موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 6 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: نحو تجزيئ المجزأ وتفتيت المفتت
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس نوفمبر 16, 2023 2:56 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14552
مكان: مصـــــر المحروسة

نحو استراتيجية بديلة للحرب ضد الإرهاب.*

التاريخ- 11 : ديسمبر- ٢٠٠٢

دراسة إستراتيجية مهمة من إصدارات معهد هدسون.

بقلم: لوران مورافيتش

هذه دراسة إستراتيجية خطيرة ومهمة بقلم لوران مورافيتش ،منشورة من قبل معهد هدسون للدراسات الإستراتيجية، ومترجمة من قبل مركز دبي للدراسات الإستراتيجية.ولكي نعرف مدى أهمية هذه الدراسة ومقدار ردود الفعل التي أثيرت حولها، يمكن أن نبحث عن كلمة "لوران مورافيتش" في الإنترنت، فنفاجأ بالعدد الكبير في نتيجة البحث.

وأكثر ماتمت الإشارة إليه في هذه التعليقات، كان مرتبطَا بالإشارة الى العراق على إنه الهدف التكتيكي والسعودية على إنها الهدف الإستراتيجي ومصر على إنها الجائزة؟!

وهنا لابد من التعرف على الكاتب "لوران مورافيش" ، لأن هذه المعرفة تؤثر حتمَا على إدراك أهمية وخطورة هذه الدراسة.فهو يهودي فرنسي هاجر الى أمريكا منذ فترة قصيرة وهو مقيم فيها، وعمل مستشارَا في الخارجية الفرنسية، وعمل باحثَا لصالح معهد راند للأبحاث الإستراتيجية،حيث قدم دراسة الى البنتاغون الأمريكي عام ٢٠٠٢ أشار فيها الى إن السعودية هي المصدر الأول للإرهاب، الأمر الذي أثار ردود فعل كثيرة ،مما أدى الى نفي الحكومة الأمريكية علاقتها بالدراسة.

وكما هو معروف يعتبر البعض معهد راند على أنه العقل الإستراتيجي للحكومة الأمريكية، ويتأكد هذا الإنطباع خاصة إذا عرفنا إن هذا المعهد من المتعاقدين مع الحكومة الأمريكية ويعمل لحسابها.

ولوران مورافيتش كتاب حول العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، يتعرض فيه الى تاريخ نشوء الوهابية والفكر الوهابي.

ومما يلفت الأنتباه في هذه الدراسة التي نستعرضها في هذا الموضوع ويؤكد أهميتها وضرورة دراستها، هو إن بعض
توصياتها قد تم تطبيقها والأخذ بها.!! كما سيتبين فيما بعد.

مادة الدراسة :

١- من هم أعداؤنا؟

كم هو مثير للاهتمام أن يكون من الضروري إثارة هذا السؤال حول ماهية أعدائنا! إنه حقًا مؤشر على أن أول حرب
في عصر "ما بعد الحداثة" لا تشبه أيًا من الحروب التي عرفناها خلال تاريخنا أو تجاربنا.

صحيح أنها تستند إلى عدد من الدروس المستفادة من حروب سابقة، إلا أنها وبشكل عام فريدة من نوعها.

يصف الجنرال فون كلوزويتز الحرب، أي حرب، بأنها أشبه بالمبارزة بين عدوين.

لكن السؤال هنا، خصوصًا أننا نعرف من نكون، يتمحور حول من هم أعداؤنا؟

فاستراتيجية الحرب تتوقف على طبيعة العدو وموقعه ومقدراته ونواياه الاستراتيجية ونقاط قوته وضعفه، وبالمقابل نقاط ضعفنا وقوتنا نحن.

هل أعداؤنا هم الجماعات الإرهابية أم الدول المارقة أم شبكة غامضة من الأشرار؟

في الحقيقة فإن ما وصف بالحرب على الإرهاب يتميز بكون طبيعة العدو مركبة، وليست واضحة الملامح والحدود.

بل إن ما تمت تسميته "بمحور الشر "هو ذاته مركب، إذ إنه يتكون من مجموعة من القوى المتباينة ذات الدوافع والبرامج المختلفة. ونظرًا إلى هذه الأسباب فإنه من الضروري أن تنطلق استراتيجيتنا من دراسة طبيعة وطرق عمل الإرهاب وتتمحورحولها.

قد يكون ملائمًا إلصاق تفسير مشحون بالدلالات بمصطلح "الإرهاب"، غير أن اللفظ لا يحدد بذاته العدو الحقيقي ولا
الحرب الحقيقية.

الإرهاب في الواقع تقنية وليس ايديولوجية ولا برنامجًا محددًا. وإذا كانت دول "محور الشر" تمارس العمل الإرهابي، فإنها ليست بأي حال من الأحوال إرهابية.

يتبع إن شاء الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مادة هذا الموضوع من أحد الموضوعات السابقة للفقير رأيت لقوة المناسبة وما نمر به من أحداث عرضها في موضوع مستقل.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: نحو تجزيئ المجزأ وتفتيت المفتت
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة نوفمبر 17, 2023 8:44 pm 
غير متصل
Site Admin

اشترك في: الاثنين فبراير 16, 2004 6:05 pm
مشاركات: 24086

تسجيل حضور ومتابعة

بارك الله فيك

_________________
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: نحو تجزيئ المجزأ وتفتيت المفتت
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة نوفمبر 17, 2023 9:09 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14552
مكان: مصـــــر المحروسة

أعزكم الله سيدي الشريف فضيلة مولانا الدكتور محمود وبارك فيكم وجزاكم الله عنا كل الخير.

والفقير يسعده دائمًا مروركم الكريم ومتابعتكم العطرة.

لا حرم الله الفقير منكم أبدًا.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: نحو تجزيئ المجزأ وتفتيت المفتت
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 21, 2023 5:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14552
مكان: مصـــــر المحروسة

1-1 الأزمة العربية.

وفي الوقت الذي دشنت فيه القاعدة هذا الفصل من الحرب الجديدة، فإنه من الضروري التأكيد على أن هذه الحرب في دلالاتها العميقة تمثل تعبيرا لأزمة تاريخية ومستشرية داخل العالم العربي الإسلامي، حيث إن ظاهرة الحداثة التي أسفرت عن حدوث انقلاب ضد الإسلام وكشفت عن مواطن ضعفه زج بها في دائرة الاتهام بوصفها السبب المبدئي لكل ما ألم بالعالم العربي الإسلامي.

وبما أن الحداثة في أصلها مفهوم نشأ وترعرع ضمن بيئة الثقافة الغربية فإن الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها رائدة العالم الغربي تتحمل مسئولية ما حدث ويحدث في العالم العربي والإسلامي.

وضمن هذا المنطق وانطلاقًا منه يتعين وْقف هذا الألم من خلال السعي إلى القضاء على الولايات المتحدة أو على الأقل تحجيم دورها وتأثيرها في العالم.

وبهذه الطريقة يتم تصدير الأزمة التي تطال العالم العربي والإسلامي خارج الواقع الذي أنجبها، أي منطقة الشرق الأوسط.

وبإلقاء نظرة على الخارطة الجيوسياسية للمنطقة يتبين أن الشرق الأوسط بصورته الراهنة قد تمخض تاريخيًا عن حالة التفكك التي أصابت الإمبراطورية العثمانية في أواخر عمرها، حيث أعيد رسم خارطة المنطقة الحدودية في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

وفي خضم التطورات التي شهدتها المنطقة خلال تلك الفترة تم استبدال ما يصطلح عليه بخطة سلام جديدة تبنتها بريطانيا ولاعبون دوليون آخرون كانوا أقل منها Pax Ottomanica بعهد السلام العثماني وزنًا، وتم بالفعل إعادة رسم الملامح الحدودية للمنطقة على أساس مقتضيات الخطة الجديدة.

وهكذا برزت كيانات لدول جديدة مثل ’لبنان‘ و’سوريا‘ و’العراق‘ و’فلسطين تحت سلطة الانتداب.

تكمن المفارقة الخطيرة ضمن هذا السياق في أن هذه الكيانات تم تصميمها وترقيعها من خلال تجميع وحدات عرقية وقبلية وعشائرية وطائفية وإقليمية وإدارية قائمة ضمن كيان واحد وتحت راية دولة موحدة.

فعندما يشير طاهر محسن إلى أنه "في منطقة الشرق الأوسط ليست هناك دول/ أمم، بل قبائل مقنعة تحمل أعلام دول"، فإنه في واقع الأمر يتحدث عن هذه الترتيبات الإقليمية الجديدة.

قد حل عقب عام ١٩٤٥ Pax Americana ومن الأخطاء الشائعة في المنطقة الاعتقاد السائد بأن عهد سلام أمريكي محل قوى الانتداب الأوروبية.

ومهما كانت قوة التأثير التي انتهت بين يدي الولايات المتحدة، فإن هذه القوة كانت تركة استلمتها واشنطن، بكل ما تتضمنه تلك التركة من إشكاليات مستعصية ومشاكل عالقة.

وعلى عكس أوروبا التي أقدمت الولايات المتحدة على إعادة صياغة خارطتها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية من خلال حلف الناتو ومن خلال دعمها للجهود الرامية إلى إقامة وحدة أوروبية، وعلى عكس آسيا التي عمدت واشنطن إلى إعادة رسم خارطتها من خلال إجراء عملية جراحية لملامح اليابان الجغرافية والوجود الأمريكي في كوريا الجنوبية وتوفير الحماية لجزيرة تايوان – فإن الولايات المتحدة ’هبطت‘ في منطقة الشرق الأوسط دون الإعداد لذلك.

صحيح أن اهتمام أمريكا بتأمين النفط والحفاظ على هذه السلعة الاستراتيجية خارج دائرة السيطرة السوفييتية كان المحرك الأساسي لقاطرة السياسة الأمريكية في بادئ الأمر، لكنه من الخطأ الاعتقاد بأن المنطقة خضعت في الماضي أو تخضع في الحاضر لعهد سلام أمريكي من أي نوع من الأنواع أوبأي شكل من الأشكال.

والنتيجة أن الصيغة التي أطرت عهد السلام العثماني بكل ما يشوبها من نواقص، حيث إنها كانت تلائم نظامًا إمبراطوريًا خامدًا وعتيقًا في مرحلة ما قبل عصر التصنيع وتبدو غير مؤهلة لمواجهة تحديات مرحلة الحداثة ومعطيات واقع الثورة الصناعية.

ومن ثم وفرت هذه الصيغة الإطار العام الذي يتحرك ضمنه جميع الفاعلين سواء من أبناء المنطقة أو خارجها، وهو الأمر الذي أسهم في تشكيل مفاهيم ترسخت مع مرور الوقت مثل مفهوم الأمة .

بمعنى المجتمع العربي والإسلامي، وخضوع مفهوم الأمة بدوره إلى عملية تقييد لدلالات هويته.

فأصبحت الأمة بذلك إما ’اشتراكية‘ أو’ علمانية‘، إما ناصرية أو بعثية أو دينية وهابية.

وليس غريبًا أن ُتسفر هذه التعددية في المفاهيم عن إحداث خلل جذري وعميق.

إلا أنه وبعد مرور عقود من النزاعات الداخلية واستشراء حالة من انعدام الاستقرار الخارجي، يعاني الإطار المفاهيمي العام من تآكل حواشيه وتهرؤ الكيانات القائمة ضمنه وعلى أساسه.

وما من شك في أن اندماج وحدات عرقية أو قبلية أو دينية أو وحدات جزئية ضمن كيانات يفترض أنها تحمل صفة دول/ أمم قد أدى إلى إيجاد حالة من التهافت نحو امتلاك إحدى هذه الدول من قبل قبيلة أو طائفة بعينها ومحاولة حماية ملكيتها الجديدة ضد كل التحديات والأخطار سواء كانت حقيقية أو ممكنة أو حتى متخيلة.

وضمن هذا السياق تبدو طبيعة السلطة السياسية في المنطقة والقائمة على مبدأ "المنتصر يستحوذ على كل شيء" السبب الرئيسي الذي يقف وراء الخلل في هذه الأنظمة.

حيث إنه وفي غياب قوة إمبريالية قادرة على الفصل والتحكيم في الادعاءات المتضاربة التي تروجها الجماعات العرقية الدينية، أصبح المشهد السياسي في المنطقة يتسم بوجود مجموعة من القوى اللصوصية تتشابك بعضها مع بعض بهدف تأمين مصالحها الخاصة.

ومنذ عام 1945 لم تشهد منطقة الشرق الأوسط بشكل عام سوى سلسلة من الحروب والحروب الأهلية وقيام أنظمة ديكتاتورية وعدد من الصراعات الداخلية وكأن المنطقة برمتها قد ابتلعتها عاصفة هوجاء .

وهكذا تتأكد حقيقة أن الصيغة الجيوسياسية التي تبلورت على أساسها دول المنطقة تعاني من الكثير من العلل.

بل الأسوأ من ذلك أن الصراعات والتناقضات الملازمة للإطار السياسي في المنطقة تفاقمت واستفحلت نتيجة عجز معظم حكومات المنطقة ونخبها السياسية عن تنفيذ سياسات داخلية بّناءة أو ممارسة سياسات صحيحة على الجبهة الخارجية.

عمومًا، تستطيع المجتمعات السياسية إذا ما توفرت لديها البيئة المناسبة القائمة على مبدأ تعزيز الرخاء للشعب.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: نحو تجزيئ المجزأ وتفتيت المفتت
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 28, 2023 8:49 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14552
مكان: مصـــــر المحروسة

وإدارة الحكم الجيد، تستطيع خلق الثروة الاقتصادية والاستقرار السياسي والاجتماعي.

إلا أن الدول العربية وبالشكل الذي اتخذته منذ بدايات تكوينها وبالطريقة التي عملت بها خلال أكثر من نصف قرن منذ استقلالها، لم تعمل على خلق الثروات ولا على تأمين الاستقرار.

كما أن غياب مظاهر الازدهار والرخاء أضعف أسس تحقيق الاستقرار الداخلي،الأمر الذي انعكس سلبًا على العلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف القائمة بين دول المنطقة.

وبالنسبة لدول وشعوب المنطقة فإن الثروة النفطية، وبدلًا من أن تكون نعمة تنعم بها، أصبحت نقمة تشقى بها، حيث إنها ساهمت في تدمير الهياكل الاجتماعية التقليدية ونظام القيم والأسس التراثية الاجتماعية .

وفي الوقت الذي اضمحلت فيه العادات القديمة، لم يتم إحلال ممارسات بديلة محلها، خصوصًا أنه لا وجود لمؤسسات مستقلة أو مرجعيات بالإمكان الاستناد إليها لتشكيل الهوية أو الولاء الجماعيين.

ومن أجل تحقيق استمرارها واستدامتها تتطلب العادات الجديدة المحافظة على تدفق العائدات الهائلة من مبيعات النفط.

لكن التراجع النسبي في مستوى إيرادات النفط بسبب تبديد الموارد والانخفاض النسبي في أسعار النفط قد فاقم التوترات الداخلية في البلدان المنتجة للنفط، مما أفرز واقعًا لا يختلف إلا شكليًا عن موجة التفكك المدمر الذي شهدته نظم العادات الاجتماعية التي كانت تؤطر النظام الإقطاعي في أوروبا خلال مرحلة العصور الوسطى بسبب انتشار قيم ونزعات مادية صرفة وبداية تشكُّل الطبقة البرجوازية.

وفي ظل هذه الحالة من الشعور بالاستلاب وعدم الاستقرار تفقد شرائح واسعة من المجتمع مرتكزاتها الأساسية، حيث إن المؤسسات القائمة والقوى المنظمة فقدت قدرتها على المحافظة على ولاء الشعب أو تأمين ظروف تبعث على بلورة الحس بهوية جماعية معينة.

وفي مثل هذه الحالات وفي غياب إطار سياسي اجتماعي تنفلت الولاءات وُتفتح الأبواب على مصاريعها أمام اندفاع مشاعر شديدة وانفعالات قوية، وهو بالذات ما يحدد شروط ثورة الشعوب.

وبعبارة اقتصادية، فإن وضعًا من هذا القبيل يمثل عنصر "الطلب" ضمن العملية السياسية.

فحين يطفو مثل هذا المخاض إلى سطح المجتمع، قد تضطر الدول إلى اختيار مسارات مختلفة الاتجاهات، لأن ما يوفره’ العرض‘ هو كم من الطاقات المكبوتة التي يتم التنفيس عنها بشكل آني ومفاجئ، وبالتالي من المرجح أن تتجسد هذه الطاقات في حركات دينية واجتماعية وسياسية كل منها ينحو نحو طريق مختلف أو يتبنى برنامجًا إصلاحيًا مغايرًا أو يختار الاشتراك في حرب أهلية أو العمل على إثارة وتأجيج مشاعر العداء تجاه العالم الخارجي.

ومن الملاحظ أن دول الشرق الأوسط قد فضلت الخيارين الأخيرين.

وفي أعقاب مرحلة الاستقلال، اكتسبت الدول العربية، خصوصًا السعودية ومصر والعراق وسوريا، قدرًا كبيرًا من قدرة التأثير في المسرح الدولي.

إلا أن ما بات لديها من وزن على الساحة العالمية لم يستند إلى عوامل القوة المعهودة عند الدول، مثل عدد السكان أو القدرات الإنتاجية أو المقومات العسكرية.

بل استمدت الدول العربية قوتها أولاً من الثروات المالية التي حققتها من مبيعات النفط ومن هامش الحركة الذي وفرته هذه الثروات. إلا أن دائرة التأثير هذه كانت مصطنعة في مجملها، حيث إن سلعة النفط التي تمثل محور قوة هذه الدول كان يتم استخراجها بواسطة شركات أجنبية وبجهود وأموال وتقنيات أجنبية بغرض تلبية الحاجيات الصناعية للدول الأجنبية.

وبهذا المعنى تشكلت قوة التأثير لدى الدول العربية بفعل العوائد الريعية.

ويتمثل العامل الثاني الذي ساهم في اكتساب الدول العربية لموقع تأثير دولي في الحرب الباردة، حيث إن قطبي الحرب الباردة سعيا دومًا إلى خطب ود الدول العربية وعمل كل منهما على منع الآخر من الحصول على موطئ قدم له في المنطقة العربية.

وبالمقابل نجحت القيادات العربية في الحصول على ريع استراتيجي من القوتين العظميين،الأمر الذي ضخم قوتها الظاهرية، وساهم في تحقيق أرباح كبيرة في شكل مساعدات مالية وعسكرية ودعم تكنولوجي، وهو الأمر الذي عزز من مكانتها الدبلوماسية.

ويمكن في هذا الصدد رصد مقارنة هذا الوضع بفترة ما قبل الإسلام،حيث كان التناقس على أشده بين الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية من أجل المحافظة على ولاء الممالك العربية التي كانت تستقر في الأراضي الفاصلة بين الإمبراطوريتين.

وقد أبانت أزمة قناة السويس عام ١٩٥٦ عن الطرق والوسائل التي يمكن من خلالها تعظيم "الريع الاستراتيجي".

ففي حين لعبت إدارة الرئيس ايزنهاور دورًا محوريًا في حماية الرئيس جمال عبدالناصر من عواقب سياساته الخرقاء، عمد عبدالناصر إلى توطيد علاقاته مع حركة عدم الانحياز وأبيها الروحي الاتحاد السوفييتي الأسبق.

ولم تنجح نظرية ايزنهاور سوى في تكريس هذه السياسة الأمريكية العرجاء وتأكيد الاعتقاد السائد في المنطقة العربية بخصوص سذاجة الولايات المتحدة، حيث أصبح الكثيرون في المنطقة ينظرون إلى أمريكا على أنها عملاق قوي وخطير، لكنه جبان.

وبشكل عام ارتمت الأنظمة العربية الجديدة ضمن تحالفاتها الدولية في أحضان الاتحاد السوفييتي، بما في ذلك مصر جمال عبدالناصر، وسوريا البعثية والعراق وليبيا القذافي والسودان واليمن والجزائر، وكلها كانت تستمد قوتها واستمرار وجودها من قدر كبير من التعبئة الجماهيرية، فيما احتفظت الأنظمة الملكية بشراكاتها مع الدول الغربية انطلاقًا من قناعتها بحماية نفسها من مطامع جيرانها وممارساتهم العدائية الراديكالية.

ومن خلال اعتناق النظام السياسي الاشتراكي وفق الوصفة السوفييتية وبعباءة تحمل تأشيرة "الاشتراكية العربية" أصبح من الممكن الحديث عن شكل من أشكال الحداثة المنبثقة من الأرضية العربية وليس سلعة مستوردة من الثقافة الغربية.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: نحو تجزيئ المجزأ وتفتيت المفتت
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يناير 19, 2024 4:21 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14552
مكان: مصـــــر المحروسة

في الواقع فإن شبه الحداثة السوفييتية التي حاولت بعض الأنظمة العربية محاكاتها كانت في جوهرها مناوئة لكل ما هو غربي، حيث بات ممكنًا أن تتبناها الأنظمة دون حاجتها إلى التنازل عن الهوية التقليدية، وهذا فعلًا ما حصل مع بعض السياسيين العرب المحسوبين على التيار الراديكالي الايديولوجي الذين تبنوا الاشتراكية القومية الألمانية أوالفاشية الإيطالية، مثل ما حدث مع ميشيل عفلق.

وقد أشار المفكر السياسي برنارد لويس في مناسبات عديدة إلى هذا الموضوع، حيث ردد أن الدول العربية وبعد أن نجحت في الحصول على مكاسب استراتيجية من خلال اللعب على وتر أطماع الدول الإمبريالية الأوروبية والعمل على إثارة تصادمات فيما بينها: الفرنسيون في مواجهة البريطانيين، والأمريكيون في مواجهة الروس.

وتجد الدول العربية نفسها اليوم أمام أوضاع جديدة،حيث العالم برمته تحت وطأة هيمنة قوة عظمى وحيدة، وليس هناك من مجال
للدق على نغمة التنافس بين أي قوى دولية أخرى.

غير أن السمة البارزة تبقى أن المنطقة العربية لم ُتحكم قط من قبل قوى سياسية محلية، خصوصًا بعد أفول الخلافة الأموية في القرن الثامن الميلادي واستحواذ الجيوش التركية على دفة السلطة السياسية في القرن العاشر الميلادي واستعادة السلطة خلال فترة حكم العباسيين ومن بعدها خلال الخلافة "الفارسية".

إذ إن الحاجة كانت دائمًا قائمة لإيجاد قوة مهيمنة خارجية تضمن استقرار المنطقة وتحتوي أجواء الفوضى التي كانت تمثل السمة الغالبة في العلاقات التي تجمع القبائل العربية، وذلك حتى قبل العصور الحديثة: الرومان والفرس من جهة، والبيزنطيون والفرس من جهة ثانية، والأتراك والمغول والأوروبيون من جهة ثالثة خصوصًا بعد عصر الفتوحات الإسلامية.

حيث إن جميع هذه القوى كانت في واقع الأمر تمثل أطرافًا غير عربية، وكانت يدها تطال الشئون الداخلية العربية، إذ إن القادة المحليين كانوا يقفون دومًا على شفا حروب طاحنة .

وحتى القادة السياسيون، بما في ذلك شاه إيران وأمير الكويت وملك السعودية وحاشيته، كانوا قد نأوا بأنفسهم بعيدًا عن الشعارات الاشتراكية، إلا أنهم تبنوا ودعموا خطابًا معاديًا للغرب، وكانوا جميعًا يرددون عبارات معادية للإمبريالية والأطماع الاستعمارية بنبرة صادقة وبلاغة عالية.

وبإلقاء نظرة إلى الخلف، وبالضبط إلى أوائل القرن العشرين، يدرك المتتبع لشئون المنطقة أن الدول العربية النفطية اكتسبت ثقلاً استراتيجيًا بارزًا ضمن سياق تفكك الإمبراطوريات الأوروبية.

وفي الوقت الذي انسحبت فيه كل من فرنسا وبريطانيا من المنطقة، أخذت الولايات المتحدة بالإقدام على ملء الفراغ السياسي الناتج عن انسحاب تلك القوى، حيث إن أمريكا فضلت الاعتماد على شاه إيران وعلى النظام السعودي لضمان حماية منطقة الخليج.

فيما اعتبرت واشنطن مصر عاملاً محوريًا لتأمين الاستقرار في المنطقة.

وفي المقابل، توصلت الدول العربية عقب عام ١٩٥٦ إلى حقيقة مؤداها أن العالم العربي يقف خارج دائرة التأثير الغربي، حيث بات الشبح السوفييتي يخيم بشكل ملموس على سماء المنطقة.

ويتجلى السيناريو نفسه في رد الفعل الغربي الضعيف والهادي إزاء العمليات الإرهابية التي استهدفت العواصم الغربية خلال عقد السبعينيات بشكل محدد.

من المبادئ الأساسية في علوم الاستراتيجية أن الوزن الاستراتيجي للدول لا يقوم حصريًا على عوامل موضوعية خالصة.

وفي حال الدول العربية يمكن القول إن وزنها الاستراتيجي يتذبذب بين القوة وقابلية السقوط.

فمن ناحية أولى بات العالم العربي يؤمن بصورته الذاتية المشوهة، والتي كان يمكنه لمسها على وجه مرآة العلاقات الدولية وتملق الدول الغربية لنيل رضاها.

ومن ناحية أخرى، اتضح أن صورة الخداع الذاتي قابلة للانكسار في حال تعرضت لهزة كبيرة كما حدث في أعقاب سبتمبر ٢٠٠١ .

وإذا ما أزحنا جانبًا الصورة المبجلة للعالم العربي واستبدلناها ضمن حساباتنا الاستراتيجية بصورة أكثر واقعية فإن القوة المفترضة للدول العربية سوف تنكمش دون أن تدرك الأطراف المعنية التغيرات المستجِدة، وهو الأمر الذي قد يسفر عن خلط في الأوراق والحسابات.

أما الورقة الثالثة التي استغلتها الدول العربية لزيادة حجم عائدها الاستراتيجي فتتمثل في الاستخدام الذكي، بشكل مباشر أو غير مباشر، للإرهاب.

فالأنظمة العربية، سواء التقدمية منها أو التقليدية، نجحت في تسكين "الشارع العربي"واستطاعت الأجهزة الاستخباراتية على نحو فريد اختراق المنظمات الإرهابية والتلاعب بسياساتها وتوجهاتها .

فسوريا تحولت إلى ملاذ ومحور للإرهاب كما هو الأمر بالنسبة لليبيا والجزائر واليمن، وأصبح الإرهاب بالنسبة لإيران والعراق أداة لمضاعفة قوتهما، وأصبحت السعودية، إما عن سابق تخطيط أو بالصدفة أو نتيجة لسياساتها العامة، طرفًا في المنظومة الإرهابية .

وأصبحت منظمة التحرير الفلسطينية حضانة ومدرسة لتأطير الإرهاب والإرهابيين، وهي تشبه في ذلك شركة مساهمة يتكون أعضاؤها من معظم الدول العربية.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 6 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 8 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط