موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 5 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: الدين والتراث ما بين الشرق والغرب
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت فبراير 15, 2020 8:47 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

الربط بين ما فعلته أوروبا في عصر نهضتها من فصلها ‏الدين والتراث عن حركة الحياة العامة وقصره على ‏تعبدات الأفراد وأن ذلك كان السبب في التقدم ‏والنهوض الأوروبي وبين أن من لوازم نهضتنا تقليد ‏أوروبا في ذلك لهو محض خطأ. ‏

وهذا الخطأ ناتج إما عن تصور فاسد وجهل بواقع ‏الموضوع ولواحقه وعمقه وأبعاده وإما نتاج ذلك عن خبيئة ‏سوء.‏

فبنظرة بسيطة لواقع الغرب نجد أن الكل أجمع على ‏هذا الفصل وذلك النبذ ، ولكن هل كل أمم الغرب ‏سواء في التقدم والرقي وارتفاع مستوى المعيشة ؟!!‏

بالطبع لا ، والقائل بخلاف ذلك إما كذاب أو جاهل.‏

فلو التقدم والارتقاء العلمي قائم على هذا الفصل ‏ونبذ التراث ومخالفة السابقين في فهمه كان الغرب في ‏التقدم العلمي سواء.‏

هل شرق أوروبا مثل غربها وهل أوروبا كأمريكا ؟

بالطبع لا ، وهذا مشاهد معاين.‏

عمق المسألة بدأت من لحظة التحريف الذي طال ‏ديانة الغرب الأساسية وما تلاها من اختراق صهيوني.‏

فكان النتاج أن الأصل المعتمد لديهم لتسيير حركة ‏الحياة صار مشوه وأضحى قطعاً وجزماً ثمرة ذلك ‏تصادم وتضاد في حركة الحياة.‏

فهل الأصل لدينا طاله هذا التحريف ؟!! كلا بفضل ‏الله فالإسلام تكفل رب العزة بحفظه وله الحمد والمنة.‏

أما نقلة التراث والقائمين عليه في الغرب طبقة بعد ‏طبقة فقد زادت من الطين بلة وتداخلت وتقاطعت ‏هي ومصالحها مع مصالح عامة الناس ، واستخدم ‏هؤلاء الدين وسيلة توسلوا بها لتملك رقاب العباد ‏وما حوته جيوبهم.‏

فهل حدث مثل ذلك عندنا في أمة الإسلام؟!!‏

الواقع يقر بعدم الحصول ، والاستقراء لسيرة نقلة ‏هذا الدين من لدن السادة الصحابة رضي الله عنهم ‏وأرضاهم ومن تبعهم من الأئمة العاملين كأبي حنيفة ‏ومالك والشافعي وأحمد والثوري والليث والبويطي ‏والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي ‏والطبري والغزالي والقرطبي والعز بن عبد السلام ‏والنووي والسبكي والسيوطي واللقاني والدردير ‏وووو الخ.ينفي ذلك من كل وجه. ‏

فمن تتبع سيرة هؤلاء الأكارم الأعلام قطع بيقين ‏بُعدهم عن الأهواء الدينية منها والسياسية وعدم ‏إخضاعهم علمهم أو تسخيره إلا لخدمة الدين الحنيف ‏وجماهير المسلمين.‏

ولم يُكوّن هؤلاء أو غيرهم قوة ضغط أو مركز قوى ‏لإخضاع الجماهير لهم باسم الدين لجمع حطام الدنيا.‏

بل كان أئمة الأمة على مدى تاريخها هم الملاذ الآمن ‏للجماهير يلجأون إليهم في كل أزمة ويلوذون ببابهم ‏في كل ملة ، فيجدوا منهم كل معاضدة وبذل الوسع ‏واستفراغ الجهد لرفع الظلم وقمع الباطل ومواجهة ‏أخطار الداخل والخارج.‏

ومن طالع تواريخ الأمة كتاريخ الطبري وابن الأثير ‏والجبرتي يجد ما تفيض به الصفحات في إثبات ذلك ‏وتقريره.‏

لذا عند عرض ما أوصل إليه الاستبداد باسم الدين ‏في أوروبا والغرب من تخلف تلك الشعوب قروناً من ‏الزمن ، وأنها ما نجت من براثن ذلك التخلف إلا بنبذ ‏تراثها ومحاولة تطبيق ذلك على حال الأمة الإسلامية ‏وأنه لا نجاة لها إلا بالسير على خطى الغرب في ذلك ‏وضرب المثال بماضي الغرب وحاضره فهذا مخالف ‏للمعلوم من التاريخ ومصادم لواقع ماكان.‏

وحال الغرب وما آل إليه نتيجة لما سبق يظهر جلياً مما يلي : ‏

‏[الكنيسة وممارساتها الاستبدادية. اعترفت الكنيسة ‏بنظام الإقطاع الجائر الظالم للفلاحين وأصبحت ‏الكنيسة من المؤسسات الإقطاعية الضخمة فتحكمت ‏في أرزاق الناس على الأرض .‏

وتحكمت في في مصائرهم بعد الموت بصكوك الغفران ‏، وكانت تمارس الاضطهاد والظلم ضد الفلاحين.‏

وكان الواجب الديني يحتم عليها الوقوف في وجه ‏الظلم والطغيان ومساعدة الفقير حتى ينال حقه ، ‏ولكنها للأسف كانت الأداة التي يبطش بها ‏الإقطاعيون.‏

وقد تمثل استبداد الكنيسة السياسي في أشكال وأنماط ‏متعددة منها :‏

‏1- حصار الأفكار.‏

لم يقتصر دور الكنيسة في هذا الوقت على تدخلها ‏وبقوة في حياة الناس والتحكم في أرزاقهم على ‏الأرض بمساعدة الإقطاعيين والسماح لهم بفعل كل ما ‏يخطر على بالهم ضد الفلاحين المقهورين بل تعدى ‏ذلك إلى التحكم في مصائرهم في الآخرة.‏

فمن يملك المال كان يملك مساحة أكبرفي جنة الخلد ‏بموجب صك توقعه الكنيسة (عقد مبرم بين صاحب ‏المال وبين الكنيسة) بموجبه يحصل صاحب الصك ‏على المساحة التي يريد شراءها في الجنة.‏

هذه التصرفات المخالفة لتعاليم الإنجيل جعلت ‏المفكرين وأصحاب النظريات العلمية والفلسفية ‏واللاهوتية يفكرون في كيفية الخروج من هذا الوضع ‏ويفكرون في تحرر الإنسان من هذا الوضع الذي ‏أصبح الإنسان فيه بلا ثمن ولا كرامة.‏

ولكي تحافظ الكنيسة على الوضع القائم أنشأت ما ‏يعرف بمحاكم التفتيش الدينية والتي كانت تحاكم ‏الناس أصحاب النظريات العلمية والفكرية بحجة أن ‏تلك الأفكار والنظريات مخالفة لنصوص الإنجيل ‏وتفسيراته وراحت هذه المحاكم تفتش في نوايا الناس ‏وفي ضمائرهم وفي كل ما يكتبونه.‏

وكانت أحكام هذه المحاكم تصل إلى الإعدام حرقاً ‏ومصادرة الأعمال العلمية وحرقها.‏

فأصبح الإنسان الأوروبي محكوماً من قبل جماعة ‏لصوص إقطاعية تأكل خيراته ، وهذه الجماعة ‏الإقطاعية اللصوصية مسنودة من الكنيسة بل الكنيسة ‏هي رأس هذه الجماعة اللصوصية.‏

ولم تتحكم الكنيسة في الأرزاق على الأرض والمصائر ‏في السماء فقط بل كانت تتحكم في تفكير الناس ‏كذلك.‏

ومن أهم العلماء الذين وقعوا فريسة لهذا الغول ‏المتوحش العالم الفلكي كوبر نيكوس.‏

فنظريته الفلكية التي ادعى فيها أن الشمس مركز ‏الكون جعلت الكنيسة تحكم عليه بالإعدام ؛ لأن هذه ‏النظرية تخالف ما هو موجود في تفسيرات الكتاب ‏المقدس.‏

وكانت حجة الكنيسة أن هذه الأرض هي التي صلب ‏عليها ابن الله فلابد أن تكون ثابتة وأن السماء مظلة ‏للأرض ، فكيف يمكن للأرض أن تتحرك من أسفل ‏السماء.‏

وأصبحت محاكم التفتيش حاجزاً حقيقياً أمام التقدم ‏العلمي في كافة المجالات وخصوصاً العلوم الطبيعية.‏

وأعدمت وصادرت الأعمال الجديدة التي كانت ‏تنادي بالتحرر من القيود الدينية والسياسية ومن تجبر ‏رجال الدين وسطوتهم التي لم تكن تضاهيها سطوة ‏حتى إن الرهبان والقساوسة كانوا لايؤدون الصلاة ‏على الميت إلا إذا كان لديه المال الذي يحدده رجل ‏الدين.‏

وكانت رأس الكنيسة في هذا الوقت تدعم هذا ‏الاتجاه وتلك التصرفات وكانت تسمى التفكير في كل ‏ما يخالف تعاليم ونصوص الكتاب المقدس هرطقة ‏وكفراً.‏

والبابا بولس الرابع قال وصرح ((بأن المخلصين من ‏أبناء الكنيسة عليهم واجب القضاء على الهرطقة بكل ‏قوة وعنف ؛ لأنها طاعون وينبغي علينا القضاء على ‏هذا الطاعون ، فإذا كانت الملابس وكل ما تلوث ‏بالطاعون يحرق فلماذا لانقوم بحرق كل ما يمت إلى ‏الهرطقة بصلة ؟ لأن الهرطقة مرض يصيب العقل ‏الإنساني أغلى وأعز ما يملك.))‏

الكنيسة أوكلت إلى محاكم التفتيش هذا الأمر فكانت ‏تلك المحاكم تقوم بعمل قائمة بكافة الكتب التي تصدر ‏في البلدان الأوروبية في هذا الوقت وتطابق ما في تلك ‏الكتب من أفكار بتفسيرات الكتاب المقدس وإذا ‏كانت تلك الأفكار مخالفة للتفسيرات يتم القبض على ‏هذا الشخص وتحديد يوم معين لمحاكمته وتجمع ‏الأخشاب والأحطاب ويوضع الشخص المحكوم بين ‏تلك الأخشاب.‏

وبمواجهته بما كتب ، فإذا لم يتبرأ منها ويعترف بأنه ‏أخطأ يتم إحراقه هو وكتبه في النار ويتعالى الدخان ‏المليء بالرائحة البشرية.‏

ولكن في هذا الوقت لم يكن لهؤلاء البشر أنوف ‏يشمون بها هذه الرائحة.[1].‏

قلت وبالله التوفيق :

هذا جزء من الصورة التي كان عليها الغرب وتراثه ‏والقائمين عليه.‏

فأين هذا من سيرة أسلافنا الأفاضل وقيامهم على ‏خدمة عامة المسلمين بمالهم وجهدهم ، فأين هذا من ‏إنفاق الصحب الكرام رضي الله عنهم في كافة وجوه ‏الخير؟

وأين هذا من إنفاق أبو حنيفة ومالك والليث ؟ وزهد ‏وورع الشافعي وأحمد ؟ وبذل العز بن عبد السلام؟

أين هذا من بيئة وثقافة وتراث أخرج أمثال البيرروني ‏والخوارزمي وابن الهيثم والإدريسي ؟!!!!‏

فهل صدر من أئمة المسلمين أو وجد في تراثهم ما ‏يكبح حركة الحياة ومسارات التقدم العلمي والتقني ‏في محتلف العلوم التطبيقية؟

هل كَوّن أئمة المسلمين فيما بينهم نظاماً سلطوياً قامعاً ‏لحرية العلم والتعلم ونظريات العلم ولاستعباد البشر ‏وامتصاص مقومات حياتهم المادية والمعنوية كما كان ‏في الغرب؟!!!‏

من يجد ذلك فليأتنا به فالبينة على من ادعى تلك ‏الدعاوى العريضة على تراثنا ومن نقله لنا.‏

لذا أقول وبالله التوفيق :‏

فمن قاس حالنا على حال الغرب وما كان فيه وما ‏صار إليه بعد نبذ تراثه فقد أخطأ وجانبه الصواب ‏وقياسه فاسد من كل وجه.‏

يتبع إن شاء الله.‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش :

‏[1] الليبرالية روادها - مبادئها - اعتقاداتها لـ ‏علي رمضان فاضل. من صـ 14 : صـ 16.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدين والتراث ما بين الشرق والغرب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء فبراير 18, 2020 10:04 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

تسجيل حضور ومتابعة

بارك الله فيكم الأخ الفاضل سهم النور.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدين والتراث ما بين الشرق والغرب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس فبراير 20, 2020 4:52 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

أكرمكم الله أخي الحبيب الفاضل (حتى لا أحرم) وبارك فيك وجزاكم الله خيراً.

ويسعدني دائماً متابعتكم كذا مروركم الكريم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدين والتراث ما بين الشرق والغرب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد فبراير 23, 2020 9:30 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
حتى لا أحرم كتب:

تسجيل حضور ومتابعة

بارك الله فيكم الأخ الفاضل سهم النور.


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدين والتراث ما بين الشرق والغرب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء فبراير 25, 2020 1:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

أكرمكم الله أخي الحبيب الفاضل (البخاري) وبارك فيك وجزاكم الله خيراً.

ويسعدني دائماً متابعتكم كذا مروركم الكريم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 5 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 17 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط