" وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا" الكهف 82
الجلالين
"وَأَمَّا الْجِدَار فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَة وَكَانَ تَحْته كَنْز" مَال مَدْفُون مِنْ ذَهَب وَفِضَّة "لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا" فَحُفِظَا بِصَلَاحِهِ فِي أَنْفُسهمَا وَمَالهمَا "فَأَرَادَ رَبّك أَنْ يَبْلُغَا أَشَدّهمَا" أَيْ إينَاس رُشْدهمَا "وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزهمَا رَحْمَة مِنْ رَبّك" مَفْعُول لَهُ عَامِله أَرَادَ "وَمَا فَعَلْته" أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ خَرْق السَّفِينَةِ وَقَتْل الْغُلَام وَإِقَامَة الْجِدَار "عَنْ أَمْرِي" أَيْ اخْتِيَارِي بَلْ بِأَمْرِ إلْهَام . مِنْ اللَّه "ذَلِكَ تَأْوِيل مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا" يُقَال اسْطَاعَ وَاسْتَطَاعَ بِمَعْنَى أَطَاقَ فَفِي هَذَا وَمَا قَبْله جَمْع بَيْن اللُّغَتَيْنِ وَنُوِّعَتْ الْعِبَارَة فِي : فَأَرَدْت فَأَرَدْنَا فَأَرَادَ رَبّك
الطبري
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَمَّا الْجِدَار فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَة وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قَوْل صَاحِب مُوسَى : وَأَمَّا الْحَائِط الَّذِي أَقَمْته , فَإِنَّهُ كَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَة , وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ الْكَنْز , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ صُحُفًا فِيهَا عِلْم مَدْفُونَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17535 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : كَانَ تَحْته كَنْز عِلْم . 17536 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : كَانَ كَنْز عِلْم . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : عِلْم . 17537 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : صُحُف لِغُلَامَيْنِ فِيهَا عِلْم . حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن : قَالَ حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : صُحُف عِلْم . 17538 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ ثنا هَنَّادَة اِبْنَة مَالِك الشَّيْبَانِيَّة , قَالَتْ : سَمِعْت صَاحِبِي حَمَّاد بْن الْوَلِيد الثَّقَفِيّ يَقُول : سَمِعْت جَعْفَر بْن مُحَمَّد يَقُول فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ سَطْرَانِ وَنِصْف , لَمْ يَتِمّ الثَّالِث : " عَجِبْت لِلْمُوقِنِ بِالرِّزْقِ كَيْف يَتْعَب , عَجِبْت لِلْمُوقِنِ بِالْحِسَابِ كَيْف يَغْفُل , وَعَجِبْت لِلْمُوقِنِ بِالْمَوْتِ كَيْف يَفْرَح " وَقَدْ قَالَ : { وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } 21 47 قَالَتْ : وَذُكِرَ أَنَّهُمَا حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا , وَلَمْ يُذْكَر مِنْهُمَا صَلَاح , وَكَانَ بَيْنهمَا وَبَيْن الْأَب الَّذِي حُفِظَا بِهِ سَبْعَة آبَاء , كَانَ نَسَّاجًا . 17539 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن حَبِيب بْن نُدْبَة , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن مُحَمَّد , عَنْ نُعَيْم الْعَنْبَرِيّ , وَكَانَ مِنْ جُلَسَاء الْحَسَن , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : لَوْح مِنْ ذَهَب مَكْتُوب فِيهِ : " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم : عَجِبْت لِمَنْ يُؤْمِن كَيْف يَحْزَن ! وَعَجِبْت لِمَنْ يُؤْمِن بِالْمَوْتِ كَيْف يَفْرَح ! وَعَجِبْت لِمَنْ يَعْرِف الدُّنْيَا وَتَقَلُّبهَا بِأَهْلِهَا , كَيْف يَطْمَئِنّ إِلَيْهَا ! لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , مُحَمَّد رَسُول اللَّه " . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَا كَانَ الْكَنْز إِلَّا عِلْمًا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : صُحُف مِنْ عِلْم . 17540 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , عَنْ عُمَر مَوْلَى غُفْرَة , قَالَ : إِنَّ الْكَنْز الَّذِي قَالَ اللَّه فِي السُّورَة الَّتِي يَذْكُر فِيهَا الْكَهْف { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : كَانَ لَوْحًا مِنْ ذَهَب مُصْمَت , مَكْتُوبًا فِيهِ : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم . عَجَب مِمَّنْ عَرَفَ الْمَوْت ثُمَّ ضَحِكَ , عَجَب مِمَّنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ نَصَبَ , عَجَب مِمَّنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ثُمَّ أَمِنَ , أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ مَالًا مَكْنُوزًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17541 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هِشَام , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : كَنْز مَال . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثْنِي , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله , قَالَ شُعْبَة : وَلَمْ نَسْمَعهُ مِنْهُ . 17542 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : مَال لَهُمَا , قَالَ قَتَادَة : أُحِلَّ الْكَنْز لِمَنْ كَانَ قَبْلنَا , وَحُرِّمَ عَلَيْنَا , فَإِنَّ اللَّه يُحِلّ مِنْ أَمْره مَا يَشَاء , وَيُحَرِّم , وَهِيَ السُّنَن وَالْفَرَائِض , وَيُحِلّ لِأُمَّةٍ , وَيُحَرِّم عَلَى أُخْرَى , لَكِنَّ اللَّه لَا يَقْبَل مِنْ أَحَد مَضَى إِلَّا الْإِخْلَاص وَالتَّوْحِيد لَهُ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَة , لِأَنَّ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب أَنَّ الْكَنْز اِسْم لِمَا يُكْنَز مِنْ مَال , وَإِنَّ كُلّ مَا كُنِزَ فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ اِسْم كَنْز , فَإِنَّ التَّأْوِيل مَصْرُوف إِلَى الْأَغْلَب مِنْ اِسْتِعْمَال الْمُخَاطَبِينَ بِالتَّنْزِيلِ , مَا لَمْ يَأْتِ دَلِيل يَجِب مِنْ أَجْله صَرْفه إِلَى غَيْر ذَلِكَ , لِعِلَلٍ قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي غَيْر مَوْضِع . وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ
وَقَوْله : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبّك أَنْ يَبْلُغَا أَشُدّهُمَا } يَقُول : فَأَرَادَ رَبّك أَنْ يُدْرِكَا وَيَبْلُغَا قُوَّتهمَا وَشِدَّتهمَا , وَيَسْتَخْرِجَا حِينَئِذٍ كَنْزهمَا الْمَكْنُوز تَحْت الْجِدَار الَّذِي أَقَمْته , رَحْمَة مِنْ رَبّك بِهِمَا , يَقُول : فَعَلْت فِعْل هَذَا بِالْجِدَارِ , رَحْمَة مِنْ رَبّك لِلْيَتِيمَيْنِ . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 17543 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ مِسْعَر , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } قَالَ : حِفْظًا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا , وَمَا ذُكِرَ مِنْهُمَا صَلَاح . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مِسْعَر , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِمِثْلِهِ . وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي
وَقَوْله : { وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي } يَقُول : وَمَا فَعَلْت يَا مُوسَى جَمِيع الَّذِي رَأَيْتنِي فَعَلْته عَنْ رَأْيِي , وَمِنْ تِلْقَاء نَفْسِي , وَإِنَّمَا فَعَلْته عَنْ أَمْر اللَّه إِيَّايَ بِهِ , كَمَا : 17544 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي } : كَانَ عَبْدًا مَأْمُورًا , فَمَضَى لِأَمْرِ اللَّه . 17545 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي } مَا رَأَيْت أَجْمَعَ مَا فَعَلْته عَنْ نَفْسِي . ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
وَقَوْله : { ذَلِكَ تَأْوِيل مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } يَقُول : هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَك مِنْ الْأَسْبَاب الَّتِي مِنْ أَجْلهَا فَعَلْت الْأَفْعَال الَّتِي اِسْتَنْكَرْتهَا مِنِّي , تَأْوِيل . يَقُول : مَا تَئُول إِلَيْهِ وَتَرْجِع الْأَفْعَال الَّتِي لَمْ تَسْطِعْ عَلَى تَرْك مَسْأَلَتك إِيَّايَ عَنْهَا , وَإِنْكَارك لَهَا صَبْرًا . وَهَذِهِ الْقَصَص الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَنْ مُوسَى وَصَاحِبه , تَأْدِيب مِنْهُ لَهُ , وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِتَرْكِ الِاسْتِعْجَال بِعُقُوبَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ وَبِكِتَابِهِ , وَإِعْلَام مِنْهُ لَهُ أَنَّ أَفْعَاله بِهِمْ وَإِنْ جَرَتْ فِيمَا تَرَى الْأَعْيُن بِمَا قَدْ يَجْرِي مِثْله أَحْيَانًا لِأَوْلِيَائِهِ , فَإِنَّ تَأْوِيله صَائِر بِهِمْ إِلَى أَحْوَال أَعْدَائِهِ فِيهَا , كَمَا كَانَتْ أَفْعَال صَاحِب مُوسَى وَاقِعَة بِخِلَافِ الصِّحَّة فِي الظَّاهِر عِنْد مُوسَى , إِذْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِعَوَاقِبِهَا , وَهِيَ مَاضِيَة عَلَى الصِّحَّة فِي الْحَقِيقَة وَآيِلَة إِلَى الصَّوَاب فِي الْعَاقِبَة , يُنْبِئ عَنْ صِحَّة ذَلِكَ قَوْله : { وَرَبّك الْغَفُور ذُو الرَّحْمَة لَوْ يُؤَاخِذهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَاب بَلْ لَهُمْ مَوْعِد لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونه مَوْئِلًا } 18 58 ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقِصَّةِ مُوسَى وَصَاحِبه , يُعَلِّم نَبِيّه أَنَّ تَرْكه جَلَّ جَلَاله تَعْجِيل الْعَذَاب لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ , بِغَيْرِ نَظَر مِنْهُ لَهُمْ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يَحْسَب مَنْ لَا عِلْم لَهُ بِمَا اللَّه مُدَبِّر فِيهِمْ , نَظَرًا مِنْهُ لَهُمْ , لِأَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ صَائِر إِلَى هَلَاكهمْ وَبَوَارهمْ بِالسَّيْفِ فِي الدُّنْيَا وَاسْتِحْقَاقهمْ مِنْ اللَّه فِي الْآخِرَة الْخِزْي الدَّائِم .
القرطبي
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ
هَذَانِ الْغُلَامَانِ صَغِيرَانِ بِقَرِينَةِ وَصْفهمَا بِالْيُتْمِ , وَاسْمهمَا أَصْرَم وَصَرِيم . وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( لَا يُتْم بَعْد بُلُوغ ) هَذَا هُوَ الظَّاهِر . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِمَا اِسْم الْيُتْم بَعْد الْبُلُوغ إِنْ كَانَا يَتِيمَيْنِ , عَلَى مَعْنَى الشَّفَقَة عَلَيْهِمَا . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْيُتْم فِي النَّاس مِنْ قِبَل فَقْد الْأَب , وَفِي غَيْرهمْ مِنْ الْحَيَوَان مِنْ قِبَل فَقْد الْأُمّ . وَدَلَّ قَوْله : " فِي الْمَدِينَة " عَلَى أَنَّ الْقَرْيَة تُسَمَّى مَدِينَة ; وَمِنْهُ الْحَدِيث ( أُمِرْت بِقَرْيَةٍ تَأْكُل الْقُرَى . .. ) وَفِي حَدِيث الْهِجْرَة ( لِمَنْ أَنْتَ ) فَقَالَ الرَّجُل : مِنْ أَهْل الْمَدِينَة ; يَعْنِي مَكَّة . وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا
اِخْتَلَفَ النَّاس فِي الْكَنْز ; فَقَالَ عِكْرِمَة وَقَتَادَة : كَانَ مَالًا جَسِيمًا وَهُوَ الظَّاهِر مِنْ اِسْم الْكَنْز إِذْ هُوَ فِي اللُّغَة الْمَال الْمَجْمُوع ; وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ( كَانَ عِلْمًا فِي صُحُف مَدْفُونَة ) وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ : ( كَانَ لَوْحًا مِنْ ذَهَب مَكْتُوبًا فِيهِ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , عَجِبْت لِمَنْ يُؤْمِن بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَحْزَن , عَجِبْت لِمَنْ يُؤْمِن بِالرِّزْقِ كَيْفَ يَتْعَب , عَجِبْت لِمَنْ يُؤْمِن بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَح , عَجِبْت لِمَنْ يُؤْمِن بِالْحِسَابِ كَيْفَ يَغْفُل , عَجِبْت لِمَنْ يُؤْمِن بِالدُّنْيَا وَتَقَلُّبهَا بِأَهْلِهَا كَيْفَ يَطْمَئِنّ لَهَا , لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه ) وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ عِكْرِمَة وَعُمَر مَوْلَى غُفْرَة , وَرَوَاهُ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا
ظَاهِر اللَّفْظ وَالسَّابِق مِنْهُ أَنَّهُ وَالِدهمَا دِنْيَة . وَقِيلَ : هُوَ الْأَب السَّابِع ; قَالَهُ جَعْفَر بْن مُحَمَّد . وَقِيلَ : الْعَاشِر فَحُفِظَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَر بِصَلَاحٍ ; وَكَانَ يُسَمَّى كَاشِحًا ; قَالَهُ مُقَاتِل . اِسْم أُمّهمَا دُنْيَا ; ذَكَرَهُ النَّقَّاش . فَفِيهِ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَحْفَظ الصَّالِح فِي نَفْسه وَفِي وَلَده وَإِنْ بَعُدُوا عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَحْفَظ الصَّالِح فِي سَبْعَة مِنْ ذُرِّيَّته ; وَعَلَى هَذَا يَدُلّ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّه الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَاب وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ " [ الْأَعْرَاف : 196 ] وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي
يَقْتَضِي أَنَّ الْخَضِر نَبِيّ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَاف فِي ذَلِكَ . ذَلِكَ تَأْوِيلُ
أَيْ تَفْسِير . مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
قَرَأَتْ فِرْقَة " تَسْتَطِعْ " وَقَرَأَ الْجُمْهُور " تَسْطِعْ " قَالَ أَبُو حَاتِم : كَذَا نَقْرَأ كَمَا فِي خَطّ الْمُصْحَف . وَهُنَا خَمْس مَسَائِل الْأُولَى : إِنْ قَالَ قَائِل لَمْ يُسْمَع لِفَتَى مُوسَى ذِكْر فِي أَوَّل الْآيَة وَلَا فِي آخِرهَا , قِيلَ لَهُ : اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ ; فَقَالَ عِكْرِمَة لِابْنِ عَبَّاس : لَمْ يُسْمَع لِفَتَى مُوسَى بِذِكْرٍ وَقَدْ كَانَ مَعَهُ ؟ فَقَالَ : ( شَرِبَ الْفَتَى مِنْ الْمَاء فَخَلَّدَ , وَأَخَذَهُ الْعَالِم فَطَبَّقَ عَلَيْهِ سَفِينَة ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْبَحْر , وَإِنَّهَا لَتَمُوج بِهِ فِيهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْرَب مِنْهُ فَشَرِبَ مِنْهُ ) قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ فَلَيْسَ الْفَتَى يُوشَع بْن نُون ; فَإِنَّ يُوشَع بْن نُون قَدْ عُمِّرَ بَعْد مُوسَى وَكَانَ خَلِيفَته ; وَالْأَظْهَر أَنَّ مُوسَى صَرَفَ فَتَاهُ لَمَّا لَقِيَ الْخَضِر . وَقَالَ شَيْخنَا الْإِمَام أَبُو الْعَبَّاس : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون اُكْتُفِيَ بِذِكْرِ الْمَتْبُوع عَنْ التَّابِع وَاَللَّه أَعْلَم . الثَّانِيَة : إِنْ قَالَ قَائِل : كَيْفَ أَضَافَ الْخَضِر قِصَّة اِسْتِخْرَاج كَنْز الْغُلَامَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى , وَقَالَ فِي خَرْق السَّفِينَة : " فَأَرَدْت أَنْ أَعِيبهَا " فَأَضَافَ الْعَيْب إِلَى نَفْسه ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّمَا أَسْنَدَ الْإِرَادَة فِي الْجِدَار إِلَى اللَّه تَعَالَى لِأَنَّهَا فِي أَمْر مُسْتَأْنَف فِي زَمَن طَوِيل غَيْب مِنْ الْغُيُوب , فَحَسُنَ إِفْرَاد هَذَا الْمَوْضِع بِذِكْرِ اللَّه تَعَالَى , وَإِنْ كَانَ الْخَضِر قَدْ أَرَادَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي أَعْلَمهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُرِيدهُ وَقِيلَ : لَمَّا كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا كُلّه أَضَافَهُ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَأَضَافَ عَيْب السَّفِينَة إِلَى نَفْسه رِعَايَة لِلْأَدَبِ لِأَنَّهَا لَفْظَة عَيْب فَتَأَدَّبَ بِأَنْ لَمْ يُسْنِد الْإِرَادَة فِيهَا إِلَّا إِلَى نَفْسه , كَمَا تَأَدَّبَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله : " وَإِذَا مَرِضْت فَهُوَ يَشْفِين " فَأَسْنَدَ الْفِعْل قَبْل وَبَعْد إِلَى اللَّه تَعَالَى , وَأَسْنَدَ إِلَى نَفْسه الْمَرَض , إِذْ هُوَ مَعْنَى نُقْصَى وَمُصِيبَة , فَلَا يُضَاف إِلَيْهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى مِنْ الْأَلْفَاظ إِلَّا مَا يُسْتَحْسَن مِنْهَا دُون مَا يُسْتَقْبَح , وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : " بِيَدِك الْخَيْر " [ آل عِمْرَان : 26 ] وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُنْسَب الشَّرّ إِلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ الْخَيْر وَالشَّرّ وَالضُّرّ وَالنَّفْع , إِذْ هُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء خَبِير وَلَا اِعْتِرَاض بِمَا حَكَاهُ عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يَقُول يَوْم الْقِيَامَة : ( يَا اِبْن آدَم مَرِضْت فَلَمْ تَعُدْنِي وَاسْتَطْعَمْتُك فَلَمْ تُطْعِمنِي وَاسْتَسْقَيْتُك فَلَمْ تَسْقِنِي ) فَإِنَّ ذَلِكَ تَنَزُّل فِي الْخِطَاب وَتَلَطُّف فِي الْعِتَاب مُقْتَضَاهُ التَّعْرِيف بِفَضْلِ ذِي الْجَلَال وَبِمَقَادِير ثَوَاب هَذِهِ الْأَعْمَال وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم . وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُطْلِق عَلَى نَفْسه مَا يَشَاء , وَلَا نُطْلِق نَحْنُ إِلَّا مَا أَذِنَ لَنَا فِيهِ مِنْ الْأَوْصَاف الْجَمِيلَة وَالْأَفْعَال الشَّرِيفَة جَلَّ وَتَعَالَى عَنْ النَّقَائِص وَالْآفَات عُلُوًّا كَبِيرًا . وَقَالَ فِي الْغُلَام : " فَأَرَدْنَا " فَكَأَنَّهُ أَضَافَ الْقَتْل إِلَى نَفْسه , وَالتَّبْدِيل إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالْأَشُدّ كَمَال الْخَلْق وَالْعَقْل . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهِ فِي " الْأَنْعَام " وَالْحَمْد لِلَّهِ . الثَّالِثَة : قَالَ شَيْخنَا الْإِمَام أَبُو الْعَبَّاس : ذَهَبَ قَوْم مِنْ زَنَادِقَة الْبَاطِنِيَّة إِلَى سُلُوك طَرِيق تَلْزَم مِنْهُ هَذِهِ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة , فَقَالُوا : هَذِهِ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الْعَامَّة إِنَّمَا يُحْكَم بِهَا عَلَى الْأَنْبِيَاء وَالْعَامَّة , وَأَمَّا الْأَوْلِيَاء وَأَهْل الْخُصُوص فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تِلْكَ النُّصُوص , بَلْ إِنَّمَا يُزَاد مِنْهُمْ مَا يَقَع فِي قُلُوبهمْ , وَيُحْكَم عَلَيْهِمْ بِمَا يَغْلِب عَلَيْهِمْ مِنْ خَوَاطِرهمْ . وَقَالُوا : وَذَلِكَ لِصَفَاءِ قُلُوبهمْ عَنْ الْأَكْدَار , وَخُلُوّهَا عَنْ الْأَعْيَار , فَتَتَجَلَّى لَهُمْ الْعُلُوم الْإِلَهِيَّة , وَالْحَقَائِق الرَّبَّانِيَّة , فَيَقِفُونَ عَلَى أَسْرَار الْكَائِنَات , وَيَعْلَمُونَ أَحْكَام الْجُزْئِيَّات , فَيَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ أَحْكَام الشَّرَائِع الْكُلِّيَّات , كَمَا اِتَّفَقَ لِلْخَضِرِ ; فَإِنَّهُ اِسْتَغْنَى بِمَا تَجَلَّى لَهُ مِنْ الْعُلُوم , عَمَّا كَانَ عِنْد مُوسَى مِنْ تِلْكَ الْفُهُوم . وَقَدْ جَاءَ فِيمَا يَنْقُلُونَ : اِسْتَفْتِ قَلْبك وَإِنْ أَفْتَاك الْمُفْتُونَ . قَالَ شَيْخنَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَهَذَا الْقَوْل زَنْدَقَة وَكُفْر يُقْتَل قَائِله وَلَا يُسْتَتَاب ; لِأَنَّهُ إِنْكَار مَا عُلِمَ مِنْ الشَّرَائِع ; فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَجْرَى سُنَّته , وَأَنْفَذَ حِكْمَته , بِأَنَّ أَحْكَامه لَا تُعْلَم إِلَّا بِوَاسِطَةِ رُسُله السُّفَرَاء بَيْنه وَبَيْن خَلْقه , وَهُمْ الْمُبَلِّغُونَ عَنْهُ رِسَالَته وَكَلَامه , الْمُبَيِّنُونَ شَرَائِعه وَأَحْكَامه ; اِخْتَارَهُمْ لِذَلِكَ , وَخَصَّهُمْ بِمَا هُنَالِكَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " اللَّه يَصْطَفِي مِنْ الْمَلَائِكَة رُسُلًا وَمِنْ النَّاس إِنَّ اللَّه سَمِيع بَصِير " [ الْحَجّ : 75 ] وَقَالَ تَعَالَى : " اللَّه أَعْلَم حَيْثُ يَجْعَل رِسَالَته " [ الْأَنْعَام : 124 ] وَقَالَ تَعَالَى : " كَانَ النَّاس أُمَّة وَاحِدَة فَبَعَثَ اللَّه النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ " [ الْبَقَرَة : 213 ] إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات . وَعَلَى الْجُمْلَة فَقَدْ حَصَلَ الْعِلْم الْقَطْعِيّ , وَالْيَقِين الضَّرُورِيّ , وَاجْتِمَاع السَّلَف وَالْخَلَف عَلَى أَنْ لَا طَرِيق لِمَعْرِفَةِ أَحْكَام اللَّه تَعَالَى الَّتِي هِيَ رَاجِعَة إِلَى أَمْره وَنَهْيه , وَلَا يُعْرَف شَيْء مِنْهَا إِلَّا مِنْ جِهَة الرُّسُل , فَمَنْ قَالَ : إِنَّ هُنَاكَ طَرِيقًا آخَر يُعْرَف بِهَا أَمْره وَنَهْيه غَيْر الرُّسُل بِحَيْثُ يُسْتَغْنَى عَنْ الرُّسُل فَهُوَ كَافِر , يُقْتَل وَلَا يُسْتَتَاب , وَلَا يَحْتَاج مَعَهُ إِلَى سُؤَال وَلَا جَوَاب , ثُمَّ هُوَ قَوْل بِإِثْبَاتِ أَنْبِيَاء بَعْد نَبِيّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ; الَّذِي قَدْ جَعَلَهُ اللَّه خَاتَم أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , فَلَا نَبِيّ بَعْده وَلَا رَسُول . وَبَيَان ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ يَأْخُذ عَنْ قَلْبه وَأَنَّ مَا يَقَع فِيهِ حُكْم اللَّه تَعَالَى وَأَنَّهُ يَعْمَل بِمُقْتَضَاهُ , وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاج مَعَ ذَلِكَ إِلَى كِتَاب وَلَا سُنَّة , فَقَدْ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ خَاصَّة النُّبُوَّة , فَإِنَّ هَذَا نَحْو مَا قَالَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( إِنَّ رُوح الْقُدُس نَفَثَ فِي رُوعِي . .. ) الْحَدِيث . الرَّابِعَة : ذَهَبَ الْجُمْهُور مِنْ النَّاس إِلَى أَنَّ الْخَضِر مَاتَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَتْ فِرْقَة : حَيّ لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ عَيْن الْحَيَاة , وَأَنَّهُ بَاقٍ فِي الْأَرْض وَأَنَّهُ يَحُجّ الْبَيْت . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقَدْ أَطْنَبَ النَّقَّاش فِي هَذَا الْمَعْنَى , وَذَكَرَ فِي كِتَابه أَشْيَاء كَثِيرَة عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَغَيْره , وَكُلّهَا لَا تَقُوم عَلَى سَاق . وَلَوْ كَانَ الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام حَيًّا يَحُجّ لَكَانَ لَهُ فِي مِلَّة الْإِسْلَام ظُهُور ; وَاَللَّه الْعَلِيم بِتَفَاصِيل الْأَشْيَاء لَا رَبّ غَيْره . وَمِمَّا يَقْضِي بِمَوْتِ الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام الْآن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام : ( أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتكُمْ هَذِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْم عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَحَد ) . قُلْت : إِلَى هَذَا ذَهَبَ الْبُخَارِيّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ , وَالصَّحِيح الْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ حَيّ عَلَى مَا نَذْكُرهُ . وَالْحَدِيث خَرَّجَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلِّي اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات لَيْلَة صَلَاة الْعِشَاء فِي آخِر حَيَاته فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ : ( أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْس مِائَة سَنَة مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَحَد ) قَالَ اِبْن عُمَر : فَوَهَلَ النَّاس فِي مَقَالَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيث عَنْ مِائَة سَنَة ; وَإِنَّمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْم عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَحَد ) يُرِيد بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِم ذَلِكَ الْقَرْن . وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول قَبْل أَنْ يَمُوت بِشَهْرٍ : ( تَسْأَلُونِي عَنْ السَّاعَة وَإِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد اللَّه وَأَقْسَمَ بِاَللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْض مِنْ نَفْس مَنْفُوسَة تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَة سَنَة ) وَفِي أُخْرَى قَالَ سَالِم : تَذَاكَرْنَا أَنَّهَا ( هِيَ مَخْلُوقَة يَوْمئِذٍ ) . وَفِي أُخْرَى : ( مَا مِنْ نَفْس مَنْفُوسَة الْيَوْم يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَة سَنَة وَهِيَ حَيَّة يَوْمئِذٍ ) . وَفَسَّرَهَا عَبْد الرَّحْمَن صَاحِب السِّقَايَة قَالَ : نَقْص الْعُمْر . وَعَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ نَحْو هَذَا الْحَدِيث قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَحَاصِل مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخْبَرَ قَبْل مَوْته بِشَهْرٍ أَنَّ كُلّ مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي آدَم مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ لَا يَزِيد عُمْره عَلَى مِائَة سَنَة ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( مَا مِنْ نَفْس مَنْفُوسَة ) وَهَذَا اللَّفْظ لَا يَتَنَاوَل الْمَلَائِكَة وَلَا الْجِنّ إِذْ لَمْ يَصِحّ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ , وَلَا الْحَيَوَان غَيْر الْعَاقِل ; لِقَوْلِهِ : ( مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَحَد ) وَهَذَا إِنَّمَا يُقَال بِأَصْلِ وَضْعه عَلَى مَنْ يَعْقِل , فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَاد بَنُو آدَم . وَقَدْ بَيَّنَ اِبْن عُمَر هَذَا الْمَعْنَى ; فَقَالَ : يُرِيد بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِم ذَلِكَ الْقَرْن . وَلَا حُجَّة لِمَنْ اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى بُطْلَان قَوْل مَنْ يَقُول : إِنَّ الْخَضِر حَيّ لِعُمُومِ قَوْله : ( مَا مِنْ نَفْس مَنْفُوسَة ) لِأَنَّ الْعُمُوم وَإِنْ كَانَ مُؤَكَّد الِاسْتِغْرَاق فَلَيْسَ نَصًّا فِيهِ , بَلْ هُوَ قَابِل لِلتَّخْصِيصِ . فَكَمَا لَمْ يَتَنَاوَل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام , فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَلَمْ يُقْتَل فَهُوَ حَيّ بِنَصِّ الْقُرْآن وَمَعْنَاهُ , وَلَا يَتَنَاوَل الدَّجَّال مَعَ أَنَّهُ حَيّ بِدَلِيلِ حَدِيث الْجَسَّاسَة , فَكَذَلِكَ لَمْ يَتَنَاوَل الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام وَلَيْسَ مُشَاهَدًا لِلنَّاسِ , وَلَا مِمَّنْ يُخَالِطهُمْ حَتَّى يَخْطِر بِبَالِهِمْ حَالَة مُخَاطَبَة بَعْضهمْ بَعْضًا , فَمِثْل هَذَا الْعُمُوم لَا يَتَنَاوَلهُ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ أَصْحَاب الْكَهْف أَحْيَاء وَيَحُجُّونَ مَعَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , كَمَا تَقَدَّمَ . وَكَذَلِكَ فَتَى مُوسَى فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس كَمَا ذَكَرْنَا . وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو إِسْحَاق الثَّعْلَبِيّ فِي كِتَاب الْعَرَائِس لَهُ : وَالصَّحِيح أَنَّ الْخَضِر نَبِيّ مُعَمِّر مَحْجُوب عَنْ الْأَبْصَار ; وَرَوَى مُحَمَّد بْن الْمُتَوَكِّل عَنْ ضَمْرَة بْن رَبِيعَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَوْذَب قَالَ : الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ وَلَد فَارِس , وَإِلْيَاس مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَلْتَقِيَانِ كُلّ عَام فِي الْمَوْسِم . وَعَنْ عَمْرو بْن دِينَار قَالَ : إِنَّ الْخَضِر وَإِلْيَاس لَا يَزَالَانِ حَيَّيْنِ فِي الْأَرْض مَا دَامَ الْقُرْآن عَلَى الْأَرْض , فَإِذَا رُفِعَ مَاتَا . وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخنَا الْإِمَام أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْمُعْطِي بْن مَحْمُود بْن عَبْد الْمُعْطِي اللَّخْمِيّ فِي شَرْح الرِّسَالَة لَهُ لِلْقُشَيْرِيِّ حِكَايَات كَثِيرَة عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّالِحِينَ وَالصَّالِحَات بِأَنَّهُمْ رَأَوْا الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام وَلَقَوْهُ , يُفِيد مَجْمُوعهَا غَايَة الظَّنّ بِحَيَاتِهِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ النَّقَّاش وَالثَّعْلَبِيّ وَغَيْرهمَا . وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيح مُسْلِم : ( أَنَّ الدَّجَّال يَنْتَهِي إِلَى بَعْض السِّبَاخ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَة فَيَخْرُج إِلَيْهِ يَوْمئِذٍ رَجُل هُوَ خَيْر النَّاس - أَوْ - مِنْ خَيْر النَّاس . .. ) الْحَدِيث ; وَفِي آخِره قَالَ أَبُو إِسْحَاق : يَعْنِي أَنَّ هَذَا الرَّجُل هُوَ الْخَضِر . وَذَكَرَ اِبْن أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَاب الْهَوَاتِف : بِسَنَدٍ يُوقِفهُ إِلَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ ( أَنَّهُ لَقِيَ الْخَضِر وَعَلَّمَهُ هَذَا الدُّعَاء , وَذَكَرَ أَنَّ فِيهِ ثَوَابًا عَظِيمًا وَمَغْفِرَة وَرَحْمَة لِمَنْ قَالَهُ فِي أَثَر كُلّ صَلَاة , وَهُوَ : يَا مَنْ لَا يَشْغَلهُ سَمْع عَنْ سَمْع , وَيَا مَنْ لَا تُغْلِطهُ الْمَسَائِل , وَيَا مَنْ لَا يَتَبَرَّم مِنْ إِلْحَاح الْمُلِحِّينَ , أَذِقْنِي بَرْد عَفْوك , وَحَلَاوَة مَغْفِرَتك ) وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي هَذَا الدُّعَاء بِعَيْنِهِ نَحْوًا مِمَّا ذَكَرَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فِي سَمَاعه مِنْ الْخَضِر . وَذَكَرَ أَيْضًا اِجْتِمَاع إِلْيَاس مَعَ النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . وَإِذَا جَازَ بَقَاء إِلْيَاس إِلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَازَ بَقَاء الْخَضِر , وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ عِنْد الْبَيْت فِي كُلّ حَوْل , وَأَنَّهُمَا يَقُولَانِ عِنْد اِفْتِرَاقهمَا : ( مَا شَاءَ اللَّه مَا شَاءَ اللَّه , لَا يَصْرِف السُّوء إِلَّا اللَّه , مَا شَاءَ اللَّه مَا شَاءَ اللَّه , مَا يَكُون مِنْ نِعْمَة فَمِنْ اللَّه , مَا شَاءَ اللَّه مَا شَاءَ اللَّه , تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه , حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل ) وَأَمَّا خَبَر إِلْيَاس فَيَأْتِي فِي " الصَّافَّات " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَذَكَرَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ فِي كِتَاب التَّمْهِيد : عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : ( لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجِّيَ بِثَوْبٍ هَتَفَ هَاتِف مِنْ نَاحِيَة الْبَيْت يَسْمَعُونَ صَوْته وَلَا يَرَوْنَ شَخْصه : السَّلَام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته , السَّلَام عَلَيْكُمْ أَهْل الْبَيْت " كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت . .. " [ آل عِمْرَان : 185 ] - الْآيَة - إِنَّ فِي اللَّه خَلَفًا مِنْ كُلّ هَالِك , وَعِوَضًا مِنْ كُلّ تَالِف , وَعَزَاء مِنْ كُلّ مُصِيبَة , فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا , وَإِيَّاهُ فَارْجُوا , فَإِنَّ الْمُصَاب مَنْ حُرِمَ الثَّوَاب ) فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ الْخَضِر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . يَعْنِي أَصْحَاب النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . وَالْأَلِف وَاللَّام فِي قَوْله : ( عَلَى الْأَرْض ) لِلْعَهْدِ لَا لِلْجِنْسِ وَهِيَ أَرْض الْعَرَب , بِدَلِيلِ تَصَرُّفهمْ فِيهَا وَإِلَيْهَا غَالِبًا دُون أَرْض يَأْجُوج وَمَأْجُوج , وَأَقَاصِي جُزُر الْهِنْد وَالسِّنْد مِمَّا لَا يَقْرَع السَّمْع اِسْمه , وَلَا يُعْلَم عِلْمه . وَلَا جَوَاب عَنْ الدَّجَّال . قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَاخْتُلِفَ فِي اِسْم الْخَضِر اِخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا ; فَعَنْ اِبْن مُنَبِّه أَنَّهُ قَالَ : أبليا بْن ملكان بْن فالغ بْن شالخ بْن أرفخشذ بْن سَام بْن نُوح . وَقِيلَ : هُوَ اِبْن عَامِيل بْن سماقحين بْن أريا بْن علقما بْن عيصو بْن إِسْحَاق , وَأَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكًا , وَأَنَّ أُمّه كَانَتْ بِنْت فَارِس وَاسْمهَا ألمى , وَأَنَّهَا وَلَدَتْهُ فِي مَغَارَة , وَأَنَّهُ وُجِدَ هُنَالِكَ وَشَاة تُرْضِعهُ فِي كُلّ يَوْم مِنْ غَنَم رَجُل مِنْ الْقَرْيَة , فَأَخَذَهُ الرَّجُل فَرَبَّاهُ , فَلَمَّا شَبَّ وَطَلَبَ الْمَلِك - أَبُوهُ - كَاتِبًا وَجَمَعَ أَهْل الْمَعْرِفَة وَالنَّبَالَة لِيَكْتُب الصُّحُف الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى إِبْرَاهِيم وَشِيث , كَانَ مِمَّنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُتَّاب اِبْنه الْخَضِر وَهُوَ لَا يَعْرِفهُ , فَلَمَّا اِسْتَحْسَنَ خَطّه وَمَعْرِفَته , وَبَحَثَ عَنْ جَلِيَّة أَمْره عَرَفَ أَنَّهُ اِبْنه فَضَمَّهُ لِنَفْسِهِ وَوَلَّاهُ أَمْر النَّاس ثُمَّ إِنَّ الْخَضِر فَرَّ مِنْ الْمَلِك لِأَسْبَابٍ يَطُول ذِكْرهَا إِلَى أَنْ وَجَدَ عَيْن الْحَيَاة فَشَرِبَ مِنْهَا , فَهُوَ حَيّ إِلَى أَنْ يَخْرُج الدَّجَّال , وَأَنَّهُ الرَّجُل الَّذِي يَقْتُلهُ الدَّجَّال وَيَقْطَعهُ ثُمَّ يُحْيِيه اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : لَمْ يُدْرِك زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَهَذَا لَا يَصِحّ وَقَالَ الْبُخَارِيّ وَطَائِفَة مِنْ أَهْل الْحَدِيث مِنْهُمْ شَيْخنَا أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : إِنَّهُ مَاتَ قَبْل اِنْقِضَاء الْمِائَة , مِنْ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( إِلَى رَأْس مِائَة عَام لَا يَبْقَى عَلَى هَذِهِ الْأَرْض مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهَا أَحَد ) يَعْنِي مَنْ كَانَ حَيًّا حِين قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة قُلْت : قَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيث وَالْكَلَام عَلَيْهِ , وَبَيَّنَّا حَيَاة الْخَضِر إِلَى الْآن , وَاَللَّه أَعْلَم . الْخَامِسَة : قِيلَ إِنَّ الْخَضِر لَمَّا ذَهَبَ يُفَارِق مُوسَى قَالَ لَهُ مُوسَى : أَوْصِنِي ; قَالَ : كُنْ بَسَّامًا وَلَا تَكُنْ ضِحَاكًا , وَدَعْ اللَّجَاجَة , وَلَا تَمْشِ فِي غَيْر حَاجَة , وَلَا تَعِبْ عَلَى الْخَطَّائِينَ خَطَايَاهُمْ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتك يَا اِبْن عِمْرَان .
_________________ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33 
|