موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 84 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 29, 2016 5:22 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

خلاصة ما ذكره فحول الأصوليين العلماء الراسخين في علم الأصول في بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق ذات الله الواحد الأحد الجليل تعالى وتقدس

[1] : جاء في متن أم البراهين المسمى بالعقيدة السنوسية الصغرى للإمام أبي عبد الله محمد السنوسي الحسني:


( أعْلَمْ أّنَّ الْحُكْمَ العَقْليَّ يَنْحَصِرُ فِي ثَلاَثَةِأَقْسَامٍ : الْوُجُوبِ ، وَالاِسْتِحَالَةِ ، وَالجَوَازِ ، فَالْوَاجِبُ :مَالايُتَصَوَّرُ فِي الْعَقْلِ عَدَمُهُ ، وَالمُسْتَحِيلُ :مَالاَ يُتَصَوَّرُ فِيالْعَقْلِ وُجُودُهُ ، وَالجَائِزُ :مَا يَصِحُّ فِي الْعَقْلِ وَجَودَهَ وَعَدَمُهُ ، وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ شَرْعً اأّنْ يَعْرِفَ مَا يَجِبُ فِي حَقِّ مَوْلاَنَا جَلَّ وَعَزَّ ، وَمَا يَسْتَحِلُ ، وَمَا يَجُوزُ ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ مِثْلَ ذلِكَ فِي حَقِّ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وّالسَّلاَمُ.

فِمَمَّا يَجِبُ لِمَوْلاِنَا جَلَّ وَعَزَّ عِشْرُونَ صِفَةً ،وَهِيَ :الْوَجُودُ ،وَالْقِدَمُ ، وَالبَقَاءُ ، وَمُخَالَفَتُهَ تَعَالَى ِلْحَوَادِثِ ، وَقِيَامُةُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ :أَيْ لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى مَحَلَّ ، وَلاَ مُخصِّصٍ ، وَالْوَحْدَانِيَّةُ :أَيْلاَ ثَانِيَ لَهُ فِي ذَاتِهِ ، وَلاَ فِي صِفَاتِهِ ، وَلاَ فِي أَفْعَالِهِ ، فَهذِهِ سِتُّ صِفَاتٍ :اْلأُولَى نَفْسِيَّةٌ ، وَهِيَ :الْوَجُودُ ، وَالخَمْسَةُ بَعْدَهَا سَلْبيَّةٌ ، ثُمَّ يَجِبُ لَهُ تَعَالَى سَبْعُ صِفَاتٍ ،تُسَمَّى صفَاتِ المَعَانِي ، وَهِيَ :الْقًدْرَةُ ،وَاْلإِرادَةُ : المُتَعَلِّقَانِ بِجَمِيعِالمُمْكِنَات ، وَالْعِلْمُ المُتَعَلِّقُ بِجَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ ، وَالجَائِزَاتِ ،وَالمُسْتَحِيلاَتُ ، وَالحَيَاةُ ،وَهِيَ : لاَ تتَعَلَّقُ بِشْيءِ ، وَالسَّمْعُ وَالبصَرُ :المُتَعَلِّقَان بِجَمِيعِ المَوْجُودَات ، وَالْكَلامُ :الذَّي لَيْسَ بِحَرْفٍ ، وَلاَ صَوْتٍ ، وَيَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَعَلَّقُبِهِ الْعِلْمُ مِنَ المُتَعَلَّقَاتِ ، ثُمَّ سَبْعُ صِفَاتٍ ،تُسَمَّى صِفَاتٍ مَعْنَوِيَّةً ،وَهِيَ :مُلاَزِمَةٌ لِلسَّبْعْ اْلأُولَى ، وَهِيَ :كَوْنهُ تعالى :قادراًوَمُريداً وَعَالِمًا وَحَيَّا وَسَمِيعًا وَبَصِيراً وَمُتَكَلِّمًا.

وَمِمَّا يسْتَحِيلُ فِي حَقَّهِ تَعَالى عِشْرُونَ صِفَةً ، وَهِيَأ َضْدَادُ الْعِشْرِينَ اْلأُولَى ، وَهِيَ :الْعَدَمُ وَالحُدُوثُ وَطُرُؤُ الْعَدَمِ وَالمُمَاثَلَةُ لِلْحَوَادِثِ :بِأَنْ يَكُونَ جِرْمًا : أَيْ تَأخُذَ ذَاتُهُ الْعَلِيةُ قَدْراً مِنَ الْفَرَاغِ ،أَوْ يَكُونَ عَرَضًا يَقُومُ بِالْجِرْم ، أَوْ يَكُونَ فِي جِهَةٍ للْجْرمِ ،أَوْلهُ هُوَ جِهَةٌ ، أَوْ يَتَقَيَّد بِمَكَانٍ ، أَوْ زَمَانٍ ، أَوْ تَتَّصِفَذَاتُهُ الْعِلِيةُ بِالحَوَادِثِ ، أَوْ يَتَّصِفَ بِالصِّغَرِ ، أَوْ الْكِبَرِ ،أَوْ يَتَصَّفَ بَاْلأَغْرَاض فِي اْلأَفْعَالِ أَوْ اْلأَحْكامِ ،وَكَذَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى :أَنْ لاَ يَكُونَ قائِمًا بِنَفْسِهِ ، بِأَنْ يَكُونَ صِفَةً يَقُومُ بِمَحلٍ ، أَوْيَحْتَاجُ إِلَى مُخَصَّصٍ.

وَكَذَا يَسْتَحيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى :أَنْ لاَ يَكُوُنَ وَاحِداً بِأَنْ يَكُونَ مُرَكبًا فِي ذَاتِهِ ، أَوْ يَكُونَ لَهُ مُمَاثِلٌ فِي ذَاتِهِ ، أَوْصِفَاتِهِ ، أَوْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الْوُجُودِ مُؤَثَّرٌ فِي فِعْلٍ مِنَ اْلأَفْعَالِ.

وَكَذَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى :الْعَجْزُ عَنْ مَمْكِنٍ مَّا ، وَإِيجَادُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ مَعَ كَرَاهَتِهِ لِوُجُودِهِ ، أَيْ عَدَمِ إِرَادَتِهِ لَهُ تَعَالَى أَوْ مَعَ الذُهُولِ ، أَوْ الْغَفْلَةِ ، أّوْ بِالتَّعْلِيلِ ، أَوْبِالطَّبْعِ.

وَكَذَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى :الجَهْلُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بَمعْلُومٍ مَّا ،وَالمَوْتُ ، وَالصَّمَمُ ، وَالْعَمى وَالْبَكَمُ ، وَأَضْدَادُ الصِّفَاتٍ المَعْنَوِيَّةِ وَاضِحَةٌ مِنْهَذِهِ ،وَأَمَّا الجَائِزُ فِي حقِّهِ تَعَالَى :فَفِعْلُ كَلِّ مَمْكِنٍ أَوْ تَرْكُهُ ،أَمَّا بُرْهَانُ وَجَودِهِ تَعَالَى :فَحُدوثُ الْعَالَمِ ، لأَنَّهُ لَوْ لًمْ يَكُنْ لَهُمُحْدِثٌ بَلْ حَدَثَ بِنَفْسِهِ لَزمَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ اْلأَمْرَيْنِ المُتَسَاويَيْنِ مُسَاوِيًا لِصَاحِبِهِ رَاجِحًا عَلَيْهِ بِلاَ سَبَبٍ وَهُوَ مُحَالٌ ، وَدّلِيلٌ حُدُوثِ الْعَالَمِ مُلاَزَمَتُهُ لِلأَعْرَاضِ الحَادِثَةِ مِنْ : حَرَكَةٍ ، أوَ سُكُونٍأوَ غَيْرِهِمَا ، وَمُلاَزِمُ الحَادِثِ حَادِثٌ ، وَدَلِيلُحُدُوثِ اْلأَعرَاضِ مُشَاهَدَةُ تَغَيُّرِهَا مِنْ عَدَمٍ إِلَى وَجَودٍ ،وَمِنْ وُجُودٍ إِلَى عَدَمٍ.

وَأَمَّا بُرْهَانُ وُجُوبِ الْقِدَمِ لَهُتَعَالَى :فَلأَنَّهُ لَوْ يَكُنْ قَديمًا ، لَكَانَحَادِثًا فَيَفْقِرُ إِلَى مُحْدِثٍ ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ ، أوِالتَّسَلْسُلُ ، وَأَمَّا بُرْهَانُ وَجَوبِ الْبَقَاءِ لَهُ تَعَالَى :فَلأَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَلْحَقَهُ الْعَدَمُ ، لاَنْتَفَى عَنْهُ القْدَمُ لِكَوْنِ وُجُودِهِ حِينَئِذٍ جَائِزًا لاَوَاجِبًا ، وَالجَائِزُ لاَ يَكُونُ وُجُودُهُ إِلاَّ حَادِثًا ، كَيْفَ! وَقَدْسَبَقَ قَرِيبًا وُجُوبُ قِدَمِهِ تَعَالَى وَبَقَائِه ، وَأَمَّا بُرْهَانُ وَجَوبِ مُخَالَفَتِهِ تَعَالَى لِلْحَوَادِثِ :فَلأَنَّهُ لَوْ مَائَلَ شَيْئًا مِنْهَا ، لَكانَحَادِثًا مِثْلَهَا ، وَذلِكَ مُحَالٌ لِما عَرَفْتَ قَبْلُ مِنْ وُجُوبِ قِدَمِهِ تَعَالَى وَبَقَائِهِ.

وَأَمَّا بُرْهَانُ وَجَوب قِيَامِهِ تَعَالَى بِنَفْسِهِ :فَلأَنَّهُ تَعَالَى لَوِ احْتَاجَ إِلَى مَحَلٍ لَكَانَ صفَةً ، وَالصِّفَةُ لاَ تَتَّصِفُ بِصِفَاتِ المَعَانِي ، وَلاَ المَعْنويَّةِ ، وَمَوْلاِنَا جَلَّ وَعَزَّ يَجِب اتِّصَافُهُ بِهِمَا فَلَيْسَبِصِفَةٍ ، وَلَو احْتَاجَ إِلَى مُخَصِّصٍ لَكانَ حَادِثًا ، كَيْفَ! وَقَدْ قامَ الْبُرْهَانُ عَلَى وُجُوبِ قِدَمِهِ تَعَالَى وَبقَائِهِ.

وَأَمَّا بُرْهَانُ وُجُوبِ الْوَحْدَانِيَّةِ لَهُ تَعَالَى :فَلأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدًا لَزِمَ أَنْ لاَيُوجَدَ شَيْءٌ مِنَ الْعَالَمِ لِلَزَومِ عَجْزِهِ حِينَئِذٍ ، وَأَمَّا بُرْهَانُ وَجَوبِ اتِّصَافِهِ تَعالَى بِالْقُدْرَةِ وَاْلإِرَادَةِ وَالْعِلْم وَالحَيَاةِ :فَلأَنَّهُلَوِ انْتَفى شَيْءٌ مِنْهَا لَمَا وَجِدَ شَيْءٌ مِنَ الحَوَادِثِ ،وَأَمَّا بُرْهَانُ وَجَوبِ السَّمْعِ لَهُ تَعَالَى وَالْبَصَرِوَالْكَلاَمِ :فَالْكِتَابُ والسُّنة وَالإِجْمَاعُ ،وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يتَّصِفَ بِهَا لَزِمَ أَنْ يَتَّصِفَ بِأَضْدَادِهَا ، وَهِيَ نَقَائِصُ ، وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ تَعَالَى مُحَالٌ ، وَأَمَّا بُرْهَانُ كَوْنِ فِعْل المُمْكِنَاتِ أَوْ تَرْكِهَا حَائِزًا فِي حَقِّهِ تَعَالَى :فَلأَنَّهُ لَوْوَجَبَ عَلَيْهِ تَعَالَى شَيْءٌ مِنْهَا عَقْلاً ، أَوِ اسْتَحالَ عَقْلاَ لاَنْقَلَبَ المَمْكِنُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحِيلاً ، وّذلِكَ لاَ يُعْقَلُ ]] أهــ

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 30, 2016 1:04 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

[2] جاء في كتاب الرياض البديعة للشيخ محمد حسب الله :

[أما بعد : فهذا مختصر في أصول الدين وجملة من فروعه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه سميته : (الرياض البديعة) في أصول الدين وبعض فروع الشريعة ، راجياً من الله أن ينفع به طلبة العلم لا سيما المبتدئين وأن يوجه إليه رغبة الراغبـين.

اعلم أنه يجب على كل شخص من المكلفين ولو كان رقيقاً أن يعرف أركان الإسلام والإيمان.

فأركان الإسلام خمسة :

أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البـيت الحرام إن استطعت إليه سبـيلاً.

وأركان الإيمان ستة : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.

ويجب عليه أيضاً أن يعرف عقائد الإيمان وهي الصفات الواجبة لله تعالى والمستحيلة عليه والجائزة في حقه والصفات الواجبة للرسل عليهم الصلاة والسلام ، والمستحيلة عليهم والجائزة في حقهم.

(فيجب) لله تعالى الوجود والقدم والبقاء ومخالفته تعالى لجميع خلقه وقيامه تعالى بنفسه.

ومعناه أنه تعالى لا يفتقر إلى ذات يقوم بها ولا إلى موجد يوجده ، بل هو تعالى الموجد للأشياء كلها.

يجب له تعالى الوحدانية ومعناها أنه تعالى لا ثاني له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فهذه ست صفات ، الأولى منها تسمى صفة نفسية وهي الوجود والخمسة التي بعدها يقال لها صفات سلبـية.

ويجب له تعالى أيضاً سبع صفات يقال لها صفات المعاني وهي :

القدرة والإرادة والعلم المحيط بجميع المعلومات والحياة والسمع والبصر والكلام الخالي عن الحروف والأصوات وغيرها مما يوجد في كلام الحوادث.

(ويستحيل) عليه تعالى العدم والحدوث والفناء ومماثلته تعالى لشيء من خلقه وافتقاره إلى ذات أو موجود ، وأن لا يكون واحداً في ذاته أو صفاته أو أفعاله.

ويستحيل عليه تعالى العجز ووجود شيء من العالم بغير إرداته تعالى والجهل بشيء من المعلومات والموت والصمم والعمى والبكم ، أو وجود حرف أو صوت في كلامه القديم.

(ويجوز) في حقه عز وجل فعل كل ممكن وتركه.

(ويجب) له تعالى إجمالاً كل كمال يليق بذاته العلية.

ويستحيل عليه جميع النقائص ، والدليل على ذلك كله وجود هذا العالم على هذا الشكل البديع ]] انتهى من مقدمة كتاب الرياض البديعة.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 30, 2016 1:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

[3] وجاء في متن العقيدة السنوسية الوسطى للإمام السنوسي :

[الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين ورضي الله تعالى عن أصحاب رسول الله أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد :

فهذه جمل مختصرة يخرج المكلف بفهمها إن شاء الله من التقليد المختلف في إيمان صاحبه إلى النظر الصحيح المجمع على إيمان صاحبه ،وذلك أن تعلم :

( أولا ) : أن الحكم العقلي ينحصر في ثلاثةأقسام :

الوجوب والجواز والاستحالة وعلى هذه الثلاثة مدار مباحث علم الكلام كلها.

فالواجب ما لا يتصور في العقل عدمه كالتحيز مثلا للجوهر.

والمستحيل ما لا يتصور في العقل وجوده كعرو الجرم مثلا عن الحركة والسكون.

والجائز ما يصح في العقل وجوده وعدمه كموت الواحد منا اليوم أوغدا.

باب في حدوث العالم وإقامة البرهان القاطع عليه :

فإذا عرفت هذا فأول ما تبدأ به من النظر النظر في حدوث العالم وهو كل ما سوى الله تعالى ، فإذا نظرت فيه تجد جميعه أجراما تقوم بها أعراض من حركة وسكون وغيرهما فتقول في برهان حدوثه لو كان جرم من أجرام العالم كالسماء والأرض مثلا موجودا في الأزل لم يخل إما أن يكون في الأزل متحركا أو ساكنا أو لا متحركا ولا ساكنا والأقسام الثلاثة مستحيلة على الجرم في الأزل فيكون وجود الجرم في الأزل مستحيلا لأنه لا يعقل وجوده عاريا عن تلك الأقسام الثلاثة.

أما بيان استحالة القسم الثالث فظاهر لأنه لا يعقل جرم في الأزل ولا في ما لا يزال ليس ثابتا في الحيز ولا منتقلا عنه.

وأما بيان استحالة القسم الثاني وهو كون الجرم ساكنا في الأزل فوجهه أنه لو كان كذلك لما قبل أن بتحرك أبدا لأن سكونه على هذا الفرض قديم والقديم لا يقبل العدم إذ لو قبل العدم لاحتاج وجوده إلى مخصص لجوازه حينئذ فيكون محدثا ، وقد فرض قديما فهذا تناقض لايعقل.

ودليل قبول السكون العدم مشاهدتنا الحركة في بعض الأجرام وذلك يقضي بجواز الحركة على جميع الأجرام لتماثلها.

وأما بيان استحالة القسم الأول وهو كون الجرم في الأزل متحركا فالوجه فيه ما عرفت الآن في استحالة القسم الثاني ويزيد هذا القسم بوجه آخر من الاستحالة وهو أن حقيقة الحركة لا تعقل قديمة إذ هي الانتقال من حيز إلى حيز فهي إذًا لا تكون إلا طارئة على الجرم ولا بد أن يتقدم على وجودها الكون في الحيز المنتقل عنه والقديم لا يتصور أن يكون طارئا ولا أن يتقدم على وجوده غيره.

فقد خرج لك بهذا البرهان القطعي كون العالم كله حادثا من عرشه إلى فرشه لا يتصور في العقل أن يكون شيء منه قديما.

باب في إقامة البرهان القاطع على وجوده تعالى وبيان احتياج العالم إليه جل وعز :

وإذا كان العالم حادثا بعد ما تقرر عدمه فلابد له من محدث إذ لا يتصور في العقل انتقاله من العدم الذي كان عليه إلى الوجود الطارئ بلا سبب ولو لا الفاعل المختار لوجوده في ما شاء من الأزمان على ما شاء من المقادير والصفات لكان يجب أن يبقى على ما كان عليه من العدم أبد الآباد لاستواء المقادير والصفات والأزمان بالنسبة إلى ذاته.

وأما الوجود والعدم فقيل هما بالنسبة إلى ذاته سواء ، فيستحيل أن يترجح الوجود المساوي الطارئ بلاسبب ، وقيل العدم السابق أولى به لأصالته فيه وعدم افتقاره إلى سبب ، وإذا كان ترجيح أحد المتساويين بلا سبب محال فاستحالة ترجيح الوجود المرجوح بالنسبة إلى العالم على هذا بلا سبب أحرى.

باب الدليل على وجوب قدمه جل وعز ووجوب بقائه :

ثم يجب أن يكون محدث العالم قديما أي لا أولية لوجوده وإلا لافتقر إلى محدث ويلزم التسلسل فيؤدي إلى فراغ ما لا نهاية له أو الدور فيؤدي إلى تقدم الشيء على نقسه وكلاهما مستحيل لا يعقل ، ويلزم أن يكون واجب البقاء أي لا آخرية لوجوده إذ لو قبل أن يلحقه العدم لكان وجوده جائزا لا واجبا لما عرفت أن حقيقة الواجب ما لا يتصور في العقل عدمه وهذا الوجود قد فرض أنه يقبل العدم فيكون جائزا إذ الجائز ما يصح فيه الوجود والعدم والجائز يستحيل أن يقع بلا سبب فيحتاج إذًا هذا الوجود الجائز إلى سبب فيكون محدثا.

وقد قام البرهان على وجوب قدمه فإذًا فرضُ عدم وجوب البقاء في ما قام البرهان على وجوب قدمه تناقض لايعقل.

باب الدليل على وجوب مخالفته تعالى للحوادث وعدم اتحاده بغيره وبيان الدليل على وجوب قيامه تعالى بنفسه :

ويلزم أيضا أن يكون محدث العالم ليس بجرم ولاصفة للجرم لما عرفت من وجوب الحدوث للأجرام وصفاتها ،ولا متحدا بغيره أي يكون معه واحدا وإلا فإن بقيا موجودين فهما بعد اثنان لا واحد وإن لم يبقيا موجودين لم يتحدا أيضا لأنه إن عدم كل منهما ووجد ثالث فظاهر وإن عدم أحدهما وبقي الآخر فكذلك لأن المعدوم لا يتحد بالموجود ،وإن يكون ليس في جهة من الجهات لأنه لايعمرها إلا الأجرام ،وإن لا تكون له هو أيضا جهة لأنها من عوارض الجسم ، ففوق من عوارض عضو الرأس وتحت من عوارض عضو الرجل ويمين من عوارض العضو الأيسر وأمام من عوارض البطن وخلف من عوارض الظهر ومن استحال عليه أن يكون جرما استحال أن يتصف بهذه الأعضاء أو لوازمها على الضرورة.

ويجب أيضا أن يكون تعالى قائما بنفسه أي ذاتا لا يفتقر إلى محل ويستحيل أن يكون صفة.

ومنهم من فسر قيامه تعالى بنفسه باستغنائه عن المحل والمخصص وهو أخص من التفسير الأول ويخرج مشاركة الجوهر له في هذه الصفة.

والدليل على استغنائه تعالى عن المخصص ما سبق من وجوب قدمه وبقائه ، وعلى استغنائه عن المحل أنه لو كان صفة لاستحال اتصافه بالصفات المعنوية والمعاني إذ الصفة لا تقوم بالصفة ، ولأنه أيضا لو كان صفة لافتقر إلى محل يقوم به ، ثم إن كان المحل إلها مثل الصفة لزم تعدد الآلهة ، وإن انفردت بالألوهية وأحكامها لزم قيام صفة بمحل ولا يتصف المحل بحكمها وهو محال.

وأيضا فليس كون الصفة إلها بأولى من كون محلها إلها.

باب الدليل على وجوب صفات المعاني ووجوب أحكامها له تعالى ووجوب القدم والبقاء لجميعها وما يتعلق بذلك :

وفيه فصول : الفصل الأول في وجوب القدرة وأحكامها :

ويلزم أيضا أن يكون محدث العالم قادرا وإلا لما أوجد شيئا من العالم ،بقدرة لأنه لا يعقل قادر لا قدرة له ،غير متحدة بذاته وإلا لزم كون الاثنين واحدا وهو محال لايعقل ، قديمة وإلا كان ضدها وهو العجز قديما ، فلا ينعدم أبدا لما عرفت أن القديم لا يقبل العدم فيلزم أن لا يقدر أبدا ، ومصنوعاته تشهد باستحالة ذلك.

وأيضا لوكانت القدرة حادثة لاحتاجت في إحداثها إلى قدرة أخرى ولزم التسلسل ، ويلزم أن تكون هذه القدرة متعلقة بجميع الممكنات إذ لو تعلقت ببعضها دون بعض لاحتاجت إلى مخصص لاستوائها في حقيقة الإمكان فتكون حادثة وقد عرفت وجوب قدمها وإن قرض تخصيصها بغير مخصص لزم انقلاب الجائز مستحيلا.

الفصل الثاني في إثبات الإرادة وأحكامها :

ويلزم أيضا أن يكون محدث العالم مريدا أي قاصدا لفعله إذ لو لا قصده لتخصيص الفعل بالوجود في زمن مخصوص على مقدار مخصوص وصفة مخصوصة للزم بقاؤه على ما كان عليه من عدم ذلك كله أبد الآباد ، وإن قدرت ذاته علة لوجود العالم أو موجدة له بالطبع حتى لا يحتاج في وجود العالم عنه إلى إرادته لزم حينئذ قدم العالم ووجوب اقتران العلة لمعلولها والطبيعة لمطبوعها وقد عرفت وجوب حدوثه.

والاعتراض على هذا بأن صانع العالم طبيعة وإنما لم يوجد العالم معها في الأزل لوجود مانع أزلي منع من وجوده حينئذ فلما انتفى المانع في مالا يزال أوجدت الطبيعة حينئذ العالم فاسد لأن هذا التقدير يستلزم أن لا يوجد العالم أبدا لأن مانعه على هذا الفرض أزلي فيستحيل عدمه لما عرفت أن ما ثبت قدمه استحال عدمه.

وكذا الاعتراض بأن الصانع طبيعة وتأخر العالم عنها في الأزل لتوقف وجوده على شرط لم يوجد في الأزل فلما وُجد الشرط في ما لا يزال وجد العالم عن الطبيعة حينئذ فاسد أيضا لأن الكلام في حدوث ذلك الشرط وتأخره عن الأزل كالكلام في العالم فيحتاج هو أيضا إلى تقدير مانع أزلي فيلزم أن لا يوجد شرط العالم أبدا فلايوجد العالم مشروطه أبدا أو تقدير شرط آخر حادث فينقل الكلام إليه ويلزم التسلسل.

فثبت بهذا أن موجد العالم مريد مختار لا علة ولاطبيعة ، ويلزم أن يكون ذلك بإرادة قديمة عامة في جميع الممكنات خيرا كانت أوشرا لما عرفت قبل في القدرة ، وأن تكون إرادته لا لغرض له وإلا كان ناقصا في ذاته متكملا بفعله وذلك محال ، ولا لغرض لخلقه وإلا وجب عليه مراعاة الصلاح والأصلح لهم وهو محال لما سيأتي.

وكما استحال أن يريد سبحانه أو يفعل لغرض كذلك استحال أن يكون حكمه على فعل بوجوب أو تحريم أو غيرهما من الأحكام الشرعية لغرض من الأغراض لأن الأفعال كلها مستوية في أنها خلقه واختراعه فتعيين بعضها للإيجاب وبعضها للتحريم أو غيره واقع بمحض الاختيار لا سبب له ولا مجال للعقل فيه أصلا وإنما يعرف بالشرع فقط.

وبالجملة فأفعاله تعالى وأحكامه لا علة لها وما يوجد من التعليل لذلك في كلام أهل الشرع فمؤوّل بالأمارات أو نحوها مما يصح.

الفصل الثالث في وجوب علمه تعالى وما يتعلق به :

ويلزم أن يكون محدث العالم عالما لما احتوى عليه العالم من حقائق الصنع وعجائب الأسرار ،وأن يكون ذلك بعلم قديم لما سبق في القدرة ،متنزه عن الضرورة والنظر وإلا قارنه الضرر أو كان حادثا ، ويتعلق بجميع أقسام الحكم العقلي وإلا لزم الافتقار إلى المخصص كماسبق.

الفصل الرابع في إثبات السمع والبصر والكلام وما يتعلق بذلك :

ويلزم أن يكون تعالى سميعا بصيرا متكلما ،بسمع و بصر قديمين متعلقين بكل موجود ،وبكلام قديم قائم بذاته ليس بحرف ولا صوت ولا يتجدد ولا يطرأ عليه سكوت ولا يتصف بتقديم ولا تأخير ولا ابتداء ولا انتهاء ولا كل ولا بعض ويتعلق بكل ما يتعلق به العلم.

€ويدل على اتصافه تعالى بهذه الثلاثة العقل لاستحالة اتصافه بأضدادها والنقل وهو أولى.

ومن ثم كان المختار في الإدراك الوقف لعدم ورود النقل فيه بالإثبات أو النفي ، أو في كون الاستواء واليد والعين والوجه أسماءً لصفات غير الثمانية أو مؤوّلة بالاستيلاء والقدرة والبصر والوجود أو يوقف عن تأويلها وتفوض معانيها إلى الله تعالى بعد التنزيه عن ظواهرها المستحيلة إجماعا ثلاثة للشيخ الأشعري وإمام الحرمين والسلف.

الفصل الخامس في وجوب حياته تعالى وإقامة براهين قاطعة على وجوب القدم والبقاء لجميع ما تتصف به ذات مولانا جل وعز وأنه يتعالى عن الاتصاف بالحوادث :

ويلزم أن يكون تعالى حيا وإلا ما يتصف بعلم ولا قدرة ولا إرادة ولا سمع ولا بصر ولا كلام ،بحياة قديمة لما سبق من وجوب قدم مشروطها والشرط يستحيل تأخره عن مشروطه ، واجبة البقاء وإلا لانتفى قدمها وقد عرفت الآن وجوبه.

وكذايجب القدم والبقاء لسائر الصفات التي تقوم بذاته تعالى إذ لو قبلت العدم لكانت حادثة لما عرفت أن القديم لا يقبل العدم وهو تعالى يستحيل أن يتصف بصفة حادثة وإلا لكانت ذاته قابلة لها في الأزل لأن قبوله لها لو كان أيضا حادثا للذات لاحتاجت الذات إلى قبول آخر لذلك القبول ويتسلسل وإذا لزم أن يكون قبوله لتلك الصفة المفروضة الحدوث كائنا في الأزل صح أن يتصف بتلك الصفة الحادثة في الأزل إذ لامعنى للقبول إلا ذلك وذلك محال إذ الحادث لا يمكن أن يكون قديما لأن مِن لازم القديم أن لا يقبل العدم والحادث قد قبل العدم واتصف به فهما متنافيان.

فخرج بهذا أن كل ما قبلته الذات العلية من الصفات فهو أزلي واجب لها لا يتصور أن يكون حادثا وما لم تقبله الذات العلية في الأزل فلا تقبله أبدا لما عرفت من استحالة أن يطرأ القبول على الذات بعد أن لم يكن لها.

وأيضا لو اتصف تعالى بصفة حادثة لم يجز أن يعرى عنها أو عن ضدها أو مثلها وإلا لجاز عروه عن جميع الصفات لأن قبوله لها ذاتي لا يختلف وقد عرفت في ما سبق استحالة عروه عن العلم والقدرة والإرادة والحياة فثبت أن كل ما يقبله من الصفات لا يعرى عنه إلا للاتصاف بضده أو مثله لكن ضد تلك الصفة الحادثة أو مهلها لا يكون إلا حادثا بدليل طرآن عدمه إذ القديم لا يتعدم.

ومالا يعرى عن الحوادث يكون حادثا ضرورة فلزم أنه لو اتصف تعالى بصفة حادثة لوجب حدوثه ضرورة وقد عرفت وجوب قدمه جل وعلا.

وأيضا فهو جل وعز لا يتصف إلا بالكمال إجماعا فيلزم في هذه الصفة الحادثة التي فرض اتصافه تعالى بها أن تكون من صفات الكمال وقد فات ذاته العلية في الأزل لفرض حدوثها وفوت الكمال نقص وهو تعالى منزه عنه بإجماع العقلاء.

ولا يعترض على هذا بأنه لا يلزم فوت الذات العلية كمال هذه الصفة الحادثة لاحتمال اتصافه بأمثالها على التوالي لا إلى أول لأنّا نقول :

لايخفى أن هذا الاحتمال باطل لأنه تسلسل من باب حوادث لا أولية لها وهو ظاهر الاستحالة ، ويلزم أيضا أن تكون كل صفة من صفاته تعالى واحدة وإلا لزم اجتماع المثلين وتحصيل الحاصل وهو محال.

باب الدليل على وجوب الوحدانية له جل وعلا ووجوب استناد الكائنات كلها إليه ابتداء بلا واسطة آلة له منها ولا معين وأنه ليس في الوجود إلا الله سبحانه وأفعاله :

ويلزم أن يكون تعالى واحدا في ذاته بمعنى أنه غير مركب وإلا لزم أن يكون جسما ، وأيضا فلو تركب من جزأين فأكثر لم يخل إما أن يقوم بكل جزء صفات الألوهية أو يختص قيامها بالبعض والأول يلزم منه تعدد الآلهة والثاني يلزم منه الحدوث للاحتياج إلى المخصص بعضها بصفات الألوهية لاستواء جميعها في قبول تلك الصفات.

وليس معنى نفي التركيب في الذات العلية أنها جزء لا يتجزأ وإلا لزم أن تكون جوهرا فردا وقد سبق استحالة الجرمية عليه مطلقا.

وإنما المقصود أن الذات العلية لا تقبل صغرا ولا كبرا لأنهما من عوارض الأجرام وهو تعالى يستحيل أن يكون جرما ، ويلزم أيضا أن يكون تعالى واحدا في صفاته بمعنى أنه لا مثل له وإلا لزم الحدوث لاحتياج كل من المثلين إلى من نخصصه بالعارض الذي يمتاز به عن مثله.

وأيضا لو كان معه ثان في الألوهية للزم أن يكون ذلك الثاني عام القدرة والإرادة مثله وذلك يؤدي إلى اتصاف أحدهما بالعجز ضرورة سواء اختلفا على التضاد وهو ظاهر أو اتفقا لأن الفعل الواحد يستحيل انقسامه فلا يمكن أن يقع إلا من أحدهما فيلزم عجز الآخر الذي لم يقع منه.

وإذا عجز أحدهما وجب عجز الآخر لتماثلهما وذلك يؤدي إلى أن لا يوجد شيء من العالم والعيان يكذبه ، وبهذا الدليل تعرف استحالة أن يكون لشيء من العالم تأثير البتة في أثر ما لما يلزم عليه من خروج ذلك الأثر عن قدرة مولانا جل وعز وإرادته وذلك يوجب أن يغلب الحادث القديم وهو محال فلا أثر إذًا لقدرة المخلوق في حركة ولا سكون ولا طاعة ولا معصية ولا في أثر ما على العموم لا مباشرا ولا تولدا.

والثواب والعقاب لا سبب لهما عقلا وإنما الطاعة والمعصية أمارتان مخلوقتان لله تعالى بلا واسطة معينة من العبد تدلان شرعا على ما اختار سبحانه من الثواب والعقاب ولو عكس سبحانه في دلالتهما أو أثاب وعاقب بدءًا بلا سبق أمارة لحسن ذلك منه جل وعز لا يُسأل عمّا يفعل.

وكسب العبد عبارة عن إيجاد الله تعالى المقدور فيه كالحركة والسكون مثلا مصاحبا لقدرة حادثة فيه تتعلق بذلك المقدور من غير تأثير لها فيه أصلا وهذا الكسب هو متعلق التكليف الشرعي وأمارة الثواب والعقاب شرعا لا عقلا.

والذي يدل على مصاحبة هذه القدرة الحادثة للفعل وإن لم يكن لها فيه تأثير البتة أدراكنا الفرق ضرورة بين حركة الارتعاش ونحوها من الحركات الاضطرارية وبين غيرها من الحركات الاختيارية ولافرق بينهما بعد السبر التام إلا كون هذه الاختيارية مقترنة بقدرة حادثة في العبد يحس بها تيسر الفعل عليه بخلاف الأولى الاضطرارية.

فخرج لك من هذا أن بقولنا - إن مع الفعل الذي لم يحس صاحبه فيه الاضطرار قدرة حادثة في العبد هي عرض من الأعراض كالعلم ونحوه تتعلق بالفعل وإن لم نر لها تأثيرا فيه أصلا - انفصلنا عن مذهب الجبرية القائلين بنفي قدرة حادثة في العبد مطلقا ،وبقولنا - ليس لتلك القدرة الحادثة تأثير في الفعل أصلا وإنما هي تتعلق به وتصاحبه فقط - انفصلنا عن مذهب القدرية مجوس هذه الأمة القائلين بأن تلك القدرة الحادية في العبد بها يخترع العبد أفعاله على حسب إرادته ، قالوا وبذلك أطاع وعصى وعليه أُثيب وعوقب وقد سبق لك أن الثواب والعقاب لا سبب لهما عقلا عند أهل الحق وأن الطاعات والمعاصي أمارات جعلية لا علل عقلية.

فتحقق بهذا تمييز المذهب الحق عن المذهبين الفاسدين وهما مذهب الجبرية والقدرية فإن تمييزه عنهما ممّا يلتبس على كثير ، وكذا لا أثر للطعام في الشبع ولا للماء في الري أو النبات أو النظافة ولا للنار في الإحراق أو التسخين أو نضج الطعام ولا للثوب والجدار في الستر أو دفع الحر والبرد ولا للشجرة في الظل ولا للشمس وسائر الكواكب في الضوء ولا للسكين في القطع ولا للماء البارد في كسر قوة حرارة ماء آخر كما لا أثر لذلك الآخر في كسر قوة برده ، وقس على هذه كلما أجرى الله تعالى عادته أن يوجد عنده شيئا.

ولتعلم أنه من الله بدءًا بلا واسطة ولا أثر فيه لتلك الأشياء المقارنة له لا بطبعها ولا بقوة أو خاصية جعلها الله تعالى فيها كما يعتقد كثير من الجهلة.

وقد ذكر غير واحد من محققي الأئمة الاتفاق على كفر من اعتقد تأثير تلك الأشياء بطبعها والخلاف في كفر من اعتقد أن تأثيرها بقوة أو خاصية جعلها الله تعالى فيها وإن نزعها لم تؤثر.

فقد عرفت بهذه الجمل ما يجب في حقه تعالى وما يستحيل.

باب ما يجوز في حقه تعالى وبيان الدليل على عدم وجوب مراعاته تعالى الصلاح والأصلح لخلقه وأن ما وقع من ذلك بمحض اختياره تعالى تفضلا منه جل وعز وبيان جواز رؤيته تعالى وما يتعلق بذلك :

وأما الجائز فهو كل فعل من أفعاله تعالى لا يجب عليه منه شيء ولا مراعاة صلاح والأصلح وإلا لما وقعت محنة دنيا ولا أخرى ولا تكليف بأمر ولا نهي ، ومن الجائزات رؤية المخلوق له تعالى في غير جهة ولا مقابلة إذ كما صح تفضله سبحانه بخلق إدراك لهم في قلوبهم يسمى العلم يتعلق به تعالى على ما هو عليه من غير جهة ولا مقابلة كذلك يصح تفضله تعالى بخلق إدراك لهم في أعيونهم أو في غيرها يسمى ذلك الإدراك البصر يتعلق به تعالى على ما يليق به.

وقد أخبر بوقوع ذلك الشرع في حق المؤمنين في الآخرة فوجب الإيمان به.

والرؤية عند أهل الحق لا تستدعي بُنية ولا جهة ولا مقابلة وإنما تستدعي مطلق محل تقوم به فقط وليست بانبعاث أشعة من العين ولا يمنع ذلك منها قرب ولا بعد مفرطان ولا حجاب كثيف كما لا يمنع ذلك من العلم وما تقرر من الموانع في الشاهد فبمحض اختيار الله تعالى أن يحجب عندها لا بها وإنما الموانع عند أهل الحق أعراض مضادة للبصر تقوم بجوهر فرد من العين بحسب العادة وتتعدد بحسب ما فات من المرئيات كما أن البصر بالنسبة إلينا عرض يقوم بذلك الجوهر الفرد من العين عادة ويتعدد بحسب ما رُئي من المبصرات ] أهــ


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 30, 2016 2:25 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

[4] جاء في ترجمة عقيدة أهل السنة في كلمتي الشهادة التي هي أحد مباني الإسلام للإمام أَبي حامدٍ الغَزَّالي :

[ الحمد للّه المبدئ المعيد ، الفعال لما يريد ، ذي العرش المجيد ، والبطش الشديد ، الهادي صفوة العبيد ، إلى المنهج الرشيد ،والمسلك السديد ، المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد ، بحراسة عقائدهم عن ظلمات التشكيك والترديد ، السالك بهم إلى اتباع رسوله المصطفى واقتفاء آثار صحبه الأكرمين المكرمين بالتأييد والتسديد ، المتجلي لهم في ذاته وأفعاله بمحاسن أوصافه التي لايدركها إلا من ألقى السمع وهو شهيد ، المعرف إياهم أنه في ذاته واحد لا شريك له ،فرد لا مثيل له ، صمد لا ضد له ، منفرد لا ند له وأنه واحد قديم لا أول له ، أزليلا بداية له ، مستمر الوجود لا آخر له ، أبدي لا نهاية له ، قيوم لا انقطاع له ،دائم لا انصرام له ، لم يزل ولا يزال موصوفاً بنعوت الجلال ، لا يقضى عليهبالانقضاء والانفصال ، بتصرم الآباد وانقراض الآجال ، بل { هو الأول والآخر والظاهروالباطن وهو بكل شيء عليم }.

وأنه ليس بجسم مصور ، ولا جوهر محدود مقدر ، وأنه لايماثل الأجسام ، لا في التقدير ولا في قبول الانقسام ، وأنه ليس بجوهر ولا تحله الجواهر ، ولا بعرض ولا تحله الأعراض ، بل لا يماثل موجوداً ، ولا يماثله موجود {ليس كمثله شيء} ولا هو مثل شيء ، وأنه لا يحده المقدار ، ولا تحويه الأقطار ، ولاتحيط به الجهات ، ولا تكتنفه الأرضون ولا السماوات ، وأنه مستو على العرش ، على الوجه الذي قاله ، وبالمعنى الذي أراده ، استواء منـزهاً عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال ،لا يحمله العرش ، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ،ومقهورون في قبضته.

وهو فوق العرش والسماء ، وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى ، فوقية لا تزيده قرباً إلى العرش والسماء ، كما لا تزيده بعداً عن الأرض والثرى ، بل هو رفيع الدرجات عن العرش والسماء ، كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض والثرى ، وهو مع ذلك قريب من كل موجود ، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد {وهو على كل شيء شهيد} إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام ، كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام ، وأنه لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء ، تعالى عن أن يحويه مكان ، كما تقدس عن أن يحده زمان ، بل كان قبل خلق الزمان والمكان ، وهو الآن على ما عليه كان ، وأنه بائن عن خلقه بصفاته ،ليس في ذاته سواه ، ولا في سواه ذاته ، وأنه مقدس عن التغير والانتقال ، لا تحله الحوادث ، ولا تعتريه العوارض ، بل لا يزال في نعوت جلاله منـزهاً عن الزوال ، وفي صفات كماله مستغنياً عن زيادة الاستكمال ، وأنه في ذاته معلوم الوجود بالعقول ،مرئي الذات بالأبصار نعمة منه ولطفاً بالأبرار في دار القرار ، وإتماماً منه للنعيم بالنظر إلى وجهه الكريم.

وأنه تعالى حي قادر ، جبار قاهر ، لا يعتريه قصور ولا عجز ،ولا تأخذه سنة ولا نوم ، ولا يعارضه فناء ولا موت ، وأنه ذو الملك والملكوت ،والعزة والجبروت ، له السلطان والقهر ، والخلق والأمر ، والسماوات مطويات بيمينه ،والخلائق مقهورون في قبضته ، وأنه المنفرد بالخلق والاختراع ، المتوحد بالإيجاد والإبداع.. ،خلق الخلق وأعمالهم ، وقدر أرزاقهم وآجالهم ، لا يشذ عن قبضته مقدور ، ولا يعزب عن قدرته تصاريف الأمور ، لا تحصى مقدوراته ، ولا تتناهى معلوماته ، وأنه عالم بجميع المعلومات ، محيط بما يجري من تخوم الأرضين إلى أعلى السماوات ، وأنه عالم لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، بل يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، ويدرك حركة الذر في جو الهواء ويعلم السر وأخفى ،ويطلع على هواجس الضمائر ، وحركات الخواطر ، وخفيات السرائر ، بعلم قديم أزلي لم يزل موصوفاً به في أزل الآزال ، لا بعلم متجدد حاصل في ذاته بالحلول والانتقال.

وأنه تعالى مريد للكائنات ، مدبر للحادثات ، فلا يجري في الملك والملكوت قليل أوكثير ، صغير أو كبير ، خير أو شر ، نفع أو ضر ، إيمان أو كفر عرفان أو نكر ، فوز أوخسران ، زيادة أو نقصان ، طاعة أو عصيان ، إلا بقضائه وقدره ، وحكمته ومشيئته ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، لا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر ولا فلتة خاطر ، بل هو المبدئ المعيد ، الفعال لما يريد ، لا راد لأمره ، ولا معقب لقضائه ، ولا مهرب لعبد عن معصيته ، إلا بتوفيقه ورحمته ، ولا قوة له على طاعته ، إلا بمشيئته وإرادته ،فلو اجتمع الإنس والجن والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أويسكنوها دون إرادته ومشيئته لعجزوا عن ذلك.

وأن إرادته قائمة بذاته في جملة صفاته ،لم يزل كذلك موصوفاً بها ، مريداً في أزله لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدرها فوجدت في أوقاتها كما أراده في أزله ، من غير تقدم ولا تأخر ، بل وقعت على وفق علمه وإرادته ، من غير تبدل ولا تغير ، دبر الأمور لا بترتيب الأفكار ولا تربص زمان ،فلذلك لم يشغله شأن عن شأن.

‏وأنه تعالى سميع بصير ، يسمع ويرى ولا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي ، ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دق ، ولا يحجب سمعه بُعد ولا يدفع رؤيته ظلام.

يرى من غير حدقة وأجفان ، ويسمع من غير أصمخة وآذان ، كما يعلم بغير قلب ، ويبطش بغير جارحة ، ويخلق بغير آلة ، إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق ، كما لاتشبه ذاته ذوات الخلق.

وأنه تعالى متكلم آمر ناه ، واعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته ، لا يشبه كلام الخلق ، فليس بصوت يحدث من انسلال هواء أو اصطكاك أجرام ،ولا بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان.

وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنـزلة على رسله عليهم السلام ، وأن القرآن مقروء بالألسنة ، مكتوب في المصاحف ، محفوظ في القلوب ، وأنه مع ذلك قديم ، قائم بذات اللّه تعالى ، لا يقبل الانفصال والافتراق ، بالانتقال إلى القلوب والأوراق.

وأن موسى صلى اللّه عليه وسلم سمع كلام اللّه بغير صوت ولا حرف ، كما يرى الأبرار ذات اللّه تعالى في الآخرة من غير جوهر ولا عرض..

وأنه سبحانه وتعالى لا موجود سواه إلا وهو حادث بفعله وفائض من عدله ، على أحسن الوجوه وأكملها ، وأتمها وأعدلها ، وأنه حكيم في أفعاله عادل في أقضيته ، لا يقاس عدله بعدل العباد ، إذ العبد يتصور منه الظلم بتصرفه في ملك غيره ولا يتصور الظلم من اللّه تعالى ، فإنه لا يصادف لغيره ملكاً حتى يكون تصرفه فيه ظلماً ، فكل ماسواه من إنسٍ وجن ومَلَكٍ وشيطان وسماءٍ وأرض وحيوانٍ ونبات وجماد وجوهرٍ وعَرَض ومدركٍ ومحسوس حادثٌ اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعا ، وأنشأه إنشاء بعد أن لم يكن شيئا ، إذ كان موجوداً وحده ولم يكن معه غيره ، فأحدث الخلق بعد ذلك إظهاراً لقدرته ،وتحقيقاً لما سبق من إرادته ، ولِمَا حق في الأزل من كلمته ، لا لافتقاره إليه وحاجته.

وأنه متفضل بالخلق والاختراع والتكليف لا عن وجوب ، ومتطول بالإنعام والإصلاح لا عن لزوم ، فله الفضل والإحسان والنعمة والامتنان ، إذ كان قادراً على أن يصب على عباده أنواع العذاب ، ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب ، ولو فعل ذلك لكان منه عدلاً ولم يكن منه قبيحاً ولا ظلماً.

وأنه عز وجل يُثَبّت عبادَهُ المؤمنين على الطاعات بحكم الكرم والوعد ، لا بحكم الاستحقاق واللزوم ، إذ لا يجب عليه لأحد فعل ، ولا يتصور منه ظلم ، ولا يجب لأحد عليه حق ، وأن حقه في الطاعات وجب على الخلق بإيجابه على ألسنة أنبيائه عليهم السلام ، لا بمجرد العقل ، ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة ، فبلّغوا أمره ونهيه ، ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاءوا به.] أهــ


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 30, 2016 3:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

[5] : ومن العقيدة البرهانية والفصول الإيمانية تأليف الشيخ أبي عمرو عثمان القرشي الشهير بالسلالجي (ت 574هـ) :

[ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتِمِ النَّبِيِّينَ وَإِمَامِ المُرْسَلِينَ ، اعْلَمْ ، أَرْشَدَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ ، أَنَّ العَالَمَ : عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ سِوَى اللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِ ذَاتِهِ ، ثُمَّ العَالَمُ عَلَى قِسْمَيْنِ :

جَوَاهِرٌ وَأَعْرَاضٌ ، فَالجَوْهَرُ : هُوَ المُتَحَيِّزُ ، وَالعَرَض : هُوَ المَعْنَى القَائِمُ بِالجَوْهَرِ ،فَصْلٌ : وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الجَوَاهِرِ : تَنَاهِي الأَجْسَامِ فِي انْقِسَامِهَا إِلَى حَدٍّ يَسْتَحِيلُ انْقِسَامُهُ ، فَذَلِكَ هُوَ الجَوْهَرُ ؛ لِأَنَّ القِسْمَةَ هِيَ الافْتِرَاقُ ، وَالشَّيْءُ الوَاحِدُ لاَ يُفَارِقُ نَفْسَهُ ، فَكُلُّ مَا تَأَلَّفَ مَعَهُ فَهُوَ عَلَى حُكْمِهِ ، وَبِهِ تَفْضُلُ الأَجْسَامُ بَعْضَهَا بَعْضًا فِي الكِبَرِ وَالصِّغَرِ ، كَالذَّرَّةِ وَالفِيلِ ؛ لِأَنَّ مَا لاَ يَتَنَاهَى لاَ يَفْضُلُ مَا لاَ يَتَنَاهَى ، وَأَيْضًا ، فَإِنَّ مَا لاَ يَتَنَاهَى يَسْتَحِيلُ دُخُولُهُ فِي الوُجُودِ.

( فصل ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الأَعْرَاضِ : تَنَاوُبُ الأَحْكَامِ الجَائِزَةِ الطَّارِئَةِ وَتَعَاقُبِهَا عَلَى الجَوَاهِرِ مَحَالِّهَا ؛ إِذْ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَهَا لَاسْتَحَالَ تَبَدُّلُهَا عَنْهَا ، وَلَتَسَاوَت الجَوَاهِرُ كُلُّهَا فِيهَا ، فَاخْتِصَاصُ كُلّ جَوْهَرٍ بِحُكْمٍ يَجُوزُ عَلَى مُمَاثِلِهِ دَلِيلٌ عَلَى مَعْنىً يُخَصِّصُهُ بِهِ وَيَتَعَيَّنُ قِيَامُهُ بِهِ ؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَقُمْ بِهِ لَمَا كَانَ بِإِيجَابِ الحُكْمِ لَهُ أَوْلَى مِنْ إِيجَابِهِ لِغَيْرِه.

( فصل ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ الأَعْرَاضِ : طَرَيَانُهَا عَلَى مَحَالِّهَا ، وَانْتِفَاؤُهَا بَعْدَ وُجُودِهَا دَلِيلٌ عَلَى حُدُوثِهَا ؛ إِذْ لَوْ ثَبَتَ قِدَمُهَا لَاسْتَحَالَ عَدَمُهَا.

( فصل ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ الجَوَاهِرِ : أَنَّ الجَوَاهِرَ لاَ تَعْرَى عَنِ الاجْتِمَاعِ وَالاِفْتِرَاقِ وَالحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ ، وَالاجْتِمَاعُ وَالافْتِرَاقُ وَالحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ حَوَادِثٌ ، وَمَا لاَ يَعْرَى عَنِ الحَوَادِثِ لاَ يَسْبِقُهَا ، وَمَا لاَ يَسْبِقُهَا كَانَ حَادِثًا مِثْلَهَا.

( فصل ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الصَّانِعِ : أَنَّ العَالَمَ جَائِزٌ وُجُودُهُ وَجَائِزٌ عَدَمُهُ ، فَلَيْسَ وُجُودُهُ بِأَوْلَى مِنْ عَدَمِهِ ، وَلاَ عَدَمُهُ بِأَوْلَى مِنْ وُجُودِهِ ، فَلَمَّا اخْتُصَّ بِالوُجُودِ الجَائِزِ بَدَلاً عَنِ العَدَمِ المُجَوَّزِ افْتَقَرَ إِلَى مُقْتَضٍٍ ، وُهُوَ الفَاعِلُ المُخْتَارُ.

( فصل ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى قِدَمِ الصَّانِعِ : أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَادِثًا لَافْتَقَرَ إِلَى مُحْدِثٍ ، وَكَذِلَكَ القَوْلُ فِي مُحْدِِثِهِ ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى التَّسَلْسُلِ ، وَالتَّسَلْسُلُ يُؤَدِّي إِلَى نَفْيِنَا ، وَنَفْيُنَا مَعَ وُجُودِنَا مُحَالٌ ، وَمَا أَفْضَى إِلَى المُحَالِ كَانَ مُحَالاً ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا.

( فصل ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَائِمٌ بِنَفْسِهِ : وُجُوبُ اتِّصَافِهِ بِأَنَّهُ حَيٌّ ، عَالِمٌ ، قَادِرٌ ، مُرِيدٌ ، وَالصِّفَةُ لا تَتَّصِفُ بِالأَحْكَامِ الَّتِي تُوجِبُهَا المَعَانِي ، فَلَمَّا وَجَبَ اتِّصَافُهُ تَعَالَى بِهَا حَتْمًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ.

( فصل ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُخَالِفٌ لِلْحَوَادِثِ ، هُوَ أَنَّ المِثْلَيْنِ : كُلُّ مَوْجُودَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي جِمِيعِ صِفَاتِ النَّفْسِ ، وَالرَّبُّ تَعَالَى مُقَدَّسٌ عَنْ جَمِيعِ سِمَاتِ الجَوَاهِرِ وَالأَعْرَاضِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لَهَا ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الجَوْهَرَ حَقِيقَتُهُ : المُتَحيِّزُ ، وَالمُتَحيِّزُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الاخْتِصَاصُ بِبَعْضِ الجِهَاتِ وَالمُحَاذِيَاتِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ ، وَالمَوْصُوفُ بِالقِدَمِ لاَ يَتَّصِفُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ ، وَأَيْضًا ، فَإِنَّ الجَوْهَرَ هُوَ القَابِلُ لِلأَعْرَاضِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ ، وَالمَوْصُوفُ بِالقِدَمِ لاَ يَتَّصِفُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ ، وَأَيْضًا ، فَإِنَّ الجَوْهَرَ يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّأْلِيفُ وَالتَّرْكِيبُ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ ، وَالمَوْصُوفُ بِالقِدَمِ لاَ يَتَّصِفُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهِ ، وَأَمَّا العَرَضُ ، فَحَقِيقَتُهُ : مَا يَقُومُ بِالجَوْهَرِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى افْتِقَارِهِ إِلَى مَحَلٍّ ، وَالرَّبُّ تَعَالَى مُتَعَالٍ عَنِ الافْتِقَارِ عَلَى الإِطْلاَقِ ، وَالعَرَضُ لاَ يَبْقَى زَمَنَيْنِ ، وَالرَّبُّ تَعَالَى قَدِيمٌ ، وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ ، وَالعَرَضُ لاَ يَتَّصِفُ بِالأَحْكَامِ التِّي تُوجِبُهَا المَعَانِي ، وَالرَّبُّ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِهَا حَتْمًا ، فَتَقَرَّرَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ تَقَدُّسُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ سِمَاتِ الحَوَادِثِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُ مُخَالِفًا لَهَا.

( فصل ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ قَادِرٌ : اسْتِحَالَةُ صُدُورِ الفِعْلِ الرَّصِينِ ، المُحْكَمِ المُتْقَنِ المَتِينِ ، مِنْ غَيْرِ عَالِمٍ قَادِرٍ ، وَثُبُوتُ لَطَائِفِ الصُّنْعِ ، وَمَا تَتَّصِفُ بِهِ السَّمَوَاتُ وَالأَرَضُونَ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الانْتِظَامِ وَالإِتْقَانِ ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ قَادِرٌ ، ثُمَّ اخْتِصَاصُ الأَفْعَالِ بِأَوْقَاتِهَا وَخَصَائِصِ صِفَاتِهَا بَدَلاً مِنْ نَقَائِضِهَا الجَائِزَةِ عَلَيْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُرِيدٌ ، وَثُبُوتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى حَيٌّ ؛ لاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ المَشْرُوطِ مَعَ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ ، ثُمَّ الحَيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا أَوْ مُؤَفًّا ، وَكَذِلِكَ القَوْلُ فِي الكَلاَمِ وَالإدْرَاكِ ؛ إِذْ كُلُّ قَابِلٍ لِنَقِيضَيْنِ لاَ وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَعْرَى عَنْهُمَا ، فَلِمَا اسْتَحَالَتِ النَّقَائِصُ عَلَى البَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَطْعًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا مُدْرِكًا.

( فصل ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الصِّفَاتِ الأَزَلِيَّةِ : العِلَّةُ وَالحَقِيقَةُ ، فَمَهْمَا ثَبَتَ حُكْمٌ مُعَلَّلٌ بِعِلَّةٍ وَجَبَ طَرْدُهُ شَاهِدًا وَغَائِبًا ، وَلَوْ جَازَ ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ لِوُجُوبِهِ لَجَازَ ثُبُوتُ العِلَّةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمِهَا لِوُجُوبِهَا ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّاهِدِ أَنَّ كَوْن العَالِمِ عَالِمًا مُعَلَّلٌّ بِالعِلْمِ ، وَكَذَلِكَ القَوْلُ فِي الحَقِيقَةِ ، فَمَهْمَا تَثْبُتُ حَقِيقَةٌ فِي مُحَقَّقٍ وَجَبَ طَرْدُهَا شَاهِدًا وَغَائِبًا ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّاهِدِ أَنَّ حَقِيقَةَ العَالِمِ مَنْ قَامَ بِهِ العِلْمُ ؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَقُمْ بِهِ لَمَا كَانَ بإِيجَابِ الحُكْمِ لَهُ أَوْلَى مِنْ إِيجَابِهِ لِغَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ فِي جُمْلَةِ الصِّفَاتِ ، فَثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ البَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَيٌّ بِحَيَاةٍ قَدِيمَةٍ ، عَالِمٌ بِعِلْمٍ قَدِيمٍ ، قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ قَدِيمَةٍ ، مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ ، سَمِيعٌ بِسَمْعٍ قَدِيمٍ ، بَصِيرٌ بِبَصَرٍ قَدِيمٍ ، مُتَكَلِّمٌ بِكَلاَمٍ قَدِيمٍ ، مُدْرِكٌ بِإِدْرَاكٍ قَدِيمٍ ؛ إِذْ المَوْصُوفُ بِالقِدَمِ لاَ يَتَّصِفُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِه.

( فصل ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا إِلَهَيْنِ ، وَقَدَّرْنَا مِنْ أَحَدِهِمَا إِرَادَةَ تَحْرِيكَ جِسْمٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، وَمِنَ الثَّانِي إِرَادَةَ تَسْكِينَهُ فِي تِلْكَ الحَالَةِ بِعَيْنِهَا ، لَمْ يَخْلُ : إِمَّا أَنْ تَنْفَذَ إِرَادَتُهُمَا جَمِيعًا ، أَوْ لاَ تَنْفَذَ إِرَادَتُهُمَا ، أَوْ تَنْفَذَ إِرَادَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الثَّانِي ، مُحَالٌ أَنْ تَنْفَذَ إِرَادَتُهُمَا ؛ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ ، وَمُحَالٌ أَنْ لاَ تَنْفَذَ إِرَادَتُهُمَا ؛ لِاسْتِحَالَةِ عُرُوِّ المَحَلِّ عَنِ الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ ، وَمُحَالٌ أَنْ تَنْفَذَ إِرَادَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الثَّانِي ؛ إِذْ فِي ذَلِكَ تَعْجِيزُ مَنْ لَمْ تَنْفَذْ إِرَادَتُهُ ، وَالعَجْزُ يُنَافِي الإِلَهِيَّةَ ؛ لِأَنَّ العَجْزَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ عَرَضًا ، وَقِيَامُ الأَعْرَاضِ بِالقَدِيمِ مُحَالٌ ، وَمَا أَفْضَى إِلَى المُحَالِ كَانَ مُحَالاً ، وَكَذَلِكَ القَوْلُ فِي الاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقُهُمَا مَشْرُوطٌ بِجَوَازِ عَدَمِهِمَا ، وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الفِعْلَ يُنَافِي الإثْنَيْنِيَّةَ عَلَى وَصْفِ الإِلَهِيَّةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } ، { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا } ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }.

( فصل ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحَالَةِ تَنَاهِي المَقْدُورَاتِ : جَوَازُ وُقُوعِ أَمْثَالِ مَا وَقَعَ ، وَالجَائِزُ لاَ يَقَعُ بِنَفْسِهِ ، وَفِي قَصْرِ القُدْرَةِ عَلَيْهِ اسْتِحَالَةُ وُقُوعِهِ ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى جَمْعِ الاسْتِحَالَةِ وَالإِمْكَانِ فِيمَا عُلِمَ فِيهِ الإِمْكَانُ ، وَكَذِلِكَ القَوْلُ فِي المَعْلُومَاتِ وَالمُرَادَاتِ وَمُتَعلَّقَاتُ الكَلاَمِ.

( فصل ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى تَجْوِيزِ رُؤْيَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى : أَنَّ الإِدْرَاكَ شَاهِدًا يَتَعَلَّقُ بِالمُخْتَلِفَاتِ ، وَالمُخْتَلِفَاتُ لاَ يُؤُولُ اخْتِلاَفُهَا إِلَى وُجُودِهَا ، وَإِنَّمَا يَؤُولُ اخْتِلاَفُهَا إِلَى أَحْوَالِهَا ، وَالإِدْرَاكُ لاَ يَتَعَلَّقُ بِالأَحْوَالِ ؛ إِذْ كُلُّ مَا يُرَى وَيُمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ فِي حُكْمِ الإِدْرَاكِ فَهُوَ ذَاتٌ عَلَى الحَقِيقَةِ ، وَالأَحْوَالُ لَيْسَتْ بِذَوَاتٍ ، فَإِذَا رِيءَ مَوْجُودٌ لَزِمَ تَجْوِيزُ رُؤْيَةَ كُلّ مَوْجُودٍ.

( فصل ) : وَمِنَ الجَائِزَاتِ : خَلْقُ الأَعْمَالِ ، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَالَى فِعْلٌ ، وَلاَ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ تَعَالَى ثَوَابٌ ، فَالثَّوَابُ مِنْهُ فَضْلٌ ، وَالعِقَابُ مِنْهُ عَدْلٌ ، يَخُصُّ مَنْ يَشَاءُ بِمَا يَشَاءُ ؛ { لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسَئَلُونَ }.] أهـ


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 30, 2016 3:30 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

[ 6] ومن عقيدة الإمام ابن الحاجب رحمه الله (ت 646 هـ) :

[ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ شَرْعًا أَنْ يَكُونَ عَلَى عَقْدٍ صَحِيحٍ فِي التَّوْحِيدِ ، وَفِي صِفَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ ، وَفِي تَصْدِيقِ رُسُلِهِ ، فَيُؤْمِنَ بِأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ ، وَلاَ قَسِيمَ لَهُ فِي فِعْلِهِ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلُهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ ، وَأَنَّ كُلَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَعَنْهُ صِدْقٌ.

وَأَنَّ الإِيمَانَ هُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ التَّابِعُ لِلْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ عَلَى الأَصَحِّ ، خِلاَفًا لِمَنْ قَالَ هُوَ المَعْرِفَةُ فقط ، وَلاَ يَكْفِي التَّقْلِيدُ فِي ذَلِكَ عَلَى الأَصَحِّ ، فَلاَ بُدَّ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ التَّابِعِ لِلْمَعْرِفَةِ عَنْ مُسْتَنَدٍ جُمْلِيٍّ بِثُبُوتِ الصَّانِعِ وَوُجُودِهِ ، وَوُجُوبِ وُجُودِهِ ، وَثُبُوتِ قِدَمِهِ ، وَعَدَمِ تَرْكِيبِهِ ، وَعَدَمِ تَجْزِئَتِهِ ، وَعَدَمِ حُلُولِهِ فِي المُتَحَيِّزِ ، وَعَدَمِ اتِّحَادِهِ بِغَيْرِهِ ، وَعَدَمِ حُلُولِهِ فِيهِ ، وَاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ فِي جِهةٍ ، وَاسْتِحَالَةِ قِيَامِ الحَوَادِثِ بِهِ ، وَاسْتِحَالَةِ الآلاَمِ وَاللَّذَّاتِ عَلَيْهِ.

وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ المَقْدُورَاتِ بِقُدْرَةٍ قَدِيمَةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهِ ، عَالِمٌ بِكُلِّ المَعْلُومَاتِ بِعِلْمٍ قَائِمٍ بِذَاتِهِ ، مُرِيدٌ لِجَمِيعِ الكَائِنَاتِ بِإِرَادَةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهِ ، سَمِيعٌ بَصِيرٌ بِصِفَتَيْنِ زَائِدَتَيْنِ عَلَى العِلْمِ عَلَى الأَصَحِّ ، مُتَكَلِّمٌ بِكَلاَمٍ نَفْسِيٍّ قَدِيمٍ قَائِمٍ بِذَاتِهِ وَاحِدٍ مُتَعَلِّقٍ بِالأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالخَبَرِ وَالاسْتِخْبَارِ وَالوَعْدِ وَالوَعِيدِ وَالنِّدَاءِ عَلَى الأَصَحِّ ، بَاقٍ بِبَقَاءٍ يَقٌومُ بِهِ عِنْدَ الأَشْعَرِيِّ ، وَبِذَاتِهِ عِنْدَ القَاضِي وَهُوَ الأَصَحُّ ، وَلاَ تُعْرَفُ حَقِيقَةُ ذَاتِهِ عَلَى الأَصَحِّ ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ .

وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ صَحِيحَةٌ وَاقِعَةٌ ، وَأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالوَجْهِ وَاليَدَيْنِ وَالاِسْتِوَاءِ عَلَى رَأْيٍ ، وَبِصِفَةٍ تُوجِبُ الاسْتِغْنَاءَ عَنِ المَكَانِ عَلَى رَأْيٍ ، وَبِصِفَةِ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ عَلَى رَأْيٍ ، وَبِالقِدَمِ غَيْرِ البَقَاءِ عَلَى رَأْيٍ ، وَبِالعَالِمِيَّةِ وَالقَادِرِيَّةِ وَالمُرِيدِيَّةِ والحَيِّيَّةِ عِنْدَ مُثْبِتِي الأَحْوَالِ ، وَبِعُلُومٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى رَأْيٍ ، وَبِالرَّحْمَةِ وَالرِّضَا وَالكَرَمِ غَيْرِ الإِرَادَةِ عَلَى رَأْيٍ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ دَلِيلَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ لاَ إِثْبَاتًا وَلاَ نَفْيًا.

وَأَنَّهُ وَاحِدٌ بِصِفَاتِهِ ، وَأَنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لِقُدْرَةِ العَبْدِ فِي مَقْدُورِهِ عَلَى الأَصَحِّ ، وَأَنَّ العَقْلَ لاَ يَسْتَقِلُّ بِإِدْرَاكِ كَوْنِ الفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ مُتَعَلَّقَ المُؤَاخَذَةِ الشَّرْعِيَّةِ ، فَلاَ تَحْسِينَ وَلاَ تَقْبِيحَ عَقْلاً ، وَأَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَلاَ يَفْعَلُ شَيْئاً لِغَرَضٍ ، وَأَنَّ الأَعْمَالَ لَيْسَتْ عِلَّةً لِاسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَالعِقَابِ.]أهـ


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 30, 2016 3:40 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

[7] ومن العَقِيدَةُ النُّورِيَّةُ فِي مُعْتَقَدِ السَّادَاتِ الأَشْعَرِيَّةِ للإمام علي بن سالم بن محمد بن سعيد النوري :

[ الحَمْدُ ِللهِ الذِي دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ وُجُودِهِ مَخْلُوقَاتُهُ ، وَتَقَدَّسَتْ عَنِ النَّقْصِ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنْ نَطَقَتْ بِصِدْقِهِ مُعْجِزَاتُهُ ، وَعَلَى آلِهَ وَأَصْحَابِهِ نَصَرَةُ الدِّينِ وَحُمَاتُهُ ، وَبَعْدُ :

فَأَقْسَامُ الحُكْمِ العَقْلِيِّ ثَلاَثَةٌ : وَاجِبٌ ، وَمُسْتَحِيلٌ ، وَجَائِز.

فَالوَاجِبُ : مَا لاَ يُمْكِنُ فِي العَقْلِ نَفْيُهُ ، وَالمُسْتَحِيلُ : مَا لاَ يُمْكِنُ فِي العَقْلِ ثُبُوتُهُ ، وَالجَائِزُ : مَا يَصُحُّ فِي العَقْلِ نَفْيُهُ وَثُبُوتُهُ.

وَيَجِبُ ِللهِ جَلَّ وَعَزَّ كُلُّ كَمَالٍ لاَئِقٍ بِهِ.

وَيَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ مَعْرِفَةُ مَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِهِ ، وَهْوَ عِشْرُونَ صِفَةً ، وَهْيَ :

( الوُجُودُ ) : وَبُرْهَانُ ثُبَوتِهِ لَهُ تَعَالَى أَنَّ العَالَمَ – وَهُوَ كُلُّ مَا سِوَى اللهِ تَعَالَى – حَادِثٌ ؛ لِمُلاَزَمَتِهِ مَا شُوهِدَ حُدُوثُهُ كَالحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ ، وَأَيْضًا ، فَإِنِّكَ تَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ ثُمَّ وُجِدْتَ ، وَكُلُّ حَادِثٍ لاَ بُدَّ لُهُ مِنْ مُحْدِثٍ مَوْجُودٍ ؛ ِلاسْتِحَالَةِ الانْتِقَالِ مِنَ العَدَمِ إِلَى الوُجُودِ بِلاَ فَاعِلٍ ، فَالعَالَمُ إِذًا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ مَوْجُودٍ ، وَهْوَ اللهُ تَعَالَى.

و ( القِدَمُ ) : أَيْ لاَ أَوَّلِيَّةَ لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَبُرْهَانُ وُجُوبِهِ لَهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ انْتَفَى عَنْهُ القِدَمُ لَثَبَتَ لَهُ الحُدُوثُ ، فيَفْتَقِرُ إِلَى مُحدِثٍ ، وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ فَيُؤَدِّي إِلَى فَرَاغِ مَا لاَ نِهَايَةَ لَهُ ، أَوْ الدَّوْرُ فَيُؤَدِّي إِلَى تَقَدُّمِ الشَّيءِ عَلَى نَفْسِهَ ، وَكِلاَهُمَا مُسْتَحِيلٌ.

و ( البَقَاءُ ): أَيْ لاَ آخِرِيَّةَ لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَبُرْهَانُ وُجُوبِهِ لَهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ لَهُ البَقَاُءُ لَكَانَ قَابِلاً لِلْوُجُودِ وَالعَدَمِ ، فَيَحْتَاجُ فِي تَرْجِيحِ وُجُودِهِ إِلَى مُخَصِّصٍ ، فَيَكُونُ حَادِثًا ، وَقَدْ سَبَقَ بُرْهَانُ وُجُوبِ قِدَمِهِ.

و ( المُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ ) : أَيْ نَفْيُ الجِرْمِيَّةِ وَالعَرَضِيَّةِ وَلَوَازِمِهِمَا كَالمَقَادِيرِ وَالحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالجِهَاتِ وَالقُرْبِ وَالبُعْدِ بِالمَسَافَةِ ، وَبُرْهَانُ وُجُوبِهَا لَهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ مَاثَلَ الحَوَادِثَ لَكَانَ حَادِثًا ، وَقَدْ مَرَّ بُرْهَانُ وُجُوبِ قِدَمِهِ.

و ( القِيَامُ بِالنَّفْسِ ) : أَيْ ذَاتٌ مَوْصُوفَةٌ بِالصِّفَاتِ العَلِيَّةِ ، غَنِيّةٌ عَنِ الفَاعِلِ ، وَبُرْهَانُ وُجُوبِهِ لَهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَاتًا لَكَانَ صِفَةً ، فَيَسْتَحِيلُ اتِّصَافُهُ بِصِفَاتِ المَعَانِي وَالمَعْنَوِيَّةِ ، وَقَدْ قَامَ البُرْهَانُ عَلَى وُجُوبِ اتَّصَافِهِ تَعَالَى بِهِمَا ، وَلَوْ احْتَاجَ لِلْفَاعِلِ لَكَانَ حَادِثًا ، وَتَقَدَّمَ بُرْهَانُ نَفْيِه.

و ( الوَحْدَاِنيَّةُ ) فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالأَفْعَالِ : أَيْ لَيْسَتْ ذَاتُهُ مُرَكَّبَةً وَإِلاَّ لَكَانَ جِسْمًا ، وَلاَ تَقْبَلُ صِغَرًا وَلاَ كِبَرًا َلأَنَّهُمَا مِنْ عَوارِضِ الأَجْرَامِ ، وَلاَ ذَاتَ كَذَاتِهِ ، وَلاَ صِفَةً كَصِفَاتِهِ ، وَلاَ تَأْثِيرَ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ البَتَّةَ ، وَبُرْهَانُ وُجُوبِهَا لَهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعُهُ ثَانٍ لَمْ تُوجَدِ الحَوَادِثُ ؛ لِلُزُومِ عَجْزِهِمَا عِنْدَ الاتِّفَاقِ ، وَأَحْرَى عِنْدَ الاخْتِلاَفِ.

و ( الحَيَاةُ ) وَهْيَ لاَ تَعَلُّقَ لَهَا.

و ( العِلْمُ ) المُنْكَشِفُ لَهُ تَعَالَى بِهِ كُلُّ وَاجِبٍ وَمُسْتَحِيلٍ وَجَائِزٍ.

و ( الإِرَادَةُ ) التِّي يُخَصِّصُ تَعَالَى بِهَا المُمْكِنَ بِمَا شَاءَ.

و ( القُدْرَةُ ) التِّي يُثْبِتُ تَعَالَى بِهَا أَوْ يُعْدِمُ مَا أَرَادَ مِنْ المَمْكِنَاتِ.

وَبُرْهَانُ وُجُوبِ اتِّصَافِهِ تَعَالَى بِهِذِهِ الصِّفَاتِ أَنَّهُ لَوْ انْتَفَى شَيْءٌ مِنْهَا لَمْ تُوجَدِ الحَوَادِثُ ، و ( السَّمْعُ ) و ( البَصَرُ ) المُنْكَشِفُ لَهُ تَعَالَى بِهِمَا جَمِيعُ المَوْجُودَاتِ ، و ( الكَلاَمُ ) المُنَزَّهُ عَنِ الحَرْفِ ، وَالصَّوْتِ ، وَالتَّقْدِيمِ ، وَالتَّأْخِيرِ ، وَالسُّكُوتِ ؛ لاِسْتِلْزَامِ جَمِيعِ ذَلِكَ الحُدُوثَ.

وَيَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَعْلُومَاتِهِ ، وَدَلِيلُ وُجُوبِ اتِّصَافِهِ تَعَالَى بِهَا : الكِتَابُ ، وَالسُّنَّةُ ، وَالإِجْمَاعُ.

وَكَوْنُهُ تَعَالَى حَيَّا ، وَعَالِمًا ، وَمُرِيدًا ، وَقَادِرًا ، وَسَمِيعًا ، وَبَصِيرًا وَمُتَكَلِّمًا.

وَيَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى كُلُّ مَا يُنَافِي صِفَاتِ الجَلاَلِ وَالكَمَالِ ، وَذَلِكَ المُنَافِي كَالعَدَمِ ، وَالحُدُوثِ ، وَالفَنَاءِ ، وَالمُمَاثَلَةِ لِلْحَوَادَثِ ، وَالافْتِقَارِ لِلذَّاتِ أَوْ الفَاعِلِ ، وَالتَّعَدُّدِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ ، أَوْ وُجُودِ الشَّرِيكِ فِي الأَفْعَالِ ، وَالمَوْتِ ، وَالجَهْلِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ ، وَوُقُوعِ مُمْكِنٍ بِدُونِ إِرَادَتِهِ تَعَالَى ، وَالعَجْزِ ، وَالصَّمَمِ ، وَالعَمَى ، وَالْبَكَمِ ، وَأَضْدَادُ الصِّفَاتِ المَعْنَوِيِّةِ مَعْلُومَةٌ مِمَّا تَقَدَّمَ .

وَيَجُوزُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى : الفِعْلُ وَالتَّرْكُ لِكُلِّ مَا يَحْكُمُ الْعَقْلُ بِجَوَازِهِ وَإِمْكَانِهِ ، وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمَا كَانَ فَاعِلاً بِالاخْتِيَارِ.]أهـ


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 30, 2016 4:39 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

[8] ومن الفصل الثالث من كتاب قواعد العقائد للإمام أَبي حامدٍ الغَزَّالي :

[ الركن الأول : في معرفة ذات الله تعالى ومداره على عشرة أصول :

( الأصل الأول ) : العلم بوجوده تعالى ومعرفة وجوده تعالى : وأول ما يستضاء به من الأنوار ويسلك من طريق الاعتبار ما أرشد إليه القرآن فليس بعد بيان الله سبحانه بيان وقد قال تعالى : { ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا } ، وقال تعالى : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ومآ أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دآبة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون } ، وقال تعالى : { ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا } ، وقال تعالى : { أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} إلى قوله تعالى : { للمقوين .

فليس يخفى على من معه أدنى مسكه من عقل إذا تأمل بأدنى فكرة مضمون هذه الآيات وأدار نظره على عجائب خلق الله في الأرض والسماوات وبدائع فطرة الحيوان والنبات إن هذا الأمر العجيب والترتيب المحكم لا يستغني عن صانع يدبره وفاعل يحكمه ويقدره بل تكاد فطرة النفوس تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره ومصرفه بمقتضى تدبيره ، ولذلك قال الله تعالى : { أفي الله شك فاطر السماوات والأرض }.

ولهذا بعث الأنبياء صلوات الله عليهم لدعوة الخلق إلى التوحيد ليقولوا لا إله إلا الله وما أمروا أن يقولوا لنا إله وللعالم إله فإن ذلك كان مجبولا في فطرة عقولهم من مبدأ نشوهم وفي عنفوان شبابهم ولذلك قال عز وجل : {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } ، وقال تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم }.

فإذا في فطرة الإنسان وشواهد القرآن ما يغني عن إقامة البرهان ولكنا على سبيل الاستظهار والاقتداء بالعلماء النظار نقول من بديهة العقول أن الحادث لا يستغني في حدوثه عن سبب يحدثه والعالم حادث فإذا لا يستغني في حدوثه عن سبب ، أما قولنا إن الحادث لا يستغني في حدوثه عن سبب فجلى فإن كل حادث مختص بوقت يجوز في العقل تقدير تقديمه وتأخيره فاختصاصه بوقته دون ما قبله وما بعده يفتقر بالضرورة إلى المخصص ، وأما قولنا العالم حادث فبرهانه إن أجسام العالم لا تخلو عن الحركة والسكون وهما حادثان وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ففي هذا البرهان ثلاث دعاوي :

( الأولى ) : قولنا إن الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون وهذه مدركة بالبديهة والاضطرار فلا يحتاج فيها إلى تأمل وافتكار فإن من عقل جسما لا ساكنا ولا متحركا كان لمتن الجهل راكبا وعن نهج العقل ناكبا.

( الثانية ) : قولنا إنهما حادثان ويدل على ذلك تعاقبهما ووجود البعض منهما بعد البعض وذلك مشاهد في جميع الأجسام ما شوهد منها وما لم يشاهد فما من ساكن إلا والعقل قاض بجواز حركته وما من متحرك إلا والعقل قاض بجواز حركته وما من متحرك إلا والعقل قاض بجواز سكونه فالطاريء منهما حادث لطريانه والسابق حادث لعدمه لأنه لو ثبت قدمه لاستحال عدمه على ما سيأتي بيانه وبرهانه في إثبات بقاء الصانع تعالى وتقدس.

( الثالثة ) : قولنا ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث وبرهانه أنه لو لم يكن كذلك لكان قبل كل حادث حوادث لا أول لها ولو لم تنقض تلك الحوادث بجملتها لا تنتهي النوبة إلى وجود الحادث الحاضر في الحال وانقضاء ما لا نهاية له محال ولأنه لو كان للفلك دورات لا نهاية لها لكان يخلو عددها عن أن تكون شفعا أو وترا أو شفعا ووترا جميعا أو لا شفعا ولا وترا ومحال أن تكون شفعا ووترا جميعا أو لا شفعا ولا وترا فإن ذلك جمع بين النفي والإثبات إذ في إثبات أحدهما نفي الآخر وفي نفي أحدهما إثبات الآخر ومحال أن يكون شفعا لأن الشفع يصير وترا بزيادة واحد وكيف يعوز ما لا نهاية له واحد ، ومحال أن يكون وترا إذ الوتر يصير شفعا بواحد فكيف يعوزها واحد مع أنه لا نهاية لأعدادها ومحال أن يكون لا شفعا ولا وترا إذ له نهاية فتحصل من هذا أن العالم لا يخلو عن الحوادث وما لا يخلو من الحوادث فهو إذا حادث وإذا ثبت حدوثه كان إفتقاره إلى المحدث من المدركات بالضرورة.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 31, 2016 2:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

( الأصل الثاني ) : القدم :

العلم بأن الله تعالى قديم لم يزل أزلي ليس لوجوده أول بل أول كل شيء وقبل كل ميت وحي.

وبرهانه أنه لو كان حادثا ولم يكن قديما لافتقر هو أيضا إلى محدث وافتقر محدثه إلى محدث وتسلسل ذلك إلى ما لا نهاية وما تسلسل لم يتحصل أو ينتهي إلى محدث قديم هو الأول وذلك هو المطلوب الذي سميناه صانع العالم ومبدئه وبارئه ومحدثه ومبدعه.

( الأصل الثالث البقاء ) : العلم بأنه تعالى مع كونه أزليا أبديا ليس لوجوده آخر فهو الأول والآخر والظاهر والباطن لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه.

وبرهانه أنه لو انعدم لكان لا يخلو إما أن ينعدم بنفسه أو بمعدم يضاده ولو جاز أن ينعدم شيء يتصور دوامه بنفسه لجاز أن يوجد شيء يتصور عدمه بنفسه فكما يحتاج طريان الوجود إلى سبب فكذلك يحتاج طريان العدم إلى سبب وباطل أن ينعدم بمعدم يضاده لأن ذلك المعدم لو كان قديما لما تصور الوجود معه وقد ظهر بالأصلين السابقين وجوده وقدمه فكيف كان وجوده في القدم ومعه ضده فإن كان الضد المعدم حادثا كان محالا إذ ليس الحادث في مضادته للقديم حتى يقطع وجوده بأولى من القديم في مضادته للحادث حتى يدفع وجوده بل الدفع أهون من القطع والقديم أقوى وأولى من الحادث.

( الأصل الرابع التنزه عن كونه جوهرا ) : العلم بأنه تعالى ليس بجوهر يتحيز بل يتعالى وبتقدس عن مناسبة الحيز.

وبرهانه أن كل جوهر متحيز فهو مختص بحيزه ولا يخلو من أن يكون ساكنا فيه أو متحركا عنه فلا يخلو عن الحركة أو السكون وهما حادثان وما يخلو عن الحوادث فهو حادث ولو تصور جوهر متحيز قديم لكان يعقل قدم جواهر العالم فإن سماه مسم جوهرا ولم يرد به المتحيز كان مخطئا من حيث اللفظ لا من حيث المعنى.

( الأصل الخامس :التنزه عن الجسمية ) : العلم بأنه تعالى ليس بجسم مؤلف من جواهر إذ الجسم عبارة عن المؤلف من الجواهر وإذ بطل كونه جوهرا مخصوصا بحيز بطل كونه جسما لأن كل جسم مختص بحيز ومركب من جوهر فالجوهر يستحيل خلوه عن الافتراقوالاجتماع والحركة والسكون والهيئة والمقدار.

وهذه سمات الحدوث ولو جاز أن يعتقد أن صانع العالم جسم لجاز أن يعتقد الإلهية للشمس والقمر أو لشيء آخر من أقسام الأجسام فإن تجاسر متجاسر على تسميته تعالى جسما من غير إرادة التأليف من الجواهر كان ذلك غلطا في الاسم مع الإصابة في نفي معنى الجسم.

(الأصل السادس :التنزه عن كونه عرضا ) : العلم بأنه تعالى ليس بعرض قائم بجسم أو حال في محل لأن العرض ما يحل في الجسم فكل جسم فهو حادث لا محالة ويكون محدثه موجودا قبله فكيف يكون حالا في الجسم وقد كان موجودا في الأزل وحده وما معه غيره ثم أحدث الأجسام والأعراض بعده ،ولأنه عالم قادر مريد خالق وهذه الأوصاف تستحيل على الأعراض بل لا تعقل إلا لموجود قائم بنفسه مستقل بذاته.

وقد تحصل من هذه الأصول أنه موجود قائم بنفسه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض وأن العالم كله جواهر وأعراض وأجسام فإذا لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء بل الحي القيوم الذي ليس كمثله شيء وأنى يشبه المخلوق خالقه والمقدور مقدره والمصور مصوره والأجسام والأعراض كلها من خلقه وصنعه فاستحال القضاء عليها بمماثلته ومشابهته.

( الأصل السابع : العلم بأن 0الله تعالى منزه الذات عن الاختصاص بالجهات ) : فإن الجهة إما فوق وإما أسفل وإما يمين وإما شمال أو قدام أو خلف وهذه الجهات هو الذي خلقها وأحدثها بواسطة خلق الإنسان إذ خلق له طرفين أحدهما يعتمد على الأرض ويسمى رجلا والآخر يقابله ويسمى رأسا فحدث اسم الفوق لما يلي جهة الرأس واسم السفل لما يلي جهة الرجل حتى ان النملة التي تدب منكسة تحت السقف تنقلب جهة الفوق في حقها تحتا وإن كان في حقنا فوقا وخلق للإنسان اليدين وأحداهما أقوى من الأخرى في الغالب فحدث اسم اليمين للأقوى واسم الشمال لما يقابله وتسمى الجهة التي تلي اليمين يمينا والأخرى شمالا وخلق له جانبين يبصر من أحدهما ويتحرك إليه فحدث اسم القدام للجهة التي يتقدم إليها بالحركة واسم الخلف لما يقابلها فالجهات حادثة بحدوث الإنسان ولو لم يخلق الإنسان بهذه الخلقة بل خلق مستديرا كالكرة لم يكن لهذه الجهات وجود ألبتة.

فكيف كان في الأزل مختصا بجهة والجهة حادثة أو كيف صار مختصا بجهة بعد أن لم يكن له أبان خلق العالم فوقه وتعالى عن أن يكون له فوق إذ تعالى أن يكون له رأس والفوق عبارة عما يكون جهة الرأس أو خلق العالم تحته فتعالى عن أن يكون له تحت إذ تعالى عن أن يكون له رجل والتحت عبارة عما يلي الرجل وكل ذلك مما يستحيل في العقل ولأن المعقول من كونه مختصا بجهة أن مختص بحيز اختصاص الجواهر أو مختص بالجواهر اختصاص العرض.

وقد ظهر استحالة كونه جوهرا أو عرضا فاستحال كونه مختصا بالجهة وإن أريد بالجهة غير هذين المعنيين كان غلطا في الاسم مع المساعدة على المعنى ولأنه لو كان فوق العالم لكان محاذيا له وكل محاذ لجسم فإما أن يكون مثله أو أصغر أو أكبر وكل ذلك تقدير محوج بالضرورة إلى مقدر ويتعالى عنه الخالق الواحد المدبر.

فأما رفع الأيدي عند السؤال إلى جهة السماء فهو لأنها قبلة الدعاء وفيه أيضا إشارة إلى ما هو وصف للمدعو من الجلال والكبرياء وتنبيها بقصد جهة العلو على صفة المجد والعلاء فإنه تعالى فوق كل موجود بالقهر والاستيلاء.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 31, 2016 2:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

( الأصل الثامن : الاستواء ) : العلم بأنه تعالى مستو على عرشه بالمعنى الذي أراد الله تعالى بالاستواء ، وهو الذي لا ينافي وصف الكبرياء ولا يتطرق إليه سمات الحدوث والفناء وهو الذي أريد بالاستواء إلى السماء حيث قال في القرآن : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } ، وليس ذلك إلا بطريق القهر والاستيلاء كما قال الشاعر : ( قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق ).

واضطر أهل الحق إلى هذا التأويل كما اضطر أهل الباطل إلى تأويل قوله تعالى : {وهو معكم أينما كنتم } ، إذ حمل ذلك بالاتفاق على الإحاطة والعلم وحمل قوله : (( قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن )) على القدرة والقهر وحمل قوله : (( الحجر الأسود يمين الله في أرضه )) ، على التشريف والإكرام لأنه لو ترك على ظاهره للزم منه المحال فكذا الاستواء لو ترك على الاستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكن جسما مماسا للعرض اما مثله أو أكبر منه أو أصغر وذلك محال وما يؤدي إلى المحال فهو محال.

( الأصل التاسع الرؤية ) : العلم بأنه تعالى مع كونه منزها عن الصورة والمقدار مقدسا عن الجهات والأقطار مرئي بالأعين والأبصار في الدار الآخرة دار القرار لقوله تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } ولا يرى في الدنيا تصديقا لقوله عز وجل : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } ، ولقوله تعالى في خطاب موسى عليه السلام : { لن تراني } ، وليت شعري كيف عرف المعتزلي من صفات رب الأرباب ما جهله موسى عليه السلام ، وكيف سأل موسى عليه السلام الرؤية مع كونها محالا ، ولعل الجهل بذوي البدع والأهواء من الجهلة الأغبياء أولى من الجهل بالأنبياء صلوات الله عليهم.

وأما وجه إجراء آية الرؤية على الظاهر فهو أنه غير مؤد إلى المحال فإن الرؤية نوع كشف وعلم إلا أنه أتم وأوضح من العلم فإذا جاز تعلق العلم به وليس في جهة جاز تعلق الرؤية به وليس بجهة ، وكما يجوز أن يرى الله تعالى الخلق وليس في مقابلتهم جاز أن يراه الخلق من غير مقابلة وكما جاز أن يعلم من غير كيفية وصورة جاز أن يرى كذلك.

( الأصل العاشر : الوحدانية ) : العلم بأن الله عز وجل واحد لا شريك له فرد لا ند له الفرد بالخلق والإبداع واستبد بالإيجاد والاختراع لا مثل له يساهمه ويساويه ولا ضد له فينازعه ويناويه وبرهانه قوله تعالى : { لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا } ، وبيانه أنه لو كان اثنين وأراد أحدهما أمرا فالثاني إن كان مضطرا إلى مساعدته كان هذا الثاني مقهورا عاجزا ولم يكن الها قادرا وإن كان قادرا على مخالفته ومدافعته كان الثاني قويا قاهرا والأول ضعيفا قاصرا ولم يكن الها قادرا ،الركن الثاني العلم بصفات الله تعالى ومداره على عشرة أصول :

( الأصل الأول : القدرة ) : العلم بأن صانع العالم قادر وأنه تعالى في قوله : { وهو على كل شيء قدير } ، صادق لأن العالم محكم في صنعته مرتب في خلقته ومن رأى ثوبا من ديباج حسن النسج والتآليف متناسب التطريز والتطريف ثم توهم صدور نسجه عن ميت لا استطاعة له أو عن انسان لا قدرة له كان منخلعا عن غريزة العقل ومنخرطا في سلك أهل الغباوة والجهل.

( الأصل الثاني العلم ) : العلم بأنه تعالى عالم بجميع الموجودات ومحيط بكل المخلوقات لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء صادق في قوله : { وهو بكل شيء عليم } ، ومرشد إلى صدقه بقوله تعالى : { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } ، أرشدك إلى الاستدلال بالخلق على العلم بأنك لا تستريب في دلالة الخلق اللطيف والصنع المزين بالترتيب ولو في الشيء الحقير الضعيف على علم الصانع بكيفية الترتيب والترصيف فما ذكره الله سبحانه وهو المنتهي في الهداية والتعريف.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 31, 2016 2:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

( الأصل الثالث الحياة ) : العلم بكونه عز وجل حيا فإن من ثبت علمه وقدرته بالضرورة حياته ولو تصور قادر وعالم فاعل مدبر دون أن يكون حيا لجاز أن يشك في حياة الحيوانات عند ترددها في الحركات والسكنات بل في حياة أرباب الحرف والصناعات وذلك انغماس في غمرة الجهالات والضلالات.

( الأصل الرابع الإرادة ) : العلم بكونه تعالى مريدا لأفعاله فلا موجود إلا وهو مستند إلى مشيئته وصادر عن إرادته فهو المبدئ المعيد والفعال لما يريد وكيف لا يكون مريدا وكل فعل صدر منه أمكن أن يصدر منه ضده وما لا ضد له أمكن أن يصدر منه ذلك بعينه قبله أو بعده والقدرة تناسب الضدين والوقتين مناسبة واحدة فلا بد من إرادة صارفة للقدرة إلى أحد المقدورين ولو أغنى العلم عن الإرادة في تخصيص المعلوم حتى يقال إنما وجد في الوقت الذي سبق العلم بوجوده لجاز أن يغنى عن القدرة حتى يقال وجد بغير قدرة لأنه سبق العلم بوجوده فيه.

( الأصل الخامس السمع والبصر ) : العلم بأنه تعالى سميع بصير لا يعزب عن رؤيته هواجس الضمير وخفايا الوهم والتفكير ولا يشذ عن سمعه صوت دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء وكيف لا يكون سميعا بصيرا والسمع والبصر كمال لا محالة وليس بنقص ، فكيف يكون المخلوق أكمل من الخالق والمصنوع أسنى وأتم من الصانع ، وكيف تعتدل القسمة مهما وقع النقص في جهته والكمال في خلقه وصنعته او كيف تستقيم حجة إبراهيم على أبيه إذ كان يعبد الأصنام جهلا وغيا فقال له : لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ، ولو انقلب ذلك عليه في معبوده لأضحت حجته داحضة ودلالته ساقطة ولم يصدق قوله تعالى : { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } ، وكما عقل كونه فاعلا بلا جارحة وعالما بلا قلب ودماغ فليعقل كونه بصيرا بلا حدقة وسميعا بلا أذن إذ لا فرق بينهما.

( الأصل السادس الكلام ) : أنه سبحانه وتعالى متكلم بكلام وهو وصف قائم بذاته ليس بصوت ولا حرف بل لا يشبه كلامه كلام غيره كما لا يشبه وجوده وجود غيره والكلام بالحقيقة كلام النفس وإنما الأصوات قطعت حروفا للدلالات كما يدل عليها تارة بالحركات والإشارات وكيف التبس هذا على طائفة من الأغبياء ولم يلتبس على جهلة الشعراء حيث قال قائلهم : ( إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا ) ، ومن لم يعقله عقله ولا نهاه نهاه عن أن يقول : لساني حادث ولكن ما يحدث فيه بقدرتي الحادثة قديم فاقطع عن عقله طمعك وكف عن خطابه لسانك.

ومن لم يفهم أن القديم عبارة عما ليس قبله شيء وأن الباء قبل السين في قولك بسم الله فلا يكون السين المتأخر عن الباء قديما فنزه عن الالتفات إليه قبلك فلله سبحانه سر في إبعاد بعض العباد ومن يضلل الله فما له من هاد.

ومن استبعد أن يسمع موسى عليه السلام في الدنيا كلاما ليس بصوت ولا حرف فليستنكر أن يرى في الآخرة موجودا ليس بجسم ولا لون وإن عقل أن يرى ما ليس بلون ولا جسم ولا قدر ولا كمية وهو إلى الآن لم ير غيره فليعقل في حاسة السمع ما عقله في حاسة البصر ، وإن عقل أن يكون له علم واحد هو علم بجميع الموجودات فليعقل صفة واحدة للذات هو كلام بجميع ما دل عليه بالعبارات وإن عقل كون السماوات السبع وكون الجنة والنار مكتوبة في ورقة صغيرة ومحفوظة في مقدار ذرة من القلب وأن كل ذلك مرئي في مقدار عدسة من الحدقة من غير أن تحل ذات السماوات والأرض والجنة والنار في الحدقة والقلب والورقة فليعقل كون الكلام مقروءا بالألسنة محفوظا في القلوب مكتوبا في المصاحف من غير حلول ذات الكلام فيها إذ لو حلت بكتاب الله ذات الكلام في الورق لحل ذات الله تعالى بكتابه اسمه في الورق وحلت ذات النار بكتابه اسمها في الورق ولأحترق.

( الأصل السابع قدم الكلام والصفات والتنزه عن حلول الحوادث ) : أعلم أن الكلام القائم بنفسه قديم وكذا جميع صفاته إذ يستحيل أن يكون محلا للحوادث داخلا تحت التغير بل يجب للصفات من نعوت القدم ما يجب للذات فلا تعتريه التغيرات ولا تحله الحادثات بل لم يزل في قدمه موصوفا بمحامد الصفات ولا يزال في أبده كذلك منزها عن تغير الحالات لأن ما كان محل الحوادث لا يخلو عنها وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث وإنما ثبت نعت الحدوث للأجسام من حيث تعرضها للتغير وتقلب الأوصاف فكيف يكون خالقها مشاركا لها في قبول التغير وينبني على هذا أن كلامه قائم بذاته وإنما الحادث هي الأصوات الدالة عليه ، وكما عقل قيام طلب التعلم وإرادته بذات الوالد للولد قبل أن يخلق ولده حتى إذا خلق ولده وعقل وخلق الله له علما متعلقا بما في قلب أبيه من الطلب صار مأمورا بذلك الطلب الذي قام بذات أبيه ودام وجوده إلى وقت معرفة ولده له فليعقل قيام الطلب الذي دل عليه قوله عز وجل اخلع نعليك بذات الله ومصير موسى عليه السلام مخاطبا به بعد وجوده إذ خلقت له معرفة بذلك الطلب وسمع لذلك الكلام القديم.

( الأصل الثامن قدم العلم ) : أن علمه قديم فلم يزل عالما بذاته وصفاته وما يحدثه من مخلوقاته ومهما حدثت المخلوقات لم يحدث له علم بها بل حصلت مكشوفة له بالعلم الأزلي إذ لو خلق لنا علم بقدوم زيد عند طلوع الشمس ودام ذلك علم تقديرا حتى طلعت الشمس لكان قدوم زيد عند طلوع الشمس معلوما لنا بذلك من غير تجدد علم آخر ، فهكذا ينبغي أن يفهم قدم علم الله تعالى.

( الأصل التاسع : قدم الإرادة ) : أن إرادته قديمة وهي في القدم تعلقت بإحداث الحوادث في أوقاتها اللائقة بها على وفق سبق العلم الأزلي إذ لو كانت حادثة لصار محل الحوادث ولو حدثت في غير ذاته لم يكن هو مريدا لها كما لا تكون أنت متحركا بحركة ليست في ذاتك وكيفما قدرت فيفتقر حدوثها إلى إرادة أخرى وكذلك الإرادة الأخرى تفتقر إلى أخرى ويتسلسل الأمر إلى غير نهاية ، ولو جاز أن يحدث إرادة بغير إرادة لجاز أن يحدث العالم بغير إرادة.

( الأصل العاشر ) : إن الله تعالى عالم بعلم حي بحياة قادر بقدرة ومريد بإرادة ومتكلم بكلام وسميع بسمع وبصير ببصر وله هذه الأوصاف من هذه الصفات القديمة : وقول القائل عالم بلا علم كقوله غني بلا مال وعلم بلا عالم وعالم بلا معلوم فإن العلم والمعلوم والعالم متلازمة كالقتل والمقتول والقاتل ، وكما لا يتصور قاتل بلا قتل ولا قتيل ولا يتصور قتيل بلا قاتل ولا قتل فكذلك لا يتصور عالم بلا علم ولا علم بلا معلوم ولا معلوم بلا عالم ، بل هذه الثلاثة متلازمة في العقل لا ينفك بعض منها عن البعض فمن جوز انفكاك العالم عن العلم فليجوز انفكاكه عن المعلوم وانفكاك العلم عن العالم إذ لا فرق بين هذه الأوصاف.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 31, 2016 3:08 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

الأصل الرابع : أن الله تعالى متفضل بالخلق والاختراع ومتطول بتكليف العباد ولم يكن الخلق والتكليف واجبا عليه.

وقالت المعتزلة : وجب عليه ذلك لما فيه من مصلحة العباد وهو محال إذ هو الموجب والآمر والناهي وكيف يتهدف لإيجاب أو يتعرض للزوم وخطاب ، والمراد بالواجب أحد أمرين :

أما الفعل الذي في تركه ضرر إما آجل كما يقال يجب على العبد أن يطيع الله حتى لا يعذبه في الآخرة بالنار.

أو ضرر عاجل كما يقال يجب على العطشان أن يشرب حتى لا يموت.

وأما أن يراد به الذي يؤدي عدمه إلى محال كما يقال : وجود المعلوم واجب إذ عدمه يؤدي إلى محال وهو أن يصير العلم جهلا.

فإن أراد الخصم بأن الخلق واجب على الله بالمعنى الأول فقد عرضه للضرر وإن أراد به المعنى الثاني فهو مسلم إذ بعد سبق العلم لا بد من وجود المعلوم وإن أراد به معنى ثالثا فهو غير مفهوم.

وقوله يجب لمصلحة عباده كلام فاسد فإنه إذا لم يتضرر بترك مصلحة العباد لم يكن للوجوب في حقه معنى.

ثم إن مصلحة العباد في أن يخلقهم في الجنة فأما أن يخلقهم في دار البلايا ويعرضهم للخطايا ثم يهدنهم لخطر العقاب وهو العرض والحساب فما في ذلك غبطة عند ذوي الألباب.

الأصل الخامس : أنه يجوز على الله سبحانه أن يكلف الخلق ما لا يطيقونه : خلافا للمعتزلة ولو جاز ذلك لاستحال سؤال دفعه وقد سألوا ذلك فقالوا : { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } ، ولأن الله تعالى أخبر نبيه بأن أبا جهل لا يصدقه ثم أمره بأن يأمره بأن يصدقه في جميع أقواله وكان من جملة أقواله أنه لا يصدقه فكيف في أنه لا يصدقه ، وهل هذا إلا محال وجوده.

الأصل السادس : إن لله عز وجل إيلام الخلق وتعذيبهم من غير جرم سابق ومن غير ثواب لاحق : خلافا للمعتزلة لأنه متصرف في ملكه ولا يتصور أن يعدو تصرفه في ملكه.

والظلم هو عبارة عن التصرف في ملك الغير بغير إذنه وهو محال على الله تعالى فإنه لا يصادف لغيره ملكا حتى يكون تصرفه فيه ظلما.

ويدل على ذلك وجوده فإن ذبح البهائم إيلام لها وما صب عليها من أنواع العذاب من جهة الآدميين لم يتقدمها جريمة ، فإن قيل إن الله تعالى يحشرها ويجازيها على قدر ما قاسته من الآلام ويجب ذلك على الله سبحانه ، فنقول من زعم أنه يجب على الله إحياء كل نملة وطئت وكل بقة عركت حتى يثيبها على آلامها فقد خرج عن الشرع والعقل إذ يقال :

وصف الثواب والحشر بكونه واجبا عليه ان كان المراد به إنه يتضرر بتركه فهو محال وان أريد به غيره فقد سبق أنه غير مفهوم إذا خرج عن المعاني المذكورة للواجب.

الأصل السابع : أنه تعالى يفعل بعباده ما يشاء : فلا يجب عليه رعاية الأصلح لعباده لما ذكرناه من أنه لا يجب عليه سبحانه شيء بل لا يعقل في حقه الوجوب فإنه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون.

وليت شعري بما يجيب المعتزلي في قوله : أن الأصلح واجب عليه في مسألة نعرضها عليه وهو أن يفرض مناظرة في الآخرة بين صبي وبين بالغ ماتا مسلمين فإن الله سبحانه يزيد في درجات البالغ ويفضله عن الصبي لأنه تعب بالإيمان والطاعات بعد البلوغ ويجب عليه ذلك عند المعتزلي فلو قال الصبي يا رب لم رفعت منزلته علي فيقول لأنه بلغ واجتهد في الطاعات ويقول الصبي : أنت أمتني في الصبا فكان يجب عليك أن تديم حياتي حتى أبلغ فأجتهد فقد عدلت عن العدل في التفضيل عليه بطول العمر له دوني فلم فضلته فيقول الله تعالى لأني علمت أنك لو بلغت لأشركت أو عصيت فكان لأصلح لك الموت في الصبا ، هذا عذر المعتزلي عن الله عز وجل وعند هذا ينادي الكفار من دركات لظي ويقولون يا رب أما علمت أننا إذا بلغنا أشركنا فهلا أمتنا في الصبا فإنا رضينا بما دون منزلة الصبي المسلم فبماذا يجاب عن ذلك وهل يجب عند هذا إلا القطع بأن الأمور الإلهية تتعالى بحكم الجلال عن أن توازن بميزان الاعتزال.

فإن قيل مهما قدر على رعاية الأصلح للعباد ثم سلط عليهم أسباب العذاب كان ذلك قبيحا لا يليق بالحكمة ، قلنا القبيح ما لا يوافق الغرض حتى إنه قد يكون الشيء قبيحا عند شخص حسنا عند غيره إذا وافق غرض أحدهما دون الآخر حتى يستقبح قتل الشخص أولياؤه ويستحسنه أعداؤه.

فإن أريد بالقبيح ما لا يوافق غرض الباري سبحانه فهو محال إذ لا غرض له فلا يتصور منه قبيح كما لا يتصور منه ظلم إذ لا يتصور منه التصرف في ملك الغير .

وإن أريد بالقبيح ما لا يوافق غرض الغير فلم قلتم إن ذلك عليه محال ، وهل هذا إلا مجرد تشتهي يشهد بخلافه ما قد فرضناه من مخاصمة أهل النار.

ثم الحكيم معنا العالم بحقائق الأشياء القادر على فعلها على وفق إرادته وهذا من أين يوجب رعاية الأصلح وأما الحكيم منا يراعي الأصلح نظرا لنفسه ليستفيد به في الدنيا ثناء وفي الآخرة ثوابا أو يدفع به عن نفسه آفة وكل ذلك على الله سبحانه وتعالى محال.

الأصل الثامن : أن معرفة الله سبحانه وطاعته واجبة بإيجاب الله تعالى وشرعه لا بالعقل : خلافا للمعتزلة لأن العقل وإن أوجب الطاعة فلا يخلو : أما أن يوجبها لغير فائدة وهو محال فإن العقل لا يوجب العبث ، وإما أن يوجبها لفائدة وغرض وذلك لا يخلو إما أن يرجع إلى المعبود وذلك محال في حقه تعالى فإنه يتقدس عن الأغراض والفوائد بل الكفر والإيمان والطاعة والعصيان في حقه تعالى سيان وإما أن يرجع ذلك إلى غرض العبد وهو أيضا محال لأنه لا غرض له في الحال بل يتعب به وينصرف عن الشهوات بسببه وليس في المال إلا الثواب والعقاب ، ومن أين يعلم أن الله تعالى يثيب على المعصية والطاعة ولا يعاقب عليهما مع أن الطاعة والمعصية في حقه يتساويان إذ ليس له إلى أحدهما ميل ولا به لأحدهما اختصاص وإنما عرف تمييز ذلك بالشرع.

ولقد ذل من أخذ هذا من المقايسة بين الخالق والمخلوق حيث يغرق بين الشكر والكفران لما له من الارتياح والاهتزاز والتلذذ بأحدهما دون الآخر.]اهـ

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 26, 2016 2:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

فإن قيل لم يجب النظر والمعرفة إلا بالشرع والشرع لا يستقر ما لم ينظر المكلف فيه فإذا قال المكلف للنبي إن العقل ليس بوجب على النظر والشرع لا يثبت عندي إلا بالنظر ولست أقدم على النظر أدى ذلك إلى إفحام الرسول ، قلنا هذا يضاهي قول القائل للواقف في موضع من المواضع :

إن وراءك سبعا ضاريا فإن لم تبرح عن المكان قتلك وإن التفت وراءك ونظرت عرفت صدقي فيقول الواقف :

لا يثبت صدقك ما لم ألتفت ورائي ولا ألتفت ورائي ولا أنظر ما لم يثبت صدقك ، فيدل هذا على حماقة هذا القائل وتهدفه للهلاك ولا ضرر فيه على الهادي المرشد فكذلك النبي يقول :

إن وراءكم الموت ودونه السباع الضارية والنيران المحرقة إن لم تأخذوا منها حذركم وتعرفوا لي صدقي بالالتفات إلى معجزتي وإلا هلكتم فمن التفت عرف واحترز ونجا ومن لم يلتفت وأصر هلك وتردى ولا ضرر علي إن هلك الناس كلهم أجمعون وإنما علي البلاغ المبين.

فالشرع يعرف وجود السباع الضاري بعد الموت والعقل يفيد فهم الكلام والإحاطة بإمكان ما يقوله في المستقبل والطبع يستحث على الحذر من الضرر ومعنى كون الشيء واجبا في تركه ضررا ، ومعنى كون الشرع موجبا إنه معرف للضرر المتوقع فإن العقل لا يهدي إلى التهدف للضرر بعد الموت عند إتباع الشهوات ، فهذا معنى الشرع والعقل وتأثيرهما في تقدير الواجب ولولا خوف العقاب على ترك ما أمر به مميكن الوجوب ثابتا إذ لا معنى للواجب إلا ما يرتبط بتركه ضرر في الآخرة.

الأصل التاسع : أنه ليس يستحيل بعثه الأنبياء عليهم السلام : خلافا للبراهمة حيث قالوا لا فائدة في بعثتهم إذ في العقل مندوحة عنهم لأن العقل لا يهدي إلى الأفعال المنجية في الآخرة كما لا يهدي إلى الأدوية المفيدة للصحة حاجة الخلق إلى الأنبياء كحاجتهم إلى الأطباء ولكن يعرف صدق الطبيب بالتجربة ويعرف صدق النبي بالمعجزة.

الأصل العاشر : أن الله سبحانه قد أرسل محمدا خاتما للنبيين وناسخا لما قبله من شرائع اليهود والنصارى والصابئين : وأيده بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة كانشقاق القمر وتسبيح الحصى وإنطاق العجماء وما تفجر من بين أصابعه من الماء ، ومن آياته الظاهرة التي تحدى بها مع كافة العرب القرآن العظيم.

فإنهم مع تميزهم بالفصاحة والبلاغة تهدفوا لسلبه ونهبه وقتله وإخراجه كما أخبر الله عز وجل عنهم ولم يقدروا على معارضته بمثل القرآن إذ لم يكن في قدرة البشر الجمع بين جزالة القرآن ونظمه هذا مع ما فيه من أخبار الأولين مع كونه أميا غير ممارس للكتب والأنباء عن الغيب في أمور تحقق صدقه فيها في الاستقبال كقوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين } ، وكقوله تعالى : { الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين }.

ووجه دلالة المعجزة على صدق الرسل إن كل ما عجز عنه البشر لم يكن إلا فعلا لله تعالى فمهما كان مقرونا بتحدي النبي ينزل منزلة قوله صدقت وذلك مثل القائم بين أيدي الملك المدعي على رعيته إنه رسول الملك إليهم فإنه مهما قال للملك إن كنت صادقا فقم على سريرك ثلاثا واقعد على خلاف عادتك ففعل الملك ذلك حصل للحاضرين علم ضروري بأن ذلك نازل منزلة قوله صدقت ] اهــ


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 26, 2016 3:04 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

[9] :العقيدة المرشدة للإمام الحافظ فخر الدين بن عساكر :

[اعلم أرشدَنا الله وإياكَ أنه يجبُ على كلّ مكلَّف أن يعلمَ أن الله عزَّ وجلَّ واحدٌ في مُلكِه ، خلقَ العالمَ بأسرِهِ العلويَّ والسفليَّ والعرشَ والكرسيَّ ، والسَّمواتِ والأرضَ وما فيهما وما بينهما ، جميعُ الخلائقِ مقهورونَ بقدرَتِهِ ، لا تتحركُ ذرةٌ إلا بإذنِهِ ، ليسَ معهُ مُدبّرٌ في الخَلقِ ولا شريكٌ في المُلكِ ، حيٌّ قيومٌ لا تأخذُهُ سِنةٌ ولا نومٌ ، عالمُ الغيب والشهادةِ ، لا يَخفى عليهِ شيء في الأرضِ ولا في السماءِ ، يعلمُ ما في البرّ ، والبحرِ وما تسقطُ من ورقةٍ إلا يعلمُهَا ، ولا حبةٍ في ظلماتِ الأرضِ ولا رَطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبين ، أحاط بكلّ شيء علمًا وأحصى كلَّ شيء عددًا ، فعالٌ لما يريدُ ، قادرٌ على ما يشاءُ ، له الملكُ وله الغِنَى ، وله العزُّ والبقاءُ ، ولهُ الحكمُ والقضاءُ ، ولهُ الأسماءُ الحسنى ، لا دافعَ لما قضى ، ولا مانعَ لما أعطى ، يفعلُ في مُلكِهِ ما يريدُ ، ويحكمُ في خلقِه بما يشاءُ ، لا يرجو ثوابًا ولا يخافُ عقابًا ، ليس عليه حقٌّ [يلزمُهُ] ولا عليه حكمٌ ، وكلُّ نِعمةٍ منهُ فضلٌ وكلُّ نِقمةٍ منه عدلٌ ، لا يُسئلُ عما يفعلُ وهم يسألونَ ، موجودٌ قبل الخلقِ ، ليس له قبلٌ ولا بعدٌ ، ولا فوقٌ ولا تحتٌ ، ولا يَمينٌ ولا شمالٌ ، ولا أمامٌ ولا خلفٌ ، ولا كلٌّ ، ولا بعضٌ ، ولا يقالُ متى كانَ ولا أينَ كانَ ولا كيفَ ، كان ولا مكان ، كوَّنَ الأكوانَ ودبَّر الزمانَ ، لا يتقيَّدُ بالزمانِ ولا يتخصَّصُ بالمكان ، ولا يشغلُهُ شأنٌ عن شأن ، ولا يلحقُهُ وهمٌ ، ولا يكتَنِفُهُ عقلٌ ، ولا يتخصَّصُ بالذهنِ ، ولا يتمثلُ في النفسِ ، ولا يتصورُ في الوهمِ ، ولا يتكيَّفُ في العقلِ ، لا تَلحقُهُ الأوهامُ والأفكارُ ،}لَيْسَ كَمِثلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ]اهـ


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 26, 2016 3:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

[10]ملحة الاعتقاد لسلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام الأشعري الشافعي :

[الحمد لله ذي العزة والجلال والقدرة والكمال والإنعام والإفضال الواحد الأحد الفردُ الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ليسبجسم مصوَّر ولا جوهرٍ محدودٍ مقدر ولا يشبه شيئا ولا يشبهه شيءٌ ولا تحيط بهالجهات ولا تكتنفه الأرضون ولا السموات كان قبل أن كوَّن المكان ودبَّر الزمان وهو الآن على ما عليه كان.

خلَق الخلق وأعمالهم وقدّر أرزاقهم وآجالهم فكلُّ نعمة منهفهي فضلٌ وكلّ نقمة منه فهي عدلٌ (لا يُسئَلُ عمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسئَلُونَ)

استوى على العرش المجيد على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواء منزها عن المماسَّة والاستقرار والتمكُّن والحلول والانتقال فتعالى الله الكبير المتعال عما يقوله أهل الغي والضلال بل لا يحمله العرشُ بل العرشُ وحملَتُه محمولون بلطف قدرتهم قهورون في قبضته.

أحاط بكلِّ شيءٍ عِلما وأحصى كلَّ شيء عددا مطّلِعٌ على هواجس الضمائر وحركات الخواطر حيٌّ مريدٌ سميعٌ بصيرٌ عليمٌ قديرٌ متكلم بكلامٍ قديم أزليٍّ ليس بحرفٍ ولا صوت ولا يُتصوَّر في كلامه أن ينقلب مِداداً في الألواح والأوراق شكلا ترمُقه العيون والأحداق كما زعم أهل الحشو والنِّفاق.

بل الكتابة من أفعال العباد ولا يُتصوَّر في أفعالهم أن تكون قديمة ويجب احترامها لدلالتها على كلامه كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته وحُقَّ لما دلَّ عليه وانتسب إليه أن يُعتقد عظمته وترعى حرمته.

ولذلك يجب احترام الكعبة والأنبياء والعُباد والصُّلحاء ،ولمثل ذلك يُقبَّل الحجر الأسود ويحرُم على المحدِث أن يمَسَّ المصحف أسطُرَهَ وحواشيه التي لا كتابة فيها وجِلدَه وخريطته التي هو فيها.

فويلٌ لمن زعم أن كلام الله القديم شيءٌ من ألفاظ العباد أو رسمٌ من أشكال المِداد.

واعتقادُ الأشعري رحمه الله مشتملٌ على ما دلَّت عليه أسماء الله التسعة والتسعون التي سمَّىبها نفسه في كتابه وسنّه رسول الله وأسماؤه مندرِجة في أربع كلمات هنَّ الباقياتُ الصالحات : ( الكلمة الأولى ) :

قول سبحانَ اللهِ ومعناها في كلام العرب التنزيهُ والسَّلبُ فهي مشتملة على سلب النَّقص والعيب عن ذات الله وصفاته فما كان من أسمائه سلبا فهو مندرجٌ تحت هذه الكلمة كالقدوس وهو الطاهر من كل عيب والسلام وهو الذيسَلِم من كل آفة.

(الكلمة الثانية) قول الحمدُ لله وهي مشتملة على إثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته فما كان من أسمائه متضمِّنا للإثبات كالعليم والقدير والسميع والبصير فهو مندرِجٌ تحت الكلمة الثانية فقد نفينا بقولنا سبحان الله كل عيب عقلنا هو كلَّ نقص فهمناه وأثبتنا بالحمد لله كلَّ كمالٍ عرفناه وكلَّ جلالٍ أدركناه ووراءما نفيناه وأثبتناه شأنٌ عظيم قد غاب عنا وجهلناه فنحققه من جهة الإجمال بقولنا اللهُ أكبر وهي:

(الكلمة الثالثة) بمعنى أن أجلُّ مما نفيناه وأثبتناه وذلك معنى قوله لا أحصي ثناء عليكَ أنتَ كما أثنيتَ على نفسك فما كان من أسمائه متضمِّنا لمدحٍ فوقما عرفناه وأدركناه كالأعلى والمتعالي فهو مندرجٌ تحت قولنا : اللهُ أكبَر.

فإذا كان في الوجود مَن هذا شأنه نفينا أن يكون في الوجود مَن يشاكِله أو يُناظِره فحققنا ذلك بقولنا لا إله إلا اللهُ وهي :

(الكلمة الرابعة) ، فإن الألوهيَّة ترجع إلى استحقاق العبودية ولا يستحقُّ العبودية إلا مَن اتصف بجميع ما ذكرناه فما كان من أسمائه متضمِّنا للجميع على الإجمال كالواحد والأحدِ وذي الجلال والإكرام فهو مندرجٌ تحت قولنا لا إله إلا اللهُ وإنما استحقَّ العبوديّة لما وجب له من أوصاف الجلال ونعوت الكمال الذي لا يصفه الواصفون ولا يعده العادون ،فسبحان الله من عظُم شأنه وعز سلطانهُ (يسألُهُ مَن في السّمواتِ والأرضِ) لافتقارهم إليه ( كلَّ يومٍ هُوَ في شأْنٍ) لاقتداره عليه له الخلقُ والأمرُ والسلطانُ والقهر فالخلائق مقهورون في قبضته (والسَّمواتُ مَطْويَّاتٌ بيمينِه) ( يُعذِّبُ مِن يشاءُ ويَرْحَمْ مَن يَشاءُ وإليهِ تُقْلَبُونَ).

فسبحان الأزليِّ الذاتِ والصفات ومحيي الأموات وجامع الرُّفات العالِم بما كان وما هو آت.

ولوأدرِجَت الباقيات الصالحاتُ في كلمة منها على سبيل الإجمال وهي الحمد لله لاندرجت فيها كما قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه لو شِئتُ أن أوقِرَ بعيرا من قولك الحمد لله لفعلتُ.

فإن الحمد هو الثناء والثناء يكون بإثبات الكمال تارة وبسلب النقص أخرى وتارة بالاعتراف بالعجز عن درك الإدراك وتارة بإثبات التفرُّد بالكمال والتفرُّد بالكمال من أعلى مراتب المدح والكمال فقد اشتملت هذه الكلمة على ماذكرناه في الباقيات الصالحات.

لأن الألف واللام فيها لاستغراق جنس المدح والحمد مما علمنا وجهلناه ولا خروجَ للمدح عن شيء مما ذكرناه ولا يستحق الإلهيّة إلا مَن اتصف بجميع ما قرَّرناه.

ولا يخرج عن هذا الاعتقاد ملكٌ مقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسَل ولا أحدٌ مِن أهل المِلل إلا مَن خذله الله فاتّبع هواه وعصى مولاه أولئك قومٌ قد غمرهم ذُلُّ الحجاب وطرِدوا عن الباب وبَعُدوا عن ذلك الجناب وحُقَّ لِمن حجب في الدنيا عن إجلاله ومعرفته أن يحجب في الآخرة عن إكرامه ورؤيته.

فهذا إجمالٌ من اعتقاد الأشعري رحمه الله تعالى واعتقاد السلف وأهل الطريقة والحقيقة نسبته إلى التفصيل الواضح كنسبة القطرة إلى البحر الطافح غيره.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 84 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 16 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط