روح المادة وروح السعادة : ـــــــــ { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ـــــــــــــ ( قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ.. } إشارة إلى ما سبق بيانه في الآية السابقة من وسائل الوحي الثلاثة { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } يا محمد { رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الروح هنا: هو جبريل عليه السلام أمين الوحي فسمَّى الله جبريل روحاً كما سمى القرآن نفسه روحاً، فشبَّهه بالروح التي يلقيها الحق سبحانه في الإنسان فتدبّ فيه الحياة والحركة بعد أنْ كان قطعة لحم لا حِرَاكَ فيها ولا حياة.
تعرفون أن الإنسان خلقه اللهُ من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، وحين يتكوَّن الجنين في بطن أمه يرسل الله له مَلكاً ينفخ فيه من روحه تعالى بعد 120 يوماً من حمله، فتسري فيه الحياة، وتعمل الجوارح، وتتحرك الأعضاء.
فكما كانت الروحُ حياةً للأبدان كان القرآنُ حياةً للقلوب وللقيم، من هنا سمَّى الله جبريلَ روحاً، وسمَّى القرآن روحاً، ومن ذلك قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ.. }
فالحق سبحانه يخاطبهم وهم أحياء حياةَ البدن والمادة، إذن: الحياة هنا حياة الروح، والقلب، حياة القيم والمبادئ؛ لأن الحق سبحانه ما كان ليعطي عبده روحاً تُحرِّك مادته وتُسيِّر جوارحه، ثم يترك قيامه بدون منهج وبدون قيم وبدون أخلاق.
ومن كرامة الإنسان على الله تعالى أن يمنحه هذه الروح التي يحيا بها قلبه وقيمه وأخلاقه؛ لأن حياة البدن والمادة حياة موقوتة فانية تفنى بفناء البدن.
أما حياة القيم والمنهج فحياة باقية دائمة تصل حياتك في الدنيا بحياتك في الآخرة، وهذه هي الحياة المقصودة في قوله سبحانه وتعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ.. } ــــــــــــــ خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) ـــــــــــ اللهم صل على الروح الأتم والنور الأعم وعلى آله وسلم
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|