْأُتْرُجّ 14688 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } وَالْمُتَّكَأ : الطَّعَام - قَالَ : ثنا جَرِير عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } قَالَ : الطَّعَام 14689 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } قَالَ : طَعَامًا 14690 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { مُتَّكَئًا } فَهُوَ كُلّ شَيْء يُجَزّ بِالسِّكِّينِ قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنِ امْرَأَة الْعَزِيز وَالنِّسْوَة اللَّاتِي تَحَدَّثْنَ بِشَأْنِهَا فِي الْمَدِينَة : { وَآتَتْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَعْطَتْ كُلّ وَاحِدَة مِنَ النِّسْوَة اللَّاتِي حَضَرْنَهَا سِكِّينًا لِتَقْطَع بِهِ مِنَ الطَّعَام مَا تَقْطَع بِهِ , وَذَلِكَ مَا ذَكَرْت أَنَّهَا آتَتْهُنَّ إِمَّا مِنَ الْأُتْرُجّ , وَإِمَّا مِنَ البزماورد , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُقْطَع بِالسِّكِّينِ . كَمَا : 14691 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مُحَمَّد , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَآتَتْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا } وَأُتْرُجًّا يَأْكُلْنَهُ 14692 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس : { وَآتَتْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا } قَالَ : أَعْطَتْهُنَّ أُتْرُجًّا , وَأَعْطَتْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا 14693 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق : { وَآتَتْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا } لِيَجْتَزِزْنَ بِهِ مِنْ طَعَامهنَّ 14694 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَآتَتْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا } وَأَعْطَتْهُنَّ تُرُنْجًا وَعَسَلًا , فَكُنَّ يَحْزُزْنَ التُّرُنْج بِالسِّكِّينِ , وَيَأْكُلْنَ بِالْعَسَلِ وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَة بَيَان صِحَّة مَا قُلْنَا وَاخْتَرْنَا فِي قَوْله : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ إِيتَاء امْرَأَة الْعَزِيز النِّسْوَة السَّكَاكِين , وَتَرْك مَا لَهُ آتَتْهُنَّ السَّكَاكِين , إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ السَّكَاكِين لَا تُدْفَع إِلَى مَنْ دُعِيَ إِلَى مَجْلِس إِلَّا لِقَطْع مَا يُؤْكَل إِذَا قُطِعَ بِهَا , فَاسْتُغْنِيَ بِفَهْمِ السَّامِع بِذِكْرِ إِيتَائِهَا صَوَاحِبَاتهَا السَّكَاكِين عَنْ ذِكْر مَا لَهُ آتَتْهُنَّ ذَلِكَ , فَكَذَلِكَ اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ اعْتِدَادهَا لَهُنَّ الْمُتَّكَأ عَنْ ذِكْر مَا يُعْتَدّ لَهُ الْمُتَّكَأ مِمَّا يَحْضُر الْمَجَالِس مِنَ الْأَطْعِمَة وَالْأَشْرِبَة وَالْفَوَاكِه وَصُنُوف الِالْتِهَاء ; لِفَهْمِ السَّامِعِينَ بِالْمُرَادِ مِنْ ذَلِكَ , وَدَلَالَة قَوْله : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا } عَلَيْهِ . فَأَمَّا نَفْس الْمُتَّكَأ فَهُوَ مَا وَصَفْنَا خَاصَّة دُون غَيْره . وَقَوْله : { وَقَالَتْ اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَتْ امْرَأَة الْعَزِيز لِيُوسُف : { اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } فَخَرَجَ عَلَيْهِنَّ يُوسُف , { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَلَمَّا رَأَيْنَ يُوسُف أَعْظَمْنَهُ وَأَجْلَلْنَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14695 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا شَبَّابَة , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { أَكْبَرْنَهُ } أَعْظَمْنَهُ - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح . قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 14696 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } : أَيْ أَعْظَمْنَهُ 14697 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مُحَمَّد , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَقَالَتْ اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } لِيُوسُف , { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } : عَظَّمْنَهُ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن سَيْف الْعِجْلِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْن عَابِس , قَالَ : سَمِعْت السُّدِّيّ يَقُول فِي قَوْله : { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } قَالَ : أَعْظَمْنَهُ . 14698 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } فَخَرَجَ { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ } أَعْظَمْنَهُ وَبُهِتْنَ 14699 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن سَيْف . قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَلِيّ الْهَاشِمِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , فِي قَوْله : { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } قَالَ : حِضْنَ 14700 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } يَقُول : أَعْظَمْنَهُ - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . وَهَذَا الْقَوْل , أَعْنِي الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَبْد الصَّمَد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , فِي مَعْنَى { أَكْبَرْنَهُ } أَنَّهُ حِضْنَ , إِنْ لَمْ يَكُنْ عَنَى بِهِ أَنَّهُنَّ حِضْنَ مِنْ إِجْلَالِهِنَّ يُوسُف وَإِعْظَامِهِنَّ لِمَا كَانَ اللَّه قَسَمَ لَهُ مِنَ الْبَهَاء وَالْجَمَال , وَلِمَا يَجِد مِنْ مِثْل ذَلِكَ النِّسَاء عِنْد مُعَايَنَتهنَّ إِيَّاهُ , فَقَوْل لَا مَعْنَى لَهُ ; لِأَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ : فَلَمَّا رَأَيْنَ يُوسُف أَكْبَرْنَهُ , فَالْهَاء الَّتِي فِي أَكْبَرْنَهُ مِنْ ذِكْر يُوسُف , وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ الْمُحَال أَنْ يَحِضْنَ يُوسُف , وَلَكِنَّ الْخَبَر إِنْ كَانَ صَحِيحًا عَنِ ابْن عَبَّاس عَلَى مَا رُوِيَ , فَخَلِيق أَنْ يَكُون كَانَ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُنَّ حِضْنَ لِمَا أَكْبَرْنَ مِنْ حُسْن يُوسُف وَجَمَاله فِي أَنْفُسهنَّ وَوَجَدْنَ مَا يَجِد النِّسَاء مِنْ مِثْل ذَلِكَ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض الرُّوَاة أَنَّ بَعْض النَّاس أَنْشَدَهُ فِي أَكْبَرْنَ بِمَعْنَى حِضْنَ , بَيْتًا لَا أَحْسَب أَنَّ لَهُ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ عِنْد الرُّوَاة , وَذَلِكَ : نَأْتِي النِّسَاءَ عَلَى أَطْهَارِهِنَّ وَلَا نَأْتِي النِّسَاءَ إِذَا أَكْبَرْنَ إِكْبَارًا وَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَاهُ : إِذَا حِضْنَ . وَقَوْله : { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَنَّهُنَّ حَزَزْنَ بِالسِّكِّينِ فِي أَيْدِيهنَّ وَهُنَّ يَحْسَبْنَ أَنَّهُنَّ يُقَطِّعْنَ الْأُتْرُجّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14701 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا شَبَّابَة , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } حَزًّا حَزًّا بِالسِّكِّينِ - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } قَالَ : حَزًّا حَزًّا بِالسَّكَاكِينِ - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ; قَالَ : وثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } قَالَ : حَزًّا حَزًّا بِالسِّكِّينِ 14702 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ : { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } قَالَ : جَعَلَ النِّسْوَةُ يَحْزُزْنَ أَيْدِيَهُنَّ , يَحْسَبْنَ أَنَّهُنَّ يُقَطِّعْنَ الْأُتْرُجّ 14703 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن سَيْف , قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْن عَابِس , قَالَ : سَمِعْت السُّدِّيّ يَقُول : كَانَتْ فِي أَيْدِيهنَّ سَكَاكِين مَعَ الْأُتْرُجّ , فَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ , وَسَالَتْ الدِّمَاء , فَقُلْنَ : نَحْنُ نَلُومك عَلَى حُبّ هَذَا الرَّجُل , وَنَحْنُ قَدْ قَطَّعْنَا أَيْدِيَنَا وَسَالَتِ الدِّمَاء ! 14704 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : جَعَلْنَ يَحْزُزْنَ أَيْدِيَهُنَّ بِالسِّكِّينِ , وَلَا يَحْسَبْنَ إِلَّا أَنَّهُنَّ يَحْزُزْنَ الْأُتْرُجّ , قَدْ ذَهَبَتْ عُقُولُهُنَّ مِمَّا رَأَيْنَ 14705 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيهنَّ } وَحَزَزْنَ أَيْدِيهنَّ 14706 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا ابْن كُدَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : جَعَلْنَ يُقَطِّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَهُنَّ يَحْسَبْنَ أَنَّهُنَّ يُقَطِّعْنَ الْأُتْرُجّ 14707 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } قَالَ : جَعَلْنَ يَحْزُزْنَ أَيْدِيَهُنَّ , وَلَا يَشْعُرْنَ بِذَلِكَ 14708 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : قَالَتْ لِيُوسُف : اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ! فَخَرَجَ عَلَيْهِنَّ , فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ , وَغُلِبَتْ عُقُولُهُنَّ عَجَبًا حِين رَأَيْنَهُ , فَجَعَلْنَ يُقَطِّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ بِالسَّكَاكِينِ الَّتِي مَعَهُنَّ مَا يَعْقِلْنَ شَيْئًا مِمَّا يَصْنَعْنَ , { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُنَّ قَطَّعْنَ أَيْدِيهنَّ حَتَّى أَبَنَّهَا وَهُنَّ لَا يَشْعُرْنَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14709 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَطَّعْنَ أَيْدِيهنَّ حَتَّى أَلْقَيْنَهَا 14710 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } قَالَ : قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ حَتَّى أَلْقَيْنَهَا وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْهُنَّ أَنَّهُنَّ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَهُنَّ لَا يَشْعُرْنَ لِإِعْظَامِ يُوسُف , وَجَائِزٌ أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ قَطْعًا بِإِبَانَةٍ , وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ قَطْع حَزٍّ وَخَدْش , وَلَا قَوْل فِي ذَلِكَ أَصْوَب مِنَ التَّسْلِيم لِظَاهِرِ التَّنْزِيل . 14711 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : أُعْطِيَ يُوسُف وَأُمّه ثُلُث الْحُسْن - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . - وَبِهِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : قُسِمَ لِيُوسُف وَأُمّه ثُلُث الْحُسْن - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع ; وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : أُعْطِيَ يُوسُف وَأُمّه ثُلُث حُسْن الْخَلْق 14712 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن ثَابِت , وَعَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الرَّازِيَّانِ , قَالَا : ثنا عَفَّان , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا ثَابِت , عَنْ أَنَس , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " أُعْطِيَ يُوسُف وَأُمّه شَطْر الْحُسْن " 14713 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ أَبِي مُعَاذ , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أُعْطِيَ يُوسُف وَأُمّه ثُلُث حُسْن أَهْل الدُّنْيَا , وَأُعْطِيَ النَّاس الثُّلُثَيْنِ " أَوْ قَالَ : " أُعْطِيَ يُوسُف وَأُمّه الثُّلُثَيْنِ , وَأُعْطِيَ النَّاس الثُّلُث " 14714 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع ; وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ رَبِيعَة الْجُرَشِيّ , قَالَ : قُسِمَ الْحُسْن نِصْفَيْنِ , فَأُعْطِيَ يُوسُف وَأُمّه سَارَة نِصْف الْحُسْن , وَالنِّصْف الْآخَر بَيْن سَائِر الْخَلْق 14715 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ رَبِيعَة الْجُرَشِيّ , قَالَ : قُسِمَ الْحُسْن نِصْفَيْنِ : فَقُسِمَ لِيُوسُف وَأُمّه النِّصْف , وَالنِّصْف لِسَائِرِ النَّاس - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ رَبِيعَة الْجُرَشِيّ , قَالَ : قُسِمَ الْحُسْن نِصْفَيْنِ , فَجُعِلَ لِيُوسُف وَسَارَة النِّصْف , وَجُعِلَ لِسَائِرِ الْخَلْق نِصْف 14716 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عِيسَى بْن يَزِيد , عَنِ الْحَسَن : أُعْطِيَ يُوسُف وَأُمّه ثُلُث حُسْن الدُّنْيَا , وَأُعْطِيَ النَّاس الثُّلُثَيْنِ وَقَوْله : { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { حَاشَ لِلَّهِ } بِفَتْحِ الشِّين وَحَذْف الْيَاء . وَقَرَأَهُ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ بِإِثْبَاتِ الْيَاء " حَاشَى لِلَّهِ " . وَفِيهِ لُغَات لَمْ يُقْرَأ بِهَا : " حَاشَى اللَّهِ " كَمَا قَالَ الشَّاعِر : حَاشَى أَبِي ثَوْبَان إِنَّ بِهِ ضَنًّا عَنْ الْمِلْحَاة وَالشَّتْم وَذُكِرَ عَنِ ابْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ بِهَذِهِ اللُّغَة : " حَاشْ اللَّه " بِتَسْكِينِ الشِّين وَالْأَلِف يَجْمَع بَيْن السَّاكِنَيْنِ . وَأَمَّا الْقِرَاءَة فَإِنَّمَا هِيَ بِإِحْدَى اللُّغَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ , فَمَنْ قَرَأَ : { حَاشَ لِلَّهِ } بِفَتْحِ الشِّين وَإِسْقَاط الْيَاء فَإِنَّهُ أَرَادَ لُغَة مَنْ قَالَ : " حَاشَى لِلَّهِ " , بِإِثْبَاتِ الْيَاء , وَلَكِنَّهُ حَذَفَ الْيَاء لِكَثْرَتِهَا عَلَى أَلْسُن الْعَرَب , كَمَا حَذَفَتِ الْعَرَب الْأَلِف مِنْ قَوْلهمْ : لَا أَب لِغَيْرِك , وَلَا أَب لِشَانِيك , وَهُمْ يَعْنُونَ : لَا أَبًا لِغَيْرِك , وَلَا أَبًا لِشَانِيك . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يَزْعُم أَنَّ لِقَوْلِهِمْ : " حَاشَى لِلَّهِ " , مَوْضِعَيْنِ فِي الْكَلَام : أَحَدهمَا : التَّنْزِيه , وَالْآخَر : الِاسْتِثْنَاء , وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع عِنْدَنَا بِمَعْنَى التَّنْزِيه لِلَّهِ , كَأَنَّهُ قِيلَ : مَعَاذ اللَّهِ . وَأَمَّا الْقَوْل فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَإِنَّهُ يُقَال لِلْقَارِئِ , فِي قِرَاءَته بِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ شَاءَ , إِنْ شَاءَ بِقِرَاءَةِ الْكُوفِيِّينَ وَإِنْ شَاءَ بِقِرَاءَةِ الْبَصْرِيِّينَ , وَهُوَ : { حَاشَ لِلَّهِ } و " حَاشَى لِلَّهِ " لِأَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلُغَات لَا تَجُوز الْقِرَاءَة بِهَا ; لِأَنَّا لَا نَعْلَم قَارِئًا قَرَأَ بِهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14717 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا ابْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ } قَالَ : مَعَاذ اللَّه - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { حَاشَ لِلَّهِ } : مَعَاذ اللَّه - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ } : مَعَاذ اللَّه - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا شَبَّابَة , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { حَاشَ لِلَّهِ } : مَعَاذ اللَّه 14718 - قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , عَنْ عَمْرو , عَنِ الْحَسَن : { حَاشَ لِلَّهِ } : مَعَاذ اللَّه - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَوْله : { مَا هَذَا بَشَرًا } يَقُول : قُلْنَ مَا هَذَا بَشَرًا ; لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَرَيْنَ فِي حُسْن صُورَته مِنَ الْبَشَر أَحَدًا , فَقُلْنَ : لَوْ كَانَ مِنَ الْبَشَر لَكَانَ كَبَعْضِ مَا رَأَيْنَا مِنْ صُورَة الْبَشَر , وَلَكِنَّهُ مِنَ الْمَلَائِكَة لَا مِنَ الْبَشَر . كَمَا : 14719 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا } : مَا هَكَذَا تَكُون الْبَشَر وَبِهَذِهِ الْقِرَاءَة قَرَأَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار . وَقَدْ : 14720 - حُدِّثْت عَنْ يَحْيَى بْن زِيَاد الْفَرَّاء , قَالَ : ثني دِعَامَة بْن رَجَاء التَّيْمِيّ , وَكَانَ غُرًّا , عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِث الْحَنَفِيّ أَنَّهُ قَرَأَ : " مَا هَذَا بِشِرًى " : أَيْ مَا هَذَا بِمُشْتَرًى , يُرِيد بِذَلِكَ أَنَّهُنَّ أَنْكَرْنَ أَنْ يَكُون مِثْله مُسْتَعْبَدًا يُشْتَرَى وَيُبَاع . وَهَذِهِ الْقِرَاءَة لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَة بِهَا لِإِجْمَاع قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَى خِلَافهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ فَغَيْر جَائِز خِلَافهَا فِيهِ . وَأَمَّا نَصْب الْبَشَر , فَمِنْ لُغَة أَهْل الْحِجَاز إِذَا أَسْقَطُوا الْبَاء مِنَ الْخَبَر نَصَبُوهُ , فَقَالُوا : مَا عَمْرو قَائِمًا . وَأَمَّا أَهْل نَجْد , فَإِنَّ مِنْ لُغَتهمْ رَفْعَهُ , يَقُولُونَ : مَا عَمْرو قَائِم ; وَمِنْهُ قَوْل بَعْضهمْ حَيْثُ يَقُول : لَشَتَّانَ مَا أَنْوِي وَيَنْوِي بَنُو أَبِي جَمِيعًا , فَمَا هَذَانِ مُسْتَوِيَانِ تَمَنَّوْا لِيَ الْمَوْت الَّذِي يُشْعِب الْفَتَى وَكُلّ فَتًى وَالْمَوْت يَلْتَقِيَانِ وَأَمَّا الْقُرْآن , فَجَاءَ بِالنَّصْبِ فِي كُلّ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَةِ أَهْل الْحِجَاز . وَقَوْله : { إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَك كَرِيم } يَقُول : قُلْنَ مَا هَذَا إِلَّا مَلَك مِنَ الْمَلَائِكَة . كَمَا : 14721 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَك كَرِيم } قَالَ : قُلْنَ : مَلَك مِنَ الْمَلَائِكَة

القرطبي
ــــــــــــــــــــ


فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ

أَيْ بِغِيبَتِهِنَّ إِيَّاهَا , وَاحْتِيَالهنَّ فِي ذَمّهَا . وَقِيلَ : إِنَّهَا أَطْلَعَتْهُنَّ وَاسْتَأْمَنَتْهُنَّ فَأَفْشَيْنَ سِرّهَا , فَسُمِّيَ ذَلِكَ مَكْرًا .

أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ

فِي الْكَلَام حَذْف ; أَيْ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ تَدْعُوهُنَّ إِلَى وَلِيمَة لِتُوقِعهُنَّ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ ; فَقَالَ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ اِمْرَأَة الْعَزِيز قَالَتْ لِزَوْجِهَا إِنِّي أُرِيد أَنْ أَتَّخِذ طَعَامًا فَأَدْعُو هَؤُلَاءِ النِّسْوَة ; فَقَالَ لَهَا : اِفْعَلِي ; فَاِتَّخَذَتْ طَعَامًا , ثُمَّ نَجَّدَتْ لَهُنَّ الْبُيُوت ; نَجَّدَتْ أَيْ زَيَّنَتْ ; وَالنَّجْد مَا يُنْجَد بِهِ الْبَيْت مِنْ الْمَتَاع أَيْ يُزَيَّن , وَالْجَمْع نُجُود عَنْ أَبِي عُبَيْد ; وَالتَّنْجِيد التَّزْيِين ; وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ أَنْ يَحْضُرْنَ طَعَامهَا , وَلَا تَتَخَلَّف مِنْكُنَّ اِمْرَأَة مِمَّنْ سُمِّيَتْ . قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : إِنَّهُنَّ كُنَّ أَرْبَعِينَ اِمْرَأَة فَجِئْنَ عَلَى كُرْه مِنْهُنَّ , وَقَدْ قَالَ فِيهِنَّ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت : حَتَّى إِذَا جِئْنَهَا قَسْرًا وَمَهَّدَتْ لَهُنَّ أَنْضَادًا وَكَبَابَا وَيُرْوَى : أَنْمَاطًا . قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : فَجِئْنَ وَأَخَذْنَ مَجَالِسهنَّ .

وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً

أَيْ هَيَّأَتْ لَهُنَّ مَجَالِس يَتَّكِئْنَ عَلَيْهَا . قَالَ اِبْن جُبَيْر : فِي كُلّ مَجْلِس جَام فِيهِ عَسَل وَأُتْرُجّ وَسِكِّين حَادّ . وَقَرَأَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر " مُتْكًا " مُخَفَّفًا غَيْر مَهْمُوز , وَالْمُتْك هُوَ الْأُتْرُجّ بِلُغَةِ الْقِبْط , وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ مُجَاهِد رَوَى سُفْيَان عَنْ مَنْصُور عَنْ مُجَاهِد قَالَ : الْمُتَّكَأ مُثَقَّلًا هُوَ الطَّعَام , وَالْمُتْك مُخَفَّفًا هُوَ الْأُتْرُجّ ; وَقَالَ الشَّاعِر : نَشْرَب الْإِثْم بِالصُّوَاعِ جِهَارًا وَتَرَى الْمُتْك بَيْننَا مُسْتَعَارًا وَقَدْ تَقُول أَزْد شَنُوءَة : الْأُتْرُجَّة الْمُتْكَة ; قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْمُتْك مَا تُبْقِيه الْخَاتِنَة . وَأَصْل الْمُتْك الزُّمَاوَرْد . وَالْمَتْكَاء مِنْ النِّسَاء الَّتِي لَمْ تُخْفَض . قَالَ الْفَرَّاء : حَدَّثَنِي شَيْخ مِنْ ثِقَات أَهْل الْبَصْرَة أَنَّ الْمُتْك مُخَفَّفًا الزُّمَاوَرْد . وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّهُ الْأُتْرُجّ ; حَكَاهُ الْأَخْفَش . اِبْن زَيْد : أُتْرُجًّا وَعَسَلًا يُؤْكَل بِهِ ; قَالَ الشَّاعِر : فَظَلَلْنَا بِنِعْمَةٍ وَاتَّكَأْنَا وَشَرِبْنَا الْحَلَال مِنْ قُلَله أَيْ أَكَلْنَا . النَّحَّاس : قَوْله تَعَالَى : " وَأَعْتَدَتْ " مِنْ الْعَتَاد ; وَهُوَ كُلّ مَا جَعَلْته عِدَّة لِشَيْءٍ . " مُتَّكَأ " أَصَحّ مَا قِيلَ فِيهِ مَا رَوَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَجْلِسًا , وَأَمَّا قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل , التَّفْسِير إِنَّهُ الطَّعَام فَيَجُوز عَلَى تَقْدِير : طَعَام مُتَّكَأ , مِثْل : " وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " ; وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْحَذْف " وَآتَتْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّينًا " لِأَنَّ حُضُور النِّسَاء مَعَهُنَّ سَكَاكِين إِنَّمَا هُوَ لِطَعَامٍ يُقَطَّع بِالسَّكَاكِينِ ; كَذَا قَالَ فِي كِتَاب " إِعْرَاب الْقُرْآن " لَهُ . وَقَالَ فِي كِتَاب " مَعَانِي الْقُرْآن " لَهُ : وَرَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ : " الْمُتَّكَأ " الطَّعَام . وَقِيلَ : " الْمُتَّكَأ " كُلّ مَا اُتُّكِئَ عَلَيْهِ عِنْد طَعَام أَوْ شَرَاب أَوْ حَدِيث ; وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف عِنْد أَهْل اللُّغَة , إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَات قَدْ صَحَّتْ بِذَلِكَ . وَحَكَى الْقُتَبِيّ أَنَّهُ يُقَال : اتَّكَأْنَا عِنْد فُلَان أَيْ أَكَلْنَا , وَالْأَصْل فِي " مُتَّكَأ " مَوْتَكَأ , وَمِثْله مُتَّزِن وَمُتَّعِد ; لِأَنَّهُ مِنْ وَزَنْت , وَوَعَدْت وَوَكَأْت , وَيُقَال : اِتَّكَأَ يَتَّكِئ اِتِّكَاء .

وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا

مَفْعُولَانِ ; وَحَكَى الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء أَنَّ السِّكِّين يُذَكَّر وَيُؤَنَّث , وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء : فَعَيَّثَ فِي السَّنَام غَدَاة قُرّ بِسِكِّينٍ مُوَثَّقَة النِّصَاب الْجَوْهَرِيّ : وَالْغَالِب عَلَيْهِ التَّذْكِير , وَقَالَ : يَرَى نَاصِحًا فِيمَا بَدَا فَإِذَا خَلَا فَذَلِكَ سِكِّين عَلَى الْحَلْق حَاذِق الْأَصْمَعِيّ : لَا يُعْرَف فِي السِّكِّين إِلَّا التَّذْكِير .

وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ

بِضَمِّ التَّاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ; لِأَنَّ الْكَسْرَة تَثْقُل إِذَا كَانَ بَعْدهَا ضَمَّة , وَكُسِرَتْ التَّاء عَلَى الْأَصْل . قِيلَ : إِنَّهَا قَالَتْ لَهُنَّ : لَا تَقْطَعْنَ وَلَا تَأْكُلْنَ حَتَّى أُعْلِمكُنَّ , ثُمَّ قَالَتْ لِخَادِمِهَا : إِذَا قُلْت لَك اُدْعُ إيلا فَادْعُ يُوسُف ; وإيل : صَنَم كَانُوا يَعْبُدُونَهُ , وَكَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام يَعْمَل فِي الطِّين , وَقَدْ شَدَّ مِئْزَره , وَحَسِرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ ; فَقَالَتْ لِلْخَادِمِ : اُدْعُ لِي إيلا ; أَيْ اُدْعُ لِي الرَّبّ ; وإيل بِالْعِبْرَانِيَّةِ الرَّبّ ; قَالَ : فَتَعَجَّبَ النِّسْوَة وَقُلْنَ : كَيْف يَجِيء ؟ ! فَصَعِدَتْ الْخَادِم فَدَعَتْ يُوسُف , فَلَمَّا اِنْحَدَرَ قَالَتْ لَهُنَّ : اِقْطَعْنَ مَا مَعَكُنَّ .

فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ

وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى " أَكْبَرْنَهُ " فَرَوَى جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَعْظَمْنَهُ وَهِبْنَهُ ; وَعَنْهُ أَيْضًا أَمْنَيْنَ وَأَمْذَيْنَ مِنْ الدَّهَش ; وَقَالَ الشَّاعِر : إِذَا مَا رَأَيْنَ الْفَحْل مِنْ فَوْق قَارَّة صَهَلْنَ وَأَكْبَرْنَ الْمَنِيّ الْمُدَفَّقَا وَقَالَ اِبْن سَمْعَان عَنْ عِدَّة مِنْ أَصْحَابه : إِنَّهُمْ قَالُوا أَمَذَيْنَ عِشْقًا ; وَهْب بْن مُنَبِّه : عَشِقْنَهُ حَتَّى مَاتَ مِنْهُنَّ عَشْر فِي ذَلِكَ الْمَجْلِس دَهَشًا وَحَيْرَة وَوَجْدًا بِيُوسُف . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ حِضْنَ مِنْ الدَّهَش ; قَالَهُ قَتَادَة وَمُقَاتِل وَالسُّدِّيّ ; قَالَ الشَّاعِر : نَأْتِي النِّسَاء عَلَى أَطْهَارهنَّ وَلَا نَأْتِي النِّسَاء إِذَا أَكْبَرْنَ إِكْبَارًا وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَة وَغَيْره وَقَالُوا : لَيْسَ ذَلِكَ فِي كَلَام الْعَرَب , وَلَكِنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُنْ حِضْنَ مِنْ شِدَّة إِعْظَامهنَّ لَهُ , وَقَدْ تَفْزَع الْمَرْأَة فَتُسْقِط وَلَدهَا أَوْ تَحِيض . قَالَ الزَّجَّاج يُقَال أَكْبَرْنَهُ , وَلَا يُقَال حِضْنه , فَلَيْسَ الْإِكْبَار بِمَعْنَى الْحَيْض ; وَأَجَابَ الْأَزْهَرِيّ فَقَالَ : يَجُوز أَكْبَرَتْ بِمَعْنَى حَاضَتْ ; لِأَنَّ الْمَرْأَة إِذَا حَاضَتْ فِي الِابْتِدَاء خَرَجَتْ مِنْ حَيِّز الصِّغَر إِلَى الْكِبَر ; قَالَ : وَالْهَاء فِي " أَكْبَرْنَهُ " يَجُوز أَنْ تَكُون هَاء الْوَقْف لَا هَاء الْكِنَايَة , وَهَذَا مُزَيَّف , لِأَنَّ هَاء الْوَقْف تَسْقُط فِي الْوَصْل , وَأَمْثَل مِنْهُ قَوْل اِبْن الْأَنْبَارِيّ : إِنَّ الْهَاء كِنَايَة عَنْ مَصْدَر الْفِعْل , أَيْ أَكْبَرْنَ إِكْبَارًا , بِمَعْنَى حِضْنَ حَيْضًا . وَعَلَى قَوْل اِبْن عَبَّاس الْأَوَّل تَعُود الْهَاء إِلَى يُوسُف ; أَيْ أَعْظَمْنَ يُوسُف وَأَجْلَلْنَهُ .

وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ

بِالْمُدَى حَتَّى بَلَغَتْ السَّكَاكِين إِلَى الْعَظْم ; قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه . سَعِيد بْن جُبَيْر : لَمْ يَخْرُج عَلَيْهِنَّ حَتَّى زَيَّنَتْهُ , فَخَرَجَ عَلَيْهِنَّ فَجْأَة فَدُهِشْنَ فِيهِ , وَتَحَيَّرْنَ لِحُسْنِ وَجْهه وَزِينَته وَمَا عَلَيْهِ , فَجَعَلْنَ يَقْطَعْنَ أَيْدِيهنَّ , وَيَحْسَبْنَ أَنَّهُنَّ يَقْطَعْنَ الْأُتْرُجّ ; قَالَ مُجَاهِد : قَطَّعْنَهَا حَتَّى أَلْقَيْنَهَا . وَقِيلَ : خَدَشْنَهَا . وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ : حَزًّا بِالسِّكِّينِ , قَالَ النَّحَّاس : يُرِيد مُجَاهِد أَنَّهُ لَيْسَ قَطْعًا تَبِين مِنْهُ الْيَد , إِنَّمَا هُوَ خَدْش وَحَزّ , وَذَلِكَ مَعْرُوف فِي اللُّغَة أَنْ يُقَال إِذَا خَدَشَ الْإِنْسَان يَد صَاحِبه قَطَعَ يَده . وَقَالَ عِكْرِمَة : " أَيْدِيهنَّ " أَكْمَامهنَّ , وَفِيهِ بُعْد . وَقِيلَ : أَنَامِلهنَّ ; أَيْ مَا وَجَدْنَ أَلَمًا فِي الْقَطْع وَالْجَرْح , أَيْ لِشُغْلِ قُلُوبهنَّ بِيُوسُف , وَالتَّقْطِيع يُشِير إِلَى الْكَثْرَة , فَيُمْكِن أَنْ تَرْجِع الْكَثْرَة إِلَى وَاحِدَة جَرَحَتْ يَدهَا فِي مَوْضِع , وَيُمْكِن أَنْ يَرْجِع إِلَى عَدَدهنَّ .

وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ

أَيْ مَعَاذ اللَّه . وَرَوَى الْأَصْمَعِيّ عَنْ نَافِع أَنَّهُ قَرَأَ كَمَا قَرَأَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء . " وَقُلْنَ حَاشَا لِلَّهِ " بِإِثْبَاتِ الْأَلِف وَهُوَ الْأَصْل , وَمَنْ حَذَفَهَا جَعَلَ اللَّام فِي " لِلَّهِ " عِوَضًا مِنْهَا . وَفِيهَا أَرْبَع لُغَات ; يُقَال : حَاشَاك وَحَاشَا لَك وَحَاشَ لَك وَحَشَا لَك . وَيُقَال : حَاشَا زَيْد وَحَاشَا زَيْدًا ; قَالَ النَّحَّاس : وَسَمِعْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعْت مُحَمَّد بْن يَزِيد يَقُول : النَّصْب أَوْلَى ; لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّهَا فِعْل لِقَوْلِهِمْ حَاشَ لِزَيْدٍ , وَالْحَرْف لَا يَحْذِف مِنْهُ ; وَقَدْ قَالَ , النَّابِغَة : وَلَا أُحَاشِي مِنْ الْأَقْوَام مِنْ أَحَد وَقَالَ بَعْضهمْ : حَاشَ حَرْف , وَأُحَاشَى فِعْل . وَيَدُلّ عَلَى كَوْن حَاشَا فِعْلًا وُقُوع حَرْف الْجَرّ بَعْدهَا . وَحَكَى أَبُو زَيْد عَنْ أَعْرَابِيّ : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي وَلِمَنْ يَسْمَع , حَاشَا الشَّيْطَان وَأَبَا الْأَصْبَغ ; فَنَصَبَ بِهَا . وَقَرَأَ الْحَسَن " وَقُلْنَ حَاشْ لِلَّهِ " بِإِسْكَانِ الشِّين , وَعَنْهُ أَيْضًا " حَاشَ الْإِلَه " . اِبْن مَسْعُود وَأَبِي : " حَاشَ اللَّه " بِغَيْرِ لَام , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : حَاشَا أَبِي ثَوْبَان إِنَّ بِهِ ضَنًّا عَنْ الْمَلْحَاة وَالشَّتْم قَالَ الزَّجَّاج : وَأَصْل الْكَلِمَة مِنْ الْحَاشِيَة , وَالْحَشَا بِمَعْنَى النَّاحِيَة , تَقُول : كُنْت فِي حَشَا فُلَان أَيْ فِي نَاحِيَته ; فَقَوْلك : حَاشَا لِزَيْدٍ أَيْ تَنَحَّى زَيْد مِنْ هَذَا وَتَبَاعَدَ عَنْهُ , وَالِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج وَتَنْحِيَة عَنْ جُمْلَة الْمَذْكُورِينَ . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : هُوَ فَاعِل مِنْ الْمُحَاشَاة ; أَيْ حَاشَا يُوسُف وَصَارَ فِي حَاشِيَة وَنَاحِيَة مِمَّا قَرِفَ بِهِ , أَوْ مِنْ أَنْ يَكُون بَشَرًا ; فَحَاشَا وَحَاشَ فِي الِاسْتِثْنَاء حَرْف جَرّ عِنْد سِيبَوَيْهِ , وَعَلَى مَا قَالَ الْمُبَرِّد وَأَبُو عَلِيّ فِعْل .

مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ

قَالَ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ : " مَا " بِمَنْزِلَةِ لَيْسَ ; تَقُول : لَيْسَ زَيْد قَائِمًا , و " مَا هَذَا بَشَرًا " و " مَا هُنَّ أُمَّهَاتهمْ " [ الْمُجَادَلَة : 2 ] . وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : لَمَّا حُذِفَتْ الْبَاء نُصِبَتْ ; وَشَرْح هَذَا - فِيمَا قَالَهُ أَحْمَد بْن يَحْيَى , - إِنَّك إِذَا قُلْت : مَا زَيْد بِمُنْطَلِقٍ , فَمَوْضِع الْبَاء مَوْضِع نَصْب , وَهَكَذَا سَائِر حُرُوف الْخَفْض ; فَلَمَّا حُذِفَتْ الْبَاء نَصَبَتْ لِتَدُلّ عَلَى مَحَلّهَا , قَالَ : وَهَذَا قَوْل الْفَرَّاء , قَالَ : وَلَمْ تَعْمَل " مَا " شَيْئًا ; فَأَلْزَمهُمْ الْبَصْرِيُّونَ أَنْ يَقُولُوا : زَيْد الْقَمَر ; لِأَنَّ الْمَعْنَى كَالْقَمَرِ ! فَرَدَّ أَحْمَد بْن يَحْيَى بِأَنْ قَالَ : الْبَاء أَدْخَل فِي حُرُوف الْخَفْض مِنْ الْكَاف ; لِأَنَّ الْكَاف تَكُون اِسْمًا . قَالَ النَّحَّاس : لَا يَصِحّ إِلَّا قَوْل الْبَصْرِيِّينَ ; وَهَذَا الْقَوْل يَتَنَاقَض ; لِأَنَّ الْفَرَّاء أَجَازَ نَصًّا مَا بِمُنْطَلِقٍ زَيْد , وَأَنْشَدَ : أَمَّا وَاَللَّه أَنْ لَوْ كُنْت حُرًّا وَمَا بِالْحُرِّ أَنْتَ وَلَا الْعَتِيق وَمَنَعَ نَصًّا النَّصْب ; وَلَا نَعْلَم بَيْن النَّحْوِيِّينَ اِخْتِلَافًا أَنَّهُ جَائِز : مَا فِيك بِرَاغِبٍ زَيْد , وَمَا إِلَيْك بِقَاصِدٍ عَمْرو , ثُمَّ يَحْذِفُونَ الْبَاء وَيَرْفَعُونَ . وَحَكَى الْبَصْرِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ مَا زَيْد مُنْطَلِق بِالرَّفْعِ , وَحَكَى الْبَصْرِيُّونَ أَنَّهَا لُغَة تَمِيم , وَأَنْشَدُوا : أَتَيْمًا تَجْعَلُونَ إِلَيَّ نِدًّا وَمَا تَيْمٌ لِذِي حَسَب نَدِيدٌ النِّدّ وَالنَّدِيد وَالنَّدِيدَة الْمِثْل وَالنَّظِير . وَحَكَى الْكِسَائِيّ أَنَّهَا لُغَة تِهَامَة وَنَجْد . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ الرَّفْع أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ : قَالَ أَبُو إِسْحَاق : وَهَذَا غَلَط ; كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَلُغَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَى وَأَوْلَى .

قُلْت : وَفِي مُصْحَف حَفْصَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا " مَا هَذَا بِبَشَرٍ " ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : وَذَكَرَتْ النِّسْوَة أَنَّ صُورَة يُوسُف أَحْسَن , مِنْ صُورَة الْبَشَر , بَلْ هُوَ فِي صُورَة مَلَك ; وَقَالَ اللَّه تَعَالَى : " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان فِي أَحْسَن تَقْوِيم " [ التِّين : 4 ] وَالْجَمْع بَيْن الْآيَتَيْنِ أَنَّ قَوْلهنَّ : " حَاشَ لِلَّهِ " تَبْرِئَة لِيُوسُف عَمَّا رَمَتْهُ بِهِ اِمْرَأَة الْعَزِيز . مِنْ الْمُرَاوَدَة , أَيْ بَعُدَ يُوسُف عَنْ هَذَا ; وَقَوْلهنَّ : " لِلَّهِ " أَيْ لِخَوْفِهِ , أَيْ بَرَاءَة لِلَّهِ مِنْ هَذَا ; أَيْ قَدْ نَجَا يُوسُف مِنْ ذَلِكَ , فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الصُّورَة فِي شَيْء ; وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ فِي التَّبْرِئَة عَنْ الْمَعَاصِي كَالْمَلَائِكَةِ ; فَعَلَى هَذَا لَا تَنَاقُض . وَقِيلَ : الْمُرَاد تَنْزِيهه عَنْ مُشَابَهَة الْبَشَر فِي الصُّورَة , لِفَرَطِ جَمَاله . وَقَوْله : " لِلَّهِ " تَأْكِيد لِهَذَا الْمَعْنَى ; فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَتْ النِّسْوَة ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُنَّ أَنَّ صُورَة الْمَلَك أَحْسَن , وَمَا بَلَغَهُنَّ قَوْله تَعَالَى : " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان فِي أَحْسَن تَقْوِيم " [ التِّين : 4 ] فَإِنَّهُ مِنْ كِتَابنَا . وَقَدْ ظَنَّ بَعْض الضَّعَفَة أَنَّ هَذَا الْقَوْل لَوْ كَانَ ظَنًّا بَاطِلًا مِنْهُنَّ لَوَجَبَ عَلَى اللَّه أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِنَّ , وَيُبَيِّن كَذِبهنَّ , وَهَذَا بَاطِل ; إِذْ لَا وُجُوب عَلَى اللَّه تَعَالَى , وَلَيْسَ كُلّ مَا يُخْبِر بِهِ اللَّه سُبْحَانه مِنْ كُفْر الْكَافِرِينَ وَكَذِب الْكَاذِبِينَ يَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَقْرُن بِهِ الرَّدّ عَلَيْهِ , وَأَيْضًا أَهْل الْعُرْف قَدْ يَقُولُونَ فِي الْقَبِيح كَأَنَّهُ شَيْطَان , وَفِي الْحُسْن كَأَنَّهُ مَلَك ; أَيْ لَمْ يُرَ مِثْله , لِأَنَّ النَّاس لَا يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة ; فَهُوَ بِنَاء عَلَى ظَنّ فِي أَنَّ صُورَة الْمَلَك أَحْسَن , أَوْ عَلَى الْإِخْبَار بِطَهَارَةِ أَخْلَاقه وَبُعْده عَنْ التُّهَم . " إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَك " أَيْ مَا هَذَا إِلَّا مَلَك ; وَقَالَ الشَّاعِر : فَلَسْت لِإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لِمَلَأَكٍ تَنَزَّلَ مِنْ جَوّ السَّمَاء يَصُوب وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن : " مَا هَذَا بِشِرًى " بِكَسْرِ الْبَاء وَالشِّين , أَيْ مَا هَذَا عَبْدًا مُشْتَرًى , أَيْ مَا يَنْبَغِي لِمِثْلِ هَذَا أَنْ يُبَاع , فَوَضَعَ الْمَصْدَر مَوْضِع اِسْم الْمَفْعُول , كَمَا قَالَ : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر " [ الْمَائِدَة : 96 ] أَيْ مَصِيده , وَشَبَهه كَثِير . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : مَا هَذَا بِثَمَنٍ , أَيْ مِثْله لَا يُثَمَّن وَلَا يُقَوَّم ; فَيُرَاد بِالشِّرَاءِ عَلَى هَذَا الثَّمَن الْمُشْتَرَى بِهِ : كَقَوْلِك : مَا هَذَا بِأَلْفٍ إِذَا نَفَيْت قَوْل الْقَائِل : هَذَا بِأَلْفٍ . فَالْبَاء عَلَى هَذَا مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ هُوَ الْخَبَر , كَأَنَّهُ قَالَ : مَا هَذَا مُقَدَّرًا بِشِرَاءٍ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة أَشْبَه ; لِأَنَّ بَعْده " إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَك كَرِيم " مُبَالَغَة فِي تَفْضِيله فِي جِنْس الْمَلَائِكَة تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ , وَلِأَنَّ مِثْل " بِشِرًى " يُكْتَب فِي الْمُصْحَف بِالْيَاءِ
.[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 13, 2006 1:48 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic] قال تعالى:

"عُرُبًا أَتْرَابًا" الواقعة 37


الجلالين
ــــــــــــ

"عُرُبًا" بِضَمِّ الرَّاء وَسُكُونهَا جَمْع عُرُوب وَهِيَ الْمُتَحَبِّبَة إلَى زَوْجهَا عِشْقًا لَهُ "أَتْرَابًا" جَمْع تِرْب أَيْ مُسْتَوِيَات فِي السِّنّ

الطبري
ـــــــــــــ

عُرُبًا

وَقَوْله : { عُرُبًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا غَنِجَات مُتَحَبِّبَات إِلَى أَزْوَاجهنَّ يُحْسِن التَّبَعُّل وَهِيَ جَمْع , وَاحِدهنَّ عَرُوب , كَمَا وَاحِد الرُّسُل رَسُول , وَوَاحِد الْقُطُف قَطُوف ; وَمِنْهُ قَوْل لَبِيد : وَفِي الْحُدُوج عَرُوب غَيْر فَاحِشَة رَيَّا الرَّوَادِف يَعْشَى دُونهَا الْبَصَر وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 25855 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبَان , وَإِسْمَاعِيل بْن صُبَيْح , عَنْ أَبِي إِدْرِيس , عَنْ ثَوْر بْن زَيْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس { عُرُبًا أَتْرَابًا } قَالَ : الْمَلَقَة . 25856 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { عُرُبًا } يَقُول : عَوَاشِق . 25857 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { عُرُبًا } قَالَ : الْعُرُب الْمُتَحَبِّبَات الْمُتَوَدِّدَات إِلَى أَزْوَاجهنَّ . 25858 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عُبَيْد اللَّه الْغَيْلَانِيّ , قَالَ : ثَنَا أَيُّوب , قَالَ : أَخْبَرَنَا قُرَّة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : الْعُرُب : الْعَوَاشِق . 25859 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة { عُرُبًا } قَالَ : الْعُرُب الْمَغْنُوجَة . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سِمَاك بْن عِكْرِمَة قَالَ : هِيَ الْمَغْنُوجَة . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثَنَا عِمَارَة بْن أَبِي حَفْصَة , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { عُرُبًا } قَالَ : غَنِجَات . 25860 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق التَّيْمِيّ , عَنْ صَالِح بْن حَيَّان , عَنْ أَبِي بُرَيْدَة { عُرُبًا } قَالَ : الشَّكِلَة بِلُغَةِ مَكَّة , وَالْغَنِجَة بِلُغَةِ الْمَدِينَة . 25861 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , قَالَ : سَمِعْت إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ يَعْنِي اِبْن الزِّبْرِقَان , عَنْ صَالِح بْن حَيَّان , عَنْ أَبِي يَزِيد بِنَحْوِهِ . 25862 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ عُثْمَان بْن بَشَّار , عَنْ تَمِيم بْن حَذْلَم , قَوْله : { عُرُبًا } قَالَ : حُسْن تَبَعُّل الْمَرْأَة . - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ عُثْمَان بْن بَشَّار , عَنْ تَمِيم بْن حَذْلَم فِي { عُرُبًا } قَالَ : الْعَرِبَة : الْحَسَنَة التَّبَعُّل . قَالَ : وَكَانَتْ الْعَرَب تَقُول لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ حَسَنَة التَّبَعُّل : إِنَّهَا لَعَرِبَة . 25863 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ أَبِيهِ { عُرُبًا } قَالَ : حَسَنَات الْكَلَام . 25864 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : عَوَاشِق . 25865 - قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ شَرِيك , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , وَعِكْرِمَة , مِثْله . * - قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد فِي { عُرُبًا } قَالَ : الْعُرْب الْمُتَحَبِّبَات . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد { عُرُبًا } قَالَ : الْعُرْب : الْعَوَاشِق . 25866 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . 25867 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ غَالِب أَبِي الْهُذَيْل , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { عُرُبًا } قَالَ : الْعُرُب اللَّاتِي يَشْتَهِينَ أَزْوَاجهنَّ . 25868 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ الْمُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن قَالَ : الْمُشْتَهِيَة لِبُعُولَتِهِنَّ . 25869 - قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : الْعُرُب : الَّتِي تَشْتَهِي زَوْجهَا . 25870 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر { عُرُبًا } قَالَ : الْعَرِبَة : الَّتِي تَشْتَهِي زَوْجهَا ; أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُل يَقُول لِلنَّاقَةِ : إِنَّهَا لَعَرِبَة ؟ 25871 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { عُرُبًا } قَالَ : عُشَّقًا لِأَزْوَاجِهِنَّ . - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { عُرُبًا أَتْرَابًا } يَقُول : عُشَّق لِأَزْوَاجِهِنَّ , يُحْبِبْنَ أَزْوَاجهنَّ حُبًّا شَدِيدًا . 25872 - حُدِّثْنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , يَقُول : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : الْعُرُب : الْمُتَحَبِّبَات . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { عُرُبًا أَتْرَابًا } قَالَ : مُتَحَبِّبَات إِلَى أَزْوَاجهنَّ . 25873 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { عُرُبًا } قَالَ : الْعُرُب : الْحَسَنَة الْكَلَام . 25874 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ { عُرُبًا } قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى يَقُول : هُنَّ الْعَوَاشِق . 25875 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن الْفَرَج الصَّدَفِيّ الدِّمْيَاطِيّ , عَنْ عَمْرو بْن هَاشِم , عَنْ أَبِي كَرِيمَة , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ الْحَسَن , عَنْ أُمّه , عَنْ أُمّ سَلَمَة , قَالَتْ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه , أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْله : { عُرُبًا أَتْرَابًا } قَالَ : " عُرُبًا مُتَعَشِّقَات مُتَحَبِّبَات , أَتْرَابًا عَلَى مِيلَاد وَاحِد " . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حَفْص أَبُو عُبَيْد الْوَصَّابِيّ , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن حِمْيَر , قَالَ : ثَنَا ثَابِت بْن عَجْلَان , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يُحَدِّث عَنْ اِبْن عَبَّاس { عُرُبًا } وَالْعَرَب : الشَّوْق . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ عُرُبًا بِضَمِّ الْعَيْن وَالرَّاء . وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة " عُرْبًا " بِضَمِّ الْعَيْن وَتَخْفِيف الرَّاء , وَهِيَ لُغَة تَمِيم وَبَكْر , وَالضَّمّ فِي الْحَرْفَيْنِ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ لِمَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّهَا جَمْع عَرُوب , وَإِنْ كَانَ فَعُول أَوْ فَعِيل أَوْ فَعَال إذَا جُمِعَ , جُمِعَ عَلَى فُعُل بِضَمِّ الْفَاء وَالْعَيْن , مُذَكَّرًا كَانَ أَوْ مُؤَنَّثًا , وَالتَّخْفِيف فِي الْعَيْن جَائِز , وَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَكَرْت أَقْصَى الْكَلَامَيْنِ عَنْ وَجْه التَّخْفِيف .

أَتْرَابًا

وَقَوْله : { أَتْرَابًا } يَعْنِي أَنَّهُنَّ مُسْتَوِيَات عَلَى سِنّ وَاحِدَة , وَاحِدَتهنَّ تِرْب , كَمَا يُقَال : شِبْه وَأَشْبَاه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 25876 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة , عَنْ سَلَمَة بْن سَابُور , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأَتْرَاب : الْمُسْتَوِيَات . 25877 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { أَتْرَابًا } قَالَ : أَمْثَالًا . 25878 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَتْرَابًا } يَعْنِي : سِنًّا وَاحِدَة . * - حَدَّثَنِي اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 25879 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { أَتْرَابًا } قَالَ : الْأَتْرَاب : الْمُسْتَوِيَات .



القرطبي
ـــــــــــــ

عُرُبًا أَتْرَابًا

فَقَالَ : ( يَا أُمّ سَلَمَة هُنَّ اللَّوَاتِي قُبِضْنَ فِي الدُّنْيَا عَجَائِز شُمْطًا عُمْشًا رُمْصًا جَعَلَهُنَّ اللَّه بَعْد الْكِبَر أَتْرَابًا عَلَى مِيلَاد وَاحِد فِي الِاسْتِوَاء ) أَسْنَدَهُ النَّحَّاس عَنْ أَنَس قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَمْرو قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَفَعَهُ " إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء " قَالَ ( هُنَّ الْعَجَائِز الْعُمْش الرُّمْص كُنَّ فِي الدُّنْيَا عُمْشًا رُمْصًا ) . وَقَالَ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله " إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء " الْآيَة قَالَ : ( هُنَّ عَجَائِز الدُّنْيَا أَنْشَأَهُنَّ اللَّه خَلْقًا جَدِيدًا كُلَّمَا أَتَاهُنَّ أَزْوَاجهنَّ وَجَدُوهُنَّ أَبْكَارًا ) فَلَمَّا سَمِعَتْ عَائِشَة ذَلِكَ قَالَتْ : وَاوَجَعَاه ! فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ هُنَاكَ وَجَع ) . " عُرُبًا " جَمْع عَرُوب . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : الْعُرُب الْعَوَاشِق لِأَزْوَاجِهِنَّ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : إِنَّهَا الْعَرُوب الْمَلِقَة . عِكْرِمَة : الْغَنِجَة . اِبْن زَيْد : بِلُغَةِ أَهْل الْمَدِينَة . وَمِنْهُ قَوْل لَبِيد : وَفِي الْخِبَاء عَرُوب غَيْر فَاحِشَة رَيًّا الرَّوَادِف يَعْشَى دُونهَا الْبَصَر وَهِيَ الشَّكِلَة بِلُغَةِ أَهْل مَكَّة . وَعَنْ زَيْد بْن أَسْلَم أَيْضًا : الْحَسَنَة الْكَلَام . وَعَنْ عِكْرِمَة أَيْضًا وَقَتَادَة : الْعُرُب الْمُتَحَبِّبَات إِلَى أَزْوَاجهنَّ , وَاشْتِقَاقه مِنْ أَعْرَبَ إِذَا بَيَّنَ , فَالْعَرُوب تُبَيِّن مَحَبَّتهَا لِزَوْجِهَا بِشَكْلٍ وَغُنْج وَحُسْن كَلَام . وَقِيلَ : إِنَّهَا الْحَسَنَة التَّبَعُّل لِتَكُونَ أَلَذّ اِسْتِمْتَاعًا . وَرَوَى جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عُرُبًا " قَالَ : ( كَلَامهنَّ عَرَبِيّ ) . وَقَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم " عُرْبًا " بِإِسْكَانِ الرَّاء . وَضَمَّ الْبَاقُونَ وَهُمَا جَائِزَانِ فِي جَمْع فَعُول . " أَتْرَابًا " عَلَى مِيلَاد وَاحِد فِي الِاسْتِوَاء وَسِنّ وَاحِدَة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سَنَة . يُقَال فِي النِّسَاء أَتْرَاب وَفِي الرِّجَال أَقْرَان . وَكَانَتْ الْعَرَب تَمِيل إِلَى مَنْ جَاوَزَتْ حَدّ الصِّبَا مِنْ النِّسَاء وَانْحَطَّتْ عَنْ الْكِبَر . وَقِيلَ : " أَتْرَابًا " أَمْثَالًا وَأَشْكَالًا , قَالَهُ مُجَاهِد . السُّدِّيّ : أَتْرَاب فِي الْأَخْلَاق لَا تَبَاغُض بَيْنهنَّ وَلَا تَحَاسُد .


[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة سبتمبر 15, 2006 1:31 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727

قال تعالى:
[align=center]"ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ"[/align]

سورة (ق) آية 1

الجلالين
ـــــــــــــ

"ق" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِهِ "وَالْقُرْآن الْمَجِيد" الْكَرِيم مَا آمَنَ كُفَّار مَكَّة بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


الطبري
ــــــــــــــــ

ق

اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { ق } , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى أُقْسِمَ بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24625 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { ق - وَ - ن } وَأَشْبَاه هَذَا , فَإِنَّهُ قَسَم أَقْسَمَهُ اللَّه , وَهُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24626 -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله { ق } قَالَ : اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . وَقَالَ آخَرُونَ : { ق } اِسْم الْجَبَل الْمُحِيط بِالْأَرْضِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَاننَا فِي تَأْوِيل حُرُوف الْمُعْجَم الَّتِي فِي أَوَائِل سُوَر الْقُرْآن بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ

وَقَوْله : { وَالْقُرْآن الْمَجِيد } يَقُول : وَالْقُرْآن الْكَرِيم . كَمَا : 24627 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث بْن إِسْحَاق , عَنْ جَعْفَر ابْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد } قَالَ : الْكَرِيم. وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَوْضِع جَوَاب هَذَا الْقَسَم , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة { ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد } قَسَم عَلَى قَوْله : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُص الْأَرْض مِنْهُمْ } 50 4 وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْكُوفَة : فِيهَا الْمَعْنَى الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ , وَقَالَ : ذُكِرَ أَنَّهَا قَضَى وَاَللَّه , وَقَالَ : يُقَال : إِنَّ قَاف جَبَل مُحِيط بِالْأَرْضِ , فَإِنْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَكَأَنَّهُ فِي مَوْضِع رَفْع : أَيْ هُوَ قَاف وَاَللَّه ; قَالَ : وَكَانَ يَنْبَغِي لِرَفْعِهِ أَنْ يَظْهَر لِأَنَّهُ اِسْم وَلَيْسَ بِهِجَاءٍ ; قَالَ : وَلَعَلَّ الْقَاف وَحْدهَا ذُكِرَتْ مِنْ اِسْمه , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : قُلْت لَهَا قِفِي لَنَا قَالَتْ قَاف ذُكِرَتْ الْقَاف إِرَادَة الْقَاف مِنْ الْوَقْف : أَيْ إِنِّي وَاقِفَة . وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي عِنْدنَا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّهُ لَا يُعْرَف فِي أَجْوِبَة الْأَيْمَان قَدْ , وَإِنَّمَا تُجَاب الْأَيْمَان إِذَا أُجِيبَتْ بِأَحَدِ الْحُرُوف الْأَرْبَعَة : اللَّام , وَإِنَّ , وَمَا , وَلَا , أَوْ بِتَرْكِ جَوَابهَا فَيَكُون سَاقِطًا .



القرطبي
ــــــــــــــ
ق

سُورَة ق مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْحَسَن وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَجَابِر . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : إِلَّا آيَة , وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : " وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب " ( ق : 38 ) . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أُمّ هِشَام بِنْت حَارِثَة بْن النُّعْمَان قَالَتْ : لَقَدْ كَانَ تَنُّورنَا وَتَنُّور رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا سَنَتَيْنِ - أَوْ سَنَة وَبَعْض سَنَة - وَمَا أَخَذْت " ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد " إِلَّا عَنْ لِسَان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; يَقْرَؤُهَا كُلّ يَوْم جُمُعَة عَلَى الْمِنْبَر إِذَا خَطَبَ النَّاس . وَعَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ سَأَلَ أَبَا وَاقِد اللَّيْثِيّ مَا كَانَ يَقْرَأ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْر ؟ فَقَالَ : كَانَ يَقْرَأ فِيهِمَا بِ " ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد " وَ " اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر " . وَعَنْ جَابِر بْن سَمُرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأ فِي الْفَجْر بِ " ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد " وَكَانَتْ صَلَاته بَعْد تَخْفِيفًا .

قَرَأَ الْعَامَّة " قَاف " بِالْجَزْمِ . وَقَرَأَ الْحَسَن وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَنَصْر بْن عَاصِم " قَاف " بِكَسْرِ الْفَاء ; لِأَنَّ الْكَسْر أَخُو الْجَزْم , فَلَمَّا سُكِّنَ آخِره حَرَّكُوهُ بِحَرَكَةِ الْخَفْض . وَقَرَأَ عِيسَى الثَّقَفِيّ بِفَتْحِ الْفَاء حَرَّكَهُ إِلَى أَخَفّ الْحَرَكَات . وَقَرَأَ هَارُون وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع " قَاف " بِالضَّمِّ ; لِأَنَّهُ فِي غَالِب الْأَمْر حَرَكَة الْبِنَاء نَحْو مُنْذُ وَقَدْ وَقَبْل وَبَعْد . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى " قَاف " مَا هُوَ ؟ فَقَالَ اِبْن زَيْد وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك : هُوَ جَبَل مُحِيط بِالْأَرْضِ مِنْ زُمُرُّدَة خَضْرَاء اِخْضَرَّتْ السَّمَاء مِنْهُ , وَعَلَيْهِ طَرَفَا السَّمَاء وَالسَّمَاء عَلَيْهِ مَقْبِيَّة , وَمَا أَصَابَ النَّاس مِنْ زُمُرُّد كَانَ مِمَّا تَسَاقَطَ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَل . وَرَوَاهُ أَبُو الْجَوْزَاء عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس . قَالَ الْفَرَّاء : كَانَ يَجِب عَلَى هَذَا أَنْ يُظْهِر الْإِعْرَاب فِي " ق " ; لِأَنَّهُ اِسْم وَلَيْسَ بِهِجَاءٍ . قَالَ : وَلَعَلَّ الْقَاف وَحْدهَا ذُكِرَتْ مِنْ اِسْمه ; كَقَوْلِ الْقَائِل : قُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف أَيْ أَنَا وَاقِفَة . وَهَذَا وَجْه حَسَن وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّل " الْبَقَرَة " . وَقَالَ وَهْب : أَشْرَفَ ذُو الْقَرْنَيْنِ عَلَى جَبَل قَاف فَرَأَى تَحْته جِبَالًا صِغَارًا , فَقَالَ لَهُ : مَا أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا قَاف , قَالَ : فَمَا هَذِهِ الْجِبَال حَوْلك ؟ قَالَ : هِيَ عُرُوقِي وَمَا مِنْ مَدِينَة إِلَّا وَفِيهَا عِرْق مِنْ عُرُوقِي , فَإِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُزَلْزِل مَدِينَة أَمَرَنِي فَحَرَّكْت عِرْقِي ذَلِكَ فَتَزَلْزَلَتْ تِلْكَ الْأَرْض ; فَقَالَ لَهُ : يَا قَاف أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ مِنْ عَظَمَة اللَّه ; قَالَ : إِنَّ شَأْن رَبّنَا لَعَظِيم , وَإِنَّ وَرَائِي أَرْضًا مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام فِي خَمْسمِائَةِ عَام مِنْ جِبَال ثَلْج يُحَطِّم بَعْضهَا بَعْضًا , لَوْلَا هِيَ لَاحْتَرَقْت مِنْ حَرّ جَهَنَّم . فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ جَهَنَّم عَلَى وَجْه الْأَرْض وَاَللَّه أَعْلَم بِمَوْضِعِهَا ; وَأَيْنَ هِيَ مِنْ الْأَرْض . قَالَ : زِدْنِي , قَالَ : إِنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَاقِف بَيْن يَدَيْ اللَّه تَرْعَد فَرَائِصه , يَخْلُق اللَّه مِنْ كُلّ رَعْدَة مِائَة أَلْف مَلَك , فَأُولَئِكَ الْمَلَائِكَة وُقُوف بَيْن يَدَيْ اللَّه تَعَالَى مُنَكِّسُو رُءُوسهمْ , فَإِذَا أَذِنَ اللَّه لَهُمْ فِي الْكَلَام قَالُوا : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ; وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " يَوْم يَقُوم الرُّوح وَالْمَلَائِكَة صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن وَقَالَ صَوَابًا " [ النَّبَأ : 38 ] يَعْنِي قَوْل : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَالَ الزَّجَّاج : قَوْله " ق " أَيْ قُضِيَ الْأَمْر , كَمَا قِيلَ فِي " حم " أَيْ حُمَّ الْأَمْر . و قَالَ اِبْن عَبَّاس : " ق " اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ . وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . وَهُوَ قَوْل قَتَادَة . وَقَالَ الْقُرَظِيّ : اِفْتِتَاح أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى قَدِير وَقَاهِر وَقَرِيب وَقَاضٍ وَقَابِض . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : فَاتِحَة السُّورَة . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : مَعْنَاهُ قِفْ عِنْد أَمْرنَا وَنَهْينَا وَلَا تَعْدُهُمَا . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَاصِم الْأَنْطَاكِيّ : هُوَ قُرْب اللَّه مِنْ عِبَاده , بَيَانه " وَنَحْنُ أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْ حَبْل الْوَرِيد " [ ق : 16 ] وَقَالَ اِبْن عَطَاء : أَقْسَمَ اللَّه بِقُوَّةِ قَلْب حَبِيبه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَيْثُ حَمَلَ الْخِطَاب وَلَمْ يُؤَثِّر ذَلِكَ فِيهِ لِعُلُوِّ حَاله .

وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ

أَيْ الرَّفِيع الْقَدْر . وَقِيلَ : الْكَرِيم ; قَالَهُ الْحَسَن . وَقِيلَ : الْكَثِير ; مَأْخُوذ مِنْ كَثْرَة الْقَدْر وَالْمَنْزِلَة لَا مِنْ كَثْرَة الْعَدَد , مِنْ قَوْلهمْ : كَثِير فُلَان فِي النُّفُوس ; وَمِنْهُ قَوْل الْعَرَب فِي الْمَثَل السَّائِر : " فِي كُلّ شَجَر نَار , وَاسْتَمْجَدَ الْمَرْخ وَالْعَفَار " . أَيْ اِسْتَكْثَرَ هَذَانِ النَّوْعَانِ مِنْ النَّار فَزَادَا عَلَى سَائِر الشَّجَر ; قَالَهُ اِبْن بَحْر . وَجَوَاب الْقَسَم قِيلَ هُوَ : " قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُص الْأَرْض مِنْهُمْ " عَلَى إِرَادَة اللَّام ; أَيْ لَقَدْ عَلِمْنَا . وَقِيلَ : هُوَ " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى " وَهُوَ اِخْتِيَار التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بْن عَلِيّ قَالَ : " ق " قَسَم بِاسْمٍ هُوَ أَعْظَم الْأَسْمَاء الَّتِي خَرَجَتْ إِلَى الْعِبَاد وَهُوَ الْقُدْرَة , وَأَقْسَمَ أَيْضًا بِالْقُرْآنِ الْمَجِيد , ثُمَّ اِقْتَصَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْقُدْرَة مِنْ خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرَضِينَ وَأَرْزَاق الْعِبَاد , وَخَلْق الْآدَمِيِّينَ , وَصِفَة يَوْم الْقِيَامَة وَالْجَنَّة وَالنَّار , ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب " [ ق : 37 ] فَوَقَعَ الْقَسَم عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَة كَأَنَّهُ قَالَ : " ق " أَيْ بِالْقُدْرَةِ وَالْقُرْآن الْمَجِيد أَقْسَمْت أَنَّ فِيمَا اِقْتَصَصْت فِي هَذِهِ السُّورَة " لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب أَوْ أَلْقَى السَّمْع وَهُوَ شَهِيد " [ ق : 37 ] . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : جَوَابه " مَا يَلْفِظ مِنْ قَوْل " . وَقَالَ أَهْل الْكُوفَة : جَوَاب هَذَا الْقَسَم " بَلْ عَجِبُوا " . وَقَالَ الْأَخْفَش : جَوَابه مَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ : " ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد " لَتُبْعَثُنَّ ; يَدُلّ عَلَيْهِ " أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا " .


_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 28, 2006 1:28 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[b][size=150]قال تعالى:

" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"

البقرة 185

الجلالين
ـــــــــ


تِلْكَ الْأَيَّام "شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن" مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ إلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فِي لَيْلَة الْقَدْر مِنْهُ "هُدًى" حَال هَادِيًا مِنْ الضَّلَالَة "لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات" آيَات وَاضِحَات "مِنْ الْهُدَى" بِمَا يَهْدِي إلَى الْحَقّ مِنْ الْأَحْكَام "وَالْفُرْقَان" وَمِنْ الْفُرْقَان مِمَّا يُفَرَّق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل "فَمَنْ شَهِدَ" حَضَرَ "مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر" تَقَدَّمَ مِثْله وَكُرِّرَ لِئَلَّا يُتَوَهَّم نَسْخه بِتَعْمِيمِ مَنْ شَهِدَ "يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر" وَلِذَا أَبَاحَ لَكُمْ الْفِطْر فِي الْمَرَض وَالسَّفَر لِكَوْنِ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْعِلَّة أَيْضًا لِلْأَمْرِ بِالصَّوْمِ عُطِفَ عَلَيْهِ "وَلِتُكْمِلُوا" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد "الْعِدَّة" أَيْ عِدَّة صَوْم رَمَضَان "وَلِتُكَبِّرُوا اللَّه" عِنْد إكْمَالهَا "عَلَى مَا هَدَاكُمْ" أَرْشَدكُمْ لِمَعَالِم دِينه "وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" اللَّه عَلَى ذَلِكَ


الطبري
ـــــــــــ
شَهْرُ رَمَضَانَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { شَهْر رَمَضَان } قَالَ أَبُو جَعْفَر : الشَّهْر فِيمَا قِيلَ أَصْله مِنْ الشُّهْرَة , يُقَال مِنْهُ : قَدْ شَهَرَ فُلَان سَيْفه إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ غِمْده فَاعْتَرَضَ بِهِ مَنْ أَرَادَ ضَرْبه , يَشْهَرهُ شَهْرًا وَكَذَلِكَ شَهَرَ الشَّهْر إذَا طَلَعَ هِلَاله , وَأَشْهَرنَا نَحْنُ إذَا دَخَلْنَا فِي الشَّهْر . وَأَمَّا رَمَضَان فَإِنَّ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة بِلُغَةِ الْعَرَب كَانَ يَزْعُم أَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ الْحَرّ الَّذِي كَانَ يَكُون فِيهِ حَتَّى تَرْمَض فِيهِ الْفِصَال كَمَا يُقَال لِلشَّهْرِ الَّذِي يُحَجّ فِيهِ ذُو الْحِجَّة , وَاَلَّذِي يُرْتَبَع فِيهِ رَبِيع الْأَوَّل وَرَبِيع الْآخَر . وَأَمَّا مُجَاهِد فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَه أَنْ يُقَال رَمَضَان وَيَقُول : لَعَلَّهُ اسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه . 2304 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَال رَمَضَان , وَيَقُول : لَعَلَّهُ اسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه , لَكِنْ نَقُول كَمَا قَالَ اللَّه : { شَهْر رَمَضَان } وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى أَنَّ " شَهْر " مَرْفُوع عَلَى قَوْله : { أَيَّامًا مَعْدُودَات } , هُنَّ شَهْر رَمَضَان , وَجَائِز أَنْ يَكُون رَفْعه بِمَعْنَى ذَلِكَ شَهْر رَمَضَان , وَبِمَعْنَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ شَهْر رَمَضَان . وَقَدْ قَرَأَهُ بَعْض الْقُرَّاء : { شَهْر رَمَضَان } نَصْبًا , بِمَعْنَى : كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام أَنْ تَصُومُوا شَهْر رَمَضَان . وَقَرَأَهُ بَعْضهمْ نَصْبًا بِمَعْنَى أَنْ تَصُومُوا شَهْر رَمَضَان خَيْر لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَقَدْ يَجُوز أَيْضًا نَصْبه عَلَى وَجْه الْأَمْر بِصَوْمِهِ كَأَنَّهُ قِيلَ : شَهْر رَمَضَان فَصُومُوهُ , وَجَائِز نَصْبه عَلَى الْوَقْت كَأَنَّهُ قِيلَ : كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام فِي شَهْر رَمَضَان .

الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ

وَأَمَّا قَوْله , { الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن } فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي لَيْلَة الْقَدْر مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ إلَى سَمَاء الدُّنْيَا فِي لَيْلَة الْقَدْر مِنْ شَهْر رَمَضَان , ثُمَّ أُنْزِلَ إلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّه إنْزَاله إلَيْهِ . كَمَا : 2305 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ حَسَّان بْن أَبِي الْأَشْرَس عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : أُنْزِلَ الْقُرْآن جُمْلَة مِنْ الذِّكْر فِي لَيْلَة أَرْبَع وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَان , فَجُعِلَ فِي بَيْت الْعِزَّة . قَالَ أَبُو كُرَيْب : أَبُو بَكْر , وَقَالَ ذَلِكَ السُّدِّيّ . 2306 - حَدَّثَنِي عِيسَى بْن عُثْمَان , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ حَسَّان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة فِي لَيْلَة الْقَدْر فِي شَهْر رَمَضَان , فَجُعِلَ فِي سَمَاء الدُّنْيَا . 2307 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن رَجَاء , قَالَ : ثنا عِمْرَان الْقَطَّان , عَنْ قَتَادَة , عَنْ ابْن أَبِي الْمَلِيح عَنْ وَاثِلَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " نَزَلَتْ صُحُف إبْرَاهِيم أَوَّل لَيْلَة مِنْ شَهْر رَمَضَان , وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاة لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَان , وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيل لِثَلَاثِ عَشْرَة خَلَتْ , وَأُنْزِلَ الْقُرْآن لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَان " . 2308 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن } , أَمَا أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن , فَإِنَّ ابْن عَبَّاس قَالَ : شَهْر رَمَضَان , وَاللَّيْلَة الْمُبَارَكَة : لَيْلَة الْقَدْر , فَإِنَّ لَيْلَة الْقَدْر هِيَ اللَّيْلَة الْمُبَارَكَة , وَهِيَ مِنْ رَمَضَان , نَزَلَ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة مِنْ الزُّبُر إلَى الْبَيْت الْمَعْمُور , وَهُوَ مَوَاقِع النُّجُوم , فِي السَّمَاء الدُّنْيَا حَيْثُ وَقَعَ الْقُرْآن , ثُمَّ نَزَلَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَمْر وَالنَّهْي وَفِي الْحُرُوب رَسَلًا رَسَلًا . 2309 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : أَنْزَلَ اللَّه الْقُرْآن إلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فِي لَيْلَة الْقَدْر , فَكَانَ اللَّه إذَا أَرَادَ أَنْ يُوحِي مِنْهُ شَيْئًا أَوْحَاهُ , فَهُوَ قَوْله : { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر } 97 1 2310 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فَذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ : فَكَانَ بَيْن أَوَّله وَآخِره عِشْرُونَ سَنَة . 2311 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : أُنْزِلَ الْقُرْآن كُلّه جُمْلَة وَاحِدَة فِي لَيْلَة الْقَدْر فِي رَمَضَان إلَى السَّمَاء الدُّنْيَا , فَكَانَ اللَّه إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْدِث فِي الْأَرْض شَيْئًا أَنْزَلَهُ مِنْهُ حَتَّى جَمَعَهُ . 2312 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ حَكِيم بْن جُبَيْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : أُنْزِلَ الْقُرْآن فِي لَيْلَة الْقَدْر مِنْ السَّمَاء الْعُلْيَا إلَى السَّمَاء جُمْلَة وَاحِدَة , ثُمَّ فُرِّقَ فِي السِّنِينَ بَعْد قَالَ : وَتَلَا ابْن عَبَّاس هَذِهِ الْآيَة : { فَلَا أُقْسِم بِمَوَاقِع النُّجُوم } 56 57 قَالَ : نَزَلَ مُفَرَّقًا . 2313 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ الْقُرْآن نَزَلَ جُمْلَة وَاحِدَة إلَى السَّمَاء الدُّنْيَا . 2314 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , قَرَأَهُ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن } قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : أُنْزِلَ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة عَلَى جِبْرِيل فِي لَيْلَة الْقَدْر , فَكَانَ لَا يَنْزِل مِنْهُ إلَّا بِأَمْرٍ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : كَانَ يَنْزِل مِنْ الْقُرْآن فِي لَيْلَة الْقَدْر كُلّ شَيْء يَنْزِل مِنْ الْقُرْآن فِي تِلْكَ السَّنَة , فَنَزَلَ ذَلِكَ مِنْ السَّمَاء السَّابِعَة عَلَى جِبْرِيل فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فَلَا يُنْزِل جِبْرِيلُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مُحَمَّد إلَّا مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ وَمِثْل ذَلِكَ : { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر } 97 1 و { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة } 44 3 2315 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي الْمُجَالِد , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ لَهُ رَجُل : إنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِي الشَّكّ مِنْ قَوْله : { شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن } وَقَوْله : { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة } وَقَوْله : { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر } وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه فِي شَوَّال وَذِي الْقَعْدَة وَغَيْره قَالَ : إنَّمَا أُنْزِلَ فِي رَمَضَان فِي لَيْلَة الْقَدْر وَلَيْلَة مُبَارَكَة جُمْلَة وَاحِدَة , ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى مَوَاقِع النُّجُوم رَسَلًا فِي الشُّهُور وَالْأَيَّام .

هُدًى لِلنَّاسِ

وَأَمَّا قَوْله { هُدَى لِلنَّاسِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي رَشَادًا لِلنَّاسِ إلَى سَبِيل الْحَقّ وَقَصْد الْمَنْهَج .

وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى

وَأَمَّا قَوْله : { وَبَيِّنَات } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَوَاضِحَات مِنْ الْهُدَى , يَعْنِي مِنْ الْبَيَان الدَّالّ عَلَى حُدُود اللَّه وَفَرَائِضه وَحَلَاله وَحَرَامه .

وَالْفُرْقَانِ

وَقَوْله : { وَالْفُرْقَان } يَعْنِي : وَالْفَصْل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . كَمَا : 2316 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا { وَبَيِّنَات مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَان } فَبَيِّنَات مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام .

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } / اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى شُهُود الشَّهْر . فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مَقَام الْمُقِيم فِي دَاره , قَالُوا : فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْر رَمَضَان وَهُوَ مُقِيم فِي دَاره فَعَلَيْهِ صَوْم الشَّهْر كُلّه , غَابَ بَعْد مُسَافِر أَوْ أَقَامَ فَلَمْ يَبْرَح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2317 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حُمَيْد وَمُحَمَّد بْن عِيسَى الدَّامِغَانِيّ قَالَا , ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن بْن يَحْيَى , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } قَالَ : هُوَ إهْلَاله بِالدَّارِ . يُرِيد إذَا هَلَّ وَهُوَ مُقِيم . 2318 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } فَإِذَا شَهِدَهُ وَهُوَ مُقِيم فَعَلَيْهِ الصَّوْم أَقَامَ أَوْ سَافَرَ , وَإِنْ شَهِدَهُ وَهُوَ فِي سَفَر , فَإِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ فَطَرَ . 2319 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عُبَيْدَة فِي الرَّجُل يُدْرِكهُ رَمَضَان ثُمَّ يُسَافِر , قَالَ : إذَا شَهِدْت أَوَّله فَصُمْ آخِره , أَلَا تَرَاهُ يَقُول : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ هِشَام الْقَرْدُوسِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة , عَنْ رَجُل أَدْرَكَ رَمَضَان وَهُوَ مُقِيم , قَالَ : مَنْ صَامَ أَوَّل الشَّهْر فَلْيَصُمْ آخِره , أَلَا تَرَاهُ يَقُول : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } 2320 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا مَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ , فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَان وَهُوَ مُقِيم فِي أَهْله فَلْيَصُمْهُ , وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ فَلْيَصُمْهُ فَإِنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي أَهْله . 2321 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد قَالَ : أَخْبَرَنَا قَتَادَة , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ , عَنْ عَلِيّ فِيمَا يَحْسِب حَمَّاد قَالَ : مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَان وَهُوَ مُقِيم وَلَمْ يَخْرُج فَقَدْ لَزِمَهُ الصَّوْم , لِأَنَّ اللَّه يَقُول : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ . قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ إسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ عَنْ قَوْل اللَّه : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْ } قَالَ : مَنْ كَانَ مُقِيمًا فَلْيَصُمْهُ , وَمَنْ أَدْرَكَهُ ثُمَّ سَافَرَ فِيهِ فَلْيَصُمْهُ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ ابْن عَوْن , عَنْ ابْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : مَنْ شَهِدَ أَوَّل رَمَضَان فَلْيَصُمْ آخِره . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبَدَة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقُول : إذَا أَدْرَكَهُ رَمَضَان وَهُوَ مُقِيم ثُمَّ سَافَرَ فَعَلَيْهِ الصَّوْم . 2322 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم , عَنْ عُبَيْدَة الضَّبِّيّ , عَنْ إبْرَاهِيم قَالَ : كَانَ يَقُول : إذَا أَدْرَكَك رَمَضَان فَلَا تُسَافِر فِيهِ , فَإِنْ صُمْت فِيهِ يَوْمًا أَوْ اثْنَيْنِ ثُمَّ سَافَرْت فَلَا تُفْطِر صُمْهُ . 2323 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ . قَالَ : كُنَّا عِنْد عُبَيْدَة . فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } قَالَ : مَنْ صَامَ شَيْئًا مِنْهُ فِي الْمِصْر فَلْيَصُمْ بَقِيَّته إذَا خَرَجَ قَالَ : وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : إنْ شَاءَ صَامَ , وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ . 2324 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ , ثنا عَبْد الْوَهَّاب , وحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَا جَمِيعًا ثنا أَيُّوب , عَنْ أَبِي يَزِيد , عَنْ أُمّ دُرَّة قَالَتْ : أَتَيْت عَائِشه فِي رَمَضَان , قَالَتْ : مِنْ أَيْنَ جِئْت ؟ قُلْت : مِنْ عِنْد أَخِي حُنَيْن , قَالَتْ : مَا شَأْنه ؟ قَالَتْ : وَدَّعْته يُرِيد يَرْتَحِل , قَالَتْ : فَأَقْرَئِيهِ السَّلَام وَمُرِيهِ فَلْيَقُمْ , فَلَوْ أَدْرَكَنِي رَمَضَان وَأَنَا بِبَعْضِ الطَّرِيق لَأَقَمْت لَهُ . 2325 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ , ثنا إسْحَاق بْن عِيسَى , عَنْ أَفْلَحَ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : جَاءَ إبْرَاهِيم بْن طَلْحَة إلَى عَائِشَة يُسَلِّم عَلَيْهَا , قَالَتْ : وَأَيْنَ تُرِيد ؟ قَالَ : أَرَدْت الْعُمْرَة , قَالَتْ : فَجَلَسْت حَتَّى إذَا دَخَلَ عَلَيْك الشَّهْر خَرَجْت فِيهِ قَالَ : قَدْ خَرَجَ ثِقَلِي , قَالَتْ . اجْلِسْ حَتَّى إذَا أَفْطَرْت فَاخْرُجْ . يَعْنِي شَهْر رَمَضَان . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ مَا شَهِدَ مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2326 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق : أَنَّ أَبَا مَيْسَرَة خَرَجَ فِي رَمَضَان حَتَّى إذَا بَلَغَ الْقَنْطَرَة دَعَا مَاء فَشَرِبَ . 2327 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , قَالَ : خَرَجَ أَبُو مَيْسَرَة فِي رَمَضَان مُسَافِرًا , فَمَرَّ بِالْفُرَاتِ وَهُوَ صَائِم , فَأَخَذَ مِنْهُ كَفًّا فَشَرِبَهُ وَأَفْطَرَ . 2328 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ مَرْثَد : أَنَّ أَبَا مَيْسَرَة سَافَرَ فِي رَمَضَان فَأَفْطَرَ عِنْد بَاب الْجِسْر هَكَذَا قَالَ هَنَّاد عَنْ مَرْثَد , وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو مَرْثَد . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عِمَارَة الْأَسَدِيّ قَالَ ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْرَائِيل عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ مَرْثَد : أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ أَبِي مَيْسَرَة فِي رَمَضَان , فَلَمَّا انْتَهَى إلَى الْجِسْر أَفْطَرَ . 2329 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو هِشَام قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ الْحَسَن بْن سَعْد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كُنْت مَعَ عَلِيّ فِي ضَيْعَة لَهُ عَلَى ثَلَاث مِنْ الْمَدِينَة , فَخَرَجْنَا نُرِيد الْمَدِينَة فِي شَهْر رَمَضَان وَعَلِيّ رَاكِب وَأَنَا مَاشٍ , قَالَ : فَصَامَ - قَالَ هَنَّاد : وَأَفْطَرْت - قَالَ أَبُو هِشَام : وَأَمَرَنِي فَأَفْطَرْت . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عُتْبَةَ , عَنْ الْحَسَن بْن سَعْد , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْت مَعَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , وَهُوَ جَاءَ مِنْ أَرْض لَهُ فَصَامَ , وَأَمَرَنِي فَأَفْطَرْت فَدَخَلَ الْمَدِينَة لَيْلًا وَكَانَ رَاكِبًا وَأَنَا مَاشٍ . 2330 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وحَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن مَهْدِيّ , قَالَا جَمِيعًا : ثنا سُفْيَان , عَنْ عِيسَى بْن أَبِي عِزَّة , عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ سَافَرَ فِي شَهْر رَمَضَان , فَأَفْطَرَ عِنْد بَاب الْجِسْر . 2331 - حَدَّثَنِي ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن قَالَ : قَالَ لِي سُفْيَان : أَحَبّ إلَيَّ أَنْ تُتِمّهُ . 2332 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : سَأَلْت الْحَكَم وَحَمَّادًا وَأَرَدْت أَنْ أُسَافِر فِي رَمَضَان فَقَالَا لِي : اُخْرُجْ وَقَالَ حَمَّاد : قَالَ إبْرَاهِيم : أَمَّا إذَا كَانَ الْعَشْر فَأَحَبّ إلَيَّ أَنْ يُقِيم . 2333 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَا : مَنْ أَدْرَكَهُ الصَّوْم وَهُوَ مُقِيم رَمَضَان ثُمَّ سَافَرَ , قَالَا : إنْ شَاءَ أَفْطَرَ . وَقَالَ آخَرُونَ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } يَعْنِي فَمَنْ شَهِدَهُ عَاقِلًا بَالِغًا مُكَلَّفًا فَلْيَصُمْهُ . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه , كَانُوا يَقُولُونَ : مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْر رَمَضَان وَهُوَ صَحِيح عَاقِل بَالِغ فَعَلَيْهِ صَوْمه , فَإِنْ جَنَّ بَعْد دُخُوله عَلَيْهِ وَهُوَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَا ثُمَّ أَفَاقَ بَعْد انْقِضَائِهِ لَزِمَهُ قَضَاء مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَيَّام الشَّهْر مَغْلُوبًا عَلَى عَقْله , لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ شَهِدَهُ وَهُوَ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْض قَالُوا : وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْر رَمَضَان وَهُوَ مَجْنُون إلَّا أَنَّهُ مِمَّنْ لَوْ كَانَ صَحِيح الْعَقْل كَانَ عَلَيْهِ صَوْمه , فَلَنْ يَنْقَضِي الشَّهْر حَتَّى صَحَّ وَبَرَأَ أَوْ أَفَاقَ قَبْل انْقِضَاء الشَّهْر بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاء صَوْم الشَّهْر كُلّه سِوَى الْيَوْم الَّذِي صَامَهُ بَعْد إفَاقَته , لِأَنَّهُ مِمَّنْ قَدْ شَهِدَ الشَّهْر قَالُوا : وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْر رَمَضَان وَهُوَ مَجْنُون فَلَمْ يُفِقْ حَتَّى انْقَضَى الشَّهْر كُلّه ثُمَّ أَفَاقَ لَمْ يَلْزَمهُ قَضَاء شَيْء مِنْهُ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ شَهِدَهُ مُكَلَّفًا صَوْمه 1 2 وَهَذَا تَأْوِيل لَا مَعْنَى لَهُ , لِأَنَّ الْجُنُون إنْ كَانَ يُسْقِط عَمَّنْ كَانَ بِهِ فَرْض الصَّوْم مِنْ أَجْل فَقْد صَاحِبه عَقْله جَمِيع الشَّهْر فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون ذَلِكَ سَبِيل كُلّ مَنْ فَقَدَ عَقْله جَمِيع شَهْر الصَّوْم . وَقَدْ أَجْمَع الْجَمِيع عَلَى أَنَّ مَنْ فَقَدَ عَقْله جَمِيع شَهْر الصَّوْم بِإِغْمَاءٍ أَوْ بِرْسَام ثُمَّ أَفَاقَ بَعْد انْقِضَاء الشَّهْر أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاء الشَّهْر كُلّه وَلَمْ يُخَالِف ذَلِكَ أَحَد يَجُوز الِاعْتِرَاض بِهِ عَلَى الْأُمَّة وَإِذَا كَانَ إجْمَاعًا فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون سَبِيل كُلّ مَنْ كَانَ زَائِل الْعَقْل جَمِيع شَهْر الصَّوْم سَبِيل الْمُغْمَى عَلَيْهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ تَأْوِيل الْآيَة غَيْر الَّذِي تَأَوَّلَهَا قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ أَنَّهُ شُهُود الشَّهْر أَوْ بَعْضه مُكَلَّفًا صَوْمه . وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ فَتَأْوِيل الْمُتَأَوِّل الَّذِي زَعَمَ أَنَّ مَعْنَاهُ : فَمَنْ شَهِدَ أَوَّله مُقِيمًا حَاضِرًا فَعَلَيْهِ صَوْم جَمِيعه أَبْطَلَ وَأَفْسَدَ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ عَام الْفَتْح مِنْ الْمَدِينَة فِي شَهْر رَمَضَان بَعْد مَا صَامَ بَعْضه وَأَفْطَرَ وَأَمَرَ أَصْحَابه بِالْإِفْطَارِ . 2334 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : " سَافَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَان مِنْ الْمَدِينَة إلَى مَكَّة , حَتَّى إذَا أَتَى عُسْفَانَ نَزَلَ بِهِ , فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَوَضَعَهُ عَلَى يَده لِيَرَاهُ النَّاس , ثُمَّ شَرِبَهُ " . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد وَسُفْيَان بْن وَكِيع قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ طَاوُس , عَنْ ابْن عَبَّاس , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , ثنا عُبَيْدَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ طَاوُس , عَنْ ابْن عَبَّاس عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . 2335 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق , قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : مَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَفَرِهِ عَام الْفَتْح لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَان , فَصَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَامَ النَّاس مَعَهُ , حَتَّى إذَا أَتَى الْكَدِيد مَا بَيْن عُسْفَانَ وَأَمَج وَأَفْطَرَ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا عَبَدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَشْرٍ أَوْ لِعِشْرِينَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَان عَام الْفَتْح , فَصَامَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالْكَدِيدِ أَفْطَرَ . 2336 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سَالِم بْن نُوح , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عَامِر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَمَانِ عَشْرَة مَضَتْ مِنْ رَمَضَان , فَمِنَّا الصَّائِم , وَمِنَّا الْمُفْطِر , فَلَمْ يَعِبْ الْمُفْطِر عَلَى الصَّائِم , وَلَا الصَّائِم عَلَى الْمُفْطِر . فَإِذَا كَانَا فَاسِدَيْنِ هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ بِمَا عَلَيْهِ دَلَّلْنَا مِنْ فَسَادهمَا , فَتَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيح مِنْ التَّأْوِيل هُوَ الثَّالِث , وَهُوَ قَوْل مَنْ قَالَ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } جَمِيع مَا شَهِدَ مِنْهُ مُقِيمًا , وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر .

وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فِي الشَّهْر فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ صِيَام عِدَّة الْأَيَّام الَّتِي أَفْطَرَهَا مِنْ أَيَّام أُخَر غَيْر أَيَّام شَهْر رَمَضَان . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمَرَض الَّذِي أَبَاحَ اللَّه مَعَهُ الْإِفْطَار وَأَوْجَبَ مَعَهُ عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْمَرَض الَّذِي لَا يُطِيق صَاحِبه مَعَهُ الْقِيَام لِصَلَاتِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2337 - حَدَّثَنَا مُعَاذ بْن شُعْبَة الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ : إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمَرِيض أَنْ يُصَلِّي قَائِمًا أَفْطَرَ . 2338 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة أَوْ عُبَيْدَة , عَنْ إبْرَاهِيم فِي الْمَرِيض إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّلَاة قَائِمًا : فَلْيُفْطِرْ يَعْنِي فِي رَمَضَان . 2339 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ إسْمَاعِيل , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن : مَتَى يُفْطِر الصَّائِم ؟ قَالَ : إذَا أَجْهَدَهُ الصَّوْم , قَالَ : إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّي الْفَرَائِض كَمَا أُمِرَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : وَهُوَ كُلّ مَرَض كَانَ الْأَغْلَب مِنْ أَمْر صَاحِبه بِالصَّوْمِ الزِّيَادَة فِي عِلَّته زِيَادَة غَيْر مُحْتَمَلَة وَذَلِكَ هُوَ قَوْل مُحَمَّد بْن إدْرِيس الشَّافِعِيّ , حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع . وَقَالَ آخَرُونَ : وَهُوَ [ كُلّ ] مَرَض يُسَمَّى مَرَضًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2340 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن خَالِد الرَّبْعِيّ , قَالَ : ثنا طَرِيف بْن تَمَّام الْعَطَارِدِيّ , أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مُحَمَّد بْن سِيرِينَ فِي رَمَضَان وَهُوَ يَأْكُل فَلَمْ يَسْأَلهُ , فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : إنَّهُ وَجِعَتْ إصْبَعِي هَذِهِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ الْمَرَض الَّذِي أَذِنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِالْإِفْطَارِ مَعَهُ فِي شَهْر رَمَضَان مَنْ كَانَ الصَّوْم جَاهَدَهُ جُهْدًا غَيْر مُحْتَمَل , فَكُلّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَهُ الْإِفْطَار وَقَضَاء عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ ذَلِكَ الْأَمْر , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْإِفْطَار فَقَدْ كَلِفَ عُسْرًا وَمَنَعَ يُسْرًا , وَذَلِكَ غَيْر الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه أَنَّهُ أَرَادَهُ بِخَلْقِهِ بِقَوْلِهِ : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } . وَأَمَّا مَنْ كَانَ الصَّوْم غَيْر جَاهَدَهُ , فَهُوَ بِمَعْنَى الصَّحِيح الَّذِي يُطِيق الصَّوْم , فَعَلَيْهِ أَدَاء فَرْضه . وَأَمَّا قَوْله : { فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } فَإِنَّ مَعْنَاهَا : أَيَّام مَعْدُودَة سِوَى هَذِهِ الْأَيَّام . وَأَمَّا الْأُخَر فَإِنَّهَا جَمْع أُخْرَى بِجَمْعِهِمْ الْكُبْرَى عَلَى الْكُبَر وَالْقُرْبَى عَلَى الْقُرَب . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَ لَيْسَتْ الْأُخَر مِنْ صِفَة الْأَيَّام ؟ قِيلَ : بَلَى فَإِنْ قَالَ : أَوَ لَيْسَ وَاحِد الْأَيَّام يَوْم وَهُوَ مُذَكَّر ؟ قِيلَ : بَلَى . فَإِنْ قَالَ : فَكَيْفَ يَكُون وَاحِد الْأُخَر أُخْرَى وَهِيَ صِفَة لِلْيَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ آخِر ؟ قِيلَ : إنَّ وَاحِد الْأَيَّام وَإِنْ كَانَ إذَا نُعِتَ بِوَاحِدِ الْأُخَر فَهُوَ آخِر , فَإِنَّ الْأَيَّام فِي الْجَمْع تَصِير إلَى التَّأْنِيث فَتَصِير نُعُوتهَا وَصِفَاتهَا كَهَيْئَةِ صِفَات الْمُؤَنَّث , كَمَا يُقَال : مَضَتْ الْأَيَّام جُمَع , وَلَا يُقَال : أَجْمَعُونَ , وَلَا أَيَّام آخَرُونَ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدك : فَعَلَيْهِ عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر كَمَا قَدْ وَصَفْت فِيمَا مَضَى . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيله , فَمَا قَوْلك فِيمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَصَامَ الشَّهْر وَهُوَ مِمَّنْ لَهُ الْإِفْطَار , أَيَجْزِيهِ ذَلِكَ مِنْ صِيَام عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر , أَوْ غَيْر مُجْزِيه ذَلِكَ ؟ وَفَرْض صَوْم عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر ثَابِت عَلَيْهِ بِهَيْئَتِهِ وَإِنْ صَامَ الشَّهْر كُلّه , وَهَلْ لِمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر صِيَام شَهْر رَمَضَان , أَمْ ذَلِكَ مَحْظُور عَلَيْهِ , وَغَيْر جَائِز لَهُ صَوْمه , وَالْوَاجِب عَلَيْهِ الْإِفْطَار فِيهِ حَتَّى يُقِيم هَذَا وَيَبْرَأ هَذَا ؟ قِيلَ : قَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي كُلّ ذَلِكَ , وَنَحْنُ ذَاكِرُو اخْتِلَافهمْ فِي ذَلِكَ , وَمُخْبِرُونَ بِأَوْلَاهُ بِالصَّوَابِ إنْ شَاءَ اللَّه . فَقَالَ بَعْضهمْ : الْإِفْطَار فِي الْمَرَض عَزْمَة مِنْ اللَّه وَاجِبَة , وَلَيْسَ بِتَرْخِيصٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2341 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة جَمِيعًا , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ جَابِر بْن زَيْد , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْإِفْطَار فِي السَّفَر عَزْمَة . 2342 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيد , عَنْ يَعْلَى , عَنْ يُوسُف بْن الْحَكَم , قَالَ : سَأَلْت ابْن عُمَر , أَوْ سُئِلَ عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر , فَقَالَ : أَرَأَيْت لَوْ تَصَدَّقْت عَلَى رَجُل بِصَدَقَةٍ فَرَدَّهَا عَلَيْك أَلَمْ تَغْضَب ؟ فَإِنَّهَا صَدَقَة مِنْ اللَّه تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْكُمْ . 2343 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن حُمَيْد , قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَر كَانَ أَبِي لَا يَصُوم فِي السَّفَر وَيَنْهَى عَنْهُ . 2344 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عُبَيْد , عَنْ الضَّحَّاك : أَنَّهُ كَرِهَ الصَّوْم فِي السَّفَر . وَقَالَ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة : مَنْ صَامَ فِي السَّفَر فَعَلَيْهِ الْقَضَاء إذَا قَامَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2345 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ الْخَثْعَمِيّ , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إبْرَاهِيم قَالَ : ثنا رَبِيعَة بْن كُلْثُوم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ رَجُل : أَنَّ عُمَر أَمَرَ الَّذِي صَامَ فِي السَّفَر أَنْ يُعِيد . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد بْن عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : أَمَرَ عُمَر رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَر أَنْ يُعِيد صَوْمه . 2346 - حَدَّثَنِي ابْن حُمَيْد الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مَعْبَد , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ عَطَاء , عَنْ الْمُحَرَّر بْن أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ : كُنْت مَعَ أَبِي فِي سَفَر فِي رَمَضَان , فَكُنْت أَصُوم وَيُفْطِر , فَقَالَ لِي أَبِي : أَمَا إنَّك إذَا أَقَمْت قَضَيْت . 2347 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَاصِم مَوْلَى قَرِيبَة , قَالَ : سَمِعْت عُرْوَة يَأْمُر رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَر أَنْ يَقْضِي . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَاصِم مَوْلَى قَرِيبَة أَنَّ رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَر فَأَمَرَهُ عُرْوَة أَنْ يَقْضِي . 2348 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن صُبَيْح , قَالَ : ثنا رَبِيعَة بْن كُلْثُوم , عَنْ أَبِيهِ كُلْثُوم : أَنَّ قَوْمًا قَدِمُوا عَلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب وَقَدْ صَامُوا رَمَضَان فِي سَفَر , فَقَالَ لَهُمْ : وَاَللَّه لَكَأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَصُومُونَ ! فَقَالُوا : وَاَللَّه يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ صُمْنَا , قَالَ : فَأَطَقْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : فَاقْضُوهُ فَاقْضُوهُ فَاقْضُوهُ . وَعِلَّة مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فَرَضَ بِقَوْلِهِ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } صَوْم شَهْر رَمَضَان عَلَى مَنْ شَهِدَهُ مُقِيمًا غَيْر مُسَافِر , وَجَعَلَ عَلَى مَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا صَوْم عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر غَيْر أَيَّام شَهْر رَمَضَان بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } قَالُوا : فَكَمَا غَيْر جَائِز لِلْمُقِيمِ إفْطَار أَيَّام شَهْر رَمَضَان وَصَوْم عِدَّة أَيَّام أُخَر مَكَانهَا , لِأَنَّ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّه عَلَيْهِ بِشُهُودِهِ الشَّهْر صَوْم الشَّهْر دُون غَيْره , فَكَذَلِكَ غَيْر جَائِز لِمَنْ لَمْ يَشْهَدهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ مُقِيمًا صَوْمه , لِأَنَّ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّه عَلَيْهِ عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر وَاعْتَلُّوا أَيْضًا مِنْ الْخَبَر بِمَا : 2349 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الصَّائِم فِي السَّفَر كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَر " . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن عِيَاض , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الصَّائِم فِي السَّفَر كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَر " . وَقَالَ آخَرُونَ : إبَاحَة الْإِفْطَار فِي السَّفَر رَحْمَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره رَخَّصَهَا لِعِبَادِهِ , وَالْفَرْض الصَّوْم , فَمَنْ صَامَ فَرْضه أَدَّى , وَمَنْ أَفْطَرَ فَبِرُخْصَةِ اللَّه لَهُ أَفْطَرَ قَالُوا : وَإِنْ صَامَ فِي سَفَر فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إذَا أَقَامَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2350 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا أَيُّوب , قَالَ : ثنا عُرْوَة وَسَالِم أَنَّهُمَا كَانَا عِنْد عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز إذْ هُوَ أَمِير عَلَى الْمَدِينَة فَتَذَاكَرُوا الصَّوْم فِي السَّفَر , قَالَ سَالِم : كَانَ ابْن عُمَر لَا يَصُوم فِي السَّفَر , وَقَالَ عُرْوَة : وَكَانَتْ عَائِشَة تَصُوم , فَقَالَ سَالِم : إنَّمَا أَخَذْت عَنْ ابْن عُمَر , وَقَالَ عُرْوَة : إنَّمَا أَخَذْت عَنْ عَائِشَة حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتهمَا , فَقَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز : اللَّهُمَّ عَفْوًا إذَا كَانَ يُسْرًا فَصُومُوا , وَإِذَا كَانَ عُسْرًا فَافْطُرُوا . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُل , قَالَ : ذُكِرَ الصَّوْم فِي السَّفَر عِنْد عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث ابْن بَشَّار . 2351 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس ثنا ابْن إسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : خَرَجَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فِي بَعْض أَسْفَاره فِي لَيَالٍ بَقِيَتْ مِنْ رَمَضَان , فَقَالَ : إنَّ الشَّهْر قَدْ تَشَعْشَعَ - قَالَ أَبُو كُرَيْب فِي حَدِيثه أَوْ تَسَعْسَعَ , وَلَمْ يَشُكّ يَعْقُوب - فَلَوْ صُمْنَا ! فَصَامَ وَصَامَ النَّاس مَعَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ مَرَّة قَافِلًا حَتَّى إذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ أَهَلَّ هِلَال شَهْر رَمَضَان , فَقَالَ إنَّ اللَّه قَدْ قَضَى السَّفَر , فَلَوْ صُمْنَا وَلَمْ نَثْلِم شَهْرنَا ! قَالَ : فَصَامَ وَصَامَ النَّاس مَعَهُ . 2352 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه , قَالَ : أَخْبَرَنَا بَشِير بْن سَلْمَان , عَنْ خَيْثَمَةَ , قَالَ : سَأَلْت أَنَس بْن مَالِك عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر , قَالَ : قَدْ أَمَرْت غُلَامِي أَنْ يَصُوم فَأَبَى . قُلْت : فَأَيْنَ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } ؟ قَالَ : نَزَلَتْ وَنَحْنُ يَوْمئِذٍ نَرْتَحِل جِيَاعًا وَنَنْزِل عَلَى غَيْر شِبَع , وَأَنَّا الْيَوْم نَرْتَحِل شِبَاعًا وَنَنْزِل عَلَى شِبَع . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع : عَنْ بَشِير بْن سَلْمَان , عَنْ خَيْثَمَةَ , عَنْ أَنَس نَحْوه . 2353 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو السَّائِب قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَنَس أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر فَقَالَ : مَنْ أَفْطَرَ فَبِرُخْصَةِ اللَّه , وَمَنْ صَامَ فَالصَّوْم أَفْضَل . 2354 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَشْعَث بْن عَبْد الْمَلِك , عَنْ مُحَمَّد بْن عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ , قَالَ : الْفِطْر فِي السَّفَر رُخْصَة , وَالصَّوْم أَفْضَل . 2355 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو الْفَيْض , قَالَ : كَانَ عَلِيّ عَلَيْنَا أَمِير بِالشَّامِ , فَنَهَانَا عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر , فَسَأَلْت أَبَا قُرْصَافَةَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي لَيْث - قَالَ عَبْد الصَّمَد : سَمِعْت رَجُلًا مِنْ قَوْمه يَقُول : إنَّهُ وَاثِلَة بْن الْأَسْقَع - قَالَ لَوْ صُمْت فِي السَّفَر مَا قَضَيْت . 2356 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ بِسْطَام بْن مُسْلِم , عَنْ عَطَاء قَالَ : إنْ صُمْتُمْ أَجْزَأَ عَنْكُمْ وَإِنْ أَفْطَرْتُمْ فَرُخْصَة . 2357 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ كَهْمَس , قَالَ : سَأَلْت سَالِم بْن عَبْد اللَّه عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر , فَقَالَ : إنْ صُمْتُمْ أَجْزَأَ عَنْكُمْ , وَإِنْ أَفْطَرْتُمْ فَرُخْصَة . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم , عَنْ طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , قَالَ : مَنْ صَامَ فَحَقّ أَدَّاهُ , وَمَنْ أَفْطَرَ فَرُخْصَة أَخَذَ بِهَا . 2358 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الْفِطْر فِي السَّفَر رُخْصَة , وَالصَّوْم أَفْضَل . 2359 - حَدَّثَنَا هَنَّاد قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : هُوَ تَعْلِيم , وَلَيْسَ بِعَزْمٍ , يَعْنِي قَوْل اللَّه : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } إنْ شَاءَ صَامَ , وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْ . 2360 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن فِي الرَّجُل يُسَافِر فِي رَمَضَان , قَالَ : إنْ شَاءَ صَامَ , وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ . 2361 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة . قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , قَالَ : ثنا الْعَوَّام بْن حَوْشَبٍ , قَالَ : قُلْت لِمُجَاهِدٍ : الصَّوْم فِي السَّفَر ؟ قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم فِيهِ وَيُفْطِر , قَالَ : قُلْت فَأَيّهمَا أَحَبّ إلَيْك ؟ قَالَ : إنَّمَا هِيَ رُخْصَة , وَأَنْ تَصُوم رَمَضَان أَحَبّ إلَيَّ . 2362 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَإِبْرَاهِيم وَمُجَاهِد أَنَّهُمْ قَالُوا : الصَّوْم فِي السَّفَر , إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ , وَالصَّوْم أَحَبّ إلَيْهِمْ . 2363 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إسْحَاق , قَالَ : قَالَ لِي مُجَاهِد فِي الصَّوْم فِي السَّفَر , يَعْنِي صَوْم رَمَضَان : وَاَللَّه مَا مِنْهُمَا إلَّا حَلَال الصَّوْم وَالْإِفْطَار , وَمَا أَرَادَ اللَّه بِالْإِفْطَارِ إلَّا التَّيْسِير لِعِبَادِهِ . 2364 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْأَشْعَث بْن سُلَيْم , قَالَ : صَحِبْت أَبِي وَالْأَسْوَد بْن يَزِيد وَعَمْرو بْن مَيْمُون وَأَبَا وَائِل إلَى مَكَّة , وَكَانُوا يَصُومُونَ رَمَضَان وَغَيْره فِي السَّفَر . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حَسَن الْأَزْدِيّ . قَالَ : ثنا مُعَافَى بْن عِمْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : الْفِطْر فِي السَّفَر رُخْصَة , وَالصَّوْم أَفْضَل . 2365 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا صَالِح بْن مُحَمَّد بْن صَالِح , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْت لِلْقَاسِمِ بْن مُحَمَّد : إنَّا نُسَافِر فِي الشِّتَاء فِي رَمَضَان , فَإِنْ صُمْت فِيهِ كَانَ أَهْوَن عَلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْضِيه فِي الْحَرّ . فَقَالَ : قَالَ اللَّه : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } مَا كَانَ أَيْسَر عَلَيْك فَافْعَلْ . وَهَذَا الْقَوْل عِنْدنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ مَرِيضًا لَوْ صَامَ شَهْر رَمَضَان وَهُوَ مِمَّنْ لَهُ الْإِفْطَار لِمَرَضِهِ أَنَّ صَوْمه ذَلِكَ مُجْزِئ عَنْهُ , وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إذَا بَرَأَ مِنْ مَرَضه بِعِدَّةٍ مِنْ أَيَّام أُخَر , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ حُكْم الْمُسَافِر حُكْمه فِي أَنْ لَا قَضَاء عَلَيْهِ إنْ صَامَهُ فِي سَفَره , لِأَنَّ الَّذِي جُعِلَ لِلْمُسَافِرِ مِنْ الْإِفْطَار وَأُمِرَ بِهِ مِنْ قَضَاء عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر مِثْل الَّذِي جُعِلَ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ وَأُمِرَ بِهِ مِنْ الْقَضَاء . ثُمَّ فِي دَلَالَة الْآيَة كِفَايَة مُغْنِيَة عَنْ اسْتِشْهَاد شَاهِد عَلَى صِحَّة ذَلِكَ بِغَيْرِهَا , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } وَلَا عُسْر أَعْظَم مِنْ أَنْ يَلْزَم مَنْ صَامَهُ فِي سَفَره عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر , وَقَدْ تَكَلَّفَ أَدَاء فَرْضه فِي أَثْقَل الْحَالَيْنِ عَلَيْهِ حَتَّى قَضَاهُ وَأَدَّاهُ . فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَبَاوَة أَنَّ الَّذِي صَامَهُ لَمْ يَكُنْ فَرْضه الْوَاجِب , فَإِنَّ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام } , { شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن } مَا يُنْبِئ أَنَّ الْمَكْتُوب صَوْمه مِنْ الشُّهُور عَلَى كُلّ مُؤْمِن هُوَ شَهْر رَمَضَان مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا , لِعُمُومِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام } { شَهْر رَمَضَان } وَأَنَّ قَوْله : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } مَعْنَاهُ : وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَأَفْطَرَ بِرُخْصَةِ اللَّه فَعَلَيْهِ صَوْم عِدَّة أَيَّام أُخَر مَكَان الْأَيَّام الَّتِي أَفْطَرَ فِي سَفَره أَوْ مَرَضه . ثُمَّ فِي تَظَاهُر الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ إذَا سُئِلَ عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر : " إنْ شِئْت فَصُمْ , وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ " , الْكِفَايَة الْكَافِيَة عَنْ الِاسْتِدْلَال عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِغَيْرِهِ . 2366 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم وَوَكِيع , وَعَبَدَة بْن هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة : أَنَّ حَمْزَة سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر , وَكَانَ يَسْرُد الصَّوْم , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنْ شِئْت فَصُمْ وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ " 2367 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَعُبَيْد بْن إسْمَاعِيل الْهَبَّارِيّ قَالَا : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حَمْزَة سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه . 2368 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا أَبُو زُرْعَة وَهْب اللَّه بْن رَاشِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَيْوَة بْن شُرَيْح , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَسْوَد أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر يُحَدِّث عَنْ أَبِي مَرَاوِح عَنْ حَمْزَة الْأَسْلَمِيّ صَاحِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إنِّي أَسْرُد الصَّوْم فَأَصُوم فِي السَّفَر ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا هِيَ رُخْصَة مِنْ اللَّه لِعِبَادِهِ , فَمَنْ فَعَلَهَا فَحَسَن جَمِيل , وَمَنْ تَرَكَهَا فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ " فَكَانَ حَمْزَة يَصُوم الدَّهْر , فَيَصُوم فِي السَّفَر وَالْحَضَر ; وَكَانَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر يَصُوم الدَّهْر , فَيَصُوم فِي السَّفَر وَالْحَضَر , حَتَّى إنْ كَانَ لَيَمْرَض فَلَا يُفْطِر ; وَكَانَ أَبُو مَرَاوِح يَصُوم الدَّهْر , فَيَصُوم فِي السَّفَر وَالْحَضَر . فَفِي هَذَا مَعَ نَظَائِره مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي يَطُول بِاسْتِيعَابِهَا الْكِتَاب الدَّلَالَة الدَّالَّة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْإِفْطَار رُخْصَة لَا عَزْم , وَالْبَيَان الْوَاضِح عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ الْأَخْبَار بِمَا قُلْت وَإِنْ كَانَتْ مُتَظَاهِرَة , فَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَيْضًا بِقَوْلِهِ : " لَيْسَ مِنْ الْبِرّ الصِّيَام فِي السَّفَر " ؟ . قِيلَ : إنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ صِيَام فِي مِثْل الْحَال الَّتِي جَاءَ الْأَثَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ قَالَ لَهُ . 2369 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَزِيد السَّبِيعِيّ , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن الْحَسَن , عَنْ جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا فِي سَفَره قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ , وَعَلَيْهِ جَمَاعَة , فَقَالَ : " مَنْ هَذَا ؟ " قَالُوا : صَائِم , قَالَ : " لَيْسَ مِنْ الْبِرّ الصَّوْم فِي السَّفَر " . قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَخْشَى أَنْ يَكُون هَذَا الشَّيْخ غَلِطَ وَبَيْنَ ابْن إدْرِيس وَمُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن شُعْبَة . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد بْن زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا قَدْ اجْتَمَعَ النَّاس عَلَيْهِ , وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ , فَقَالُوا : هَذَا رَجُل صَائِم , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ مِنْ الْبِرّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَر " . فَمَنْ بَلَغَ مِنْهُ الصَّوْم مَا بَلَغَ مِنْ الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ذَلِكَ , فَلَيْسَ مِنْ الْبِرّ صَوْمه ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ حَرَّمَ عَلَى كُلّ أَحَد تَعْرِيض نَفْسه لِمَا فِيهِ هَلَاكهَا , وَلَهُ إلَى نَجَاتهَا سَبِيل , وَإِنَّمَا يُطْلَب الْبِرّ بِمَا نَدَبَ اللَّه إلَيْهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَعْمَال لَا بِمَا نَهَى عَنْهُ . وَأَمَّا الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْله : " الصَّائِم فِي السَّفَر كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَر " فَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون قِيلَ لِمَنْ بَلَغَ مِنْهُ الصَّوْم مَا بَلَغَ مِنْ هَذَا الَّذِي ظُلِّلَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَبْل ذَلِكَ , وَغَيْر جَائِز عَلَيْهِ أَنْ يُضَاف إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْأَخْبَار الَّتِي جَاءَتْ بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاهِيَة الْأَسَانِيد لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِهَا فِي الدِّين . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ عُطِفَ عَلَى الْمَرِيض وَهُوَ اسْم بِقَوْلِهِ : { أَوْ عَلَى سَفَر } و " عَلَى " صِفَة لَا اسْم ؟ قِيلَ : جَازَ أَنْ يُنْسَق بِعَلَى عَلَى الْمَرِيض , لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْفِعْل , وَتَأْوِيل ذَلِكَ : أَوْ مُسَافِرًا , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } 10 12 فَعَطَفَ بِالْقَاعِدِ وَالْقَائِم عَلَى اللَّام الَّتِي فِي لِجَنْبِهِ , لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْفِعْل , كَأَنَّهُ قَالَ : دَعَانَا مُضْطَجِعًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا .

يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : يُرِيد اللَّه بِكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِتَرْخِيصِهِ لَكُمْ فِي حَال مَرَضكُمْ وَسَفَركُمْ فِي الْإِفْطَار , وَقَضَاء عِدَّة أَيَّام أُخَر مِنْ الْأَيَّام الَّتِي أَفْطَرْتُمُوهَا بَعْد إقَامَتكُمْ وَبَعْد بُرْئِكُمْ مِنْ مَرَضكُمْ التَّخْفِيف عَلَيْكُمْ , وَالتَّسْهِيل عَلَيْكُمْ لِعِلْمِهِ بِمَشَقَّةِ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ الْأَحْوَال . { وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } يَقُول : وَلَا يُرِيد بِكُمْ الشِّدَّة وَالْمَشَقَّة عَلَيْكُمْ , فَيُكَلِّفكُمْ صَوْم الشَّهْر فِي هَذِهِ الْأَحْوَال , مَعَ عِلْمه شِدَّة ذَلِكَ عَلَيْكُمْ وَثِقَل حَمْله عَلَيْكُمْ لَوْ حَمَلَكُمْ صَوْمه . كَمَا : 2370 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } قَالَ : الْيُسْر : الْإِفْطَار فِي السَّفَر , وَالْعُسْر : الصِّيَام فِي السَّفَر . 2371 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , قَالَ : سَأَلْت ابْن عَبَّاس عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر , فَقَالَ : يُسْر وَعُسْر , فَخُذْ بِيُسْرِ اللَّه . 2372 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر } قَالَ : هُوَ الْإِفْطَار فِي السَّفَر , وَجَعَلَ عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر , { وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } 2373 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } فَأَرِيدُوا لِأَنْفُسِكُمْ الَّذِي أَرَادَ اللَّه لَكُمْ . 2374 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ عَنْ طَاوُس , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : لَا تَعِبْ عَلَى مَنْ صَامَ وَلَا عَلَى مَنْ أَفْطَرَ , يَعْنِي فِي السَّفَر فِي رَمَضَان ; { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } 2375 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : ثنا الْفُضَيْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم فِي قَوْله : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر } الْإِفْطَار فِي السَّفَر , { وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } الصِّيَام فِي السَّفَر .

وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة } عِدَّة مَا أَفْطَرْتُمْ مِنْ أَيَّام أُخَر أَوْجَبْت عَلَيْكُمْ قَضَاء عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر بَعْد بُرْئِكُمْ مِنْ مَرَضكُمْ , أَوْ إقَامَتكُمْ مِنْ سَفَركُمْ . كَمَا : 2376 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة } قَالَ : عِدَّة مَا أَفْطَرَ الْمَرِيض وَالْمُسَافِر . 2377 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة } قَالَ : إكْمَال الْعِدَّة : أَنْ يَصُوم مَا أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَان فِي سَفَر أَوْ مَرَض إلَى أَنْ يُتِمّهُ , فَإِذَا أَتَمَّهُ فَقَدْ أَكْمَلَ الْعِدَّة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : مَا الَّذِي عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْوَاو الَّتِي فِي قَوْله : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة } عُطِفَتْ ؟ قِيلَ : اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ عَاطِفَة عَلَى مَا قَبْلهَا كَأَنَّهُ قِيلَ : وَيُرِيد لِتُكْمِلُوا الْعِدَّة وَلِتُكَبِّرُوا اللَّه . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : وَهَذِهِ اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { وَلِتُكْمِلُوا } لَام كَيْ , لَوْ أَلْقَيْت كَانَ صَوَابًا . قَالَ : وَالْعَرَب تُدْخِلهَا فِي كَلَامهَا عَلَى إضْمَار فِعْل بَعْدهَا , وَلَا تَكُون شَرْطًا لِلْفِعْلِ الَّذِي قَبْلهَا وَفِيهَا الْوَاو ; أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول : جِئْتُك لِتُحْسِن إلَيَّ , وَلَا تَقُول : جِئْتُك وَلِتُحْسِن إلَيَّ ; فَإِذَا قُلْته فَأَنْت تُرِيد : وَلِتُحْسِن جِئْتُك . قَالَ : وَهَذَا فِي الْقُرْآن كَثِير , مِنْهُ قَوْله : { وَلِتَصْغَى إلَيْهِ أَفْئِدَة } 6 113 وَقَوْله : { وَكَذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ } 6 75 وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ الْوَاو كَانَ شَرْطًا عَلَى قَوْلك : أَرَيْنَاهُ مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض لِيَكُونَ , فَإِذَا كَانَتْ الْوَاو فِيهَا فَلَهَا فِعْل مُضْمَر بَعْدهَا , و " لِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ " أَرَيْنَاهُ . وَهَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي الْعَرَبِيَّة , لِأَنَّ قَوْله : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة } لَيْسَ قَبْله لَام بِمَعْنَى الَّتِي فِي قَوْله : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة } فَتَعْطِف بِقَوْلِهِ : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة } عَلَيْهَا , وَإِنَّ دُخُول الْوَاو مَعَهَا يُؤْذِن بِأَنَّهَا شَرْط لِفِعْلٍ بَعْدهَا , إذْ كَانَتْ الْوَاو لَوْ حُذِفَتْ كَانَتْ شَرْطًا لِمَا قَبْلهَا مِنْ الْفِعْل .

وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَلِتُعَظِّمُوا اللَّه بِالذِّكْرِ لَهُ بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِهِ مِنْ الْهِدَايَة الَّتِي خُذِلَ عَنْهَا غَيْركُمْ مِنْ أَهْل الْمِلَل الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ صَوْم شَهْر رَمَضَان مِثْل الَّذِي كُتِبَ عَلَيْكُمْ فِيهِ , فَضَلُّوا عَنْهُ بِإِضْلَالِ اللَّه إيَّاهُمْ , وَخَصَّكُمْ بِكَرَامَتِهِ فَهَدَاكُمْ لَهُ , وَوَفَّقَكُمْ لِأَدَاءِ مَا كَتَبَ اللَّه عَلَيْكُمْ مِنْ صَوْمه , وَتَشْكُرُوهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْعِبَادَةِ لَهُ . وَالذِّكْر الَّذِي خَصَّهُمْ اللَّه عَلَى تَعْظِيمه بِهِ التَّكْبِير يَوْم الْفِطْر فِيمَا تَأَوَّلَهُ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2378 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ دَاوُد بْن قَيْس , قَالَ : سَمِعْت زَيْد بْن أَسْلَمَ يَقُول : { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ } قَالَ : إذَا رَأَى الْهِلَال , فَالتَّكْبِير مِنْ حِين يَرَى الْهِلَال حَتَّى يَنْصَرِف الْإِمَام فِي الطَّرِيق وَالْمَسْجِد إلَّا أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْإِمَام كَفّ فَلَا يُكَبِّر إلَّا بِتَكْبِيرِهِ . 2379 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان يَقُول : { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّهُ التَّكْبِير يَوْم الْفِطْر . 2380 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : حَقّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا نَظَرُوا إلَى هِلَال شَوَّال أَنْ يُكَبِّرُوا اللَّه حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ عِيدهمْ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره يَقُول : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة وَلِتُكَبِّرُوا اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ } قَالَ ابْن زَيْد : يَنْبَغِي لَهُمْ إذَا غَدَوْا إلَى الْمُصَلَّى كَبَّرُوا , فَإِذَا جَلَسُوا كَبَّرُوا , فَإِذَا جَاءَ الْإِمَام صَمَتُوا , فَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَام كَبَّرُوا , وَلَا يُكَبِّرُونَ إذَا جَاءَ الْإِمَام إلَّا بِتَكْبِيرِهِ , حَتَّى إذَا فَرَغَ وَانْقَضَتْ الصَّلَاة فَقَدْ انْقَضَى الْعِيد . قَالَ يُونُس : قَالَ ابْن وَهْب : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : وَالْجَمَاعَة عِنْدنَا عَلَى أَنْ يَغْدُوَا بِالتَّكْبِيرِ إلَى الْمُصَلَّى .

وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَلِتَشْكُرُوا اللَّه عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ الْهِدَايَة وَالتَّوْفِيق . وَتَيْسِير مَا لَوْ شَاءَ عَسَّرَ عَلَيْكُمْ . و " لَعَلَّ " فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى " كَيْ " , وَلِذَلِكَ عَطَفَ بِهِ عَلَى قَوْله : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة وَلِتُكَبِّرُوا اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .


القرطبي
ــــــــــــ

شَهْرُ رَمَضَانَ

فِيهِ سَبْع مَسَائِل الْأُولَى : قَالَ أَهْل التَّارِيخ : أَوَّل مَنْ صَامَ رَمَضَان نُوح عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا خَرَجَ مِنْ السَّفِينَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل مُجَاهِد : كَتَبَ اللَّه رَمَضَان عَلَى كُلّ أُمَّة , وَمَعْلُوم أَنَّهُ كَانَ قَبْل نُوح أُمَم , وَاَللَّه أَعْلَم , وَالشَّهْر مُشْتَقّ مِنْ الْإِشْهَار لِأَنَّهُ مُشْتَهِر لَا يَتَعَذَّر عِلْمه عَلَى أَحَد يُرِيدهُ , وَمِنْهُ يُقَال : شَهَرْت السَّيْف إِذَا سَلَلْته . وَرَمَضَان مَأْخُوذ مِنْ رَمَضَ الصَّائِم يُرْمَض إِذَا حَرَّ جَوْفه مِنْ شِدَّة الْعَطَش . وَالرَّمْضَاء مَمْدُودَة : شِدَّة الْحَرّ , وَمِنْهُ الْحَدِيث : ( صَلَاة الْأَوَّابِينَ إِذَا رَمِضَتْ الْفِصَال ) . خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَرَمَض الْفِصَال أَنْ تُحْرِق الرَّمْضَاء أَخْفَافهَا فَتَبْرُك مِنْ شِدَّة حَرّهَا . فَرَمَضَان - فِيمَا ذَكَرُوا - وَافَقَ شِدَّة الْحَرّ , فَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ الرَّمْضَاء . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَشَهْر رَمَضَان يُجْمَع عَلَى رَمَضَانَات وَأَرْمِضَاء , يُقَال إِنَّهُمْ لَمَّا نَقَلُوا أَسْمَاء الشُّهُور عَنْ اللُّغَة الْقَدِيمَة سَمَّوْهَا بِالْأَزْمِنَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا , فَوَافَقَ هَذَا الشَّهْر أَيَّام رَمِضَ الْحَرّ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ . وَقِيلَ : إِنَّمَا سُمِّيَ رَمَضَان لِأَنَّهُ يَرْمِض الذُّنُوب أَيْ يُحْرِقهَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة , مِنْ الْإِرْمَاض وَهُوَ الْإِحْرَاق , وَمِنْهُ رَمِضَتْ قَدَمه مِنْ الرَّمْضَاء أَيْ اِحْتَرَقَتْ , وَأَرْمَضَتْنِي الرَّمْضَاء أَيْ أَحْرَقَتْنِي , وَمِنْهُ قِيلَ : أَرْمَضَنِي الْأَمْر , وَقِيلَ : لِأَنَّ الْقُلُوب تَأْخُذ فِيهِ مِنْ حَرَارَة الْمَوْعِظَة وَالْفِكْرَة فِي أَمْر الْآخِرَة كَمَا يَأْخُذ الرَّمْل وَالْحِجَارَة مِنْ حَرّ الشَّمْس , وَالرَّمْضَاء : الْحِجَارَة الْمُحْمَاة , وَقِيلَ : هُوَ مِنْ رَمَضْت النَّصْل أَرْمِضهُ وَأَرْمُضهُ رَمْضًا إِذَا دَقَقْته بَيْن حَجَرَيْنِ لِيَرِقّ . وَمِنْهُ نَصْل رَمِيض وَمَرْمُوض - عَنْ اِبْن السِّكِّيت - , وَسُمِّيَ الشَّهْر بِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْمُضُونَ أَسْلِحَتهمْ فِي رَمَضَان لِيُحَارِبُوا بِهَا فِي شَوَّال قَبْل دُخُول الْأَشْهُر الْحُرُم , وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ أَنَّ اِسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة " نَاتِق " وَأَنْشَدَ لِلْمُفَضَّلِ : وَفِي نَاتِق أَجْلَتْ لَدَى حَوْمَة الْوَغَى وَوَلَّتْ عَلَى الْأَدْبَار فُرْسَان خَثْعَمَا و " شَهْر " بِالرَّفْعِ قِرَاءَة الْجَمَاعَة عَلَى الِابْتِدَاء , وَالْخَبَر " الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن " . أَوْ يَرْتَفِع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ , الْمَعْنَى : الْمَفْرُوض عَلَيْكُمْ صَوْمه شَهْر رَمَضَان , أَوْ فِيمَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ شَهْر رَمَضَان , وَيَجُوز أَنْ يَكُون " شَهْر " مُبْتَدَأ , و " الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن " صِفَة , وَالْخَبَر " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر " , وَأُعِيدَ ذِكْر الشَّهْر تَعْظِيمًا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " الْحَاقَّة مَا الْحَاقَّة " [ الْحَاقَّة : 1 - 2 ] , وَجَازَ أَنْ يَدْخُلهُ مَعْنَى الْجَزَاء ; لِأَنَّ شَهْر رَمَضَان وَإِنْ كَانَ مَعْرِفَة فَلَيْسَ مَعْرِفَة بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ شَائِع فِي جَمِيع الْقَابِل , قَالَهُ أَبُو عَلِيّ . وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَشَهْر بْن حَوْشَب نَصْب " شَهْر " , وَرَوَاهَا هَارُون الْأَعْوَر عَنْ أَبِي عَمْرو , وَمَعْنَاهُ : اِلْزَمُوا شَهْر رَمَضَان أَوْ صُومُوا . و " الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن " نَعْت لَهُ , وَلَا يَجُوز أَنْ يَنْتَصِب بِتَصُومُوا ; لِئَلَّا يُفَرَّق بَيْن الصِّلَة وَالْمَوْصُول بِخَبَرِ أَنْ وَهُوَ " خَيْر لَكُمْ " . الرُّمَّانِيّ : يَجُوز نَصْبه عَلَى الْبَدَل مِنْ قَوْل " أَيَّامًا مَعْدُودَات " [ الْبَقَرَة : 184 ] .

الثَّانِيَة : وَاخْتُلِفَ هَلْ يُقَال " رَمَضَان " دُون أَنْ يُضَاف إِلَى شَهْر , فَكَرِهَ ذَلِكَ مُجَاهِد وَقَالَ : يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى . وَفِي الْخَبَر : ( لَا تَقُولُوا رَمَضَان بَلْ اُنْسُبُوهُ كَمَا نَسَبَهُ اللَّه فِي الْقُرْآن فَقَالَ شَهْر رَمَضَان ) , وَكَانَ يَقُول : بَلَغَنِي أَنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه . وَكَانَ يُكْرَه أَنْ يُجْمَع لَفْظه لِهَذَا الْمَعْنَى , وَيَحْتَجّ بِمَا رُوِيَ : رَمَضَان اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى , وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ مِنْ حَدِيث أَبِي مَعْشَر نَجِيح وَهُوَ ضَعِيف , وَالصَّحِيح جَوَاز إِطْلَاق رَمَضَان مِنْ غَيْر إِضَافَة كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاح وَغَيْرهَا . رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا جَاءَ رَمَضَان فُتِحَتْ أَبْوَاب الرَّحْمَة وَغُلِّقَتْ أَبْوَاب النَّار وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِين ) . وَفِي صَحِيح الْبُسْتِيّ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا كَانَ رَمَضَان فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَاب الرَّحْمَة وَغُلِّقَتْ أَبْوَاب جَهَنَّم وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِين ) , وَرُوِيَ عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ أَنَس بْن أَبِي أَنَس أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة يَقُول . .. , فَذَكَرَهُ . قَالَ الْبُسْتِيّ : أَنَس بْن أَبِي أَنَس هَذَا هُوَ وَالِد مَالِك بْن أَنَس , وَاسْم أَبِي أَنَس مَالِك بْن أَبِي عَامِر مِنْ ثِقَات أَهْل الْمَدِينَة , وَهُوَ مَالِك اِبْن أَبِي عَامِر بْن عَمْرو بْن الْحَارِث بْن عُثْمَان بْن جُثَيْل بْن عَمْرو مِنْ ذِي أَصْبَح مِنْ أَقْيَال الْيَمَن , وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَاكُمْ رَمَضَان شَهْر مُبَارَك فَرَضَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامه تُفْتَح فِيهِ أَبْوَاب السَّمَاء وَتُغْلَق فِيهِ أَبْوَاب الْجَحِيم وَتُغَلّ فِيهِ مَرَدَة الشَّيَاطِين لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَة خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر مَنْ حُرِمَ خَيْرهَا فَقَدْ حُرِمَ ) , وَأَخْرَجَهُ أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ أَيْضًا وَقَالَ : فَقَوْله ( مَرَدَة الشَّيَاطِين ) تَقْيِيد لِقَوْلِهِ : ( صُفِّدَتْ الشَّيَاطِين وَسُلْسِلَتْ ) , وَرَوَى النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَار : ( إِذَا كَانَ رَمَضَان فَاعْتَمِرِي فَإِنَّ عُمْرَة فِيهِ تَعْدِل حَجَّة ) , وَرَوَى النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى فَرَضَ صِيَام رَمَضَان [ عَلَيْكُمْ ] وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامه فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبه كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه ) , وَالْآثَار فِي هَذَا كَثِيرَة , كُلّهَا بِإِسْقَاطِ شَهْر , وَرُبَّمَا أَسْقَطَتْ الْعَرَب ذِكْر الشَّهْر مِنْ رَمَضَان . قَالَ الشَّاعِر : جَارِيَة فِي دِرْعهَا الْفَضْفَاض أَبْيَض مِنْ أُخْت بَنِي إِبَاضِ جَارِيَة فِي رَمَضَان الْمَاضِي تُقَطِّع الْحَدِيث بِالْإِيمَاضِ وَفَضْل رَمَضَان عَظِيم , وَثَوَابه جَسِيم , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مَعْنَى الِاشْتِقَاق مِنْ كَوْنه مُحْرِقًا لِلذُّنُوبِ , وَمَا كَتَبْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيث .

الثَّالِثَة : فَرَضَ اللَّه صِيَام شَهْر رَمَضَان أَيْ مُدَّة هِلَاله , وَبِهِ سُمِّيَ الشَّهْر , كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث : ( فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ الشَّهْر ) أَيْ الْهِلَال , وَسَيَأْتِي , وَقَالَ الشَّاعِر : أَخَوَانِ مِنْ نَجْد عَلَى ثِقَة وَالشَّهْر مِثْل قُلَامَة الظُّفْر حَتَّى تَكَامَلَ فِي اِسْتِدَارَته فِي أَرْبَع زَادَتْ عَلَى عَشْر وَفُرِضَ عَلَيْنَا عِنْد غُمَّة الْهِلَال إِكْمَال عِدَّة شَعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا , وَإِكْمَال عِدَّة رَمَضَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا , حَتَّى نَدْخُل فِي الْعِبَادَة بِيَقِينٍ وَنَخْرُج عَنْهَا بِيَقِينٍ , فَقَالَ فِي كِتَابه " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الذِّكْر لِتُبَيِّن لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ " [ النَّحْل : 44 ] , وَرَوَى الْأَئِمَّة الْأَثْبَات عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَد ) فِي رِوَايَة ( فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ الشَّهْر فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ ) . وَقَدْ ذَهَبَ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه بْن الشِّخِّير وَهُوَ مِنْ كِبَار التَّابِعِينَ وَابْن قُتَيْبَة مِنْ اللُّغَوِيِّينَ فَقَالَا : يُعَوَّل عَلَى الْحِسَاب عِنْد الْغَيْم بِتَقْدِيرِ الْمَنَازِل وَاعْتِبَار حِسَابهَا فِي صَوْم رَمَضَان , حَتَّى إِنَّهُ لَوْ كَانَ صَحْوًا لَرُئِيَ , لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ) أَيْ اِسْتَدِلُّوا عَلَيْهِ بِمَنَازِلِهِ , وَقَدِّرُوا إِتْمَام الشَّهْر بِحِسَابِهِ . وَقَالَ الْجُمْهُور : مَعْنَى ( فَاقْدُرُوا لَهُ ) فَأَكْمِلُوا الْمِقْدَار , يُفَسِّرهُ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة ( فَأَكْمِلُوا الْعِدَّة ) . وَذَكَرَ الدَّاوُدِيّ أَنَّهُ قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْله " فَاقْدُرُوا لَهُ " : أَيْ قَدِّرُوا الْمَنَازِل , وَهَذَا لَا نَعْلَم أَحَدًا قَالَ بِهِ إِلَّا بَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ أَنَّهُ يُعْتَبَر فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ , وَالْإِجْمَاع حُجَّة عَلَيْهِمْ , وَقَدْ رَوَى اِبْن نَافِع عَنْ مَالِك فِي الْإِمَام لَا يَصُوم لِرُؤْيَةِ الْهِلَال وَلَا يُفْطِر لِرُؤْيَتِهِ , وَإِنَّمَا يَصُوم وَيُفْطِر عَلَى الْحِسَاب : إِنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يُتَّبَع . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ زَلَّ بَعْض أَصْحَابنَا فَحَكَى عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّهُ قَالَ : يُعَوَّل عَلَى الْحِسَاب , وَهِيَ عَثْرَة لَا لَعًا لَهَا .

الرَّابِعَة : وَاخْتَلَفَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ هَلْ يَثْبُت هِلَال رَمَضَان بِشَهَادَةِ وَاحِد أَوْ شَاهِدَيْنِ , فَقَالَ مَالِك : لَا يُقْبَل فِيهِ شَهَادَة الْوَاحِد لِأَنَّهَا شَهَادَة عَلَى هِلَال فَلَا يُقْبَل فِيهَا أَقَلّ مِنْ اِثْنَيْنِ , أَصْله الشَّهَادَة عَلَى هِلَال شَوَّال وَذِي الْحَجَّة , وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة : يُقْبَل الْوَاحِد , لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : تَرَاءَى النَّاس الْهِلَال فَأَخْبَرْت بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْته , فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاس بِصِيَامِهِ , وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ مَرْوَان بْن مُحَمَّد عَنْ اِبْن وَهْب وَهُوَ ثِقَة . رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ " أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْد عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب عَلَى رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان فَصَامَ , أَحْسَبهُ قَالَ : وَأَمَرَ النَّاس أَنْ يَصُومُوا , وَقَالَ : أَصُوم يَوْمًا مِنْ شَعْبَان أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِر يَوْمًا مِنْ رَمَضَان . قَالَ الشَّافِعِيّ : فَإِنْ لَمْ تَرَ الْعَامَّة هِلَال شَهْر رَمَضَان وَرَآهُ رَجُل عَدْل رَأَيْت أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ وَالِاحْتِيَاط , وَقَالَ الشَّافِعِيّ بَعْد : لَا يَجُوز عَلَى رَمَضَان إِلَّا شَاهِدَانِ . قَالَ الشَّافِعِيّ وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : لَا أَقْبَل عَلَيْهِ إِلَّا شَاهِدَيْنِ , وَهُوَ الْقِيَاس عَلَى كُلّ مُغَيَّب " .

الْخَامِسَة : وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ رَأَى هِلَال رَمَضَان وَحْده أَوْ هِلَال شَوَّال , فَرَوَى الرَّبِيع عَنْ الشَّافِعِيّ : مَنْ رَأَى هِلَال رَمَضَان وَحْده فَلْيَصُمْهُ , وَمَنْ رَأَى هِلَال شَوَّال وَحْده فَلْيُفْطِرْ , وَلْيُخْفِ ذَلِكَ , وَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك فِي الَّذِي يَرَى هِلَال رَمَضَان وَحْده أَنَّهُ يَصُوم ; لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفْطِر وَهُوَ يَعْلَم أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْم مِنْ شَهْر رَمَضَان , وَمَنْ رَأَى هِلَال شَوَّال وَحْده فَلَا يُفْطِر ; لِأَنَّ النَّاس يُتَّهَمُونَ عَلَى أَنْ يُفْطِر مِنْهُمْ مَنْ لَيْسَ مَأْمُونًا , ثُمَّ يَقُول أُولَئِكَ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ : قَدْ رَأَيْنَا الْهِلَال . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَبِهَذَا قَالَ اللَّيْث بْن سَعْد وَأَحْمَد بْن حَنْبَل , وَقَالَ عَطَاء وَإِسْحَاق : لَا يَصُوم وَلَا يُفْطِر . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : يَصُوم وَيُفْطِر .

السَّادِسَة : وَاخْتَلَفُوا إِذَا أَخْبَرَ مُخْبِر عَنْ رُؤْيَة بَلَد , فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقْرُب أَوْ يَبْعُد , فَإِنْ قَرُبَ فَالْحُكْم وَاحِد , وَإِنْ بَعُدَ فَلِأَهْلِ كُلّ بَلَد رُؤْيَتهمْ , رُوِيَ هَذَا عَنْ عِكْرِمَة وَالْقَاسِم وَسَالِم , وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق , وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْبُخَارِيّ حَيْثُ بَوَّبَ : [ لِأَهْلِ كُلّ بَلَد رُؤْيَتهمْ ] وَقَالَ آخَرُونَ . إِذَا ثَبَتَ عِنْد النَّاس أَنَّ أَهْل بَلَد قَدْ رَأَوْهُ فَعَلَيْهِمْ قَضَاء مَا أَفْطَرُوا , هَكَذَا قَالَ اللَّيْث بْن سَعْد وَالشَّافِعِيّ . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا أَعْلَمهُ إِلَّا قَوْل الْمُزَنِيّ وَالْكُوفِيّ .

قُلْت : ذَكَرَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيّ فِي كِتَاب " أَحْكَام الْقُرْآن " لَهُ : وَأَجْمَعَ أَصْحَاب أَبِي حَنِيفَة عَلَى أَنَّهُ إِذَا صَامَ أَهْل بَلَد ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِلرُّؤْيَةِ , وَأَهْل بَلَد تِسْعَة وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَنَّ عَلَى الَّذِينَ صَامُوا تِسْعَة وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَضَاء يَوْم . وَأَصْحَاب الشَّافِعِيّ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ , إِذْ كَانَتْ الْمَطَالِع فِي الْبُلْدَان يَجُوز أَنْ تَخْتَلِف , وَحُجَّة أَصْحَاب أَبِي حَنِيفَة قَوْله تَعَالَى : " وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة " وَثَبَتَ بِرُؤْيَةِ أَهْل بَلَد أَنَّ الْعِدَّة ثَلَاثُونَ فَوَجَبَ عَلَى هَؤُلَاءِ إِكْمَالهَا . وَمُخَالِفهمْ يَحْتَجّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ) الْحَدِيث , وَذَلِكَ يُوجِب اِعْتِبَار عَادَة كُلّ قَوْم فِي بَلَدهمْ , وَحَكَى أَبُو عُمَر الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّهُ لَا تُرَاعَى الرُّؤْيَة فِيمَا بَعْد مِنْ الْبُلْدَان كَالْأَنْدَلُسِ مِنْ خُرَاسَان , قَالَ : وَلِكُلِّ بَلَد رُؤْيَتهمْ , إِلَّا مَا كَانَ كَالْمِصْرِ الْكَبِير وَمَا تَقَارَبَتْ أَقْطَاره مِنْ بُلْدَان الْمُسْلِمِينَ . رَوَى مُسْلِم عَنْ كُرَيْب أَنَّ أُمّ الْفَضْل بِنْت الْحَارِث بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَة بِالشَّامِ قَالَ : فَقَدِمْت الشَّام فَقَضَيْت حَاجَتهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَان وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْت الْهِلَال لَيْلَة الْجُمُعَة ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَة فِي آخِر الشَّهْر فَسَأَلَنِي عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا , ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَال فَقَالَ : مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَال ؟ فَقُلْت : رَأَيْنَاهُ لَيْلَة الْجُمُعَة , فَقَالَ : أَنْتَ رَأَيْته ؟ فَقُلْت نَعَمْ , وَرَآهُ النَّاس وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَة , فَقَالَ : لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَة السَّبْت فَلَا نَزَال نَصُوم حَتَّى نُكْمِل ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ , فَقُلْت : أَوَ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَة وَصِيَامه ؟ فَقَالَ لَا , هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : قَوْل اِبْن عَبَّاس ( هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) كَلِمَة تَصْرِيح بِرَفْعِ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَمْرِهِ , فَهُوَ حُجَّة عَلَى أَنَّ الْبِلَاد إِذَا تَبَاعَدَتْ كَتَبَاعُدِ الشَّام مِنْ الْحِجَاز فَالْوَاجِب عَلَى أَهْل كُلّ بَلَد أَنْ تَعْمَل عَلَى رُؤْيَته دُون رُؤْيَة غَيْره , وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْد الْإِمَام الْأَعْظَم , مَا لَمْ يَحْمِل النَّاس عَلَى ذَلِكَ , فَإِنْ حُمِلَ فَلَا تَجُوز مُخَالَفَته , وَقَالَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيّ : قَوْله ( هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) يَحْتَمِل أَنْ يَكُون تَأَوَّلَ فِيهِ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ) , وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل قَوْل اِبْن عَبَّاس هَذَا فَقِيلَ : رَدَّهُ لِأَنَّهُ خَبَر وَاحِد , وَقِيلَ : رَدَّهُ لِأَنَّ الْأَقْطَار مُخْتَلِفَة فِي الْمَطَالِع , وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ كُرَيْبًا لَمْ يَشْهَد وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ حُكْم ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ , وَلَا خِلَاف فِي الْحُكْم الثَّابِت أَنَّهُ يَجْزِي فِيهِ خَبَر الْوَاحِد , وَنَظِيره مَا لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَهَلَّ لَيْلَة الْجُمُعَة بِأَغْمَات وَأَهَلَّ بِأَشْبِيلِيَة لَيْلَة السَّبْت فَيَكُون لِأَهْلِ كُلّ بَلَد رُؤْيَتهمْ ; لِأَنَّ سُهَيْلًا يَكْشِف مِنْ أَغْمَات وَلَا يَكْشِف مِنْ أَشْبِيلِيَة , وَهَذَا يَدُلّ عَلَى اِخْتِلَاف الْمَطَالِع .

قُلْت : وَأَمَّا مَذْهَب مَالِك رَحِمَهُ اللَّه فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَرَوَى اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعَة أَنَّ أَهْل الْبَصْرَة إِذَا رَأَوْا هِلَال رَمَضَان ثُمَّ بَلَغَ ذَلِكَ إِلَى أَهْل الْكُوفَة وَالْمَدِينَة وَالْيَمَن أَنَّهُ يَلْزَمهُمْ الصِّيَام أَوْ الْقَضَاء إِنْ فَاتَ الْأَدَاء , وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاق عَنْ اِبْن الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ ثَبَتَ بِالْبَصْرَةِ بِأَمْرٍ شَائِع ذَائِع يُسْتَغْنَى عَنْ الشَّهَادَة وَالتَّعْدِيل لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَم غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْبِلَاد الْقَضَاء , وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا ثَبَتَ عِنْد حَاكِمهمْ بِشَهَاد

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أكتوبر 07, 2006 10:58 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[center][table=width:100%;background-color:transparent;background-image:url(backgrounds/8.gif);border:1 solid green;][cell=filter:;][align=center]

قال تعالى " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"

آل عمران85

الجلالين
ــــــــــــــــ

"وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ" لِمَصِيرِهِ إلَى النَّار الْمُؤَبَّدَة عَلَيْهِ

الطبري
ـــــــــــ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ يَطْلُب دِينًا غَيْر دِين الْإِسْلَام لِيَدِينَ بِهِ , فَلَنْ يَقْبَل اللَّه مِنْهُ , { وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ } , يَقُول : مِنْ الْبَاخِسِينَ أَنْفُسهمْ حُظُوظهَا مِنْ رَحْمَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَذُكِرَ أَنَّ أَهْل كُلّ مِلَّة اِدَّعَوْا أَنَّهُمْ هُمْ الْمُسْلِمُونَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَأَمَرَهُمْ اللَّه بِالْحَجِّ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ , لِأَنَّ مِنْ سُنَّة الْإِسْلَام الْحَجّ , فَامْتَنَعُوا , فَأَدْحَضَ اللَّه بِذَلِكَ حُجَّتهمْ . ذِكْر الْخَبَر بِذَلِكَ : 5812 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : زَعَمَ عِكْرِمَة : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا } فَقَالَتْ الْمِلَل : نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } 3 97 فَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ , وَقَعَدَ الْكُفَّار . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْقَعْنَبِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ } قَالَتْ الْيَهُود : فَنَحْنُ الْمُسْلِمُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُجّهُمْ أَنَّ { لِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } 3 97 5813 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَتْ الْيَهُود : فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ : إِنَّ { لِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ } مِنْ أَهْل الْمِلَل { فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } 3 97 وَقَالَ آخَرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَة بِمَا : 5814 - حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } إِلَى قَوْله : { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } 2 62 فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَعْد هَذَا : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ }

القرطبي
ـــــــــــــــ
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ

" غَيْر " مَفْعُول بِيَبْتَغِ , " دِينًا " مَنْصُوب عَلَى التَّفْسِير , وَيَجُوز أَنْ يَنْتَصِب دِينًا بِيَبْتَغِ , وَيَنْتَصِب " غَيْر " عَلَى أَنَّهُ حَال مِنْ الدِّين . قَالَ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْحَارِث بْن سُوَيْد أَخُو الْجُلَاس بْن سُوَيْد , وَكَانَ مِنْ الْأَنْصَار , اِرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام هُوَ وَاثْنَا عَشَر مَعَهُ وَلَحِقُوا بِمَكَّة كُفَّارًا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ يَطْلُب التَّوْبَة . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَأَسْلَمَ بَعْد نُزُول الْآيَات .

وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

قَالَ هِشَام : أَيْ وَهُوَ خَاسِر فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ ; وَلَوْلَا هَذَا لَفُرِّقَتْ بَيْنَ الصِّلَة وَالْمَوْصُول . وَقَالَ الْمَازِنِيّ : الْأَلِف وَاللَّام مِثْلهَا فِي الرَّجُل . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الْبَقَرَة عِنْد قَوْله : " وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لِمَنْ الصَّالِحِينَ " [ الْبَقَرَة : 130 ] .

[/align]
[/cell][/table][/center]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 10, 2006 10:49 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic]قال تعالى:

"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا"
الأحزاب 50

الجلالين
ــــــــــــــ

"يَا أَيّهَا النَّبِيّ إنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورهنَّ" مُهُورهنَّ "وَمَا مَلَكَتْ يَمِينك مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْك" مِنْ الْكُفَّار بِالسَّبْيِ كَصَفِيَّة وَجُوَيْرِيَة "وَبَنَات عَمّك وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالك وَبَنَات خَالَاتك اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك" بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْنَ "وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إنْ وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيّ أَنْ يَسْتَنْكِحهَا" يَطْلُب نِكَاحهَا بِغَيْرِ صَدَاق "خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ" النِّكَاح بِلَفْظِ الْهِبَة مِنْ غَيْر صَدَاق "قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ" أَيْ الْمُؤْمِنِينَ "فِي أَزْوَاجهمْ" مِنْ الْأَحْكَام بِأَنْ لَا يَزِيدُوا عَلَى أَرْبَع نِسْوَة وَلَا يَتَزَوَّجُوا إلَّا بِوَلِيٍّ وَشُهُود وَمَهْر "وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ" مِنْ الْإِمَاء بِشِرَاءٍ وَغَيْره بِأَنْ تَكُون الْأَمَة مِمَّنْ تَحِلّ لِمَالِكِهَا كَالْكِتَابِيَّةِ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيَّة وَالْوَثَنِيَّة وَأَنْ تَسْتَبْرِئ قَبْل الْوَطْء "لِكَيْلَا" مُتَعَلِّق بِمَا قَبْل ذَلِكَ "يَكُون عَلَيْك حَرَج" ضِيق فِي النِّكَاح "وَكَانَ اللَّه غَفُورًا" فِيمَا يُعْسِر التَّحَرُّز عَنْهُ "رَحِيمًا" بِالتَّوْسِعَةِ فِي ذَلِكَ

الطبري
ـــــــ

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } يَعْنِي : اللَّاتِي تَزَوَّجْتهنَّ بِصَدَاقٍ مُسَمًّى , كَمَا : 21778 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورهنَّ } قَالَ : صَدَقَاتهنَّ . 21779 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } قَالَ : كَانَ كُلّ امْرَأَة آتَاهَا مَهْرًا , فَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّه لَهُ . 21780 -حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاكَ يَقُول فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } إِلَى قَوْله : { خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } فَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ التَّسْمِيَة مَا شَاءَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا .

أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ

وَقَوْله : { وَمَا مَلَكَتْ يَمِينك مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْك } يَقُول : وَأَحْلَلْنَا لَك إِمَاءَك اللَّوَاتِي سَبَيْتهنَّ , فَمَلَكْتهنَّ بِالسِّبَاءِ , وَصِرْنَ لَك بِفَتْحِ اللَّه عَلَيْك مِنْ الْفَيْء { وَبَنَات عَمّك وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالِك وَبَنَات خَالَاتك اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك } فَأَحَلَّ اللَّه لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنَات عَمّه وَعَمَّاته وَخَاله وَخَالَاته , الْمُهَاجِرَات مَعَهُ مِنْهُنَّ دُونَ مَنْ لَمْ يُهَاجِر مِنْهُنَّ مَعَهُ , كَمَا : 21781 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أُمّ هَانِئٍ , قَالَتْ : خَطَبَنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاعْتَذَرْت لَهُ بِعُذْرِي , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ : { إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } .... إِلَى قَوْله { اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك } قَالَتْ : فَلَمْ أَحِلَّ لَهُ , لَمْ أُهَاجِر مَعَهُ , كُنْت مِنْ الطُّلَقَاء . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود : " وَبَنَات خَالَاتك وَاللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك " بِوَاوٍ ; وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَته مُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قِرَاءَتنَا بِغَيْرِ الْوَاو , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُدْخِل الْوَاوَ فِي نَعْت مَنْ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْره أَحْيَانًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَإِنَّ رُشَيْدًا وَابْنَ مَرْوَان لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ حَتَّى يَصْدُر الْأَمْر مَصْدَرَا وَرُشَيْد هُوَ ابْن مَرْوَان , وَكَانَ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَتَأَوَّل قِرَاءَةَ عَبْد اللَّه هَذِهِ أَنَّهُنَّ نَوْع غَيْر بَنَات خَالَاته , وَأَنَّهُنَّ كُلّ مُهَاجِرَة هَاجَرَتْ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذُكِرَ الْخَبَر عَنْهُ بِذَلِكَ : 21782 -حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي حَرْف ابْن مَسْعُود : " وَاللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك " يَعْنِي بِذَلِكَ : كُلّ شَيْء هَاجَرَ مَعَهُ لَيْسَ مِنْ بَنَات الْعَمّ وَالْعَمَّة , وَلَا مِنْ بَنَات الْخَال وَالْخَالَة .

مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا

وَقَوْله : { وَامْرَأَة مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } يَقُول : وَأَحْلَلْنَا لَهُ امْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ بِغَيْرِ صَدَاق , كَمَا : 21783 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } بِغَيْرِ صَدَاق , فَلَمْ يَكُنْ يَفْعَل ذَلِكَ , وَأُحِلَّ لَهُ خَاصَّة مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ . وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَامْرَأَة مُؤْمِنَة وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ " بِغَيْرِ إِنْ , وَمَعْنَى ذَلِكَ وَمَعْنَى قِرَاءَتنَا وَفِيهَا " إِنْ " وَاحِد , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل فِي الْكَلَام : لَا بَأْس أَنْ يَطَأ جَارِيَة مَمْلُوكَة إِنْ مَلَكَهَا , وَجَارِيَة مَمْلُوكَة مَلَكَهَا .

لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ

وَقَوْله { إِنْ أَرَادَ النَّبِيّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا } يَقُول : إِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَهَا , فَحَلَال لَهُ أَنْ يَنْكِحهَا وَإِذَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ بِغَيْرِ مَهْر { خَالِصَة لَك } يَقُول : لَا يَحِلّ لِأَحَدٍ مِنْ أُمَّتك أَنْ يَقْرَبَ امْرَأَة وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ , وَإِنَّمَا ذَلِكَ لَك يَا مُحَمَّد خَالِصَة أَخْلَصَتْ لَك مِنْ دُون سَائِر أُمَّتك , كَمَا : 21784 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : لَيْسَ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْر وَلِيّ وَلَا مَهْر , إِلَّا لِلنَّبِيِّ , كَانَتْ لَهُ خَالِصَة مِنْ دُون النَّاس , وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَيْمُونَةَ بِنْت الْحَارِث أَنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ. 21785 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك } . . . إِلَى قَوْله { خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : كَانَ كُلّ امْرَأَة آتَاهَا مَهْرًا فَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّه لَهُ إِلَى أَنْ وَهَبَ هَؤُلَاءِ أَنْفُسَهُنَّ لَهُ , فَأُحْلِلْنَ لَهُ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِغَيْرِ مَهْر خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا امْرَأَة لَهَا زَوْج . 21786 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ صَالِح بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت الشَّعْبِيَّ عَنْ امْرَأَة وَهَبَتْ نَفْسهَا لِرَجُلٍ , قَالَ : لَا يَكُون , لَا تَحِلّ لَهُ , إِنَّمَا كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { إِنْ وَهَبَتْ } بِكَسْرِ الْأَلِف عَلَى وَجْه الْجَزَاء , بِمَعْنَى : إِنْ تَهَبْ , وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَرَأَ : " وَأَنْ وَهَبَتْ " بِفَتْحِ الْأَلِف , بِمَعْنَى : وَأَحْلَلْنَا لَهُ امْرَأَة مُؤْمِنَة أَنْ يَنْكِحهَا , لِهِبَتِهَا لَهُ نَفْسَهَا . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ خِلَافهَا فِي كَسْر الْأَلِف لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَأَمَّا قَوْله : { خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } لَيْسَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ , وَذُكِرَ أَنَّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيّ النِّسَاء شَاءَ , فَقَصَرَهُ اللَّه عَلَى هَؤُلَاءِ , فَلَمْ يَعْدُهُنَّ , وَقَصَرَ سَائِرَ أُمَّته عَلَى مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21787 -حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى , عَنْ زِيَاد رَجُل مِنَ الْأَنْصَار , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , أَنَّ الَّتِي أَحَلَّ اللَّه لِلنَّبِيِّ مِنْ النِّسَاء هَؤُلَاءِ اللَّاتِي ذَكَرَ اللَّه { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } . . إِلَى قَوْله : { فِي أَزْوَاجهمْ } وَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع . 21788 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك } . . . إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ النِّسَاء ; وَكَانَ قَبْل ذَلِكَ يَنْكِح فِي أَيّ النِّسَاء شَاءَ , لَمْ يُحَرَّم ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَكَانَ نِسَاؤُهُ يَجِدْنَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا أَنْ يَنْكِح فِي أَيّ النَّاس أَحَبَّ ; فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه : إِنِّي قَدْ حَرَّمْت عَلَيْك مِنَ النَّاس سِوَى مَا قَصَصْت عَلَيْك , أَعْجَبَ ذَلِكَ نِسَاءَهُ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُؤْمِنَات , وَهَلْ كَانَتْ عِنْدَ رَسُول اللَّه امْرَأَة كَذَلِكَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يَكُنْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَة إِلَّا بِعَقْدِ نِكَاح أَوْ مِلْك يَمِين , فَأَمَّا بِالْهِبَةِ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ أَحَد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21789 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ عَنْبَسَة بْن الْأَزْهَر , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس قَالَ : لَمْ يَكُنْ عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَة وَهَبَتْ نَفْسَهَا . 21790 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } قَالَ : أَنْ تَهَبَ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : قَدْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ , فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : كَانَتْ مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث . وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ أُمّ شَرِيك , وَقَالَ بَعْضهمْ : زَيْنَب بِنْت خُزَيْمَةَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21791 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : { وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } قَالَ : هِيَ مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث . وَقَالَ بَعْضهمْ : زَيْنَب بِنْت خُزَيْمَةَ أُمّ الْمَسَاكِين امْرَأَة مِنَ الْأَنْصَار . 21792 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثني الْحَكَم , قَالَ : كَتَبَ عَبْد الْمَلِك إِلَى أَهْل الْمَدِينَة يَسْأَلهُمْ , قَالَ : فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيّ , قَالَ شُعْبَة : وَهُوَ ظَنِّي عَلِيّ بْن حُسَيْن , قَالَ : وَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهِ أَبَان بْن تَغْلِب , عَنْ الْحَكَم , أَنَّهُ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , الَّذِي كَتَبَ إِلَيْهِ , قَالَ : هِيَ امْرَأَة مِنَ الْأَسَد يُقَال لَهَا أُمّ شَرِيك , وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ . 21793 -قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي السَّفَر , عَنِ الشَّعْبِيّ , أَنَّهَا امْرَأَة مِنَ الْأَنْصَار , وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ , وَهِيَ مِمَّنْ أَرْجَأَ . 21794 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثني سَعِيد , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ خَوْلَة بِنْت حَكِيم بْن الْأَوْقَص مِنْ بَنِي سُلَيْم , كَانَتْ مِنْ اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 21795 - قَالَ : ثني سَعِيد بْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ أُمّ شَرِيك كَانَتْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَتْ امْرَأَة صَالِحَة .

الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا

وَقَوْله : { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي أَزْوَاجهمْ إِذَا أَرَادُوا نِكَاحَهُنَّ مِمَّا لَمْ نَفْرِضهُ عَلَيْك , وَمَا خَصَصْنَاهُمْ بِهِ مِنَ الْحُكْم فِي ذَلِكَ دُونَك , وَهُوَ أَنَّا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لَا يَحِلّ لَهُمْ عَقْد نِكَاح عَلَى حُرَّة مُسْلِمَة إِلَّا بِوَلِيٍّ عَصَبَة وَشُهُود عُدُول , وَلَا يَحِلّ لَهُمْ مِنْهُنَّ أَكْثَر مِنْ أَرْبَع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21796 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبُّويَةَ , قَالَ : ثنا مُطَهَّر , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ مَطَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْل اللَّه : { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجهمْ } قَالَ : إِنَّ مِمَّا فَرَضَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَنْ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ. 21797 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجهمْ } قَالَ : فِي الْأَرْبَع . 21798 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجهمْ } قَالَ : كَانَ مِمَّا فَرَضَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَنْ لَا تَزَوَّجَ امْرَأَة إِلَّا بِوَلِيٍّ وَصَدَاق عِنْد شَاهِدَيْ عَدْل , وَلَا يَحِلّ لَهُمْ مِنْ النِّسَاء إِلَّا أَرْبَع , وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ . وَقَوْله : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَدْ عِلْمنَا مَا فَرَضْنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي أَزْوَاجهمْ ; لِأَنَّهُ لَا يَحِلّ لَهُمْ مِنْهُنَّ أَكْثَر مِنْ أَرْبَع , وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ , فَإِنَّ جَمِيعَهُنَّ إِذَا كُنَّ مُؤْمِنَات أَوْ كِتَابِيَّات , لَهُمْ حَلَال بِالسِّبَاءِ وَالتَّسَرِّي وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَسْبَاب الْمِلْك , وَقَوْله : { لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْك حَرَج وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك يَا مُحَمَّد أَزْوَاجَك اللَّوَاتِي ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْآيَة , وَامْرَأَة مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ , إِنْ أَرَادَ النَّبِيّ أَنْ يَسْتَنْكِحهَا ; لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْك إِثْم وَضِيق فِي نِكَاح مَنْ نَكَحْت مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَاف الَّتِي أَبَحْت لَكَ نِكَاحَهُنَّ مِنَ الْمُسَمَّيَات فِي هَذِهِ الْآيَة , وَكَانَ اللَّه غَفُورًا لَك وَلِأَهْلِ الْإِيمَان بِك , رَحِيمًا بِك وَبِهِمْ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى سَالِف ذَنْب مِنْهُمْ سَلَف بَعْدَ تَوْبَتهمْ مِنْهُ .




القرطبي
ـــــــــ

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ

رَوَى السُّدِّيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أُمّ هَانِئ بِنْت أَبِي طَالِب قَالَتْ : خَطَبَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَذَرْت إِلَيْهِ فَعَذَرَنِي , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورهنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينك مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْك وَبَنَات عَمّك وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالك وَبَنَات خَالَاتك اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك " قَالَتْ : فَلَمْ أَكُنْ أَحِلّ لَهُ ; لِأَنِّي لَمْ أُهَاجِر , كُنْت مِنْ الطُّلَقَاء . خَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ ضَعِيف جِدًّا وَلَمْ يَأْتِ هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق صَحِيح يُحْتَجّ بِهَا .

لَمَّا خَيَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فَاخْتَرْنَهُ , حُرِّمَ عَلَيْهِ التَّزَوُّج بِغَيْرِهِنَّ وَالِاسْتِبْدَال بِهِنَّ , مُكَافَأَة لَهُنَّ عَلَى فِعْلهنَّ . وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد " الْآيَة . وَهَلْ كَانَ يَحِلّ لَهُ أَنْ يُطَلِّق وَاحِدَة مِنْهُنَّ بَعْد ذَلِكَ ؟ فَقِيلَ : لَا يَحِلّ لَهُ ذَلِكَ عَزَاء لَهُنَّ عَلَى اِخْتِيَارهنَّ لَهُ . وَقِيلَ : كَانَ يَحِلّ لَهُ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ النِّسَاء وَلَكِنْ لَا يَتَزَوَّج بَدَلهَا . ثُمَّ نُسِخَ هَذَا التَّحْرِيم فَأَبَاحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج بِمَنْ شَاءَ عَلَيْهِنَّ مِنْ النِّسَاء , وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْل تَعَالَى : " إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجك " وَالْإِحْلَال يَقْتَضِي تَقَدُّم حَظْر . وَزَوْجَاته اللَّاتِي فِي حَيَاته لَمْ يَكُنَّ مُحَرَّمَات عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا كَانَ حُرِّمَ عَلَيْهِ التَّزْوِيج بِالْأَجْنَبِيَّاتِ فَانْصَرَفَ الْإِحْلَال إِلَيْهِنَّ , وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي سِيَاق الْآيَة " وَبَنَات عَمّك وَبَنَات عَمَّاتك " الْآيَة . وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَحْته أَحَد مِنْ بَنَات عَمّه وَلَا مِنْ بَنَات عَمَّاته وَلَا مِنْ بَنَات خَاله وَلَا مِنْ بَنَات خَالَاته , فَثَبَتَ أَنَّهُ أُحِلَّ لَهُ التَّزْوِيج بِهَذَا اِبْتِدَاء . وَهَذِهِ الْآيَة وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّمَة فِي التِّلَاوَة فَهِيَ مُتَأَخِّرَة النُّزُول عَلَى الْآيَة الْمَنْسُوخَة بِهَا , كَآيَتَيْ الْوَفَاة فِي " الْبَقَرَة " .

وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجك " فَقِيلَ : الْمُرَاد بِهَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج كُلّ اِمْرَأَة يُؤْتِيهَا مَهْرهَا , قَالَ اِبْن زَيْد وَالضَّحَّاك . فَعَلَى هَذَا تَكُون الْآيَة مُبِيحَة جَمِيع النِّسَاء حَاشَا ذَوَات الْمَحَارِم . وَقِيلَ : الْمُرَاد أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجك , أَيْ الْكَائِنَات عِنْدك , لِأَنَّهُنَّ قَدْ اِخْتَرْنَك عَلَى الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , قَالَ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء . وَهُوَ الظَّاهِر , لِأَنَّ قَوْله : " آتَيْت أُجُورهنَّ " مَاضٍ , وَلَا يَكُون الْفِعْل الْمَاضِي بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال إِلَّا بِشُرُوطٍ . وَيَجِيءُ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل ضَيِّقًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَيُؤَيِّد هَذَا التَّأْوِيل مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَزَوَّج فِي أَيّ النَّاس شَاءَ , وَكَانَ يَشُقّ ذَلِكَ عَلَى نِسَائِهِ , فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة وَحُرِّمَ عَلَيْهِ بِهَا النِّسَاء إِلَّا مَنْ سُمِّيَ , سُرَّ نِسَاؤُهُ بِذَلِكَ .

قُلْت : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيَدُلّ أَيْضًا عَلَى صِحَّته مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَطَاء قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : مَا مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحَلَّ اللَّه تَعَالَى لَهُ النِّسَاء . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح .

أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ

أَحَلَّ اللَّه تَعَالَى السَّرَارِيّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأُمَّتِهِ مُطْلَقًا , وَأَحَلَّ الْأَزْوَاج لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُطْلَقًا , وَأَحَلَّهُ لِلْخَلْقِ بِعَدَدٍ .

يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ

أَيْ رَدَّهُ عَلَيْك مِنْ الْكُفَّار . وَالْغَنِيمَة قَدْ تُسَمَّى فَيْئًا , أَيْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْك مِنْ النِّسَاء بِالْمَأْخُوذِ عَلَى وَجْه الْقَهْر وَالْغَلَبَة .

عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ

أَيْ أَحْلَلْنَا لَك ذَلِكَ زَائِدًا مِنْ الْأَزْوَاج اللَّاتِي آتَيْت أُجُورهنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينك , عَلَى قَوْل الْجُمْهُور , لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحْلَلْنَا لَك كُلّ اِمْرَأَة تَزَوَّجْت وَآتَيْت أَجْرهَا , لَمَا قَالَ بَعْد ذَلِكَ : " وَبَنَات عَمّك وَبَنَات عَمَّاتك " لِأَنَّ ذَلِكَ دَاخِل فِيمَا تَقَدَّمَ .

قُلْت : وَهَذَا لَا يَلْزَم , وَإِنَّمَا خُصَّ هَؤُلَاءِ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " فِيهِمَا فَاكِهَة وَنَخْل وَرُمَّان " [ الرَّحْمَن : 68 ] . وَاَللَّه أَعْلَمُ .

ذَكَرَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعَمّ فَرْدًا وَالْعَمَّات جَمْعًا . وَكَذَلِكَ قَالَ : " خَالك " , " وَخَالَاتك " وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْعَمّ وَالْخَال فِي الْإِطْلَاق اِسْم جِنْس كَالشَّاعِرِ وَالرَّاجِز , وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَمَّة وَالْخَالَة . وَهَذَا عُرْف لُغَوِيّ , فَجَاءَ الْكَلَام عَلَيْهِ بِغَايَةِ الْبَيَان لِرَفْعِ الْإِشْكَال , وَهَذَا دَقِيق فَتَأَمَّلُوهُ , قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ .

خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ

فِيهِ قَوْلَانِ : الْأَوَّل : لَا يَحِلّ لَك مِنْ قَرَابَتك كَبَنَاتِ عَمّك الْعَبَّاس وَغَيْره مِنْ أَوْلَاد عَبْد الْمُطَّلِب , وَبَنَات أَوْلَاد بَنَات عَبْد الْمُطَّلِب , وَبَنَات الْخَال مِنْ وَلَد بَنَات عَبْد مَنَاف بْن زُهْرَة إِلَّا مَنْ أَسْلَمَ , لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُسْلِم مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانه وَيَده وَالْمُهَاجِر مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّه تَعَالَى عَنْهُ ) . الثَّانِي : لَا يَحِلّ لَك مِنْهُنَّ إِلَّا مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة , لِقَوْلِهِ تَعَالَى . " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا " وَمَنْ لَمْ يُهَاجِر لَمْ يَكْمُل , وَمَنْ لَمْ يَكْمُل لَمْ يَصْلُح لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَمُلَ وَشَرُفَ وَعَظُمَ , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

‎قَوْله تَعَالَى " مَعَك " الْمَعِيَّة هُنَا الِاشْتِرَاك فِي الْهِجْرَة لَا فِي الصُّحْبَة فِيهَا , فَمَنْ هَاجَرَ حَلَّ لَهُ , كَانَ فِي صُحْبَته إِذْ هَاجَرَ أَوْ لَمْ يَكُنْ . يُقَال : دَخَلَ فُلَان مَعِي وَخَرَجَ مَعِي , أَيْ كَانَ عَمَله كَعَمَلِي وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِن فِيهِ عَمَلكُمَا . وَلَوْ قُلْت : خَرَجْنَا مَعًا لَاقْتَضَى ذَلِكَ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا : الِاشْتِرَاك فِي الْفِعْل , وَالِاقْتِرَان فِيهِ .

مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا

عَطْف عَلَى " أَحْلَلْنَا " الْمَعْنَى وَأَحْلَلْنَا كُلّ اِمْرَأَة تَهَب نَفْسهَا مِنْ غَيْر صَدَاق . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْمَعْنَى , فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : لَمْ تَكُنْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَة إِلَّا بِعَقْدِ نِكَاح أَوْ مِلْك يَمِين . فَأَمَّا الْهِبَة فَلَمْ يَكُنْ عِنْده مِنْهُنَّ أَحَد . وَقَالَ قَوْم : كَانَتْ عِنْده مَوْهُوبَة .

قُلْت : وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ يُقَوِّي هَذَا الْقَوْل وَيَعْضُدهُ , رَوَى مُسْلِم عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : كُنْت أَغَار عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسهنَّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقُول : أَمَا تَسْتَحِي اِمْرَأَة تَهَب نَفْسهَا لِرَجُلٍ ! حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء " [ الْأَحْزَاب : 51 ] فَقُلْت : وَاَللَّه مَا أَرَى رَبّك إِلَّا يُسَارِع فِي هَوَاك . وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَتْ خَوْلَة بِنْت حَكِيم مِنْ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسهنَّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ غَيْر وَاحِدَة . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَقِيلَ الْمُوهِبَات أَرْبَع : مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث , وَزَيْنَب بِنْت خُزَيْمَة أُمّ الْمَسَاكِين الْأَنْصَارِيَّة , وَأُمّ شَرِيك بِنْت جَابِر , وَخَوْلَة بِنْت حَكِيم .

قُلْت : وَفِي بَعْض هَذَا اِخْتِلَاف . قَالَ قَتَادَة : هِيَ مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : هِيَ زَيْنَب بِنْت خُزَيْمَة أُمّ الْمَسَاكِين اِمْرَأَة مِنْ الْأَنْصَار . وَقَالَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن وَالضَّحَّاك وَمُقَاتِل : هِيَ أُمّ شَرِيك بِنْت جَابِر الْأَسَدِيَّة . وَقَالَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر : أُمّ حَكِيم بِنْت الْأَوْقَص السَّلَمِيَّة .

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي اِسْم الْوَاهِبَة نَفْسهَا , فَقِيلَ هِيَ أُمّ شُرَيْح الْأَنْصَارِيَّة , اِسْمهَا غُزَيَّة . وَقِيلَ غُزَيْلَة . وَقِيلَ لَيْلَى بِنْت حَكِيم . وَقِيلَ : هِيَ مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث حِين خَطَبَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَاءَهَا الْخَاطِب وَهِيَ عَلَى بَعِيرهَا فَقَالَتْ : الْبَعِير وَمَا عَلَيْهِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : هِيَ أُمّ شَرِيك الْعَامِرِيَّة , وَكَانَتْ عِنْد أَبِي الْعُكْر الْأَزْدِيّ . وَقِيلَ عِنْد الطُّفَيْل بْن الْحَارِث فَوَلَدَتْ لَهُ شَرِيكًا . وَقِيلَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا , وَلَمْ يَثْبُت ذَلِكَ . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ , ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَعُرْوَة : وَهِيَ زَيْنَب بِنْت خُزَيْمَة أُمّ الْمَسَاكِين . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ .

قَرَأَ جُمْهُور النَّاس " إِنْ وَهَبَتْ " بِكَسْرِ الْأَلِف , وَهَذَا يَقْتَضِي اِسْتِئْنَاف الْأَمْر , أَيْ إِنْ وَقَعَ فَهُوَ حَلَال لَهُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد أَنَّهُمَا قَالَا : لَمْ يَكُنْ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَة مَوْهُوبَة , وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى خِلَافه . وَرَوَى الْأَئِمَّة مِنْ طَرِيق سَهْل وَغَيْره فِي الصِّحَاح : أَنَّ اِمْرَأَة قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جِئْت أَهَب لَك نَفْسِي , فَسَكَتَ حَتَّى قَامَ رَجُل فَقَالَ : زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَة . فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْهِبَة غَيْر جَائِزَة لَمَا سَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَا يَقِرّ عَلَى الْبَاطِل إِذَا سَمِعَهُ , غَيْر أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون سُكُوته مُنْتَظِرًا بَيَانًا , فَنَزَلَتْ الْآيَة بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّخْيِير , فَاخْتَارَ تَرْكهَا وَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْره . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَكَتَ نَاظِرًا فِي ذَلِكَ حَتَّى قَامَ الرَّجُل لَهَا طَالِبًا . وَقَرَأَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَأُبَيّ بْن كَعْب وَالشَّعْبِيّ " أَنْ " بِفَتْحِ الْأَلِف . وَقَرَأَ الْأَعْمَش " وَامْرَأَة مُؤْمِنَة وَهَبَتْ " . قَالَ النَّحَّاس : وَكَسْر " إِنْ " أَجْمَعُ لِلْمَعَانِي , لِأَنَّهُ قِيلَ إِنَّهُنَّ نِسَاء . وَإِذَا فُتِحَ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى وَاحِدَة بِعَيْنِهَا , لِأَنَّ الْفَتْح عَلَى الْبَدَل مِنْ اِمْرَأَة , أَوْ بِمَعْنَى لِأَنَّ .

قَوْله تَعَالَى : " مُؤْمِنَة " يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَة لَا تَحِلّ لَهُ . قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ : وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيم الْحُرَّة الْكَافِرَة عَلَيْهِ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالصَّحِيح عِنْدِي تَحْرِيمهَا عَلَيْهِ . وَبِهَذَا يَتَمَيَّز عَلَيْنَا , فَإِنَّهُ مَا كَانَ مِنْ جَانِب الْفَضَائِل وَالْكَرَامَة فَحَظّه فِيهِ أَكْثَرُ , وَمَا كَانَ جَانِب النَّقَائِص فَجَانِبه عَنْهَا أَطْهَرُ ; فَجُوِّزَ لَنَا نِكَاح الْحَرَائِر الْكِتَابِيَّات , وَقُصِرَ هُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَلَالَتِهِ عَلَى الْمُؤْمِنَات . وَإِذَا كَانَ لَا يَحِلّ لَهُ مَنْ لَمْ تُهَاجِر لِنُقْصَانِ فَضْل الْهِجْرَة فَأَحْرَى أَلَّا تَحِلّ لَهُ الْكَافِرَة الْكِتَابِيَّة لِنُقْصَانِ الْكُفْر .

" إِنْ وَهَبَتْ نَفْسهَا " دَلِيل عَلَى أَنَّ النِّكَاح عَقْد مُعَاوَضَة عَلَى صِفَات مَخْصُوصَة , قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي " النِّسَاء " وَغَيْرهَا . وَقَالَ الزَّجَّاج : مَعْنَى " إِنْ وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ " حَلَّتْ . وَقَرَأَ الْحَسَن : " أَنْ وَهَبَتْ " بِفَتْحِ الْهَمْزَة . و " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب . قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ لِأَنْ . وَقَالَ غَيْره : " أَنْ وَهَبَتْ " بَدَل اِشْتِمَال مِنْ " اِمْرَأَة " .

لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ

أَيْ إِذَا وَهَبَتْ الْمَرْأَة نَفْسهَا وَقَبِلَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّتْ لَهُ , وَإِنْ لَمْ يَقْبَلهَا لَمْ يَلْزَم ذَلِكَ . كَمَا إِذَا وَهَبْت لِرَجُلٍ شَيْئًا فَلَا يَجِب عَلَيْهِ الْقَبُول , بَيْد أَنَّ مِنْ مَكَارِم أَخْلَاق نَبِيّنَا أَنْ يَقْبَل مِنْ الْوَاهِب هِبَته . وَيَرَى الْأَكَارِم أَنَّ رَدَّهَا هُجْنَة فِي الْعَادَة , وَوَصْمَة عَلَى الْوَاهِب وَأَذِيَّة لِقَلْبِهِ , فَبَيَّنَ اللَّه ذَلِكَ فِي حَقّ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَهُ قُرْآنًا يُتْلَى , لِيَرْفَع عَنْهُ الْحَرَج , وَيُبْطِل بُطْل النَّاس فِي عَادَتهمْ وَقَوْلهمْ .

" أَنْ يَسْتَنْكِحهَا " أَيْ يَنْكِحهَا , يُقَال : نَكَحَ وَاسْتَنْكَحَ , مِثْل عَجِبَ وَاسْتَعْجَبَ , وَعَجِلَ وَاسْتَعْجَلَ . وَيَجُوز أَنْ يَرِد الِاسْتِنْكَاح بِمَعْنَى طَلَب النِّكَاح , أَوْ طَلَب الْوَطْء . و " خَالِصَة " نُصِبَ عَلَى الْحَال , قَالَ الزَّجَّاج . وَقِيلَ : حَال مِنْ ضَمِير مُتَّصِل بِفِعْلٍ مُضْمَر دَلَّ عَلَيْهِ الْمُضْمَر , تَقْدِيره : أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجك , وَأَحْلَلْنَا لَك اِمْرَأَة مُؤْمِنَة أَحْلَلْنَاهَا خَالِصَة , بِلَفْظِ الْهِبَة وَبِغَيْرِ صَدَاق وَبِغَيْرِ وَلِيّ

‎قَوْله تَعَالَى " خَالِصَة لَك " أَيْ هِبَة النِّسَاء أَنْفُسَهُنَّ خَالِصَة وَمَزِيَّة لَا تَجُوز , فَلَا يَجُوز أَنْ تَهَب الْمَرْأَة نَفْسهَا لِرَجُلٍ . وَوَجْه الْخَاصِّيَّة أَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْ فَرْض الْمَهْر قَبْل الدُّخُول لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ . فَأَمَّا فِيمَا بَيْننَا فَلِلْمُفَوِّضَةِ طَلَبُ الْمَهْر قَبْل الدُّخُول , وَمَهْر الْمِثْل بَعْد الدُّخُول .

أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ هِبَة الْمَرْأَة نَفْسَهَا غَيْر جَائِز , وَأَنَّ هَذَا اللَّفْظ مِنْ الْهِبَة لَا يَتِمّ عَلَيْهِ نِكَاح , إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَة وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِذَا وَهَبَتْ فَأَشْهَدَ هُوَ عَلَى نَفْسه بِمَهْرٍ فَذَلِكَ جَائِز . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : فَلَيْسَ فِي قَوْلهمْ إِلَّا تَجْوِيز الْعِبَارَة وَلَفْظَة الْهِبَة , وَإِلَّا فَالْأَفْعَال الَّتِي اِشْتَرَطُوهَا هِيَ أَفْعَال النِّكَاح بِعَيْنِهِ , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي " الْقَصَص " مُسْتَوْفَاة . وَالْحَمْد لِلَّهِ .

‎خَصَّ اللَّه تَعَالَى رَسُوله فِي أَحْكَام الشَّرِيعَة بِمَعَانٍ لَمْ يُشَارِكهُ فِيهَا أَحَد - فِي بَاب الْفَرْض وَالتَّحْرِيم وَالتَّحْلِيل - مَزِيَّة عَلَى الْأُمَّة وُهِبَتْ لَهُ , وَمَرْتَبَة خُصَّ بِهَا , فَفُرِضَتْ عَلَيْهِ أَشْيَاء مَا فُرِضَتْ عَلَى غَيْره , وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَفْعَال لَمْ تُحَرَّم عَلَيْهِمْ , وَحُلِّلَتْ لَهُ أَشْيَاء لَمْ تُحَلَّل لَهُمْ , مِنْهَا مُتَّفَق عَلَيْهِ وَمُخْتَلَف فِيهِ .

فَأَمَّا مَا فُرِضَ عَلَيْهِ فَتِسْعَة : الْأَوَّل - التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ , يُقَال : إِنَّ قِيَام اللَّيْل كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مَاتَ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَا أَيّهَا الْمُزَّمِّل قُمْ اللَّيْل " [ الْمُزَّمِّل : 1 - 2 ] الْآيَة . وَالْمَنْصُوص أَنَّهُ كَانَ , وَاجِبًا عَلَيْهِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَة لَك " [ الْإِسْرَاء : 79 ] وَسَيَأْتِي . الثَّانِي : الضُّحَى . الثَّالِث : الْأَضْحَى . الرَّابِع : الْوِتْر , وَهُوَ يَدْخُل فِي قِسْم التَّهَجُّد . الْخَامِس : السِّوَاك . السَّادِس : قَضَاء دَيْن مَنْ مَاتَ مُعْسِرًا . السَّابِع : مُشَاوَرَة ذَوِي الْأَحْلَام فِي غَيْر الشَّرَائِع . الثَّامِن : تَخْيِير النِّسَاء . التَّاسِع : إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ . زَادَ غَيْره : وَكَانَ يَجِب عَلَيْهِ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا أَنْكَرَهُ وَأَظْهَرَهُ , لِأَنَّ إِقْرَاره لِغَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى جَوَازه , ذَكَرَهُ صَاحِب الْبَيَان .

وَأَمَّا مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ فَجُمْلَته عَشَرَة : الْأَوَّل : تَحْرِيم الزَّكَاة عَلَيْهِ وَعَلَى آله . الثَّانِي : صَدَقَة التَّطَوُّع عَلَيْهِ , وَفِي آلِه تَفْصِيل بِاخْتِلَافٍ . الثَّالِث : خَائِنَة الْأَعْيُن , وَهُوَ أَنْ يُظْهِر خِلَاف مَا يُضْمِر , أَوْ يَنْخَدِع عَمَّا يَجِب . وَقَدْ ذَمَّ بَعْض الْكُفَّار عِنْد إِذْنه ثُمَّ أَلَانَ لَهُ الْقَوْل عِنْد دُخُوله . الرَّابِع : حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَخْلَعهَا عَنْهُ أَوْ يَحْكُم اللَّه بَيْنه وَبَيْن مُحَارِبه . الْخَامِس : الْأَكْل مُتَّكِئًا . السَّادِس : أَكْل الْأَطْعِمَة الْكَرِيهَة الرَّائِحَة . السَّابِع : التَّبَدُّل بِأَزْوَاجِهِ , وَسَيَأْتِي . الثَّامِن : نِكَاح اِمْرَأَة تَكْرَه صُحْبَته . التَّاسِع : نِكَاح الْحُرَّة الْكِتَابِيَّة . الْعَاشِر : نِكَاح الْأَمَة .

وَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ أَشْيَاء لَمْ يُحَرِّمهَا عَلَى غَيْره تَنْزِيهًا لَهُ وَتَطْهِيرًا . فَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْكِتَابَة وَقَوْل الشِّعْر وَتَعْلِيمه , تَأْكِيدًا لِحُجَّتِهِ وَبَيَانًا لِمُعْجِزَتِهِ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَمَا كُنْت تَتْلُو مِنْ قَبْله مِنْ كِتَاب وَلَا تَخُطّهُ بِيَمِينِك " [ الْعَنْكَبُوت : 48 ] . وَذَكَرَ النَّقَّاش أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَاتَ حَتَّى كَتَبَ , وَالْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور . وَحُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُدّ عَيْنَيْهِ إِلَى مَا مُتِّعَ بِهِ النَّاس , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ " [ الْحِجْر : 88 ] الْآيَة .

وَأَمَّا مَا أُحِلَّ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُمْلَته سِتَّة عَشَرَ : الْأَوَّل : صَفِيّ الْمَغْنَم . الثَّانِي : الِاسْتِبْدَاد بِخُمُسِ الْخُمُس أَوْ الْخُمُس . الثَّالِث : الْوِصَال . الرَّابِع : الزِّيَادَة عَلَى أَرْبَع نِسْوَة . الْخَامِس : النِّكَاح بِلَفْظِ الْهِبَة . السَّادِس : النِّكَاح بِغَيْرِ وَلِيّ . السَّابِع : النِّكَاح بِغَيْرِ صَدَاق . الثَّامِن : نِكَاحه فِي حَالَة الْإِحْرَام . التَّاسِع : سُقُوط الْقَسْم بَيْن الْأَزْوَاج عَنْهُ , وَسَيَأْتِي . الْعَاشِر : إِذَا وَقَعَ بَصَره عَلَى اِمْرَأَة وَجَبَ عَلَى زَوْجهَا طَلَاقهَا , وَحَلَّ لَهُ نِكَاحهَا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَكَذَا قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ , وَقَدْ مَضَى مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي قِصَّة زَيْد مِنْ هَذَا الْمَعْنَى . الْحَادِيَ عَشَرَ : أَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّة وَجَعَلَ عِتْقهَا صَدَاقهَا . الثَّانِي عَشَرَ : دُخُول مَكَّة بِغَيْرِ إِحْرَام , وَفِي حَقّنَا فِيهِ اِخْتِلَاف . الثَّالِث عَشَر : الْقِتَال بِمَكَّة . الرَّابِع عَشَر : أَنَّهُ لَا يُورَث . وَإِنَّمَا ذُكِرَ هَذَا فِي قِسْم التَّحْلِيل لِأَنَّ الرَّجُل إِذَا قَارَبَ الْمَوْت بِالْمَرَضِ زَالَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِلْكه , وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا الثُّلُث خَالِصًا , وَبَقِيَ مِلْك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ بَيَانه فِي آيَة الْمَوَارِيث , وَسُورَة " مَرْيَم " بَيَانه أَيْضًا . الْخَامِسَة عَشَر : بَقَاء زَوْجِيَّته مِنْ بَعْد الْمَوْت . السَّادِس عَشَر : إِذَا طَلَّقَ اِمْرَأَة تَبْقَى حُرْمَته عَلَيْهَا فَلَا تُنْكَح . وَهَذِهِ الْأَقْسَام الثَّلَاثَة تَقَدَّمَ مُعْظَمُهَا مُفَصَّلًا فِي مَوَاضِعهَا . وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَأُبِيحَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخْذ الطَّعَام وَالشَّرَاب مِنْ الْجَائِع وَالْعَطْشَان , وَإِنْ كَانَ مَنْ هُوَ مَعَهُ يَخَاف عَلَى نَفْسه الْهَلَاك , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ " [ الْأَحْزَاب : 6 ] . وَعَلَى كُلّ أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ . وَأُبِيحَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ . وَأَكْرَمَهُ اللَّه بِتَحْلِيلِ الْغَنَائِم . وَجُعِلَتْ الْأَرْض لَهُ وَلِأُمَّتِهِ مَسْجِدًا وَطَهُورًا . وَكَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاء مَنْ لَا تَصِحّ صَلَاتهمْ إِلَّا فِي الْمَسَاجِد . وَنُصِرَ بِالرُّعْبِ , فَكَانَ يَخَافهُ الْعَدُوّ مِنْ مَسِيرَة شَهْر . وَبُعِثَ إِلَى كَافَّة الْخَلْق , وَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْله مِنْ الْأَنْبِيَاء يُبْعَث الْوَاحِد إِلَى بَعْض النَّاس دُون بَعْض . وَجُعِلَتْ مُعْجِزَاته . كَمُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاء قَبْله وَزِيَادَة . وَكَانَتْ مُعْجِزَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الْعَصَا وَانْفِجَار الْمَاء مِنْ الصَّخْرَة . وَقَدْ اِنْشَقَّ الْقَمَر لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ الْمَاء مِنْ بَيْن أَصَابِعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مُعْجِزَة عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْيَاء الْمَوْتَى وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص . وَقَدْ سَبَّحَ الْحَصَى فِي يَد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَحَنَّ الْجِذْع إِلَيْهِ , وَهَذَا أَبْلَغُ . وَفَضَّلَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ بِأَنْ جَعَلَ الْقُرْآن مُعْجِزَة لَهُ , وَجَعَلَ مُعْجِزَته فِيهِ بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَلِهَذَا جُعِلَتْ نُبُوَّته مُؤَبَّدَة لَا تُنْسَخ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة .

قَوْله تَعَالَى " مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ " فَائِدَته أَنَّ الْكُفَّار وَإِنْ كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَة عِنْدنَا فَلَيْسَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ دُخُول لِأَنَّ تَصْرِيف الْأَحْكَام إِنَّمَا يَكُون فِيهِمْ عَلَى تَقْدِير الْإِسْلَام .

الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ

فَائِدَته أَنَّ الْكُفَّار وَإِنْ كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَة عِنْدنَا فَلَيْسَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ دُخُول , لِأَنَّ تَصْرِيف الْأَحْكَام إِنَّمَا يَكُون فِيهِمْ عَلَى تَقْدِير الْإِسْلَام . أَيْ مَا أَوْجَبْنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , وَهُوَ أَلَّا يَتَزَوَّجُوا إِلَّا أَرْبَع نِسْوَة بِمَهْرٍ وَبَيِّنَة وَوَلِيّ . قَالَ مَعْنَاهُ أُبَيّ بْن كَعْب وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا .

أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ

أَيْ ضِيق فِي أَمْر أَنْتَ فِيهِ مُحْتَاج إِلَى السَّعَة , أَيْ بَيَّنَّا هَذَا الْبَيَان وَشَرَحْنَا هَذَا الشَّرْح " لِكَيْلَا يَكُون عَلَيْك حَرَج " . ف " لِكَيْلَا " مُتَعَلِّق بِقَوْلِهِ : " إِنَّا أَحْلَلْنَا أَزْوَاجك " أَيْ فَلَا يَضِيق قَلْبك حَتَّى يَظْهَر مِنْك أَنَّك قَدْ أَثِمْت عِنْد رَبّك فِي شَيْء .

حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا

ثُمَّ آنَسَ تَعَالَى جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ بِغُفْرَانِهِ وَرَحْمَته فَقَالَ تَعَالَى : " وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا
"[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 17, 2006 10:37 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Arial]
قال تعالى :

" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ"

القدر 1

تفسير الجلالين
ــــــــــــــــــــــــــ

" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ " أَيْ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا " فِي لَيْلَة الْقَدْر " أَيْ الشَّرَف الْعَظِيم
تفسير الطبري
ــــــــــــــــــــــــ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّا أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فِي لَيْلَة الْقَدْر , وَهِيَ لَيْلَة الْحُكْم الَّتِي يَقْضِي اللَّه فِيهَا قَضَاء السَّنَة ; وَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : قَدَرَ اللَّه عَلَيَّ هَذَا الْأَمْر , فَهُوَ يَقْدِر قَدْرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29177 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآن كُلّه جُمْلَة وَاحِدَة فِي لَيْلَة الْقَدْر فِي رَمَضَان إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا , فَكَانَ اللَّه إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْدِث فِي الْأَرْض شَيْئًا أَنْزَلَهُ مِنْهُ حَتَّى جَمَعَهُ . 29178 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَنْزَلَ اللَّه الْقُرْآن إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فِي لَيْلَة الْقَدْر , وَكَانَ اللَّه إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوحِيَ مِنْهُ شَيْئًا أَوْحَاهُ , فَهُوَ قَوْله : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر } . * - قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ . وَكَانَ بَيْن أَوَّله وَآخِره عِشْرُونَ سَنَة . 29179 - قَالَ ثنا عَمْرو بْن عَاصِم الْكِلَابِيّ , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , قَالَ : ثنا عِمْرَان أَبُو الْعَوَّام , قَالَ : ثنا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر } قَالَ : نَزَلَ أَوَّل الْقُرْآن فِي لَيْلَة الْقَدْر . 29180 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ حَكِيم بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآن فِي لَيْلَة مِنْ السَّمَاء الْعُلْيَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا جُمْلَة وَاحِدَة , ثُمَّ فُرِّقَ فِي السِّنِينَ , وَتَلَا اِبْن عَبَّاس هَذِهِ الْآيَة : { فَلَا أُقْسِم بِمَوَاقِع النُّجُوم } قَالَ : نَزَلَ مُتَفَرِّقًا . 29181 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ الْقُرْآن نَزَلَ جُمْلَة وَاحِدَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا . 29182 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : أُنْزِلَ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة , ثُمَّ أَنْزَلَ رَبّنَا فِي لَيْلَة الْقَدْر : { فِيهَا يُفْرَق كُلّ أَمْر حَكِيم } . 29183 -قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر } قَالَ : أُنْزِلَ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة فِي لَيْلَة الْقَدْر , إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا , فَكَانَ بِمَوْقِعِ النُّجُوم , فَكَانَ اللَّه يُنْزِلهُ عَلَى رَسُوله , بَعْضه فِي إِثْر بَعْض , ثُمَّ قَرَأَ : { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة كَذَلِكَ لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29184 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد لَيْلَة الْقَدْر : لَيْلَة الْحُكْم . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر } قَالَ : لَيْلَة الْحُكْم. 29185 - ثنا وَكِيع . عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُحَمَّد بْن سُوقَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : يُؤْذَن لِلْحُجَّاجِ فِي لَيْلَة الْقَدْر , فَيُكْتَبُونَ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ , فَلَا يُغَادَر مِنْهُمْ أَحَد , وَلَا يُزَاد فِيهِمْ , وَلَا يُنْقَص مِنْهُمْ . 29186 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا رَبِيعَة بْن كُلْثُوم , قَالَ : قَالَ رَجُل لِلْحَسَنِ وَأَنَا أَسْمَع : رَأَيْت لَيْلَة الْقَدْر فِي كُلّ رَمَضَان هِيَ ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِنَّهَا لَفِي كُلّ رَمَضَان , وَإِنَّهَا لَلَيْلَة الْقَدْر , فِيهَا يُفْرَق كُلّ أَمْر حَكِيم , فِيهَا يَقْضِي اللَّه كُلّ أَجَل وَعَمَل وَرِزْق , إِلَى مِثْلهَا . 29187 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب . قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عُمَر . قَالَ : لَيْلَة الْقَدْر فِي كُلّ رَمَضَان .


تفسير القرطبي
ـــــــــــــــــــــــ
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ

يَعْنِي الْقُرْآن , وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر فِي هَذِهِ السُّورَة ; لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْلُوم , وَالْقُرْآن كُلّه كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَة . وَقَدْ قَالَ : " شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن " [ الْبَقَرَة : 185 ] وَقَالَ : " حم . وَالْكِتَاب الْمُبِين . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة " , [ الدُّخَان : 1 - 3 ] يُرِيد : فِي لَيْلَة الْقَدْر . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : الْمَعْنَى إِنَّا اِبْتَدَأْنَا إِنْزَاله فِي لَيْلَة الْقَدْر . وَقِيلَ : بَلْ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام جُمْلَة وَاحِدَة فِي لَيْلَة الْقَدْر , مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا , إِلَى بَيْت الْعِزَّة , وَأَمْلَاهُ جِبْرِيل عَلَى السَّفَرَة , ثُمَّ كَانَ جِبْرِيل يُنْزِلهُ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُجُومًا نُجُومًا . وَكَانَ بَيْن أَوَّله وَآخِره ثَلَاث وَعِشْرُونَ سَنَة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة " الْبَقَرَة " . وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآن فِي شَهْر رَمَضَان , وَفِي لَيْلَة الْقَدْر , فِي لَيْلَة مُبَارَكَة , جُمْلَة وَاحِدَة مِنْ عِنْد اللَّه , مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ إِلَى السَّفَرَة الْكِرَام الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا ; فَنَجَّمَتْهُ السَّفَرَة الْكِرَام الْكَاتِبُونَ عَلَى جِبْرِيل عِشْرِينَ سَنَة , وَنَجَّمَهُ جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ سَنَة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : " وَهَذَا بَاطِل ; لَيْسَ بَيْن جِبْرِيل وَبَيْن اللَّه وَاسِطَة , وَلَا بَيْن جِبْرِيل وَمُحَمَّد عَلَيْهِمَا السَّلَام وَاسِطَة " .
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ

قَالَ مُجَاهِد : فِي لَيْلَة الْحُكْم
.[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أكتوبر 19, 2006 12:33 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic]
" وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ"


القدر2


الجلالين
ــــــــــــ

" وَمَا أَدْرَاك " أَعْلَمَك يَا مُحَمَّد " مَا لَيْلَة الْقَدْر " تَعْظِيم لِشَأْنِهَا وَتَعْجِيب مِنْهُ




الطبري
ـــــــــــــ

وَقَوْله : { وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقَدْر } يَقُول : وَمَا أَشْعَرَك يَا مُحَمَّد أَيّ شَيْء لَيْلَة الْقَدْر خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر .




القرطبي
ـــــــــــــ


قَالَ : لَيْلَة الْحُكْم . وَالْمَعْنَى لَيْلَة التَّقْدِير ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يُقَدِّر فِيهَا مَا يَشَاء مِنْ أَمْره , إِلَى مِثْلهَا مِنْ السَّنَة الْقَابِلَة ; مِنْ أَمْر الْمَوْت وَالْأَجَل وَالرِّزْق وَغَيْره . وَيُسَلِّمهُ إِلَى مُدَبِّرَات الْأُمُور , وَهُمْ أَرْبَعَة مِنْ الْمَلَائِكَة : إِسْرَافِيل , وَمِيكَائِيل , وَعِزْرَائِيل , وَجِبْرِيل . عَلَيْهِمْ السَّلَام .

وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : يُكْتَب مِنْ أُمّ الْكِتَاب مَا يَكُون فِي السَّنَة مِنْ رِزْق وَمَطَر وَحَيَاة وَمَوْت , حَتَّى الْحَاجّ . قَالَ عِكْرِمَة : يُكْتَب حَاجّ بَيْت اللَّه تَعَالَى فِي لَيْلَة الْقَدْر بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء أَبَائِهِمْ , مَا يُغَادِر مِنْهُمْ أَحَد , وَلَا يُزَاد فِيهِمْ . وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّل سُورَة " الدُّخَان " هَذَا الْمَعْنَى . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقْضِي الْأَقْضِيَة فِي لَيْلَة نِصْف شَعْبَان , وَيُسَلِّمهَا إِلَى أَرْبَابهَا فِي لَيْلَة الْقَدْر . وَقِيلَ : إِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِهَا وَقَدْرهَا وَشَرَفهَا , مِنْ قَوْلهمْ : لِفُلَانٍ قَدْر ; أَيْ شَرَف وَمَنْزِلَة . قَالَهُ الزُّهْرِيّ وَغَيْره . وَقِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ لِلطَّاعَاتِ فِيهَا قَدْرًا عَظِيمًا , وَثَوَابًا جَزِيلًا . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْر وَلَا خَطَر يَصِير فِي هَذِهِ اللَّيْلَة ذَا قَدْر إِذَا أَحْيَاهَا . وَقِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَنْزَلَ فِيهَا كِتَابًا ذَا قَدْر , عَلَى رَسُول ذِي قَدْر , عَلَى أُمَّة ذَات قَدْر . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ يَنْزِل فِيهَا مَلَائِكَة ذَوُو قَدْر وَخَطَر . وَقِيلَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يُنْزِل فِيهَا الْخَيْر وَالْبَرَكَة وَالْمَغْفِرَة . وَقَالَ سَهْل : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَ فِيهَا الرَّحْمَة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَ : الْخَلِيل : لِأَنَّ الْأَرْض تَضِيق فِيهَا بِالْمَلَائِكَةِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقه " [ الطَّلَاق : 7 ] أَيْ ضُيِّقَ . قَالَ الْفَرَّاء : كُلّ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ قَوْله تَعَالَى : " وَمَا أَدْرَاك " فَقَدْ أَدْرَاهُ . وَمَا كَانَ مِنْ قَوْله : " وَمَا يُدْرِيك " [ الْأَحْزَاب : 63 ] فَلَمْ يُدْرِهِ . وَقَالَهُ سُفْيَان , وَقَدْ تَقَدَّمَ
.


[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة أكتوبر 20, 2006 2:27 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic]قال تعالى :

"لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ"

القدر3

الجلالين
ــــ


" لَيْلَة الْقَدْر خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر " لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقَدْر فَالْعَمَل الصَّالِح فِيهَا خَيْر مِنْهُ فِي أَلْف شَهْر لَيْسَتْ فِيهَا

الطبري
ـــ

اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : الْعَمَل فِي لَيْلَة الْقَدْر بِمَا يُرْضِي اللَّه , خَيْر مِنْ الْعَمَل فِي غَيْرهَا أَلْف شَهْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29188 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِد { لَيْلَة الْقَدْر خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر } قَالَ : عَمَلهَا وَصِيَامهَا وَقِيَامهَا خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر . 29189 - قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس الْمُلَائِيّ , قَوْله : { خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر } قَالَ : عَمَل فِيهَا خَيْر مِنْ عَمَل أَلْف شَهْر . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ لَيْلَة الْقَدْر خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر , لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقَدْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29190 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر } لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقَدْر . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 29191 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ الْمُثَنَّى بْن الصَّبَّاح , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل رَجُل يَقُوم اللَّيْل حَتَّى يُصْبِح , ثُمَّ يُجَاهِد الْعَدُوّ بِالنَّهَارِ حَتَّى يُمْسِي , فَفَعَلَ ذَلِكَ أَلْف شَهْر , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { لَيْلَة الْقَدْر خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر } قِيَام تِلْكَ اللَّيْلَة خَيْر مِنْ عَمَل ذَلِكَ الرَّجُل . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 29192 - حَدَّثَنِي أَبُو الْخَطَّاب الْجَارُودِيّ سُهَيْل , قَالَ : ثنا سَلْم بْن قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن الْفَضْل , عَنْ عِيسَى بْن مَازِن , قَالَ : قُلْت لِلْحَسَنِ بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : يَا مُسَوِّد وُجُوه الْمُؤْمِنِينَ , عَمَدْت إِلَى هَذَا الرَّجُل , فَبَايَعْت لَهُ , يَعْنِي مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان ! فَقَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ فِي مَنَامه بَنِي أُمَيَّة يَعْلُونَ مِنْبَره خَلِيفَة خَلِيفَة , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر } و { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقَدْر لَيْلَة الْقَدْر خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر } يَعْنِي مُلْك بَنِي أُمَيَّة ; قَالَ الْقَاسِم : فَحَسْبنَا مُلْك بَنِي أُمَيَّة , فَإِذَا هُوَ أَلْف شَهْر . وَأَشْبَه الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ التَّنْزِيل قَوْل مَنْ قَالَ : عَمَل فِي لَيْلَة الْقَدْر خَيْر مِنْ عَمَل أَلْف شَهْر , لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقَدْر . وَأَمَّا الْأَقْوَال الْأُخَر , فَدَعَاوَى مَعَانٍ بَاطِلَة , لَا دَلَالَة عَلَيْهَا مِنْ خَبَر وَلَا عَقْل , وَلَا هِيَ مَوْجُودَة فِي التَّنْزِيل .



القرطبي
ــــ

لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ

بَيَّنَ فَضْلهَا وَعِظَمهَا . وَفَضِيلَة الزَّمَان إِنَّمَا تَكُون بِكَثْرَةِ مَا يَقَع فِيهِ مِنْ الْفَضَائِل . وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَة يُقَسَّم الْخَيْر الْكَثِير الَّذِي لَا يُوجَد مِثْله فِي أَلْف شَهْر . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ كَثِير مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : أَيْ الْعَمَل فِيهَا خَيْر مِنْ الْعَمَل فِي أَلْف شَهْر لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقَدْر . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : لَيْلَة الْقَدْر خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر لَا تَكُون فِيهِ لَيْلَة الْقَدْر . وَقِيلَ : عَنَى بِأَلْفِ شَهْر جَمِيع الدَّهْر ; لِأَنَّ الْعَرَب تَذْكُر الْأَلْف فِي غَايَة الْأَشْيَاء ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " يَوَدّ أَحَدهمْ لَوْ يُعَمَّر أَلْف سَنَة " [ الْبَقَرَة : 96 ] يَعْنِي جَمِيع الدَّهْر . وَقِيلَ : إِنَّ الْعَابِد كَانَ فِيمَا مَضَى لَا يُسَمَّى عَابِدًا حَتَّى يَعْبُد اللَّه أَلْف شَهْر , ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سَنَة وَأَرْبَعَة أَشْهُر , فَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى لِأُمَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِبَادَة لَيْلَة خَيْرًا مِنْ أَلْف شَهْر كَانُوا يَعْبُدُونَهَا . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : كَانَ مُلْك سُلَيْمَان خَمْسمِائَةِ شَهْر , وَمُلْك ذِي الْقَرْنَيْنِ خَمْسمِائَةِ شَهْر فَصَارَ مُلْكهمَا أَلْف شَهْر ; فَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى الْعَمَل فِي هَذِهِ اللَّيْلَة لِمَنْ أَدْرَكَهَا خَيْرًا مِنْ مُلْكهمَا . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَبِسَ السِّلَاح فِي سَبِيل اللَّه أَلْف شَهْر ; فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ ; فَنَزَلَتْ " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ " الْآيَة . " خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر " , الَّتِي لَبِسَ فِيهَا الرَّجُل سِلَاحه فِي سَبِيل اللَّه . وَنَحْوه عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَهْب بْن مُنَبِّه : إِنَّ ذَلِكَ الرَّجُل كَانَ مُسْلِمًا , وَإِنَّ أُمّه جَعَلَتْهُ نَذْرًا لِلَّهِ , وَكَانَ مِنْ قَرْيَة قَوْم يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام , وَكَانَ سَكَنَ قَرِيبًا مِنْهَا ; فَجَعَلَ يَغْزُوهُمْ وَحْده , وَيَقْتُل وَيَسْبِي وَيُجَاهِد , وَكَانَ لَا يَلْقَاهُمْ إِلَّا بِلَحْيَيْ بَعِير , وَكَانَ إِذَا قَاتَلَهُمْ وَقَاتَلُوهُ وَعَطِشَ , اِنْفَجَرَ لَهُ مِنْ اللَّحْيَيْنِ مَاء عَذْب , فَيَشْرَب مِنْهُ , وَكَانَ قَدْ أُعْطِيَ قُوَّة فِي الْبَطْش , لَا يُوجِعهُ حَدِيد وَلَا غَيْره : وَكَانَ اِسْمه شمسون . وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار : كَانَ رَجُلًا مَلِكًا فِي بَنِي إِسْرَائِيل , فَعَلَ خَصْلَة وَاحِدَة , فَأَوْحَى اللَّه إِلَى نَبِيّ زَمَانهمْ : قُلْ لِفُلَانٍ يَتَمَنَّى . فَقَالَ : يَا رَبّ أَتَمَنَّى أَنْ أُجَاهِد بِمَالِي وَوَلَدِي وَنَفْسِي , فَرَزَقَهُ اللَّه أَلْف وَلَد , فَكَانَ يُجَهِّز الْوَلَد بِمَالِهِ فِي عَسْكَر , وَيُخْرِجهُ مُجَاهِدًا فِي سَبِيل , اللَّه , فَيَقُوم شَهْرًا وَيُقْتَل ذَلِكَ الْوَلَد , ثُمَّ يُجَهِّز آخَر فِي عَسْكَر , فَكَانَ كُلّ وَلَد يُقْتَل فِي الشَّهْر , وَالْمَلِك مَعَ ذَلِكَ قَائِم اللَّيْل , صَائِم النَّهَار ; فَقُتِلَ الْأَلْف وَلَد فِي أَلْف شَهْر , ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ . فَقَالَ النَّاس : لَا أَحَد يُدْرِك مَنْزِلَة هَذَا الْمَلِك ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " لَيْلَة الْقَدْر خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر " مِنْ شُهُور ذَلِكَ الْمَلِك , فِي الْقِيَام وَالصِّيَام وَالْجِهَاد بِالْمَالِ وَالنَّفْس وَالْأَوْلَاد فِي سَبِيل اللَّه . وَقَالَ عَلِيّ وَعُرْوَة : ذَكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَقَالَ ( عَبَدُوا اللَّه ثَمَانِينَ سَنَة , لَمْ يَعْصُوا طَرْفَة عَيْن ) ; فَذَكَرَ أَيُّوب وَزَكَرِيَّا , وَحِزْقِيل بْن الْعَجُوز وَيُوشَع بْن نُون ; فَعَجِبَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ . فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ : يَا مُحَمَّد عَجِبَتْ أُمَّتك مِنْ عِبَادَة هَؤُلَاءِ النَّفَر ثَمَانِينَ سَنَة لَمْ يَعْصُوا اللَّه طَرْفَة عَيْن , فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ ; ثُمَّ قَرَأَ : " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر " . فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ مِنْ رِوَايَة اِبْن الْقَاسِم وَغَيْره : سَمِعْت مَنْ أَثِق بِهِ يَقُول : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ أَعْمَار الْأُمَم قَبْله , فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَار أُمَّته أَلَّا يَبْلُغُوا مِنْ الْعَمَل مِثْل مَا بَلَغَ غَيْرهمْ فِي طُول الْعُمُر ; فَأَعْطَاهُ اللَّه تَعَالَى لَيْلَة الْقَدْر , وَجَعَلَهَا خَيْرًا مِنْ أَلْف شَهْر . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ الْحَسَن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ بَنِي أُمَيَّة عَلَى مِنْبَره , فَسَاءَهُ ذَلِكَ ; فَنَزَلَتْ " إِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر " [ الْكَوْثَر : 1 ] , يَعْنِي نَهْرًا فِي الْجَنَّة . وَنَزَلَتْ " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر . وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقَدْر . لَيْلَة الْقَدْر خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر " يَمْلِكهَا بَعْدك بَنُو أُمَيَّة . قَالَ الْقَاسِم بْن الْفَضْل الْحَدَّانِيّ : فَعَدَدْنَاهَا , فَإِذَا هِيَ أَلْف شَهْر , لَا تَزِيد يَوْمًا , وَلَا تَنْقُص يَوْمًا . قَالَ : حَدِيث غَرِيب
.[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 144 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 4, 5, 6, 7, 8, 9, 10  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 3 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط