موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 199 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 8, 9, 10, 11, 12, 13, 14  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يناير 22, 2018 11:53 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
الحث على لزوم السخاء ومجانبة البخل

أنبأنا أحمد بن يحيى بن زهير بتُسْتَرَ، حدثنا الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي حدثنا سعيد بن محمد الوراق، حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" السخي قريب من الله قريب من الناس، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، ولَسخيٌ جاهلٌ، أحبُ إلى الله من بخيل عابد " .

قال أبو حاتم رضي الله عنه: إن كان حفظ سعيد بن محمد إسناد هذا الخبر فهو غريب غريب.
فالواجب على العاقل إذا أمكنه الله تعالى من حُطام هذه الدنيا الفانية، وعلم زوالها عنه، وانقلابها إلى غيره، وأنه لا ينفعه في الآخرة إلا ما قدم من الأعمال الصالحة: إن يبلغ مجهوده في أداء الحقوق في ماله، والقيام بالواجب في أسبابه، مبتغياً بذلك الثواب في العقبى، والذكر الجميل في الدنيا، إذ السخاء محبة ومحمدة كما أن البخل مذمة ومبغضة، ولا خير في المال إلا مع الجود، كما لا خير في المنطق إلا مع المخبر.

ولقد أنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري.
الجود مكرمة، والبخل مبغضة ... لا يستوي البخل عند الله والجودُ
والفقر فيه شخوص، والغنى دَعَة ... والناس في المال مرزوق ومحدود

حدثني محمد بن أبي علي الخلادي حدثنا محمد بن الحسن الذهلي، حدثنا محمد بن يوسف السدوسي، حدثنا أحمد بن خالد القُثَمي، حدثنا سليمان مولى عبد الصمد بن علي: إن المنصور أمير المؤمنين قال لابنه المهدي :
أعلم أن رضاء الناس غاية لا تُدرك، فتحبب إليهم بالإحسان جهدك، وتودَّد إليهم بالإفضال، واقصد بإفضالك موضع الحاجة منهم ".

وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي:
أعاذلتيّ اليومَ، ويحكما مَهْلاَ ... وكُفَّا الأذى عني، ولا تكثرا العذلا
دعاني تَجُد كَفيِّ بما ملكت يدي ... سأصبح يوماً أترك الجود والبخلا
إذا وضعوا فوق الضريح جنادلا ... عليّ وخلَّفتُ والرحلا
فلا أنا مختار إذا ما نزلته ... ولا أنا لاق ما ثويت به أهلا

أنبأنا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي، حدثنا لوين، حدثنا ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة قال:
كان أبي يقول: ماِلَ قوم قطٌّ أقاموا على ماء عذب .

حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا بكر بن عامر العتريّ، حدثنا هشام ابن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :
من آتاه الله منكم مالا فليصل به القرابة، وليُحْسِن فيه الضيافة، وليَفُكَّ فيه العاني والأسير وابن السبيل والمساكين والفقراء والمجاهدين، وليصبر فيه على النائبة؛ فإن بهذه الخصال ينال كرم الدنيا وشرف الآخرة .

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين فبراير 05, 2018 11:42 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
قال أبو حاتم رضي الله عنه: أجود الجود من جاد بماله، وصان نفسه عن مال غيره، ومن جاد ساد، كما أن من بخل رذل.
والجود حارس الأعراض، كما أن العفو زكاة العقل، ومن أتم الجود أن يتعرَّى عن المنَّة؛ لأن من لم يمتن بمعروفه فقد وفَّره، والامتنان يهدم الصنائع، وإذا تعرَّت الصنيعة عن إزار له طرفان: أحدهما الامتنان، والآخر طلب الجزاء - كان من أعظم الجود، وهو الجود على الحقيقة.

ولقد أنشدني ابن زنجي:
يا رُبّ عاذلة في الجود قلت لها: ... قِليِّ، على الله فيما أنفقُ الخلفَا
هَلْ من بخيل رأيتِ المال أخلده؟ ... أم هل رأيت جواداً ميتاً عجفَا؟
لما رأتنيَ أوتي المال طالبَهُ ... ولا أبالي تلادا كان أم طرُفا
عدَّت سماحي تبذيرا، ولست أرى ... ما يُكسِبُ الحمدَ تبذيرا ولا سرفا

أنبأنا الحسين بن سفيان، حدثنا حبان بن موسى قال: قسم ابن المبارك يوما بين إخوانه وأصحاب الحديث ألف درهم، ثم أنشأ يقول:
لا خير في المال لكُنّازه ... إلا جواد الكف وهَّابه
يفعل أحيانا بزوَّاره ... ما تفعل الخمر بشرابه

حدثنا محمد بن عثمان العقبي، حدثنا الحسن بن محمد عن ابن السماك، قال:
يا عجبي لمن يشتري المماليك بالثمن، ولا يشتري الأحرار بالمعروف.

قال أبو حاتم رضي الله عنه: إن من أحسن خصال المرء الجود من غير امتنان، ولا طلب ثواب، والحلم من غير ضعف ولا مهانة.

وأصل الجود ترك الضَّنِّ بالحقوق عن أهلها، كما أن أصل تربية الجسد أن لا يحمل عليه في الأكل والشرب والباه، فكما لا تنفع المروءة بغير تواضع، ولا الحفظ بغير كفاية، كذلك لا ينفع العيش بغير مال، ولا المال بغير جود، وكما أن القرابة تبع للمودة، كذلك المحمدة تبع للإنفاق.

أنبأنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا المبارك ابن سعيد الثوري قال:
كان يقال: ثلاث هن أحسن شيء فيمن وجدت فيه:
تؤدة في غير ذل، وجود لغير ثواب، ونصب لغير الدنيا.

حدثنا أبو يعلى - بالموصل - حدثنا محمد بن الصباح الدولابي، حدثنا إسماعيل ابن زكريا عن عاصم الأحول قال:
قلت للحسن: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم :
" اليد العليا خير من اليد السفلى " ؟ قال:
يد المعطي خير من يد المانع.

يتبع

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 14, 2018 12:00 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
حدثنا أبو خليفة، حدثنا ابن كثير، أنبأنا سفيان عن الأعمش عن ذكوان وعبد الله بن مرة عن كعب قال:

من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله: فقد استكمل الإيمان.

وأنشدني الكريزي ليحيى بن أكثم:
ويُظهرُ عيبَ المرء في الناس بُخله ... ويستره عنهم جميعا سخاؤه
تغطَّ بأثواب السخاء؛ فإنني ... أرى كل عيب والسخاء غطاؤه
وأنشدني أحمد بن محمد بن عبد الله اليماني لبعض القرشيين:
سأبذلُ مالي كلما جاء طالبٌ ... وأجعله وقفا على القَرض والفَرض
فإما كريما صُنتُ بالجود عِرْضه ... وإما لئيما صُنت عن لؤمه عرضي

وأنشدني كامل بن مكرم أبو العلاء، أنشدني هلال بن العلاء بن عمر الباهلي:
ملأتُ يدي من الدنيا مرارا ... فما طمع العواذل في اقتصادي
وما وجبتْ علي زكاة مالٍ ... وهل تجب الزكاة على الجواد؟

قال أبو حاتم رضي الله عنه: البخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا، مَنْ تعلق بغصن من أغصانها جره إلى النار، كما أن الجود شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا، فمن تعلق بغصن من أغصانها جرَّه إلى الجنة، والجنة دار الأسخياء.
والبخيل يقال له في أول درجته: البخيل، فإذا عتا وطغى في الإمساك يقال له: الشحيح، فإذا ذم الجود والأسخياء يقال له: لئيم، فإذا صار يحتج للبخلاء ويعذرهم في فعالهم يقال له: الملائم.
وما أتزر رجل بإزار أهتك لعرضه، ولا أثلم لدينه من البخل.

ولقد أنشدني محمد بن إسحاق الواسطي:
لكلِ هّمٍ من الهموم سَعَهْ ... والبخل واللؤم لا فلاح مَعَهْ
قد يجمع المالَ غيرُ آكله ... ويأكل المال غير من جمعه
اقبلْ من الدهر ما أتاك به ... من قَرَّ عينا بعيشه نفعه

سمعت الخطابي بالبصرة يقول: سمعت أبا حاتم السجستاني يقول:
سأل كسرى: أي شيء أضر على ابن آدم؟ قالوا:
الفقر، قال الشح أضرُّ منه، إن الفقير إذا وجد اتسع، وأن الشحيح لا يتسع إذا وجد.

أنبأنا إبراهيم بن محمد بن يعقوب حدثنا ابن أبي القعقاع قال: قال أبو الهذيل: كنت عند يحيى بن خالد البرمكي، فدخل عليه رجل هندي، ومعه مترجم له، فقال المترجم: إن هذا رجل شاعر، قد حاول مدحتك، فقال يحيى: لينشد، فقال الهندي: أرَهِ أصَرَهِ كَكَرا كي كَرِهِ مَنْدَرِهِ فقال يحيى للمترجم: ما يقول؟ قال: يقول:
إذا المكارم في آفاقنا ذكرت ... فإنما بك يضربُ المثل
قال: فأمر له بألف دينار.
وأنشدني عبد الرحمن بن محمد المقاتلي:
إذا المرء لم يدنَس من اللؤم عِرضُهُ ... فكلُّ رِداءٍ يرتديه جميلُ
إذا قلتَ: لا، في كل شيء سئُلته ... فليس إلى حسن الثناء سبيلُ
وأنشدني عمرو بن محمد الأنصاري أنشدني الغلابي أنشدني مهدي بن سابق:
يا مانع المال، كم تَضِنُّ به ... تطمع بالله في الخلود مَعَهْ؟
هل حمل المالَ ميتٌ معه؟ ... أما تراه لغيره جمعَهْ؟

يتبع

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة فبراير 23, 2018 11:40 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
أنبأنا عمران بن موسى السختياني حدثنا سليمان بن معبد المروزي حدثنا عثمان بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن أبي علي الغافقي سمع عامر بن عبد الله اليحصبي قال: كان ابن منبه يقول:
أجود الناس في الدنيا من جاد بحقوق الله، وإن رآه الناس بخيلاً بما سوى ذلك، وإن أبخل الناس في الدنيا من بخل بحقوق الله، وإن رآه الناس كريماً جواداً بما سوى ذلك.
وأنشدني علي بن محمد البسامي:
رب مال سينعَمُ الناس فيه ... وهو عن ربه قليل الغَناء
كان يشقي به، وينصب فيه ... ثم أضحى لمعشر غرباء
ما له عندهم جزاء إذا ما ... نعموا فيه غير سوء الثناء
رب مال يكون ذمّاً وغَمّاً ... وغنىٍّ يعد في الفقراء

حدثنا أحمد بن الحسن بن أبي الصغير المدائني حدثنا الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: كان أبو حاتم - يعني الطائي - سخيّاً، وكان يضع الأشياء مواضعها، وكان حاتم مبذراً، فاجتمع يوماً عند أبيه أصحابه، وشكا إليهم حاتما، قال: والله ما أدري ما اصنع؟ لا يأخذ شيئاً إلا بَذَّره، فاجتمع رأيهم على أن لا يعطيه شيئاً سنة، قال: فأقام أبوه، ولم يمكنه من شيء سنة، مع ما هو فيه من الضر، فلما مضت السنة أمر له بمائة ناقة حمراء، قال: فلما وقفت عليه قال حاتم: من أحب شيئاً فهو له، حتى أخذوها كلها، فدعاه أبوه، فقال له: أي بني، ماذا تصنع؟ قال: والله يا أبي لقد بلغ الجوع مني شيئاً، لا يسألني أحد شيئاً إلا أعطيته إياه.
وأنشدني عبد العزيز بن سليمان:
تجودُ بالمال على وارثٍ ... ولا ترى أهلا له نفسكا
قدّمَ حسن الظن بالله مَنْ ... جادَ، وسوء الظن من أمسكا

أنبأنا عمرو بن محمد، حدثنا الغلابي، حدثنا ابن عائشة قال: كان عمر بن عبد العزيز كثيراً ما يتمثل بهذا الشعر ويعجبه:
وما تزوّدَ مما كان يجمعه ... إلا حَنوطا غداة البين مع خِرَقِ
وغيرَ نَفْحةِ أعواد تُشدُّ له ... وقلَّ ذلك من زادٍ لمنطلِقِ

أنبأنا أبو يعلى حدثنا يحيى بن أيوب المقابري حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال :
مرض ابن عمر بالمدينة، فاشتهى عنباً بغير زمانه، قال: فطلبوا، فلم يجدوا إلا عند رجل، فاشترى سبع حبات بدرهم، فجاء سائل فأمر له به، ولم يذقه

قال أبو حاتم رضي الله عنه: ما رأيت أحداً من الشرق إلى الغرب ارتدى برداء الجود واتَّزرَ بإيزار ترك الأذى إلا رأس أشكاله وأضداده، وخضع له الخاص والعام، فمن أراد الرفعة العالية في العقبى، والمرتبة الجليلة في الدنيا، فليلزم الجود بما ملك، وترك الأذى إلى الخاص والعام، ومن أراد أن يهتك عرضه، ويثلم دينه، ويَملَّه إخوانه، ويستثقله حيرانه، فليلزم البخل.

يتبع

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 28, 2018 11:32 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
ولقد ذم البخل أهل العقل في الجاهلية والإسلام إلى يومنا هذا، فمنه ما أنشدني محمد بن عبد الله البغدادي:
كأنما نُقرت كَفَّاه من حجر ... فليس بين يديه والنَّدَى عملُ
يرى التيمم في بحر وفي بلد ... مخافة أن يُرى في كَفِّه بللُ

وأنشدني عمرو بن محمد أنشدني الغلابي أنشدنا مهدي بن سابق:
لو أن دارك أنبتت لكَ، واحْتَشَتْ ... إبَراً يضيق بها فِناءُ المنزلِ
وأتاك يوسف يستعيرُك إبرة ... ليخيط قَدَّ قميصه لم تفعل

وأنشدني أحمد بن محمد بن أيوب:
وكَفَّاك لم يخلقا للندى ... ولم يك بخلهما بدْعَه
فكفٌّ عن الخير مقبوضة ... كما حط من مائة سبعه
وأخرى ثلاثة آلافها ... وتسع مئيها لها شِرْعه

سمعت محمد بن نصر بن نوفل المروزي يقول: سمعت محمد بن صالح الوركاني يقول: قيل للنضر بن شُميل:
أي بيت قالته العرب أسخى؟ قال: الذي يقول:
فلو لم تكن في كفِّه غيرُ روحه ... لجادَ بها، فليتق الله سائلُه
قال: وأي بيت قالته العرب أبخل؟ فقال:
لو جُعِلَ الخردلُ في كفِّه ... ما سَقَطَتْ من كفِّه خردَلَة
قال: وأي بيت قالته العرب أهجى؟ فقال:
العَجْرَفيُّون لا يوفون ما وعدوا ... والعجرفيَّات ينجزن المواعيدا

قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل، إذا لم يُعرف بالسماحة، أن لا يعرف بالبخل، كما لا يجب، إذا لم يعرف بالشجاعة، أن يعرف بالجبن، ولا إذا لم يعرف بالشهامة أن يعرف بالمهانة، ولا إذا لم يعرف بالأمانة أن يعرف بالخيانة، إذ البخل بئس الشعار في الدنيا والآخرة، وشر ما يُدّخر من العمال في العقبى.

حدثنا أحمد بن عمرو بن جابر بالرملة، حدثنا أبو عتبة الحمصي أحمد بن الفرج حدثنا ضمرة، حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة قال: سمعت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز تقول: أفٍّ للبخل، والله لو كان طريقاً ما سلكته، ولو كان ثوباً ما لبسته.

حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا العباس بن بكار الهذلي قال: قال الحسن:
من أيقن بالَخْلَفِ جاد بالعطية.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 07, 2018 10:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
الزجر عن ترك قبول الهدايا من الإخوان

حدثنا محمد بن صالح الطبري حدثنا عبد الله بن عمران الأصبهاني - بالري - حدثنا يحيى بن ضريس، حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية، ولا تضربوا المسلمين "

قال أبو حاتم رضي الله عنه: زجر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر عن ترك قبول الهدايا بين المسلمين.
فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية أن يقبلها ولا يردها، ثم يثيب عليها إذا قدر، ويشكر عنها، وإني لأستحب للناس بعثَ الهدايا إلى الإخوان بينهم، إذ الهدية تورث المحبة، وتذهب الضغينة.

ولقد حدثنا محمد بن المهاجر، حدثنا الدارمي، حدثنا عبد الله بن صالح، أنبأنا الليث قال: سمعت عبد الملك بن رفاعة الفهمي يقول: الهدية هو السِّحْر الظاهر.

حدثني إبراهيم بن أبي أمية بطرسوس، حدثنا حامد بن يحيى البلخي، حدثنا سفيان قال: لما قعد أبو حنيفة قال للناس مُسَاور الوراق:
كنا من الدِّين قبل اليوم في سَعة ... حتى بلينا بأصحاب المقاييس
قوم إذا اجتمعوا صاحوا كأنهم ... ثعالب ضَبَحت بين النواويس
قال: فبلغ ذلك أبا حنيفة، فبعث إليه بمال، فقال مساور حين قبض المال:
إذا ما الناسُ يوماً قايسونا ... بآبدةٍ من الفتيا طريفة
أتيناهم بمقياس صحيح ... مصيب من طراز أبي حنيفة
إذا سمع الفقيه بها وعاها ... وأثبتها بحبر في صحيفة

وأنشدني الكريزي:
إن الهدية حلوة ... كالسحر تختلبُ القلوبا
تدني البعيد من الهوى ... حتى تُصيره قريبا
وتعيد مضطغن العدا ... وة بعد بغضته حبيبا
تنفي السخيمة من ذوي الشَّ ... حْنَا وتمتحق الذنوبا

أنبأنا الحسين بن إسحاق الأصبهاني - بالكرج - وإبراهيم بن محمد الدستوائي بتستر قالا: حدثنا محمد بن عبيد بن عتبة الكندي حدثنا بكار بن أسود العامري حدثنا إسماعيل بن أبان قال: بلغ الحسن بن عمارة أن الأعمش يقع فيه، فبعث إليه بكسوة، فلما كان بعد ذلك مدحه الأعمش، فقيل له: كيف تذمه ثم تمدحه؟ قال: إن خيثمة حدثني عن عبد الله قال : إن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها .

قال أبو حاتم رضي الله عنه: قال لنا هذان الشيخان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أهابه، قال: والبَشر مجبولون على محبة الإحسان، وكراهية الأذى، واتخاذ المحسن إليهم حبيباً، واتخاذ المسيء إليهم عدوا.
فالعاقل يستعمل مع أهل زمانه لزوم بعث الهدايا بما قدر عليه لاستجلاب محبتهم إياه، ويفارقه تركه مخافة بغضهم.
ولقد أنشدني الأبرش:
هدايا الناس بعضِهمُ لبعض ... تُولّد في قلوبهمُ الوصالا
وتزرع في الضمير هَوىً وودا ... وتكسوك المهابة والجلالا
مصايد للقلوب بغير لَغب ... وتمنحك المحبة والجمالا

يتبع

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة مارس 16, 2018 11:01 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
حدثني محمد بن سعيد القزاز، حدثنا عبد الله بن لقمان البهراني النجراني حدثنا موسى بن أيوب، حدثنا خداش بن المهاجر عن الحسن بن دينار عن ابن سيرين قال: كانوا يتهادَون الدراهم في الجوالقات والأطباق.

قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل أن يستعمل الأشياء على ما يوجب الوقت، ويرضى بنفاذ القضاء، ولا يتمنى ضد ما رزق، وإن كان عند الشيء التافه يجب أن لا يمتنع من بذله لاستحقاره واستقلاله؛ لأن أهون ما فيه لزوم البخل والمنع، ومن حقر شيئاً منعه، بل يكون عنده الكثرة والقلة في الحالة سيان؛ لأن ما يورث الكثير من الخصال أورث الصغير بقدره من الفعال.

حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري، حدثنا الغلابي، حدثنا إبراهيم بن عمرو بن حبيب عن الأصمعي قال: دخلنا على كَهْمَس العابد، فجاء بخمسة وعشرين بُسرة حمراء، فقال: هذا الجهد من أخيكم، والله المستعان.

وأنشدني ابن زنجي:
إن المنى عجبٌ لله صاحبها ... لعلَّ حَتْفَ امرئ فيما تمناه
فإن ترى عبراً فيهنّ معتبرٌ ... يجري بها قدر، فالله أجراه
لا تحِقرنّ من الإحسان محقرة ... أحسن، فعاقبة الإحسان حُسناه

حدثنا محمد بن أيوب بن مشكان - بطبرية قصبة الأُردنّ - حدثنا أبو عتبة حدثنا سلمة بن عبد الملك العرضي حدثنا المعافى بن عمران قال: سمعت ميمون يقول: من رضي من خلة الإخوان بلا شيء فليواخ أهل القبور.

حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد القيسي حدثنا محمد بن الوليد بن أبان العقيلي حدثنا نعيم بن حماد قال: أنشدني ابن المبارك:
ما ذاق طعمَ الغنى من لا قُنوع له ... ولن ترى قانعاً ما عاش مفتقرا
والعرف من يأته يَحمد عواقبه ... ما ضاع عُرْف، ولو أوليته حجرا

سمعت يوسف بن يونس الفَرْغَاني يقول: بعث أبو السنور الشاعر إلى الأمير أبي الأشعث بطبق وردٍ يوم النيروز هدية، وبعث إليه بهذه الأبيات:
بعثنا ببرٍّ تافهٍ، دون قدركم ... وما تبعث الألطاف للقُلِّ والكثر
ولكنَّ ظرفا أن تزيد مودة ... فهل تكرْمَنّا بالقبول وبالعذر؟
لو كان بِري حَسْبَ ما أنت أهله ... أتاك إذاً روحي على طبق البر

سمعت عمر بن محمد الهمداني يقول: سمعت وزيره بن محمد الغساني يقول: قدم بعض الكتاب العسكر، فأهدى إليه إخوانه، وكان فيهم مَنْ قعدت به الحال، فوجّه إليه بدُقّة وأشنان، وكتب إليه:
لو تمت الإرادة - جعلت فداءك! - ببلوغ النية فيه، وملّكتني الجدة بَسْط القدرة لأتعبت السابقين إلى برك، ولبرزت أمام المجتهدين في فضلك، ولكن البضاعة قعدت بالهمة، وقصرت عن مساماة أهل النعمة، وكرهت أن تطوى صحيفة البر، وليس فيها ذكر، فوجهت إليك بالمبتدأ به ليمنه وبركته، وبالمختتم به لطيبه ونفعه، مقتصراً عن ألم التقصير فيه، فأما ما سوى ذلك فالمعبر عني في قوله الله )91:9 ليس على الضعفاء ولا على المرضى، ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج( والسلام.

يتبع
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 21, 2018 11:53 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
حدثنا محمد بن يوسف الأرمني، حدثنا إبراهيم بن عبد العزيز الموصلي، حدثنا محمد بن علي بن الفضل المديني، حدثنا عبد الله بن شعيب الزبيري، حدثنا محمد ابن إسحاق المسيبي عن القاسم بن المعتمر عن حميد بن معيوف عن أبيه قال :
كنت ممن شهد الحكم بن حنطب بمنبج، وهو يريد أن يموت، وقد كان لقي من الموت شدة، فقلت - أو قال رجل - : اللهم هَوِّنْ عليه الموت، فلقد كان، ولقد كان. فأثنى عليه، فأفاق من غشيته، قال: من المتكلم؟ قال المتكلم: أنا. قال: إن ملك الموت يقول: إني بكل رجل سخي رفيق، قال: ثم كأن فتيلة أطفئت. فمات، فبلغ ابن هَرْمَة الشاعر موتهُ فأنشأ يقول:
سألا عن المجد والمعروف أين هما؟ ... فقلت: إنهما ماتا مع الحكَمِ
ماتا مع الرجل الموفى بذمته ... يوم الحفاظ إذا لم يوفَ بالذِّمَمِ
ماذا بمنْبجَ لو تُنْبش مقابرها ... من التهدُّم بالمعروف والكرمِ

حدثنا محمد بن المهاجر، حدثنا محمد بن موسى السمري عن حماد بن إسحاق ابن إبراهيم عن أبيه قال: قيل للمغيرة بن شعبة: ما بقي من لذتك؟ قال: الإفضال على الإخوان، قيل: فما أحسنُ الناس عيشاً؟ قال: من عاش بعيشهِ غيره، قيل: فمن أسوأ الناس عيشاً؟ قال: من لا يعيش بعيشه أحد.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 28, 2018 11:46 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
استحباب التفريج عن الناس بقضاء الحوائج

حدثنا أبو عمرو محمد بن محمود النسائي، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا محاضر بن المورع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من نفَسَّ عن أخيه كُرْبَة من كُرْب الدنيا نَفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يَسّر على معسر، يَسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ".

قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على المسلمين كافة نصيحة المسلمين والقيام بالكشف عن همومهم وكربهم؛ لأن من نَفَّس كربة من كرب الدنيا عن مسلم نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن تَحرَّى قضاء حاجته ولم يُقْضَ قضاؤها على يديه فكأنه لم يقصر في قضائها، وأيسر ما يكون في قضاء الحوائج استحقاق الثناء، والإخوان يعرفون عند الحوائج، كما أن الأهل تختبر عند الفقر؛ لأنَّ كل الناس في الرخاء أصدقاء، وشر الإخوان الخاذل لإخوانه عند الشدة والحاجة، كما أن شرَّ البلاد بلدة ليس فيها خِصْب ولا أمن.
وأنشدني الكريزي:
خيرُ أيامِ الفتى يومٌ نَفَعْ ... واصطناع العُرف أبقى مصطَنَعْ
ما يُنالُ الخيرُ بالشر، ولا ... يَحصُدُ الزارع إلا ما زَرَعْ
ليس كلُّ الدهر يوما واحدا ... ربما انحط الفتى، ثم ارتَفَعْ

حدثنا محمد بن سليمان بن فارس، حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي، حدثنا بشر ابن عمر، حدثنا الربيع قال:
كان الحسن يقول :قضاء حاجة أخ مسلم أحب إليّ من اعتكاف شهرين .

وأنشدني علي بن محمد البسامي:
سابق إلى الخير وبادرْ به ... فإنَّ مِن خَلفكَ ما تعلمُ
وقدّمِ الخير، فكل امرئ ... على الذي قدمه يَقْدَمُ

حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد القيسي، حدثنا محمد بن موسى البصري، حدثنا الأصمعي، حدثنا أبو معمر شبيب بن شيبة الخطيب قال: لما حضرَت ابن سعيد ابن العاص الوفاةُ قال لبنيه :
يا بنيّ، أيُّكم يقبل وصيتي؟ فقال ابنه الأكبر: أنا قال: إن فيها قضاء ديني، قال: وما دينك يا أبت؟ قال: ثمانون ألف دينار، قال: يا أبت فيم أخذتها؟ قال: يا بني في كريم سددت خَلَّته، ورجل جاءني في حاجة وقد رأيت السوء في وجهه من الحياء، فبدأت بحاجته قبل أن يسألها .

قال أبو حاتم رضي الله عنه: حقيق على من علم الثواب أن لا يمنع ما ملك من جاه أو مال إن وجد السبيل إليه قبل حلول المنية، فيبقى عن الخيرات كلها، ويتأسف على ما فاته من المعروف.
والعاقل يعلم أن من صحب النعمة في دار الزوال لم يخلُ من فقدها، وأن من تمام الصنائع وأهناها إذا كان ابتداء من غير سؤال.

يتبع
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 04, 2018 11:47 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا الغلابي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي قال: دخل أبو العتاهية على الرشيد، فقال: سل يا أبا العتاهية، فقال:
إذا كان المنال ببذل وجه ... فلا قرَّبْتُ من ذاك المنال

وأنشدني عبد العزيز بن سليمان:
يبقى الثناء وتنفَذُ الأموال ... ولكل دهر دولةٌ ورجال
ما نال مَحمَدة الرجال وشكرَهْم ... إلا الصبور عليهمُ المفضال

حدثني محمد بن عبدل بن المهدي الشعراني، حدثنا محمد بن يزيد الطرسوسي حدثنا ابن عائشة قال: قال أبي :
جاء رجل إلى يحيى بن طلحة بن عبيد الله، فقال له: هب لي شيئا، قال: يا غلام أعطه ما معك، فأعطاه عشرين ألفاً، فأخذها ليحملها فثقلت عليه، فقعد يبكي، فقال: ما يبكيك؟ لعلك اسثقللتها فأزيدك، قال: لا، والله ما استثقللتها، ولكن بكيت على ما تأكل الأرض من كرمك، فقال له يحيى: هذا الذي قلت لنا أكثر مما أعطيناك .

قال أبو حاتم رضي الله عنه: لا يجب الإلحاف عند السؤال في الحوائج؛ لأن شدة الاجتهاد ربما كانت سبباً للحرمان والمنع، والطالب للفلاح كالضرّاب بالقِداح: سهم له، وسهم عليه، فإن أعطى وجب عليه الحمد، وإن منع لزمه الرضاء بالقضاء، ولا يجب أن يكون السؤال إلا في ديار القوم ومنازلهم، لا في المحافل والمساجد والملأ؛ لأن محمد بن محمود النسائي حدثنا، قال: حدثنا علي بن خَشْرم، حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبي عن حنيف المؤذن قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
لا تسألوا الناس في مجالسهم ومساجدهم فتفحشوهم، ولكن سلوهم في منازلهم، فمن أعطى أعطى، ومن منع منع .

قال أبو حاتم رضي الله عنه: الذي قاله عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ورضوانه إذا كان المسئول كريما، فإنه إن سئل الحاجة في نادي قومه ولم يكن عنده قضاؤها تشور وخجل. وأما إذا كان المسئول لئيما ودُفع المرء إلى مسألته في الحاجة تقع له فإنه إن سأله في مجلسه ومسجده كان ذلك أقضى لحاجته، لأن اللئيم لا يقضي الحاجة ديانة ولا مُروءة، إنما يقضيها إذا قضاها طلباً للذكر والمحمدة في الناس.
على أني أستحب للعاقل أنْ لو دفعه الوقت إلى القِدِّ ومَصِّ الحصَى ثم صبر عليه لكان أحرى به من أن يسأل لئيما حاجة؛ لأن إعطاء اللئيم شَين، ومنعه حَتْف.

ولقد أنشدني محمد بن عبد الله البغدادي:
إذا أعطى القليل فتىً شريف ... فإن قليل ما يعطيك زينُ
وإن تكن العطية من دنِيٍّ ... فإنَّ كثير ما يعطيك شينُ

يتبع
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة إبريل 13, 2018 11:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
أنبأنا أحمد بن محمد بن الفضل السجستاني بدمشق، حدثنا علي بن خشرم قال: سمعت سعيد بن مسلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي يقول: خرجت حاجا فملَلْت المحمل، فنزلت أساير القُطرَات، فقال: أتانا أعرابي، فقال لي: يا فتى لمن الجمال بما عليها؟ قلت: لرجل من باهلة، قال: يا الله أن يعطي الله باهليا كل ما أرى، قال: فأعجبني ازدراؤه بهم، ومعي صُرَّة فيها مائة دينار، فرميت بها إليه، فقال: جزاك الله خيراً! وافقت مني حاجة، فقلت: يا أعرابي، أيسرك أن تكون الجمال بما عليها لك وأنت من باهلة؟ قال: لا، قلت: أفيسرك أن تكون من أهل الجنة وأنت باهلي؟ قال: بشرط أن لا يعلم أهل الجنة أني من باهلة، فقلت: يا أعرابي، الجمال بما عليها لي وأنا من باهلة، قال: فرمى بالصُّرة إليّ، فقلت: سبحان الله! ذكرت إنها وافقت منك حاجة، قال: ما يسرني أن ألقى الله ولباهليّ عندي يد، فحدثت بها المأمون، فجعل يتعجب ويقول: ويحك يا سعيد! ما كان أصبرك عليه.

حدثنا محمد بن الرقام بتستَرَ حدثنا أبو حاتم السجستاني حدثنا الأصمعي حدثنا هاشم بن القاسم قال: سألت سالم بن قتيبة حاجة، فقضاها، ثم سألته أخرى، فانتهرني وقال: حاجتين في حاجة، أو قال: على الريق؟ ثم دعا بالطعام، فلما تغدى قال: هات حاجتك، أما سمعت قول الصبيان:
إذا تغديتُ وطابتْ نفسي ... فليس في الحق غلام مثلي
- إلا غلام قد تغدى قبلي -

أنبأنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا مهدي بن سابق عن عطاء بن مصعب قال: قال أبو عمرو المنذري: أتيت مسلم بن قتيبة في حاجة، وكان له صديق من أهل الشام فكلمته أن يكلمه في حاجتي، فجعل يقول: اليوم، غداً، فطال عليَّ، فتراءيت له، وقد كان يعرفني، فدعاني فقال: أبا عمرو، إنك لههنا؟ قلت: نعم، أطالبك بحاجة منذ كذا وكذا وسيلتي فيها فلان، فضحك وقال: قد كنت أراك قد أحكمت الآداب، لا تستعن إلا من تطلب إليه حاجة بمن له عنده طُعْمةُ: فإنه لا يؤثرك على طعمته، ولا تستعن بكذاب: فإنه يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب، ولا تستعن بأحمق، فإن الأحمق يجهد لك نفسه، ولا يكون عنده شيء، ولا يبلغ لك ما تريد، فانصرفت، فقلت: يكفيني هذا، قال: لا، ولكن تقضي لك حاجتك، فقضاها.

قال أبو حاتم رضي الله عنه: لا يجب للعاقل أن يتوسل في قضاء حاجته بالعدو، ولا بالأحمق، ولا بالفاسق، ولا بالكذاب، ولا بمن له عند المسئول طعمة، ولا يجب أن يجعل حاجتين في حاجة، ولا أن يجمع بين سؤالي وتقاض، ولا يظهر شدة الحرص في اقتضاء حاجته، فإن الكريم يكفيه العلم بالحاجة دون المطالبة والاقتضاء.
ولقد أنشدني منصور بن محمد الكريزي:
وإذا طلبتَ إلى كريم حاجة ... فاصبر، ولا تكُ للِمِطال مَلُولاَ
لا تُظْهِرَنْ شَرَهَ الحريص، ولا تكن ... عند الأمور إذا نهضت ثقيلا

وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي العرزمي:
وإذا طلبت إلى كريم حاجة ... فحضوره يكفيك والتسليم
فإذا رآك مسلماً عرف الذي ... حمَّلته فكأنه ملزوم

قال أبو حاتم رضي الله عنه: العاقل لا يتسخط ما أعطى، وإن كان تافهاً؛ لأنه من لم يكن له شيء فكل شيء يستفيده ربح، ربح، ولا يجب أن يسأل الحاجة كل إنسان: فرب مهروب منه أنفع من مستغاث إليه، ولا يجب أن يكون السائل متشفعاً لآخر؛ لأن من لم يقدر على أن يسبح فلا يجب أن يحمل على عنقه آخر، ومن سئل فليبذل؛ لأن مال المرء نصفان، له ما قدم، ولوارثه ما خلَّف، وأقرب الأشياء في الدنيا زوالا المال والولاية، والتعاهد للصنيعة بالتحفظ عليها أحسن من ابتدائها، ومَنْ غرس غراساً فلا يَضْنَنْ بالنفقة على تربيته، فتذهب النفقة الأولى ضياعاً.

يتبع
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 23, 2018 12:00 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
حدثني محمد بن أبي علي الخلادي حدثني محمد بن أبي يعقوب الربعي حدثنا عبد الكريم بن محمد الموصلي حدثنا أبي، قال: سمعت أبا تمام حبيب بن أوس الطائي يقول: وقفت على باب مالك بن طَوْق الرحبي أشهراً فلم أصل إليه، ولم يعلم بمكاني، فلما أردت الانصراف قلت للحاجب: أتأذن لي إليه أم أنصرف؟ قال: أما الآن فلا سبيل إليه، قلت: فإيصال رقعة؟ قال: لا، ولا يمكن هذا، ولكن هو خارج اليوم إلى بستان له فاكتب الرقعة وارْمِ بها في موضع أرانيه الحاجب، فكتبت:
لعمري، لئن حَجَبتني العبي ... د عنك، فلم تحجب القافيهْ
سأرمي بها من وزراء الجدا ... ر شنعاء تأتيك بالداهيهْ
تصم السميع وتعمى البصير ... ومن بعدها تسأل العافيهْ
فكتبت بها ورميت بها من المكان الذي أرانيه الحاجب فوقعت بين يديه، فأخرجها فنظر فيها، فقال: عليَّ بصاحب الرقعة، فخرج الخادم، فقال: من صاحب الرقعة؟ قلت: أنا، فأدخلت عليه، فقال لي: أنت صاحب الرقعة؟ قلت: نعم، فاستنشدني، فأنشدته. فلما بلغت - ومن بعدها تسأل العافية - قال: لا، بل نسأل العافية من قبلها، ثم قال: حاجتك؟ فأنشأت أقول:
ماذا أقول إذا انصرفت وقيل لي: ... ماذا أصبت من الجواد المفضل؟
وإن قلتُ: أغناني كذبت، وإن أقل ... ضنّ الجواد بماله، لم يجمل
فاختر لنفسك ما أقولُ، فإنني ... لابد أخبرهم، وإن لم أُسأل
فقال: إذاً والله لا أختار إلا أحسنها، كم أقمت ببابي؟ قلت: أربعة أشهر، قال: يعطى بعدد أيامه ألوفاً، فقبضت مائة وعشرين درهم.

سمعت محمد بن نصر بن نوفل بقوقل يقول: سمعت أبا داود السنجي يقول: كان ببغداد رجل يقال له: ابن الهفت، فمر يوماً على سائل واقف على الجسر، وهو يقول:
اللهم ارزق المسلمين حتى يعطوني، فقال له: تسأل ربك الحوالة؟

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد إبريل 29, 2018 11:40 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
الحث على إعطاء السؤال وطلب المعالي

حدثنا محمد بن صالح الطبري بالصيمرة حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني حدثنا مصعب بن المقدام حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال :
ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا، ولا ضرب بيده شيئاً قط .

قال أبو حاتم رضي الله عنه: إني لأستحب للمرء طلب المعالي من الأخلاق، مع ترك رد السؤال؛ لأن عدم المال خير من عدم محاسن الأخلاق، والندامة موكلة بترك معالجة الفرصة، وإن الحرَّ - حقَّ الحر - من أعتقته الأخلاق الجميلة، كما أن أسوأ العبيد من استعبدته الأخلاق الدنية، ومن أفضل الزاد في المعاد اعتقاد المحامد الباقية، ومن لزم معالي الأخلاق أنتج له سلوكها فراخا تطير بالسرور.

ولقد حدثني محمد بن سعيد القزاز حدثنا هارون بن صدقة القاضي حدثنا المسيب بن واضح يقول: سمعت يوسف بن أسباط يقول: ما كان المال مذ كانت الدنيا أنفع منه في هذا الزمان.
وأنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي:
بادر هواك إذا همَمْت بصالح ... خوف العوائق أن تجيء فتغلِب
وإذا هممت بسيئ فتعده ... وتجنب الأمر الذي يتجنب

قال أبو حاتم رضي الله عنه: ما ضاع مال ورَّث صاحبه مجداً، ولولا المتفضلون مات المتجملون، وليس يستحق المرء اسم الكرم بالكف عن الأذى إلا أن يقرنه بالإحسان إليهم، فمن كثر في الخير رغبته، وكان اصطناع المعروف همته، قصده الراجون، وتأمله المتأملون، ومن كان عيشه وحده ولم يعش بعيشة غيره فهو - وإن طال عمره - قليل العمر، والبائس من طال عمره في غير الخير، ومن لم يتأسَّ بغيره في الخير كان عاجزاً، كمان أن من استحسن من نفسه ما يستقبحه من غيره كان كالغاش لمن تجب عليه نصيحته، ومن لم يكن له همة إلا بطنه وفرجه عُدَّ من البهائم، والهمة تُبلِّغ الرتبة العالية؛ لأن الناس بهمتهم.

ولقد حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري حدثنا الغلابي حدثنا ابن عائشة قال: قال عبيد الله بن زياد بن ظبيان: كان لي خال من كلب، فكان يقول لي: يا عبيد الله، هِمّ؛ فإن الهمة نصف المروءة.
وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي.
قد بلونا الناس في أخلاقهم ... فرأيناهم لذي المال تَبَعْ
وحبيب الناس مَن أطمعهم ... إنما الناس جميعاً بالطمع

حدثنا عمر بن حفص البزاز - بجند يسابور - حدثنا إسحاق من الضيف حدثنا الحسن بن واقع الرملي حدثنا ضمرة بن ربيعة، قال: سمعت كديرا أبا سليمان الضبي يقول :
كان لقصر إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم ثمانية أبواب من حيث جاء السائل أعطى .

حدثنا محمد بن أحمد الرقام - بتستر - حدثنا إسحاق بن الضيف حدثنا أبو مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز أن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: سمع رجلا إلى جنبه يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف فبعث بها إليه.
وأنشدني الكريزي:
لا تحقرنَّ صنيع الخير تفعله ... ولا صغير فعال الشر من صغره
فلو رأيت الذي استصغرت من حَسَنٍ ... عند الثواب أطلت العجب من كبره

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة مايو 04, 2018 10:40 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
سمعت أحمد بن محمد بن عبد الله اليماني يقول: سمعت صالح بن آدم يقول: أنشد إنسان عند عبد الله بن جعفر هذين البيتين:
إن الصنيعة لا تكونُ صنيعةً ... حتى يُصابَ بها طريقُ المصنع
فإذا صنعت صنيعة فأعمد بها ... لله، أو لذوي القرابة، أودَعِ
فقال عبد الله بن جعفر: إن هذين البيتين يبخلان الناس؛ ينبغي لمن عمل بهذا أن يدعو لمن طلب حاجة بالبينة، بل تُبَثُّ الصنائع ويُرمَي بها مواضع القَطْر حيث حَلّت، وفي مثله يقول العتابي:
له في ذوي المعروف نُعمَى، كأنه ... مواقعُ ماء القَطْر في البلد القَفْرِ
إذا ما أتاه السائلون لحاجة ... علَته مصابيحُ الطلاقة والبِشْرِ

حدثنا أحمد بن محمد سعيد القيسي حدثنا أحمد بن مسروق حدثني ابن سعيد عن شيخ له قال: رأيت ابن المبارك يَعَضُّ يد خادم له، فقلت له: تعضُّ يدَ خادمك؟ قال: كم آمره أن لا يعد الدراهم على السؤال، أقول له: أُحْثُ لهم حَثْواً.

حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: قال إبراهيم بن أبي البلاد: حدثني أخي قال: رأيت الحجاج بمنى في عمله على العراق، وقام إليه رجال من أهل الحجاز يسألونه، فقال: توهمتم بنا أنّا بغير بلادنا وما لكم مَترْك، مَن ههنا من أهل العراق؟ فقام إليه تجار أهل العراق، فقال: هل من سلف؟ فقالوا: نعم، فحملوا إليه ألف ألف درهم، فقسمها، فلما قدم العراق ردها، وما أكثر ظني أنها ومثلها معها.

قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل أن يبدأ بالصنائع والإحسان الأفْرضَ فالأفْرضَ، يبدأ بأهل بيته، ثم بإخوانه وجيرانه، ثم الأقرب فالأقرب، ويتحرى المعروف والإحسان في أهل الدين والعلم منهم، ويجتنب ضد ما قلنا؛ لأن مثَلَ من لم يفعل ما أوْمَأْنا إليه كما أنشدني الحسين بن أحمد البغدادي:
تَصُول على الأدنى، وتجتنب العِدَا ... وما هكذا تُبنَى المكارمُ يا يحيى
فكنتَ كفحل السوء ينزو بأمه ... ويترك باقي الخيل سائمة ترعى

وأنشدني البسامي:
وكنت كمهريق الذي في سقائه ... لرَقْراق ماءٍ فوق رابية صَلْدِ
كمرضعة أولادَ أخرى، وضَيَّعت ... بني بطنها، هذا الضلالُ من القصد

قال أبو حاتم رضي الله عنه: العاقل يبتدئ بالصنائع قبل أن يسأل؛ لأن الابتداء بالصنيعة أحسن من المكافأة عليها، والإمساك عن التعرض خير من البذل، والصنائع إنما تحسن بإتمامها، والتحافظ عليها بعدها؛ لأن بصلاح الخواتم تزكو الأوائل، والعطية بعد المنع أجمل من المنع بعد العطية، والناس في الصنائع على ضربين: شاكر، وكافر، ولقد أنشدني بعض إخواننا:
وما الناسُ في حسن الصنيعة عندهم ... وفي كفرهم إلا كبعض المزارع
فمزرعة طابت وأضعف رَيْعُها ... ومزرعة أكْدتْ على كل زارع

يتبع
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مايو 09, 2018 11:53 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي:
ومن يَضَع المعروف في غير أهله ... يكن ضائعاً في غير حمد ولا أجر
وحسب امرئ من كُفْر نُعْمَى جُحودُها ... إذا وقعت عند امرئ غير ذي شكر

وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي:
لعمرك ما المعروفُ في غير أهله ... وفي أهله إلا كبعض الودائع
فمستودَع ضاع الذي كان عنده ... ومستودَع ما عنده غير ضائع

قال أبو حاتم رضي الله عنه: الهمَج من الناس إذا أحسن إليه يرى ذلك استحقاقا منه له، ثم يرى الفضل لنفسه على المحسن إليه، فلا يحمد عند الخير، ولا يشكر عند البر، ويتعجب ممن يشكر، ويذمُ من يحمد، وإذا امتحن العاقل بمثل مَنْ هذا نعته استعمل معه ما أنشدني الكريزي:
إن ذا اللؤم إذا أكرمته ... حَسِبَ الإكرام حقا لزمكْ
فأهِنْه بهوان، إنه ... إن تُهنه بهوان أكرمك

وأنشدني الأبرش:
إذا أَوْلَيْتَ معروفاً لئيماً ... يَعُدُّك قد قتلتَ له قتيلا
فكنْ من ذاك معتذراً إليه ... وقلْ: إني أتيتك مستقيلا
فإن تغفر، فمجترمي عظيمٌ ... وإن عاقَبْتَ لم تَظلم فتيلا
ولستُ بعائد أبدا لهذا ... وقد حَمَّلتني حِملا ثقيلا

قال أبو حاتم رضي الله عنه: أهنأ الصنائع، وأحسنها في الحقائق، وأوقعها بالقلوب، وأكثرها استدامة للنعم، واستدفاعاً للنقم، ما كنت خالية عن المنن في البداءة والنهاية، معترية عن الامتنان، وهو الغاية في الصنيعة، والنهاية في الإحسان.
ولقد أنشدني محمد بن عبد الله البغدادي:
أحسنُ من كل حَسَنْ ... في كل وقت وزمنْ
صنيعة مربوبة ... خالية من المِنَنْ

حدثنا محمد بن غدار بن محمد الحارثي بالبصرة حدثنا سهل بن زادويه حدثنا محمد بن أبي الدواهي عن أبيه قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
ما أحسن الدنيا وإقبالَها ... إذا أطاعَ اللهَ من نالها
من لم يُوَاس الناس من فضلها ... عرَّض للأدبار إقبالها
فأحذر زوال الفضل يا حائراً ... وأعطِ من الدنيا لمن سالها
فإن ذا العرش سريع الجزا ... يُخلف بالحبة أمثالها

حدثنا محمد بن المهاجر حدثنا محمد بن أحمد بن النضر المعني حدثني سعيد حدثني أبوك - يعني أباه أحمد بن النضر - قال: كان بالكوفة قوم من العرب، فأصابت رجلا منهم حاجة، فكان عيالُه يغزلون ويبيعون، وكان يَشْرَكهم، فقالوا: لا تعود علينا بشيء، وما نكسب تشركنا فيه، فأنِفَ من قولهم، فخرج يَؤُمّ بغداد، ولم يدخل بغداد قبل ذلك، وليس له حميم ولا قريب بها، فدخلها ومَرَّ على وجهه، فمر على باب يعقوب بن داود كاتب المهدي، فرأى قوماً جلوساً عليهم بزَّة، فقال: ما أخلق هؤلاء دُعوا إلى وليمة، لو دخلت معهم لعلِّي أصيبُ شَبْعة فاندسَّ معهم، فخرج الإذن، فقال: ادخلوا، فدخلوا إلى دار قَوْراء كبيرة، وإذا بَهْوٌ في صدر الدار، فجلسوا في البهو يَمْنَة ويسْرة، وأخلوا الصدر فجاء يعقوب فسلم عليهم وقعد، ثم قال: يا غلام، هات، فجاء بصوان عليها مناديل مغطى بها، وإذا فيها أكياس، فقال: أعطهم، فوضَعوا في حِجْر كل رجل منهم كيسا، ووضعوا في حجري كيسا، حتى فرغ منهم، ثم قال: أعد عليهم، فوضع في حجر كل رجل منهم كيسا حتى وإلى بين خمسة أكياس، ثم قال: قوموا مباركٌ لكم، وقد تعينه الخدم، وليس له عندهم اسم ولم يعرفوه: فلما بلغ الدهليز ربطوه فصاح وصاحوا، وسمع يعقوب الصوت، فقال: ما هذا؟ فقالوا رجل دخل مه هؤلاء القوم لا نعرفه، فقال: علي به، فقال له: يا عبد الله، ما أدخلك هذه الدار؟ فقص عليهم القصة والسبب الذي دخل له، فقال له: من أين أنت؟ قال: من أهل الكوفة، قال: من يعرفك بالكوفة؟ قال: يعرفني فلان وفلان، فسمى له قوماً يعرفهم، فقال: خلوا عن الرجل، إنا كاتبون إلى هؤلاء القوم: فإن كان الأمر على ما ذكرت، فتعال كل سنة في هذا الوقت، ولك عندنا مثل هذا، وكتب إلى القوم، فسألهم فكتبوا بمعرفته، فكان يجيء أيام حياته فيأخذ خمسة آلاف وينصرف.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً دائما ابدا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 199 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 8, 9, 10, 11, 12, 13, 14  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 93 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط