موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 144 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6 ... 10  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 12, 2005 1:10 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[center][table=width:100%;background-color:transparent;background-image:url(backgrounds/2.gif);border:3 solid darkred;][cell=filter:;][align=center]

قال تعالى:

" تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ"
البقرة 134

تفسير الجلالين:
ــــــــــــــــــــــ


"تِلْكَ" مُبْتَدَأ وَالْإِشَارَة إلَى إبْرَاهِيم وَيَعْقُوب وَبَنِيهِمَا وَأَنَّثَ لِتَأْنِيثِ خَبَره "أُمَّة قَدْ خَلَتْ" سَلَفَتْ "لَهَا مَا كَسَبَتْ" مِنْ الْعَمَل أَيْ جَزَاؤُهُ اسْتِئْنَاف "وَلَكُمْ" الْخِطَاب لِلْيَهُودِ "مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ" كَمَا لَا يُسْأَلُونَ عَنْ عَمَلكُمْ وَالْجُمْلَة تَأْكِيد لِمَا قَبْلهَا


تفسير الطبري:
ــــــــــــــــــــــــ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ } إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَوَلَدهمْ . يَقُول لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : يَا مَعْشَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى دَعَوْا ذِكْر إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَوْلَادهمْ بِغَيْرِ مَا هُمْ أَهْله وَلَا تَنْحَلُوهُمْ كُفْر الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة فَتُضِيفُوهَا إلَيْهِمْ , فَإِنَّهُمْ أُمَّة - وَيَعْنِي بِالْأُمَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْجَمَاعَة , وَالْقَرْن مِنْ النَّاس - قَدْ خَلَتْ : مَضَتْ لِسَبِيلِهَا . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلَّذِي قَدْ مَاتَ فَذَهَبَ : قَدْ خَلَا , لِتَخَلِّيهِ مِنْ الدُّنْيَا , وَانْفِرَاده بِمَا كَانَ مِنْ الْأُنْس بِأَهْلِهِ وَقُرَنَائِهِ فِي دُنْيَاهُ , وَأَصْله مِنْ قَوْلهمْ : خَلَا الرَّجُل , إذَا صَارَ بِالْمَكَانِ الَّذِي لَا أَنِيس لَهُ فِيهِ وَانْفَرَدَ مِنْ النَّاس , فَاسْتَعْمَلَ ذَلِكَ فِي الَّذِي يَمُوت عَلَى ذَلِكَ الْوَجْه . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : إنَّ لِمَنْ نَحَلْتُمُوهُ بِضَلَالِكُمْ وَكُفْركُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي مَا كَسَبَتْ . وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { لَهَا } عَائِدَة إنْ شِئْت عَلَى " تِلْكَ " , وَإِنْ شِئْت عَلَى " الْأُمَّة " . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَهَا مَا كَسَبَتْ } أَيْ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر , وَلَكُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِثْل ذَلِكَ مَا عَمِلْتُمْ . وَلَا تُؤَاخَذُونَ أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاحِلُونَ مَا نَحَلْتُمُوهُمْ مِنْ الْمِلَل , فَسَأَلُوا عَمَّا كَانَ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَوَلَدهمْ يَعْمَلُونَ فَيَكْسِبُونَ مِنْ خَيْر وَشَرّ ; لِأَنَّ لِكُلِّ نَفْس مَا كَسَبَتْ , وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ . فَدَعَوْا انْتِحَالهمْ وَانْتِحَال مِلَلهمْ , فَإِنَّ الدَّعَاوَى غَيْر مُغْنِيَتكُمْ عِنْد اللَّه , وَإِنَّمَا يُغْنِي عَنْكُمْ عِنْده مَا سَلَف لَكُمْ مِنْ صَالِح أَعْمَالكُمْ إنْ كُنْتُمْ عَمِلْتُمُوهَا وَقَدَّمْتُمُوهَا .



تفسير القرطبي:
ــــــــــــــــــــــــــ

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ

" تِلْكَ " مُبْتَدَأ , و " أُمَّة " خَبَر , " قَدْ خَلَتْ " نَعْت لِأُمَّةٍ , وَإِنْ شِئْت كَانَتْ خَبَر الْمُبْتَدَأ , وَتَكُون " أُمَّة " بَدَلًا مِنْ " تِلْكَ " .

لَهَا مَا كَسَبَتْ

" مَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ أَوْ بِالصِّفَةِ عَلَى قَوْل الْكُوفِيِّينَ .

وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ

مِثْله , يُرِيد مِنْ خَيْر وَشَرّ . وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْعَبْد يُضَاف إِلَيْهِ أَعْمَال وَأَكْسَاب , وَإِنْ كَانَ اللَّه تَعَالَى أَقْدَرَهُ عَلَى ذَلِكَ , إِنْ كَانَ خَيْرًا فَبِفَضْلِهِ وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَبِعَدْلِهِ , وَهَذَا مَذْهَب أَهْل السُّنَّة , وَالْآي فِي الْقُرْآن بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَة . فَالْعَبْد مُكْتَسِب لِأَفْعَالِهِ , عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ خُلِقَتْ لَهُ قُدْرَة مُقَارِنَة لِلْفِعْلِ , يُدْرِك بِهَا الْفَرْق بَيْن حَرَكَة الِاخْتِيَار وَحَرَكَة الرَّعْشَة مَثَلًا , وَذَلِكَ التَّمَكُّن هُوَ مَنَاط التَّكْلِيف . وَقَالَ الْجَبْرِيَّة بِنَفْيِ اِكْتِسَاب الْعَبْد , وَإِنَّهُ كَالنَّبَاتِ الَّذِي تَصْرِفهُ الرِّيَاح . وَقَالَتْ الْقَدَرِيَّة وَالْمُعْتَزِلَة خِلَاف هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ , وَإِنَّ الْعَبْد يَخْلُق أَفْعَاله .

وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ

أَيْ لَا يُؤَاخَذ أَحَد بِذَنْبِ أَحَد , مِثْل قَوْله تَعَالَى : " وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى " [ الْأَنْعَام : 164 ] أَيْ لَا تَحْمِل حَامِلَة ثِقَل أُخْرَى .

[/align]
[/cell][/table][/center]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 14, 2005 12:28 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Arial]
قال الحق تبارك وتعالى:

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ
آل عمرآن 144

تفسير الجلالين
ــــــــــــــــــــــ

"وَمَا مُحَمَّد إلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ" كَغَيْرِهِ "انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ" رَجَعْتُمْ إلَى الْكُفْر وَالْجُمْلَة الْأَخِيرَة مَحَلّ الِاسْتِفْهَام الْإِنْكَارِيّ أَيْ مَا كَانَ مَعْبُودًا فَتَرْجِعُوا "وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا" وَإِنَّمَا يَضُرّ نَفْسه "وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ" نِعَمه بِالثَّبَاتِ .

تفسير الطبري :
ـــــــــــــــــــــــــــ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول كَبَعْضِ رُسُل اللَّه الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى خَلْقه دَاعِيًا إِلَى اللَّه وَإِلَى طَاعَته , الَّذِينَ حِين اِنْقَضَتْ آجَالهمْ مَاتُوا وَقَبَضَهُمْ اللَّه إِلَيْهِ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا اللَّه بِهِ صَانِع مِنْ قَبْضه إِلَيْهِ عِنْد اِنْقِضَاء مُدَّة أَجَله كَسَائِرِ مُدَّة رُسُله إِلَى خَلْقه الَّذِينَ مَضَوْا قَبْله وَمَاتُوا عِنْد اِنْقِضَاء مُدَّة آجَالهمْ . ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِ مُحَمَّد مُعَاتِبهمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ الْهَلَع وَالْجَزَع حِين قِيلَ لَهُمْ بِأُحُدٍ : إِنَّ مُحَمَّدًا قُتِلَ , وَمُقَبِّحًا إِلَيْهِمْ اِنْصِرَاف مَنْ اِنْصَرَفَ مِنْهُمْ عَنْ عَدُوّهُمْ وَانْهِزَامه عَنْهُمْ : { أَفَإِنْ مَاتَ } مُحَمَّد أَيّهَا الْقَوْم لِانْقِضَاءِ مُدَّة أَجَله , أَوْ قَتَلَهُ عَدُوّكُمْ , { اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ } يَعْنِي اِرْتَدَدْتُمْ عَنْ دِينكُمْ الَّذِي بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ , وَرَجَعْتُمْ عَنْهُ كُفَّارًا بِاَللَّهِ بَعْد الْإِيمَان بِهِ , وَبَعْد مَا قَدْ وَضَحَتْ لَكُمْ صِحَّة مَا دَعَاكُمْ مُحَمَّد إِلَيْهِ , وَحَقِيقَة مَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه . { وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } يَعْنِي بِذَلِكَ : وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينه وَيَرْجِع كَافِرًا بَعْد إِيمَانه , { فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا } يَقُول : فَلَنْ يُوهِن ذَلِكَ عِزَّة اللَّه وَلَا سُلْطَانه , وَلَا يَدْخُل بِذَلِكَ نَقْص فِي مُلْكه , بَلْ نَفْسه يَضُرّ بِرِدَّتِهِ , وَحَظّ نَفْسه يَنْقُص بِكُفْرِهِ . { وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } يَقُول : وَسَيُثِيبُ اللَّه مَنْ شَكَرَهُ عَلَى تَوْفِيقه وَهِدَايَته إِيَّاهُ لِدِينِهِ بِنُبُوَّتِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ هُوَ مَاتَ أَوْ قُتِلَ وَاسْتِقَامَته عَلَى مِنْهَاجه , وَتَمَسُّكه بِدِينِهِ وَمِلَّته بَعْده . كَمَا : 6304 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هَاشِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ فِي قَوْله : { وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } الثَّابِتِينَ عَلَى دِينهمْ أَبَا بَكْر وَأَصْحَابه . فَكَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : كَانَ أَبُو بَكْر أَمِين الشَّاكِرِينَ وَأَمِين أَحِبَّاء اللَّه , وَكَانَ أَشْكَرهمْ وَأَحَبّهمْ إِلَى اللَّه . 6305 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الْعَلَاء بْن بَدْر , قَالَ : إِنَّ أَبَا بَكْر أَمِين الشَّاكِرِينَ . وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } 6306 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } أَيْ مَنْ أَطَاعَهُ وَعَمِلَ بِأَمْرِهِ . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ اِنْهَزَمَ عَنْهُ بِأُحُدٍ مِنْ أَصْحَابه . ذِكْر الْأَخْبَار الْوَارِدَة بِذَلِكَ : 6307 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } إِلَى قَوْله : { وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } ذَاكُمْ يَوْم أُحُد حِين أَصَابَهُمْ الْقَرْح وَالْقَتْل , ثُمَّ تَنَازَعُوا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَقِيَّة ذَلِكَ , فَقَالَ أُنَاس : لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا قُتِلَ . وَقَالَ أُنَاس مِنْ عِلْيَة أَصْحَاب نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَاتِلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّد نَبِيّكُمْ , حَتَّى يَفْتَح اللَّه لَكُمْ , أَوْ تَلْحَقُوا بِهِ . فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ } يَقُول : إِنْ مَاتَ نَبِيّكُمْ , أَوْ قُتِلَ , اِرْتَدَدْتُمْ كُفَّارًا بَعْد إِيمَانكُمْ . 6308 - حَدِّثِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِنَحْوِهِ , وَزَادَ فِيهِ : قَالَ الرَّبِيع : وَذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مَرَّ عَلَى رَجُل مِنْ الْأَنْصَار وَهُوَ يَتَشَحَّط فِي دَمه , فَقَالَ : يَا فُلَان أَشْعَرْت أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : إِنْ كَانَ مُحَمَّد قَدْ قُتِلَ , فَقَدْ بَلَّغَ , فَقَاتِلُوا عَنْ دِينكُمْ ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ } يَقُول : اِرْتَدَدْتُمْ كُفَّارًا بَعْد إِيمَانكُمْ . 6309 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا بَرَزَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد إِلَيْهِمْ - يَعْنِي إِلَى الْمُشْرِكِينَ - أَمَرَ الرُّمَاة فَقَامُوا بِأَصْلِ الْجَبَل فِي وَجْه خَيْل الْمُشْرِكِينَ , وَقَالَ : " لَا تَبْرَحُوا مَكَانكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ , فَإِنَّا لَنْ نَزَال غَالِبِينَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانكُمْ " وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر أَخَا خَوَّات بْن جُبَيْر . ثُمَّ شَدَّ الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام وَالْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد عَلَى الْمُشْرِكِينَ , فَهَزَمَاهُمْ , وَحَمَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , فَهَزَمُوا أَبَا سُفْيَان ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خَالِد بْن الْوَلِيد وَهُوَ عَلَى خَيْل الْمُشْرِكِينَ قَدِمَ , فَرَمَتْهُ الرُّمَاة فَانْقَمَعَ . فَلَمَّا نَظَرَ الرُّمَاة إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي جَوْف عَسْكَر الْمُشْرِكِينَ يَنْتَهِبُونَهُ , بَادَرُوا الْغَنِيمَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : لَا نَتْرُك أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَانْطَلَقَ عَامَّتهمْ فَلَحِقُوا بِالْعَسْكَرِ ; فَلَمَّا رَأَى خَالِد قِلَّة الرِّمَاح , صَاحَ فِي خَيْله , ثُمَّ حَمَلَ فَقَتَلَ الرُّمَاة , وَحَمَلَ عَلَى أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَنَّ خَيْلهمْ تُقَاتِل , تَبَادَرُوا فَشَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ , فَأَتَى اِبْن قَمِئَة الْحَارِثِيّ أَحَد بَنِي الْحَارِث بْن عَبْد مَنَافٍ بْن كِنَانَة , فَرَمَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرٍ فَكَسَرَ أَنْفه وَرَبَاعِيَته , وَشَجَّهُ فِي وَجْهه فَأَثْقَلَهُ , وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابه , وَدَخَلَ بَعْضهمْ الْمَدِينَة , وَانْطَلَقَ بَعْضهمْ فَوْق الْجَبَل إِلَى الصَّخْرَة , فَقَامُوا عَلَيْهَا , وَجَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاس : " إِلَيَّ عِبَاد اللَّه ! إِلَيَّ عِبَاد اللَّه ! " فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ ثَلَاثُونَ رَجُلًا , فَجَعَلُوا يَسِيرُونَ بَيْن يَدَيْهِ , فَلَمْ يَقِف أَحَد إِلَّا طَلْحَة وَسَهْل بْن حُنَيْف , فَحَمَاهُ طَلْحَة , فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فِي يَده فَيَبِسَتْ يَده , وَأَقْبَلَ أُبَيّ بْن خَلَف الْجُمَحِيّ - وَقَدْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلْ أَنَا أَقْتُلك " - فَقَالَ : يَا كَذَّاب أَيْنَ تَفِرّ ؟ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنْب الدِّرْع , فَجُرِحَ جُرْحًا خَفِيفًا , فَوَقَعَ يَخُور خَوَرَان الثَّوْر , فَاحْتَمَلُوهُ وَقَالُوا : لَيْسَ بِك جِرَاحَة , قَالَ : أَلَيْسَ قَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ ؟ لَوْ كَانَتْ لِجَمِيعِ رَبِيعَة وَمُضَر لَقَتَلْتُهُمْ . وَلَمْ يَلْبَث إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْح . وَفَشَا فِي النَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ , فَقَالَ بَعْض أَصْحَاب الصَّخْرَة : لَيْتَ لَنَا رَسُولًا إِلَى عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , فَنَأْخُذ لَنَا أَمَنَة مِنْ أَبِي سُفْيَان ! يَا قَوْم إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ , فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمكُمْ قَبْل أَنْ يَأْتُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ ! قَالَ أَنَس بْن النَّضْر : يَا قَوْم إِنْ كَانَ مُحَمَّد قَدْ قُتِلَ , فَإِنَّ رَبّ مُحَمَّد لَمْ يُقْتَل , فَقَاتِلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! اللَّهُمَّ إِنَى أَعْتَذِر إِلَيْك مِمَّا يَقُول هَؤُلَاءِ , وَأَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ . ثُمَّ شَدَّ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ . وَانْطَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاس حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى أَصْحَاب الصَّخْرَة ; فَلَمَّا رَأَوْهُ وَضَعَ رَجُل سَهْمًا فِي قَوْسه فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيه , فَقَالَ : " أَنَا رَسُول اللَّه " , فَفَرِحُوا حِين وَجَدُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا , وَفَرِحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين رَأَى أَنَّ فِي أَصْحَابه مَنْ يَمْتَنِع . فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا وَفِيهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ذَهَبَ عَنْهُمْ الْحُزْن , فَأَقْبَلُوا يَذْكُرُونَ الْفَتْح وَمَا فَاتَهُمْ مِنْهُ وَيَذْكُرُونَ أَصْحَابه الَّذِينَ قُتِلُوا , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمكُمْ : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } 6310 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } قَالَ : يَرْتَدّ . 6311 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ أَبِيهِ ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مَرَّ عَلَى رَجُل مِنْ الْأَنْصَار وَهُوَ يَتَشَحَّط فِي دَمه , فَقَالَ : يَا فُلَان أَشْعُرْت أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : إِنْ كَانَ مُحَمَّد قَدْ قُتِلَ فَقَدْ بَلَّغَ , فَقَاتِلُوا عَنْ دِينكُمْ . 6312 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الْقَاسِم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن رَافِع أَخُو بَنِي عَبْد النَّجَّار , قَالَ : اِنْتَهَى أَنَس بْن النَّضْر عَمّ أَنَس بْن مَالِك إِلَى عُمَر وَطَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه فِي رِجَال مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ , فَقَالَ : مَا يُجْلِسكُمْ ؟ قَالُوا : قَدْ قُتِلَ مُحَمَّد رَسُول اللَّه . قَالَ : فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْده ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه ! وَاسْتَقْبَلَ الْقَوْم فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ . وَبِهِ سُمِّيَ أَنَس بْن مَالِك . 6313 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : نَادَى مُنَادٍ يَوْم أُحُد حِين هُزِمَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ , فَارْجِعُوا إِلَى دِينكُمْ الْأَوَّل ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } . .. الْآيَة . 6314 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أُلْقِيَ فِي أَفْوَاه الْمُسْلِمِينَ يَوْم أُحُد أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } . .. الْآيَة . 6315 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتَزَلَ هُوَ وَعِصَابَة مَعَهُ يَوْمئِذٍ عَلَى أَكَمَة , وَالنَّاس يَفِرُّونَ , وَرَجُل قَائِم عَلَى الطَّرِيق يَسْأَلهُمْ : مَا فَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَجَعَلَ كُلَّمَا مَرُّوا عَلَيْهِ يَسْأَلهُمْ , فَيَقُولُونَ : وَاَللَّه مَا نَدْرِي مَا فَعَلَ ! فَقَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِل لَنُعْطِيَنَّهُمْ بِأَيْدِينَا , إِنَّهُمْ لَعَشَائِرُنَا وَإِخْوَاننَا ! وَقَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا إِنْ كَانَ حَيًّا لَمْ يُهْزَم , وَلَكِنَّهُ قَدْ قُتِلَ , فَتَرَخَّصُوا فِي الْفِرَار حِينَئِذٍ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } . .. الْآيَة . * - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } . .. الْآيَة : نَاس مِنْ أَهْل الِارْتِيَاب وَالْمَرَض وَالنِّفَاق , قَالُوا يَوْم فَرَّ النَّاس عَنْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَشُجَّ فَوْق حَاجِبه , وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته : قُتِلَ مُحَمَّد , فَالْحَقُوا بِدِينِكُمْ الْأَوَّل ! فَذَلِكَ قَوْله : { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ } 6316 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ } ؟ قَالَ : مَا بَيْنكُمْ وَبَيْن أَنْ تَدَّعُوا الْإِسْلَام وَتَنْقَلِبُوا عَلَى أَعْقَابكُمْ , إِلَّا أَنْ يَمُوت مُحَمَّد أَوْ يُقْتَل , فَسَوْفَ يَكُون أَحَد هَذَيْنِ , فَسَوْفَ يَمُوت أَوْ يُقْتَل . 6317 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } إِلَى قَوْله : { وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } أَيْ لِقَوْلِ النَّاس قُتِلَ مُحَمَّد , وَانْهِزَامهمْ عِنْد ذَلِكَ وَانْصِرَافهمْ عَنْ عَدُوّهُمْ , أَيْ أَفَإِنْ مَاتَ نَبِيّكُمْ أَوْ قُتِلَ رَجَعْتُمْ عَنْ دِينكُمْ كُفَّارًا كَمَا كُنْتُمْ , وَتَرَكْتُمْ جِهَاد عَدُوّكُمْ وَكِتَاب اللَّه , وَمَا قَدْ خَلَّفَ نَبِيّه مِنْ دِينه مَعَكُمْ وَعِنْدكُمْ ; وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ فِيمَا جَاءَكُمْ عَنِّي أَنَّهُ مَيِّت وَمُفَارِقكُمْ ؟ { وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } أَيْ يَرْجِع عَنْ دِينه , { فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا } أَيْ لَنْ يَنْقُص ذَلِكَ مِنْ عِزّ اللَّه وَلَا مُلْكه وَلَا سُلْطَانه . 6318 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ : أَهْل الْمَرَض وَالِارْتِيَاب وَالنِّفَاق , حِين فَرَّ النَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ قُتِلَ مُحَمَّد , فَالْحَقُوا بِدِينِكُمْ الْأَوَّل ! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل , أَفَتَنْقَلِبُونَ عَلَى أَعْقَابكُمْ إِنْ مَاتَ مُحَمَّد أَوْ قُتِلَ ؟ وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا ! فَجَعَلَ الِاسْتِفْهَام فِي حَرْف الْجَزَاء , وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُون فِي جَوَابه خَبَر وَكَذَلِكَ كُلّ اِسْتِفْهَام دَخَلَ عَلَى جَزَاء , فَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُون فِي جَوَابه خَبَر لِأَنَّ الْجَوَاب خَبَر يَقُوم بِنَفْسِهِ وَالْجَزَاء شَرْط لِذَلِكَ الْخَبَر ثُمَّ يُجْزَم جَوَابه وَهُوَ كَذَلِكَ , وَمَعْنَاهُ الرَّفْع لِمَجِيئِهِ بَعْد الْجَزَاء , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : حَلَفْت لَهُ أَنْ تُدْلِج اللَّيْل لَا يَزَلْ أَمَامك بَيْت مِنْ بُيُوتِي سَائِر فَمَعْنَى " لَا يَزَلْ " رَفْع , وَلَكِنَّهُ جُزِمَ لِمَجِيئِهِ بَعْد الْجَزَاء فَصَارَ كَالْجَوَابِ . وَمِثْله : { أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ } 21 34 وَ { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ } 73 17 وَلَوْ كَانَ مَكَان فَهُمْ الْخَالِدُونَ يَخْلُدُونَ ; وَقِيلَ : أَفَإِنْ مِتَّ يَخْلُدُوا جَازَ الرَّفْع فِيهِ وَالْجَزْم , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَان " اِنْقَلَبْتُمْ " " تَنْقَلِبُوا " جَازَ الرَّفْع وَالْجَزْم لِمَا وَصَفْت قَبْل . وَتَرَكْت إِعَادَة الِاسْتِفْهَام ثَانِيَة مَعَ قَوْله : " اِنْقَلَبْتُمْ " اِكْتِفَاء بِالِاسْتِفْهَامِ فِي أَوَّل الْكَلَام , وَأَنَّ الِاسْتِفْهَام فِي أَوَّله دَالّ عَلَى مَوْضِعه وَمَكَانه . وَقَدْ كَانَ بَعْض الْقُرَّاء يَخْتَار فِي قَوْله : { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } 82 23 تَرَكَ إِعَادَة الِاسْتِفْهَام مَعَ " أَإِنَّا " , اِكْتِفَاء بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْله : { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا } 82 23 وَيُسْتَشْهَد عَلَى صِحَّة وَجْه ذَلِكَ بِاجْتِمَاعِ الْقُرَّاء عَلَى تَرْكهمْ إِعَادَة الِاسْتِفْهَام مَعَ قَوْله : " اِنْقَلَبْتُمْ " , اِكْتِفَاء بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْله : { أَفَإِنْ مَاتَ } إِذَا كَانَ دَالًّا عَلَى مَعْنَى الْكَلَام وَمَوْضِع الِاسْتِفْهَام مِنْهُ , وَكَانَ يَفْعَل مِثْل ذَلِكَ فِي جَمِيع الْقُرْآن , وَسَنَأْتِي عَلَى الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه إِذَا اِنْتَهَيْنَا إِلَيْهِ .


تفسير القرطبي :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

فِيهِ خَمْس مَسَائِل : الْأُولَى
رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ اِنْهِزَام الْمُسْلِمِينَ يَوْم أُحُد حِين صَاحَ الشَّيْطَان : قَدْ قُتِلَ مُحَمَّد . قَالَ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ : فَقَالَ بَعْض النَّاس : قَدْ أُصِيبَ مُحَمَّد فَأَعْطُوهُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَإِنَّمَا هُمْ إِخْوَانكُمْ . وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنْ كَانَ مُحَمَّد قَدْ أُصِيبَ أَلَا تَمْضُونَ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ نَبِيّكُمْ حَتَّى تَلْحَقُوا بِهِ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِي ذَلِكَ " وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل " إِلَى قَوْله : " فَآتَاهُمْ اللَّه ثَوَاب الدُّنْيَا " [ آل عِمْرَان : 148 ] . وَمَا نَافِيَة , وَمَا بَعْدهَا اِبْتِدَاء وَخَبَر , وَبَطَلَ عَمَل " مَا " . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس " قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله رُسُلٌ " بِغَيْرِ أَلِف وَلَام . فَأَعْلَم اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّ الرُّسُل لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ فِي قَوْمهَا أَبَدًا , وَأَنَّهُ يَجِب التَّمَسُّك بِمَا أَتَتْ بِهِ الرُّسُل وَإِنْ فُقِدَ الرَّسُول بِمَوْتٍ أَوْ قَتْل . وَأَكْرَمَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفِيَّهُ بِاسْمَيْنِ مُشْتَقَّيْنِ مِنْ اِسْمه : مُحَمَّد وَأَحْمَد , وَتَقُول الْعَرَب : رَجُل مَحْمُود وَمُحَمَّد إِذَا كَثُرَتْ خِصَاله الْمَحْمُودَة , قَالَ الشَّاعِر : إِلَى الْمَاجِد الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي الْفَاتِحَة . وَقَالَ عَبَّاس بْن مِرْدَاس : يَا خَاتِم النُّبَآء إِنَّك مُرْسَل بِالْخَيْرِ كُلّ هُدَى السَّبِيل هُدَاكَا إِنَّ الْإِلَه بَنَى عَلَيْك مَحَبَّة فِي خَلْقه وَمُحَمَّدًا سَمَّاكَا فَهَذِهِ الْآيَة مِنْ تَتِمَّة الْعِتَاب مَعَ الْمُنْهَزِمِينَ , أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الِانْهِزَام وَإِنْ قُتِلَ مُحَمَّد , وَالنُّبُوَّة لَا تَدْرَأ الْمَوْت , وَالْأَدْيَان لَا تَزُول بِمَوْتِ الْأَنْبِيَاء . وَاَللَّه أَعْلَم .
الثَّانِيَة
هَذِهِ الْآيَة أَدَلّ دَلِيل عَلَى شُجَاعَة الصِّدِّيق وَجَرَاءَته , فَإِنَّ الشَّجَاعَة وَالْجُرْأَة حَدّهمَا ثُبُوت الْقَلْب عِنْد حُلُول الْمَصَائِب , وَلَا مُصِيبَة أَعْظَم مِنْ مَوْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي " الْبَقَرَة " فَظَهَرَتْ عِنْده شُجَاعَته وَعِلْمه . قَالَ النَّاس : لَمْ يَمُتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْهُمْ عُمَر , وَخَرِسَ عُثْمَان , وَاسْتَخْفَى عَلِيّ , وَاضْطَرَبَ الْأَمْر فَكَشَفَهُ الصِّدِّيق بِهَذِهِ الْآيَة حِين قُدُومه مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ , الْحَدِيث ; كَذَا فِي الْبُخَارِيّ . وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : لَمَّا قُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر عِنْد اِمْرَأَته اِبْنَة خَارِجَة بِالْعَوَالِي , فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : لَمْ يَمُتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ بَعْض مَا كَانَ يَأْخُذهُ عِنْد الْوَحْي . فَجَاءَ أَبُو بَكْر فَكَشَفَ عَنْ وَجْهه وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ : أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّه مِنْ أَنْ يُمِيتك ! مَرَّتَيْنِ . قَدْ وَاَللَّه مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمْر فِي نَاحِيَة الْمَسْجِد يَقُول : وَاَللَّه مَا مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا يَمُوت حَتَّى يَقْطَع أَيْدِي أُنَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَثِير وَأَرْجُلهمْ . فَقَامَ أَبُو بَكْر فَصَعِدَ الْمِنْبَر فَقَالَ : مَنْ كَانَ يَعْبُد اللَّه فَإِنَّ اللَّه حَيّ لَمْ يَمُتْ , وَمَنْ كَانَ يَعْبُد مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ " وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ " . قَالَ عُمَر : " فَلَكَأَنِّي لَمْ أَقْرَأهَا إِلَّا يَوْمَئِذٍ " . وَرَجَعَ عَنْ مَقَالَته الَّتِي قَالَهَا فِيمَا ذَكَرَ الْوَائِلِيّ أَبُو نَصْر عُبَيْد اللَّه فِي كِتَابه الْإِبَانَة : عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّهُ سَمِعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب حِين بُويِعَ أَبُو بَكْر فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَوَى عَلَى مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَهَّدَ قَبْل أَبِي بَكْر فَقَالَ : أَمَّا بَعْد فَإِنِّي قُلْت لَكُمْ أَمْس مَقَالَة وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا قُلْت , وَإِنِّي وَاَللَّه مَا وَجَدْت الْمَقَالَة الَّتِي قُلْت لَكُمْ فِي كِتَاب أَنْزَلَهُ اللَّه وَلَا فِي عَهْد عَهِدَهُ إِلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنِّي كُنْت أَرْجُو أَنْ يَعِيش رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَدْبُرَنَا - يُرِيد أَنْ يَقُول حَتَّى يَكُون آخِرنَا مَوْتًا - فَاخْتَارَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ الَّذِي عِنْده عَلَى الَّذِي عِنْدكُمْ , وَهَذَا الْكِتَاب الَّذِي هَدَى اللَّه بِهِ رَسُوله فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا لِمَا هُدِيَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ الْوَائِلِيّ أَبُو نَصْر الْمَقَالَة الَّتِي قَالَهَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهَا هِيَ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ وَلَنْ يَمُوت حَتَّى يَقْطَع أَيْدِي رِجَال وَأَرْجُلهمْ " وَكَانَ قَالَ ذَلِكَ لِعَظِيمِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ , وَخَشِيَ الْفِتْنَة وَظُهُور الْمُنَافِقِينَ , فَلَمَّا شَاهَدَ قُوَّة يَقِين الصِّدِّيق الْأَكْبَر أَبِي بَكْر , وَتَفَوُّهَهُ بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : - " كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت " [ آل عِمْرَان : 185 ] وَقَوْله : " إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ " [ الزُّمَر : 30 ] وَمَا قَالَهُ ذَلِكَ الْيَوْم - تَنْبِيه وَتَثْبِيت وَقَالَ : كَأَنِّي لَمْ أَسْمَع بِالْآيَةِ إِلَّا مِنْ أَبِي بَكْر . وَخَرَجَ النَّاس يَتْلُونَهَا فِي سِكَك الْمَدِينَة , كَأَنَّهَا لَمْ تَنْزِل قَطُّ إِلَّا ذَلِكَ الْيَوْم وَمَاتَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الِاثْنَيْنِ بِلَا اِخْتِلَاف , فِي وَقْت دُخُوله الْمَدِينَة فِي هِجْرَته حِين اِشْتَدَّ الضَّحَاء , وَدُفِنَ يَوْم الثُّلَاثَاء , وَقِيلَ لَيْلَة الْأَرْبِعَاء . وَقَالَتْ صَفِيَّة بِنْت عَبْد الْمُطَّلِب تَرِثِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا يَا رَسُول اللَّه كُنْت رَجَاءَنَا وَكُنْت بِنَا بَرًّا وَلَمْ تَكُ جَافِيَا وَكُنْت رَحِيمًا هَادِيًا وَمُعَلِّمًا لِيَبْكِ عَلَيْك الْيَوْمَ مَنْ كَانَ بَاكِيَا لَعَمْرُكَ مَا أَبْكِي النَّبِيَّ لِفَقْدِهِ وَلَكِنْ لِمَا أَخْشَى مِنْ الْهَرْجِ آتِيَا كَأَنَّ عَلَى قَلْبِي لِذِكْرِ مُحَمَّدٍ وَمَا خِفْت مِنْ بَعْد النَّبِيِّ الْمَكَاوِيَا أَفَاطِمُ صَلَّى اللَّه رَبُّ مُحَمَّد عَلَى جَدَثٍ أَمْسَى بِيَثْرِبَ ثَاوِيًا فِدًى لِرَسُولِ اللَّه أُمِّي وَخَالَتِي وَعَمِّي وَآبَائِي وَنَفْسِي وَمَالِيَا صَدَقْتَ وَبَلَّغْتَ الرِّسَالَةَ صَادِقًا وَمُتَّ صَلِيبَ الْعُودِ أَبْلَجَ صَافِيَا فَلَوْ أَنَّ رَبَّ النَّاسِ أَبْقَى نَبِيّنَا سَعِدْنَا وَلَكِنْ أَمْرُهُ كَانَ مَاضِيَا عَلَيْك مِنْ اللَّهِ السَّلَامُ تَحِيَّةً وَأُدْخِلْتَ جَنَّاتٍ مِنْ الْعَدْنِ رَاضِيَا أَرَى حَسَنًا أَيْتَمْتَهُ وَتَرَكْتَهُ يُبَكِّي وَيَدْعُو جَدَّهُ الْيَوْمَ نَاعِيَا الثَّالِثَة
فَلِمَ أُخِّرَ دَفْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ لِأَهْلِ بَيْت أَخَّرُوا دَفْن مَيِّتهمْ : ( عَجِّلُوا دَفْن جِيفَتكُمْ وَلَا تُؤَخِّرُوهَا ) . فَالْجَوَاب مِنْ ثَلَاثَة أَوْجُه : الْأَوَّل : مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَم اِتِّفَاقهمْ عَلَى مَوْته . الثَّانِي : لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ حَيْثُ يَدْفِنُونَهُ . قَالَ قَوْم فِي الْبَقِيع , وَقَالَ آخَرُونَ فِي الْمَسْجِد , وَقَالَ قَوْم : يُحْبَس حَتَّى يُحْمَل إِلَى أَبِيهِ إِبْرَاهِيم . حَتَّى قَالَ الْعَالِم الْأَكْبَر : سَمِعْته يَقُول : ( مَا دُفِنَ نَبِيّ إِلَّا حَيْثُ يَمُوت ) ذَكَرَهُ اِبْن مَاجَهْ وَالْمُوَطَّأ وَغَيْرهمَا . الثَّالِث : أَنَّهُمْ اِشْتَغَلُوا بِالْخِلَافِ الَّذِي وَقَعَ بَيْن الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار فِي الْبَيْعَة , فَنَظَرُوا فِيهَا حَتَّى اِسْتَتَبَّ الْأَمْر وَانْتَظَمَ الشَّمْل وَاسْتَوْثَقَتْ الْحَال , وَاسْتَقَرَّتْ الْخِلَافَة فِي نِصَابهَا فَبَايَعُوا أَبَا بَكْر , ثُمَّ بَايَعُوهُ مِنْ الْغَد بَيْعَة أُخْرَى عَنْ مَلَأ مِنْهُمْ وَرِضًا ; فَكَشَفَ اللَّه بِهِ الْكُرْبَة مِنْ أَهْل الرِّدَّة , وَقَامَ بِهِ الدِّين , وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ . ثُمَّ رَجَعُوا بَعْد ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرُوا فِي دَفْنه وَغَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ . وَاَللَّه أَعْلَم .
الرَّابِعَة
وَاخْتُلِفَ هَلْ صُلِّيَ عَلَيْهِ أَمْ لَا , فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَحَد , وَإِنَّمَا وَقَفَ كُلّ وَاحِد يَدْعُو , لِأَنَّهُ كَانَ أَشْرَفَ مِنْ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا كَلَام ضَعِيف ; لِأَنَّ السُّنَّة تُقَام بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي الْجِنَازَة , كَمَا تُقَام بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي الدُّعَاء , فَيَقُول : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَذَلِكَ مَنْفَعَة لَنَا . وَقِيلَ : لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِمَام . وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّ الَّذِي كَانَ يُقِيم بِهِمْ الصَّلَاة الْفَرِيضَة هُوَ الَّذِي كَانَ يَؤُمّ بِهِمْ فِي الصَّلَاة . وَقِيلَ : صَلَّى عَلَيْهِ النَّاس أَفْذَاذًا ; لِأَنَّهُ كَانَ آخِر الْعَهْد بِهِ , فَأَرَادُوا أَنْ يَأْخُذ كُلّ أَحَد بَرَكَته مَخْصُوصًا دُون أَنْ يَكُون فِيهَا تَابِعًا لِغَيْرِهِ . وَاَللَّه أَعْلَم بِصِحَّةِ ذَلِكَ . قُلْت : قَدْ خَرَّجَ اِبْن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَن بَلْ صَحِيح مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس وَفِيهِ : فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ جِهَازه يَوْم الثُّلَاثَاء وُضِعَ عَلَى سَرِيره فِي بَيْته , ثُمَّ دَخَلَ النَّاس عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ , حَتَّى إِذَا فَرَغُوا أَدْخَلُوا النِّسَاء , حَتَّى إِذَا فَرَغْنَ أَدْخَلُوا الصِّبْيَان , وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ . خَرَّجَهُ عَنْ نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ أَنْبَأَنَا وَهْب بْن جَرِير حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق . قَالَ حَدَّثَنِي حُسَيْن بْن عَبْد اللَّه عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس , الْحَدِيث بِطُولِهِ . الْخَامِسَة : فِي تَغْيِير الْحَال بَعْد مَوْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ أَنَس قَالَ : لَمَّا كَانَ الْيَوْم الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة أَضَاءَ مِنْهَا كُلّ شَيْء , فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلّ شَيْء , وَمَا نَفَضْنَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيْدِي حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبنَا . أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ , وَقَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار أَخْبَرْنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : كُنَّا نَتَّقِي الْكَلَام وَالِانْبِسَاط إِلَى نِسَائِنَا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخَافَة أَنْ يَنْزِل فِينَا الْقُرْآن , فَلَمَّا مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمْنَا . وَأَسْنَدَ عَنْ أُمّ سَلَمَة بِنْت أَبِي أُمَيَّة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَ النَّاس فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ بَصَرُ أَحَدهمْ مَوْضِع قَدَمَيْهِ , فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْر , فَكَانَ النَّاس إِذَا قَامَ أَحَدهمْ يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِع جَبِينه , فَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْر وَكَانَ عُمَر , فَكَانَ النَّاس إِذَا قَامَ أَحَدهمْ يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِع الْقِبْلَة , فَكَانَ عُثْمَان بْن عَفَّان فَكَانَتْ الْفِتْنَة فَتَلَفَّتَ النَّاس فِي الصَّلَاة يَمِينًا وَشِمَالًا .
أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ

" أَفَإِنْ مَاتَ " شَرْط " أَوْ قُتِلَ " عَطْف عَلَيْهِ , وَالْجَوَاب " اِنْقَلَبْتُمْ " . وَدَخَلَ حَرْف الِاسْتِفْهَام عَلَى حَرْف الْجَزَاء لِأَنَّ الشَّرْط قَدْ اِنْعَقَدَ بِهِ وَصَارَ جُمْلَة وَاحِدَة وَخَبَرًا وَاحِدًا . وَالْمَعْنَى : أَفَتَنْقَلِبُونَ عَلَى أَعْقَابكُمْ إِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ؟ وَكَذَلِكَ كُلّ اِسْتِفْهَام دَخَلَ عَلَى حَرْف الْجَزَاء ; فَإِنَّهُ فِي غَيْر مَوْضِعه , وَمَوْضِعه أَنْ يَكُون قَبْل جَوَاب الشَّرْط . وَقَوْله " اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ " تَمْثِيل , وَمَعْنَاهُ اِرْتَدَدْتُمْ كُفَّارًا بَعْد إِيمَانكُمْ , قَالَ قَتَادَة وَغَيْره . وَيُقَال لِمَنْ عَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ : اِنْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ . وَمِنْهُ " نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ " . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالِانْقِلَابِ هُنَا الِانْهِزَام , فَهُوَ حَقِيقَة لَا مَجَاز . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَعَلْتُمْ فِعْل الْمُرْتَدِّينَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِدَّة .
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ

بَلْ يَضُرّ نَفْسه وَيُعَرِّضهَا لِلْعِقَابِ بِسَبَبِ الْمُخَالَفَة , وَاَللَّه تَعَالَى لَا تَنْفَعهُ الطَّاعَة وَلَا تَضُرّهُ الْمَعْصِيَة لِغِنَاهُ . " وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ " , أَيْ الَّذِينَ صَبَرُوا وَجَاهَدُوا وَاسْتُشْهِدُوا . وَجَاءَ " وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ " بَعْد قَوْله : " فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا " فَهُوَ اِتِّصَال وَعْد بِوَعِيدٍ
.
[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 19, 2005 3:33 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727

[font=Arial]"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"

البقرة 286

تفسير الجلالين:
ـــــــــــــــــــــــــــــ

"لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إلَّا وُسْعهَا" أَيْ مَا تَسَعهُ قُدْرَتهَا "لَهَا مَا كَسَبَتْ" كَسَبَتْ مِنْ الْخَيْر أَيْ ثَوَابه "وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ" مِنْ الشَّرّ أَيْ وِزْره وَلَا يُؤَاخَذ أَحَد بِذَنْبِ أَحَد وَلَا بِمَا لَمْ يَكْسِبهُ مِمَّا وَسْوَسَتْ بِهِ نَفْسه, قُولُوا "رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا" بِالْعِقَابِ "إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" تَرَكْنَا الصَّوَاب لَا عَنْ عَمْد كَمَا آخَذْت بِهِ مَنْ قَبْلنَا وَقَدْ رَفَعَ اللَّه ذَلِكَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّة كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيث فَسُؤَاله اعْتِرَاف بِنِعْمَةِ اللَّه "رَبّنَا وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا" أَمْرًا يَثْقُل عَلَيْنَا حَمْله "كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا" أَيْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ قَتْل النَّفْس فِي التَّوْبَة وَإِخْرَاج رُبُع الْمَال فِي الزَّكَاة وَقَرْض مَوْضِع النَّجَاسَة "رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة" قُوَّة "لَنَا بِهِ" مِنْ التَّكَالِيف وَالْبَلَاء "وَاعْفُ عَنَّا" اُمْحُ ذُنُوبنَا "وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا" فِي الرَّحْمَة زِيَادَة عَلَى الْمَغْفِرَة "أَنْت مَوْلَانَا" سَيِّدنَا وَمُتَوَلِّي أُمُورنَا "فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ" بِإِقَامَةِ الْحُجَّة وَالْغَلَبَة فِي قِتَالهمْ فَإِنَّ مِنْ شَأْن الْمَوْلَى أَنْ يَنْصُر مَوَالِيه عَلَى الْأَعْدَاء وَفِي الْحَدِيث : (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فَقَرَأَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ عَقِب كُلّ كَلِمَة قَدْ فَعَلْت )

تفسير الطبري:
ــــــــــــــــــــــــــ

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إلَّا وُسْعهَا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إلَّا وُسْعهَا } فَيَتَعَبَّدهَا إلَّا بِمَا يَسَعهَا , فَلَا يُضَيِّق عَلَيْهَا , وَلَا يُجْهِدهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ الْوُسْع اسْم مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَسِعَنِي هَذَا الْأَمْر مِثْل الْجَهْد وَالْوَجْد مِنْ جَهَدَنِي هَذَا الْأَمْر وَوَجَدْت مِنْهُ . كَمَا : 5098 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ ثني مُعَاوِيَة . عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إلَّا وُسْعهَا } قَالَ : هُمْ الْمُؤْمِنُونَ . وَسِعَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَمْر دِينهمْ , فَقَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج } 22 78 وَقَالَ : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } 2 185 وَقَالَ : { اتَّقُوا اللَّه مَا اسْتَطَعْتُمْ } 64 16 5099 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم . قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ ضَجَّ الْمُؤْمِنُونَ مِنْهَا ضَجَّة وَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه هَذَا , نَتُوب مِنْ عَمَل الْيَد وَالرِّجْل وَاللِّسَان , كَيْفَ نَتُوب مِنْ الْوَسْوَسَة , كَيْفَ نَمْتَنِع مِنْهَا ؟ فَجَاءَ جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَة . { لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إلَّا وُسْعهَا } إنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَمْتَنِعُوا مِنْ الْوَسْوَسَة . 5100 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إلَّا وُسْعهَا } وُسْعهَا - طَاقَتهَا , وَكَانَ حَدِيث النَّفْس مِمَّا لَا يُطِيقُونَ .

لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهَا : لِلنَّفْسِ الَّتِي أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفهَا إلَّا وُسْعهَا , يَقُولهُ : لِكُلِّ نَفْس مَا اجْتَرَحَتْ وَعَمِلَتْ مِنْ خَيْر ; وَعَلَيْهَا : يَعْنِي وَعَلَى كُلّ نَفْس مَا اكْتَسَبَتْ : مَا عَمِلَتْ مِنْ شَرّ . كَمَا : 5101 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن يَزِيد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إلَّا وُسْعهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ } أَيْ مِنْ خَيْر { وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } أَيْ مِنْ شَرّ , أَوْ قَالَ , مِنْ سُوء . 5902 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ ثنا أَسْبَاط . عَنْ السُّدِّيّ . { لَهَا مَا كَسَبَتْ } يَقُول : مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر , { وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } يَقُول : وَعَلَيْهَا مَا عَمِلَتْ مِنْ شَرّ . * - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَةَ , مِثْله . 5103 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } عَمَل الْيَد وَالرِّجْل وَاللِّسَان . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إلَّا مَا يَسَعهَا , فَلَا يُجْهِدهَا , وَلَا يُضَيِّق عَلَيْهَا فِي أَمْر دِينهَا , فَيُؤَاخِذهَا " ب " هِمَّة إنْ هَمَّتْ , وَلَا بِوَسْوَسَةٍ إنْ عَرَضَتْ لَهَا , وَلَا بِخَطْرَةٍ إنْ خَطَرَتْ بِقَلْبِهَا .

رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وَهَذَا تَعْلِيم مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ دُعَاءَهُ كَيْفَ يَدْعُونَهُ , وَمَا يَقُولُونَ فِي دُعَائِهِمْ إيَّاهُ . وَمَعْنَاهُ : قُولُوا : رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا شَيْئًا فَرَضْت عَلَيْنَا عَمَله فَلَمْ نَعْمَلهُ , أَوْ أَخْطَأْنَا فِي فِعْل شَيْء نَهَيْتنَا عَنْ فِعْله فَفَعَلْنَاهُ , عَلَى غَيْر قَصْد مِنَّا إلَى مَعْصِيَتك , وَلَكِنْ عَلَى جَهَالَة مِنَّا بِهِ وَخَطَأ . كَمَا : 5104 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } إنْ نَسِينَا شَيْئًا مِمَّا افْتَرَضْته عَلَيْنَا , أَوْ أَخْطَأْنَا شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَهُ عَلَيْنَا . 5105 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِهَذِهِ الْأُمَّة عَلَى نِسْيَانهَا وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسهَا " . 5106 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , قَالَ : زَعَمَ السُّدِّيّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة حِين نَزَلَتْ : { رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قَالَ لَهُ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ ذَلِكَ يَا مُحَمَّد . إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَهَلْ يَحُوز أَنْ يُؤَاخِذ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عِبَاده بِمَا نَسُوا أَوْ أَخْطَئُوا فَيَسْأَلُوهُ أَنْ لَا يُؤَاخِذهُمْ بِذَلِكَ ؟ قِيلَ : إنَّ النِّسْيَان عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : عَلَى وَجْه التَّضَرُّع مِنْ الْعَبْد وَالتَّفْرِيط ; وَالْآخَر : عَلَى وَجْه عَجْز النَّاسِي عَنْ حِفْظ مَا اُسْتُحْفِظَ , وَوَكَلَ بِهِ وَضَعُفَ عَقْله عَنْ احْتِمَاله , فَأَمَّا الَّذِي يَكُون مِنْ الْعَبْد عَلَى وَجْه التَّضْيِيع مِنْهُ وَالتَّفْرِيط , فَهُوَ تَرْك مِنْهُ لِمَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ , فَذَلِكَ الَّذِي يُرَغِّب الْعَبْد إلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي تَرْكه مُؤَاخَذَته بِهِ , وَهُوَ النِّسْيَان الَّذِي عَاقَبَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ آدَم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْجَنَّة , فَقَالَ فِي ذَلِكَ : { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَم مِنْ قَبْل فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِد لَهُ عَزْمًا } 20 115 وَهُوَ النِّسْيَان الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَالْيَوْم نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاء يَوْمهمْ هَذَا } 7 51 فَرَغْبَة الْعَبْد إلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ : { رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } فِيمَا كَانَ مِنْ نِسْيَان مِنْهُ لِمَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ . عَلَى هَذَا الْوَجْه الَّذِي وَصَفْنَا مَا لَمْ يَكُنْ تَرْكه مَا تَرَكَ مِنْ ذَلِكَ تَفْرِيطًا مِنْهُ فِيهِ وَتَضْيِيعًا , كُفْرًا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ كُفْرًا بِاَللَّهِ فَإِنَّ الرَّغْبَة إلَى اللَّه فِي تَرْكه الْمُؤَاخَذَة بِهِ غَيْر جَائِزَة , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَخْبَرَ عِبَاده أَنَّهُ لَا يَنْفِر لَهُمْ الشِّرْك بِهِ , فَمَسْأَلَته فِعْل مَا قَدْ أَمْهَلَهُمْ أَنَّهُ لَا يَفْعَلهُ خَطَأ , وَإِنَّمَا يَكُون مَسْأَلَته الْمَغْفِرَة فِيمَا كَانَ مِنْ مِثْل نِسْيَانه الْقُرْآن بَعْد حِفْظه بِتَشَاغُلِهِ عَنْهُ , وَعَنْ قِرَاءَته , وَمِثْل نِسْيَانه صَلَاة أَوْ صِيَامًا , بِاشْتِغَالِهِ عَنْهُمَا بِغَيْرِهِمَا حَتَّى ضَيَّعَهُمَا . وَأَمَّا الَّذِي الْعَبْد بِهِ غَيْر مُؤَاخَذ لِعَجْزِ بِنْيَته عَنْ حِفْظه , وَقِلَّة احْتِمَال عَقْله مَا وُكِلَ بِمُرَاعَاتِهِ , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعَبْد غَيْر مَعْصِيَة , وَهُوَ بِهِ غَيْر آثِم , فَذَلِكَ الَّذِي لَا وَجْه لِمَسْأَلَةِ الْعَبْد رَبّه أَنْ يَغْفِرهُ لَهُ , لِأَنَّهُ مَسْأَلَة مِنْهُ لَهُ أَنْ يَغْفِر لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِذَنْبٍ , وَذَلِكَ مِثْل الْأَمْر يَغْلِب عَلَيْهِ , وَهُوَ حَرِيص عَلَى تَذَكُّره وَحِفْظه , كَالرَّجُلِ يَحْرِص عَلَى حِفْظ الْقُرْآن بِجِدٍّ مِنْهُ , فَيَقْرَؤُهُ , ثُمَّ يَنْسَاهُ بِغَيْرِ تَشَاغُل مِنْهُ بِغَيْرِهِ عَنْهُ , وَلَكِنْ بِعَجْزِ بِنْيَته عَنْ حِفْظه وَقِلَّة احْتِمَال عَقْله , ذِكْر مَا أُودِعَ قَلْبه مِنْهُ , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ النِّسْيَان , فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوز مَسْأَلَة الرَّبّ مَغْفِرَته , لِأَنَّهُ لَا ذَنْب لِلْعَبْدِ فِيهِ , فَيَغْفِر لَهُ بِاكْتِسَابِهِ . وَكَذَلِكَ لِلْخَطَأِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : مِنْ وَجْه مَا نُهِيَ عَنْهُ الْعَبْد فَيَأْتِيه بِقَصْدٍ مِنْهُ وَإِرَادَة , فَذَلِكَ خَطَأ مِنْهُ , وَهُوَ بِهِ مَأْخُوذ , يُقَال مِنْهُ : خَطِئَ فُلَان وَأَخْطَأَ فِيمَا أَتَى مِنْ الْفِعْل , وَأَثِمَ إذَا أَتَى مَا يَتَأَثَّم فِيهِ وَرَكِبَهُ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : النَّاس يَلْحَوْنَ الْأَمِير إذَا هُمُ خَطِئُوا الصَّوَاب وَلَا يُلَامُ الْمُرْشَدُ يَعْنِي : أَخْطَئُوا الصَّوَاب . وَهَذَا الْوَجْه الَّذِي يَرْغَب الْعَبْد إلَى رَبّه فِي صَفْح مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ إثْم عَنْهُ , إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ كُفْرًا . وَالْآخَر مِنْهُمَا : مَا كَانَ عَنْهُ عَلَى وَجْه الْجَهْل بِهِ وَالظَّنّ مِنْهُ , بِأَنَّ لَهُ فِعْله , كَاَلَّذِي فِي شَهْر رَمَضَان لَيْلًا , وَهُوَ يَحْسِب أَنَّ الْفَجْر لَمْ يَطْلُع , أَوْ يُؤَخِّر صَلَاة فِي يَوْم غَيْم وَهُوَ يَنْتَظِر بِتَأْخِيرِهِ إيَّاهَا دُخُول وَقْتهَا فَيَخْرُج وَقْتهَا وَهُوَ يَرَى أَنَّ وَقْتهَا لَمْ يَدْخُل فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْخَطَأ الْمَوْضُوع عَنْ الْعَبْد الَّذِي وَضَعَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عِبَاده الْإِثْم فِيهِ , فَلَا وَجْه لِمَسْأَلَةِ الْعَبْد رَبّه أَنْ يُؤَاخِذهُ بِهِ . وَقَدْ زَعَمَ قَوْم أَنَّ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه أَنْ لَا يُؤَاخِذهُ بِمَا نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ , إنَّمَا هُوَ فِعْل مِنْهُ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى , أَوْ لِمَا نَدَبَهُ إلَيْهِ مِنْ التَّذَلُّل لَهُ وَالْخُضُوع بِالْمَسْأَلَةِ , فَأَمَّا عَلَى وَجْه مَسْأَلَته الصَّفْح , فَمِمَّا لَا وَجْه لَهُ عِنْدهمْ وَلِلْبَيَانِ عَنْ هَؤُلَاءِ كِتَاب سَنَأْتِي فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّه عَلَى مَا فِيهِ الْكِفَايَة لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ .

رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا

الْقَوْل تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُولُوا : رَبّنَا لَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا : يَعْنِي بِالْإِصْرِ : الْعَهْد , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي } 3 81 وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا } وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا عَهْدًا , فَنَعْجِز عَنْ الْقِيَام بِهِ وَلَا نَسْتَطِيعهُ , { كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا } يَعْنِي عَلَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كُلِّفُوا أَعْمَالًا وَأُخِذَتْ عُهُودهمْ وَمَوَاثِيقهمْ عَلَى الْقِيَام بِهَا , فَلَمْ يَقُومُوا بِهَا , فَعُوجِلُوا بِالْعُقُوبَةِ . فَعَلَّمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّغْبَة إلَيْهِ بِمَسْأَلَتِهِ أَنْ لَا يَحْمِلهُمْ مِنْ عُهُوده وَمَوَاثِيقه عَلَى أَعْمَال أَنْ ضَيَّعُوهَا أَوْ أَخْطَئُوا فِيهَا أَوْ نَسُوهَا مِثْل الَّذِي حَمَلَ مِنْ قَبْلهمْ , فَيَحِلّ بِهِمْ بِخَطَئِهِمْ فِيهِ وَتَضْيِيعهمْ إيَّاهُ مِثْل الَّذِي أُحِلَّ بِمَنْ قَبْلهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5107 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ قِي قَوْله : { لَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا } قَالَ : لَا تَحْمِل عَلَيْنَا عَهْدًا وَمِيثَاقًا , { كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا } يَقُول : كَمَا غَلُظَ عَلَى مَنْ قَبْلنَا . 5108 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مُوسَى بْن قَيْس الْحَضْرَمِيّ , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا } قَالَ : عَهْدًا * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إصْرًا } قَالَ : عَهْدًا . 5109 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { إصْرًا } يَقُول : عَهْدًا . 5110 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { رَبّنَا وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا } وَالْإِصْر : الْعَهْد الَّذِي كَانَ عَلَى مَنْ قَبْلنَا مِنْ الْيَهُود . 5111 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَوْله : { وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا } قَالَ : عَهْدًا لَا نُطِيقهُ , وَلَا نَسْتَطِيع الْقِيَام بِهِ , { كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا } الْيَهُود وَالنَّصَارَى , فَلَمْ يَقُومُوا بِهِ فَأَهْلَكَتْهُمْ . 5112 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { إصْرًا } قَالَ : الْمَوَاثِيق . 5113 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : الْإِصْر : الْعَهْد ; { وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي } 3 81 قَالَ : عَهْدِي . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي } قَالَ : عَهْدِي . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا ذُنُوبًا وَإِثْمًا كَمَا حَمَلْت ذَلِكَ عَلَى مَنْ قَبْلنَا مِنْ الْأُمَم , فَتَمْسَخنَا قِرَدَة وَخَنَازِير كَمَا مَسَخْتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5114 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَمْرو السُّكُونِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , عَنْ عَلِيّ بْن هَارُونَ , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح فِي قَوْله : { وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا } قَالَ : لَا تَمْسَخنَا قِرَدَة وَخَنَازِير . 5115 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { رَبّنَا وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا } لَا تَحْمِل عَلَيْنَا ذَنْبًا لَيْسَ فِيهِ تَوْبَة وَلَا كَفَّارَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الْإِصْر بِكَسْرِ الْأَلِف : الثِّقَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5116 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { رَبّنَا وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا } يَقُول : التَّشْدِيد الَّذِي شَدَدْته عَلَى مَنْ قَبْلنَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب . 5117 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْته , يَعْنِي مَالِكًا , عَنْ قَوْله : { وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا } قَالَ : الْإِصْر : الْأَمْر الْغَلِيظ . فَأَمَّا الْأَصْر بِفَتْحِ الْأَلِف : فَهُوَ مَا عَطَفَ الرَّجُل عَلَى غَيْره مِنْ رَحِم أَوْ قَرَابَة , يُقَال : أَصِرَتْنِي رَحِم بَيْنِي وَبَيْن فُلَان عَلَيْهِ , بِمَعْنَى : عَطَفَتْنِي عَلَيْهِ , وَمَا يَأْصِرُنِي عَلَيْهِ : أَيْ مَا يَعْطِفنِي عَلَيْهِ , وَبَيْنِي وَبَيْنه أَصْر رَحِم يَأْصِرُنِي عَلَيْهِ أَصْرًا : يَعْنِي بِهِ : عَاطِفَة رَحِم تَعْطِفنِي عَلَيْهِ .

رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقُولُوا أَيْضًا : رَبّنَا لَا تُكَلِّفنَا مِنْ الْأَعْمَال مَا لَا نُطِيق الْقِيَام بِهِ لِثِقَلِ حَمْله عَلَيْنَا . وَكَذَلِكَ كَانَتْ جَمَاعَة أَهْل التَّأْوِيل يَتَأَوَّلُونَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5118 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ } تَشْدِيد يُشَدَّد بِهِ كَمَا شَدَّدَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ . 5119 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك قَوْله : { وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ } قَالَ : لَا تُحَمِّلنَا مِنْ الْأَعْمَال مَا لَا نُطِيق . 5120 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ } لَا تَفْتَرِض عَلَيْنَا مِنْ الدِّين مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ , فَنَعْجِز عَنْهُ . 5121 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ } مَسْخ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير . 5122 - حَدَّثَنِي سَلَام بْن سَالِم الْخُزَاعِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو حَفْص عُمَر بْن سَعِيد التَّنُوخِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن شُعَيْب بْن سَابُور , عَنْ سَالِم بْن شَابُورٍ فِي قَوْله : { رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ } قَالَ : الْغِلْمَة . 5123 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ } مِنْ التَّغْلِيظ وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّحْرِيم . وَإِنَّمَا قُلْنَا : إنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ : وَلَا تُكَلِّفنَا مِنْ الْأَعْمَال مَا لَا نُطِيق الْقِيَام بِهِ عَلَى نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , لِأَنَّهُ عَقِيب مَسْأَلَة الْمُؤْمِنِينَ رَبّهمْ أَنْ لَا يُؤَاخِذهُمْ إنْ نَسُوا أَوْ أَخْطَئُوا , وَأَنْ لَا يَحْمِل عَلَيْهِمْ إصْرًا كَمَا حَمَلَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ , فَكَانَ إلْحَاق ذَلِكَ بِمَعْنَى مَا قَبْله مِنْ مَسْأَلَتهمْ التَّيْسِير فِي الدِّين أَوْلَى مِمَّا خَالَفَ ذَلِكَ الْمَعْنَى .

وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا } وَفِي هَذَا أَيْضًا مِنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَبَرًا عَنْ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مَسْأَلَتهمْ إيَّاهُ ذَلِكَ الدَّلَالَة الْوَاضِحَة أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ تَيْسِير فَرَائِضه عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ : { وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ } لِأَنَّهُمْ عَقَّبُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ : { وَاعْفُ عَنَّا } مَسْأَلَة مِنْهُمْ رَبّهمْ أَنْ يَعْفُو لَهُمْ عَنْ تَقْصِير إنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي بَعْض مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ فَرَائِضه , فَيَصْفَح لَهُمْ عَنْهُ , وَلَا يُعَاقِبهُمْ عَلَيْهِ , وَإِنْ خَفَّ مَا كَلَّفَهُمْ مِنْ فَرَائِضه عَلَى أَبْدَانهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5124 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَاعْفُ عَنَّا } قَالَ : اُعْفُ عَنَّا إنْ قَصَّرْنَا عَنْ شَيْء مِنْ أَمْرك مِمَّا أَمَرْتنَا بِهِ . وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَاغْفِرْ لَنَا } يَعْنِي : وَاسْتُرْ عَلَيْنَا زَلَّة إنْ أَتَيْنَاهَا فِيمَا بَيْننَا وَبَيْنك , فَلَا تَكْشِفهَا وَلَا تَفْضَحنَا بِإِظْهَارِهَا . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْمَغْفِرَة فِيمَا مَضَى قَبْل . 5125 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد { وَاغْفِرْ لَنَا } إنْ انْتَهَكْنَا شَيْئًا مِمَّا نَهَيْتنَا عَنْهُ .

وَارْحَمْنَا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَارْحَمْنَا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : تَغَمَّدْنَا مِنْك بِرَحْمَةٍ تُنْجِينَا بِهَا مِنْ عِقَابك , فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَاجٍ مِنْ عِقَابك أَحَد إلَّا بِرَحْمَتِك إيَّاهُ دُون عَمَله , وَلَيْسَتْ أَعْمَالنَا مُنْجِيَتنَا إنْ أَنْتَ لَمْ تَرْحَمنَا , فَوَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيك عَنَّا . كَمَا : 5126 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَارْحَمْنَا } قَالَ : يَقُول : لَا نَنَال الْعَمَل بِمَا أَمَرْتنَا بِهِ , وَلَا نَتْرُك مَا نَهَيْتنَا عَنْهُ إلَّا بِرَحْمَتِك , قَالَ : وَلَمْ يَنْجُ أَحَد إلَّا بِرَحْمَتِك .

أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَنْتَ مَوْلَانَا } أَنْتَ وَلِيّنَا بِنَصْرِك دُون مَنْ عَادَاك وَكَفَرَ بِك , لِأَنَّا مُؤْمِنُونَ بِك وَمُطِيعُوك فِيمَا أَمَرْتنَا وَنَهَيْتنَا , فَأَنْتَ وَفِيّ مَنْ أَطَاعَك , وَعَدُوّ مَنْ كَفَرَ بِك فَعَصَاك , فَانْصُرْنَا لِأَنَّا حِزْبك , عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ الَّذِي جَحَدُوا وَحْدَانِيّتك , وَعَبَدُوا الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد دُونك , وَأَطَاعُوا فِي مَعْصِيَتك الشَّيْطَان . وَالْمَوْلَى فِي هَذَا الْمَوْضِع الْمَفْعَل مِنْ وَلَّى فُلَان أَمْر فُلَان فَهُوَ يَلِيه وِلَايَة , وَهُوَ وَلِيّه وَمَوْلَاهُ , وَإِنَّمَا صَارَتْ الْيَاء مِنْ وَلَّى أَلِفًا لِانْفِتَاحِ اللَّام قَبْلهَا الَّتِي هِيَ عَيْن الِاسْم . وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَلَاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , اسْتَجَابَ اللَّه لَهُ فِي ذَلِكَ كُلّه . ذِكْر الْأَخْبَار الَّتِي جَاءَتْ بِذَلِكَ : 5127 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم وَمُحَمَّد بْن خَلَف قَالَا : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { آمَنَ الرَّسُول بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبّه } قَالَ : قَرَأَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا انْتَهَى إلَى قَوْله : { غُفْرَانك رَبّنَا } قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " قَدْ غَفَرْت لَكُمْ " , فَلَمَّا قَرَأَ : { رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " لَا أُحَمِّلكُمْ " فَلَمَّا قَرَأَ : { وَاغْفِرْ لَنَا } قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " قَدْ غَفَرْت لَكُمْ " , فَلَمَّا قَرَأَ : { وَارْحَمْنَا } قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " قَدْ رَحِمْتُكُمْ " , فَلَمَّا قَرَأَ : { وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " قَدْ نَصَرْتُكُمْ عَلَيْهِمْ " . 5128 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : أَتَى جِبْرِيل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد قُلْ : { رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } فَقَالَهَا , فَقَالَ جِبْرِيل : قَدْ فَعَلَ , وَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : قُلْ { رَبّنَا لَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا } فَقَالَهَا , فَقَالَ جِبْرِيل : قَدْ فَعَلَ , فَقَالَ : قُلْ { رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ } فَقَالَهَا : فَقَالَ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ فَعَلَ , فَقَالَ : قُلْ { وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } فَقَالَهَا , فَقَالَ جِبْرِيل : قَدْ فَعَلَ . 5129 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , قَالَ : زَعَمَ السُّدِّيّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة حِين نَزَلَتْ : { رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : فَعَلَ ذَلِكَ يَا مُحَمَّد , { رَبّنَا وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل فِي كُلّ ذَلِكَ : فَعَلَ ذَلِكَ يَا مُحَمَّد . 5130 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ آدَم بْن سُلَيْمَان مَوْلَى خَالِد , قَالَ سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { آمَنَ الرَّسُول بِمَا أَنْزَلَ إلَيْهِ مِنْ رَبّه } إلَى { رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } فَقَرَأَ : { رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قَالَ فَقَالَ : قَدْ فَعَلْت , { رَبّنَا لَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا } فَقَالَ : قَدْ فَعَلْت , { رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ } قَالَ : قَدْ فَعَلْت , { وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } قَالَ : قَدْ فَعَلْت . 5131 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ ثنا إسْحَاق بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُصْعَب بْن ثَابِت , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يَعْقُوب , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قَالَ أَبِي : قَالَ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَعَمْ " . 5132 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو حُمَيْد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ آدَم عَنْ بْن سُلَيْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إلَّا وُسْعهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قَالَ , يَقُول قَدْ فَعَلْت , { رَبّنَا وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا } قَالَ : وَيَقُول قَدْ فَعَلْت , فَأُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّة خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة , وَلَمْ تُعْطَهَا الْأُمَم قَبْلهَا . 5133 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حَرْب الْمُوصِلِيّ , قَالَ : ثنا ابْن فُضَيْل , قَالَ , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { آمَنَ الرَّسُول بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبّه } إلَى قَوْله . { غُفْرَانك رَبّنَا } قَالَ : قَدْ غَفَرْت لَكُمْ , { لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إلَّا وُسْعهَا } إلَى قَوْله . { لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قَالَ : أُؤَاخِذكُمْ , { رَبّنَا وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا } قَالَ لَا أَحْمِل عَلَيْكُمْ , إلَى قَوْله . { وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا } إلَى آخِر السُّورَة , قَالَ : قَدْ عَفَوْت عَنْكُمْ , وَغَفَرْت لَكُمْ , وَرَحِمْتُكُمْ , وَنَصَرْتُكُمْ عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ . وَرُوِيَ عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم أَنَّ إجَابَة اللَّه لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة . 5134 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } كَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول لَهُ سَلْهَا , فَسَأَلَهَا نَبِيّ اللَّه رَبّه جَلَّ ثَنَاءَهُ , فَأَعْطَاهُ إيَّاهَا , فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة . 5135 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق : أَنَّ مُعَاذًا كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ السُّورَة : { وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } قَالَ : آمِينَ .




تفسير القرطبي:
ـــــــــــــــــــــــــــ

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا

التَّكْلِيف هُوَ الْأَمْر بِمَا يَشُقّ عَلَيْهِ وَتَكَلَّفْت الْأَمْر تَجَشَّمْته , حَكَاهُ الْجَوْهَرِيّ . وَالْوُسْع : الطَّاقَة وَالْجِدَة . وَهَذَا خَبَر جُزِمَ . نَصَّ اللَّه تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَلِّف الْعِبَاد مِنْ وَقْت نُزُول الْآيَة عِبَادَة مِنْ أَعْمَال الْقَلْب أَوْ الْجَوَارِح إِلَّا وَهِيَ فِي وُسْع الْمُكَلَّف وَفِي مُقْتَضَى إِدْرَاكه وَبِنْيَته , وَبِهَذَا اِنْكَشَفَتْ الْكُرْبَة عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي تَأَوُّلهمْ أَمْر الْخَوَاطِر . وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة مَا حَكَاهُ أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : مَا وَدِدْت أَنَّ أَحَدًا وَلَدَتْنِي أُمّه إِلَّا جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب , فَإِنِّي تَبِعْته يَوْمًا وَأَنَا جَائِع فَلَمَّا بَلَغَ , مَنْزِله لَمْ يَجِد فِيهِ سِوَى نِحْي سَمْن قَدْ بَقِيَ فِيهِ أَثَارَة فَشَقَّهُ بَيْن أَيْدِينَا , فَجَعَلْنَا نَلْعَق مَا فِيهِ مِنْ السَّمْن وَالرُّبّ وَهُوَ يَقُول : مَا كَلَّفَ اللَّه نَفْسًا فَوْق طَاقَتهَا وَلَا تَجُود يَد إِلَّا بِمَا تَجِد

اِخْتَلَفَ النَّاس فِي جَوَاز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق فِي الْأَحْكَام الَّتِي هِيَ فِي الدُّنْيَا , بَعْد اِتِّفَاقهمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ وَاقِعًا فِي الشَّرْع , وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَة أَذِنَتْ بِعَدَمِهِ , قَالَ أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ : تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق جَائِز عَقْلًا , وَلَا يَخْرِم ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ عَقَائِد الشَّرْع , وَيَكُون ذَلِكَ أَمَارَة عَلَى تَعْذِيب الْمُكَلَّف وَقَطْعًا بِهِ , وَيُنْظَر إِلَى هَذَا تَكْلِيف الْمُصَوِّر أَنْ يَعْقِد شَعِيرَة . وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِهِ هَلْ وَقَعَ فِي رِسَالَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا ؟ فَقَالَ فِرْقَة : وَقَعَ فِي نَازِلَة أَبِي لَهَب , لِأَنَّهُ كَلَّفَهُ بِالْإِيمَانِ بِجُمْلَةِ الشَّرِيعَة , وَمِنْ جُمْلَتهَا أَنَّهُ لَا يُؤْمِن ; لِأَنَّهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِتَبِّ الْيَدَيْنِ وَصَلْي النَّار وَذَلِكَ مُؤْذِن بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِن , فَقَدْ كَلَّفَهُ بِأَنْ يُؤْمِن بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِن . وَقَالَتْ فِرْقَة : لَمْ يَقَع قَطُّ . وَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاع عَلَى ذَلِكَ . وَقَوْله تَعَالَى : " سَيَصْلَى نَارًا " [ الْمَسَد : 3 ] مَعْنَاهُ إِنْ وَافَى , حَكَاهُ اِبْن عَطِيَّة . " وَيُكَلِّف " يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ أَحَدهمَا مَحْذُوف , تَقْدِيره عِبَادَة أَوْ شَيْئًا . فَاَللَّه سُبْحَانه بِلُطْفِهِ وَإِنْعَامه عَلَيْنَا وَإِنْ كَانَ قَدْ كَلَّفَنَا بِمَا يَشُقّ وَيَثْقُل كَثُبُوتِ الْوَاحِد لِلْعَشْرَةِ , وَهِجْرَة الْإِنْسَان وَخُرُوجه مِنْ وَطَنه وَمُفَارَقَة أَهْله وَوَطَنه وَعَادَته , لَكِنَّهُ لَمْ يُكَلِّفنَا بِالْمَشَقَّاتِ الْمُثْقِلَة وَلَا بِالْأُمُورِ الْمُؤْلِمَة , كَمَا كَلَّفَ مَنْ قَبْلنَا بِقَتْلِ أَنْفُسهمْ وَقَرْض مَوْضِع الْبَوْل مِنْ ثِيَابهمْ وَجُلُودهمْ , بَلْ سَهَّلَ وَرَفَقَ وَوَضَعَ عَنَّا الْإِصْر وَالْأَغْلَال الَّتِي وَضَعَهَا عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلنَا . فَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة , وَالْفَضْل وَالنِّعْمَة .

لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ

يُرِيد مِنْ الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات قَالَهُ السُّدِّيّ . وَجَمَاعَة الْمُفَسِّرِينَ لَا خِلَاف بَيْنهمْ فِي ذَلِكَ , قَالَهُ اِبْن عَطِيَّة . وَهُوَ مِثْل قَوْله : " وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى " [ الْأَنْعَام : 164 ] " وَلَا تَكْسِب كُلّ نَفْس إِلَّا عَلَيْهَا " [ الْأَنْعَام : 164 ] . وَالْخَوَاطِر وَنَحْوهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْب الْإِنْسَان . وَجَاءَتْ الْعِبَارَة فِي الْحَسَنَات ب " لَهَا " مِنْ حَيْثُ هِيَ مِمَّا , يَفْرَح الْمَرْء بِكَسْبِهِ وَيُسَرّ بِهَا , فَتُضَاف إِلَى مِلْكه وَجَاءَتْ فِي السَّيِّئَات ب " عَلَيْهَا " مِنْ حَيْثُ هِيَ أَثْقَال وَأَوْزَار وَمُتَحَمَّلَات صَعْبَة , وَهَذَا كَمَا تَقُول : لِي مَال وَعَلَيَّ دَيْن . وَكَرَّرَ فِعْل الْكَسْب فَخَالَفَ بَيْن التَّصْرِيف حُسْنًا لِنَمَطِ الْكَلَام , كَمَا قَالَ : " فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا " [ الطَّارِق : 17 ] . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيَظْهَر لِي فِي هَذَا أَنَّ الْحَسَنَات هِيَ مِمَّا تُكْتَسَب دُون تَكَلُّف , إِذْ كَاسِبهَا عَلَى جَادَّة أَمْر اللَّه تَعَالَى وَرَسْم شَرْعه , وَالسَّيِّئَات تُكْتَسَب بِبِنَاءِ الْمُبَالَغَة , إِذْ كَاسِبهَا يَتَكَلَّف فِي أَمْرهَا خَرْق حِجَاب نَهْي اللَّه تَعَالَى وَيَتَخَطَّاهُ إِلَيْهَا , فَيَحْسُن فِي الْآيَة مَجِيء التَّصْرِيفَيْنِ إِحْرَازًا , لِهَذَا الْمَعْنَى .

فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى صِحَّة إِطْلَاق أَئِمَّتنَا عَلَى أَفْعَال الْعِبَاد كَسْبًا وَاكْتِسَابًا , وَلِذَلِكَ لَمْ يُطْلِقُوا عَلَى ذَلِكَ لَا خَلق وَلَا خَالِق , خِلَافًا لِمَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ مِنْ مُجْتَرِئَة الْمُبْتَدِعَة . وَمَنْ أَطْلَقَ مِنْ أَئِمَّتنَا ذَلِكَ عَلَى الْعَبْد , وَأَنَّهُ فَاعِل فَبِالْمَجَازِ الْمَحْض . وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ وَغَيْره : وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَة لَا يُؤَاخَذ أَحَد بِذَنْبِ أَحَد . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا صَحِيح فِي نَفْسه وَلَكِنْ مِنْ غَيْر هَذِهِ الْآيَة .

قَالَ الْكِيَا الطَّبَرِيّ : قَوْله تَعَالَى : " لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اِكْتَسَبَتْ " يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ غَيْره بِمُثْقَلٍ أَوْ بِخَنْقٍ أَوْ تَغْرِيق فَعَلَيْهِ ضَمَانه قِصَاصًا أَوْ دِيَة , فَخِلَافًا لِمَنْ جَعَلَ دِيَته عَلَى الْعَاقِلَة , وَذَلِكَ يُخَالِف الظَّاهِر , وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ سُقُوط الْقِصَاص عَنْ الْأَب لَا يَقْتَضِي سُقُوطه عَنْ شَرِيكه . وَيَدُلّ عَلَى وُجُوب الْحَدّ عَلَى الْعَاقِلَة إِذَا مَكَّنَتْ مَجْنُونًا مِنْ نَفْسهَا . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : " ذَكَرَ عُلَمَاؤُنَا هَذِهِ الْآيَة فِي أَنَّ الْقَوَد وَاجِب عَلَى شَرِيك الْأَب خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَة , وَعَلَى شَرِيك الْخَاطِئ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَة ; لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا قَدْ اِكْتَسَبَ الْقَتْل . وَقَالُوا : إِنَّ اِشْتَرَاك مَنْ لَا يَجِب عَلَيْهِ الْقِصَاص مَعَ مَنْ يَجِب عَلَيْهِ الْقِصَاص لَا يَكُون شُبْهَة فِي دَرْء مَا يُدْرَأ بِالشُّبْهَةِ " .

رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا

الْمَعْنَى : اُعْفُ عَنْ إِثْم مَا يَقَع مِنَّا عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ أَحَدهمَا , كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان , وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) أَيْ إِثْم ذَلِكَ . وَهَذَا لَمْ يُخْتَلَف فِيهِ أَنَّ الْإِثْم مَرْفُوع , وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِيمَا يَتَعَلَّق عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام , هَلْ ذَلِكَ مَرْفُوع لَا يَلْزَم مِنْهُ شَيْء أَوْ يَلْزَم أَحْكَام ذَلِكَ كُلّه ؟ اِخْتَلَفَ فِيهِ . وَالصَّحِيح أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِف بِحَسَبِ الْوَقَائِع , فَقِسْم لَا يَسْقُط بِاتِّفَاقٍ كَالْغَرَامَاتِ وَالدِّيَات وَالصَّلَوَات الْمَفْرُوضَات . وَقِسْم يَسْقُط بِاتِّفَاقٍ كَالْقِصَاصِ وَالنُّطْق بِكَلِمَةِ الْكُفْر . وَقِسْم ثَالِث يُخْتَلَف فِيهِ كَمَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فِي رَمَضَان أَوْ حَنِثَ سَاهِيًا , وَمَا كَانَ مِثْله مِمَّا يَقَع خَطَأ وَنِسْيَانًا , وَيُعْرَف ذَلِكَ فِي الْفُرُوع .

رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

أَيْ ثِقْلًا قَالَ مَالِك وَالرَّبِيع : الْإِصْر الْأَمْر الْغَلِيظ الصَّعْب . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : الْإِصْر شِدَّة الْعَمَل . وَمَا غَلُظَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ الْبَوْل وَنَحْوه , قَالَ الضَّحَّاك : كَانُوا يَحْمِلُونَ أُمُورًا شِدَادًا , وَهَذَا نَحْو قَوْل مَالِك وَالرَّبِيع , وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة : يَا مَانِع الضَّيْم أَنْ يَغْشَى سَرَاتهمْ وَالْحَامِل الْإِصْر عَنْهُمْ بَعْدَمَا عَرَفُوا عَطَاء : الْإِصْر الْمَسْخ قِرَدَة وَخَنَازِير , وَقَالَهُ اِبْن زَيْد أَيْضًا . وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ الذَّنْب الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَوْبَة وَلَا كَفَّارَة . وَالْإِصْر فِي اللُّغَة الْعَهْد , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي " . [ آل عِمْرَان : 81 ] وَالْإِصْر : الضِّيق وَالذَّنْب وَالثِّقَل . وَالْإِصَار : الْحَبْل الَّذِي تُرْبَط بِهِ الْأَحْمَال وَنَحْوهَا , يُقَال : أَصَرَ يَأْصِر أَصْرًا حَبَسَهُ . وَالْإِصْر - بِكَسْرِ الْهَمْزَة - مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالْمَوْضِع مَأْصِر وَمَأْصَر وَالْجَمْع مَآصِر , وَالْعَامَّة تَقُول مَعَاصِر . قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ بِهَذَا الظَّاهِر فِي كُلّ عِبَادَة اِدَّعَى الْخَصْم تَثْقِيلهَا , فَهُوَ نَحْو قَوْله تَعَالَى : " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج " [ الْمُؤْمِنُونَ : 78 ] وَكَقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الدِّين يُسْر فَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا ) . اللَّهُمَّ شُقَّ عَلَى مَنْ شَقَّ عَلَى أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قُلْت : وَنَحْوه قَالَ الْكِيَا الطَّبَرِيّ قَالَ : يُحْتَجّ بِهِ فِي نَفْي الْحَرَج وَالضِّيق الْمُنَافِي ظَاهِره لِلْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَة , وَهَذَا بَيِّن .

رُوِيَ عَنْ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَالضَّحَّاك : أَنَّ هَذِهِ الْآيَة كَانَتْ فِي قِصَّة الْمِعْرَاج , وَهَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْض الرِّوَايَات عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَقَالَ بَعْضهمْ : جَمِيع الْقُرْآن نَزَلَ بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا هَذِهِ الْآيَة فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ الَّذِي سَمِعَ لَيْلَة الْمِعْرَاج , وَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي قِصَّة الْمِعْرَاج ; لِأَنَّ لَيْلَة الْمِعْرَاج كَانَتْ بِمَكَّة وَهَذِهِ السُّورَة كُلّهَا مَدَنِيَّة , فَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا كَانَتْ لَيْلَة الْمِعْرَاج قَالَ : لَمَّا صَعِدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَلَغَ فِي السَّمَوَات فِي مَكَان مُرْتَفِع وَمَعَهُ جِبْرِيل حَتَّى جَاوَزَ سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : إِنِّي لَمْ أُجَاوِز هَذَا الْمَوْضِع وَلَمْ يُؤْمَر بِالْمُجَاوَزَةِ أَحَد هَذَا الْمَوْضِع غَيْرك فَجَاوَزَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ الْمَوْضِع الَّذِي شَاءَ اللَّه , فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيل بِأَنْ سَلِّمْ عَلَى رَبّك , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : التَّحِيَّات لِلَّهِ وَالصَّلَوَات وَالطَّيِّبَات . قَالَ اللَّه تَعَالَى : السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا النَّبِيّ وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته , فَأَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُون لِأُمَّتِهِ حَظّ فِي السَّلَام فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ , فَقَالَ جِبْرِيل وَأَهْل السَّمَوَات كُلّهمْ : أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله . قَالَ اللَّه تَعَالَى : " آمَنَ الرَّسُول " عَلَى مَعْنَى الشُّكْر أَيْ صَدَّقَ الرَّسُول " بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبّه " فَأَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَارِك أُمَّته فِي الْكَرَامَة وَالْفَضِيلَة فَقَالَ : " وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله لَا نُفَرِّق بَيْن أَحَد مِنْ رُسُله " يَعْنِي يَقُولُونَ آمَنَّا بِجَمِيعِ الرُّسُل وَلَا نَكْفُر بِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا نُفَرِّق بَيْنهمْ كَمَا فَرَّقَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , فَقَالَ لَهُ رَبّه كَيْف قَبُولهمْ بِآيِ الَّذِي أَنْزَلْتهَا ؟ وَهُوَ قَوْله : " إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسكُمْ " فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانك رَبّنَا وَإِلَيْك الْمَصِير يَعْنِي الْمَرْجِع . فَقَالَ اللَّه تَعَالَى عِنْد ذَلِكَ : " لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا " يَعْنِي طَاقَتهَا وَيُقَال : إِلَّا دُون طَاقَتهَا . " لَهَا مَا كَسَبَتْ " مِنْ الْخَيْر " وَعَلَيْهَا مَا اِكْتَسَبَتْ " مِنْ الشَّرّ , فَقَالَ جِبْرِيل عِنْد ذَلِكَ : سَلْ تُعْطَهُ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِنْ نَسِينَا " يَعْنِي إِنْ جَهِلْنَا " أَوْ أَخْطَأْنَا " يَعْنِي إِنْ تَعَمَّدْنَا , وَيُقَال : إِنْ عَمِلْنَا بِالنِّسْيَانِ , وَالْخَطَأ . فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : قَدْ أُعْطِيت ذَلِكَ قَدْ رُفِعَ عَنْ أُمَّتك الْخَطَأ وَالنِّسْيَان . فَسَلْ شَيْئًا آخَر فَقَالَ : " رَبّنَا وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إِصْرًا " يَعْنِي ثِقَلًا " كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا " وَهُوَ أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الطَّيِّبَات بِظُلْمِهِمْ , وَكَانُوا إِذَا أَذْنَبُوا بِاللَّيْلِ وَجَدُوا ذَلِكَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابهمْ , وَكَانَتْ الصَّلَوَات عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ , فَخَفَّفَ اللَّه عَنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَحَطَّ عَنْهُمْ بَعْدَمَا فَرَضَ خَمْسِينَ صَلَاة . ثُمَّ قَالَ : " رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ " يَقُول : لَا تُثْقِلنَا مِنْ الْعَمَل مَا لَا نُطِيق فَتُعَذِّبنَا , وَيُقَال : مَا تَشُقّ عَلَيْنَا ; لِأَنَّهُمْ لَوْ أُمِرُوا بِخَمْسِينَ صَلَاة لَكَانُوا يُطِيقُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَشُقّ عَلَيْهِمْ وَلَا يُطِيقُونَ الْإِدَامَة عَلَيْهِ " وَاعْفُ عَنَّا " مِنْ ذَلِكَ كُلّه " وَاغْفِرْ لَنَا " وَتَجَاوَزْ عَنَّا , وَيُقَال : " وَاعْفُ عَنَّا " مِنْ الْمَسْخ " وَاغْفِرْ لَنَا " مِنْ الْخَسْف " وَارْحَمْنَا " مِنْ الْقَذْف ; لِأَنَّ الْأُمَم الْمَاضِيَة بَعْضهمْ أَصَابَهُمْ الْمَسْخ وَبَعْضهمْ أَصَابَهُمْ الْخَسْف وَبَعْضهمْ الْقَذْف ثُمَّ قَالَ : " أَنْتَ مَوْلَانَا " يَعْنِي وَلِيّنَا وَحَافِظنَا " فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ " فَاسْتُجِيبَتْ دَعْوَته[/color][/color] .[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس نوفمبر 24, 2005 3:16 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[center][table=width:100%;background-color:transparent;background-image:url(backgrounds/18.gif);border:4 solid blue;][cell=filter:;][align=center]
"قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا "
مريم 30

تفسير الجلالين
ــــــــــــــــــــــــ

فَقِيلَ : كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَرْضِع فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامهمْ تَرَكَ الرَّضَاعَة وَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ , وَاتَّكَأَ عَلَى يَسَاره , وَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِسَبَّابَتِهِ الْيُمْنَى , و " قَالَ إِنِّي عَبْد اللَّه " فَكَانَ أَوَّل مَا نَطَقَ بِهِ الِاعْتِرَاف بِعُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّته , رَدًّا عَلَى مَنْ غَلَا مِنْ بَعْده فِي شَأْنه . وَالْكِتَاب الْإِنْجِيل ; قِيلَ : آتَاهُ فِي تِلْكَ الْحَالَة الْكِتَاب , وَفَهَّمَهُ وَعَلَّمَهُ , وَآتَاهُ النُّبُوَّة كَمَا عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا , وَكَانَ يَصُوم وَيُصَلِّي . وَهَذَا فِي غَايَة الضَّعْف عَلَى مَا نُبَيِّنهُ فِي الْمَسْأَلَة بَعْد هَذَا . وَقِيلَ : أَيْ حَكَمَ لِي بِإِيتَاءِ الْكِتَاب وَالنُّبُوَّة فِي الْأَزَل , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكِتَاب مُنَزَّلًا فِي الْحَال ; وَهَذَا أَصَحّ .

تفسير الطبري
ـــــــــــــــــــــــــ
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ إِنِّي عَبْد اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا قَالَ قَوْم مَرْيَم لَهَا { كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا اِسْتِهْزَاء بِهِمْ , قَالَ عِيسَى لَهَا مُتَكَلِّمًا عَنْ أُمّه : { إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب } . وَكَانُوا حِين أَشَارَتْ لَهُمْ إِلَى عِيسَى فِيمَا ذَكَرَ عَنْهُمْ غَضِبُوا , كَمَا : 17859 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا أَشَارَتْ لَهُمْ إِلَى عِيسَى غَضِبُوا , وَقَالُوا : لِسُخْرِيَّتِهَا بِنَا حِين تَأْمُرنَا أَنْ نُكَلِّم هَذَا الصَّبِيّ أَشَدّ عَلَيْنَا مِنْ زِنَاهَا { قَالُوا كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } 17860 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه { قَالُوا كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } فَأَجَابَهُمْ عِيسَى عَنْهَا فَقَالَ لَهُمْ { إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } . .. الْآيَة . 17861 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { قَالُوا كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } قَالَ لَهُمْ : { إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ { وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } فَقَالُوا : إِنَّ هَذَا لَأَمْر عَظِيم . 17862 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : { كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْد اللَّه } لَمْ يَتَكَلَّم عِيسَى إِلَّا عِنْد ذَلِكَ حِين { قَالُوا كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا }

آتَانِيَ الْكِتَابَ

وَقَوْله : { آتَانِيَ الْكِتَاب } يَقُول الْقَائِل : أَوْ آتَاهُ الْكِتَاب وَالْوَحْي قَبْل أَنْ يُخْلَق فِي بَطْن أُمّه فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا يُظَنّ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : وَقَضَى يَوْم قَضَى أُمُور خَلْقه إِلَيَّ أَنْ يُؤْتِينِي الْكِتَاب , كَمَا : 17863 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن آدَم , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك , يَعْنِي اِبْن مَخْلَد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة { قَالَ آتَانِي الْكِتَاب } قَالَ : قَضَى أَنْ يُؤْتِينِي الْكِتَاب فِيمَا مَضَى . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله { إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب } قَالَ : الْقَضَاء . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْل اللَّه { إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب } قَالَ : قَضَى أَنْ يُؤْتِينِي الْكِتَاب .

وَجَعَلَنِي نَبِيًّا

وَقَوْله : { وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ , وَالصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِيهِ عِنْدنَا بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي مَعْنَى النَّبِيّ وَحْده مَا : 17864 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : النَّبِيّ وَحْده الَّذِي يُكَلِّم وَيُنْزِل عَلَيْهِ الْوَحْي وَلَا يُرْسِل .


تفسير القرطبي

ــــــــــــــــــــــ

قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا

فَقِيلَ : كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَرْضِع فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامهمْ تَرَكَ الرَّضَاعَة وَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ , وَاتَّكَأَ عَلَى يَسَاره , وَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِسَبَّابَتِهِ الْيُمْنَى , و " قَالَ إِنِّي عَبْد اللَّه " فَكَانَ أَوَّل مَا نَطَقَ بِهِ الِاعْتِرَاف بِعُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّته , رَدًّا عَلَى مَنْ غَلَا مِنْ بَعْده فِي شَأْنه . وَالْكِتَاب الْإِنْجِيل ; قِيلَ : آتَاهُ فِي تِلْكَ الْحَالَة الْكِتَاب , وَفَهَّمَهُ وَعَلَّمَهُ , وَآتَاهُ النُّبُوَّة كَمَا عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا , وَكَانَ يَصُوم وَيُصَلِّي . وَهَذَا فِي غَايَة الضَّعْف عَلَى مَا نُبَيِّنهُ فِي الْمَسْأَلَة بَعْد هَذَا . وَقِيلَ : أَيْ حَكَمَ لِي بِإِيتَاءِ الْكِتَاب وَالنُّبُوَّة فِي الْأَزَل , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكِتَاب مُنَزَّلًا فِي الْحَال ; وَهَذَا أَصَحّ .

[/align]
[/cell][/table][/center]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 29, 2005 12:57 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Arial]قال جل وعلا :

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ

فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا"


الكهف 110

تفسير الجلالين:
ـــــــــــــــــــــــــــ

"قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَر" آدَمِيّ "مِثْلكُمْ يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهكُمْ إلَه وَاحِد" أَنَّ الْمَكْفُوفَة بِمَا بَاقِيَةٌ عَلَى مَصْدَرِيَّتهَا وَالْمَعْنَى : يُوحَى إلَيَّ وَحْدَانِيَّة الْإِلَه "فَمَنْ كَانَ يَرْجُو" يَأْمُل "لِقَاء رَبّه" بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاء "فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه" أَيْ فِيهَا بِأَنْ يُرَائِيَ


تفسير الطبري:
ـــــــــــــــــــــــــــ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَر مِثْلكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهكُمْ إِلَه وَاحِد فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّد : إِنَّمَا أَنَا بَشَر مِثْلكُمْ مِنْ بَنِي آدَم لَا عِلْم لِي إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّه وَإِنَّ اللَّه يُوحِي إِلَيَّ أَنَّ مَعْبُودكُمْ الَّذِي يَجِب عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , مَعْبُود وَاحِد لَا ثَانِي لَهُ , وَلَا شَرِيك { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه } يَقُول : فَمَنْ يَخَاف رَبّه يَوْم لِقَائِهِ , وَيُرَاقِبهُ عَلَى مَعَاصِيه , وَيَرْجُو ثَوَابه عَلَى طَاعَته { فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا } يَقُول : فَلْيُخْلِصْ لَهُ الْعِبَادَة , وَلْيُفْرِدْ لَهُ الرُّبُوبِيَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17651 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الرَّبِيع بْن أَبِي رَاشِد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه } قَالَ : ثَوَاب رَبّه .

وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا

وَقَوْله : { وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا } يَقُول : وَلَا يَجْعَل لَهُ شَرِيكًا فِي عِبَادَته إِيَّاهُ , وَإِنَّمَا يَكُون جَاعِلًا لَهُ شَرِيكًا بِعِبَادَتِهِ إِذَا رَاءَى بِعَمَلِهِ الَّذِي ظَاهِره أَنَّهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُرِيد بِهِ غَيْره . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17652 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عُبَيْد , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا } 17653 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان { وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا } قَالَ : لَا يُرَائِي . 17654 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , عَنْ طَاوُس , قَالَ : جَاءَ رَجُل , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه إِنِّي أُحِبّ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , وَأُحِبّ أَنْ يُرَى مَوْطِنِي وَيُرَى مَكَانِي , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا } 17655 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد وَمُسْلِم بْن خَالِد الزِّنْجِيّ عَنْ صَدَقَة بْن يَسَار , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ : وَإِنِّي أَعْمَل الْعَمَل وَأَتَصَدَّق وَأُحِبّ أَنْ يَرَاهُ النَّاس وَسَائِر الْحَدِيث نَحْوه . 17656 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ الْأَعْمَش , قَالَ : ثنا حَمْزَة أَبُو عُمَارَة مَوْلَى بَنِي هَاشِم , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عُبَادَة بْن الصَّامِت , فَسَأَلَهُ فَقَالَ : أَنْبِئْنِي عَمَّا أَسْأَلك عَنْهُ , أَرَأَيْت رَجُلًا يُصَلِّي يَبْتَغِي وَجْه اللَّه وَيُحِبّ أَنْ يُحْمَد وَيَصُوم وَيَبْتَغِي وَجْه اللَّه وَيُحِبّ أَنْ يُحْمَد , فَقَالَ عُبَادَة : لَيْسَ لَهُ شَيْء , أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول : أَنَا خَيْر شَرِيك , فَمَنْ كَانَ لَهُ مَعِيَ شَرِيك فَهُوَ لَهُ كُلّه , لَا حَاجَة لِي فِيهِ . 17657 - حَدَّثَنَا أَبُو عَامِر إِسْمَاعِيل بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس الْكِنْدِيّ , أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا } وَقَالَ : إِنَّهَا آخِر آيَة أُنْزِلَتْ مِنْ الْقُرْآن . آخِر تَفْسِير سُورَة الْكَهْف



تفسير القرطبي:
ـــــــــــــــــــــــــــ

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ

أَيْ لَا أَعْلَم إِلَّا مَا يُعَلِّمنِي اللَّه تَعَالَى , وَعِلْم اللَّه تَعَالَى لَا يُحْصَى , وَإِنَّمَا أُمِرْت بِأَنْ أُبَلِّغكُمْ بِأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه .

فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ

أَيْ يَرْجُو رُؤْيَته وَثَوَابه وَيَخْشَى عِقَابه .

فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا

قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي جُنْدُب بْن زُهَيْر الْعَامِرِيّ قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَعْمَل الْعَمَل لِلَّهِ تَعَالَى , وَأُرِيد وَجْه اللَّه تَعَالَى , إِلَّا أَنَّهُ إِذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ سَرَّنِي ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه طَيِّب وَلَا يَقْبَل إِلَّا الطَّيِّب وَلَا يَقْبَل مَا شُورِكَ فِيهِ ) فَنَزَلَتْ الْآيَة . وَقَالَ طَاوُس قَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه ! إِنِّي أُحِبّ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى وَأُحِبّ أَنْ يُرَى مَكَانِي فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ مُجَاهِد : جَاءَ رَجُل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه ! إِنِّي أَتَصَدَّق وَأَصِل الرَّحِم وَلَا أَصْنَع ذَلِكَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيُذْكَر ذَلِكَ مِنِّي وَأُحْمَد عَلَيْهِ فَيَسُرّنِي ذَلِكَ وَأُعْجِب بِهِ , فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " .

قُلْت : وَالْكُلّ مُرَاد , وَالْآيَة تَعُمّ ذَلِكَ كُلّه وَغَيْره مِنْ الْأَعْمَال . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة " هُود " حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الصَّحِيح فِي الثَّلَاثَة الَّذِينَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ أَوَّل النَّاس . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة " النِّسَاء " الْكَلَام عَلَى الرِّيَاء , وَذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَار هُنَاكَ مَا فِيهِ كِفَايَة . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل : مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : " وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " إِنَّهُ لَا يُرَائِي بِعَمَلِهِ أَحَدًا . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى فِي ( نَوَادِر الْأُصُول ) قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى قَالَ : حَدَّثَنَا مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الْوَاحِد بْن زَيْد عَنْ عُبَادَة بْن نُسَيّ قَالَ : أَتَيْت شَدَّاد بْن أَوْس فِي مُصَلَّاهُ وَهُوَ يَبْكِي , فَقُلْت : مَا الَّذِي أَبْكَاك يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن ؟ قَالَ : حَدِيث سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا , إِذْ رَأَيْت بِوَجْهِهِ أَمْرًا سَاءَنِي فَقُلْت : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُول اللَّه مَا الَّذِي أَرَى بِوَجْهِك ؟ قَالَ : ( أَمْرًا أَتَخَوَّفهُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي ) قُلْت : مَا هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : ( الشِّرْك وَالشَّهْوَة الْخَفِيَّة ) قُلْت : يَا رَسُول اللَّه ! وَتُشْرِك أُمَّتك مِنْ بَعْدك ؟ قَالَ : ( يَا شَدَّاد أَمَا إِنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا حَجَرًا وَلَا وَثَنًا وَلَكِنَّهُمْ يُرَاءُونَ بِأَعْمَالِهِمْ ) قُلْت : وَالرِّيَاء شِرْك هُوَ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ) . قُلْت : فَمَا الشَّهْوَة الْخَفِيَّة ؟ قَالَ : ( يُصْبِح أَحَدهمْ صَائِمًا فَتَعْرِض لَهُ شَهَوَات الدُّنْيَا فَيُفْطِر ) قَالَ عَبْد الْوَاحِد : فَلَقِيت الْحَسَن , فَقُلْت : يَا أَبَا سَعِيد ! أَخْبِرْنِي عَنْ الرِّيَاء أَشِرْكٌ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ; أَمَا تَقْرَأ " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " . وَرَوَى إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر قَالَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ لَيْث عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ : ( كَانَ عُبَادَة بْن الصَّامِت وَشَدَّاد بْن أَوْس جَالِسَيْنِ , فَقَالَا : إِنَّا نَتَخَوَّف عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة مِنْ الشِّرْك وَالشَّهْوَة الْخَفِيَّة , فَأَمَّا الشَّهْوَة الْخَفِيَّة فَمِنْ قِبَل النِّسَاء ) . وَقَالَا : سَمِعْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ صَلَّى صَلَاة يُرَائِي بِهَا فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ صَامَ صِيَامًا يُرَائِي بِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ ) ثُمَّ تَلَا " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا ) .

قُلْت : وَقَدْ جَاءَ تَفْسِير الشَّهْوَة الْخَفِيَّة بِخِلَافِ هَذَا , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " النِّسَاء " . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : وَسُئِلَ الْحَسَن عَنْ الْإِخْلَاص وَالرِّيَاء فَقَالَ : مِنْ الْإِخْلَاص أَنْ تُحِبّ أَنْ تَكْتُم حَسَنَاتك وَلَا تُحِبّ أَنْ تَكْتُم سَيِّئَاتك , فَإِنْ أَظْهَرَ اللَّه عَلَيْك حَسَنَاتك تَقُول هَذَا مِنْ فَضْلك وَإِحْسَانك , وَلَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِي وَلَا مِنْ صَنِيعِي , وَتَذْكُر قَوْله تَعَالَى : " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا ) . ( وَاَلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا " [ الْمُؤْمِنُونَ : 60 ] الْآيَة ; يُؤْتُونَ الْإِخْلَاص , وَهُمْ يَخَافُونَ أَلَّا يُقْبَل مِنْهُمْ ; وَأَمَّا الرِّيَاء فَطَلَب حَظّ النَّفْس مِنْ عَمَلهَا فِي الدُّنْيَا ; قِيلَ لَهَا : كَيْفَ يَكُون هَذَا ؟ قَالَ : مَنْ طَلَبَ بِعَمَلٍ بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى سِوَى وَجْه اللَّه تَعَالَى وَالدَّار الْآخِرَة فَهُوَ رِيَاء . وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ : وَقَدْ يُفْضِي الرِّيَاء بِصَاحِبِهِ إِلَى اِسْتِهْزَاء النَّاس بِهِ ; كَمَا يُحْكَى أَنَّ طَاهِر بْن الْحُسَيْن قَالَ لِأَبِي عَبْد اللَّه الْمَرْوَزِيّ : مُنْذُ كَمْ صِرْت إِلَى الْعِرَاق يَا أَبَا عَبْد اللَّه ؟ قَالَ : دَخَلْت الْعِرَاق مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَة وَأَنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَة صَائِم ; فَقَالَ يَا أَبَا عَبْد اللَّه سَأَلْنَاك عَنْ مَسْأَلَة فَأَجَبْتنَا عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ . وَحَكَى الْأَصْمَعِيّ أَنَّ أَعْرَابِيًّا صَلَّى فَأَطَالَ وَإِلَى جَانِبه قَوْم , فَقَالُوا : مَا أَحْسَنَ صَلَاتك ؟ ! فَقَالَ : وَأَنَا مَعَ ذَلِكَ صَائِم . أَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْل الْأَشْعَث بْن قَيْس وَقَدْ صَلَّى فَخَفَّفَ , فَقِيلَ لَهُ إِنَّك خَفَّفْت , فَقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يُخَالِطهَا رِيَاء ; فَخَلَصَ مِنْ تَنَقُّصهمْ بِنَفْيِ الرِّيَاء عَنْ نَفْسه , وَالتَّصَنُّع مِنْ صَلَاته ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " دَوَاء الرِّيَاء مِنْ قَوْل لُقْمَان ; وَأَنَّهُ كِتْمَان الْعَمَل , وَرَوَى التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم حَدَّثَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى قَالَ : أَنْبَأَنَا الْحِمَّانِيّ قَالَ : أَنْبَأَنَا جَرِير عَنْ لَيْث عَنْ شَيْخ عَنْ مَعْقِل بْن يَسَار قَالَ قَالَ أَبُو بَكْر وَشَهِدَ بِهِ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ذَكَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّرْك , قَالَ : ( هُوَ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيب النَّمْل وَسَأَدُلُّك عَلَى شَيْء إِذَا فَعَلْته أَذْهَبَ عَنْك صَغَار الشِّرْك وَكِبَاره تَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك أَنْ أُشْرِك بِك وَأَنَا أَعْلَم وَأَسْتَغْفِرك لِمَا لَا أَعْلَم تَقُولهَا ثَلَاث مَرَّات ) . وَقَالَ عُمَر بْن قَيْس الْكِنْدِيّ سَمِعْت مُعَاوِيَة تَلَا هَذِهِ الْآيَة عَلَى الْمِنْبَر " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه " فَقَالَ : إِنَّهَا لَآخِر آيَة نَزَلَتْ مِنْ السَّمَاء . وَقَالَ عُمَر قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا " رُفِعَ لَهُ نُور مَا بَيْن عَدَن إِلَى مَكَّة حَشْوه الْمَلَائِكَة يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ ) . وَقَالَ مُعَاذ بْن جَبَل قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَرَأَ أَوَّل سُورَة الْكَهْف وَآخِرهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ قَرْنه إِلَى قَدَمه وَمَنْ قَرَأَهَا كُلّهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء ) وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُل : إِنِّي أُضْمِر أَنْ أَقُوم سَاعَة مِنْ اللَّيْل فَيَغْلِبنِي النَّوْم , فَقَالَ : ( إِذَا أَرَدْت أَنْ تَقُوم أَيّ سَاعَة شِئْت مِنْ اللَّيْل فَاقْرَأْ إِذَا أَخَذْت مَضْجَعك " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْر مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي " إِلَى آخِر السُّورَة فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يُوقِظك مَتَى شِئْت مِنْ اللَّيْل ) ; ذَكَرَ هَذِهِ الْفَضَائِل الثَّعْلَبِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ . وَفِي مُسْنَد الدَّارِمِيّ أَبِي مُحَمَّد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن كَثِير عَنْ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ عَبْدَة عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش قَالَ مَنْ قَرَأَ آخِر سُورَة الْكَهْف لِسَاعَةٍ يُرِيد أَنْ يَقُوم مِنْ اللَّيْل قَامَهَا ; قَالَ عَبْدَة فَجَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : كَانَ شَيْخنَا الطُّرْطُوشِيّ الْأَكْبَر يَقُول : لَا تَذْهَب بِكُمْ الْأَزْمَان فِي مُصَاوَلَة الْأَقْرَان , وَمُوَاصَلَة الْإِخْوَان ; وَقَدْ خَتَمَ سُبْحَانه وَتَعَالَى الْبَيَان بِقَوْلِهِ : " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا [/font]"
.

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة ديسمبر 02, 2005 1:58 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[center][table=width:100%;background-color:transparent;background-image:url(backgrounds/2.gif);border:3 solid firebrick;][cell=filter:;][align=center]
تفسير قول الحق تبارك وتعالى:

" وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ"


الرعد 31

تفسير الجلالين :
ـــــــــــــــــــــــــ

وَنَزَلَ لَمَّا قَالُوا لَهُ إنْ كُنْت نَبِيًّا فَسَيِّرْ عَنَّا جِبَال مَكَّة وَاجَعَل لَنَا فِيهَا أَنْهَارًا وَعُيُونًا لِنَغْرِس وَنَزْرَع وَابْعَثْ لَنَا آبَاءَنَا الْمَوْتَى يُكَلِّمُونَا أَنَّك نَبِيّ "وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال" نُقِّلَتْ عَنْ أَمَاكِنهَا "أَوْ قُطِّعَتْ" شُقِّقَتْ "بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى" بِأَنْ يُحْيَوْا لَمَّا آمَنُوا "بَلْ لِلَّهِ الْأَمْر جَمِيعًا" لَا لِغَيْرِهِ فَلَا يُؤْمِنُ إلَّا مَنْ شَاءَ إيمَانَهُ دُون غَيْره إنْ أُوتُوا مَا اقْتَرَحُوا وَنَزَلَ لَمَّا أَرَادَ الصَّحَابَة إظْهَار مَا اقْتَرَحُوا طَمَعًا فِي إيمَانهمْ "أَفَلَمْ يَيْأَس" يَعْلَم "الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ" مُخَفَّفَة أَيْ أَنَّهُ "لَوْ يَشَاء اللَّه لَهَدَى النَّاس جَمِيعًا" إلَى الْإِيمَان مِنْ غَيْر آيَة "وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا" مِنْ أَهْل مَكَّة "تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا" بِصُنْعِهِمْ أَيْ كُفْرهمْ "قَارِعَة" دَاهِيَة تَقْرَعهُمْ بِصُنُوفِ الْبَلَاء مِنْ الْقَتْل وَالْأَسْر وَالْحَرْب وَالْجَدْب "أَوْ تَحُلّ" يَا مُحَمَّد بِجَيْشِك "قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ" مَكَّة "حَتَّى يَأْتِي وَعْد اللَّه" بِالنَّصْرِ عَلَيْهِمْ "إنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد" وَقَدْ حَلَّ بِالْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى أَتَى فَتْح مَكَّة


تفسير الطبري:
ـــــــــــــــــــــــــ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْر جَمِيعًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال } : أَيْ يَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَلَوْ سَيَّرَ لَهُمْ الْجِبَال بِهَذَا الْقُرْآن . وَقَالُوا : هُوَ مِنْ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم . وَجَعَلُوا جَوَاب " لَوْ " مُقَدَّمًا قَبْلهَا , وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَام عَلَى مَعْنَى قِيلهمْ : وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآن سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض , لَكَفَرُوا بِالرَّحْمَنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 15480 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش , قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ وَسِعَتْ لَنَا أَوْدِيَة مَكَّة , وَسُيِّرَتْ جِبَالهَا , فَاحْتَرَثْنَاهَا , وَأَحْيَيْت مَنْ مَاتَ مِنَّا , أَوْ قُطِعَ بِهِ الْأَرْض , أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى ! فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْر جَمِيعًا } . 15481 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا شَبَّابَة , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } قَوْل كُفَّار قُرَيْش لِمُحَمَّدٍ : سَيِّرْ جِبَالنَا تَتَّسِع لَنَا أَرْضنَا فَإِنَّهَا ضَيِّقَة , أَوْ قَرِّبْ لَنَا الشَّام فَإِنَّا نَتَّجِر إِلَيْهَا , أَوْ أَخْرِجْ لَنَا آبَاءَنَا مِنْ الْقُبُور نُكَلِّمهُمْ ! فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 15482 - قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَالُوا : لَوْ فَسَحْت عَنَّا الْجِبَال , أَوْ أَجْرَيْت لَنَا الْأَنْهَار , أَوْ كَلَّمْت بِهِ الْمَوْتَى , فَنَزَلَ ذَلِكَ . قَالَ اِبْن جُرَيْج , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالُوا : سَيِّرْ بِالْقُرْآنِ الْجِبَال , قَطِّعْ بِالْقُرْآنِ الْأَرْض , أَخْرِجْ بِهِ مَوْتَانَا . 15483 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن كَثِير : قَالُوا : لَوْ فَسَحْت عَنَّا الْجِبَال أَوْ أَجْرَيْت لَنَا الْأَنْهَار أَوْ كَلَّمْت بِهِ الْمَوْتَى ! فَنَزَلَ : { أَفَلَمْ يَيْأَس الَّذِينَ آمَنُوا } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال } كَلَام مُبْتَدَأ مُنْقَطِع عَنْ قَوْله : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ } . قَالَ : وَجَوَاب " لَوْ " مَحْذُوف اُسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ الْمُرَاد مِنْ الْكَلَام عَنْ ذِكْر جَوَابهَا . قَالُوا : وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ كَثِيرًا , وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : فَلَوْ أَنَّهَا نَفْس تَمُوت سَرِيحَة وَلَكِنْهَا نَفْس تَقَطَّع أَنْفُسًا وَهُوَ آخِر بَيْت فِي الْقَصِيدَة , فَتُرِكَ الْجَوَاب اِكْتِفَاء بِمَعْرِفَةِ سَامِعه مُرَاده , وَكَمَا قَالَ الْآخَر : فَأُقْسِم لَوْ شَيْء أَتَانَا رَسُوله سِوَاك وَلَكِنْ لَمْ نَجِد لَك مَدْفَعًا ذِكْر مَنْ قَالَ نَحْو مَعْنَى ذَلِكَ : 15484 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ قُرَيْشًا قَالُوا : إِنْ سَرَّك يَا مُحَمَّد اِتِّبَاعك , أَوْ أَنْ نَتَّبِعك , فَسَيِّرْ لَنَا جِبَال تِهَامَة , أَوْ زِدْ لَنَا فِي حَرَمنَا , حَتَّى نَتَّخِذ قَطَائِع نَخْتَرِف فِيهَا , أَوْ أَحْيِ لَنَا فُلَانًا وَفُلَانًا ! نَاسًا مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّة . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } يَقُول : لَوْ فَعَلَ هَذَا بِقُرْآنٍ قَبْل قُرْآنكُمْ لَفَعَلَ بِقُرْآنِكُمْ . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : أَنَّ كُفَّار قُرَيْش قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَذْهِبْ عَنَّا جِبَال تِهَامَة حَتَّى نَتَّخِذهَا زَرْعًا فَتَكُون لَنَا أَرَضِينَ , أَوْ أَحْيِ لَنَا فُلَانًا وَفُلَانًا يُخْبِرُونَنَا حَقّ مَا تَقُول ! فَقَالَ اللَّه : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ لَهُ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْر جَمِيعًا } يَقُول : لَوْ كَانَ فُعِلَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ الْكُتُب فِيمَا مَضَى كَانَ ذَلِكَ . 15485 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال } الْآيَة قَالَ : قَالَ كُفَّار قُرَيْش لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَيِّرْ لَنَا الْجِبَال كَمَا سُخِّرَتْ لِدَاوُد , أَوْ قَطِّعْ لَنَا الْأَرْض كَمَا قُطِّعَتْ لِسُلَيْمَان فَاغْتَدَى بِهَا شَهْرًا وَرَاحَ بِهَا شَهْرًا , أَوْ كَلِّمْ لَنَا الْمَوْتَى كَمَا كَانَ عِيسَى يُكَلِّمهُمْ ! يَقُول : لَمْ أُنْزِل بِهَذَا كِتَابًا , وَلَكِنْ كَانَ شَيْئًا أَعْطَيْته أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي . 15486 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال } الْآيَة . قَالَ : قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ كُنْت صَادِقًا فَسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَال وَاجْعَلْهَا حُرُوثًا كَهَيْئَةِ أَرْض الشَّام وَمِصْر وَالْبُلْدَان , أَوْ اِبْعَثْ مَوْتَانَا فَأَخْبِرْهُمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ مَاتُوا عَلَى الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ ! فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ لَهُ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } : لَمْ يُصْنَع ذَلِكَ بِقُرْآنٍ قَطُّ وَلَا كِتَاب , فَيُصْنَع ذَلِكَ بِهَذَا الْقُرْآن .

أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَمْ يَيْأَس الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه لَهَدَى النَّاس جَمِيعًا } . اِخْتَلَفَ أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب فِي مَعْنَى قَوْله : { أَفَلَمْ يَيْأَس } فَكَانَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة يَزْعُم أَنَّ مَعْنَاهُ : أَلَمْ يَعْلَم وَيَتَبَيَّن ; وَيَسْتَشْهِد لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ سُحَيْم بْن وَثِيل الرِّيَاحِيّ : أَقُول لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَأْمُرُونَنِي أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي اِبْن فَارِس زَهْدَم وَيُرْوَى : " يَيْسِرُونَنِي " , فَمَنْ رَوَاهُ : " يَيْسِرُونَنِي " فَإِنَّهُ أَرَادَ : يَقْسِمُونَنِي مِنْ الْمَيْسِر , كَمَا يُقْسَم الْجَزُور . وَمَنْ رَوَاهُ : " يَأْسِرُونَنِي " , فَإِنَّهُ أَرَادَ : الْأَسْر . وَقَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : أَلَمْ تَيْأَسُوا : أَلَمْ تَعْلَمُوا . وَأَنْشَدُوا أَيْضًا فِي ذَلِكَ : أَلَمْ يَيْأَس الْأَقْوَام أَنِّي أَنَا اِبْنه وَإِنْ كُنْت عَنْ أَرْض الْعَشِيرَة نَائِيَا وَفَسَّرُوا قَوْله : " أَلَمْ يَيْأَس " : أَلَمْ يَعْلَم وَيَتَبَيَّن . وَذُكِرَ عَنْ اِبْن الْكَلْبِيّ أَنَّ ذَلِكَ لُغَة لِحَيٍّ مِنْ النَّخَع , يُقَال لَهُمْ : وَهْبِيل , تَقُول : أَلَمْ تَيْأَس , كَذَا بِمَعْنَى : أَلَمْ تَعْلَمهُ . وَذُكِرَ عَنْ الْقَاسِم اِبْن مَعْن أَنَّهَا لُغَة هَوَازِن , وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : يَئِسْت كَذَا : عَلِمْت . وَأَمَّا بَعْض الْكُوفِيِّينَ فَكَانَ يُنْكِر ذَلِكَ , وَيَزْعُم أَنَّهُ لَمْ يَسْمَع أَحَدًا مِنْ الْعَرَب يَقُول : " يَئِسْت " بِمَعْنَى : " عَلِمْت " , وَيَقُول هُوَ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا : " يَئِسْت " بِمَعْنَى : " عَلِمْت " , يَتَوَجَّه إِلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه قَدْ أَوْقَعَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ , أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَهَدَى النَّاس جَمِيعًا , فَقَالَ : أَفَلَمْ يَيْأَسُوا عِلْمًا , يَقُول : يُؤَيِّسهُمْ الْعِلْم , فَكَانَ فِيهِ الْعِلْم مُضْمَرًا , كَمَا يُقَال : قَدْ يَئِسْت مِنْك أَنْ لَا تُفْلِح عِلْمًا , كَأَنَّهُ قِيلَ : عَلَّمْته عِلْمًا , قَالَ : وَقَوْل الشَّاعِر : حَتَّى إِذَا يَئِسَ الرُّمَاة وَأَرْسَلُوا غُضْفًا دَوَاجِن قَافِلًا أَعْصَامهَا مَعْنَاهُ : حَتَّى إِذَا يَئِسُوا مِنْ كُلّ شَيْء مِمَّا يُمْكِن إِلَّا الَّذِي ظَهَرَ لَهُمْ أَرْسَلُوا , فَهُوَ فِي مَعْنَى : حَتَّى إِذَا عَلِمُوا أَنْ لَيْسَ وَجْه إِلَّا الَّذِي رَأَوْا وَانْتَهَى عِلْمهمْ , فَكَانَ مَا سِوَاهُ يَأْسًا . وَأَمَّا أَهْل التَّأْوِيل فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوا ذَلِكَ بِمَعْنَى : أَفَلَمْ يَعْلَم وَيَتَبَيَّن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ 15487 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْكُوفِيّ , عَنْ مَوْلًى يُخْبِر أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ يَقْرَأ : " أَفَلَمْ يَتَبَيَّن الَّذِينَ آمَنُوا " . 15488 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَهَّاب , عَنْ هَارُون , عَنْ حَنْظَلَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَفَلَمْ يَيْأَس } يَقُول : أَفَلَمْ يَتَبَيَّن . 15489 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , عَنْ الزُّبَيْر بْن الْحَارِث , أَوْ يَعْلَى بْن حَكِيم , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " أَفَلَمْ يَتَبَيَّن الَّذِينَ آمَنُوا " قَالَ : كَتَبَ الْكَاتِبُ الْأُخْرَى وَهُوَ نَاعِس . 15490 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج بْن مُحَمَّد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ فِي الْقِرَاءَة الْأُولَى . زَعَمَ اِبْن كَثِير وَغَيْره : " أَفَلَمْ يَتَبَيَّن " . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَفَلَمْ يَيْأَس الَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول : أَلَمْ يَتَبَيَّن . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { أَفَلَمْ يَيْأَس الَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول : يَعْلَم . 15491 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثَنَا لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أَفَلَمْ يَيْأَس الَّذِينَ آمَنُوا } قَالَ : أَفَلَمْ يَتَبَيَّن . 15492 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { أَفَلَمْ يَيْأَس الَّذِينَ آمَنُوا } قَالَ : أَلَمْ يَتَبَيَّن الَّذِينَ آمَنُوا . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أَفَلَمْ يَيْأَس الَّذِينَ آمَنُوا } قَالَ : أَلَمْ يَعْلَم الَّذِينَ آمَنُوا . 15493 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَفَلَمْ يَيْأَس الَّذِينَ آمَنُوا } قَالَ : أَلَمْ يَعْلَم الَّذِينَ آمَنُوا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ أَهْل التَّأْوِيل : إِنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ : أَفَلَمْ يَتَبَيَّن وَيَعْلَم ; لِإِجْمَاعِ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى ذَلِكَ وَالْأَبْيَات الَّتِي أَنْشَدْنَاهَا فِيهِ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سِوَى هَذَا الْقُرْآن كَانَ سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال لَسُيِّرَ بِهَذَا الْقُرْآن , أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض لَقُطِّعَتْ بِهَذَا , أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى لَكُلِّمَ بِهَذَا , وَلَوْ يُفْعَل بِقُرْآنٍ قَبْل هَذَا الْقُرْآن لَفُعِلَ بِهَذَا . { بَلْ لِلَّهِ الْأَمْر جَمِيعًا } يَقُول : ذَلِكَ كُلّه إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ , يَهْدِي مَنْ يَشَاء إِلَى الْإِيمَان فَيُوَفِّقهُ لَهُ وَيُضِلّ مَنْ يَشَاء فَيَخْذُلهُ , أَفَلَمْ يَتَبَيَّن الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله إِذْ طَمِعُوا فِي إِجَابَتِي مَنْ سَأَلَ نَبِيّهمْ مِنْ تَسْيِير الْجِبَال عَنْهُمْ وَتَقْرِيب أَرْض الشَّام عَلَيْهِمْ وَإِحْيَاء مَوْتَاهُمْ , أَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه لَهَدَى النَّاس جَمِيعًا إِلَى الْإِيمَان بِهِ مِنْ غَيْر إِيجَاد آيَة وَلَا إِحْدَاث شَيْء مِمَّا سَأَلُوا إِحْدَاثه . يَقُول ـ تَعَالَى ذِكْره ـ : فَمَا مَعْنَى مَحَبَّتهمْ ذَلِكَ مَعَ عِلْمهمْ بِأَنَّ الْهِدَايَة وَالْإِهْلَاك إِلَيّ وَبِيَدِي أَنْزَلْت آيَة أَوْ لَمْ أُنْزِلهَا ; أَهْدِي مَنْ أَشَاء بِغَيْرِ إِنْزَال آيَة , وَأُضِلّ مَنْ أَرَدْت مَعَ إِنْزَالهَا .

وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْد اللَّه إِنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد } . يَقُول ـ تَعَالَى ذِكْره ـ : وَلَا يَزَال يَا مُحَمَّد الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمك تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا مِنْ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ وَتَكْذِيبهمْ إِيَّاكَ وَإِخْرَاجهمْ لَك مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ قَارِعَة , وَهِيَ مَا يَقْرَعهُمْ مِنْ الْبَلَاء وَالْعَذَاب وَالنِّقَم , بِالْقَتْلِ أَحْيَانًا , وَبِالْحُرُوبِ أَحْيَانًا , وَالْقَحْط أَحْيَانًا . أَوْ تَحُلّ أَنْتَ يَا مُحَمَّد , يَقُول : أَوْ تَنْزِل أَنْتَ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ بِجَيْشِك وَأَصْحَابك حَتَّى يَأْتِيَ وَعْد اللَّه الَّذِي وَعَدَك فِيهِمْ , وَذَلِكَ ظُهُورك عَلَيْهِمْ وَفَتْحك أَرْضهمْ وَقَهْرك إِيَّاهُمْ بِالسَّيْفِ . { إِنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد } يَقُول : إِنَّ اللَّه مُنْجِزك يَا مُحَمَّد مَا وَعَدَك مِنْ الظُّهُور عَلَيْهِمْ , لِأَنَّهُ لَا يُخْلِف وَعْده . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 15494 - حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثَنَا الْمَسْعُودِيّ , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بمَا صَنَعُوا قَارِعَة } قَالَ : سَرِيَّة . { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } قَالَ مُحَمَّد : حَتَّى يَأْتِيَ وَعْد اللَّه , قَالَ : فَتْح مَكَّة . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ , غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَذْكُر سَرِيَّة . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا أَبُو قَطَن , قَالَ : ثَنَا الْمَسْعُودِيّ , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة } قَالَ : الْقَارِعَة : السَّرِيَّة . { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } قَالَ : هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { حَتَّى يَأْتِيَ وَعْد اللَّه } قَالَ : فَتْح مَكَّة . 15495 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثَنَا زُهَيْر , أَنَّ خُصَيْفًا حَدَّثَهُمْ , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } قَالَ : نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي سَرَايَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَوْ تَحُلّ أَنْتَ يَا مُحَمَّد قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ عِكْرِمَة : { وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة } قَالَ : سَرِيَّة . { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } قَالَ : أَنْتَ يَا مُحَمَّد . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة } يَقُول : عَذَاب مِنْ السَّمَاء يَنْزِل عَلَيْهِمْ . { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } يَعْنِي : نُزُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ وَقِتَاله إِيَّاهُمْ . 15496 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا شَبَّابَة , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة } : تُصَاب مِنْهُمْ سَرِيَّة , أَوْ تُصَاب مِنْهُمْ مُصِيبَة , أَوْ يَحُلّ مُحَمَّد قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ . وَقَوْله : { حَتَّى يَأْتِيَ وَعْد اللَّه } قَالَ : الْفَتْح . 15497 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَجِيح : { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْو حَدِيث الْحَسَن , عَنْ شَبَّابَة . 15498 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا قَيْس , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَالَ : قَارِعَة , قَالَ : السَّرَايَا . - قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْغَفَّار , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { قَارِعَة } : مُصِيبَة مِنْ مُحَمَّد . { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } قَالَ : أَنْتَ يَا مُحَمَّد . { حَتَّى يَأْتِيَ وَعْد اللَّه } قَالَ : الْفَتْح . 15499 - قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد : { قَارِعَة } قَالَ : كَتِيبَة . 15500 - قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة } قَالَ : سَرِيَّة . { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } قَالَ : أَنْتَ يَا مُحَمَّد . 15501 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة } : أَيْ بِأَعْمَالِهِمْ أَعْمَال السُّوء. وَقَوْله : { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } أَنْتَ يَا مُحَمَّد . { حَتَّى يَأْتِيَ وَعْد اللَّه } وَوَعْد اللَّه : فَتْح مَكَّة . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { قَارِعَة } قَالَ : وَقِيعَة . { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } قَالَ : يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول : أَوْ تَحُلّ أَنْتَ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ . - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن طَلْحَة , عَنْ طَلْحَة , عَنْ مُجَاهِد : { تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة } قَالَ : سَرِيَّة . - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة } قَالَ : السَّرَايَا : كَانَ يَبْعَثهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } أَنْتَ يَا مُحَمَّد . { حَتَّى يَأْتِيَ وَعْد اللَّه } قَالَ : فَتْح مَكَّة . * قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ بَعْض أَصْحَابه , عَنْ مُجَاهِد : { تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة } قَالَ : كَتِيبَة . 15502 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة } قَالَ : قَارِعَة مِنْ الْعَذَاب . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } تَحُلّ الْقَارِعَة قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 15503 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } قَالَ : أَوْ تَحُلّ الْقَارِعَة قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ . - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : { أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ } قَالَ : أَوْ تَحُلّ الْقَارِعَة . وَقَالَ آخَرُونَ فِي قَوْله : { حَتَّى يَأْتِيَ وَعْد اللَّه } هُوَ : يَوْم الْقِيَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 15504 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثَنَا إِسْمَاعِيل بْن حَكِيم , عَنْ رَجُل قَدْ سَمَّاهُ عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { حَتَّى يَأْتِيَ وَعْد اللَّه } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة .



تفسير القرطبي:
ـــــــــــــــــــــــــ

هَذَا مُتَّصِل بِقَوْلِ : " لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَة مِنْ رَبّه " [ يُونُس : 20 ] . وَذَلِكَ أَنَّ نَفَرًا مِنْ مُشْرِكِي مَكَّة فِيهِمْ أَبُو جَهْل وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة الْمَخْزُومِيَّانِ جَلَسُوا خَلْف الْكَعْبَة , ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَى رَسُول اللَّه فَأَتَاهُمْ ; فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : إِنْ سَرَّك أَنْ نَتَّبِعك فَسَيِّرْ لَنَا جِبَال مَكَّة بِالْقُرْآنِ , فَأَذْهِبْهَا عَنَّا حَتَّى تَنْفَسِح ; فَإِنَّهَا أَرْض ضَيِّقَة , وَاجْعَلْ لَنَا فِيهَا عُيُونًا وَأَنْهَارًا , حَتَّى نَغْرِس وَنَزْرَع ; فَلَسْت كَمَا زَعَمْت بِأَهْوَن عَلَى رَبّك مِنْ دَاوُد حِين سَخَّرَ لَهُ الْجِبَال تَسِير مَعَهُ , وَسَخِّرْ لَنَا الرِّيح فَنَرْكَبهَا إِلَى الشَّام نَقْضِي عَلَيْهَا مِيرَتنَا وَحَوَائِجنَا , ثُمَّ نَرْجِع مِنْ يَوْمنَا ; فَقَدْ كَانَ سُلَيْمَان سُخِّرَتْ لَهُ الرِّيح كَمَا زَعَمْت ; فَلَسْت بِأَهْوَن عَلَى رَبّك مِنْ سُلَيْمَان بْن دَاوُد , وَأَحْيِ لَنَا قُصَيًّا جَدّك , أَوْ مَنْ شِئْت أَنْتَ مِنْ مَوْتَانَا نَسْأَلهُ ; أَحَقّ مَا تَقُول أَنْتَ أَمْ بَاطِل ؟ فَإِنَّ عِيسَى كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى , وَلَسْت بِأَهْوَن عَلَى اللَّه مِنْهُ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال " الْآيَة ; قَالَ مَعْنَاهُ الزُّبَيْر بْن الْعَوَامّ وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك ; وَالْجَوَاب مَحْذُوف تَقْدِيره : لَكَانَ هَذَا الْقُرْآن , لَكِنْ حُذِفَ إِيجَازًا , لِمَا فِي ظَاهِر الْكَلَام مِنْ الدَّلَالَة عَلَيْهِ ; كَمَا قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : فَلَوْ أَنَّهَا نَفْس تَمُوت جَمِيعَة وَلَكِنَّهَا نَفْس تَسَاقَط أَنْفُسَا يَعْنِي لَهَانَ عَلَيَّ ; هَذَا مَعْنَى قَوْل قَتَادَة ; قَالَ : لَوْ فَعَلَ هَذَا قُرْآن قَبْل قُرْآنكُمْ لَفَعَلَهُ قُرْآنكُمْ . وَقِيلَ : الْجَوَاب مُتَقَدِّم , وَفِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ لَوْ أَنْزَلْنَا الْقُرْآن وَفَعَلْنَا بِهِمْ مَا اِقْتَرَحُوا . الْفَرَّاء : يَجُوز أَنْ يَكُون الْجَوَاب لَوْ فَعَلَ بِهِمْ هَذَا لَكَفَرُوا بِالرَّحْمَنِ . الزَّجَّاج : " وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا " إِلَى قَوْله : " الْمَوْتَى " لَمَا آمَنُوا , وَالْجَوَاب الْمُضْمَر هُنَا مَا أُظْهِرَ فِي قَوْله : " وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة " [ الْأَنْعَام : 111 ] إِلَى قَوْله : " مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه " [ الْأَنْعَام : 111 ] .

بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا

أَيْ هُوَ الْمَالِك لِجَمِيعِ الْأُمُور , الْفَاعِل لِمَا يَشَاء مِنْهَا , فَلَيْسَ مَا تَلْتَمِسُونَهُ مِمَّا يَكُون بِالْقُرْآنِ , إِنَّمَا يَكُون بِأَمْرِ اللَّه.

أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا

قَالَ الْفَرَّاء قَالَ الْكَلْبِيّ : " يَيْئَس " بِمَعْنَى يَعْلَم , لُغَة النَّخَع ; وَحَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس ; أَيْ أَفَلَمْ يَعْلَمُوا ; وَقَالَهُ الْجَوْهَرِيّ فِي الصَّحَاح. وَقِيلَ : هُوَ لُغَة هَوَازِن ; أَيْ أَفَلَمْ يَعْلَم ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالْحَسَن . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : أَفَلَمْ يَعْلَمُوا وَيَتَبَيَّنُوا , وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَة لِمَالِك بْن عَوْف النَّصْرِيّ : أَقُول لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَيْسِرُونَنِي أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي اِبْن فَارِس زَهْدَمِ يَيْسِرُونَنِي مِنْ الْمَيْسَر , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " وَيُرْوَى يَأْسِرُونَنِي مِنْ الْأَسْر . وَقَالَ رَبَاح بْن عَدِيّ : أَلَمْ يَيْئَس الْأَقْوَام أَنِّي أَنَا اِبْنُهُ وَإِنْ كُنْت عَنْ أَرْض الْعَشِيرَة نَائِيَا فِي كِتَاب الرَّدّ " أَنِّي أَنَا اِبْنه " وَكَذَا ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ : أَلَمْ يَعْلَم ; وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا : أَفَلَمْ يَعْلَم الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه لَهَدَى النَّاس جَمِيعًا مِنْ غَيْر أَنْ يُشَاهِدُوا الْآيَات . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ الْيَأْس الْمَعْرُوف ; أَيْ أَفَلَمْ يَيْئَس الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ إِيمَان هَؤُلَاءِ الْكُفَّار , لِعِلْمِهِمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَوْ أَرَادَ هِدَايَتهمْ لَهَدَاهُمْ ; لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تَمَنَّوْا نُزُول الْآيَات طَمَعًا فِي إِيمَان الْكُفَّار. وَقَرَأَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس : " أَفَلَمْ يَتَبَيَّن الَّذِينَ آمَنُوا " مِنْ الْبَيَان . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاس الْمَكْتُوب " أَفَلَمْ يَيْئَس " قَالَ : أَظُنّ الْكَاتِب كَتَبَهَا وَهُوَ نَاعِس ; أَيْ زَادَ بَعْض الْحُرُوف حَتَّى صَارَ " يَيْئَس " . قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح أَنَّهُ قَرَأَ - " أَفَلَمْ يَتَبَيَّن الَّذِينَ آمَنُوا " وَبِهَا اِحْتَجَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الصَّوَاب فِي التِّلَاوَة ; وَهُوَ بَاطِل عَنْ ابْن عَبَّاس , لِأَنَّ مُجَاهِدًا وَسَعِيد بْن جُبَيْر حَكَيَا الْحَرْف عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَلَى مَا هُوَ فِي الْمُصْحَف بِقِرَاءَةِ أَبِي عَمْرو وَرِوَايَته عَنْ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس ; ثُمَّ إِنَّ مَعْنَاهُ : أَفَلَمْ يَتَبَيَّن ; فَإِنْ كَانَ مُرَاد اللَّه تَحْت اللَّفْظَة الَّتِي خَالَفُوا بِهَا الْإِجْمَاع فَقِرَاءَتنَا تَقَع عَلَيْهَا , وَتَأْتِي بِتَأْوِيلِهَا , وَإِنْ أَرَادَ اللَّه الْمَعْنَى الْآخَر الَّذِي الْيَأْس فِيهِ لَيْسَ مِنْ طَرِيق الْعِلْم فَقَدْ سَقَطَ مِمَّا أَوْرَدُوا ; وَأَمَّا سُقُوطه يُبْطِل الْقُرْآن , وَلُزُوم أَصْحَابه الْبُهْتَان . " أَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه لَهَدَى النَّاس جَمِيعًا " " أَنْ " مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة , أَيْ أَنَّهُ لَوْ يَشَاء اللَّه " لَهَدَى النَّاس جَمِيعًا " وَهُوَ يَرُدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمْ .

وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ

أَيْ دَاهِيَة تَفْجَؤُهُمْ بِكُفْرِهِمْ ; وَعُتُوّهُمْ ; وَيُقَال : قَرَعَهُ أَمْر إِذَا أَصَابَهُ , وَالْجَمْع قَوَارِع ; وَالْأَصْل فِي الْقَرْع الضَّرْب ; قَالَ : أَفْنَى تِلَادِي وَمَا جَمَعْت مِنْ نَشَب قَرْع الْقَوَاقِيز أَفْوَاه الْأَبَارِيق أَيْ لَا يَزَال الْكَافِرُونَ تُصِيبهُمْ دَاهِيَة مُهْلِكَة مِنْ صَاعِقَة كَمَا أَصَابَ أَرْبَد أَوْ مِنْ قَتْل أَوْ مِنْ أَسْر أَوْ جَدْب , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعَذَاب وَالْبَلَاء ; كَمَا نَزَلَ بِالْمُسْتَهْزِئِينَ , وَهُمْ رُؤَسَاء الْمُشْرِكِينَ . وَقَالَ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : الْقَارِعَة النَّكْبَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَعِكْرِمَة : الْقَارِعَة الطَّلَائِع وَالسَّرَايَا الَّتِي كَانَ يُنَفِّذهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ " أَوْ تَحُلّ " أَيْ الْقَارِعَة. " قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ " قَالَهُ قَتَادَة وَالْحَسَن. وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَوْ تَحُلّ أَنْتَ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ الْآيَة بِالْمَدِينَةِ ; أَيْ لَا تَزَال تُصِيبهُمْ الْقَوَارِع فَتَنْزِل بِسَاحَتِهِمْ أَوْ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ كَقُرَى الْمَدِينَة وَمَكَّة .

حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ

فِي فَتْح مَكَّة ; قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَقِيلَ : نَزَلَتْ بِمَكَّة ; أَيْ تُصِيبهُمْ الْقَوَارِع , وَتَخْرُج عَنْهُمْ إِلَى الْمَدِينَة يَا مُحَمَّد , فَتَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ , أَوْ تَحُلّ بِهِمْ مُحَاصِرًا لَهُمْ ; وَهَذِهِ الْمُحَاصَرَة لِأَهْلِ الطَّائِف , وَلِقِلَاعِ خَيْبَر , وَيَأْتِي وَعْد اللَّه بِالْإِذْنِ لَك فِي قِتَالهمْ وَقَهْرهمْ . وَقَالَ الْحَسَن : وَعَدَ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة.


[/align]
[/cell][/table][/center]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 07, 2005 9:03 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Arial]قال تعالى :

" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"

التوبة (111)

تفسير الجلالين:
ــــــــــــــــــــــــ

"إنَّ اللَّه اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ" بِأَنْ يَبْذُلُوهَا فِي طَاعَته كَالْجِهَادِ "بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ" جُمْلَة اسْتِئْنَاف بَيَان لِلشِّرَاءِ وَفِي قِرَاءَة بِتَقْدِيمِ الْمَبْنِيّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ فَيُقْتَل بَعْضهمْ وَيُقَاتِل الْبَاقِي "وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا" مَصْدَرَانِ مَنْصُوبَانِ بِفِعْلِهِمَا الْمَحْذُوف "فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه" أَيْ لَا أَحَد أَوْفَى مِنْهُ "فَاسْتَبْشِرُوا" فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغَيْبَة "بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِك" الْبَيْع "هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم" الْمُنِيل غَايَة الْمَطْلُوب



تفسير الطبري:
ــــــــــــــــــــــ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم } . 30 يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه اِبْتَاعَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِالْجَنَّةِ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا , يَقُول : وَعَدَهُمْ الْجَنَّة جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا أَنْ يُوفِي لَهُمْ بِهِ فِي كُتُبه الْمُنَزَّلَة التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن , إِذَا هُمْ وَفَّوْا بِمَا عَاهَدُوا اللَّه فَقَاتَلُوا فِي سَبِيله وَنُصْرَة دِينه أَعْدَاءَهُ فَقَتَلُوا وَقُتِلُوا . { وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ أَحْسَن وَفَاء بِمَا ضَمِنَ وَشَرَطَ مِنْ اللَّه . { فَاسْتَبْشِرُوا } يَقُول ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ : فَاسْتَبْشِرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه فِيمَا عَاهَدُوا { بِبَيْعِكُمْ } أَنْفُسكُمْ وَأَمْوَالكُمْ بِاَلَّذِي بِعْتُمُوهَا مِنْ رَبّكُمْ , فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم. كَمَا : 13421 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ حَفْص بْن حُمَيْد , عَنْ شِمْر بْن عَطِيَّة , قَالَ : مَا مِنْ مُسْلِم وَلِلَّهِ فِي عُنُقه بَيْعَة وَفَّى بِهَا أَوْ مَاتَ عَلَيْهَا فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } إِلَى قَوْله : { وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم } ثُمَّ حَلَّاهُمْ فَقَالَ : { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } إِلَى : { وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } . 13422 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ } يَعْنِي بِالْجَنَّةِ . 13423 - قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مُحَمَّد بْن يَسَار , عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة } قَالَ : ثَامَنَهُمْ اللَّه فَأَغْلَى لَهُمْ الثَّمَن . 13424 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيّ , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ } قَالَ : بَايَعَهُمْ فَأَغْلَى لَهُمْ الثَّمَن. 13425 - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَغَيْره , قَالُوا : قَالَ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِشْتَرَطَ لِرَبِّك وَنَفْسك مَا شِئْت ! قَالَ : " أَشْتَرِط لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَأَشْتَرِط لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسكُمْ وَأَمْوَالكُمْ " قَالُوا : فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَاذَا لَنَا ؟ قَالَ : " الْجَنَّة " قَالُوا : رَبِحَ الْبَيْع لَا نُقِيل وَلَا نَسْتَقِيل ! فَنَزَلَتْ : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } الْآيَة . 13426 - قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن طُفَيْل الْعَبْسِيّ , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , وَسَأَلَهُ رَجُل عَنْ قَوْله : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ } الْآيَة , قَالَ الرَّجُل : أَلَا أَحْمِل عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَأُقَاتِل حَتَّى أُقْتَل ؟ قَالَ : وَيْلك أَيْنَ الشَّرْط : { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } ؟ .


تفسير القرطبي:
ـــــــــــــــــــــــــ

قِيلَ : هَذَا تَمْثِيل ; مِثْل قَوْله تَعَالَى : " أُولَئِكَ الَّذِينَ اِشْتَرَوْا الضَّلَالَة بِالْهُدَى " [ الْبَقَرَة : 16 ] . وَنَزَلَتْ الْآيَة فِي الْبَيْعَة الثَّانِيَة , وَهِيَ بَيْعَة الْعَقَبَة الْكُبْرَى , وَهِيَ الَّتِي أَنَافَ فِيهَا رِجَال الْأَنْصَار عَلَى السَّبْعِينَ , وَكَانَ أَصْغَرهمْ سِنًّا عُقْبَة بْن عَمْرو ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اِجْتَمَعُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد الْعَقَبَة , فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِشْتَرِطْ لِرَبِّك وَلِنَفْسِك مَا شِئْت ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَشْتَرِط لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَشْتَرِط لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسكُمْ وَأَمْوَالكُمْ ) . قَالُوا : فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَا لَنَا ؟ قَالَ : ( الْجَنَّة ) قَالُوا : رَبِحَ الْبَيْع , لَا نُقِيل وَلَا نَسْتَقِيل ; فَنَزَلَتْ : " إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة " الْآيَة . ثُمَّ هِيَ بَعْد ذَلِكَ عَامَّة فِي كُلّ مُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة .

هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى جَوَاز مُعَامَلَة السَّيِّد مَعَ عَبْده , وَإِنْ كَانَ الْكُلّ لِلسَّيِّدِ لَكِنْ إِذَا مَلَّكَهُ عَامِله فِيمَا جَعَلَ إِلَيْهِ . وَجَائِز بَيْن السَّيِّد وَعَبْده مَا لَا يَجُوز بَيْنه وَبَيْن غَيْره ; لِأَنَّ مَاله لَهُ وَلَهُ اِنْتِزَاعه .

أَصْل الشِّرَاء بَيْن الْخَلْق أَنْ يُعَوَّضُوا عَمَّا خَرَجَ مِنْ أَيْدِيهمْ مَا كَانَ أَنْفَع لَهُمْ أَوْ مِثْل مَا خَرَجَ عَنْهُمْ فِي النَّفْع ; فَاشْتَرَى اللَّه سُبْحَانه مِنْ الْعِبَاد إِتْلَاف أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ فِي طَاعَته , وَإِهْلَاكهَا فِي مَرْضَاته , وَأَعْطَاهُمْ سُبْحَانه الْجَنَّة عِوَضًا عَنْهَا إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ . وَهُوَ عِوَض عَظِيم لَا يُدَانِيه الْمُعَوَّض وَلَا يُقَاسَ بِهِ , فَأَجْرَى ذَلِكَ عَلَى مَجَاز مَا يَتَعَارَفُونَهُ فِي الْبَيْع وَالشِّرَاء فَمِنْ الْعَبْد تَسْلِيم النَّفْس وَالْمَال , وَمِنْ اللَّه الثَّوَاب وَالنَّوَال فَسُمِّيَ هَذَا شِرَاء . وَرَوَى الْحَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ فَوْق كُلّ بِرٍّ بِرٌّ حَتَّى يَبْذُل الْعَبْدُ دَمَهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا بِرَّ فَوْق ذَلِكَ ) . وَقَالَ الشَّاعِر فِي مَعْنَى الْبِرّ : الْجُود بِالْمَاءِ جُود فِيهِ مَكْرُمَة وَالْجُود بِالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَة الْجُود وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيّ لِجَعْفَر الصَّادِق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أُثَامِنُ بِالنَّفْسِ النَّفِيسَة رَبّهَا وَلَيْسَ لَهَا فِي الْخَلْق كُلّهمْ ثَمَن بِهَا تُشْتَرَى الْجَنَّات إِنْ أَنَا بِعْتهَا بِشَيْءٍ سِوَاهَا إِنَّ ذَلِكُمُ غَبَن لَئِنْ ذَهَبَتْ نَفْسِي بِدُنْيَا أَصَبْتهَا لَقَدْ ذَهَبَتْ نَفْسِي وَقَدْ ذَهَبَ الثَّمَن قَالَ الْحَسَن : وَمَرَّ أَعْرَابِيّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : " إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ " فَقَالَ : كَلَامُ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : ( كَلَام اللَّه ) قَالَ : بَيْعٌ وَاَللَّهِ مُرْبِحٌ لَا نُقِيلهُ وَلَا نَسْتَقِيلهُ . فَخَرَجَ إِلَى الْغَزْو وَاسْتُشْهِدَ .

قَالَ الْعُلَمَاء : كَمَا اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْبَالِغِينَ الْمُكَلَّفِينَ كَذَلِكَ اِشْتَرَى مِنْ الْأَطْفَال فَآلَمَهُمْ وَأَسْقَمَهُمْ ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَة وَمَا فِيهِ مِنْ الِاعْتِبَار لِلْبَالِغِينَ , فَإِنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ عِنْد شَيْء أَكْثَر صَلَاحًا وَأَقَلّ فَسَادًا مِنْهُمْ عِنْد أَلَم الْأَطْفَال , وَمَا يَحْصُل لِلْوَالِدَيْنِ الْكَافِلَيْنِ مِنْ الثَّوَاب فِيمَا يَنَالهُمْ مِنْ الْهَمّ وَيَتَعَلَّق بِهِمْ مِنْ التَّرْبِيَة وَالْكَفَالَة . ثُمَّ هُوَ عَزَّ وَجَلَّ يُعَوِّض هَؤُلَاءِ الْأَطْفَال عِوَضًا إِذَا صَارُوا إِلَيْهِ . وَنَظِير هَذَا فِي الشَّاهِد أَنَّك تَكْتَرِي الْأَجِير لِيَبْنِيَ وَيَنْقُل التُّرَاب وَفِي كُلّ ذَلِكَ لَهُ أَلَم وَأَذًى , وَلَكِنَّ ذَلِكَ جَائِز لِمَا فِي عَمَله مِنْ الْمَصْلَحَة وَلِمَا يَصِل إِلَيْهِ مِنْ الْأَجْر .

يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

بَيَان لِمَا يُقَاتِل لَهُ وَعَلَيْهِ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .

فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ

قَرَأَ النَّخَعِيّ وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف بِتَقْدِيمِ الْمَفْعُول عَلَى الْفَاعِل ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : فَإِنْ تَقْتُلُونَا نَقْتُلكُمْ ... أَيْ إِنْ تَقْتُلُوا بَعْضنَا يَقْتُلكُمْ بَعْضنَا . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَقْدِيمِ الْفَاعِل عَلَى الْمَفْعُول .

وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ

إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى أَنَّ هَذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْكُتُب , وَأَنَّ الْجِهَاد وَمُقَاوَمَة الْأَعْدَاء أَصْله مِنْ عَهْد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام . و " وَعْدًا " و " حَقًّا " مَصْدَرَانِ مُوَكِّدَانِ .

وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ

أَيْ لَا أَحَد أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه . وَهُوَ يَتَضَمَّن الْوَفَاء بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيد , وَلَا يَتَضَمَّن وَفَاء الْبَارِئ بِالْكُلِّ ; فَأَمَّا وَعْده فَلِلْجَمِيعِ , وَأَمَّا وَعِيده فَمَخْصُوص بِبَعْضِ الْمُذْنِبِينَ وَبِبَعْضِ الذُّنُوب وَفِي بَعْض الْأَحْوَال . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى .

فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ

أَيْ أَظْهِرُوا السُّرُور بِذَلِكَ . وَالْبِشَارَة إِظْهَار السُّرُور فِي الْبَشَرَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَالَ الْحَسَن : وَاَللَّه مَا عَلَى الْأَرْض مُؤْمِن إِلَّا يَدْخُل فِي هَذِهِ الْبَيْعَة .

وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

أَيْ الظَّفَر بِالْجَنَّةِ وَالْخُلُود فِيهَا
[/font].

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة ديسمبر 09, 2005 1:28 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[center][table=width:90%;background-color:transparent;background-image:url(backgrounds/16.gif);border:5 solid green;][cell=filter:;][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ"

محمد (2)
تفسير الجلالين
ـــــــــــــــــــــ


"وَاَلَّذِينَ آمَنُوا" أَيْ الْأَنْصَار وَغَيْرهمْ "وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّد" أَيْ الْقُرْآن "وَهُوَ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ" غَفَرَ لَهُمْ "سَيِّئَاتهمْ وَأَصْلَحَ بَالهمْ" حَالهمْ فَلَا يَعْصُونَهُ

تفسير الطبري
ـــــــــــــــــــــــ

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ , وَاتَّبَعُوا أَمْره وَنَهْيه . وَذُكِرَ أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ كَفَرُوا } . .. الْآيَة أَهْل مَكَّة , { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } . .. الْآيَة , أَهْل الْمَدِينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24245 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن وَهْب الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّات , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْل مَكَّة { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } قَالَ : الْأَنْصَار .

وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ

يَقُول : وَصَدَّقُوا بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُحَمَّد

وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ

يَقُول : مَحَا اللَّه عَنْهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ سَيِّئ مَا عَمِلُوا مِنْ الْأَعْمَال , فَلَمْ يُؤَاخِذهُمْ بِهِ , وَلَمْ يُعَاقِبهُمْ عَلَيْهِ

وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ

يَقُول : وَأَصْلَحَ شَأْنهمْ وَحَالهمْ فِي الدُّنْيَا عِنْد أَوْلِيَائِهِ , وَفِي الْآخِرَة بِأَنْ أَوْرَثَهُمْ نَعِيم الْأَبَد وَالْخُلُود الدَّائِم فِي جِنَانه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24246 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن وَهْب الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّات , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ : أَمْرهمْ . 24247 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ : شَأْنهمْ. 24248 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ : أَصْلَحَ بَالهمْ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ : حَالهمْ . 24249 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ حَالهمْ. وَالْبَال : كَالْمَصْدَرِ مِثْل الشَّأْن لَا يُعْرَف مِنْهُ فِعْل , وَلَا تَكَاد الْعَرَب تَجْمَعهُ إِلَّا فِي ضَرُورَة شِعْر , فَإِذَا جَمَعُوهُ قَالُوا بَالَات.



تفسير القرطبي
ــــــــــــــــــــــــــ
وَالَّذِينَ آمَنُوا

قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : هُمْ الْأَنْصَار . وَقَالَ مُقَاتِل : إِنَّهَا نَزَلَتْ خَاصَّة فِي نَاس مِنْ قُرَيْش . وَقِيلَ : هُمَا عَامَّتَانِ فِيمَنْ كَفَرَ وَآمَنَ . وَمَعْنَى " أَضَلَّ أَعْمَالهمْ " : أَبْطَلَهَا . وَقِيلَ : أَضَلَّهُمْ عَنْ الْهُدَى بِمَا صَرَفَهُمْ عَنْهُ مِنْ التَّوْفِيق .

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ الْأَنْصَار فَهِيَ الْمُوَاسَاة فِي مَسَاكِنهمْ وَأَمْوَالهمْ . وَمَنْ قَالَ إِنَّهُمْ مِنْ قُرَيْش فَهِيَ الْهِجْرَة . وَمَنْ قَالَ بِالْعُمُومِ فَالصَّالِحَات جَمِيع الْأَعْمَال الَّتِي تُرْضِي اللَّه تَعَالَى .

وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ

لَمْ يُخَالِفُوهُ فِي شَيْء , قَالَهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ . وَقِيلَ : صَدَّقُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَ بِهِ .

وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ

يُرِيد أَنَّ إِيمَانهمْ هُوَ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ . وَقِيلَ : أَيْ إِنَّ الْقُرْآن هُوَ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ , نَسَخَ بِهِ مَا قَبْله

كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ

أَيْ مَا مَضَى مِنْ سَيِّئَاتهمْ قَبْل الْإِيمَان .

وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ

أَيْ شَأْنهمْ , عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره . وَقَالَ قَتَادَة : حَالهمْ . اِبْن عَبَّاس : أُمُورهمْ . وَالثَّلَاثَة مُتَقَارِبَة وَهِيَ مُتَأَوَّلَة عَلَى إِصْلَاح مَا تَعَلَّقَ بِدُنْيَاهُمْ . وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ الْمَعْنَى أَصْلَحَ نِيَّاتهمْ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : فَإِنْ تُقْبِلِي بِالْوُدِّ أُقْبِل بِمِثْلِهِ وَإِنْ تُدْبِرِي أَذْهَب إِلَى حَال بَالِيًا وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّأَوُّل مَحْمُول عَلَى صَلَاح دِينهمْ . " وَالْبَال " كَالْمَصْدَرِ , وَلَا يُعْرَف مِنْهُ فِعْل , وَلَا تَجْمَعهُ الْعَرَب إِلَّا فِي ضَرُورَة الشِّعْر فَيَقُولُونَ فِيهِ : بَالَات . الْمُبَرِّد : قَدْ يَكُون الْبَال فِي مَوْضِع آخَر بِمَعْنَى الْقَلْب , يُقَال : مَا يَخْطِر فُلَان عَلَى بَالِي , أَيْ عَلَى قَلْبِي . الْجَوْهَرِيّ : وَالْبَال رَخَاء النَّفْس , يُقَال فُلَان رَخِيّ الْبَال . وَالْبَال : الْحَال ; يُقَال مَا بَالك . وَقَوْلهمْ : لَيْسَ هَذَا مِنْ بَالِي , أَيْ مِمَّا أُبَالِيه . وَالْبَال : الْحُوت الْعَظِيم مِنْ حِيتَان الْبَحْر , وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ . وَالْبَالَة : وِعَاء الطِّيب , فَارِسِيّ مُعَرَّب , وَأَصْله بِالْفَارِسِيَّةِ بيلة . قَالَ أَبُو ذُؤَيْب : كَأَنَّ عَلَيْهَا بَالَة لَطَمِيَّة لَهَا مِنْ خِلَال الدَّأْيَتَيْنِ أَرِيج

[/align]
[/cell][/table][/center]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 10, 2005 10:18 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Arial]قال تعالى:

" وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ "

الحجرات(7)

تفسير الجلالين:
ـــــــــــــــــــــــــ

"وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُول اللَّه" فَلَا تَقُولُوا الْبَاطِل فَإِنَّ اللَّه يُخْبِرهُ بِالْحَالِ "لَوْ يُطِيعكُمْ فِي كَثِير مِنَ الْأَمْر" الَّذِي تُخْبِرُونَ بِهِ عَلَى خِلَاف الْوَاقِع فَيُرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ "لَعَنِتُّمْ" لَأَثِمْتُمْ دُونه إثْم التَّسَبُّب إلَى الْمُرَتَّب "وَلَكِنَّ اللَّه حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَان وَزَيَّنَهُ" حَسَّنَهُ "فِي قُلُوبكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْر وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان" اسْتِدْرَاك مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى دُون اللَّفْظ لِأَنَّ مَنْ حُبِّبَ إلَيْهِ الْإِيمَان إلَخْ غَايَرَتْ صِفَته صِفَة مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْره "أُولَئِكَ هُمْ" فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْخِطَاب "الرَّاشِدُونَ" الثَّابِتُونَ عَلَى دِينهمْ

تفسير الطبري:
ــــــــــــــــــــــ

وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُول اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لِأَصْحَابِ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , { أَنَّ فِيكُمْ رَسُول اللَّه } فَاتَّقُوا اللَّه أَنْ تَقُولُوا الْبَاطِل , وَتَفْتَرُوا الْكَذِب , فَإِنَّ اللَّه يُخْبِرهُ أَخْبَاركُمْ , وَيُعَرِّفهُ أَنْبَاءَكُمْ , وَيُقَوِّمهُ عَلَى الصَّوَاب فِي أُمُوره .

لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ

وَقَوْله : { لَوْ يُطِيعكُمْ فِي كَثِير مِنْ الْأَمْر لَعَنِتُّمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَوْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَل فِي الْأُمُور بِآرَائِكُمْ وَيَقْبَل مِنْكُمْ مَا تَقُولُونَ لَهُ فَيُطِيعكُمْ { لَعَنِتُّمْ } يَقُول : لَنَالَكُمْ عَنَت , يَعْنِي الشِّدَّة وَالْمَشَقَّة فِي كَثِير مِنْ الْأُمُور بِطَاعَتِهِ إِيَّاكُمْ لَوْ أَطَاعَكُمْ لِأَنَّهُ كَانَ يُخْطِئ فِي أَفْعَاله كَمَا لَوْ قَبِلَ مِنْ الْوَلِيد بْن عُقْبَة قَوْله فِي بَنِي الْمُصْطَلِق : إِنَّهُمْ قَدْ اِرْتَدُّوا , وَمَنَعُوا الصَّدَقَة , وَجَمَعُوا الْجُمُوع لِغَزْوِ الْمُسْلِمِينَ , فَغَزَاهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ , وَأَصَابَ مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ كَانَ قَدْ قَتَلَ , وَقَتَلْتُمْ مَنْ لَا يَحِلّ لَهُ وَلَا لَكُمْ قَتْله , وَأَخَذَ وَأَخَذْتُمْ مِنْ الْمَال مَا لَا يَحِلّ لَهُ وَلَكُمْ أَخْذه مِنْ أَمْوَال قَوْم مُسْلِمِينَ , فَنَالَكُمْ مِنْ اللَّه بِذَلِكَ عَنَت . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُول اللَّه لَوْ يُطِيعكُمْ فِي كَثِير مِنْ الْأَمْر لَعَنِتُّمْ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24545 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُول اللَّه } . .. حَتَّى بَلَغَ { لَعَنِتُّمْ } هَؤُلَاءِ أَصْحَاب نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَوْ أَطَاعَهُمْ نَبِيّ اللَّه فِي كَثِير مِنْ الْأَمْر لَعَنِتُّمْ , فَأَنْتُمْ وَاَللَّه أَسْخَف رَأْيًا , وَأَطْيَش عُقُولًا , اِتَّهَمَ رَجُل رَأْيه , وَانْتَصَحَ كِتَاب اللَّه , فَإِنَّ كِتَاب اللَّه ثِقَة لِمَنْ أَخَذَ بِهِ , وَانْتَهَى إِلَيْهِ , وَإِنَّ مَا سِوَى كِتَاب اللَّه تَغْرِير . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , قَالَ : قَالَ مَعْمَر , تَلَا قَتَادَة { لَوْ يُطِيعكُمْ فِي كَثِير مِنْ الْأَمْر لَعَنِتُّمْ } قَالَ : فَأَنْتُمْ أَسْخَف رَأْيًا وَأَطْيَش أَحْلَامًا , فَاتَّهَمَ رَجُل رَأْيه , وَانْتَصَحَ كِتَاب اللَّه .

وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ

{ وَلَكِنَّ اللَّه حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَان } بِاَللَّهِ وَرَسُوله , فَأَنْتُمْ تُطِيعُونَ رَسُول اللَّه , وَتَأْتَمُّونَ بِهِ فَيَقِيكُمْ اللَّه بِذَلِكَ مِنْ الْعَنَت مَا لَوْ لَمْ تُطِيعُوهُ وَتَتَّبِعُوهُ , وَكَانَ يُطِيعكُمْ لَنَالَكُمْ وَأَصَابَكُمْ . وَكَمَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَلَكِنَّ اللَّه حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَان } قَالُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24546 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبكُمْ } قَالَ : حَبَّبَهُ إِلَيْهِمْ وَحَسَّنَهُ فِي قُلُوبهمْ.

وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ

وَقَوْله : { وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبكُمْ } يَقُول : وَحَسَّنَ الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ فَآمَنْتُمْ

وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ

الْكُفْر بِاَللَّهِ

وَالْفُسُوقَ

يَعْنِي الْكَذِب ,

وَالْعِصْيَانَ

يَعْنِي رُكُوب مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ فِي خِلَاف أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَضْيِيع مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ

أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ

يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَبَّبَ اللَّه إِلَيْهِمْ الْإِيمَان , وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبهمْ , وَكَرَّهَ إِلَيْهِمْ الْكُفْر وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان أُولَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ السَّالِكُونَ طَرِيق الْحَقّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْر وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان أُولَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّه وَنِعْمَة } قَالُوا أَيْضًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24547 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْر وَالْفُسُوق } قَالَ : الْكَذِب وَالْعِصْيَان ; قَالَ : عِصْيَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُولَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ } مِنْ أَيْنَ كَانَ هَذَا ؟ قَالَ : فَضْل مِنْ اللَّه وَنِعْمَة ; قَالَ : وَالْمُنَافِقُونَ سَمَّاهُمْ اللَّه أَجْمَعِينَ فِي الْقُرْآن الْكَاذِبِينَ ; قَالَ : وَالْفَاسِق : الْكَاذِب فِي كِتَاب اللَّه كُلّه .



تفسيرالقرطبي:
ـــــــــــــــــــــــ

وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ

فَلَا تُكَذِّبُوا , فَإِنَّ اللَّه يُعْلِمهُ أَنْبَاءَكُمْ فَتَفْتَضِحُونَ .

لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ

أَيْ لَوْ تَسَارَعَ إِلَى مَا أَرَدْتُمْ قَبْل وُضُوح الْأَمْر لَنَالَكُمْ مَشَقَّة وَإِثْم , فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْقَوْم الَّذِينَ سَعَى بِهِمْ الْوَلِيد بْن عُقْبَة إِلَيْهِ لَكَانَ خَطَأ , وَلَعَنِتَ مَنْ أَرَادَ إِيقَاع الْهَلَاك بِأُولَئِكَ الْقَوْم لِعَدَاوَةٍ كَانَتْ بَيْنه وَبَيْنهمْ .

وَمَعْنَى طَاعَة الرَّسُول لَهُمْ : الِائْتِمَار بِمَا يَأْمُر بِهِ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنْ النَّاس وَالسَّمَاع مِنْهُمْ . وَالْعَنَت الْإِثْم , يُقَال : عَنِتَ الرَّجُل . وَالْعَنَت أَيْضًا الْفُجُور وَالزِّنَى , كَمَا فِي سُورَة " النِّسَاء " . وَالْعَنَت أَيْضًا الْوُقُوع فِي أَمْر شَاقّ , وَقَدْ مَضَى فِي آخِر " التَّوْبَة " الْقَوْل فِي " عَنِتُّمْ " [ التَّوْبَة : 128 ] بِأَكْثَر مِنْ هَذَا .

وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ

هَذَا خِطَاب لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ لَا يُكَذِّبُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُخْبِرُونَ بِالْبَاطِلِ , أَيْ جَعَلَ الْإِيمَان أَحَبّ الْأَدْيَان إِلَيْكُمْ .

وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ

" وَزَيَّنَهُ " بِتَوْفِيقِهِ . " فِي قُلُوبكُمْ " أَيْ حَسَّنَهُ إِلَيْكُمْ حَتَّى اِخْتَرْتُمُوهُ . وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَالْإِمَامِيَّة وَغَيْرهمْ , حَسَب مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع . فَهُوَ سُبْحَانه الْمُنْفَرِد بِخَلْقِ ذَوَات الْخَلْق وَخَلْق أَفْعَالهمْ وَصِفَاتهمْ وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتهمْ وَأَلْوَانهمْ , لَا شَرِيك لَهُ .

وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ

قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد بِهِ الْكَذِب خَاصَّة . وَقَالَهُ اِبْن زَيْد . وَقِيلَ : كُلّ مَا خَرَّجَ عَنْ الطَّاعَة , مُشْتَقّ مِنْ فَسَقَتْ الرُّطَبَة خَرَجَتْ مِنْ قِشْرهَا . وَالْفَأْرَة مِنْ جُحْرهَا . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " الْقَوْل فِيهِ مُسْتَوْفًى . وَالْعِصْيَان جَمْع الْمَعَاصِي .

أُولَئِكَ هُمُ

ثُمَّ اِنْتَقَلَ مِنْ الْخِطَاب إِلَى الْخَبَر فَقَالَ : " أُولَئِكَ " يَعْنِي هُمْ الَّذِينَ وَفَّقَهُمْ اللَّه فَحَبَّبَ إِلَيْهِمْ الْإِيمَان وَكَرَّهَ إِلَيْهِمْ الْكُفْر أَيْ قَبَّحَهُ عِنْدهمْ

الرَّاشِدُونَ

كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْه اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ " [ الرُّوم : 39 ] . قَالَ النَّابِغَة : يَا دَار مَيَّة بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَد أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِف الْأَمَد وَالرُّشْد الِاسْتِقَامَة عَلَى طَرِيق الْحَقّ مَعَ تَصَلُّب فِيهِ , مِنْ الرَّشَاد وَهِيَ الصَّخْرَة . قَالَ أَبُو الْوَازِع : كُلّ صَخْرَة رَشَادَة . وَأَنْشَدَ : وَغَيْر مُقَلَّد وَمُوَشَّمَات صَلِينَ الضَّوْء مِنْ صُمّ الرَّشَاد

[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 13, 2005 9:53 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[center][table=width:100%;background-color:transparent;background-image:url(backgrounds/19.gif);border:4 solid firebrick;][cell=filter:;][align=center]قال تعالى :

"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ"

البقرة 207

تفسير الجلالين:
ــــــــــــــــــــــــــ


"وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي" يَبِيع "نَفْسه" أَيْ يَبْذُلهَا فِي طَاعَة اللَّه "ابْتِغَاء" طَلَب "مَرْضَاة اللَّه" رِضَاهُ وَهُوَ صُهَيْب لَمَّا آذَاهُ الْمُشْرِكُونَ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَة وَتَرَكَ لَهُمْ مَاله "وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ" حَيْثُ أَرْشَدهمْ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ

تفسير الطبري:
ـــــــــــــــــــــــــ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمِنْ النَّاس مَنْ يَبِيع نَفْسه بِمَا وَعَدَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيله وَابْتَاعَ بِهِ أَنَفْسهمْ بِقَوْلِهِ : { إنَّ اللَّه اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة } 9 111 وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى شَرَى بَاعَ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته . وَأَمَّا قَوْله : { ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الشَّارِي يَشْرِي إذَا اشْتَرَى طَلَب مَرْضَاة اللَّه . وَنُصِبَ " ابْتِغَاء " بِقَوْلِهِ " يَشْرِي " , فَكَأَنَّهُ قَالَ . وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي مِنْ أَجْل ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه , ثُمَّ تَرَكَ " مِنْ أَجْل " وَعَمِلَ فِيهِ الْفِعْل . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهُ نُصِبَ ذَلِكَ عَلَى الْفِعْل عَلَى يَشْرِي كَأَنَّهُ قَالَ : لِابْتِغَاءِ مَرْضَاة اللَّه , فَلَمَّا نَزَعَ اللَّام عَمِلَ الْفِعْل . قَالَ : وَمِثْله : { حَذَر الْمَوْت } 2 19 وَقَالَ الشَّاعِر وَهُوَ حَاتِم : وَأَغْفِر عَوْرَاء الْكَرِيم ادِّخَاره وَأَعْرِض عَنْ قَوْل اللَّئِيم تَكَرُّمَا وَقَالَ : لَمَّا أَذْهَبَ اللَّام أَعْمَلَ فِيهِ الْفِعْل . وَقَالَ بَعْضهمْ : أَيّمَا مَصْدَر وُضِعَ مَوْضِع الشَّرْط وَمَوْضِع " أَنْ " فَتَحْسُن فِيهَا الْبَاء وَاللَّام , فَتَقُول : أَتَيْتُك مِنْ خَوْف الشَّرّ , وَلِخَوْفِ الشَّرّ , وَبِأَنْ خِفْت الشَّرّ ; فَالصِّفَة غَيْر مَعْلُومَة , فَحُذِفَتْ وَأُقِيمَ الْمَصْدَر مَقَامهَا . قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ الصِّفَة حَرْفًا وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ حَذْفهَا كَمَا غَيْر جَائِز لِمَنْ قَالَ : فَعَلْت هَذَا لَك وَلِفُلَانٍ , أَنْ يُسْقِط اللَّام . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِ وَمَنْ عُنِيَ بِهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , وَعُنِيَ بِهَا الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3173 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } قَالَ : الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار . وَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي رِجَال مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بِأَعْيَانِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3174 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَة : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } قَالَ : نَزَلَتْ فِي صُهَيْب بْن سِنَان وَأَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ جُنْدُب بْن السَّكَن ; أَخَذَ أَهْل أَبِي ذَرّ أَبَا ذَرّ , فَانْفَلَتَ مِنْهُمْ , فَقَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا رَجَعَ مُهَاجِرًا عَرَضُوا لَهُ , وَكَانُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ , فَانْفَلَتَ أَيْضًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسِّلَام . وَأَمَّا صُهَيْب فَأَخَذَهُ أَهْله , فَافْتَدَى مِنْهُمْ بِمَالِهِ , ثُمَّ خَرَجَ مُهَاجِرًا فَأَدْرَكَهُ مُنْقِذ بْن عُمَيْر بْن جُدْعَان , فَخَرَجَ لَهُ مِمَّا بَقِيَ مِنْ مَاله , وَخَلَّى سَبِيله . 3175 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } الْآيَة , قَالَ : كَانَ رَجُل مِنْ أَهْل مَكَّة أَسْلَمَ , فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُهَاجِر إلَى الْمَدِينَة , فَمَنَعُوهُ وَحَبَسُوهُ , فَقَالَ لَهُمْ : أُعْطِيكُمْ دَارِي وَمَالِي وَمَا كَانَ لِي مِنْ شَيْء فَخَلُّوا عَنِّي فَأَلْحَق بِهَذَا الرَّجُل ! فَأَبَوْا . ثُمَّ إنَّ بَعْضهمْ قَالَ لَهُمْ : خُذُوا مِنْهُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ شَيْء وَخَلُّوا عَنْهُ ! فَفَعَلُوا , فَأَعْطَاهُمْ دَاره وَمَاله , ثُمَّ خَرَجَ ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } الْآيَة ; فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْمَدِينَة تَلَقَّاهُ عُمَر فِي رِجَال , فَقَالَ لَهُ عُمَر : رَبِحَ الْبَيْع , قَالَ : وَبَيْعك فَلَا يَخْسَر , قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : أُنْزِلَ فِيك كَذَا وَكَذَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ كُلّ شَارٍ نَفْسه فِي طَاعَة اللَّه وَجِهَاد فِي سَبِيله أَوْ أَمْر بِمَعْرُوفٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3176 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن الْحَسَن أَبُو عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا أَبُو عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : حَمَلَ هِشَام بْن عَامِر عَلَى الصَّفّ حَتَّى خَرَقَهُ , فَقَالُوا : أَلْقَى بِيَدِهِ , فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } 3177 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ طَارِق بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم , عَنْ الْمُغِيرَة , قَالَ : بَعَثَ عُمَر جَيْشًا فَحَاصَرُوا أَهْل حِصْن , وَتَقَدَّمَ رَجُل مِنْ بَجِيلَة , فَقَاتَلَ , فَقُتِلَ , فَأَكْثَر النَّاس فِيهِ يَقُولُونَ : أَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَة . قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَقَالَ : كَذَبُوا , أَلَيْسَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } ؟ 3178 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : حَمَلَ هِشَام بْن عَامِر عَلَى الصَّفّ حَتَّى شَقَّهُ , فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } 3179 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا حِزَام بْن أَبِي حَزْم , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن قَرَأَ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } أَتَدْرُونَ فِيمَ أُنْزِلَتْ ؟ نَزَلَتْ فِي أَنَّ الْمُسْلِم لَقِيَ الْكَافِر فَقَالَ لَهُ : قُلْ لَا إلَه إلَّا اللَّه , فَإِذَا قُلْتهَا عَصَمْت دَمك وَمَالك إلَّا بِحَقِّهِمَا . فَأَبَى أَنْ يَقُولهَا , فَقَالَ الْمُسْلِم : وَاَللَّه لَأَشْرِيَن نَفْسِي لِلَّهِ . فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ . 3180 - حَدَّثَنِي أَحَمْد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , ثنا زِيَاد بْن أَبِي مُسْلِم , عَنْ أَبِي الْخَلِيل , قَالَ : سَمِعَ عُمَر إنْسَانًا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } قَالَ : اسْتَرْجَعَ عُمَر فَقَالَ : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ , قَامَ رَجُل يَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر فَقُتِلَ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَة مِنْ التَّأْوِيل , مَا رُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ , مِنْ أَنْ يَكُون عَنَى بِهَا الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَر . وَذَلِك أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَصَفَ صِفَة فَرِيقَيْنِ : أَحَدهمَا مُنَافِق يَقُول بِلِسَانِهِ خِلَاف مَا فِي نَفْسه وَإِذَا اقْتَدَرَ عَلَى مَعْصِيَة اللَّه رَكِبَهَا وَإِذَا لَمْ يَقْتَدِر رَامَهَا وَإِذَا نُهِيَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّة بِالْإِثْمِ بِمَا هُوَ بِهِ إثْم , وَالْآخَر مِنْهُمَا بَائِع نَفْسه طَالِب مِنْ اللَّه رِضَا اللَّه . فَكَانَ الظَّاهِر مِنْ التَّأْوِيل أَنَّ الْفَرِيق الْمَوْصُوف بِأَنَّهُ شَرَى نَفْسه لِلَّهِ وَطَلَب رِضَاهُ , إنَّمَا شَرَاهَا لِلْوُثُوبِ بِالْفَرِيقِ الْفَاجِر طَلَب رِضَا اللَّه . فَهَذَا هُوَ الْأَغْلَب الْأَظْهُر مِنْ تَأْوِيل الْآيَة . وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ نُزُول الْآيَة فِي أَمْر صُهَيْب , فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْر مُسْتَنْكَر , إذْ كَانَ غَيْر مَدْفُوع جَوَاز نُزُول آيَة مِنْ عِنْد اللَّه عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَاب , وَالْمَعْنِيّ بِهَا كُلّ مَنْ شَمِلَهُ ظَاهِرهَا . فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلّ وَصَفَ شَارِبًا نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاته , فَكُلّ مَنْ بَاعَ نَفْسه فِي طَاعَته حَتَّى قُتِلَ فِيهَا أَوْ اُسْتُقْتِلَ وَإِنْ لَمْ يُقْتَل , فَمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } فِي جِهَاد عَدُوّ الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ فِي أَمْر بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْي عَنْ مُنْكَر .

وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الرَّأْفَة بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَأَنَّهَا رِقَّة الرَّحْمَة ; فَمَعْنَى ذَلِكَ : وَاَللَّه ذُو رَحْمَة وَاسِعَة بِعَبْدِهِ الَّذِي يَشْرِي نَفْسه لَهُ فِي جِهَاد مَنْ حَادَّهُ فِي أَمْره مِنْ أَهْل الشِّرْك وَالْفُسُوق وَبِغَيْرِهِ مِنْ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ فِي عَاجِلهمْ وَآجِلِ مَعَادهمْ , فَيُنْجِز لَهُمْ الثَّوَاب عَلَى مَا أَبْلَوْا فِي طَاعَته فِي الدُّنْيَا , وَيُسْكِنهُمْ جَنَّاته عَلَى مَا عَمِلُوا فِيهَا مِنْ مَرْضَاته .


تفسير القرطبي:
ـــــــــــــــــــــــــــ

وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغَاءَ مَرْضَات اللَّه " " اِبْتِغَاء " نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُول مِنْ أَجْله . وَلَمَّا ذَكَرَ صَنِيع الْمُنَافِقِينَ ذَكَرَ بَعْده صَنِيع الْمُؤْمِنِينَ . قِيلَ : نَزَلَتْ فِي صُهَيْب فَإِنَّهُ أَقْبَلَ مُهَاجِرًا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّبَعَهُ نَفَر مِنْ قُرَيْش , فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَته , وَانْتَثَلَ مَا فِي كِنَانَته , وَأَخَذَ قَوْسه , وَقَالَ : لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْمَاكُمْ , وَايْم اللَّه لَا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّى أَرْمِي بِمَا فِي كِنَانَتِي , ثُمَّ أَضْرِب بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدَيَّ مِنْهُ شَيْء , ثُمَّ اِفْعَلُوا مَا شِئْتُمْ . فَقَالُوا : لَا نَتْرُكك تَذْهَب عَنَّا غَنِيًّا وَقَدْ جِئْتنَا صُعْلُوكًا , وَلَكِنْ دُلَّنَا عَلَى مَالِك بِمَكَّة وَنُخَلِّي عَنْك , وَعَاهَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ فَفَعَلَ , فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَتْ : " وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغَاءَ مَرْضَات اللَّهِ " الْآيَة , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَبِحَ الْبَيْع أَبَا يَحْيَى ) , وَتَلَا عَلَيْهِ الْآيَة , أَخْرَجَهُ رَزِين , وَقَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ صُهَيْبًا فَعَذَّبُوهُ , فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْب : إِنِّي شَيْخ كَبِير , لَا يَضُرّكُمْ أَمِنْكُمْ كُنْت أَمْ مِنْ غَيْركُمْ , فَهَلْ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مَالِي وَتَذَرُونِي وَدِينِي ؟ فَفَعَلُوا ذَلِكَ , وَكَانَ شُرِطَ عَلَيْهِ رَاحِلَة وَنَفَقَة , فَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَة فَتَلَقَّاهُ أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَرِجَال , فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر : رَبِحَ بَيْعك أَبَا يَحْيَى . فَقَالَ لَهُ صُهَيْب : وَبَيْعك فَلَا يَخْسَر , فَمَا ذَاكَ ؟ فَقَالَ : أَنْزَلَ اللَّه فِيك كَذَا , وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَة . وَقَالَ الْحَسَن : أَتَدْرُونَ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , نَزَلَتْ فِي الْمُسْلِم لَقِيَ الْكَافِر فَقَالَ لَهُ : قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَإِذَا قُلْتهَا عَصَمْت مَالَك وَنَفْسك , فَأَبَى أَنْ يَقُولهَا , فَقَالَ الْمُسْلِم : وَاَللَّه لَأَشْرِيَن نَفْسِي لِلَّهِ , فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِيمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنْ الْمُنْكَر , وَعَلَى ذَلِكَ تَأَوَّلَهَا عُمَر وَعَلِيّ وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ , قَالَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس : ( اِقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ , أَيْ قَالَ الْمُغَيِّر لِلْمُفْسِدِ : اِتَّقِ اللَّه , فَأَبَى الْمُفْسِد وَأَخَذَتْهُ الْعِزَّة , فَشَرَى الْمُغَيِّر نَفْسه مِنْ اللَّه وَقَاتَلَهُ فَاقْتَتَلَا ) . وَقَالَ أَبُو الْخَلِيل : سَمِعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب إِنْسَانًا يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ عُمَر : ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , قَامَ رَجُل يَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر فَقُتِلَ ) . وَقِيلَ : إِنَّ عُمَر سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : ( اِقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ عِنْد قِرَاءَة الْقَارِئ هَذِهِ الْآيَة ) , فَسَأَلَ عَمَّا قَالَ فَفُسِّرَ لَهُ هَذَا التَّفْسِير , فَقَالَ لَهُ عُمَر , ( لِلَّهِ تِلَادك يَا اِبْن عَبَّاس ) ! وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِيمَنْ يَقْتَحِم الْقِتَال . حَمَلَ هِشَام بْن عَامِر عَلَى الصَّفّ فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ , فَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَة : "وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ " , وَمِثْله عَنْ أَبِي أَيُّوب . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي شُهَدَاء غَزْوَة الرَّجِيع . وَقَالَ قَتَادَة : هُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين تَرَكَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِرَاشه لَيْلَة خَرَجَ إِلَى الْغَار , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " بَرَاءَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : الْآيَة عَامَّة , تَتَنَاوَل كُلّ مُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه , أَوْ مُسْتَشْهِد فِي ذَاته أَوْ مُغَيِّرِ مُنْكَرٍ . وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْم مَنْ حَمَلَ عَلَى الصَّفّ , وَيَأْتِي ذِكْر الْمُغَيِّر لِلْمُنْكَرِ وَشُرُوطه وَأَحْكَامه فِي " آل عِمْرَان " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . و " يَشْرِي " مَعْنَاهُ يَبِيع , وَمِنْهُ " وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ " [ يُوسُف : 20 ] أَيْ بَاعُوهُ , وَأَصْله الِاسْتِبْدَال , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ اللَّهَ اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ " [ التَّوْبَة : 111 ] . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَإِنْ كَانَ رَيْب الدَّهْر أَمْضَاك فِي الْأُلَى شَرَوْا هَذِهِ الدُّنْيَا بِجَنَّاتِهِ الْخُلْد وَقَالَ آخَر : وَشَرَيْت بُرْدًا لَيْتَنِي مِنْ بَعْد بُرْد كُنْت هَامه الْبُرْد هُنَا اِسْم غُلَام . وَقَالَ آخَر : يُعْطَى بِهَا ثَمَنًا فَيَمْنَعهَا وَيَقُول صَاحِبهَا أَلَا فَأَشْرِ وَبَيْع النَّفْس هُنَا هُوَ بَذْلهَا لِأَوَامِر اللَّه . " اِبْتِغَاء " مَفْعُول مِنْ أَجْله . وَوَقَفَ الْكِسَائِيّ عَلَى " مَرْضَات " بِالتَّاءِ , وَالْبَاقُونَ بِالْهَاءِ . قَالَ أَبُو عَلِيّ : وَقَفَ الْكِسَائِيّ بِالتَّاءِ إِمَّا عَلَى لُغَة مَنْ يَقُول : طَلْحَت وَعَلْقَمَت , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : بَلْ جَوْزِتَيْهَاء كَظَهْرِ الْحَجَفَت وَإِمَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي ضِمْن اللَّفْظَة وَلَا بُدّ أَثْبَتَ التَّاء كَمَا ثَبَتَتْ فِي الْوَصْل لِيُعْلَم أَنَّ الْمُضَاف إِلَيْهِ مُرَاد . وَالْمَرْضَاة الرِّضَا , يُقَال : رَضِيَ يَرْضَى رِضًا وَمَرْضَاة . وَحَكَى قَوْم أَنَّهُ يُقَال : شَرَى بِمَعْنَى اِشْتَرَى , وَيَحْتَاج إِلَى هَذَا مَنْ تَأَوَّلَ الْآيَة فِي صُهَيْب , لِأَنَّهُ اِشْتَرَى نَفْسه بِمَالِهِ وَلَمْ يَبِعْهَا , اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَال : إِنَّ عَرْض صُهَيْب عَلَى قِتَالهمْ بَيْع لِنَفْسِهِ مِنْ اللَّه . فَيَسْتَقِيم اللَّفْظ عَلَى مَعْنَى بَاعَ .

[/align]
[/cell][/table][/center]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 15, 2005 9:31 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Arial]قال تعالى:

" لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ"

البلد (2,1)

تفسير الطبري:
ـــــــــــــــــــــــــــ

لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا أُقْسِم بِهَذَا الْبَلَد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَقْسِمْ يَا مُحَمَّد بِهَذَا الْبَلَد الْحَرَام , وَهُوَ مَكَّة , وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28846- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { لَا أُقْسِم بِهَذَا الْبَلَد } يَعْنِي : مَكَّة . 28847 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { لَا أُقْسِم بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : مَكَّة . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { لَا أُقْسِم بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : الْحَرَام . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { لَا أُقْسِم بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : مَكَّة . 28848 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { لَا أُقْسِم بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : الْبَلَد مَكَّة . 28849 -حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { لَا أُقْسِم بِهَذَا الْبَلَد } يَعْنِي مَكَّة . 28850 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { لَا أُقْسِم بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : مَكَّة .

وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ

وَقَوْله : { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } يَعْنِي : بِمَكَّة ; يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَنْتَ يَا مُحَمَّد حِلّ بِهَذَا الْبَلَد , يَعْنِي بِمَكَّة ; يَقُول : أَنْتَ بِهِ حَلَال تَصْنَع فِيهِ مِنْ قَتْل مَنْ أَرَدْت قَتْله , وَأَسْر مَنْ أَرَدْت أَسْره , مُطْلَق ذَلِكَ لَك ; يُقَال مِنْهُ : هُوَ حِلّ , وَهُوَ حَلَال , وَهُوَ حَرَم , وَهُوَ حَرَام , وَهُوَ مُحِلّ , وَهُوَ مُحْرِم , وَأَحْلَلْنَا , وَأَحْرَمْنَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28851- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } يَعْنِي بِذَلِكَ : نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَحَلَّ اللَّه لَهُ يَوْم دَخَلَ مَكَّة أَنْ يَقْتُل مَنْ شَاءَ , وَيُحْيِي مَنْ شَاءَ ; فَقَتَلَ يَوْمئِذٍ اِبْن خَطَل صَبْرًا وَهُوَ آخِذ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة , فَلَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاس بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْتُل فِيهَا حَرَامًا حَرَّمَهُ اللَّه , فَأَحَلَّ اللَّه لَهُ مَا صَنَعَ بِأَهْلِ مَكَّة , أَلَمْ تَسْمَع أَنَّ اللَّه قَالَ فِي تَحْرِيم الْحَرَم : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } يَعْنِي بِالنَّاسِ أَهْل الْقِبْلَة . 28852 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : مَا صَنَعْت فَأَنْتَ فِي حِلّ مِنْ أَمْر الْقِتَال . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : أُحِلَّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَنَعَ فِيهِ سَاعَة . * -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : أُحِلَّ لَهُ أَنْ يَصْنَع فِيهِ مَا شَاءَ . 28853 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : أُحِلَّتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : اِصْنَعْ فِيهَا مَا شِئْت . * -حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا حُسَيْن الْجُعْفِيّ , عَنْ زَائِدَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : أَنْتَ حِلّ مِمَّا صَنَعْت فِيهِ . * -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : أَحَلَّ اللَّه لَك يَا مُحَمَّد مَا صَنَعْت فِي هَذَا الْبَلَد مِنْ شَيْء , يَعْنِي مَكَّة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : لَا تُؤَاخَذ بِمَا عَمِلْت فِيهِ , وَلَيْسَ عَلَيْك فِيهِ مَا عَلَى النَّاس . 28854 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } يَقُول : بَرِيء عَنْ الْحَرَج وَالْإِثْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } يَقُول : أَنْتَ بِهِ حِلّ لَسْت بِآثِمٍ . 28855 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : لَمْ يَكُنْ بِهَا أَحَد حِلًّا غَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كُلّ مَنْ كَانَ بِهَا حَرَامًا , لَمْ يَحِلّ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا فِيهَا , وَلَا يَسْتَحِلُّوا حَرَمه , فَأَحَلَّهُ اللَّه لِرَسُولِهِ , فَقَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ فِيهِ . 28856 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء { وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَد } قَالَ : إِنَّ اللَّه حَرَّمَ مَكَّة , لَمْ تَحِلّ لِنَبِيٍّ إِلَّا نَبِيّكُمْ سَاعَة مِنْ نَهَار . 28857 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَأَنْتَ حِلّ بِهِ بِهَذَا الْبَلَد } يَعْنِي مُحَمَّدًا , يَقُول : أَنْتَ حِلّ بِالْحَرَمِ , فَاقْتُلْ إِنْ شِئْت , أَوْ دَعْ
[/font].

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 17, 2005 9:48 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[center][table=width:100%;background-color:transparent;background-image:url(backgrounds/16.gif);border:3 solid green;][cell=filter:;][align=center]قال تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ"
المجادلة (5)

تفسير الجلالين
ــــــــــــــــــــــ

"إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ" يُخَالِفُونَ "اللَّه وَرَسُوله كُبِتُوا" أُذِلُّوا "كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ" فِي مُخَالَفَتهمْ رُسُلهمْ "وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَات بَيِّنَات" دَالَّة عَلَى صِدْق الرَّسُول "وَلِلْكَافِرِينَ" بِالْآيَاتِ "عَذَاب مُهِين" ذُو إهَانَة


تفسير الطبري
ــــــــــــــــــــــــ

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّه وَرَسُوله } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ اللَّه فِي حُدُوده وَفَرَائِضه , فَيَجْعَلُونَ حُدُودًا غَيْر حُدُوده , وَذَلِكَ هُوَ الْمُحَادَّة لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَأَمَّا قَتَادَة فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول فِي مَعْنَى ذَلِكَ مَا : 26140 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّه وَرَسُوله } يَقُول : يُعَادُونَ اللَّه وَرَسُوله .

كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

وَأَمَّا قَوْله : { كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : غِيظُوا وَأُحْزِنُوا كَمَا غِيظَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الَّذِينَ حَادُّوا اللَّه وَرَسُوله , وَخُزُوا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 26141 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة { كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } خُزُوا كَمَا خُزِيَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يَقُول : مَعْنَى { كُبِتُوا } أُهْلِكُوا . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : يَقُول : مَعْنَاهُ غِيظُوا وَأُخْزُوا يَوْم الْخَنْدَق { كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يُرِيد مِنْ قَاتِل الْأَنْبِيَاء مِنْ قَبْلهمْ .

وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ

وَقَوْله : { وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَات بَيِّنَات } يَقُول : وَقَدْ أَنْزَلْنَا دَلَالَات مُفَصَّلَات , وَعَلَامَات مُحْكَمَات تَدُلّ عَلَى حَقَائِق حُدُود اللَّه .

وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ

وَقَوْله : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَاب مُهِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلِجَاحِدِي تِلْكَ الْآيَات الْبَيِّنَات الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا عَلَى رَسُولنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمُنْكَرِيهَا عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة مُهِين : يَعْنِي مُذِلّ فِي جَهَنَّم .



تفسير القرطبي
ــــــــــــــــــــــــــ

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

لَمَّا ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ الْوَاقِفِينَ عِنْد حُدُوده ذَكَرَ الْمُحَادِّينَ الْمُخَالِفِينَ لَهَا . وَالْمُحَادَة الْمُعَادَاة وَالْمُخَالَفَة فِي الْحُدُود , وَهُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى : " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّه وَرَسُوله " [ الْأَنْفَال : 13 ] . وَقِيلَ : " يُحَادُّونَ اللَّه " أَيْ أَوْلِيَاء اللَّه كَمَا فِي الْخَبَر : ( مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ ) . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمُحَادَة أَنْ تَكُون فِي حَدّ يُخَالِف حَدّ صَاحِبك . وَأَصْلهَا الْمُمَانَعَة , وَمِنْهُ الْحَدِيد , وَمِنْهُ الْحَدَّاد لِلْبَوَّابِ .

كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْأَخْفَش : أُهْلِكُوا . وَقَالَ قَتَادَة : اِخْزُوا كَمَا أُخْزِيَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ . وَقَالَ اِبْن زَيْد : عُذِّبُوا . وَقَالَ السُّدِّيّ : لُعِنُوا . وَقَالَ الْفَرَّاء : غِيظُوا يَوْم الْخَنْدَق . وَقِيلَ : يَوْم بَدْر . وَالْمُرَاد الْمُشْرِكُونَ . وَقِيلَ : الْمُنَافِقُونَ . " كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ " وَقِيلَ : " كُبِتُوا " أَيْ سَيُكْبَتُونَ , وَهُوَ بِشَارَة مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ , وَأُخْرِجَ الْكَلَام بِلَفْظِ الْمَاضِي تَقْرِيبًا لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ . وَقِيلَ : هِيَ بِلُغَةِ مَدْحَج .

وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ

فِيمَنْ حَادَّ اللَّه وَرَسُوله مِنْ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ فِيمَا فَعَلْنَا بِهِمْ .

[/align]
[/cell][/table][/center]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 20, 2005 1:13 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727

قال تعالى :

" فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا

كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ"

الأنعام 125


تفسير الجلالين
ـــــــــــــــــــــــــ

"فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيه يَشْرَح صَدْره لِلْإِسْلَامِ" بِأَنْ يَقْذِف فِي قَلْبه نُورًا فَيَنْفَسِح لَهُ وَيَقْبَلهُ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيث "وَمَنْ يُرِدْ" اللَّه "أَنْ يُضِلّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد عَنْ قَبُوله "حَرَجًا" شَدِيد الضِّيق بِكَسْرِ الرَّاء صِفَة وَفَتْحهَا مَصْدَر وَصَفَ فِيهِ مُبَالَغَة "كَأَنَّمَا يَصَّعَّد" وَفِي قِرَاءَة يَصَّاعَد وَفِيهِمَا إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الصَّاد وَفِي أُخْرَى بِسُكُونِهَا "فِي السَّمَاء" إذَا كُلِّفَ الْإِيمَان لِشِدَّتِهِ عَلَيْهِ "كَذَلِكَ" الْجَعْل "يَجْعَل اللَّه الرِّجْس" الْعَذَاب أَوْ الشَّيْطَان أَيْ يُسَلِّطهُ


تفسير الطبري
ــــــــــــــــــــــــــــــ

فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ } لِلْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه فَيُوَفِّقهُ لَهُ , { يَشْرَح صَدْره لِلْإِيمَانِ } يَقُول : فَسَحَ صَدْرَهُ لِذَلِكَ وَهَوَّنَهُ عَلَيْهِ وَسَهَّلَهُ لَهُ بِلُطْفِهِ وَمَعُونَته , حَتَّى يَسْتَنِير الْإِسْلَام فِي قَلْبه , فَيُضِيء لَهُ وَيَتَّسِع لَهُ صَدْره بِالْقَبُولِ . كَاَلَّذِي جَاءَ الْأَثَر بِهِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي : 10785 - حَدَّثَنَا سِوَار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } قَالُوا : كَيْف يُشْرَح الصَّدْر ؟ قَالَ : " إِذَا نَزَلَ النُّور فِي الْقَلْب اِنْشَرَحَ لَهُ الصَّدْر وَانْفَسَحَ " . قَالُوا : فَهَلْ لِذَلِكَ آيَة يُعْرَف بِهَا ؟ قَالَ : " نَعَمْ , الْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود , وَالتَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُورِ , وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل الْفَوْتِ " . 10786 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَس ؟ قَالَ : " أَكْثَرهمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا , وَأَحْسَنهمْ لِمَا بَعْده اِسْتِعْدَادًا " . قَالَ : وَسُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } قَالُوا : كَيْف يُشْرَح صَدْره يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " نُور يُقْذَفُ فِيهِ فَيَنْشَرِح لَهُ وَيَنْفَسِح " قَالُوا : فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَة يُعْرَف بِهَا ؟ قَالَ : " الْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود , و التَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُور , وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل الْفَوْت " . - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ رَجُل يُكَنَّى , أَبَا جَعْفَر كَانَ يَسْكُن الْمَدَائِن , قَالَ : سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } قَالَ : " نُورٌ يُقْذَفُ فِي الْقَلْب فَيَنْشَرِح وَيَنْفَسِخ " . قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , هَلْ لَهُ مِنْ أَمَارَة يُعْرَف بِهَا ؟ ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيث مِثْله . 10787 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : ثَنَا سَعِيد بْن عَبْد الْمَلِك بْن وَاقِد الْحَرَّانِيّ , قَالَ : قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن سَلَمَة , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحِيم , عَنْ زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } ؟ قَالَ : " إِذَا دَخَلَ النُّور الْقَلْب اِنْفَسَحَ وَانْشَرَحَ " قَالُوا : فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَة يُعْرَف بِهَا ؟ قَالَ : " الْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود , وَالتَّنَحِّي عَنْ دَار الْغُرُور , وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل الْمَوْت " . - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ خَالِد بْن أَبِي كَرِيمَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمِسْوَر , قَالَ : قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دَخَلَ النُّورُ الْقَلْبَ اِنْفَسَحَ وَانْشَرَحَ " . قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , وَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ عَلَامَة تُعْرَف ؟ قَالَ : " نَعَمْ , الْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود , وَالتَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُور , وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل نُزُول الْمَوْت " . - حَدَّثَنِي اِبْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثَنَا مَحْبُوب بْن حَسَن الْهَاشِمِيّ , عَنْ يُونُس , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , وَكَيْف يُشْرَح صَدْره ؟ قَالَ : " يُدْخَل فِيهِ النُّور فَيَنْفَسِحُ " . قَالُوا : وَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ عَلَامَة يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " التَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُور , وَالْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود , وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل أَنْ يَنْزِل الْمَوْت " . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10788 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } أَمَّا يَشْرَح صَدْره لِلْإِسْلَامِ : فَيُوَسِّع صَدْره لِلْإِسْلَامِ . 10789 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } بِـ " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج قِرَاءَة : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } بِـ " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " يَجْعَل لَهَا فِي صَدْره مُتَّسَعًا
.
وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَمَنْ أَرَادَ اللَّه إِضْلَاله عَنْ سَبِيل الْهُدَى يُشْغِلهُ بِكُفْرِهِ وَصَدِّهِ عَنْ سَبِيله , وَيَجْعَل صَدْره بِخِذْلَانِهِ وَغَلَبَة الْكُفْر عَلَيْهِ حَرَجًا . وَالْحَرَج : أَشَدّ الضِّيق , وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْفُذ مِنْ شِدَّة ضِيقه , وَهُوَ هَهُنَا الصَّدْر الَّذِي لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْمَوْعِظَة وَلَا يَدْخُلُهُ نُور الْإِيمَان لِرَيْنِ الشِّرْك عَلَيْهِ . وَأَصْله مِنْ الْحَرَج , وَالْحَرَج جَمْع حَرَجَة : وَهِيَ الشَّجَرَة الْمُلْتَفّ بِهَا الْأَشْجَار , لَا يَدْخُل بَيْنهَا وَبَيْنهَا شَيْء لِشِدَّةِ اِلْتِفَافهَا بِهَا . كَمَا : 10790 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن عَمَّار رَجُل مِنْ أَهْل الْيَمَن , عَنْ أَبِي الصَّلْت الثَّقَفِيّ : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } بِنَصَبِ الرَّاء . قَالَ : وَقَرَأَ بَعْض مَنْ عِنْده مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ضَيِّقًا حَرِجًا " . قَالَ صَفْوَان : فَقَالَ عُمَر : اِبْغُونِي رَجُلًا مِنْ كِنَانَة وَاجْعَلُوهُ رَاعِيًا , وَلْيَكُنْ مُدْلِجِيًّا ! قَالَ : فَأَتَوْهُ بِهِ , فَقَالَ لَهُ عُمَر : يَا فَتَى مَا الْحَرَجَة ؟ قَالَ : الْحَرَجَة فِينَا : الشَّجَرَة تَكُون بَيْن الْأَشْجَار الَّتِي لَا تَصِل إِلَيْهَا رَاعِيَة وَلَا وَحْشِيَّة وَلَا شَيْء . قَالَ : فَقَالَ عُمَر : كَذَلِكَ قَلْب الْمُنَافِق لَا يَصِل إِلَيْهِ شَيْء مِنْ الْخَيْر . 10791 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } يَقُول : مَنْ أَرَادَ اللَّه أَنْ يُضِلَّهُ يُضَيِّق عَلَيْهِ صَدْره حَتَّى يَجْعَل الْإِسْلَام عَلَيْهِ ضَيِّقًا , وَالْإِسْلَامُ وَاسِعٌ , وَذَلِكَ حِين يَقُول : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج } يَقُول : مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الْإِسْلَام مِنْ ضِيق . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : شَاكًّا . ذِكْر مِنْ قَالَ ذَلِكَ : 10792 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنَا ثَنِي , عَنْ مُجَاهِد : { ضَيِّقًا حَرَجًا } قَالَ : شَاكًّا . 10793 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ضَيِّقًا حَرَجًا } أَمَّا حَرَجًا : فَشَاكًّا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : مُلْتَبِسًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10794 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } قَالَ : ضَيِّقًا : مُلْتَبِسًا . - حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ الْحَسَن , عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { ضَيِّقًا حَرَجًا } يَقُول : مُلْتَبِسًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ شِدَّة الضِّيق لَا يَصِل إِلَيْهِ الْإِيمَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10795 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي عَمْرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } قَالَ : لَا يَجِد مَسْلَكًا إِلَّا صُعُدًا . 10796 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : { ضَيِّقًا حَرَجًا } قَالَ : لَيْسَ لِلْخَيْرِ فِيهِ مَنْفَذ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ مِثْله . 10797 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَا يَجِد لَهَا فِي صَدْره مَسَاغًا . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج قِرَاءَة , فِي قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا } بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه , حَتَّى لَا يَسْتَطِيع أَنْ تَدْخُلَهُ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { ضَيِّقًا حَرَجًا } بِفَتْحِ الْحَاء وَالرَّاء مِنْ { حَرَجًا } , وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة الْمَكِّيِّينَ وَالْعِرَاقِيِّينَ , بِمَعْنَى : حَرَجَة عَلَى مَا وَصَفْت . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة : " ضَيِّقًا حَرِجًا " بِفَتْحِ الْحَاء وَكَسْر الرَّاء . ثُمَّ اِخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ بِمَعْنَى الْحَرَج , وَقَالُوا : الْحَرَج بِفَتْحِ الْحَاء وَالرَّاء , وَالْحَرِج بِفَتْحِ الْحَاء وَكَسْر الرَّاء بِمَعْنًى وَاحِد , وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , مِثْل الدَّنَف وَالدَّنِف , وَالْوَحَد وَالْوَحِد , وَالْفَرَد وَالْفَرِد . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ هُوَ بِمَعْنَى الْإِثْم مِنْ قَوْلهمْ : فُلَان آثِم حَرِج . وَذُكِرَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا مِنْهَا : حَرِج عَلَيْك ظُلْمِي , بِمَعْنَى : ضَيِّق وَإِثْم . وَالْقَوْل عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا , وَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَات عَنْ الْعَرَب فِي الْوَحَد وَالْفَرَد بِفَتْحِ الْحَاء مِنْ الْوَحَد وَالرَّاء مِنْ الْفَرَد وَكَسْرهمَا بِمَعْنًى وَاحِد . وَأَمَّا الضَّيِّق , فَإِنَّ عَامَّة الْقُرَّاء عَلَى فَتْح ضَادِهِ وَتَشْدِيد يَائِهِ , خَلَا بَعْض الْمَكِّيِّينَ فَإِنَّهُ قَرَأَهُ : " ضَيْقًا " بِفَتْحِ الضَّاد وَتَسْكِينَ الْيَاء وَتَخْفِيفه . وَقَدْ يَتَّجِهُ لِتَسْكِينِهِ ذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون سَكَّنَهُ وَهُوَ يَنْوِي مَعْنَى التَّحْرِيك وَالتَّشْدِيد , كَمَا قِيلَ : هَيْن لَيْن , بِمَعْنَى : هَيِّن لَيِّن . وَالْآخَر أَنْ يَكُون سَكَّنَهُ بِنِيَّةِ الْمَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : ضَاقَ هَذَا الْأَمْر يَضِيق ضَيْقًا , كَمَا قَالَ رُؤْبَة : وَقَدْ عَلِمْنَا عِنْدَ كُلِّ مَأْزِقِ ضَيِّقٍ بِوَجْهِ الْأَمْرِ أَيَّ مَضْيَقِ وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ } 16 127 . وَقَالَ رُؤْبَة أَيْضًا : وَشَفَّهَا اللَّوْح بِمَأْزُولٍ ضَيَقْ بِمَعْنَى : ضَيْق . وَحُكِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الضَّيِّق بِالْكَسْرِ : فِي الْمَعَاش وَالْمَوْضِع , وَفِي الْأَمْر الضَّيْق . وَفِي هَذِهِ الْآيَة أَبْيَن الْبَيَان لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهَا عَنْ أَنَّ السَّبَب الَّذِي بِهِ تُوُصِّلَ إِلَى الْإِيمَان وَالطَّاعَة غَيْرُ السَّبَب الَّذِي بِهِ تُوُصِّلَ إِلَى الْكُفْر وَالْمَعْصِيَة , وَأَنَّ كِلَا السَّبَبَيْنِ مِنْ عِنْد اللَّه ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسه أَنَّهُ يَشْرَحُ صَدْر مَنْ أَرَادَ هِدَايَته لِلْإِسْلَامِ , وَيَجْعَل صَدْر مَنْ أَرَادَ إِضْلَاله ضَيِّقًا عَنْ الْإِسْلَام حَرَجًا , كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء . وَمَعْلُوم أَنَّ شَرْح الصَّدْر لِلْإِيمَانِ خِلَاف تَضْيِيقه لَهُ , وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ تُوُصِّلَ بِتَضْيِيقِ الصَّدْر عَنْ الْإِيمَان إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بَيْن تَضْيِيقه عَنْهُ وَبَيْن شَرْحه لَهُ فَرْق , وَلَكَانَ مَنْ ضُيِّقَ صَدْره عَنْ الْإِيمَان قَدْ شُرِحَ صَدْره لَهُ وَمَنْ شُرِحَ صَدْره لَهُ فَقَدْ ضُيِّقَ عَنْهُ , إِذْ كُنَّ مَوْصُولًا بِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا , أَعْنِي مِنْ التَّضْيِيق وَالشَّرْح إِلَى مَا يُوصَل بِهِ إِلَى الْآخَر . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَجَبَ أَنْ يَكُون اللَّه قَدْ كَانَ شَرَحَ صَدْر أَبِي جَهْل لِلْإِيمَانِ بِهِ وَضَيَّقَ صَدْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ ; وَهَذَا الْقَوْل مِنْ أَعْظَم الْكُفْر بِاَللَّهِ . وَفِي فَسَاد ذَلِكَ أَنْ يَكُون كَذَلِكَ الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ السَّبَب الَّذِي بِهِ آمَنَ الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرُسُله وَأَطَاعَهُ الْمُطِيعُونَ , غَيْر السَّبَب الَّذِي كَفَرَ بِهِ الْكَافِرُونَ بِاَللَّهِ وَعَصَاهُ الْعَاصُونَ , وَأَنَّ كِلَا السَّبَبَيْنِ مِنْ عِنْد اللَّه وَبِيَدِهِ , لِأَنَّهُ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَشْرَحُ صَدْر هَذَا الْمُؤْمِن بِهِ لِلْإِيمَانِ إِذَا أَرَادَ هِدَايَته , وَيُضَيِّق صَدْر هَذَا الْكَافِر عَنْهُ إِذَا أَرَادَ إِضْلَاله .

كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء } وَهَذَا مَثَل مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ ضَرَبَهُ لِقَلْبِ هَذَا الْكَافِر فِي شِدَّة تَضْيِيقه إِيَّاهُ عَنْ وُصُوله إِلَيْهِ , مِثْل اِمْتِنَاعه مِنْ الصُّعُود إِلَى السَّمَاء وَعَجْزه عَنْهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10798 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء } يَقُول : مَثَله كَمَثَلِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَصْعَد فِي السَّمَاء . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , مِثْله . 10799 - وَبِهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج قِرَاءَة : يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا بِـ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , حَتَّى لَا يَسْتَطِيع أَنْ تَدْخُلَهُ , كَأَنَّمَا يَصْعَد فِي السَّمَاء مِنْ شِدَّة ذَلِكَ عَلَيْهِ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , مِثْله . 10800 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء } مِنْ ضِيق صَدْره . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْعِرَاق : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد } بِمَعْنَى : يَتَصَعَّد , فَأَدْغَمُوا التَّاء فِي الصَّاد , فَلِذَلِكَ شَدَّدُوا الصَّاد . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : " يَصَّاعَد " بِمَعْنَى : يَتَصَاعَد , فَأَدْغَمَ التَّاء فِي الصَّاد وَجَعَلَهَا صَادًا مُشَدَّدَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَكِّيِّينَ : " كَأَنَّمَا يَصْعَد " مِنْ صَعِدَ يَصْعَد . وَكُلّ هَذِهِ الْقِرَاءَات مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي وَبِأَيِّهَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب , غَيْر أَنِّي أَخْتَار الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد } بِتَشْدِيدِ الصَّاد بِغَيْرِ أَلِف , بِمَعْنَى : يَتَصَعَّد , لِكَثْرَةِ الْقُرَّاء بِهَا , وَلِقِيلِ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : " مَا تَصَّعَّدَنِي شَيْء مَا تَصَعَّدَتْنِي خُطْبَةُ النِّكَاح " .

كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ يَجْعَل اللَّه الرِّجْس عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : كَمَا يَجْعَل اللَّه صَدْر مَنْ أَرَادَ إِضْلَاله ضَيِّقًا حَرَجًا , كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء مِنْ ضِيقه عَنْ الْإِيمَان , فَيَجْزِيه بِذَلِكَ , كَذَلِكَ يُسَلِّط اللَّه الشَّيْطَان عَلَيْهِ وَعَلَى أَمْثَاله مِمَّنْ أَبَى الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , فَيُغْوِيه وَيَصُدّهُ عَنْ سَبِيل الْحَقّ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الرِّجْس , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ كُلّ مَا لَا خَيْر فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10801 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الرِّجْس : مَا لَا خَيْر فِيهِ . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَحِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَجْعَل اللَّه الرِّجْس عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : مَا لَا خَيْر فِيهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : الرِّجْس : الْعَذَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10802 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { كَذَلِكَ يَجْعَل اللَّه الرِّجْس عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : الرِّجْس : عَذَاب اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : الرِّجْس : الشَّيْطَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10803 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { الرِّجْس } قَالَ : الشَّيْطَان . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة بِلُغَاتِ الْعَرَب مِنْ الْكُوفِيِّينَ يَقُول : الرِّجْس وَالنِّجْس لُغَتَانِ . وَيُحْكَى عَنْ الْعَرَب أَنَّهَا تَقُول : مَا كَانَ رِجْسًا , وَلَقَدْ رَجُسَ رَجَاسَة , وَنَجُسَ نَجَاسَة . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ يَقُول : الرِّجْس وَالرِّجْز سَوَاء , وَهُمَا الْعَذَاب . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عِنْدِي مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس , وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الرِّجْس وَالنِّجْس وَاحِد , لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول إِذَا دَخَلَ الْخَلَاء : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ الرِّجْس النِّجْس الْخَبِيث الْمُخْبِث الشَّيْطَان الرَّجِيم " . 10804 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْبَخْتَرِيّ الطَّائِيّ , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة , عَنْ أَنَس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَر أَنَّ الرِّجْس هُوَ النِّجْس الْقَذِر الَّذِي لَا خَيْر فِيهِ , وَأَنَّهُ مِنْ صِفَة الشَّيْطَان .


تفسير القرطبي
ـــــــــــــــــــــــــ

فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ

أَيْ يُوَسِّعهُ لَهُ , وَيُوَفِّقهُ وَيُزَيِّن عِنْده ثَوَابه . وَيُقَال : شَرَحَ شَقَّ , وَأَصْله التَّوْسِعَة . وَشَرَحَ اللَّه صَدْره وَسِعَهُ بِالْبَيَانِ لِذَلِكَ . وَشَرَحْت الْأَمْر : بِنْته وَأَوْضَحْته . وَكَانَتْ قُرَيْش تَشْرَح النِّسَاء شَرْحًا , وَهُوَ مِمَّا تَقَدَّمَ : مِنْ التَّوْسِعَة وَالْبَسْط , وَهُوَ وَطْء الْمَرْأَة مُسْتَلْقِيَة عَلَى قَفَاهَا . فَالشَّرْح : الْكَشْف ; تَقُول : شَرَحْت الْغَامِض ; وَمِنْهُ تَشْرِيح اللَّحْم . قَالَ الرَّاجِز : كَمْ قَدْ أَكَلْت كَبِدًا وَإِنْفَحَة ثُمَّ اِدَّخَرْت إِلَيْهِ مُشَرَّحه وَالْقِطْعَة مِنْهُ شَرِيحَة . وَكُلّ سَمِين مِنْ اللَّحْم مُمْتَدّ فَهُوَ شَرِيحَة .
وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ

يُغْوِيه .

يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا

وَهَذَا رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة . وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة مِنْ السُّنَّة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( مَنْ يُرِدْ اللَّه بِهِ خَيْرًا يُفَقِّههُ فِي الدِّين ) أَخْرَجَهُ الصَّحِيحَانِ . وَلَا يَكُون ذَلِكَ إِلَّا بِشَرْحِ الصَّدْر وَتَنْوِيره . وَالدِّين الْعِبَادَات ; كَمَا قَالَ : " إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام " [ آل عِمْرَان : 19 ] . وَدَلِيل خِطَابه أَنَّ مَنْ لَمْ يُرِدْ اللَّه بِهِ خَيْرًا ضَيَّقَ صَدْره , وَأَبْعَدَ فَهْمه فَلَمْ يُفَقِّههُ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَرُوِيَ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : يَا رَسُول اللَّه , وَهَلْ يَنْشَرِح الصَّدْر ؟ فَقَالَ : ( نَعَمْ يَدْخُل الْقَلْب نُور ) فَقَالَ : وَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ عَلَامَة ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( التَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُور وَالْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل نُزُول الْمَوْت ) . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " ضَيْقًا " بِالتَّخْفِيفِ ; مِثْل هَيْن وَلَيْن لُغَتَانِ . وَنَافِع وَأَبُو بَكْر " حَرِجًا " بِالْكَسْرِ , وَمَعْنَاهُ الضِّيق . كَرَّرَ الْمَعْنَى , وَحَسُنَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظ . وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ . جَمْع حَرَجَة ; وَهُوَ شِدَّة الضِّيق أَيْضًا , وَالْحَرَجَة الْغَيْضَة ; وَالْجَمْع حَرَج وَحَرَجَات . وَمِنْهُ فُلَان يَتَحَرَّج أَيْ يُضَيِّق عَلَى نَفْسه فِي تَرْكه هَوَاهُ لِلْمَعَاصِي ; قَالَهُ الْهَرَوِيّ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْحَرَج مَوْضِع الشَّجَر الْمُلْتَفّ ; فَكَأَنَّ قَلْب الْكَافِر لَا تَصِل إِلَيْهِ الْحِكْمَة كَمَا لَا تَصِل الرَّاعِيَة إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي اِلْتَفَّ شَجَره . وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هَذَا الْمَعْنَى ; ذَكَرَهُ مَكِّيّ وَالثَّعْلَبِيّ وَغَيْرهمَا . وَكُلّ ضَيِّق حَرِج وَحَرَج . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : مَكَان حَرِج وَحَرَج أَيْ ضَيِّق كَثِير الشَّجَر لَا تَصِل إِلَيْهِ الرَّاعِيَة . وَقُرِئَ " يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا " و " حَرِجًا " . وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَحَد وَالْوَحِد وَالْفَرَد وَالْفَرِد وَالدَّنَف وَالدَّنِف ; فِي مَعْنًى وَاحِد , وَحَكَاهُ غَيْره عَنْ الْفَرَّاء . وَقَدْ حَرِجَ صَدْره يَحْرَج حَرَجًا . وَالْحَرَج الْإِثْم . وَالْحَرَج أَيْضًا : النَّاقَة الضَّامِرَة . وَيُقَال : الطَّوِيلَة عَلَى وَجْه الْأَرْض ; عَنْ أَبِي زَيْد , فَهُوَ لَفْظ مُشْتَرَك . وَالْحَرَج : خَشَب يَشُدّ بَعْضه إِلَى بَعْض يُحْمَل فِيهِ الْمَوْتَى ; عَنْ الْأَصْمَعِيّ . وَهُوَ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : فَإِمَّا تَرَيْنِي فِي رِحَالَة جَابِر عَلَى حَرَج كَالْقَرِّ تَخْفُق أَكْفَانِي وَرُبَّمَا وُضِعَ فَوْق نَعْش النِّسَاء ; قَالَ عَنْتَرَة يَصِف ظَلِيمًا : يَتْبَعْنَ قُلَّة رَأْسه وَكَأَنَّهُ حَرَج عَلَى نَعْش لَهُنَّ مُخَيَّم وَقَالَ الزَّجَّاج : الْحَرَج : أَضْيَق الضِّيق . فَإِذَا قِيلَ . فُلَان حَرَج الصَّدْر , فَالْمَعْنَى ذُو حَرَج فِي صَدْره . فَإِذَا قِيلَ : حَرَج فَهُوَ فَاعِل . قَالَ النَّحَّاس : حَرَج اِسْم الْفَاعِل , وَحَرَج مَصْدَر وُصِفَ بِهِ ; كَمَا يُقَال : رَجُل عَدْل وَرِضًا .

كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ

قَرَأَهُ اِبْن كَثِير بِإِسْكَانِ الصَّاد مُخَفَّفًا , مِنْ الصُّعُود هُوَ الطُّلُوع . شَبَّهَ اللَّه الْكَافِر فِي نُفُوره مِنْ الْإِيمَان وَثِقَله عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكَلَّفَ مَا لَا يُطِيقهُ ; كَمَا أَنَّ صُعُود السَّمَاء لَا يُطَاق . وَكَذَلِكَ يَصَّاعَد وَأَصْله يَتَصَاعَد , أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الصَّاد , وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي بَكْر وَالنَّخَعِيّ ; إِلَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى فِعْل شَيْء بَعْد شَيْء , وَذَلِكَ أَثْقَل عَلَى فَاعِله . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ غَيْر أَلِف , وَهُوَ كَاَلَّذِي قَبْله . مَعْنَاهُ يَتَكَلَّف مَا لَا يُطِيق شَيْئًا بَعْد شَيْء ; كَقَوْلِك : يَتَجَرَّع وَيَتَفَوَّق . وَرُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ قَرَأَ " كَأَنَّمَا يَتَصَعَّد " . قَالَ النَّحَّاس : وَمَعْنَى هَذِهِ الْقِرَاءَة وَقِرَاءَة مَنْ قَرَأَ يَصَّعَّد وَيَصَّاعَد وَاحِد . وَالْمَعْنَى فِيهِمَا أَنَّ الْكَافِر مِنْ ضِيق صَدْره كَأَنَّهُ يُرِيد أَنْ يَصْعَد إِلَى السَّمَاء وَهُوَ لَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ ; فَكَأَنَّهُ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى كَادَ قَلْبه يَصْعَد إِلَى السَّمَاء نَبْوًا عَنْ الْإِسْلَام .

كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ

عَلَيْهِمْ ; كَجَعْلِهِ ضِيق الصَّدْر فِي أَجْسَادهمْ . وَأَصْل الرِّجْس فِي اللُّغَة النَّتْن . قَالَ اِبْن زَيْد : هُوَ الْعَذَاب . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الرِّجْس هُوَ الشَّيْطَان ; أَيْ يُسَلِّطهُ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ مُجَاهِد : الرِّجْس مَا لَا خَيْر فِيهِ . وَكَذَلِكَ الرِّجْس عِنْد أَهْل اللُّغَة هُوَ النَّتْن . فَمَعْنَى الْآيَة وَاَللَّه أَعْلَم : وَيَجْعَل اللَّعْنَة فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَاب فِي الْآخِرَة .

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 20, 2005 11:56 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Arial]قال تعالى:

"إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌمبين"


المائدة (110)

تفسير الجلالين
ـــــــــــــــــــــــــ

اُذْكُرْ "إذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك" بِشُكْرِهَا "إذْ أَيَّدْتُك" قَوَّيْتُك "بِرُوحِ الْقُدُس" جِبْرِيل "تُكَلِّم النَّاس" حَال مِنْ الْكَاف فِي أَيَّدْتُك "فِي الْمَهْد" أَيْ طِفْلًا "وَكَهْلًا" يُفِيد نُزُوله قَبْل السَّاعَة لِأَنَّهُ رُفِعَ قَبْل الْكُهُولَة كَمَا سَبَقَ فِي آل عِمْرَان "وَإِذْ عَلَّمْتُك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَإِذْ تَخْلُق مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ" كَصُورَةِ "الطَّيْر" وَالْكَاف اسْم بِمَعْنَى مِثْل مَفْعُول "بِإِذْنِي فَتَنْفُخ فِيهَا فَتَكُون طَيْرًا بِإِذْنِي" بِإِرَادَتِي "وَتُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِج الْمَوْتَى" مِنْ قُبُورهمْ أَحْيَاء "بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْت بَنِي إسْرَائِيل عَنْك" حِين هَمُّوا بِقَتْلِك "إذْ جِئْتهمْ بِالْبَيِّنَاتِ" الْمُعْجِزَات "فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إنْ" مَا "هَذَا" الَّذِي جِئْت بِهِ "إلَّا سِحْر مُبِين" وَفِي قِرَاءَة سَاحِر أَيْ عِيسَى



تفسير الطبري
ـــــــــــــــــــــــــ

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ

تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إِذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِعِبَادِهِ : اِحْذَرُوا يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول لَهُمْ : مَاذَا أَجَابَتْكُمْ أُمَمكُمْ فِي الدُّنْيَا { إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إِذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } فَ " إِذْ " مِنْ صِلَة " أُجِبْتُمْ " , كَأَنَّ مَعْنَاهَا : مَاذَا أَجَابَتْ عِيسَى الْأُمَم الَّتِي أُرْسِلَ إِلَيْهَا عِيسَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ سُئِلَتْ الرُّسُل عَنْ إِجَابَة الْأُمَم إِيَّاهَا فِي عَهْد عِيسَى , وَلَمْ يَكُنْ فِي عَهْد عِيسَى مِنْ الرُّسُل إِلَّا أَقَلّ ذَلِكَ ؟ قِيلَ : جَائِز أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى عَنَى بِقَوْلِهِ : فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ الرُّسُل الَّذِينَ كَانُوا أُرْسِلُوا فِي عَهْد عِيسَى . فَخَرَجَ الْخَبَر مَخْرَج الْجَمِيع , وَالْمُرَاد مِنْهُمْ مَنْ كَانَ فِي عَهْد عِيسَى , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } وَالْمُرَاد : وَاحِد مِنْ النَّاس , وَإِنْ كَانَ مَخْرَج الْكَلَام عَلَى جَمِيع النَّاس . وَمَعْنَى الْكَلَام : { إِذْ قَالَ اللَّه } حِين قَالَ { يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إِذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } يَقُول : يَا عِيسَى , اُذْكُرْ أَيَادِيَّ عِنْدك وَعِنْد وَالِدَتك , إِذْ قَوَّيْتُك بِرُوحِ الْقُدُس وَأَعَنْتُك بِهِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي أَيَّدْتُك مَا هُوَ مِنْ الْفِعْل , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ فَعَّلْتُك , كَمَا فِي قَوْلك : قَوَّيْتُك فَعَّلْت مِنْ الْقُوَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ فَاعَلْتُك مِنْ الْأَيْد . وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَرَأَ : " إِذْ أَيَّدْتُك " بِمَعْنَى : أَفْعَلْتُك مِنْ الْقُوَّة وَالْأَيْد . وَقَوْله : { بِرُوحِ الْقُدُس } يَعْنِي بِجِبْرِيل , يَقُول : إِذْ أَعَنْتُك بِجِبْرِيل . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى ذَلِكَ وَمَا مَعْنَى الْقُدُس فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيله لِعِيسَى : { اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إِذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } فِي حَال تَكْلِيمك النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا . وَإِنَّمَا هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ أَيَّدَهُ بِرُوحِ الْقُدُس صَغِيرًا فِي الْمَهْد وَكَهْلًا كَبِيرًا , فَرَدَّ " الْكَهْل " عَلَى قَوْله فِي " الْمَهْد " ; لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : صَغِيرًا , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا }

وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ

وَقَوْله : {وَإِذْ عَلَّمْتُك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } يَقُول : وَاذْكُرْ أَيْضًا نِعْمَتِي عَلَيْك إِذْ عَلَّمْتُك الْكِتَاب : وَهُوَ الْخَطّ , وَالْحِكْمَة : وَهِيَ الْفَهْم بِمَعَانِي الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك وَهُوَ الْإِنْجِيل .

وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى

{ وَإِذْ تَخْلُق مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر } يَقُول : كَصُورَةِ الطَّيْر , { بِإِذْنِي } ; يَعْنِي بِقَوْلِهِ { تَخْلُق } تَعْمَل وَتُصْلِح مِنْ الطِّين , { كَهَيْئَةِ الطَّيْر بِإِذْنِي } يَقُول : بِعَوْنِي عَلَى ذَلِكَ وَعِلْم مِنِّي . { فَتَنْفُخ فِيهَا } يَقُول : فَتَنْفُخ فِي الْهَيْئَة , فَتَكُون الْهَيْئَة وَالصُّورَة { طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئ الْأَكْمَه } يَقُول : وَتَشْفِي الْأَكْمَه : وَهُوَ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِر شَيْئًا الْمَطْمُوس الْبَصَر , { وَالْأَبْرَص بِإِذْنِي } وَقَدْ بَيَّنْت مَعَانِي هَذِهِ الْحُرُوف فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا مُفَسَّرًا بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ

وَقَوْله { وَإِذْ كَفَفْت بَنِي إِسْرَائِيل عَنْك إِذْ جِئْتهمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول : وَاذْكُرْ أَيْضًا نِعْمَتِي عَلَيْك , بِكَفِّي عَنْك بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ كَفَفْتهمْ عَنْك وَقَدْ هَمُّوا بِقَتْلِك , { إِذْ جِئْتهمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول : إِذْ جِئْتهمْ بِالْأَدِلَّةِ وَالْأَعْلَام الْمُعْجِزَة عَلَى نُبُوَّتك وَحَقِّيَّة مَا أَرْسَلْتُك بِهِ إِلَيْهِمْ .

بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَقَالَ الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتك وَكَذَّبُوك مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } يَعْنِي : يُبَيِّن عَمَّا أَتَى بِهِ لِمَنْ رَآهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ أَنَّهُ سِحْر لَا حَقِيقَة لَهُ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : " إِنْ هَذَا إِلَّا سَاحِر مُبِين " بِمَعْنَى : مَا هَذَا , يَعْنِي بِهِ عِيسَى , إِلَّا سَاحِر مُبِين , يَقُول : يُبَيِّن بِأَفْعَالِهِ وَمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور الْعَجِيبَة عَنْ نَفْسه أَنَّهُ سَاحِر لَا نَبِيّ صَادِق . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى مُتَّفِقَتَانِ غَيْر مُخْتَلِفَتَيْنِ , وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِفِعْلِ السِّحْر فَهُوَ مَوْصُوف بِأَنَّهُ سَاحِر , وَمَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ سَاحِر فَإِنَّهُ مَوْصُوف بِفِعْلِ السِّحْر , فَالْفِعْل دَالّ عَلَى فَاعِله وَالصِّفَة تَدُلّ عَلَى مَوْصُوفهَا , وَالْمَوْصُوف يَدُلّ عَلَى صِفَته وَالْفَاعِل يَدُلّ عَلَى فِعْله ; فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيبٌ الصَّوَاب فِي قِرَاءَته




تفسير القرطبي
ــــــــــــــــــــــ
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى

هَذَا مِنْ صِفَة يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ قَالَ : اُذْكُرْ يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل وَإِذْ يَقُول اللَّه لِعِيسَى كَذَا ; قَالَهُ الْمَهْدَوِيّ . و " عِيسَى " يَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى أَنْ يَكُون " اِبْن مَرْيَم " نِدَاء ثَانِيًا , وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهُ نِدَاء مَنْصُوب كَمَا قَالَ : يَا حَكَمَ بْنَ الْمُنْذِر بْن الْجَارُود وَلَا يَجُوز الرَّفْع فِي الثَّانِي إِذَا كَانَ مُضَافًا إِلَّا عِنْد الطُّوَال . قَوْله تَعَالَى : " اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك " إِنَّمَا ذَكَّرَ اللَّه تَعَالَى عِيسَى نِعْمَته عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَته وَإِنْ كَانَ لَهُمَا ذَاكِرًا لِأَمْرَيْنِ : أَحَدهمَا : لِيَتْلُوَ عَلَى الْأُمَم مَا خَصَّهُمَا بِهِ مِنْ الْكَرَامَة , وَمَيَّزَهُمَا بِهِ مِنْ عُلُوّ الْمَنْزِلَة . الثَّانِي : لِيُؤَكِّد بِهِ حُجَّته , وَيَرُدّ بِهِ جَاحِده .

وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ

ثُمَّ أَخَذَ فِي تَعْدِيد نِعَمه فَقَالَ : " إِذْ أَيَّدْتُك " يَعْنِي قَوَّيْتُك ; مَأْخُوذ مِنْ الْأَيْد وَهُوَ الْقُوَّة , وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَفِي " رُوح الْقُدُس " وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهَا الرُّوح الطَّاهِرَة الَّتِي خَصَّهُ اللَّه بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْله " وَرُوح مِنْهُ " [ النِّسَاء : 171 ] الثَّانِي : أَنَّهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ الْأَصَحّ , كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " .

الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ

يَعْنِي وَتُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد صَبِيًّا , وَفِي الْكُهُولَة نَبِيًّا , وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي هَذَا فِي [ آل عِمْرَان ] فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ .

وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ

قَالَ اِبْن جُرَيْج : الْكِتَاب الْكِتَابَة وَالْخَطّ , وَقِيلَ : هُوَ كِتَاب غَيْر التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل عَلَّمَهُ اللَّه عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام .

وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا

قَرَأَ الْأَعْرَج وَأَبُو جَعْفَر " كَهَيِّئَةِ " بِالتَّشْدِيدِ . الْبَاقُونَ بِالْهَمْزِ . وَالطَّيْر يُذَكَّر وَيُؤَنَّث . " فَتَنْفُخ فِيهَا " أَيْ فِي الْوَاحِد مِنْهُ أَوْ مِنْهَا أَوْ فِي الطِّين فَيَكُون طَائِرًا , وَطَائِر وَطَيْر مِثْل تَاجِر وَتَجْر . قَالَ وَهْب : كَانَ يَطِير مَا دَامَ النَّاس يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَإِذَا غَابَ عَنْ أَعْيُنهمْ سَقَطَ مَيِّتًا لِيَتَمَيَّز فِعْل الْخَلْق مِنْ فِعْل اللَّه تَعَالَى , وَقِيلَ : لَمْ يَخْلُق غَيْر الْخُفَّاش لِأَنَّهُ أَكْمَل الطَّيْر خَلْقًا لِيَكُونَ أَبْلَغ فِي الْقُدْرَة لِأَنَّ لَهَا ثَدْيًا وَأَسْنَانًا وَأُذُنًا , وَهِيَ تَحِيض وَتَطْهُر وَتَلِد . وَيُقَال : إِنَّمَا طَلَبُوا خَلْق خُفَّاش لِأَنَّهُ أَعْجَب مِنْ سَائِر الْخَلْق ; وَمِنْ عَجَائِبه أَنَّهُ لَحْم وَدَم يَطِير بِغَيْرِ رِيش وَيَلِد كَمَا يَلِد الْحَيَوَان وَلَا يَبِيض كَمَا يَبِيض سَائِر الطُّيُور , فَيَكُون لَهُ الضَّرْع يَخْرُج مِنْهُ اللَّبَن , وَلَا يُبْصِر فِي ضَوْء النَّهَار وَلَا فِي ظُلْمَة اللَّيْل , وَإِنَّمَا يَرَى فِي سَاعَتَيْنِ : بَعْد غُرُوب الشَّمْس سَاعَة وَبَعْد طُلُوع الْفَجْر سَاعَة قَبْل أَنْ يُسْفِر جِدًّا , وَيَضْحَك كَمَا يَضْحَك الْإِنْسَان , وَيَحِيض كَمَا تَحِيض الْمَرْأَة , وَيُقَال : إِنَّ سُؤَالهمْ كَانَ لَهُ عَلَى وَجْه التَّعَنُّت فَقَالُوا : اُخْلُقْ لَنَا خُفَّاشًا وَاجْعَلْ فِيهِ رُوحًا إِنْ كُنْت صَادِقًا فِي مَقَالَتك ; فَأَخَذَ طِينًا وَجَعَلَ مِنْهُ خُفَّاشًا ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ فَإِذَا هُوَ يَطِير بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض ; وَكَانَ تَسْوِيَة الطِّين وَالنَّفْخ مِنْ عِيسَى وَالْخَلْق مِنْ اللَّه , كَمَا أَنَّ النَّفْخ مِنْ جِبْرِيل وَالْخَلْق مِنْ اللَّه .

بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى

الْأَكْمَه : الَّذِي يُولَد أَعْمَى ; عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة قَالَ : هُوَ الَّذِي يُولَد أَعْمَى ; وَأَنْشَدَ لِرُؤْبَةَ : فَارْتَدَّ اِرْتِدَاد الْأَكْمَه وَقَالَ اِبْن فَارِس : الْكَمَه الْعَمَى يُولَد بِهِ الْإِنْسَان وَقَدْ يَعْرِض . قَالَ سُوَيْد : كَمِهَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى اِبْيَضَّتَا مُجَاهِد : هُوَ الَّذِي يُبْصِر بِالنَّهَارِ وَلَا يُبْصِر بِاللَّيْلِ . عِكْرِمَة : هُوَ الْأَعْمَش , وَلَكِنَّهُ فِي اللُّغَة الْعَمَى ; يُقَال كَمِهَ كَمَهًا وَكَمَّهْتهَا أَنَا إِذَا أَعْمَيْتهَا , وَالْبَرَص مَعْرُوف وَهُوَ بَيَاض يَعْتَرِي الْجِلْد , وَالْأَبْرَص الْقَمَر , وَسَامّ أَبْرَص مَعْرُوف , وَيُجْمَع عَلَى الْأَبَارِص , وَخُصَّ هَذَانِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا عَيَاءَانِ , وَكَانَ الْغَالِب عَلَى زَمَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام الطِّبّ فَأَرَاهُمْ اللَّه الْمُعْجِزَة مِنْ جِنْس ذَلِكَ . " وَتُخْرِج الْمَوْتَى بِإِذْنِي " قِيلَ : أَحْيَا أَرْبَعَة أَنْفُس : الْعَاذِر : وَكَانَ صِدِّيقًا لَهُ , وَابْن الْعَجُوز وَابْنَة الْعَاشِر وَسَام بْن نُوح ; فَاَللَّه أَعْلَم . فَأَمَّا الْعَاذِر فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ قَبْل ذَلِكَ بِأَيَّامٍ فَدَعَا اللَّه فَقَامَ بِإِذْنِ اللَّه وَوَدَكه يَقْطُر فَعَاشَ وَوُلِدَ لَهُ , وَأَمَّا اِبْن الْعَجُوز فَإِنَّهُ مَرَّ بِهِ يُحْمَل عَلَى سَرِيره فَدَعَا اللَّه فَقَامَ وَلَبِسَ ثِيَابه وَحَمَلَ السَّرِير عَلَى عُنُقه وَرَجَعَ إِلَى أَهْله , وَأَمَّا بِنْت الْعَاشِر فَكَانَ أَتَى عَلَيْهَا لَيْلَة فَدَعَا اللَّه فَعَاشَتْ بَعْد ذَلِكَ وَوُلِدَ لَهَا ; فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا : إِنَّك تُحْيِي مَنْ كَانَ مَوْته قَرِيبًا فَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَمُوتُوا فَأَصَابَتْهُمْ سَكْتَة فَأَحْيِ لَنَا سَام بْن نُوح . فَقَالَ لَهُمْ : دُلُّونِي عَلَى قَبْره , فَخَرَجَ وَخَرَجَ الْقَوْم مَعَهُ , حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى قَبْره فَدَعَا اللَّه فَخَرَجَ مِنْ قَبْره وَقَدْ شَابَ رَأْسه . فَقَالَ لَهُ عِيسَى : كَيْفَ شَابَ رَأْسك وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانكُمْ شَيْب ؟ فَقَالَ : يَا رُوح اللَّه , إِنَّك دَعَوْتنِي فَسَمِعْت صَوْتًا يَقُول : أَجِبْ رُوح اللَّه , فَظَنَنْت أَنَّ الْقِيَامَة قَدْ قَامَتْ , فَمِنْ هَوْل ذَلِكَ شَابَ رَأْسِي . فَسَأَلَ عَنْ النَّزْع فَقَالَ : يَا رُوح اللَّه إِنَّ مَرَارَة النَّزْع لَمْ تَذْهَب عَنْ حَنْجَرَتِي ; وَقَدْ كَانَ مِنْ وَقْت مَوْته أَكْثَر مِنْ أَرْبَعَة آلَاف سَنَة , فَقَالَ لِلْقَوْمِ : صَدِّقُوهُ فَإِنَّهُ نَبِيّ ; فَآمَنَ بِهِ بَعْضهمْ وَكَذَّبَهُ بَعْضهمْ وَقَالُوا : هَذَا سِحْر , وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن طَلْحَة عَنْ رَجُل أَنَّ عِيسَى ابْن مَرْيَم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأ فِي الْأُولَى : " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْك " [ الْمُلْك : 1 ] , وَفِي الثَّانِيَة " تَنْزِيل " [ السَّجْدَة : 2 ] فَإِذَا فَرَغَ حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَا بِسَبْعَةِ أَسْمَاء : يَا قَدِيم يَا خَفِيّ يَا دَائِم يَا فَرْد يَا وِتْر يَا أَحَد يَا صَمَد ; ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ : لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيِّ .

بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ

" كَفَفْت " مَعْنَاهُ دَفَعْت وَصَرَفْت " بَنِي إِسْرَائِيل عَنْك " حِين هَمُّوا بِقَتْلِك " إِذْ جِئْتُمْ بِالْبَيِّنَاتِ " أَيْ الدَّلَالَات وَالْمُعْجِزَات , وَهِيَ الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة .

بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا

يَعْنِي الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِك وَجَحَدُوا نُبُوَّتك .

مِنْهُمْ إِنْ

أَيْ الْمُعْجِزَات

هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مبين

وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " سَاحِر " أَيْ إِنْ هَذَا الرَّجُل إِلَّا سَاحِر قَوِيّ عَلَى السِّحر
ر
.[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 24, 2005 1:38 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[center][table=width:100%;background-color:transparent;background-image:url(backgrounds/16.gif);border:3 solid green;][cell=filter:;][align=center]قال تبارك وتعالى:

"قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ

البقرة(144)

تفسير الجلالين
ــــــــــــــــــــــــــ

قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ


تفسيرالطبري
ـــــــــــــــــــــــــ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَة تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : قَدْ نَرَى يَا مُحَمَّد نَحْنُ تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء . وَيَعْنِي بِالتَّقَلُّبِ : التَّحَوُّل وَالتَّصَرُّف . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فِي السَّمَاء } نَحْو السَّمَاء وَقِبَلهَا . وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَّغْنَا , لِأَنَّهُ كَانَ قَبْل تَحْوِيل قِبْلَته مِنْ بَيْت الْمَقْدِس إلَى الْكَعْبَة يَرْفَع بَصَره إلَى السَّمَاء يَنْتَظِر مِنْ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَهُ بِالتَّحْوِيلِ نَحْو الْكَعْبَة . كَمَا : 1844 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء } قَالَ : كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّب وَجْهه فِي السَّمَاء يُحِبّ أَنْ يَصْرِفهُ اللَّه عَزَّ وَجَلّ إلَى الْكَعْبَة حَتَّى صَرَفَهُ اللَّه إلَيْهَا . * حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء } فَكَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي نَحْو بَيْت الْمَقْدِس , يَهْوَى وَيَشْتَهِي الْقِبْلَة نَحْو الْبَيْت الْحَرَام , فَوَجَّهَهُ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ لِقِبْلَةِ كَانَ يَهْوَاهَا وَيَشْتَهِيهَا . 1845 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء } يَقُول نَظَرَك فِي السَّمَاء . وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّب وَجْهه فِي الصَّلَاة وَهُوَ يُصَلِّي نَحْو بَيْت الْمَقْدِس , وَكَانَ يَهْوَى قِبْلَة الْبَيْت الْحَرَام , فَوَلَّاهُ اللَّه قِبْلَة كَانَ يَهْوَاهَا . 1846 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ النَّاس يُصَلُّونَ قِبَل بَيْت الْمَقْدِس , فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة عَلَى رَأْس ثَمَانِيَة عَشَر شَهْرًا مِنْ مُهَاجِره , كَانَ إذَا صَلَّى رَفَعَ رَأْسه إلَى السَّمَاء يَنْظُر مَا يُؤْمَر , وَكَانَ يُصَلِّي قِبَل بَيْت الْمَقْدِس . فَنَسَخَتْهَا الْكَعْبَة . فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ أَنْ يُصَلِّي قِبَل الْكَعْبَة فَأَنْزَلَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء } الْآيَة ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله كَانَ يَهْوَى قِبْلَة الْكَعْبَة . قَالَ بَعْضهمْ : كَرِهَ قِبْلَة بَيْت الْمَقْدِس , مِنْ أَجْل أَنَّ الْيَهُود قَالُوا . يَتْبَع قِبْلَتنَا وَيُخَالِفنَا فِي دِيننَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1847 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَتْ الْيَهُود : يُخَالِفنَا مُحَمَّد , وَيَتْبَع قِبْلَتنَا ! فَكَانَ يَدْعُو اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ , وَيَسْتَفْرِضُ لِلْقِبْلَةِ , فَنَزَلَتْ : { قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَة تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } وَانْقَطَعَ قَوْل يَهُود : يُخَالِفنَا وَيَتْبَع قِبْلَتنَا ! فِي صَلَاة الظُّهْر . فَجَعَلَ الرِّجَال مَكَان النِّسَاء , وَالنِّسَاء مَكَان الرِّجَال . 1848 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ , أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْته , يَعْنِي ابْن زَيْد يَقُول : قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه } قَالَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَؤُلَاءِ قَوْم يَهُود يَسْتَقْبِلُونَ بَيْتًا مِنْ بُيُوت اللَّه " لِبَيْتِ الْمَقْدِس " وَلَوْ أَنَّا اسْتَقْبَلْنَاهُ " , فَاسْتَقْبَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّة عَشَر شَهْرًا , فَبَلَغَهُ أَنَّ يَهُود تَقُول . وَاَللَّه مَا دَرَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه أَيْنَ قِبْلَتهمْ حَتَّى هَدَيْنَاهُمْ . فَكَرِهَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَفَعَ وَجْهه إلَى السَّمَاء , فَقَالَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَة تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ يَهْوَى ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّهُ كَانَ قِبْلَة أَبِيهِ إبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1849 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَر إلَى الْمَدِينَة وَكَانَ أَكْثَر أَهْلهَا الْيَهُود أَمَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلّ أَنْ يَسْتَقْبِل بَيْت الْمَقْدِس , فَفَرِحَتْ الْيَهُود , فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّة عَشَر شَهْرًا فَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ قِبْلَة إبْرَاهِيم , فَكَانَ يَدْعُو وَيَنْظُر إلَى السَّمَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء } الْآيَة . فَأَمَّا قَوْله : { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَة تَرْضَاهَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَلَأَصْرِفَنك عَنْ بَيْت الْمَقْدِس إلَى قِبْلَة تَرْضَاهَا , تَهْوَاهَا وَتُحِبّهَا . وَأَمَّا قَوْله : { فَوَلِّ وَجْهك } يَعْنِي اصْرِفْ وَجْهك وَحَوِّلْهُ . وَقَوْله : { شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } يَعْنِي بِالشَّطْرِ : النَّحْو وَالْقَصْد وَالتِّلْقَاء , كَمَا قَالَ الْهُذَلِيّ : إنَّ الْعَسِير بِهَا دَاء مُخَامِرهَا فَشَطْرهَا نَظَر الْعَيْنَيْنِ مَحْسُور يَعْنِي بِقَوْلِهِ شَطْرهَا : نَحْوهَا . وَكَمَا قَالَ ابْن أَحْمَر : تَعْدُو بِنَا شَطْر جَمْع وَهِيَ عَاقِدَة قَدْ كَارَبَ الْعَقْد مِنْ إيفَادهَا الْحَقَبَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1850 - حَدَّثَنِي سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أُبَيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ ابْن أَبِي الْعَالِيَة : { شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } يَعْنِي تِلْقَاءَهُ . 1851 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ ابْن عَبَّاس : { شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } نَحْوه . 1852 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } نَحْوه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1853 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } أَيْ تِلْقَاء الْمَسْجِد الْحَرَام . * - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } قَالَ : نَحْو الْمَسْجِد الْحَرَام . 1854 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } أَيْ تِلْقَاءَهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : شَطْره : نَحْوه . 1855 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَمَّانِي , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء : { فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره } قَالَ : قِبَله . 1856 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { شَطْره } نَاحِيَته جَانِبه , قَالَ : وَجَوَانِبه : شُطُوره . ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَكَان الَّذِي أَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوَلِّي وَجْهه إلَيْهِ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام . فَقَالَ بَعْضهمْ : الْقِبْلَة الَّتِي حُوِّلَ إلَيْهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنَاهَا اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَة تَرْضَاهَا } حِيَال مِيزَاب الْكَعْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1857 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد , قَالَ : ثنا عُثْمَان , قَالَ : أنا شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء , عَنْ يَحْيَى بْن قمطة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَة تَرْضَاهَا } حِيَال مِيزَاب الْكَعْبَة . 1858 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء , عَنْ يَحْيَى بْن قمطة , قَالَ : رَأَيْت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو جَالِسًا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِإِزَاءِ الْمِيزَاب , وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَة تَرْضَاهَا } قَالَ : هَذِهِ الْقِبْلَة هِيَ هَذِهِ الْقِبْلَة . 1859 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو نَحْوه , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : اسْتَقْبَلَ الْمِيزَاب فَقَالَ : هَذَا الْقِبْلَة الَّتِي قَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ : { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَة تَرْضَاهَا } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ الْبَيْت كُلّه قِبْلَة , وَقِبْلَة الْبَيْت الْبَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1860 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , : الْبَيْت كُلّه قِبْلَة , وَهَذِهِ قِبْلَة الْبَيْت , يَعْنِي الَّتِي فِيهَا الْبَاب . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي مَا قَالَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } فَالْمُولِي وَجْهه شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام هُوَ الْمُصِيب الْقِبْلَة . وَإِنَّمَا عَلَى مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْهِ النِّيَّة بِقَلْبِهِ أَنَّهُ إلَيْهِ مُتَوَجِّه , كَمَا أَنَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَّ بِإِمَامِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الِائْتِمَام بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَاذِيًا بَدَنه بَدَنه , وَإِنْ كَانَ فِي طَرَف الصَّفّ وَالْإِمَام فِي طَرَف آخَر عَنْ يَمِينه أَوْ عَنْ يَسَاره , بَعْد أَنْ يَكُون مَنْ خَلْفه مُؤْتَمًّا بِهِ مُصَلِّيًا إلَى الْوَجْه الَّذِي يُصَلِّي إلَيْهِ الْإِمَام . فَكَذَلِكَ حُكْم الْقِبْلَة , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُحَاذِيهَا كُلّ مُصَلٍّ وَمُتَوَجِّه إلَيْهَا بِبَدَنِهِ غَيْر أَنَّهُ مُتَوَجِّه إلَيْهَا , فَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينهَا أَوْ عَنْ يَسَارهَا مُقَابِلهَا فَهُوَ مُسْتَقْبِلهَا بَعْد مَا بَيْنه وَبَيْنهَا , أَوْ قَرُبَ مِنْ عَنْ يَمِينهَا أَوْ عَنْ يَسَارهَا بَعْد أَنْ يَكُون غَيْر مُسْتَدْبِرهَا وَلَا مُنْحَرِف عَنْهَا بِبَدَنِهِ وَوَجْهه . كَمَا : 1861 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْرَائِيل عَنْ أَبِي إسْحَاق عَنْ عَمِيرَة بْن زِيَاد الْكِنْدِيّ , عَنْ عَلِيّ : { فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } قَالَ : شَطْره قِبَله قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقِبْلَة الْبَيْت : بَابه . كَمَا : 1862 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , وَالْفَضْل بْن الصَّبَاح , قَالَا : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء قَالَ : قَالَ أُسَامَة بْن زَيْد : رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين خَرَجَ مِنْ الْبَيْت أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إلَى الْبَاب فَقَالَ : " هَذِهِ الْقِبْلَة , هَذِهِ الْقِبْلَة " 1863 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد وَسُفْيَان بْن وَكِيع قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء , قَالَ : حَدَّثَنِي أُسَامَة بْن زَيْد , قَالَ : خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَيْت , فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بِوَجْهِهِ الْكَعْبَة , فَقَالَ : " هَذِهِ الْقِبْلَة " مَرَّتَيْنِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوه . 1864 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا أُبَيّ , قَالَ : ثنا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءِ : سَمِعْت ابْن عَبَّاس يَقُول : إنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالطَّوَافِ , وَلَمْ تُؤْمَرُوا بِدُخُولِهِ . قَالَ : لَمْ يَكُنْ يَنْهَى عَنْ دُخُوله , وَلَكِنِّي سَمِعْته يَقُول : أَخْبَرَنِي أُسَامَة بْن زَيْد أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْت دَعَا فِي نَوَاحِيه كُلّهَا , وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ , فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قِبَل الْقِبْلَة رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ : " هَذِهِ الْقِبْلَة " قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْبَيْت هُوَ الْقِبْلَة , وَأَنَّ قِبْلَة الْبَيْت بَابه .

وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره } يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : فَأَيْنَمَا كُنْتُمْ مِنْ الْأَرْض أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَحَوِّلُوا وُجُوهكُمْ فِي صَلَاتكُمْ نَحْو الْمَسْجِد الْحَرَام وَتِلْقَاءَهُ . وَالْهَاء الَّتِي فِي " شَطْره " عَائِدَة إلَى الْمَسْجِد الْحَرَام . فَأَوْجَبَ جَلّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرْض التَّوَجُّه نَحْو الْمَسْجِد الْحَرَام فِي صَلَاتهمْ حَيْثُ كَانُوا مِنْ أَرْض اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى . وَأُدْخِلَتْ الْفَاء فِي قَوْله : { فَوَلُّوا } جَوَابًا لِلْجَزَاءِ , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { حَيْثُمَا كُنْتُمْ } جَزَاء , وَمَعْنَاهُ : حَيْثُمَا تَكُونُوا فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره .

وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب أَحْبَار الْيَهُود وَعُلَمَاء النَّصَارَى . وَقَدْ قِيلَ إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الْيَهُود خَاصَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1865 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } أَنْزَلَ ذَلِكَ فِي الْيَهُود . وَقَوْله : { لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْأَحْبَار وَالْعُلَمَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب , يَعْلَمُونَ أَنَّ التَّوَجُّه نَحْو الْمَسْجِد الْحَقّ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلّ عَلَى إبْرَاهِيم وَذُرِّيَّته وَسَائِر عِبَاده بَعْده . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ رَبّهمْ } أَنَّهُ الْفَرْض الْوَاجِب عَلَى عِبَاد اللَّه تَعَالَى ذِكْره , وَهُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْد رَبّهمْ فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ .

وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا اللَّه بِغَافِلِ عَمَّا تَعْمَلُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَلَيْسَ اللَّه بِغَافِلِ عَمَّا تَعْمَلُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي اتِّبَاعكُمْ أَمْره وَانْتِهَائِكُمْ إلَى طَاعَته فِيمَا أَلْزَمَكُمْ مِنْ فَرَائِضه وَإِيمَانكُمْ بِهِ فِي صَلَاتكُمْ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ صَلَاتكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام , وَلَا هُوَ سَاهٍ عَنْهُ , وَلَكِنَّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ يُحْصِيه لَكُمْ وَيَدَّخِرهُ لَكُمْ عِنْده حَتَّى يُجَازِيكُمْ بِهِ أَحْسَن جَزَاء , وَيُثِيبكُمْ عَلَيْهِ أَفْضَل ثَوَاب .



تفسير القرطبي
ــــــــــــــــــــــــــ
قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا

قَالَ الْعُلَمَاء : هَذِهِ الْآيَة مُقَدَّمَة فِي النُّزُول عَلَى قَوْله تَعَالَى : " سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس " [ الْبَقَرَة : 142 ] . وَمَعْنَى " تَقَلُّب وَجْهك " : تَحَوُّل وَجْهك إِلَى السَّمَاء , قَالَهُ الطَّبَرِيّ . الزَّجَّاج : تَقَلُّب عَيْنَيْك فِي النَّظَر إِلَى السَّمَاء , وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَخَصَّ السَّمَاء بِالذِّكْرِ إِذْ هِيَ مُخْتَصَّة بِتَعْظِيمِ مَا أُضِيفَ إِلَيْهَا وَيَعُود مِنْهَا كَالْمَطَرِ وَالرَّحْمَة وَالْوَحْي . وَمَعْنَى " تَرْضَاهَا " تُحِبّهَا . قَالَ السُّدِّيّ : كَانَ إِذَا صَلَّى نَحْو بَيْت الْمَقْدِس رَفَعَ رَأْسه إِلَى السَّمَاء يَنْظُر مَا يُؤْمَر بِهِ , وَكَانَ يُحِبّ أَنْ يُصَلِّي إِلَى قِبَل الْكَعْبَة فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء " . وَرَوَى أَبُو إِسْحَاق عَنْ الْبَرَاء قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْو بَيْت الْمَقْدِس سِتَّة عَشَر شَهْرًا أَوْ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا , وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ أَنْ يُوَجَّه نَحْو الْكَعْبَة , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء " . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَالْقَوْل فِيهِ , وَالْحَمْد لِلَّهِ .

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ

" فَوَلِّ " أَمْر " وَجْهك شَطْر " أَيْ نَاحِيَة " الْمَسْجِد الْحَرَام " يَعْنِي الْكَعْبَة , وَلَا خِلَاف فِي هَذَا . قِيلَ : حِيَال الْبَيْت كُلّه , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ اِبْن عُمَر : حِيَال الْمِيزَاب مِنْ الْكَعْبَة , قَالَهُ اِبْن عَطِيَّة . وَالْمِيزَاب : هُوَ قِبْلَة الْمَدِينَة وَأَهْل الشَّام , وَهُنَاكَ قِبْلَة أَهْل الْأَنْدَلُس .

قُلْت : قَدْ رَوَى اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْبَيْت قِبْلَة لِأَهْلِ الْمَسْجِد وَالْمَسْجِد قِبْلَة لِأَهْلِ الْحَرَم وَالْحَرَم قِبْلَة لِأَهْلِ الْأَرْض فِي مَشَارِقهَا وَمَغَارِبهَا مِنْ أُمَّتِي ) .

" شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام " الشَّطْر لَهُ مَحَامِل : يَكُون النَّاحِيَة وَالْجِهَة , كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة , وَهُوَ ظَرْف مَكَان , كَمَا تَقُول : تِلْقَاءَهُ وَجِهَته . وَانْتَصَبَ الظَّرْف لِأَنَّهُ فَضْلَة بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُول [ بِهِ ] , وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفِعْل وَاقِع فِيهِ . وَقَالَ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد : إِنَّ فِي حَرْف اِبْن مَسْعُود " فَوَلِّ وَجْهك تِلْقَاء الْمَسْجِد الْحَرَام " . وَقَالَ الشَّاعِر : أَقُول لِأُمِّ زِنْبَاع أَقِيمِي صُدُور الْعِيس شَطْر بَنِي تَمِيم . وَقَالَ آخَر : وَقَدْ أَظَلَّكُمُ مِنْ شَطْر ثَغْركُمُ هَوْل لَهُ ظُلَم يَغْشَاكُمُ قِطَعَا وَقَالَ آخَر : أَلَا مَنْ مُبْلِغ عَمْرًا رَسُولًا وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَة شَطْر عَمْرو وَشَطْر الشَّيْء : نِصْفه , وَمِنْهُ الْحَدِيث : ( الطُّهُور شَطْر الْإِيمَان ) . وَيَكُون مِنْ الْأَضْدَاد , يُقَال : شَطَرَ إِلَى كَذَا إِذَا أَقْبَلَ نَحْوه , وَشَطَرَ عَنْ كَذَا إِذَا أُبْعِدَ مِنْهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ . فَأَمَّا الشَّاطِر مِنْ الرِّجَال فَلِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ فِي نَحْو غَيْر الِاسْتِوَاء , وَهُوَ الَّذِي أَعْيَا أَهْله خُبْثًا , وَقَدْ شَطَرَ وَشَطُرَ ( بِالضَّمِّ ) شَطَارَة فِيهِمَا وَسُئِلَ بَعْضهمْ عَنْ الشَّاطِر , فَقَالَ : هُوَ مَنْ أَخَذَ فِي الْبُعْد عَمَّا نَهَى اللَّه عَنْهُ .

لَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ الْكَعْبَة قِبْلَة فِي كُلّ أُفُق , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ شَاهَدَهَا وَعَايَنَهَا فُرِضَ عَلَيْهِ اِسْتِقْبَالهَا , وَأَنَّهُ إِنْ تَرَكَ اِسْتِقْبَالهَا وَهُوَ مُعَايِن لَهَا وَعَالِم بِجِهَتِهَا فَلَا صَلَاة لَهُ , وَعَلَيْهِ إِعَادَة كُلّ مَا صَلَّى ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر . وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كُلّ مَنْ غَابَ عَنْهَا أَنْ يَسْتَقْبِل نَاحِيَتهَا وَشَطْرهَا وَتِلْقَاءَهَا , فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَدِلّ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ مَا يُمْكِنهُ مِنْ النُّجُوم وَالرِّيَاح وَالْجِبَال وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى نَاحِيَتهَا . وَمَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَلْيَكُنْ وَجْهه إِلَى الْكَعْبَة وَيَنْظُر إِلَيْهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا , فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّ النَّظَر إِلَى الْكَعْبَة عِبَادَة , قَالَهُ عَطَاء وَمُجَاهِد .

وَاخْتَلَفُوا هَلْ فَرْض الْغَائِب اِسْتِقْبَال الْعَيْن أَوْ الْجِهَة , فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ ضَعِيف ; لِأَنَّهُ تَكْلِيف لِمَا لَا يَصِل إِلَيْهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْجِهَةِ , وَهُوَ الصَّحِيح لِثَلَاثَةِ أَوْجُه : الْأَوَّل : أَنَّهُ الْمُمْكِن الَّذِي يَرْتَبِط بِهِ التَّكْلِيف . الثَّانِي : أَنَّهُ الْمَأْمُور بِهِ فِي الْقُرْآن , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ " يَعْنِي مِنْ الْأَرْض مِنْ شَرْق أَوْ غَرْب " فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره " . الثَّالِث : أَنَّ الْعُلَمَاء اِحْتَجُّوا بِالصَّفِّ الطَّوِيل الَّذِي يُعْلَم قَطْعًا أَنَّهُ أَضْعَاف عَرْض الْبَيْت .

فِي هَذِهِ الْآيَة حُجَّة وَاضِحَة لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِك وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّ الْمُصَلِّي حُكْمه أَنْ يَنْظُر أَمَامه لَا إِلَى مَوْضِع سُجُوده . وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالْحَسَن بْن حَيّ . يُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون نَظَره إِلَى مَوْضِع سُجُوده . وَقَالَ شَرِيك الْقَاضِي : يَنْظُر فِي الْقِيَام إِلَى مَوْضِع السُّجُود , وَفِي الرُّكُوع إِلَى مَوْضِع قَدَمَيْهِ , وَفِي السُّجُود إِلَى مَوْضِع أَنْفه , وَفِي الْقُعُود إِلَى حِجْره . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّمَا يَنْظُر أَمَامه فَإِنَّهُ إِنْ حَنَى رَأْسه ذَهَبَ بَعْض الْقِيَام الْمُفْتَرَض عَلَيْهِ فِي الرَّأْس وَهُوَ أَشْرَف الْأَعْضَاء , وَإِنْ أَقَامَ رَأْسه وَتَكَلَّفَ النَّظَر بِبَصَرِهِ إِلَى الْأَرْض فَتِلْكَ مَشَقَّة عَظِيمَة وَحَرَج . وَمَا جَعَلَ عَلَيْنَا فِي الدِّين مِنْ حَرَج , أَمَّا إِنَّ ذَلِكَ أَفْضَل لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ .

وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ

يُرِيد الْيَهُود وَالنَّصَارَى

أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا

يَعْنِي تَحْوِيل الْقِبْلَة مِنْ بَيْت الْمَقْدِس . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ دِينهمْ وَلَا فِي كِتَابهمْ ؟ قِيلَ عَنْهُ جَوَابَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا مِنْ كِتَابهمْ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيّ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَقُول إِلَّا الْحَقّ وَلَا يَأْمُر إِلَّا بِهِ . الثَّانِي : أَنَّهُمْ عَلِمُوا مِنْ دِينهمْ جَوَاز النَّسْخ وَإِنْ جَحَدَهُ بَعْضهمْ , فَصَارُوا عَالِمِينَ بِجَوَازِ الْقِبْلَة .

اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ

وَعِيد وَإِعْلَام بِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُك أَمْرهُمْ سُدًى وَأَنَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالهمْ . وَالْغَافِل : الَّذِي لَا يَفْطَن لِلْأُمُورِ إِهْمَالًا مِنْهُ , مَأْخُوذ مِنْ الْأَرْض الْغُفْل وَهِيَ الَّتِي لَا عِلْم بِهَا وَلَا أَثَر عِمَارَة . وَنَاقَة غُفْل : لَا سِمَة بِهَا . وَرَجُل غُفْل : لَمْ يُجَرِّب الْأُمُور . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَرْض غُفْل لَمْ تُمْطِر . غَفَلْت عَنْ الشَّيْء غَفْلَة وَغُفُولًا , وَأَغْفَلْت الشَّيْء : تَرَكْته عَلَى ذِكْر مِنْك . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " تَعْمَلُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى مُخَاطَبَة أَهْل الْكِتَاب أَوْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ إِعْلَام بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُهْمِل أَعْمَال الْعِبَاد وَلَا يَغْفُل عَنْهَا , وَضَمَّنَهُ الْوَعِيد . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ مِنْ تَحْت .

[/align]
[/cell][/table][/center]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 144 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6 ... 10  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 3 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط