موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 199 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2, 3, 4, 5 ... 14  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 01, 2015 10:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18715
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية القائم على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلبها وأحوالها، ألمانِّ علبهم بتواتر آلائه، المتفضل عليهم بسوابغ نَعْمَائه الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بعزته إرادته، فألهمهم حسن الإطلاق، وركَّبَ فيهم تشعُّبَ الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وعلى تشعب أخلاقهم يدورون، وفيما قضى وقدر عليهم يهيمون و )53:23 كل حزب بما لديهم فرحون(.
وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر السموات العلا، ومنشئُ الأرضين والثرى، لا معُقَبَّ لحكمه ولا راد لقضائه )23:21 لا يُسْأَلُ عمُّا يفعل وهم يسألون(.
واشهد أن محمداً عبده الْمُجْتَبي، ورسوله المرتضى، بعثه بالنور المضيّ، والأمر المرضيّ، على حين فترة من الرسل، ودروس من السُّبُل، فدمغ به الطغيان، وأكمل به الإيمان، وأظهره على كل الأديان، وقمع به أهل الأوثان، فصلى الله عليه وسلم ما دار في السماء فلَكَ، وما سبح في الملكوت ملَكَ، وعلى آله أجمعين!.
أما بعد، فإن الزمان قد تبيَّن للعاقل تغيرُهُ، ولاح للّبيب تبدلهُ،حيث يبسَ ضَرْعُهُ بعد الغَزَارة، وذيَلَ فرعُهُ بعد النَّضَارة، ونَحِلَ عوده بعد الرطوبة، وبَشِعَ مذاقه بعد العذوبة، فنبغ فيه أقوام يَدَّعون التمكن من العقل من العقل باستعمال ضد ما يوجب العقل من شهوات صدورهم، وترك ما يوجبه نفس العقل بهَجَسَات قلوبهم، جعلوا أساس العقل الذي يعقدون عليه عند المعضلات: النفاق والمداهنة، وفروعه عند ورود النائبات حُسنَ اللباس والفصاحة، وزعموا أنَّ مَنْ أحكم هذه الأشياء الأربع فهو العاقل، الذي يجب الاقتداء به، ومن تخلف عن إحكامها فهو الأنوك الذي يجب الإزورار عنه.
فلما رأيت الرَّعاع من العالم يغترون بأفعالهم والهمجَ من الناس يقتدون بأمثالهم، دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف، يشتمل متضمنة على معنى لطيف، مما يحتاج إليه العقلاء في أيامهم، من معرفة الأحوال في أوقاتهم، ليكون كالتذكرة لدوي الحجى عند حضرتهم، وكالمعين لأولى النُّهيَ عند غيبتهم، يفوق العالمُ به أقرانه، والحافظ له أنرابه، يكون النديم الصادق للعاقل في الخلوات، والمؤنس الحافظ له في الفلوات، إن خَصَّ به من يجب من إخوانه، لم يفتقده من ديوانه، وإن استبد به دون أوليائه، فاق به على نظرائه.
أبَيَّن فيه ما يَحْسُنُ للعاقل استعماله من الخصال المحمودة، ويقبح به إتيانه من الخلال المذمومة، مع القصد في لزوم الاقتصار، وترك الإمعان في الإكثار، ليخفَ على حامله، وتعيَه أذن مستمعه، لأن فنون الأخبار وأنواع الأشعار، إذا استقصى المجتهد في إطالتها، فليس يرجو النهاية إلى غايتها، ومن لم يرجّ التمكن من الكمال في الإكثار، كان حقيقاً أن يقنع بالاختصار.
والله الموفق للسداد، والهادي إلى الرشاد، وإياه أسأل إصلاح بالأسرار، وترك المعاقبة على الأوزار، إنه جواد كريم، رءوف رحيم.

=======

الحث على لزوم العقل

وصفة العاقل اللبيب

حدثنا محمد بن يوسف بن مطر حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه حدثنا أحمد بن يونس حدثنا فُضَيْل بن عياض عن محمد بن ثور عن مَعْمَر عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم )إن الله يحب مكارم الأخلاق، ويكره سفسافَها
قال أبو حاتم: لست أحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خبراً صحيحاً في العقل، لأن أبانَ بن أبي عياش، وسلمه بن وَرْدَانَ، وعُمْير بن عمران، وعليَّ ابن زيد، والحسن بن دينار، وعبَّاد بن كثير، وميسرة عبد ربه، وداود ابن المحبر، ومنصور بن صفر وذويهم، ليسوا ممن أحتج بأخبارهم، فأخرّجَ ما عندهم من الأحاديث في العقل.
وإن محبة المرء المكارمَ من الأخلاق وكراهته سفسافها هو نفس العقل.
فالعقل به يكون الحظ، ويؤنس الغربة، ويَنْفيِ الفاقة، ولا مال أفضلَ منه، ولا يتمُّ دين أحد حتى يتم عقله.
والعقل: اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب، والعلم باجتناب الخطأ، فإذا كان المرء في أول درجته يسمى أديباً، ثم أريباً، ثم لبيباً، ثم عاقلا، كما أن الرجل إذا دخل في أول حد الدهاء قيل له: شيطان، فإذا عتا في الطغيان قيل: مارِد، فإذا زاد على ذلك قيل: عَبقْريّ فإذا جمع إلى خبِثُه شِدةَّ شدَّة شرٍ قيل: عفِرْيت وكذلك الجاهل، يقال له في أول درجته: المائق: ثم الرقيع، ثم الأنْوَكُ، ثم الأحمق.
وأفضلُ مواهبِ الله لعباده العقلُ، ولقد أحسن الذي يقول:
وأفضل قَسْم الله للمرءِ عقلُهُ ... فليسَ من الخيرات شيء يقاربه
إذا أكملَ الرحمنُ للمرءِ عقلَهُ ... فقدْ كملتْ أخلاقهُ ومآربه
يعيشُ الفتى في الناس بالعقل، إنه ... على العقل يَجْري علمهُ وتَجاَربهُ
يزيد الفتى في الناس جَوْدةُ عقلهِ ... وإن كانَ محظوراً عليه مكاسِبُهْ
أخبرنا محمد بن سليمان بن فارس حدثنا أحمد بن سَياَّر حدثنا حَبيب الجلابّ.
قال: قيل لابن المبارك ما خير ما أعطِيَ الرجل؟ قال: غريزة عقل، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أدب حسن، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ صالح يستشيره، قيل: فإن لم يكن؟ قال: صَمْتٌ طويل، قيل: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل

أخبرنا محمد بن داود الرازي حدثنا محمد بن حَمْيدٍ حدثنا ابن المبارك قال سئل عقيل: ما أفضل ما أعطْى العبد؟ قال: غريزة عقل، قال: فإن لم يكن؟ قال: فأدب حسن، قال: فإن لم يكن؟ قال: فأخ شقيق يستشيره، قال: فإن لم يكن؟ فطولُ صَمْت، قال: فإن لم يكن؟ قال: فموت عاجل(.
قال أبو حاتم: العقل نوعان: مطبوع ومسموع، فالمطبوع منهما كالأرض، والمسموع كالبذر والماء. ولا سبيل للعقل المطبوع أن يخلص له محصول دون أن يرد عليه العقل المسموع، فينبهه من رَقْدته، ويطلقه من مكامنه، يستخرج البذر والماء ما في قعور الأرض من الرّبْع.
فالعقل الطبيعي من باطن الإنسان بموضع عروق الشجرة من الأرض، والعقل المسموع من ظاهرة كتدلِّي ثمرة الشجرة من فروعها.
أنشدني محمد بن إسحاق بن حبيب الواسطي:
رأيت العقل نوعين ... فمطبوع ومسموع
ولا ينفع مسموع ... إذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع الشمس ... وضَوْء العين ممنوع
أخبرنا القطان بالرقة حدثنا موسى بن مروان حدثنا بقية عن عبد الله بن حسان حدثني ابن عامر، قال: قلت لعطاء بن أبي رباح )يا أبا محمد، ما أفضل ما أعطى العبد؟ قال: العقل عن الله

أنشدني أحمد بن عبد الله الصنعاني لعبد الله بن عكراش:
يَزِينُ الفتى في الناس صحة عقله ... وإن كان محظوراً عليه مكاسبه
يَشينُ الفتى في الناس خفةُ عقله ... وإن كرمت أعراقه ومنَاَسبه
قال أبو حاتم: فالواجب على العاقل: إن يكون بما أحيا عقله من الحكمة أكَلفَ منه ما أحيا جسده من القوت، لأن قوت الأجسام المطاعم، وقوت العقل الحكم، فكما أن الأجساد تموت عند فقد الطعام والشراب، وكذلك العقول إذا فقدت قوتها من الحكمة ماتت.
والتقلب في الأمصار والاعتبار بخلق الله مما يزيد المرء عقلا، وإن عدم المال في تقلبه.
أنشدني عبد الرحمن بن محمد المقاتلي:
إن ذا العَقْلِ يرى غنما له ... عَدَمَ المال، إذا ما العقلُ صح
ما على المرء بِعُدْم سُبَّةٌ ... إنْ وَفَا العقلُ، وإنْ دينٌ صلح
أخبرنا محمد بن المسيب حدثنا أحمد بن إسماعيل المدني قال:سمعت حاتم ابن إسماعيل يقول ما استودع الله عقلا عَبداً إلا استنقذه به يوماً ما

قال أبو حاتم: العقل دواء القلوب، ومَطِية المجتهدين، وبذر حراثة الآخرة، وتاج المؤمن في الدنيا، وعُدّته في وقوع النوائب، ومن عدم العقل لم يزده السلطان عزا، ولا المال يرفعه قدراً، ولا عَقْلَ لمن أغفله عن أخراه ما يجد من لذة دنياه، فكما أن أشد الزَّمانة الجهل، كذلك أشد الفاقة عدم العقل.
والعقل والهوى متعاديان، فالواجب على المرء: أن يكون لرأيه مُسْعِفاً، ولهواة مسّوفا. فإذ اشتبه عليه أمران أجتنب أقربهما من هواه؛ لأن في مجانبته الهوى إصلاح السرائر، وبالعقل تصلح الضمائر.
أخبرنا عمرو بن محمد الأنصاري ثنا ... ثنا محمد بن عبيد الله الجشمى
حدثنا المدايني، قال: قال معاوية بن أبي سفيان لرجل من العرب عُمِّر دهراً اخبرني بأحسن شيء رأيته، قال: عقل طُلِب به مروءة مع تقوى الله وطلب الآخرة( وأنشدني عبد العزيز بن سليمان الأبرش:
إذا تم عقل المرء تمت أموره ... وتمت أياديه، وتم بناؤه
فإن لم يكن عقل تبين نقصه ... ولو كان ذا مال كثيراً عطاؤه
أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو كامل الجحدري حدثنا عمران بن خالد الخزاعي قال: سمعت الحسن يقول: ما تم دينُ عبد قطُّ حتى يتم عقله

قال أبو حاتم: أفضل ذوي العقول منزلةً أدومهم لنفسه محاسبة، وأقلهم عنها فترة.
فبالعقل تعمر القلوب، كما أن بالعلم تستخرج الأحلام، وعمود السعادة العقل، ورأس العقل الاختيار، ولو صور العقل صورة لأظلمت معه الشمس لنوره، فقرب العاقل مَرْجُو خيره على كل حال، كما أن قرب الجاهل مَخُوف شره على كل حال.
ولا يجب للعاقل أن يغتم؛ لأن الغم لا ينفع، وكثرته تزْري بالعقل، ولا أن يحزن؛ لأن الحزن لا يردُّ الْمَرْزِئَةَ. ودوامة ينقص العقل.
والعاقل يحسم الداء قبل أن يبتلى به، ويدفع الأمر قبل أن يقع فيه، فإذا وقع فيه رضى وصبر، والعاقل لا يخيف أحداً أبداً ما استطاع، ولا يقيم على خوف وهو يجد منه مَذْهَباً، وإذا خاف على نفسه الهوان طابت نفسه عما يملك من الطارف والتالد، مع لزوم العفاف، إذ هو قطْب شُعَب العقل.

أنشدني المنتصر بن بلال بن المنتصر الأنصاري:
أو لستَ تأمر بالعفاف وبالتقى ... وإليه آل الأمر حين يؤول؟
فإن استطعت فخذ بعقلك فضلة ... إن العقول يُرى لها تفضيل

أخبرنا الحسين بن إسحاق الأصبهاني بالكرج حدثنا محمد بن علي الطاحي حدثنا عمرو بن عثمان الخزاز الحراني حدثنا مفضل بن صالح قال: عليّ لما أهبط الله آدم من الجنة أتاه جبريل، فقال: إني أمرت أن أخيرك في ثلاثة، فاختر واحدة، ودع اثنتين، فقال آدم: وما الثلاث؟ قال: الحياء والدين والعقل، فقال آدم: فإني قد اخترت العقل، قال: فقال جبريل للحياء والدين: انصرفا ودَعَاه، فقالا: إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان، ثم عرج جبريل وقال: شأنكم

يبع إن شاء الله تعالى

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 02, 2015 9:00 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18715
نكمل ما سبق فى : الحث على لزوم العقل

وصفة العاقل اللبيب

قال أبو حاتم: من حَسُنَ عقله وقبح وجهه فقد أفقد فضائل نفسه قبائح وجهه، ومن حسن وجهه وقل عقله فقد أذهب مَحَاسن وجهه نقائص نفسه، فلا يجب للعاقل أن يغتم إذا كان معدماً، لأن العاقل قد يرجى له الغنى،ولا يوثق للجاهل المكثر ببقاء ماله، ومال العاقل وما قدم من صالح عمله. وآفة العقل الصَّلَف والبلاء المُرْدي، والرخاء المفرط؛ لأن البلايا إذا تواترت عليه أهلكت عقله، والرخاء إذا تواتر عليه أبطره، والعدو العاقل خير للمرء من الصديق الجاهل.

أنشدني على بن محمد البَسَّامي:
عدوك ذو العقل أبقى عليك ... من الجاهل الوَاِمق الأحمق
وذو العقل يأتي جميل الأمور ... ويقصد للأرشد الأرفق

أخبرنا محمد بن الحسين بن قتيبة بعسقلان حدثنا ابن أبي السري حدثنا داود بن الجراح وضمرة بن ربيعة عن خليد بن دعلج قال: سمعت معاوية ابن قرة يقول : إن القوم ليحجون ويعتمرون، ويجاهدون ويصلون، ويصومون، وما يُعْطَوْن يوم القيامة إلا على قدر عقولهم
سمعت محمد بن محمود بن عدي النسائي يقول: سمعت علي بن خشرم يقول: سمعت حفص بن حميد الأكَّاف يقول: العاقل لا يغبن، والورع لا يغبن
قال أبو حاتم: هذه لفظة جامعة، تشتمل على معان شتى، فكما لا ينفع الاجتهاد بغير توفيق، ولا الجمال بغير حلاوة، ولا السرور بغير أمن، كذلك لا ينفع العقل بغير ورع، ولا الحفظ بغير عمل، وكما أن السرور تبع للأمن، والقرابة تبع للمودة، كذلك المروءات كلها تبع للعقل.
وعقول كل قوم على قدر زمانهم، فالعاقل يختار من العمر أحسنه وأن قل، فإنه خير من الحياة النكدة وأن طالت، والعقل الموعى - غير المنتفع به - كالأرض الطيبة الخراب.
والعاقل لا يبتدئ الكلام إلا أن يُسْأَل، ولا يكثر التماري إلا عند القبول، ولا يسرع الجواب إلا عند التثبت.
والعاقل لا يستحقر أحداً؛ لأن من استحقر السلطان أفسد دنياه، ومن استحقر الأتقياء أهلك دينه، ومن استحقر الإخوان أفنى مروءته، ومن استحقر العام أذهب صيانته.
والعاقل لا يخفى عليه عيب نفسه؛ لأن من خفي عليه عيَبُ نفسه خَفيتْ عليه محاسن غيره، وإن من أشد العقوبة للمرء أن يخفى عليه عيبه؛ لأنه ليس بمقلع عن عيبه من لم يعرفه، وليس بنائل محاسن من لم يعرفها، وما أنفع التجارب للمبتدي.

أنشدني المنتصر بن بلال بن المنتصر الأنصاري:

ألم تر أن العقل زين لأهله ... وأن كمال العقل طولُ التجارب
وقد وعظ الماضي من الدهرذا النهى ... ويزداد في أيامه بالتجارب

أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الحكم ابن عبد الله قال : كانت العرب تقول: العقل التجارب، والحزم سوء الظن
قال أبو حاتم: لا يكون المرء بالمصيب في الأشياء حتى تكون له خبرة بالتجارب والعاقل يكون حسن المأخذ في صغره، صحيح الاعتبار في صباه، حسن العفة عند إدراكه، رضى الشمائل في شبابه، ذا الرأي والحزم في كهولته يضع نفسه دون غايته برتوة. ثم يجعل لنفسه غاية يقف عندها، لأن من جاوز الغاية في كل شيء صار إلى النقص.
ولا ينفع العقل إلا بالاستعمال، كما لا تنفع الأعوان إلا عند الفرصة، ولا ينفع الرأي إلا بالانتخال، كما لا تتم الفرصة إلا بحضور الأعوان.
ومن لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه أخاف أن يكون حتفه في أقرب الأشياء إليه.
ورأس العقل: المعرفة بما يمكن كونه قبل أن يكون.
والواجب على العاقل أن يجتنب أشياء ثلاثة، فإنها أسرع في إفساد العقل من النار في يَبيش العَوْسَج:
الاستغراق في الضحك، وكثرة التمني، وسوء التثبت
لأن العاقل لا يتكلف ما لا يطيق، ولا يسعى إلا لما يدرك، ولا يَعِدُ إلا بما يقدر عليه، ولا ينفق إلا بقدر ما يستفيد، ولا يطلب من الجزاء إلا بقدر ما عنده من الغناء ولا يفرح بما نال إلا بما أجدى عليه نفعه منه.
والعاقل يبذل لصديقه نفسَه ومالَه، ولمعرفته رِفْدَه ومحضره، ولعدوه عدله وبره، وللعامة بِشْره وتحيته، ولا يستعين إلا بمن يجب أن يظفر بحاجته، ولا يحدث إلا من يرى حديثه مغنما، إلا أن يغلبه الاضطرار عليه، ولا يدعي ما يحسن من العلم، لأن فضائل الرجال ليست ما أدَّعَوْها ولكن ما نسبها الناسُ إليهم، ولا يبالي ما فاته من حطُام الدنيا، مع ما رزق من الحظ في العقل.

أنشدني عبد الرحمن بن محمد المقاتلي:
فمن كان ذا عقل، ولم يك ذا غنى ... يكون كذي رِجْلٍ، وليست له نَعْلُ
ومن كان ذا مال، ولم يك ذا حِجَى ... يكون كذي نعل، وليست له رجل

قال أبو حاتم: كفى بالعاقل فضلا وإن عدم المال: بأن تُصْرَف مساوي أعماله إلى المحاسن، فتجعل البلاذة منه حلماً، والمكر عقلا، والهذر بلاغة، والحدة ذكاء، والعي صمتاً، والعقوبة تأديباً، والجرأة عزماً، والجبن تأنياً، والإسراف جوداً، والإمساك تقديراً، فلا تكاد ترى عاقلا إلا موقراً للرؤساء، ناصحاً للأقران، مواتياً للإخوان، متحرزاً من الأعداء، غير حاسد للأصحاب، ولا مخادع للأحباب، ولا يتحرش بالأشرار، ولا يبخل في الغنى، ولا يَشْرَهُ في الفاقة، ولا ينقاد للهوى، ولا يجمح في الغضب، ولا يمرح في الولاية، ولا يتمنى ما لا يجد، ولا يكتنز إذا وجد، ولا يدخل في دعوى، ولا يشارك في مِرَاء، ولا يدْلي بحجة حتى يرى قاضياً، ولا يشكو الوجع إلا عند من يرجو عنده البرء، ولا يمدح أحداً إلا بما فيه؛ لأن من مدح رجلا بما ليس فيه فقد بالغ في هجائه، ومن قبل المدح بما لم يفعله فقد استهدف للسخرية.

والعاقل يكرم على غير مال كالأسد يُهاب وإن كان رابضاً.
وكلام العاقل يعتدل كاعتدال جسد الصحيح، وكلام الجاهل يتناقض كاختلاط جسد المريض.
وكلام العاقل وإن كان نَزْراً حُظوة عظيمة، كما أن مقارنة المأثم وإن كان نزراً مصيبة جليلة.
ومن العقل التثبت في كل عمل قبل الدخول فيه.
وآفة العقل العجب، بل على العاقل أن يوطِّن نفسه على الصبر على جار السوء، وعشيرة السوء، وجليس السوء، فإن ذلك مما لا يخطيه على ممر الأيام.
ولا يجب للعاقل أن يحب أن يسَّمى به، لأن من عرف بالدهاء حذر، ومِنْ عقل العاقل دفن عقله ما استطاع، لأن البذر وأن خفي في الأرض أياما فأنه لا بد ظاهر في أوانه، وكذلك العاقل لا يخفي عقله وأن أخفى ذلك جهده.
وأول تمكن المرء من مكارم الأخلاق هو لزوم العقل.

أنشدني علي بن البسامي:
إن المكارم أبوابٌ مُصَنَّفة ... فالعقل أولُها والصمت ثانيها
والعلم ثالثها، والحلم رابعها، ... والجود خامسها، والصدق ساديها
والصبر سابعها، والشكر ثامنها ... واللين تاسعها، والصدق عاشيها

أخبرنا عمر بن عبد الله بن عمر الهجري بالأبلة حدثنا عبد الله بن خبيق حدثنا موسى بن طريف قال شعيب بن حرب: قال لي شعبه عقولنا قليلة، فإذا جلسنا مع من هو أقل عقلا منا ذهب ذلك القليل، وإني لأرى الرجل يجلس مع من هو أقل عقلا منه فامقته(.
قال أبو حاتم: أول خصال الخير للمرء في الدنيا العقل، وهو من أفضل ما وهب الله لعباده فلا يجب أن يدنس نعمة الله بمجالسة من هو بضدها قائم.
والواجب على العاقل: إن يكون حسن السَّمْت طويل الصمت، فإن ذلك من أخلاق الأنبياء، كما أن سوء السَّمت وترك الصمت من شِيمَ الأشقياء.
والعاقل لا يطول أمله؛ لأن من قوى أمله ضعف عمله، ومن أتاه أجله لم ينفعه أمله.
والعاقل لا يقاتل من غير عُدة، ولا يخاصم بغير حجة، ولا يصارع بغير قوة، لأن بالعقل تحيا النفوس، وتنور القلوب، وتمضي الأمور، وتعمر الدنيا.
والعاقل يقيس ما لم ير من الدنيا بما قد رأى، ويضيف ما لم يسمع منها إلى ما قد سمع، وما لم يِصب منها إلى ما قد أصاب، وما بقي من عمره بما فني، وما لم ينل منها بما قد أوتي، ولا يتكل على المال وإن كان في تمام الحال، لأن المال يحل ويرتحل، والعقل يقيم ولا يبرح، ولو أن العقل شجرة لكانت من أحسن الشجر، كما أن الصبر لو كان ثمرة لكان من أكرم الثمر.
والذي يزداد به العاقل من نماء عقله هو التقرب من أشكاله، والتباعد من أضداده.
ولقد أخبرنا محمد بن المهاجر المعدل، حدثنا أبو جعفر ابن ابنة أبي سعيد الثعلبي حدثنا محمد بن أبي مالك الغزي، قال: سمعت أبي يقول : جالسوا الألباء: أصدقاء كانوا أو أعداء؛ فإن العقول تلقح العقول .
قال أبو حاتم: مجالسة العقلاء لا تخلو من أحد معنيين: إما تذكر الحالة التي يحتاج العاقل إلى الانتباه لها، أو الإفادة بالشيء الخطير الذي يحتاج الجاهل إلى معرفتها.
فقرب العاقل غُنْم لأشكاله وعِبْرة لأضداده، على الأحوال كلها.
ولا يجب لمن تسمى به أن يتدلل إلا على من يحتمل دلاله، ويقبل إلا على من يحب إقباله، ولو كان للعقل أبوان لكان أحدهما الصبر، والآخر التثبت.
جعلنا الله ممن رُكِّبَ فيه حسن وجود العقل، فسلك بتمام النعم مسلك الخصال التي تقربه إلى ربه، في داري الأمد والأبد؟ إنه الفعال لما يريد.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 08, 2015 8:27 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18715
ذكر إصلاح السرائر بلزوم تقوى الله

أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن زهير - بتُسْتَر - حدثنا عمر بن شَبَّة حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا شعبة عن زيادة بن علاقة عن أسامة بن شريك قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كَرِه اللهُ شيئاً فلا تفعله إذا خلوتَ

قال أبو حاتم: الواجب على العاقل الحازم أن يعلم أن للعقل شعباً من المأمورات والمزجورات، لا بد له من معرفتها، واستعمالها في أوقاتها، لمباينة العامِّ، وأوباش الناس بها.

وإني ذاكر في هذا الكتاب - إن اللهُ قضى وشاءه - خمسين شُعبة من شُعب العقل من المأمورات والمزجورات، ليكون الكتاب مشتملا على خمسين باباً، بناء كل باب منها على سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نتكلم في عقيب كل سُنَّة منها بحسب ما يَمُنُّ الله به من التوفيق لذلك إن شاء الله.

فأول شعب العقل هو لزوم تقوى الله، وإصلاح السريرة، لأن من صَلُح جُوّانيه أصلح الله بَرّانيه، ومن فَسد جُوَّانيه أفسد الله برانيه.
ولقد أحسن الذي يقول:
إذا ما خلوتَ الدهر يوماً فلا تَقُلْ ... خلوتُ، ولكن قُل: عليّ رقيبُ
ولا تحسبنَّ يغفُل ساعة ... ولا أنَّ ما يَخْفيَ عليه يغيبُ
ألم تر أنَّ اليوم أسرع ذاهبٍ ... وأنَّ غداً للناظرين قريبُ؟

أخبرنا عبد الله بن محمود بن سليمان السعديّ حدثنا شعبة بن هبيرة حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال )أتخذْ طاعة الله تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة .
قال أبو حاتم: قطبُ الطاعات للمرءِ في الدنيا: هو إصلاح السرائر، وترك إفساد الضمائر.
والواجب على العاقل الاهتمام بإصلاح سريرته، والقيام بحراسة قلبه عند إقباله وأدباره، وحركته وسكونه؛ لأن تكدُّر الأوقات وتنغُّص اللذات لا يكون إلا عند فساده.
ولو لم يكن لإصلاح السرائر سبب يؤدي العاقلَ إلى استعماله إلا إظهار الله عليه كيفية سريرته، خيراً كان أو شراً، لكان الواجبُ عليه قلةِ الإغضاء عن تعاهدها.

أنشدني عبد العزيز سليمان الأبرش:
يُلبس اللهُ في العلانية العب ... دَ الذي كان يَخْتفي في السريرهْ
حسناً كان، أو قبيحاً سَيُبْدَي ... كلُّ ما كان ثَمَّ من كلَّ سيِرهْ
فاستحِ اللهِ أن تُرائِيَ للن ... اس فإنَّ الرياء بئسَ الذَّخيرهْ

أخبرنا أبو يَعْلى حدثنا شريح بن يونس حدثنا عُبَيْدة بن حُمَيْد عن منصور عن عطاء بن أبي رباح عن أبيه قال: قال كعب )والذي فلقَ البحر لبني إسرائيل، إني لأجد في التوراة مكتوباً: يا بن آدم، اتَّقِ ربَّك، وصِلْ رحمك، وبرَّ والديك، يُمِدَّ لك في عُمُرِك، ويُيَسِّر لك، يُسرك، ويَصْرِفْ عنك عُسْرك.

حدثنا محمد بن سليمان بن فارس حدثنا محمد بن علي الشقيقي حدثنا أبي حدثنا جعفر سليمان الضبعي عن مالك بن دينار قال إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خَرب، كما يخرب البيت إذا لم يكن فيه ساكن، وإن قلوب الأبرار تَغْلى بأعمال البرِّ. وإن قلوب الفجَّار تغلي بأعمال الفجور. والله يرى همومكم، فانظروا ما همومكم؟ رحمكم الله.

أنشدني محمد بن مبد الله بن زنجي البغدادي:
وإذا أعلنتَ أمراً حَسَنا ... فليكنْ أحسنَ منه ما تُسرِ
فمسِرُّ الخير موَسومٌ به ... ومسِرَّ الشرِّ موسوم بِشَرْ

أخبرنا أبو يعلي حدثنا شريح بن يونس حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال )إن الرجل ليتكلم بالكلام ينوى فيه الخير. فيلقى الله في قلوب العباد، حتى يقولوا: ما أراد بكلامه هذا إلا الخير. وإن الرجل ليتكلم بالكلام الشر لا ينوي فيه الخير، فيلقي اللهُ في قلوب الناس حتى يقولوا: ما أراد بكلامه هذا إلا الشر .

حدثنا محمد بن عمر الهْمْداني حدثنا القَطَوَاني حدثنا سَيَّار حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال: سمعت الحسن يقول )إنكم وقوفُ هاهنا تنتظرون آجالكم وعند الموت تَلْقَوْنَ الخبر، فخذوا مما عندكم لما بعدكم .

قال أبو حاتم: الواجب على العاقل أن يأخذ مما عنده لما بعده من التقوى والعمل الصالح: بإصلاح السريرة، ونَفْي الفساد عن خَلل الطاعات عند إجابة القلب وإبائه. فإذا كان صحةُ السبيل في إقباله موجوداً أنفذه بأعضائه. وإن كان عدم وجوده موجوداً كبحه عنها، لأن بصفاء القلب تصفو الأعضاء.

وأنشدني المنتصر بن بلال بن المنتصر الأنصاري:
وإنّ امرأَ لمَ يَصْفُ لله قلبه ... لَفِي وَحْشَةٍ من كُلِّ نظرة ناظر
وإن امرأً لم يرتحل ببضاعة ... إلى داره الأخرى فليس بتاجر
وإن امرأً ابتاع دنيا بدينه ... لمنقلِبٌ منها بصفَقْةَ خاسر

أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار الصوفي ببغداد حدثنا أبو نصر التمار حدثنا أبو الأشهب عن خالد الربعي قال )كان لقمان عبداً حبشياً نجارا، فأمره سيده أن يذبح شاة، فذبح شاة، فقال: اأئتني بأطيب مُضْغَتين في الشاة، فأتاه باللسان والقلب، ثم مكث أياما، فقال: اذبح شاة، فذبح، فقال: ائتني بأخبث مضغتين في الشاة، فألقى إليه اللسان والقلب، فقال له سيده: قلت لك حين ذبحت ائتني بأطيب مضغتين في الشاه، فأتيتني باللسان والقلب، ثم قلت لك الآن حين ذبحت الشاة: ائتني بأخبث مضغتين في الشاة، فألقيت اللسان والقلب؟ فقال: إنه لا أطيب منها إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خَبُثا .

وأنشدني منصور بن محمد الكُرَيْزي:
وما المرء إلا قلبُه ولسانهُ ... إذا حصلت أخبارُهُ ومَدَاخله
إذا ما رِداءُ لم يَكُ ظاهراً ... فهيهات أن يُنقِيه بالماء غاسلُه
وما كلُّ من تخشى ينالُك شَرُّه ... وما كلُّ ما أمَّلْتَه أنتَ نائُله

أخبرنا أحمد بن عيسى بن السُّكَبْن - بواسط - حدثنا عبد الحميد بن محمد بن مُسْتام حدثنا مَخْلد بن يزيد حدثنا صالح بن حسان المؤذن قال دخلت على عمر ابن عبد العزيز، فسمعته يقول: لا يتقي الله عبدٌ حتى يجدَ طعم الذل .

قال أبو حاتم: العاقل يفتش قلبه في ورود الأوقات، ويكبح نفسه عن جميع المزجورات، ويأخذها بالقيام في أنواع المأمورات، ولزوم الانتباه عند ورود الفترة في الحالات، ولا يكون المرء يشاهد ما قلنا قائماً حتى يوجد منه صحة التثبت في الأفعال.

أنشدني علي بن محمد البسامي:
وإذا بحثتَ عن التَّقِّيِ وجدته ... رجلاً يصدَّقُ قولّه بفعال
وإذا اتَّقَى اللهَ امرؤ وأطاعه ... فيداهُ بين مكارمٍ ومَعَال
وعلى التَقيِّ إذا تراسخ في التقَى ... تاجان: تاجُ سكينة، وجمال
وإذا تناسبت الرجالُ، فما أرى ... نسباً يكون كصالح الأعمال

أخبرنا القطان بالرقة حدثنا عبد الله بن رومي البزاز عن أبيه قال: قلّما دخلت على إسحاق بن أبي ربعي الرافقي إلا وهو يتمثل بهذا البيت:
خيرٌ من المال والأيام مقبلةٌ ... جَيْبٌ نَقِيٌّ من الآثام والدَّنَس

أخبرنا محمد بن عبد الله بن الجنيد حدثنا عبد الوارث بن عبيد الله عن عبد الله أخبرنا الربيع عن الحسن قال أفضل العمل الورَعُ والتفكر
قال أبو حاتم: العاقل يدبر أحواله بصحة الورع، ويمضي لسانه بلزوم التقوى، لأن ذلك أول شُعَب العقل، وليس إليه سبيل إلا بصلاح القلب.
ومثل قلب العاقل إذا لزم رعايةَ العقل - على ما نذكرها في كتابنا هذاَ أن اللهُ قضى ذلك وشاءه - كأنّ قلبه شُرَّح بسكاكين التُّقْية، ثم مُلَّح بِملْحِ الَخْشيةَ، ثم جُفَّف برياح العظمة، ثم أحي بماء القرية، فلا يوجد فيه إلاّ ما يرضِى المولي جل وعلا، ولا يبالي المرء إذ كان بهذا النعت أن يَتَّضع عند الناس، ومحالٌ أن يكون ذلك أبداً.

سمعت أحمد بن موسى بواسط يقول وجدت على خف عطاء السُّلمى مكتوبا، وكان حائكا :
ألا إنما التقوى هو العز والكَرمْ ... وفخُرك بالدنيا هو الذلُّ والعَدمْ
وليس على عبد تقّيٍ نقيصةٌ ... إذا صحح التقوى، وإن حاك أو حجَمْ

أخبرنا محمد بن زنجويه القشيري حدثنا عمرو بن علي حدثنا طريف بن سعيد حدثنا القاسم بن عبد الله الأنصاريّ عن محمد بن عليّ بن حسين قال إذا بلغ الرجل أربعين سنة ناداه ماد من السماء: دنا الرحيلُ، فأعدَّ زاداً .

وأنشدني عبد العزيز بن سليمان الأبرش:
إذا انتسب الناسُ كان التقيُّ ... بتقواه أفضلَ من ينتسبْ
ومن يتق الله يَكْسِبْ به ... من الخطِّ أفضلَ ما يكتسب
ومن يتخذ سبباً للنجاة ... فإنَّ تُقَي الله خيرُ السبب

وأنشدني أحمد بن محمد بن عبد الله الصنعاني لابن عِكراش:
ومهما يُسِرّ يَبْدُ لرَبَّه ... وما يَنْسَه الإنسان لا يَنْس كاتبهْ
ومن كان غَلاَّبا بجهد ونَجْدَة ... فذو الحظِّ في أمر المعيشة غالبه

وأنشدني أبو بدر أحمد بن خالد بن عبيد الله بن عبد الملك بحرّان:
يا نفسُ، ما هو إلا صبرُ أيامِ ... كأن لَذَّاتِها أضغاثُ أحلام
يا نفس، جُوزي عن الدنيا مبادِرَةً ... وخَلِّ عنها، فإن العيش قُدَّامى

أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاريّ أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله أخبرنا سفيان عن معن قال: قال عبد الله إن لهذه القلوب شهوة وإقبالا، وإن لها فَتْرةً وأدبارا، فخذوها عند شهوتها وإِقبالها، ودَعُوها عند فترتها وأدبارها .

قال أبو حاتم: الواجب على العاقل أن لا ينسى تعاهد قلبه بترك ورود السبب الذي يُورث القساوة له عليه؛ لأن بصلاح الملك تصلح الجنود، فإذا اهتم بإحدى الخصلتين تجنّب أقربهما من هواه، وتَوَخَّى أبعدها من الردى.

ولقد أحسن الذي يقول:
وإِذا تشاجر في فؤادك مَرَّةً ... أمران، فاعْمَدْ للأعفِّ الأجملِ
وإِذا هممت بأمر سوءٍ، فاتَّئِدْ ... وإِذا هممتَ بأمر خير فافْعَلِ

أخبرنا بكر بن أحمد بن سعيد الطاحيّ بالبصرة، حدثنا إبراهيم بن عَزْرة الشامي عن مِسْعر بن كُدام عن عَوْن بن عبد الله قال: قال عمر بن الخطاب جالسوا التَّوابين، فإنهم أرقُ أفئدة .

أخبرنا أبو يعلي حدثنا محمد بن عمرو بن جَبَلةَ حدثنا محمد بن مروان حدثنا عطا الأزرق قال: رجل للحسن يا أبا سعيد، كيف أنت؟ وكيف حالك؟ قال: كيف حال مَنْ أمسى وأصبح ينتظر الموت، ولا يدري ما يُصْنعَ به.

وأنشدني منصور بن محمد الكُرْيزي:
تخَيّر قريناً من فِعالك، إنما ... يَزينُ الفتى في القبر ما كان يفعلُ
فإن كنتَ مشغولا بشيء، فلا تكن ... بغير الذي يَرْضَي به الله تُشْغلُ
فلا بدَّ بعدَ القبرِ من أن تُعِدَّه ... ليوم ينادَي المرء فيه، فيسألُ
فلن يصحبَ مِنْ قبل موته ... ولا بعده إلا الذي كان يَعْملُ
ألا نما الإنسان ضيفٌ لأهله ... يُقِيم قليلا بينهم ثم يرحَلُ

أخبرنا على بن سعيد العسكري حدثنا إبراهيم بن الجنيد حدثنا محمد بن الحسين حدثنا إسماعيل بن زيادة قال )قدم علينا عبد العزيز بن سليمان عَبَّادان في بعض قَدَماته، فأتيناه نُسَلِّم عليه، فقال لنا: صَفُّوا للمنعِمِ قلوبكم، يَكفِكُم المؤنَ عند هَّمكم ثم قال لو خدمت مخلوقاً فأطلْتَ خِدْمته، ألم يكنْ يَرْعَي لخدمتك جُرْمَةَ؟ فكيف بمن ينعِم عليك وأنت مسِيء إلى نفسك، تَتقلّب في نَعمِه، وتَتَعَرضَّ لغضبه؟ هيهات هيهات، هَّمة البطالين، ليس لهذا حلقتم، ولا بذا أُمرتم، الكَيْس الكيْسَ رحمكم الله وكان يفطر على ماء البحر.

قال أبو حاتم: لن تصفوَ القلوب من وجود الدَّرن فيها حتى تكون الهم في الله همَّا واحداً، فإذا كان كذلك كُفِيَ الهمَّ في الهموم إلا الذي يؤول مُتَعَقَّبُه إلى رضا الباري جل وعز، بلزوم تقوى الله في الخلوة والملأ إذ هو أفضل زاد العقلاء في دَارَيْهِمْ وأجلُّ مَطِيَّة الحكماء في حالَيْهم.

وأنشدني محمد بن إسحاق بن حبيب الوسطي:
عليك بتقوى الله في كل أمره ... تجد غِبَّه يوم الحساب المطَّول
ألا إن الله خيرُ مغبةً ... وأفضل زادِ الطاعن المترَحِّل

قال أبو حاتم: قد ذكرت هذا الباب بكامله بالعلل والحكايات في كتاب مَحَجَّة المبتدئين بما أرجو الغُنْية للناظر إذا ما تأملها، فأغنى ذلك عن تكراره في هذا الكتاب.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 10, 2015 9:56 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18715
الحث على لزوم العلم والمداومة على طلبه

أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زرِّ بن حبَيش قال: أتيت صفوان بن عَسال المرادي، فقال: ما جاء بك؟ قلتُ: جئت أنبط العلم قال: فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من خارج يخرج من بيته يطلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاً بما يَصنع .

قال أبو حاتم: الواجب على العاقل إذا فرغ من إصلاح سريرته: إن يثنيَّ بطلب العلم والمداومة عليه، إذ لا وصول للمرء صفاء شيء من أسباب الدنيا إلا بصفاء العلم فيه، وحكم العاقل أن لا يقتَصِّر في سلوك حالة توجب له بَسْطَ الملائكة أجنحتها رضا بصَنيعه ذلك.
ولا يجب أن يكون متأملا في سعيه الدنو من السلاطين، أو نوال الدنيا به، فما أقبح بالعالم التذللَ لأهل الدنيا!.

حدثنا محمد بن إبراهيم الخالدي حدثنا داود بن أحمد الدمياطي حدثنا عبد الرحمن بن عَفّان قال سمعت الفضيل بن عياض يقول ما اقبح بالعالم يؤتي إلى منزله، فيقال: أين العالم؟ فيقال: عند الأمير، أين العالم؟ فيقال: عند القاضي، ما للعالم وما للقاضي؟ وما للعالم وما للأمير؟ ينبغي للعالم أن يكون في مسجده يقرأ في مصْحَف .

حدثنا أبو يعلي حدثنا غسان بن الربيع حدثنا سليم مولي الشعبي عن الشعبي قال )يا طلابَ العلم، لا تطلبوا العلم بسفاهة وطَيْشٍ، اطلبوه بسَكِينة ووَقارٍ وتؤدة .

وأنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي:
وفي العلم والإسلام للمرءِ وازع ... وفي ترك طاعاتِ الفؤاد المتيمّ
بصائرُ رُشْدٍ للفتى مٌسْتَبنة ... وإخلاص صدق علمها بالتعلم

أخبرنا إبراهيم بن نصر حدثنا عبد بن حميد حدثنا سعيد بن عامر عن حميد بن الأسود عن عيسى بن أبي عيسى الخياط قال: قال الشعبي إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خَصلتان: العقل، والنسك، فإن كان عاقلا ولم يك ناسكا قيل: هذا أمر لا يناله إلا النساك، فلم يطلبه، وإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قيل: هذا أمرٌ لا يناله إلا العقلاء، فلم يطلبه
قال الشعبي: فلقد رهبت أن يكون يطلبه اليومَ من ليس فيه واحدة منهما، لا عقلٌ ولا نسك .

قال أبو حاتم: العاقل لا يبيع حظ آخرته بما قصد في العلم لما يناله من حطام هذه الدنيا؛ لأن العلم ليس القصد فيه نفسه دون غيره؛ لأن المبتغَى من الأشياء كلِّها نفُعها لا نفسها، والعلم ونفس العلم شيئان، فمن أغضَى عن نفعه لم ينتفع بنفسه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، والعلم له أول وآخر.

كما حدثنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا عمرو الناقد حدثنا يحيى بن اليمان قال: سمعت سفيان يقول )أول العلم الإنصات، ثم الاستماع، ثم الحفظ، ثم العمل به، ثم النشر وأنشدني الأبرش:

تعلَّم فليس المرء يولد عالماً ... وليس أخو علم كمن هو جاهلُ
وإنَّ كبير القوم لا عِلمَ عنده ... صَغيرٌ إذا التفَّت عليه المحافِلُ

أخبرنا أبو يعلى حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا جرير عن بُرْدِ بن سنان عن سليمان بن موسى قال: أبو الدرداء )لا تكونُ عالماً حتى تكونَ متعلماً، ولا تكون بالعلم عالماً حتى تكون بع عاملا .

قال أبو حاتم: العاقل لا يشتغل في طلب العلم إلا وقصدهُ العملُ به؛ لأن من سعى فيه لغير ما وصفنا أزداد فخراً وتجَبراً وللعمل تركا وتضييعاً، فيكون فسادُه في المتأسِّين به أكثر من فساده في نفسه، ويكون مَثلَه كما قال الله تعالى )16: 25 ومِنْ أوزارِ الذين يُضلِونهم بغير عِلم، ألا ساءَ ما يَزِرون

أخبرنا محمد بن إبراهيم الخالدي حدثنا داود بن أحمد حدثنا عبد الرحمن ابن عفان قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول )في جهنم أرْحِية تَطْحَن العلماء طَحْناً، فقيل: من هؤلاء؟ قال: قوم علموا فلم يعملوا( أخبرنا عبد الله بن محمد السعدي حدثنا محمد بن النضر بن مساور حدثنا جعفر ابن سليمان عن مالك بن دينار قال : إذا طلب الرجل العلم ليعمل به سَرَّه علمه، وإذا طلب العلم لغير أن يعمل به زاده علمه فخراً

أخبرنا محمد بن عمر بن سليمان حدثنا محمد بن رافع حدثنا محمد بن بشر حدثني سلمة بن الخطاب عن عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء قال: قال الحسن )مَنْ أحب الدنيا وسرته ذهب خوفُ الآخرة من قبله، ومن أراد علماً ثم ازداد على الدنيا حرصاً لم يزدد من الله إلا بعداً، ولم يزدد من الله إلا بغضاً

أخبرنا محمد بن المنذر بن سعيد حدثني أحمد بن إبراهيم الحدثي حدثني إسماعيل ابن الحارث حدثني محمد بن الحسن حدثنا أبو العوام إن إبراهيم سمع صوت هاتف، وهو يقول:

يا طالب العلم باشِرِ الورعا ... وباين النوم، واهجر الشَّبَعَا
ماضر عبداً صحت إرادته ... أجاع يوماً في الله أو شبعا
ماضر عبداً صحت عزائمه ... أين من الأرض، أينما صقعا
ما طمعت نفس عابد فنوى ... سؤال قوم إلا لهم خضعاً
يا أيها الناس، ما لعالمكم ... في بحر ماء الملوك قد كرعا
يا أيها الناس، أنتم زرع ... يحصده الموت كلما طلعا

أخبرنا ابن سالم حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي حدثنا يحيى بن اليمان العجلي عن سفيان الثوري قال :العالم طبيب الدين، والدرهم داء الدين، فإذا اجتر الطبيب الداء إلى نفسه، فمتى يداوي غيره؟
أنشدني أحمد بن محمد الصنعاني أنشدني محمد بن عبد الله العراقي:

عُنوا يطلبون العلم في كلُ بلدة ... شباباً، فلما حَصَّلوه وحَشَّروا
وصحَّ لهم إسناده وأصوله ... وصَاروا شيوخاً ضَيَّعوه وأدبروا
ومالوا على الدنيا، فهم يحلبُونها ... بإخلافها مفتوحُها لا يُصَرَّرُ
فيا علماء السوء، أين عقولكم؟ ... وأين الحديثُ المسند المتخَّير؟

أخبرنا جعفر بن محمد الهمداني - بصُورَ - حدثنا محمد بن عبد الله البعلبكي قال: سمعت عمي محمد بن زيد قال :كنت مع ابن المبارك ببغداد، فرأى إسماعيل ابن عُلَيَّةَ راكباً بَغْلةً على باب السلطان، فأنشأ يقول:

يا جاعل الدين له بازياً ... يصطاد أموال السلاطين
لا تبعِ بدنيا، كما ... يفعل ضُلاَّل الرَّهابين
احتلت للدنيا ولَذاتها ... بخيلة تذهب بالدين
وصرت مجنوناً بها بعدما ... كنتَ دواء للمجانين
ففكر الناسُ جميعاً بأن ... زَلّ حمار العلم في الطِّين

أخبرنا عبدُ العزيز بن الحسن البرذعي حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا أحمد بن عبد الله التستري قال : لما ولي ابن عُلَيَّة صدقات الإبل والغنم بالبصرة، كتب إليه ابن المبارك كتاباً، وكتب في أسفله:

يا جاعل الدين له بازياً ... يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين
يا فاضح العلم ومن كان ذا ... لبٍّ ومن عاب السلاطين
أين رواياتُك في سَرْدها ... عن ابن عون وابن سيرين؟
وزاد غير أحمد بن عبد الله:
إن قلتَ: أكرهتُ، فماذا كذا ... زلَّ حمار العلم في الطين
فلما قرأ ابن عُلَّيةَ الكتاب بكى، ثم كتب جوابه، وكتب في أسفله:
أفٍّ لدنيا أبتْ تواتيني ... إلا بنقضي لها عُرَى ديني
عَيْني لِحَيْني تدير مقلتها ... تطلب ما سَرَّها لترديني

أخبرنا محمد بن علي الصيرفي بالبصرة حدثنا العباس بن الوليد النَّرْسي حدثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن مسعود قال :عليكم بالعلم قبل أن يقُبَضَ وَقَبْضُه أن يذهب أصحابه، وإنكم ستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم، وعليكم بالعلم، فإن أحدكم لا يدي متى يفتقرِ، أو يُفْتَقر إليه عنده؟ وعليكم بالعلم، وإياكم والبدع، وعليكم بالعتيق

حدثنا محمد بن زنجُويَةَ القشري حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو قتيبة حدثنا قرة بن خالد عن عون بن عبد الله قال: قال ابن مسعود )ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم الخشية
.
حدثني إسحاق بن إبراهيم القاضي، حدثنا الحارث بن مسكين حدثنا ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول : ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم الخشية

قال أبو حاتم: الواجب على العاقل: مجانبة ما يدنس علمه من أسباب هذه الدنيا، مع القصد في لزوم العمل بما قَدَرَ عليه، ولو استعمال خمسة أحاديث من كل مائتي حديث، فيكون كأنه قد أدى زكاة العلم، فمن عجز عن العمل بما جمع من العلم فلا يجب أن يَعْجِزَ عن حفظه.

ولقد أنبأنا ابن قَحطبة حدثنا حسين بن محمد الكوفي قال: سمعت محمد ابن بشير الخزاعي يقول:

أما لو أعِي كلَّ ما أسمَعُ ... وأحفظ من ذاك ما أجمع
ولم أستفد ما قد جمع ... ت لقيل: هو العالم المقنع
ولكنَّ نفسي إلى كل شيء ... من العلم تسمعه تَنْزَعُ
وأحضرُ بالجهل في مجلسي ... وعلمي في الكتب مُستودَع
فلا أنا أحفظ ما قد جمعت ... ولا أنا من جَمْعه أشْبَعُ
ومَنْ يكُ في علمه هكذا ... يكن دَهْرَهُ القَهْقَري يرجع
إذا لم تكن حافظاً واعياً ... فَجمعُك للكُتْب لا ينفع
وأنشدني محمد بن عبد الله المؤدب:
جامع العلم تراه أبداً ... غيرَ ذي حِفظ ولكن ذا غلَط
وتراه حسَن الخطِّ إذا ... كتب الخَطَّ بصيراً بالنُّقط
فإذا فتشته عن علمه ... قال: علمي يا خليلي في السَّفَط
في كراريس جياد أحكمتْ ... وبخطّ أي خطّ أيّ خط
فإذا قلت له: هاتِ لنا ... حَكَّ لَحْيَيْه جميعاً وامْتَخَط

أخبرنا محمد بن يعقوب الخطيب بالأهواز حدثنا حفص بن عمرو الرَّبالي حدثنا الحجاج بن نصير حدثنا عبد القدوس قال: سمعت وهب بن منبه يقول )من تعلم علماً في حق وسُنَّة: لم يذهب الله بعقله أبداً

حدثنا عبد الله بن قحطبة حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان قال : كتب إليَّ أبي، وأنا بالكوفة: اشتر الصحف، واكتب العلم؛ فإن المال يفنى، والعلم يبقى .
حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا حبان بن موسى أنبأنا عبد الله بن المبارك قال :
كتب حكيم من الحكماء ثلاثين صحيفة حِكَم، فأوحى الله إليه: إنك قد ملأت الأرض نفاقا، وإن الله لم يتقبل شيئا من نفاقك .

قال أبو حاتم: اقتناء المرء عمره بكثرة الأسفار، ومباينة الأهل والأوطان في طلب العلم دون العمل به، أو الحفظ له، ليس من شِيم العقلاء، ولا من زيّ الألباء، وإن من أجرد ما يستعين المرء به على الحفظ: الطبع الجيَّدَ، مع الهمِةَّ واجتناب المعاصي، وأنشدني الأبرش:
نِعمَ عون الفتى الطَّلوب لعِلم ... أو لبعض العقول صحةُ طبع
فإذا الطبعُ فاته بَطَلَ العل ... م وصار العناء في غير نفع

سمعت إبراهيم بن نصر العنبري يقول: سمعت على بن خشرم يقول: سمعت وكيعاً يقول : استعينوا على الحفظ بترك المعصية.

قال أبو حاتم: يجب على العاقل أن لا يطلب من العلم إلا أفضله، لأن الازدياد من العلم آثَرُ عند العاقل من الذكر بالعلم، والعلم زين في الرخاء، ومنجاة في الشدة، ومن تعلم أزداد، كما أن من حَلُم ساد، وفضل العلم في غير خير مهلكة، كما أن كثرة الأدب في غير رضوان الله موُبقة، والعاقل لا يسعى في فنونه إلا بما أجدى عليه نفعا في الدارين معا، وإذا رزق منه الحظَّ لا يبخل بالإفادة،، لأن أول بركة العلم الإفادة، وما رأيت أحداً قط بخل بالعلم إلا لم ينتفع بعلمه، وكما لا ينتفع بالماء الساكن تحت الأرض ما لم يَنْبَعْ، ولا بالذهب الأحمر ما لم يستخرج من معدنه، ولا باللؤلؤ النفيس ما لم يخرج من بَحْره، كذلك لا ينتفع بالعلم ما دام مكنونا لا ينشر ولا يفاد.

أنبأنا أحمد بن مضر الرباطي حدثنا محمد بن سهيل بن عسكر حدثنا أبو صالح الفراء قال: سمعت ابن المبارك يقول )من بخل بالحديث يبتلى بإحدى ثلاث: إما أن يموت فيذهب علمه، أو ينسى، أو يبتلى بالسلطان .

حدثنا أبو يعلي إسحاق بن إسماعيل حدثنا جرير عن برُد عن سليمان ابن موسى قال: قال أبو الدرداء )الناس عالم ومتعلم، ولا خير فيما بين ذلك( وأنشدني الكريزي:

أفدِ العلمَ، ولا تبخل به ... وإلى علمك علما فاستفد
استفد ما اسْطَعت من علم وكن ... عاملا بالعلم والناسَ أفِدْ
مَنْ يفُدهم يَجرهِ الله به ... وسيغني الله عمن لم يُفد
ليس مَنْ نافَس فيه عاجزاً ... إنما العاجز من لا يجتهد

حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا عمر بن حفص الشيباني حدثنا حماد ابن واقد عن هشام بن حسان عن الحسن قال : لأن يتعلمَ الرجل باباً من العلم فيعبدَ به ربه، فهو خير له من أن لو كانت الدنيا من أولها إلى آخرها له، فوضعها في الآخرة .
قال أبو حاتم: قد ذكرت أسباب المتعلمين وأخلاق العلماء بعللها في كتاب العالم والمتعلم، بما أرجو أن يكون فيه غُنْية لمن أراد الوقوف على معرفتها، فأغنى ذلك عن التكرار؛ لأنا شرطنا في هذا الكتاب الاختصار، كراهية سلوك التطويل، والإشارة إلى قصد نفس التحصيل.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 10, 2015 9:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18715
الحث على لزوم العلم والمداومة على طلبه

أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زرِّ بن حبَيش قال: أتيت صفوان بن عَسال المرادي، فقال: ما جاء بك؟ قلتُ: جئت أنبط العلم قال: فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من خارج يخرج من بيته يطلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاً بما يَصنع .

قال أبو حاتم: الواجب على العاقل إذا فرغ من إصلاح سريرته: إن يثنيَّ بطلب العلم والمداومة عليه، إذ لا وصول للمرء صفاء شيء من أسباب الدنيا إلا بصفاء العلم فيه، وحكم العاقل أن لا يقتَصِّر في سلوك حالة توجب له بَسْطَ الملائكة أجنحتها رضا بصَنيعه ذلك.
ولا يجب أن يكون متأملا في سعيه الدنو من السلاطين، أو نوال الدنيا به، فما أقبح بالعالم التذللَ لأهل الدنيا!.

حدثنا محمد بن إبراهيم الخالدي حدثنا داود بن أحمد الدمياطي حدثنا عبد الرحمن بن عَفّان قال سمعت الفضيل بن عياض يقول ما اقبح بالعالم يؤتي إلى منزله، فيقال: أين العالم؟ فيقال: عند الأمير، أين العالم؟ فيقال: عند القاضي، ما للعالم وما للقاضي؟ وما للعالم وما للأمير؟ ينبغي للعالم أن يكون في مسجده يقرأ في مصْحَف .

حدثنا أبو يعلي حدثنا غسان بن الربيع حدثنا سليم مولي الشعبي عن الشعبي قال )يا طلابَ العلم، لا تطلبوا العلم بسفاهة وطَيْشٍ، اطلبوه بسَكِينة ووَقارٍ وتؤدة .

وأنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي:
وفي العلم والإسلام للمرءِ وازع ... وفي ترك طاعاتِ الفؤاد المتيمّ
بصائرُ رُشْدٍ للفتى مٌسْتَبنة ... وإخلاص صدق علمها بالتعلم

أخبرنا إبراهيم بن نصر حدثنا عبد بن حميد حدثنا سعيد بن عامر عن حميد بن الأسود عن عيسى بن أبي عيسى الخياط قال: قال الشعبي إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خَصلتان: العقل، والنسك، فإن كان عاقلا ولم يك ناسكا قيل: هذا أمر لا يناله إلا النساك، فلم يطلبه، وإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قيل: هذا أمرٌ لا يناله إلا العقلاء، فلم يطلبه
قال الشعبي: فلقد رهبت أن يكون يطلبه اليومَ من ليس فيه واحدة منهما، لا عقلٌ ولا نسك .

قال أبو حاتم: العاقل لا يبيع حظ آخرته بما قصد في العلم لما يناله من حطام هذه الدنيا؛ لأن العلم ليس القصد فيه نفسه دون غيره؛ لأن المبتغَى من الأشياء كلِّها نفُعها لا نفسها، والعلم ونفس العلم شيئان، فمن أغضَى عن نفعه لم ينتفع بنفسه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، والعلم له أول وآخر.

كما حدثنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا عمرو الناقد حدثنا يحيى بن اليمان قال: سمعت سفيان يقول )أول العلم الإنصات، ثم الاستماع، ثم الحفظ، ثم العمل به، ثم النشر وأنشدني الأبرش:

تعلَّم فليس المرء يولد عالماً ... وليس أخو علم كمن هو جاهلُ
وإنَّ كبير القوم لا عِلمَ عنده ... صَغيرٌ إذا التفَّت عليه المحافِلُ

أخبرنا أبو يعلى حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا جرير عن بُرْدِ بن سنان عن سليمان بن موسى قال: أبو الدرداء )لا تكونُ عالماً حتى تكونَ متعلماً، ولا تكون بالعلم عالماً حتى تكون بع عاملا .

قال أبو حاتم: العاقل لا يشتغل في طلب العلم إلا وقصدهُ العملُ به؛ لأن من سعى فيه لغير ما وصفنا أزداد فخراً وتجَبراً وللعمل تركا وتضييعاً، فيكون فسادُه في المتأسِّين به أكثر من فساده في نفسه، ويكون مَثلَه كما قال الله تعالى )16: 25 ومِنْ أوزارِ الذين يُضلِونهم بغير عِلم، ألا ساءَ ما يَزِرون

أخبرنا محمد بن إبراهيم الخالدي حدثنا داود بن أحمد حدثنا عبد الرحمن ابن عفان قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول )في جهنم أرْحِية تَطْحَن العلماء طَحْناً، فقيل: من هؤلاء؟ قال: قوم علموا فلم يعملوا( أخبرنا عبد الله بن محمد السعدي حدثنا محمد بن النضر بن مساور حدثنا جعفر ابن سليمان عن مالك بن دينار قال : إذا طلب الرجل العلم ليعمل به سَرَّه علمه، وإذا طلب العلم لغير أن يعمل به زاده علمه فخراً

أخبرنا محمد بن عمر بن سليمان حدثنا محمد بن رافع حدثنا محمد بن بشر حدثني سلمة بن الخطاب عن عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء قال: قال الحسن )مَنْ أحب الدنيا وسرته ذهب خوفُ الآخرة من قبله، ومن أراد علماً ثم ازداد على الدنيا حرصاً لم يزدد من الله إلا بعداً، ولم يزدد من الله إلا بغضاً

أخبرنا محمد بن المنذر بن سعيد حدثني أحمد بن إبراهيم الحدثي حدثني إسماعيل ابن الحارث حدثني محمد بن الحسن حدثنا أبو العوام إن إبراهيم سمع صوت هاتف، وهو يقول:

يا طالب العلم باشِرِ الورعا ... وباين النوم، واهجر الشَّبَعَا
ماضر عبداً صحت إرادته ... أجاع يوماً في الله أو شبعا
ماضر عبداً صحت عزائمه ... أين من الأرض، أينما صقعا
ما طمعت نفس عابد فنوى ... سؤال قوم إلا لهم خضعاً
يا أيها الناس، ما لعالمكم ... في بحر ماء الملوك قد كرعا
يا أيها الناس، أنتم زرع ... يحصده الموت كلما طلعا

أخبرنا ابن سالم حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي حدثنا يحيى بن اليمان العجلي عن سفيان الثوري قال :العالم طبيب الدين، والدرهم داء الدين، فإذا اجتر الطبيب الداء إلى نفسه، فمتى يداوي غيره؟
أنشدني أحمد بن محمد الصنعاني أنشدني محمد بن عبد الله العراقي:

عُنوا يطلبون العلم في كلُ بلدة ... شباباً، فلما حَصَّلوه وحَشَّروا
وصحَّ لهم إسناده وأصوله ... وصَاروا شيوخاً ضَيَّعوه وأدبروا
ومالوا على الدنيا، فهم يحلبُونها ... بإخلافها مفتوحُها لا يُصَرَّرُ
فيا علماء السوء، أين عقولكم؟ ... وأين الحديثُ المسند المتخَّير؟

أخبرنا جعفر بن محمد الهمداني - بصُورَ - حدثنا محمد بن عبد الله البعلبكي قال: سمعت عمي محمد بن زيد قال :كنت مع ابن المبارك ببغداد، فرأى إسماعيل ابن عُلَيَّةَ راكباً بَغْلةً على باب السلطان، فأنشأ يقول:

يا جاعل الدين له بازياً ... يصطاد أموال السلاطين
لا تبعِ بدنيا، كما ... يفعل ضُلاَّل الرَّهابين
احتلت للدنيا ولَذاتها ... بخيلة تذهب بالدين
وصرت مجنوناً بها بعدما ... كنتَ دواء للمجانين
ففكر الناسُ جميعاً بأن ... زَلّ حمار العلم في الطِّين

أخبرنا عبدُ العزيز بن الحسن البرذعي حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا أحمد بن عبد الله التستري قال : لما ولي ابن عُلَيَّة صدقات الإبل والغنم بالبصرة، كتب إليه ابن المبارك كتاباً، وكتب في أسفله:

يا جاعل الدين له بازياً ... يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين
يا فاضح العلم ومن كان ذا ... لبٍّ ومن عاب السلاطين
أين رواياتُك في سَرْدها ... عن ابن عون وابن سيرين؟
وزاد غير أحمد بن عبد الله:
إن قلتَ: أكرهتُ، فماذا كذا ... زلَّ حمار العلم في الطين
فلما قرأ ابن عُلَّيةَ الكتاب بكى، ثم كتب جوابه، وكتب في أسفله:
أفٍّ لدنيا أبتْ تواتيني ... إلا بنقضي لها عُرَى ديني
عَيْني لِحَيْني تدير مقلتها ... تطلب ما سَرَّها لترديني

أخبرنا محمد بن علي الصيرفي بالبصرة حدثنا العباس بن الوليد النَّرْسي حدثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن مسعود قال :عليكم بالعلم قبل أن يقُبَضَ وَقَبْضُه أن يذهب أصحابه، وإنكم ستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم، وعليكم بالعلم، فإن أحدكم لا يدي متى يفتقرِ، أو يُفْتَقر إليه عنده؟ وعليكم بالعلم، وإياكم والبدع، وعليكم بالعتيق

حدثنا محمد بن زنجُويَةَ القشري حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو قتيبة حدثنا قرة بن خالد عن عون بن عبد الله قال: قال ابن مسعود )ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم الخشية
.
حدثني إسحاق بن إبراهيم القاضي، حدثنا الحارث بن مسكين حدثنا ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول : ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم الخشية

قال أبو حاتم: الواجب على العاقل: مجانبة ما يدنس علمه من أسباب هذه الدنيا، مع القصد في لزوم العمل بما قَدَرَ عليه، ولو استعمال خمسة أحاديث من كل مائتي حديث، فيكون كأنه قد أدى زكاة العلم، فمن عجز عن العمل بما جمع من العلم فلا يجب أن يَعْجِزَ عن حفظه.

ولقد أنبأنا ابن قَحطبة حدثنا حسين بن محمد الكوفي قال: سمعت محمد ابن بشير الخزاعي يقول:

أما لو أعِي كلَّ ما أسمَعُ ... وأحفظ من ذاك ما أجمع
ولم أستفد ما قد جمع ... ت لقيل: هو العالم المقنع
ولكنَّ نفسي إلى كل شيء ... من العلم تسمعه تَنْزَعُ
وأحضرُ بالجهل في مجلسي ... وعلمي في الكتب مُستودَع
فلا أنا أحفظ ما قد جمعت ... ولا أنا من جَمْعه أشْبَعُ
ومَنْ يكُ في علمه هكذا ... يكن دَهْرَهُ القَهْقَري يرجع
إذا لم تكن حافظاً واعياً ... فَجمعُك للكُتْب لا ينفع
وأنشدني محمد بن عبد الله المؤدب:
جامع العلم تراه أبداً ... غيرَ ذي حِفظ ولكن ذا غلَط
وتراه حسَن الخطِّ إذا ... كتب الخَطَّ بصيراً بالنُّقط
فإذا فتشته عن علمه ... قال: علمي يا خليلي في السَّفَط
في كراريس جياد أحكمتْ ... وبخطّ أي خطّ أيّ خط
فإذا قلت له: هاتِ لنا ... حَكَّ لَحْيَيْه جميعاً وامْتَخَط

أخبرنا محمد بن يعقوب الخطيب بالأهواز حدثنا حفص بن عمرو الرَّبالي حدثنا الحجاج بن نصير حدثنا عبد القدوس قال: سمعت وهب بن منبه يقول )من تعلم علماً في حق وسُنَّة: لم يذهب الله بعقله أبداً

حدثنا عبد الله بن قحطبة حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان قال : كتب إليَّ أبي، وأنا بالكوفة: اشتر الصحف، واكتب العلم؛ فإن المال يفنى، والعلم يبقى .
حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا حبان بن موسى أنبأنا عبد الله بن المبارك قال :
كتب حكيم من الحكماء ثلاثين صحيفة حِكَم، فأوحى الله إليه: إنك قد ملأت الأرض نفاقا، وإن الله لم يتقبل شيئا من نفاقك .

قال أبو حاتم: اقتناء المرء عمره بكثرة الأسفار، ومباينة الأهل والأوطان في طلب العلم دون العمل به، أو الحفظ له، ليس من شِيم العقلاء، ولا من زيّ الألباء، وإن من أجرد ما يستعين المرء به على الحفظ: الطبع الجيَّدَ، مع الهمِةَّ واجتناب المعاصي، وأنشدني الأبرش:
نِعمَ عون الفتى الطَّلوب لعِلم ... أو لبعض العقول صحةُ طبع
فإذا الطبعُ فاته بَطَلَ العل ... م وصار العناء في غير نفع

سمعت إبراهيم بن نصر العنبري يقول: سمعت على بن خشرم يقول: سمعت وكيعاً يقول : استعينوا على الحفظ بترك المعصية.

قال أبو حاتم: يجب على العاقل أن لا يطلب من العلم إلا أفضله، لأن الازدياد من العلم آثَرُ عند العاقل من الذكر بالعلم، والعلم زين في الرخاء، ومنجاة في الشدة، ومن تعلم أزداد، كما أن من حَلُم ساد، وفضل العلم في غير خير مهلكة، كما أن كثرة الأدب في غير رضوان الله موُبقة، والعاقل لا يسعى في فنونه إلا بما أجدى عليه نفعا في الدارين معا، وإذا رزق منه الحظَّ لا يبخل بالإفادة،، لأن أول بركة العلم الإفادة، وما رأيت أحداً قط بخل بالعلم إلا لم ينتفع بعلمه، وكما لا ينتفع بالماء الساكن تحت الأرض ما لم يَنْبَعْ، ولا بالذهب الأحمر ما لم يستخرج من معدنه، ولا باللؤلؤ النفيس ما لم يخرج من بَحْره، كذلك لا ينتفع بالعلم ما دام مكنونا لا ينشر ولا يفاد.

أنبأنا أحمد بن مضر الرباطي حدثنا محمد بن سهيل بن عسكر حدثنا أبو صالح الفراء قال: سمعت ابن المبارك يقول )من بخل بالحديث يبتلى بإحدى ثلاث: إما أن يموت فيذهب علمه، أو ينسى، أو يبتلى بالسلطان .

حدثنا أبو يعلي إسحاق بن إسماعيل حدثنا جرير عن برُد عن سليمان ابن موسى قال: قال أبو الدرداء )الناس عالم ومتعلم، ولا خير فيما بين ذلك( وأنشدني الكريزي:

أفدِ العلمَ، ولا تبخل به ... وإلى علمك علما فاستفد
استفد ما اسْطَعت من علم وكن ... عاملا بالعلم والناسَ أفِدْ
مَنْ يفُدهم يَجرهِ الله به ... وسيغني الله عمن لم يُفد
ليس مَنْ نافَس فيه عاجزاً ... إنما العاجز من لا يجتهد

حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا عمر بن حفص الشيباني حدثنا حماد ابن واقد عن هشام بن حسان عن الحسن قال : لأن يتعلمَ الرجل باباً من العلم فيعبدَ به ربه، فهو خير له من أن لو كانت الدنيا من أولها إلى آخرها له، فوضعها في الآخرة .
قال أبو حاتم: قد ذكرت أسباب المتعلمين وأخلاق العلماء بعللها في كتاب العالم والمتعلم، بما أرجو أن يكون فيه غُنْية لمن أراد الوقوف على معرفتها، فأغنى ذلك عن التكرار؛ لأنا شرطنا في هذا الكتاب الاختصار، كراهية سلوك التطويل، والإشارة إلى قصد نفس التحصيل.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء نوفمبر 18, 2015 9:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18715
الحث على لزوم الصمت
وحفظ اللسان

أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي - ببغداد - حدثنا منصور بن أبي مزاحم حدثنا أبو الأحوص عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت .

قال أبو حاتم: الواجب على العاقل إذا ذكر المطِيَّتين - اللتين ذكرتهما قبل إصلاح السريرةِ ولزوم العلم: إن يبلغ مجهوده حينئذ في حفظ اللسان حتى يستقيم له، إذ اللسان هو الموُردُ للمرءِ موارد العَطب. والصمت يكسب المحبةَ والوقار، ومن حفظ لسانه أراح نفسه، والرجوُع من الصمت أحْسنُ من الرجوع عن الكلام، والصمت منام العقل، والمنطق يقظته.

حدثنا محمد بن زنجويه حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس إن لقمان قال : إن من الحُكْم الصمتَ، وقليلٌ فاعله.

وأنشدني الكريزي.
أقللْ كلامك واستعذ من شره ... إن البلاء ببعضه مقرونُ
وأحفظ لسانك واحتفظ من غَيّه ... حتى يكون كأنه مسجون
وَكِّل فؤادَك باللسان، وقل له ... إن الكلام عليكما موزون
فزِنَاهُ ولْيَكُ مْحكَما ذا قِلَّةٍ ... إن البلاغة في القليل تكون

أخبرنا ابن قتيبة حدثنا جعفر بن نوح حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع قال: سمعت مالك بن انس يقول : كل شيء ينتفع بفضله إلا الكلامَ فإن فَضْله يَضُرُّ.

أخبرنا القطان حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثنا مروان بن محمد عن سعيد ابن عبد العزيز قال: قال أبو الدرداء : لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: منُصْت واع، أو متكلم عالم .

قال أبو حاتم: الواجب على العاقل أن لا يغالب الناس على كلامهم، ولا يعترضَ عليهم فيه؛ لأن الكلام وإن كان في وقته حظوةً جليلة فإن الصمت في وقته مرتبةٌ عالية، ومن جُهَّل بالصمت عَيّ بالمنطق والإنسان إنما هو صورة ممثَّلة أو صالَّةٌ مهملة، لو لا اللسان، واللهُ جل وعز رفع جارحةَ اللسان على سائر الجوارح، فليس منها شيء أعظمُ أجراً منه إذا أطاع، ولا أعظم ذنباً منه إذا جنى.

وأنشدني محمد بن عبد الله بن زنجيّ البغدادي.
لئن كان يجنى اللومَ ما أنت قائل ... ولم يك منه النفع فالصمت أيسرُ
فلا تُبْدِ قولا من لسانك لم يَرُض ... مواقعَه من قبل ذاك التفكَّرُ

أخبرنا ابن قتيبة حدثنا هرون بن محمد البكار قال: سمعت أبا مسهر ينشد هذا البيت:
قد أرى كثرة الكلام قبيحا ... كلُّ قول يشينه الإكثارُ

أخبرنا محمد بن سعيد القزاز حدثني محمد بن داود بن سليمان الرملي حدثنا المسيب بن واضح قال: سمعت ابن المبارك يقول:
تعاهد لسانك إن اللسان ... سريع إلى المرء في قتله
وهذا اللسان بَريِدُ الفؤاد ... يدلُّ الرجال على عقله
أخبرنا محمد بن سليمان بن فارس حدثنا محمد بن علي الشقيقي أنبأنا إبراهيم بن الشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول : شيئان يقسيان القلب: كثرة الكرم، وكثرة الأكل

أخبرنا أو يعلي حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال: سمعت يحيى بن اليمان يقول: قال سفيان الثوري: )أول العبادة الصمت، ثم طلب العلم، ثم العمل به، ثم حفظه، ثم نشره

حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري حدثنا الغلابي حدثنا العتبي عن علي بن جرير عن أبيه قال: قال الأحنف بن قيس : الصمت أمان من تحريف اللفظ، وعصمة من زيغ المنطق، وسلامة من فضول القول، وهيبة لصاحبه
قال أبو حاتم: الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلى أن يلزمه التكلم، فما أكثر من ندم إذا نطق، وأقل من يندم إذا سكت، وأطول الناس شقاء وأعظمهم بلاء من ابتلى بلسان مطلق، وفؤاد مطبق.
واللسان فيه عشر خصال يجب على العاقل أن يعرفها، ويضع كل خصلة منها في موضعها:
هو أداة يظهر بها البيان، وشاهد يخبر عن الضمير، وناطق يرد به الجواب، وحاكم يفصل به الخطاب، وشافع تدرك به الحاجات، وواصف تعرف به الأشياء، وحاصد تذهب الضغينة، ونازع يجذب المودة، ومُسَلٍّ يذكى القلوب ومُعَزٍّ تردّ به الأحزان.

ولقد أحسن الذي يقول:
إن كان يعجبك السكوت فإنه ... قد كان يعجب قبلك الأخيارا
ولئن ندمت على سكوت مرة ... فلقد ندمتَ على الكلام مرارا
إن السكوت سلامة، ولربما ... زرع الكلام عداوة وضرارا
وإذا تقرّب خاسرٌ من خاسر ... زادا بذاك خسارة وتبارا

سمعت محمد بن المسيب يقول: سمعت العباس بن الوليد بن زيد يقول: سمعت أبي يقول: سمعت الأوزاعي يقول : ما بلى أحد في دينه ببلاء أضر عليه من طَلاقة لسانه

سمعت محمد بن محمود النسائي يقول: سمعت أبا أحمد بن أبي قديد يقول: سمعت العباس بن عبد العظيم يقول: سمعت عارماً يقول: سمعت خالد بن الحارث يقول : السكوت زين للعاقل، وشين للجاهل

قال أبو حاتم رضي الله عنه: لو لم يكن في الصمت خصلة تحمد، إلا تَزَيُّنُ العاقل وتَشُّين الجاهل به لكان الواجب على المرء أن لا يفارقه الصمتُ ما وجد إليه سبيلا، ومَن أحب السلامة من الآثام فليقل ما يقبل منه، وليُقِلّ مما يقبل منه، لأنه لا يجترئ على الكثير إلا فائق أو مائق، وقد ترك جماعة من أهل العلم حديث أقوام أكثروا الكلام فيما لا يليق بهم.

من ذلك: ما حدثنا به محمد بن الحسن بن مكرم بالبصرة حدثنا عمرو بن علي حدثنا أمية بن خالد عن سعيد قال: قلت للحكم: مالَكَ لا تكتب عن زاذان؟ قال: كان كثير الكلام.

قال أبو حاتم رضي الله عنه: لسان العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القول رجع إلى القلب، فإن كان له قال، وإلا فلا، والجاهل قلبه في طرف لسانه، ما أتى على لسانه تكلم به، وما عَقَلَ دينه من لم يحفظ لسانه.
واللسان إذا صلح تبين ذلك على الأعضاء، وإذا فسد فكذلك.

يتبع إن شاء الله تعالى

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 21, 2015 9:50 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18715
أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الجنيد حدثنا عبد الوارث بن عبيد الله عن عبد الله أنبأنا سفيان عن رجل قال : إني كذب الكَذْبة فأعرفها في عملي

أنبأنا أبو عَوَانة يعقوب بن إبراهيم بن إسحاق حدثنا الفضل بن عبد الجبار حدثنا أبو إسحاق الطالقاني عن الوليد بن مسلم قال: قال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أنه قال : ما صلح منطق رجل إلا عُرف ذلك في سائر عمله.

قال أبو حاتم رضي الله عنه: والعاقل لا يبتدئ الكلام إلا أن يسأل ولا يقول إلا لمن يقبل، ولا يجيب إذا شوتم، ولا يجازي إذا أُسمع؛ لأن الابتداء بالصمت وإن كان حسناً، فإن السكوت عند القبيح أحسن منه( وأنشدني المنتصر بن بلال بن المنتصر الأنصاري:

الصمت عند القبيح يسمعه ... صاحبُ صدق لكل مصطحبِ
فآثرِ الصمتَ ما استطعت، فقد ... يُؤْثَرُ قول الحكيم في الكتب
لو كان بعضُ الكلام من وَرِق ... لكان جُلّ السكوت من ذهب

أخبرنا بكر بن محمد بن عبد الوهاب القزاز حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو بشر حدثنا أبي حدثنا بن فضالة عن المغيرة بن مسلم الهجَيمي عن أسير ابن جابر قال : ما رضعت عنزاً قط، ولو قلت: لا أرضعها خفت أن يصير بي البلاء إلى أن أرضعها، إن البلاء مُوَكَّل بالقول
وأنشدني الكريزي:
استر العِيَّ ما استطعت بصمت ... إن في الصمت راحةً للصَّمُوتِ
واجعل الصمت إن عييتَ جواباً ... رب قول جوابه في السكوت

وأنبأنا محمد بن المنذر حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي حدثنا سفيان عن يزيد بن حيان عن عيسى بن عقبة قال: سمعت ابن مسعود يقول : والله الذي لا إله غيره، ما شيء أحق بطول سجْن من لسان

قال أبو حاتم رضي الله عنه: العاقل يحفظ أحواله من ورود الخلل عليها في الأوقات، وإن من أعظم الخلل المفسد لصحة السرائر والمُذهب لصلاح الضمائر: الإكثار من الكلام، وإن أبيح له كثرة النطق، ولا سبيل للمرء إلى رعاية الصمت إلا بترك ما أبيح له من النطق.

كما أنبأنا الحسن بن سفيان حدثنا حبان بن موسى حدثنا عبد الله عن سفيان عن نسير بن دعلوق عن إبراهيم التيمي أخبرني من صحب الربيع بن خَيْثَم عشرين عاماً فلم يسمع منه كلمة تعاب.

أنبأنا الجنيدي حدثنا عبد الوارث بن عبيد الله عن عبد الله أنبأنا سفيان عن أبي طعمة عن رجل من الحي قال: أتيت الربيع بن خيْثَم بنعي الحسين. وقالوا: اليوم يتكلم مقالة، فتأوَّه ومَدَّ بها صوته، ثم قال: اللهم فاطرَ السموات والأرض عالمَ الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك بالحق فيما كانوا فيه يختلفون .

أنبأنا عمرو بن محمد الأنصاري حدثنا الغلابي حدثنا إبراهيم بن عمرو بن حبيب حدثنا الأصمعي قال : بينا أنا أطوف بالبادية إذا أنا بأعرابية تمشي وحدها على بعير لها، فقلت: يا أمة الجبار من تطلبين؟ فقالت: مَنْ يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، قال: فعلمت أنها قد أضلت أصحابها، فقلت لها: كأنك قد أضللت أصحابك؟ قالت: ففهمناها سليمان، وكُلاًّ آتينا حكماً وعلماً، فقلت لها: يا هذه من أين أنت؟ قالت: سبحان الذي أسرى بعيده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، فعلمت أنها مقدسية، فقلت لها: كيف لا تتكلمين؟ فقالت: ما يلفظُ من قولٍ إلا لديه رَقيبٌ عتيد، فقال بعض أصحابي:
ينبغي أن تكوني هذه من الخوارج، فقالت: ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسؤلا، فبينما نحن نماشيها إذ رفعت لنا قباب وخيم، فقالت: وعلامات وبالنجم هم يهتدون، قال: فلم أفطن لقولها، فقلت: ما تقولين؟ فقالت: وجاءت سيارة فأرسلوا وأردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام، قلت: بمن أصوت وبمن أدعو؟ فقالت: يا يحيى خذ الكتاب بقوة، يا زكريا أنا نبشرك، يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض، قال: فإذا نحن بثلاثة أخوة كاللآلئ، فقالوا: أمنا ورب الكعبة أضللناها منذ ثلاث، فقالت: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور، فأومأت إلى أحدهم فقالت: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة، فلينظر أيُّها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه، فقلت: إنها أمرتهم أن يزودونا، فجاءوا بخبز وكعك، فقلت: لا حاجة لنا في ذلك، فقلت للفتية: من هذه منكم؟ قالوا: هذه أمنا ما تكلمت منذ أربعين سنة إلا من كتاب الله مخافة الكذب، فدنوت منها، فقلت: يا أمة الله، أوصني، فقالت: ما أسألكم عليه من أجرا إلا المودة في القربى، فعلمت أنها شيعية، فانصرفت
قال أبو حاتم رضي الله عنه: قد ذكرت ما شاكل هذه الحكايات في كتاب حفظ اللسان فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب.

فالواجب على العاقل أن يروض نفسه على ترك ما أبيح له من النطق، لئلا يقع في المزجورات، فيكون حَتْفه فيما يخرج منه؛ لأن الكلام إذا كثر منه أورث صاحبه التلذذ بضد الطاعات، فإذا لم يوفق العبد لاستعمال اللسان فيما يجُدْيِ عليه نفعُه في الآخرة، كان وجود الإمساك عن السوء أولى به.
وأنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري:
ولن يَهِلْكَ الإنسان إلا إذا أتى ... من الأمر ما لم يرضُه نصحاؤه
وأقلل إذا ما قلتَ قولاً، فإنه ... إذا قَلَّ قول المرء قَلَّ خطاؤه

أنبأنا محمد بن الحسين بن الخليل حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني حدثنا سيار حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا المعلى بن زياد قال: قال مُؤرِّق العِجْلي أمرٌ أنا في طلبه منذ عشر سنين، ولست بتارك طلبه: قال: وما هو يا أبا المعتمر؟ قال: الصمت عمالا يعنيني.

أنبأنا إبراهيم بن نصر العنبري حدثنا علي بن الأزهر الرازي حدثنا إبراهيم ابن رستم قال: سمعت خارجة يقول : صحبت عبد الله بن عون خمس عشرة سنة فما أظن الملائكة كتبت عليه شيئاً.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 22, 2015 9:53 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7602
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
متابعة
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 24, 2015 9:02 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18715
جزانا وإياكم شيخنا الكريم فراج

وشكراً لحضرتك على المتابعة الطيبة

وشرفنى مروركم الكريم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 01, 2015 10:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18715
الحث على لزوم الحياء
وترك القحة

أنبأنا الفضيل بن الحباب الجُمَحي، حدثنا القَعْنَبي عن شعبة عن منصور، عن ربعي، عن ابن مسعود: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن مما أدرك الناسُ من كلام النبوة الأولى: إذا لم تَستَح فاصنع ما شئت.
قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل لزوم الحياء، لأنه أصل العقل وبذر الخير، وتركه أصل الجهل وبذر الشر، والحياء يدل على العقل كما أن عدمه دال على الجهل، ومن لم ينصف الناس منه حياؤه، لم ينصفه منهم قحته، ولقد أحسن الذي يقول:

وليس بمنسوب إلى العلم والنُّهي ... فتىً لا تُرَى فيه خلائق أربعُ
فواحدة: تقوى الإله التي بها ... ينُال جسيمُ الخير والفضل أجمع
وثانية: صدق الحياء فإنه ... طباع ذو المروءة يطبع
وثالثة: حلم إذا الجهل أطلعت ... إليه خبايا من فجور تَسَرَّعُ
ورابعة: جود بملكِ يمينه ... إذا نابه الحق الذي ليس يدفع

وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي:
إذا قلَّ ماء الوجه قَلَّ حياؤه ... فلا خير في وجه إذا قَلَّ ماؤه
حياءَك فاحفظه عليك، فإنما ... يدل على وجه الكريم حياؤه

أنبأنا أبو خليفة حدثنا ابن كثير حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال )ألأم شيء في المؤمن الفحْشُ.
قال أبو حاتم رضي الله عنه: الحياء اسم يشتمل على مجانبة المكروه ومن الخصال والحياء حياآن:
أحدهما: استحياء العبد من الله جل وعلا عند الاهتمام بمباشرة ما خطر عليه.
والثاني: استحياء من المخلوقين عند الدخول فيما يكرهون من القول والفعل معاً.
والحياآن جميعاً محمودان، إلا أن أحدهما فرضٌ والآخر فضل، فلزوم الحياء عند مجانبة ما نهى الله عنه فرض، ولزوم الحياء عند مقارفة ما كره الناس فضل.

وأنشدني محمد بن المنذر بن سعيد عن محمد بن خلف التيمي قال: أنشدني رجل من خزاعة:
إذا لم تخش عاقبةَ الليالي ... ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا والله، ما في العيش خير ... ولا الدنيَا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير ... ويبقى العود ما بقي اللِحاء

حدثنا إسحاق بن إبراهيم القاضي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري: إن أبا بكر الصديق قال يوماً وهو يخطب : أيها الناس، استحيوا من الله، فوالله ما خرجتُ لحاجة منذ بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد الغائط وإلا وأنا مُقَنَّع رأسي حياءً من الله.
قال أبو حاتم رضي الله عنه: الحياء من الإيمان، والمؤمن في الجنة، والبذَاء من الجفاء، والجافي في النار، إلا أن يتفضل الله برحمته فيخلصه منه.
فإذا لزم المرء الحياء كانت أسباب الخير منه موجودة، كما أن الواقِح إذا لزم البذاء كان وجود الخير منه معدوماً وتواتر الشر منه موجوداً؛ لأن الحياء هو الحائل بين المرء وبين المزجورات كلها فبقوةّ الحياء يضعف ارتكابه إياها، وبضعف الحياء تقوى مباشرته إياها.
ولقد أحسن الذي يقول:
وربَّ قبيحةٍ ما حال بيني ... وبين ركوِبها إلا الحياءُ
فكان هو الدواءَ لها، ولكن ... إذا ذهب الحياء فلا دواء

وأنبأنا محمد بن المنذر بن سعيد حدثنا عمر بن شبه حدثنا عبد الأعلى ابن عبد الأعلى حدثنا هشام عن محمد عن كثير بن أفلح عن زيد بن ثابت قال: من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله
قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل أن يعودّ نفسه لزوم الحياء من الناس، وإن من أعظم بركته تعويدَ النفس ركوبَ الخصالِ المحمودة ومجانبتَها الخلالَ المذمومة، كما أنَّ من أعظم بركة الحياء من الله الفوز من النار بلزوم الحياء عند مجانبة ما نهى الله عنه؛ لأن ابن آدم مطبوع على الكرم واللؤم معاً في المعاملة بينه وبين الله والعشرةَ بينه وبين المخلوقين، وإذا قوى حياؤه قوى كرمه، وضعف لؤمه، وإذا ضعف حياؤه قوى لؤمه وضعف كرمه، ولقد أنشدني عليّ بن محمد البسامي:
إذا رُزق الفتى وَجْهاً وَقَاحاً ... تقلّب في الأمور كما يشاءُ
ولم يك للدواء ولا لشيء ... يعالجه به فيه غَنَاء
فما لك في متابعة الذي لا ... حياء لوجهه إلا العناء

قال أبو حاتم: إن المرء إذا أشتد حياؤه صان عِرضه، ودفن مساويَه، ونشر محاسنه، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره، ومن ذهب سروره هان على الناس ومُقِتَ، ومن مُقِت أوذي، ومن أوذي حزن، ومن حزن فقد عقله، ومن أصيب في عقله كان أكثرُ قوله عليه لا له، ولا دواء لمن لا حياء له، ولا حياء لمن لا وفاء له، ولا وفاء لمن لا إخاء له، ومن قل حياؤه صنع ما شاء وقال ما أحب.
وأنشدني عبد العزيز بن سليمان الأبرش:
إذا لم تَصُن عرضاً ولم تخش خالقاً ... وتستحِي مخلوقا فما شئت فاصنعِ
إذا كنت تأتي المرء تُعْظِم حَقَّه ... ويجَهل منك الحقَّ فالصرم أوسع

أنبأنا محمد بن سعيد القزاز حدثني عبد الله بن مسعود الثعلبي باليمن حدثنا أحمد بن زيد بن السكن الجندي عن سفيان بن عيينة قال: قال يحيى بن جعدة : إذا رأيت الرجلَ قليل الحياء فاعلم أنه مدخول في نسبه

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 13, 2015 9:30 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18715
الحث على لزوم التواضع ومجانبة الكِبرْ

أنبأنا أبو خليفة حدثنا موسى بن إسماعيل التبوذكي حدثنا إسماعيل بن حعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ما نقصت صدقة من مال، ولا زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ولا تواضع أحد لله إلا رفعه الله .

قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر، ولو لم يكن في التواضع خَصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه أزداد بذلك رفعةً لكان الواجب عليه أن لا يتزيَّا بغيره.
والتواضع تواضعان: أحدهما محمود، والآخر مذموم.
والتواضع المحمود: ترك التطاول على عباد الله، والإزراء بهم.
التواضع المذموم: هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبةً في دنياه.
فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها، ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها.

ولقد أنبأنا الحسن بن سفيان، حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن بُكير بن عبد الله، عن عبيد الله بن عدي أن عمر بن الخطاب قال : إن الرجل تواضع لله رفع الله حكمتَهُ، وقال: أنتعش نعشك الله، فهو في نفسه صغير، وفي أعين الناس كبير، وإذا تكبر العبد وعدا طَوْره وهصَه الله إلى الأرض، قال: أخسأ! أخسأك الله، فهو في نفسه كبير، وفي أعين الناس صغير

قال أبو حاتم رضي الله عنه: التواضع يرفع المرء قدراً، ويعظم له خطرا، ويزيدهُ نبلا.
والتواضع لله جل وعز على ضربين:
أحدهما: تواضع العبد لربه عند ما يأتي من الطاعات غير معجب بفعله، ولا راء له عندهُ حالةً يوجب بها أسباب الولاية، إلا أن يكون المولى جل وعز هو الذي يتفضل عليه بذلك، وهذا التواضع هو السبب الدافع لنفس العُجب عن الطاعات
والتواضع الآخر: هو ازدراء المرء واستحقاره إياها عند ذكره ما قارف من المآثم حتى لا يرى أحدا من العالم إلا ويرى نفسه دونه في الطاعات وفوقه في الجنايات.

كما أنبأنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ببغداد، حدثنا يحيى بن معين حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني قال: قال أبي يا بني لو لم أحضر الموسم لرجوت أن يغفر لهم .

أنبأنا عبد الرحمن بن يحيى بن معاذ البزاز، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا ابن صُميع، حدثنا زهير بن محمد بن ابن جريح عن مجاهد في قوله : كانوا لنا خاشعين قال : متواضعين

قال أبو حاتم رضي الله عنه: العاقل يلزم مجانبة التكبر، لما فيه من الخصال المذمومة إحداها: أنه لا يتكبر على أحد حتى يعجب بنفسه، ويرى لها على غيرها الفضل؟ والثانية: ازدراؤه بالعلم، لأن من لم يستحقر الناس لم يتكبر عليهم، وكفى بالمستحقر لمن أكرمه الله بالإيمان طغيانا.
والثالثة: منازعة الله جل وعلا في صفاته، إذ الكبرياء والعظمة من صفات الله جل وعلا؛ فمن نازعه إحداهما ألقاه في النار، إلا أن يتفضل عليه بعفوه.
ولقد أحسن الذي يقول:
التيهُ مَفْسدة للدين، منقصة ... للعقل، مهتكة للعرض، فانتبه
لا تَشْرَهَنَّ؛ فإن الذل في الشره ... والعزُّ في الحلم لا في البطش والسفه

يتبع بإذن الله

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 13, 2015 10:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله كل خير أختي الفاضلة وبارك الله فيك
صلّ اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسلما كثيرا كبيرا طيبا مباركا فيه

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 13, 2015 10:27 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18715
محمد محمود كتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله كل خير أختي الفاضلة وبارك الله فيك
صلّ اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسلما كثيرا كبيرا طيبا مباركا فيه


الله يكرمك ويبارك فيك وجزاك الله كل خير

وشرفنى واسعدنى مرورك الكريم



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 13, 2015 10:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 15, 2013 10:47 am
مشاركات: 856
بارك الله فيكِ
الفاضلة الكريمة:المهــــاجرة
ماشاء الله لاقوة إلا بالله

_________________
من مثلكم لرسول الله ينتسبُ ليت الملوك لها من جدكم نسبُ صلى الله عليه وسلم
سيدى أنت أحسن الناس وجها**كن شفيعى فى هول يوم كريه
قــدروى صحـبُك الـكرام حـديــثاً**اطلبوا الخير من حسان الوجوه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 13, 2015 10:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18715
mohamed nour كتب:
بارك الله فيكِ
الفاضلة الكريمة:المهــــاجرة
ماشاء الله لاقوة إلا بالله


بارك الله فيك وأكرمك وألف شكر لحضرتك

واسعدنى وشرفنى مرورك الطيب



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 199 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2, 3, 4, 5 ... 14  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 66 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط