موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 39 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2, 3  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أكتوبر 16, 2014 4:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها جيواستراتيجيًا .

لـ زبغنيو بريجنسكي .

يقدم كتاب "رقعة الشطرنج الكبرى" نظرة جيو استراتيجية مثيرة وجريئة لبريجنسكي عن التفوق الأميركي في القرن الحادي والعشرين. ويتركز تحليله على ممارسة القوة في البر الأوراسي الذي يعيش فيه الجزء الأكبر من سكان العالم، والجزء الأكبر أيضًا من الموارد الطبيعية والنشاط الاقتصادي.

وإذ تمتد أوراسيا (أوروبا وآسيا) من البرتغال إلى مضيق بيرينغ ، ومن لا بلاند إلى ماليزيا، فإنها تشكل "رقعة الشطرنج الكبرى" التي سيتم فيها الاعتراف بالتفوق أو السيطرة الأميركية وتحديها في السنوات المقبله.

وهو يؤكد أن المهمة التي تواجه الولايات المتحدة، هي إدارة النزاعات والعلاقات في أوروبا وآسيا والشرق والأوسط على نحو لاتصعد
معه أية دولة عظمى منافسة لتهدد المصالح الأميركية أو حالة الرفاه السائد في أمريكا .

أن قلب أو مركز رقعة الشطرنج الكبرى هو تحليل بريجينسكي لأربع مناطق حرجة في آسيا وللمراهنة الأميركية على كل منها، وهي تشمل أوروبا، وروسيا وآسيا الوسطى وشرق آسيا .

وعمومًا فربما تبدو خطوط التحدي المحرجة مألوفة، ولكن أنهيار الاتحاد السوفيتي خلق منافسين جدد وعلاقات جديدة، كما أن بريجينسكي ينظم التشعبات الاستراتيجية للحقائق الجيوبوليتية الجديدة. فهو يشرح على سبيل المثال :

لماذا ستلعب فرنسا وألمانيا أدوارا أستراتيجية رئيسة،بينما لن تفعل بريطانياواليابان ذلك؟

لماذا يقدم الناتو الراغب في التوسع، فرصة إلى روسيا لكي تصحح أخطاء الماضي، لماذا لا تستطيع روسيا أن تغفل هذه الفرصة ؟.

لماذا يعتبر مضير أوكرانيا وأذربيجان هامًا بالنسبة إلى أميركا؟.

لماذا ليست أميركا القوة العظمى العالمية الأولى فقط بل والأخيرة أيضًا؟، وماذا يترتب عليها إزاء وراثتها لهذا الدور؟.

كلمة عن المؤلف .

عمل زبغنيو بريجينسكي مستشارًا للأمن القومي لدى الرئيس الأميركي جيمي كارتر بين١٩٨١ وهو يعمل حاليًا مستشارًا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، _ عامي ١٩٧٧وأستاذًا (بروفسورًا) بمادة السياسة الخارجية الأميركية في كلية بول نيتز للدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز في واشنطن دي. سي وأحدث كتبه هي:"خارج السيطرة":،
و"الفشل الكبير" و"خطة اللعبة" و"القوة والمبدأ".

يتبع إن شاء الله .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أكتوبر 16, 2014 11:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7636
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة أكتوبر 17, 2014 12:09 am 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936

بسم الله الرحمن الرحيم

جزاكم الله خيراً

على هذا الموضوع الرائع


_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أكتوبر 18, 2014 3:46 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

شيخنا الفاضل (فراج يعقوب) :

الأخ الفاضل (نور الدين) :

بارك الله فيكما وجزاكما الله خيراً ، ويسعدني دائماً مروركما الكريم .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين ديسمبر 15, 2014 3:06 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

ماذا قيل عن هذا الكتاب .

"إن رقعة الشطرنج الكبرى" هو الكتاب الذي كنا ننتظره لكي نرى فيه عرضًا حاسمًا واضحًا ومعمقًا عن المصالح الاستراتيجية لأميركا في عالم ما بعد الحرب الباردة.

وإذ يضم هذا الكتاب مزيجًا رائعا من التحليلات التاريخية والجغرافية،والسياسية، فإنه يمثل ذلك التفكير الجيو استراتيجي بالطريقة التقليدية العظيمة لبسمارك"

"وفي نهاية المطاف، فإن كتاب " " رقعة الشطرنج الكبرى" هو عرض واضح ومقدم بشكل متآلف من إطار العمل الجديد والضروري للسياسة الخارجية الأميركية، ويربط معًا أهداف المدى القريب والمتوسط والبعيد التي يجب أن تبدأ بلادنا (أميركا) بتنفيذها الآن. وهو يلبي حاجة حيوية".

نجد في هذا الكتاب، الذي هو ذاته أحد أهم الوثائق التي ظهرت بعد انتهاء الحرب الباردة أن زبيغنيو بريجينسكي يعرض تصوره الأسطوري ووجهة نظره الفكرية الثاقبة، في إعطاء ووصف الهدف من القوة الأميركية. وفي زمن الاندفاع الجارف هذا،يبقى بريجينسكي العقل الاستراتيجي الأعظم لأميركا.

إن كتاب "رقعة الشطرنج الكبرى" سوف يسبب صدمة للخائف، ويغيظ صاحب الخيال الخامل، ويلهم القارئ المفكر. فبالنسبة لمن يعتقد أن أميركا يجب أن تقود الآخرين، ولكنه ليس واثقًا كيف يتم ذلك، نجد أن هذا الكتاب يقدم رؤية براغماتية (واقعية) وملزمة. أما في ما يخص المسؤولين عن وضع السياسة الأميركية _ فإنه مرجع لا يمكن الاستغناء عنه .

جعل زبغنيو بريجينسكي من نفسه أحد أبرز محللي الشؤون الدولية، وأحد الممارسين المتقدمين في فن الاستراتيجية. وهو يجمع هنا كلا هاتين السمتين ليقدم إلينا تحلي ً لا مثيرًا لشكل العالم بعد الحرب البادرة ولدور أميركا في هذا العالم. إنه كتاب يجب أن يقرأ، ناهيك عن كونه جيدًا أيضًا .

الإهداء .

إلى طلابي لكي يساعدهم في تشكيل عالم الغد

مدخل

كانت أوراسيا منذ أن بدأت القارات تتفاعل سياسيًا في ما بينها، قبل ما يقرب من خمسمائة سنة، مركز القوة العالمية. فبطرائق مختلفة، وفي أزمنة مختلفة، كانت الشعوب التي سكنت أوراسيا _ وإن كان أغلبها من الذين تحدروا من المحيط الأوروبي الغربي _ اخترقت مناطق أخرى من العالم وأخضعتها لسيطرتها، وذلك عندما حققت دولة أوراسية منفردة ذاتها أو وضعها الخاص المتميز وتمتعت بامتيازات نجمت عن كونها قد أصبحت القوى (أو الدول) الأولى في العالم.

كان العقد الأخير من القرن العشرين قد شهد تغيرًا شاذًا أو حادًا في الشؤون العالمية. فلأول مرة تبرز دولة غير أوراسية لا تكون الحكم الرئيسي في علاقات القوة الأوراسية فحسب،بل لتصبح أيضًا القوة الأعظم في العالم. وكانت هزيمة الاتحاد السوفييتي وانهياره قد شكلا الخطوة الأخيرة في صعود قوة من نصف الكرة الغربي، هي الولايات المتحدة، لتصبح القوة الوحيدة،

والعالمية بحق وحقيق، لأول مرة. ومهما يكن الأمر فإن أوراسيا لا تزال محتفظة بأهميتها الجيوبوليتية. فهي ليست فقط متمثلة في محيطها الغربي، أي أوروبا، التي لا تزال مركزا للكثير من القوة السياسية والاقتصادية للعالم، بل وفي منطقتها الشرقية، أي آسيا، التي أصبحت مؤخرًا مركزًا حيويًا للنمو الاقتصادي والنفوذ السياسي المتعاظم. وبالتالي فإن مدى نجاح أميركا ذات النشاطات أو الأنشطة العالمية في التعامل مع القوة الاوراسية المعقدة، ولا سيما قدرتها على ان تمنع ظهور قوة أوراسية مسيطرة أو معادية يبقى أمرًا رئيسيًا يحدد قدرتها على ممارسة السيادة العالمية.

يترتب على ذلك أنه يجب على السياسة الخارجية الأميركية، بالإضافة إلى تطوير وصقل مختلف الأبعاد الجديدة للقوة (كالتكنولوجيا، والاتصالات، والمعلومات، ناهيك بالتجارة والمال أيضًا)، أن تحافظ على اهتمامها بالبعد الجيوبوليتي ويجب أن تستخدم نفوذها في أوراسيا بطريقة تخلق توازنًا قاريًا مستقرًا، مع استمرار الولايات المتحدة في القيام بدور الحكم السياسي .

وهكذا، فإن أوراسيا هي رقعة الشطرنج التي يستمر فيها الصراع على السيادة العالمية، علمًا أن هذا الصراع يتضمن الجغرافيا الاستراتيجية، أي الإدارة الاستراتيجية للمصالح الجيوبوليتية.

والجدير بالذكر هو أن مرشحين اثنين للسيادة العالمية، هما أدولف هتلر، وجوزيف ستالين اتفقا بشكل واضح في محادثاتهما السرية في تشرين الثاني من العام ١٩٤٠ على استبعاد أميركا من أوراسيا.

وقد تأكد كل منهما من أن إدخال القوة الأميركية إلى أوراسيا سوف يستبعد طموحاته المتصلة بالسيطرة العالمية. واشترك كل منهما أيضًا في الافتراض بأن أوراسيا هي مركز العالم وإن من يسيطر على أوراسيا هذا يسيطر على العالم.

وبعد نصف قرن، أعيد تحديد القضية عبر التساؤل التالي: هل تستمر سيادة أميركا على أوراسيا، وما هي الأهداف التي يمكن لهذه السيطرة أن تحققها ؟

إن الهدف النهائي للسياسة الأميركية يجب أن يكون حياديًا ومثاليًا: أي يتمثل في خلق مجتمع عالمي متعاون بشكل حقيقي، وذلك من خلال المحافظة على الاتجاهات البعيدة المدى والمصالح الجوهرية للجنس البشري،

ولكن يجب في الوقت ذاته، ألا يظهر تحد أوراسي، قادر على السيطرة على أوراسيا، وبالتالي على تحدي أميركا. وهكذا، فإن الهدف الرئيسي من هذا الكتاب هو صياغة جيواستراتيجية أوراسية متكاملة وشاملة.

زبغنيو بريجينسكي
واشنطن، دي، سي،
نيسان، 1997


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين ديسمبر 15, 2014 3:52 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

الفصل الأول : الهيمنة من النوع الجديد .

إن الهيمنة قديمة قدم الإنسان ذاته. ولكن السيطرة العالمية الراهنة لأميركا تتميز بسرعة ظهورها، وبحجمها العالمي، وبطريقة ممارستها. فخلال قرن واحد حولت أميركا نفسها، وحولت أيضًا بواسطة ديناميات دولية، من دولة معزولة نسبيا في نصف الكرة الغربي إلى قوة تصل سلطتها إلى ارجاء العالم كلها وتمسك بهذه الأرجاء على نحو لم يسبق له مثيل قط.

الطريق القصيرة إلى سيطرة عالمية .

كانت الحرب الإسبانية الأميركية عام ١٨٩٨ أول حرب استيلائية لأميركا في ما وراء البحار. فقد امتدت القوة الأميركية بعيدًا إلى المحيط الهادي، وإلى ما وراء هاواي و الفلبين.

ومع بدء القرن العشرين كان الاستراتيجيون الأميركيون قد انخرطوا في تطوير عقائد عن السيطرة البحرية على محيطين، وبدأت البحرية الأميركية تتحدى المفهوم القائل إن بريطانيا "تحكم الأمواج".

وهكذا فإن المزاعم الأميركية عن وضع خاص يجعل من أميركا الحارس الوحيد لأمن نصف الكرة الغربي، والذي كان قد ادعى في وقت سابق من القرن من خلال عقيدة مونرو، وبرز لاحقًا "بتقرير المصير الواضح" المدَّعي أيضًا من قبل أميركا، كانت قد عززت أيضًا بإنشاء قناة باناما التي سهلت السيطرة البحرية على كلا المحيطين الأطلسي والهادي.

أمنت أسس طموحات التوسع الجيوبوليتي لأميركا بسرعة تصنيع اقتصاد هذا البلد. ومع نشوب الحرب العالمية الأولى، كانت القوة الاقتصادية المتنامية لأميركا قد وصلت فع ً لا إلى ما يعادل نحو ٣٣ بالمئة من الدخل القومي السنوي العالمي، وبالتالي حلت مكان بريطانيا لتصبح القوة الصناعية الأولى في العالم.

عززت هذه الدينامية الاقتصادية الملحوظة بثقافة عملت لصالح الاختبار العلمي والابتكار. وخلقت فرصًا غير مسبوقة لمخترعين طموحين ومحطمين للمعتقدات والمؤسسات التقليدية. ممن لم يمنعوا من متابعة أحلامهم الشخصية بواسطة الامتيازات المزخرفة أو السلطات الحاكمة المتحجرة اجتماعيًا. وباختصار، فإن الثقافة القومية كانت متجانسة على نحو فريد من نوعه مع النمو الاقتصادي، وإذا اجتذب الأفراد الأكثر موهبة من الخارج، وأدخلوا بسرعة في النسيج العام للبلد فإن الثقافة سهلت، في ضوء ذلك، توسع القوة القومية.

أمنت الحرب العالمية الأولى أول فرصة للنقل الكثيف للقوة العسكرية الأميركية إلى أوروبا.

فالدولة التي كانت معزولة نسبيًا حتى ذلك التاريخ استطاعت أن تنقل بسرعة بضع مئات الآلاف من الجنود عبر الأطلسي، وكان ذلك عبارة عن حملة عسكرية غير مسبوقة حجمًا وتنوعًا تنقل عبر المحيط، الأمر الذي دل على ظهور لاعب رئيس جديد في المسرح الدولي.

ولا يقل عن ذلك أهمية أن هذه الحرب حثت على القيام بأول جهد دبلوماسي رئيس من اجل استخدام المبادئ الأميركية في إيجاد حل للمشكلات الدولية لأوروبا. وقد مثلت نقاط ردود ولمسن الأربع عشرة عملية حقن المثالية الأميركية في علم السياسة* الطبعية الأوروبي، وعزز ذلك بالقوة الأميركية.

(وقبل عقد ونصف، كانت الولايات المتحدة قد لعبت دورًا بارزًا في حل نزاع في الشرق الأقصى بين روسيا واليابان، معززة بذلك وضعها الدولي المتنامي الأهمية).

وعمومًا، فإن الجمع بين المثالية الأميركية والقوة الأميركية جعل من أميركا قوة ملموسة كليًا على المسرح الدولي.

وعمومًا، فإذا أردنا دقة أكثر في الكلام، نقول إن الحرب العالمية الأولى كانت حربًا أوروبية غالبًا ولم تكن حربًا عالمية.

ولكن طابعها التدميري الذاتي سجل بداية النهاية للتفوق السياسي والاقتصادي والثقافي الأوروبي على سائر العالم. وفي أثناء الحرب، لم تكن أي دولة أوروبية قادرة بمفردها على تحقيق النصر، وبالتالي فإن نتيجة الحرب تأثرت إلى حد كبير بدخول دولة صاعدة غير أوروبية، هي أميركا، إلى النزاع. وفي ما بعد، فإن أوروبا ستصبح بدرجة متزايدة، الطرف المستهدف في سياسة القوة العالمية بعد ان كانت الطرف الفاعل في هذه السياسة.

ومهما يكن الأمر، فإن هذا التفجر السريع والقصير الأمد في الزعامة العالمية الأميركية لم يثمر انخراطا أميركيا مستمرًا في شؤون العالم. وعوضا عن ذلك، فسرعان ما تراجعت أميركا إلى حالة الجمع بين الانعزالية والمثالية على نحو مشع للرغبات الذاتية. وبالرغم من أن الديكتاتورية كانت تعيد تنظيم ذاتها وتستعيد قوتها في منتصف العشرينيات والثلاثينيات في القارة الأوروبية، فإن الدولة الأميركية، التي كانت تملك آنذاك أسطولا قويا يعمل في محيطين ويتفوق بوضوح على البحرية البريطانية، بقيت غير ملتزمة بشيء وفضل الأميركيون أن يكونوا مجرد متفرجين في المسرح العالمي .

وانسجاما مع هذه النزعة وجد آنذاك المفهوم الأميركي عن الأمن، الذي استند إلى وجهة نظر ترى في أميركا مجرد جزيرة قارية. وهكذا ركزت الاستراتيجية الأميركية على حماية شواطئ أميركا، وبالتالي كانت ذات حجم قومي ضيق، ولم تعر سوى أهمية قليلة إلى الاعتبارات الدولية أو العالمية.

وظل اللاعبون الدوليون الحساسون متمثلين في الدول الأوروبية إضافة إلى اليابان التي تنامي دورها أيضا .

وهي تأثير العومل الاقتصادية والبشرية في سياسة الدولة (Geopolitics) * ترجمة كلمة الخارجية بخاصة (المترجم).

وصلت المرحلة الأوروبية في السياسة العالمية إلى النهاية الأخيرة لها في أثناء الحرب العالمية الثانية، التي كانت أول حرب عالمية حقيقة. وإذ خيضت هذه الحرب في ثلاث قارات في وقت واحد، مع حدوث صراعات شديدة والوطأة في المحيطين الأطلسي والهادي، فقد ثبت بعدها العالمي على نحو ملموس عندما اصطدم الجنود البريطانيون واليابانيون، الذين احتلوا، على التوالي جزيرة أوروبية غربية بعيدة وجزيرة شرق آسيوية بعيدة مماثلة أيضا على مسافة آلاف الأميال عن وطنيهما، وذلك على الحدود الهندية البورمية. وهكذا أصبحت أوروبا وآسيا ميدان قتال واحد.

ولو تحقق النصر في الحرب لصالح ألمانيا النازية لكان محتم ً لا أن تبرر دولة واحدة بوصفها القوة المتفوقة عالميًا.

(وكان انتصار اليابان في المحيط الهادي سيحقق لها دورًا مسيطرًا في الشرق الأقصى، ولكن كانت اليابان ستظل، في كل الاحتمالات، دولة مهينية إقليمية فقط.

وعوضا عن ذلك فإن هزيمة ألمانيا تقررت نهائيا بواسطة الدولتين المنتصرتين غير الأوروبيتين تقريبًا.

أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، اللتين أصبحتا وريثتين للمحاولة الأوروبية غير المنجزة التي هدفت إلى تحقيق سيطرة عالمية.

ثم خضعت السنوات الخمسون التالية إلى الصراع الثنائي القطب الأميركي السوفييتي الهادف إلى تحقيق السيطرة العالمية.

وفي بعض النواحي، نجد أن هذا الصراع بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة مثل تحقيق نظريات الجيوبوليتيين الأكثر تشددا، وبتعبير أخر فإنه وضع أقوى قوة بحرية في العالم، تسيطر على المحيطين الأطلسي والهادي، مقابل قوة برية في العالم تتوضع في مركز البر الأوراسي (مع وجود الكتلة الصينية السوفييتية المحيطة بمنطقة من اليابسة تذكر على نحو ملحوظ بحجم أو اتساع الأمبراطورية المنغولية ).

ولم يكن ممكنا أن يصبح البعد الجيوبوليتي أكثر وضوحا من ذلك: أي أميركا الشمالية مقابل أوراسيا، مع كون العالم في موضع رهان. فالرابح سوف يسيطر على العالم ولم يكن ثمة طرف آخر قادرا على
الوقوف في الطريق بمجرد أن يتحقق النصر لأحد هذين الطرفين .

كان كل طرف مزاحم قد نشر في العالم كله دعوة أيديوليوجية اقترنت بتفاؤل تاريخي وبررت لكل منهما الجهود الضرورية اللازمة بينما كانت تعزز قناعة كل طرف بالنصر الحتمي.

ومن الواضح أن كل طرف مزاحم كان مسيطرا ضمن مجاله الخاص به، وذلك خلافًا للمرشحين الأوربيين الإمبرياليين للهيمنة العالمية ،حين لم ينجح أحد منهم قط في تأكيد تفوقه الحاسم حتى ضمن أوربا ذاتها .

واستخدام كل طرف ايديولوجيته لتعزيز سيطرته على أتباعه ومؤيديه بطريقة تذكرنا إلى حد ما بعصر الحروب الدينية .

إن الجمع بين المجال الجيوبوليتي العالمي والطابع العالمي المزعوم للعقائد المتنافسة أعطى الصراع شدة غير مسبوقة. ولكن عام ً لا إضافيًا، ومشربًا أيضًا في المضامين العالمية، جعل هذا
الصراع فريدًا من نوعه فعلا.

فقد عنى ظهور الأسلحة النووية أن أي حرب قادمة، حتى ولو كانت من النوع الكلاسيكي، بين المتصارعين الرئيسيين لن تؤدي إلى تدمير متبادل فحسب/ ولكن يمكن أن تؤدي إلى نتائج مميتة لجزء هام من البشرية كلها،

وهكذا أخضعت شدة النزاع في الوقت ذاته إلى قيود ذاتية استثنائية فرضها كلا الطرفين المتزاحمين .

وفي المجال الجيوبوليتي، كان النزاع يشن غالبًا في المناطق المحيطية من أوراسيا ذاتها.

وقد سيطرت الكتلة الصينية السوفييتية على معظم أوراسيا، دون أن تفرض هذا السيطرة على
المحيطات (الأطراف المحيطية) لهذه الكتلة. نجحت أميركا الشمالية في التوضع على كلا الشاطئين الغربي الأقصى والشرقي الأقصى للقارة الأوراسية الكبرى.

وإن الدفاع عن رؤوس الجسور القارية هذه (الممثل على"الجبهة" الشرقية بحصار برلين وعلى الجبهة الشرقية بالحرب الكورية) كان بالتالي، أول اختبار استراتيجي لما أصبح يعرف بالحرب الباردة.
وفي المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة ظهرت جبهة دفاعية ثالثة، هي الجبهة الجنوبية،
على خريطة أوراسيا.

وقد أدى الغزو السوفييتي لأفغانستان إلى تسريع الرد الأميركي المزدوج الذي تمثل بالمساعدة المباشرة للمقاومة الوطنية في أفغانستان بغية إغراق الجيش السوفييتي في المستنقع الأفغاني؛ وفي البناء الواسع النطاق للوجود العسكري الأميركي في الخليج [الفارسي] بوصفه رادعًا لأي عملية نقل أخرى نحو الجنوب للقوة السياسية أو العسكرية السوفييتية، وهكذا التزمت الولايات المتحدة بالدفاع عن منطقة الخليج [الفارسي]، وذلك على نحو مماثل للدفاع عن مصالحها الأمنية الأوراسية الغربية والشرقية .

كان الاحتواء الناجح من قبل أميركا الشمالية لجهود الكتلة الأوراسية بغية تحقيق تسلط فعال على أوراسيا كلها، وفي ضوء ارتداع كلا الجانبين حتى النهاية عن القيام بأي صدام عسكري مباشر خشية اندلاع الحرب النووية، قد عنى أن نتيجة الصراع ستقرر في نهاية المطاف بوسائل غير عسكرية وبالتالي فإن الحيوية الساسية، والمرونة الأيديولوجية، وألدينامية الاقتصادية والإغراء الثقافي، أصبحت كلها الأبعاد الحاسمة .

الكتلة الصينية السوفييتية والجبهات الاستراتيجية الثلاث .

أبقى التحالف المقاد من قبل أميركا على حدته، بينما انشقت الكتلة الصينية السوفييتية خلال
أقل من عقدين من الزمن.

وقد عزي ذلك جزئيًا إلى المرونة الأكبر التي تمتع بها التحالف الديمقراطي، في مقابل الطابع الشمولي والعقائدي المتشدد، والهش، أيضًا، للمعسكر الشيوعي.

فالأول انطوى على قيم مشتركة، ولكن دون نموذج عقائدي رسمي، والثاني شدد على الأفكار
العقائدية مع وجود مركز تفسير واحد فقط (لم يسمح بالتغيرات الأخرى).

وكان أتباع المبدأ الأميركي أضعف بكثير من أميركا ذاتها، بينما لم يستطع الأتحاد السوفييتي أن يعامل الصين بوصفها دولة تابعة له.

وعزيت هذه النتيجة أيضًا إلى الحقيقة المتمثلة بان الجانب الأميركي أثبت كونه أكثر دينامية على الصعيدين الاقتصادي و التكنولوجي بينما جنح الاتحاد السوفييتي تدريجيًا إلى الجمود والركود ولم يستطع التنافس على نحو فعال سواء في النمو الاقتصادي أو في التكنولوجيا العسكرية. ولم يلبث الانهيار الاقتصادي ان عزز حالة التراجع المعنوي الايديولوجي.

وفي الحقيقة فإن القوة العسكرية السوفييتية، والخوف الذي أثارته بين الغربيين، عملت لوقت طويل على التعتيم على حالة عدم التماثل الضرورية التي سادت بين الطرفين المتصارعين.

فببساطة كانت أميركا أغنى بكثير وأكثر تقدمًا على الصعيد التكنولوجي، وأكثر مرونة وابتكارًا على الصعيد العسكري، وأكثر إبداعًا (قدرة على الخلق) وإغراء على الصعيد الاجتماعي.

وكذلك، فإن القيود الايديولوجية عملت أيضا على إضعاف القدرة الإبداعية للاتحاد السوفييتي، جاعلة نظامه أكثر قسوة مع زيادة الهدر في اقتصاده، ناهيك بجعله اقل قدرة على التنافس تكنولوجيًا. وبما أن الحرب ذات القدرة التدميرية المتبادلة لم تنشب، فإن المقاييس لا بد وأن تميل لصالح أميركا في التنافس الطويل الأمد .

وكذلك فإن النتيجة أو لمحصلة النهائية تأثرت إلى حد كبير بالاعتبارات الثقافية. فقد قبل التحالف المقاد من قبل أميركا، وبدرجة كبيرة الكثير من الإسهامات الثقافية والسياسية و الاجتماعية الأميركية بوضعها ذات طابع إيجابي.

وهكذا فإن الحليقين الأهم لاميركا في المحيطين الغربي والشرقي للقارة الأوراسية، أي ألمانيا واليابان، استعادا كلاهما صحته أو عافيته الاقتصادية في سياق الإعجاب غير المكبوح بكل الأشياء الأميركية.

وقد نظر إلى أميركا بوصفها تمثل المستقبل، وعلى أنها مجتمع يستحق الإعجاب والتقليد.

وفي المقابل، فقد نظر بازدراء إلى الثقافة الروسية من قبل معظم اتباعها في أوربا الوسطى، وحتى بدرجة أقوى من قبل حليفها الشرقي الرئيسي والمطمئن على نحو متزايد اي الصين.

وبالنسبة إلى الأوروبيين في وسط أوربا، كانت السيطرة الروسية تعني عزلتهم عما كانوا يعتبرونه وطنهم الفلسفي والثقافي: أي عن أوربا الغربية وتقاليدها الدينية المسيحية. والأسوء من ذلك،أنها كانت تعني السيطرة من قبل شعب كان الأوربيون في أوربا الوسطى يعتبرونه ،وإن كان ذلك غير صحيح غالبًا، متخلفًا ثقافيًا.

أما الصينيون فتعني كلمة روسيا بالنسبة إليهم، "الأرض الجائعة"، فقد كانوا اكثر ازدراء لها حتى على نحو مكشوف.

وبالرغم من أن الصينيين لم يقفوا في البداية إلا بشكل متسم بالهدوء ضد مزاعم موسكو عن كون النموذج السوفييتي ذا طابع عالمي، فما لبثوا أن أصبحوا بعد عقد واحد من الثورة الشيوعية الصينية، يشكلون تحديًا أكيدًا للسيادة الإيديولوجية لموسكو، ولدرجة بدؤوا معها يعبرون بصراحة عن ازدرائهم التقليدي لجيرانهم البربريين الشماليين .

وأخيرًا، وضمن الاتحاد السوفييتي ذاته، فإن نسبة الخمسين في المئة من السكان الذين هم من غير الروس رفضوا فعلا سيطرة موسكو.

وإن اليقظة السياسية التدريجية لغير الروس كانت تعني أن ، الأوكرانيين، والجورجيين، والأرمن، والآزريين بدؤوا ينظرون إلى السلطة الروسية بوصفها شكلا من أشكال السيطرة الإمبريالية الأجنبية التي يمارسها شعب لم يشعروا إزاءه بكونهم أقل ثقافة منه.

أما في آسيا الوسطى، فربما كانت الطموحات القومية أضعف ولكن هذه الشعوب هنا كانت قد أثير حماسها بسبب الشعور المتنامي تدريجيًا بالهوية الإسلامية، والذي اشتد في ضوء معرفة ما كان يحدث من تخلص من الاستعمار في أماكن أخرى .

وعلى غرار الكثير من الإمبراطوريات التي سبقته فقد تفجر الاتحاد السوفييتي من الداخل وتجزأ إلى شظايا، وإذا كان لم يسقط بسبب هزيمة عسكرية مباشرة فقد تسارع تفتته بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.

وقد أثبت مصيره هذا صحة الملاحظة الجديرة بالذكر التي أشار إليها أحد العلماء إذ قال:

"إن الإمبراطوريات تكون دائمًا غير مستقرة سياسيًا لأن الوحدات (الأجزاء) التابعة لها تفضل، بشكل دائم تقريبًا، أن تحصل على درجة اكبر من الحكم الذاتي،كما أن المضادين أو المعادين للنخب (جمع نخبة) في هذه الأجزاء يعملون وبشكل دائم تقريبًا أيضًا،وكلما أتيحت لهم الفرصة، على الحصول على درجة اكبر من الحكم الذاتي.

وبهذا المعني، فإن الإمبراطوريات لا تسقط؛ ولكنها تتفتت، وبشكل بطيء عادة وإن كان ذلك يحدث احيانًا بسرعة ملحوظة .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 17, 2014 1:38 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

القوة العظمى الأولى.

أصبحت الولايات المتحدة في وضع فريد من نوعه بعد انهيار غريمها المنافس لها.

وبالتالي، فهي تمثل الآن القوة العالمية الأولى و الوحيدة في آن، ومع ذلك فإن سيادة أميركا عالميًا تذكرنا في بعض المجالات بالإمبراطوريات السابقة، بالرغم من الأبعاد الإقليمية التي ميزت هذه الإمبراطوريات.

وهكذا، فقد بنت هذه الإمبراطوريات قوتها على السلطة التي مارستها على أتباعها، والخاضعين لها، محمياتها ومستعمراتها، علما أنها كانت تنظر عمومًا إلى الخارجين عن هذه السيطرة بوصفهم برابرة.

وإلى درجة ما، فإن هذه التعابير المنطوية على مفارقات تاريخية ليست كلها غير ملائمة لبعض الدول التي تدور حاليًا في الفلك الأميركي.

وعلى غرار الماضي فإن الممارسة "الإمبريالية " الأميركية تشتق إلى حد كبير من التنظيم الأمثل، ومن قدرتها على تعبئة موارد اقتصادية وتكنولوجية ضخمة ومعدة لأهداف عسكرية، ومن الإغراء الثقافي الغامض، والمتسم في الوقت ذاته بالأهمية والذي تتصف به طريقة أو أسلوب الحياة الأميركية، ومن الدينامية الحادة والتنافسية المتأصلة لدى النخب (جمع نخبة) الاجتماعية والسياسية الأميركية .

كانت الإمبراطوريات السابقة تتمتع بهذه السمات عمومًا. ولعل روما ترد أولا إلى الذهن .

فقد أقيمت هذه الإمبراطورية خلال قرنين ونصف قرن تقريبًا على توسع إقليمي دائب نحو الشمال أولا، ومن ثم نحو الغرب والجنوب الشرقي، إضافة إلى تأكيد السيطرة البحرية الفعالة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط كلها. فمن الناحية الجغرافية، وصلت ذروة التوسع في العام ٢١١ قبل الميلاد.

كانت روما ذات سلطة سياسية مركزية وذات اقتصاد يتمتع بالاكتفاء الذاتي. أما سلطتها الإمبريالية فقد مورست عن تعمد وقصد عبر منظومة معقدة من التنظيمات السياسية والاقتصادية.

وكذلك، فإن منظومة الطرق البرية والبحرية المصممة استراتيجيا، والمنطلقة من العاصمة، سمحت بإعادة الانتشار السريع وبالحشد، كلما حدث تهديد أمني رئيس، للجيوش الرومانية المتوضعة في مختلف الدول التابعة، وفي المقاطعات الخاضعة للدولة المركزية.

وفي ذروة الإمبراطورية نشرت الجيوش الرومانية في الخارج ما لا يقل عن ٣٠٠ ألف رجل، وهي قوة كبيرة وهامة جعلت من التفوق الروماني في التكتيك والأسلحة حقيقة فعلية إضافة إلى قدرة المركز على التحكم بإعادة النشر السريعة نسبيًا.

(ومن المدهش أن نذكر أنه في العام ١٩٩٦ ، كانت أميركا، التي تشكل حاليًا القوة العظمى ذات التعداد السكاني الأكبر بكثير من سكان الإمبراطورية الرومانية، تحمى أماكن الامتداد الخارجية لمناطق سيطرتها بوساطة ٢٩٦
ألف جندي محترف يتوضعون في ما وراء البحار .

ومهما يكن من اثر فإن القوة الإمبريالية لروما كانت قد جاءت من حقيقة نفسية مهمة.

فالقول "أنا مواطن روماني "كان أرقى تعريف ممكن بالذات، ومصدر فخر واعتزاز، وطموحًا يريد كل إنسان أن يحققه. وغالبًا ما كان يمنح ذلك حتى إلى الذين لم يكونوا قد ولدوا في إمبراطورية روما، وكان هذا الوضع المتميز للمواطن الروماني يعتبر تعبيرًا عن تفوق ثقافي وتربوي يبرر الإحساس بأصالة السلطة الإمبريالية الرومانية.

وهو لا يعني الانتماء إلى الحكم الشرعي لروما فحسب، بل كان يجعل الخاضعين لهذه السلطة راغبين في أن يتم قبولهم وتمثلهم وإدخالهم في البنية الإمبراطورية.

فالتفوق الثقافي، الذي اعتبر أمرًا مسلمًا به من قبل الحكام ومعترفًا به من قبل الأتباع المذعنين عمل في نهاية المطاف على تعزيز القوة الإمبراطورية .

وعمومًا، فإن هذه القوة الإمبريالية المثلى، والتي لم يكن ينازعها أحد استمرت ٣٠٠ سنة .

وباستثناء التحدي الذي فرض في مرحلة ما من قبل قرطاجة المجاورة وعلى الأطراف الشرقية للإمبراطورية اليونانية، فإن العالم الخارجي كان في معظمه بربريًا وغير منظم جيدا وغير قادر في غالب الأحيان على القيام إلا بهجمات متفرقة ومشتتة، ناهيك عن تخلفه الثقافي.

وطالما كانت الإمبراطورية الرومانية قادرة على المحافظة على الحيوية والوحدة الداخليتين، فإن العالم الخارجي كان غير قادر على المنافسة .

ثمة أسباب ثلاثة رئيسة أدت إلى الانهيار الفعلي للإمبراطورية الرومانية.

فالأول هو أن الإمبراطورية أصبحت كبيرة جدًا ولم يعد ممكنًا أن تحكم من مركز واحد، ولكن انقسامها إلى نصفين غربي وشرقي دمر أوتوماتيكيًا الطابع الاحتكاري لسلطتها.

والثاني هو أن الفترة الطويلة الأمد للإحساس بالغطرسة والاعتزاز خلقت مذهب المتعة الثقافي الذي عمل بالتدريج على تآكل رغبة النخبة السياسية في العظمة.

والثالث هو أن التضخم الدائم عمل بدوره على نسف قدرة النظام على المحافظة على نفسه دون تضحيات اجتماعية، الأمر الذي لم يعد المواطنون مستعدين للقيام به.

وهكذا تأمر كل من التفتت الثقافي، والانقسام السياسي والتضخم المالي، لكي يجعلوا روما غير منيعة إزاء البرابرة الذين عاشوا على حدودها الخارجية .

لم تكن روما، حسب المقاييس المعاصرة الحالية، قوة عالمية حقيقية، بل كانت مجرد قوة إقليمية. ومهما يكن الأمر في ضوء الإحساس بالعزلة التي كانت سائدة في ذلك الوقت بين مختلف قارات العالم، فإن قوتها الإقليمية كانت متحفظة (أو محتواة ذاتيًا، وبتعبير آخر مستهلكة ذاتيًا) ومعزولة، ولم يكن يوجد لها غريم مباشر أو حتى بعيد.

وهكذا، كانت الإمبراطورية الرومانية عالمًا قائمًا بحد ذاته علمًا أن تنظيمها السياسي المتفوق وتفوقها الثقافي جعلا منها خليفة للأنظمة الإمبراطورية التي سبقتها وكانت ذات مساحات جغرافية أكبر منها .

ومع كل ذلك، لم تكن الإمبراطورية الرومانية فريدة في نوعها.

فالإمبراطوريتان الرومانية والصينية ظهرتا معًا في نفس الوقت، بالرغم من أن أيا منهما لم تكن تعي وجود الأخرى.

وفي العام ٢٢١ قبل الميلاد (وهو زمن الحروب البونية بين روما وقرطاجة)، نجد أن توحيد الدول السبع الموجودة آنذاك في قوام الإمبراطورية الصينية الأولى، من قبل "تشين" ح ّ ث على بناء الجدار العظيم في الصين الشمالية لكي يعزل المملكة الداخلية عن عالم البربر الموجود وراءها .

أما إمبرطورية هان اللاحقة، التي بدأت تظهر في العام ١٤٠ قبل الميلاد، فقد كانت أكثر أهمية وتأثيرًا من حيث الحجم والتنظيم.

وعندما بدأت مرحلة المسيحية، كان عدد من يخضعون لسلطة هذه الإمبراطورية لا يقل عن ٥٧ مليون إنسان. وإن هذا العدد الكبير، الذي لم يسبق له مثيل، كان دليلا على وجود سيطرة مركزية فعالة على نحو استثنائي،

وعلى أن هذه السيطرة كانت تمارس بوساطة نظام بيروقراطي مركزي وتأدبي.

وتوسع الحكم الإمبريالي إلى كوريا (الحالية)، وأجزاء من منغوليا، ومعظم الساحل الصيني (الحالي).

ولكن، وحسبما حدث لروما ، فقد أصبحت إمبراطورية هان مصابة بأمراض داخلية وتسارع أنهيارها الفعلي بسبب تقسيمها في العام ٢٢٠ قبل الميلاد إلى ثلاث ممالك مستقلة .

تضمن التاريخ اللاحق للصين دورات توحيد وتوسع، ولكن جاءت بعدها فترات التفتت والتشظي.

وقد نجحت الصين، أكثر من مرة، في إقامة أنظمة إمبريالية ذات أحتواء ذاتي، ومعزولة، وغير معرضة لتحديات خارجية من قبل أي منافسين.

ولم يلبث التقسيم الثلاثي الأطراف لمملكة هان أن انعكس اتجاهه في العام ٥٨٩ بعد الميلاد، مع ظهور شيء ما قريب من النظام الإمبريالي.

ولكن فترة توكيد الذات أو التفوق الإمبريالي العظيم للصين اصطدمت بالمانشوريين (شعب منشوريا المنغولي) وخاصة في أثناء الحكم المبكر لسلالة تشينغ.

وفي القرن الثامن عشر أصبحت الصين، مرة ثانية، إمبراطورية قوية الجناحين، حيث أحيط مركزها الإمبريالي (الإمبراطوري) بدول من الأتباع والمؤيدين، بما في ذلك كوريا (الحالية) والهند الصينية، وتايلاند وبورما، ونيبال.

وهكذا أمتد الحكم الصيني من الشرق الأقصى الروسي (حاليًا) وعبر سيبيريا الجنوبية إلى بحيرة بايكال، وحتى كازاخستان (الحالية أيضًا)، ومن ثم نحو المحيط الهندي، وباتجاه الخلف عبر لاوس وفيتنام الشمالية.

وعلى غرار الحالة الرومانية، فإن هذه الإمبراطورية كانت ذات تنظيم مالي، واقتصادي، وثقافي، وأمني معقد.

فالسيطرة على مساحة كبيرة من الأرض، وعلى ما يزيد على ٣٠٠ مليون إنسان يعيشون فيها، كانت قد مورست عبر كل هذه الوسائل، ومع تشديد قوي على سلطة سياسية مركزية، ومدعومة بمنظومة خدمات للسعاة (جمع ساعي أو مراسل) فعالة إلى حد كبير.

وكانت الإمبراطورية كلها مقسمة إلى أربع مناطق، تبدأ من العاصمة بكين (حاليًا بيجين) وتصل إلى مناطق حدودية تبعد مسافات يقطعها السعاة في أسبوع وأسبوعين، وثلاثة أسابيع ، وأربعة أسابيع على التوالي.

أما السلطة البيروقراطية المركزية، المدربة مهنيًا، والمنتقاة على أساس التنافس والمهارة، فهي التي كانت تقدم مصادر القوة للوحدة .

كانت هذه الوحدة قد عززت، ودعمت، على غرار ما حدث في روما أيضًا بإحساس قوي التأثير ومتجذر بعمق عن التفوق الثقافي الذي ازداد قوة في ظل الكونفوشيوسية التي كانت فلسفة مفضلة إمبراطوريًا، ومع التشديد على الانسجام، والتسلسل الهرمي في السلطة والانضباط.

وعمومًا فإن الصين، أو الإمبراطورية السماوية، كان ينظر إليها على أنها مركز العالم، مع وجود برابرة فقط على حدودها وما وراء هذه الحدود.

وأن كونك صينيًا يعني أنك مثقف، ولهذا السبب، فإن سائر العالم كان يدين للصين بالاحترام والإذعان لرغباتها.

وإن هذا الإحساس الخاص بالتفوق تخّلل الرد الذي أعطاه الإمبراطور الصيني، حتى في مرحلة تراجع النمو في
الصين، في نهاية القرن الثامن عشر، إلى ملك بريطانيا العظمى جورج الثالث الذي كان مبعوثوه قد حاولوا إغراء الصين على الدخول في علاقة تجارية من خلال تقديم بعض المنتجات الصناعية البريطانية، بوصفها هدايا تعبر عن حسن النية :

"نحن، الامبراطور، نأمر، بنعمة السماء، ملك إنكلترا أن يأخذ علما بتوجيهاتنا: فالإمبراطورية السماوية، التي تحكم الجميع ضمن البحار الأربعة.... لا تّثمن الأشياء النادرة والنفيسة... وليس لها أقل حاجة إلى صناعات بلادكم.... ولذا فقد ... أمرنا مبعوثيكم المحترمين أن يعودوا بأمان إلى وطنهم. وأنت أيها الملك، يجب عليك أن تعمل بانسجام مع رغباتنا، وذلك بأن تقوى ولاءك لنا وأن تؤكد لنا الطاعة الدائمة ".

إن تراجع وسقوط عدة إمبرطوريات صينية عزي بصورة رئيسة إلى عوامل داخلية.

فقد انتصر المغول وفي وقت لاحق "البرابرة" الغربيون بسبب التعب الداخلي، والفساد، ومذهب المتعة، والانهيار الاقتصادي، إضافة إلى أن الإبداع العسكري عمل على إضعاف الإرادة الصينية ثم على انهيارها.

وهكذا، استغلت القوى الخارجية سوء الأحوال الداخلية في الصين، وخاصة بريطانيا في حرب الأفيون في الأعوام ١٨٣٩ ١٨٤٢ ، ثم اليابان، بعد قرن من ذلك التاريخ، حيث خلقت، بدورها، إحساسًا عميقًا، بالإذلال الثقافي الذي أثار المشاعر الصينية عبر القرن العشرين، وذلك بسبب الصدام بين إحساسهم التحذر بالتفوق الثقافي من ناحية، وبين الحقائق السياسية المخزية لدولة الصين في فترة ما بعد الإمبراطورية من ناحية ثانية.

وعلى غرار إمبراطورية روما، فان الصين الإمبراطورية. تصنف حاليًا بوصفها قوة إقليمية ولكن هذه الدولة كانت لها تطلعات عالمية في فترة ذروتها، وذلك بمعنى أنه لم تكن توجد آنذاك أي دولة أخرى قادرة على تحدي هذا الوضع الإمبراطوري أو حتى على مقاومة أي توسع لاحق له، إذا كان هذا التوسع يمثل نزعة أو رغبة صينية.

وكان النظام الصيني ذا احتواء ذاتي وقدرة ذاتية على الاستمرارية، واعتمد بصورة رئيسية على الهوية الإثنية المشتركة، بالإضافة إلى قدرة محدودة نسبيًا في ممارسة السلطة (نقل القوة) المركزية إلى الدول الخاضعة لها والموجودة على حدودها الجغرافية أو ذات الاثنيات الأجنبية .

إن المركز الاتني الكبير والمسيطر جعل من الممكن أن تقوم الصين بعمليات تجديد إمبراطورية دورية أو عمليات إحياء وترميم نشيطة.

وفي هذا المجال، كانت الصين مختلفة تمامًا عن الإمبراطوريات الأخرى التي كانت فيها الشعوب الأقل عددًا، وذات الدوافع الأقوى إلى الهيمنة، قادرة، خلال فترة زمنية ما على أن تفرض سيطرتها، وتستمر بها، على السكان
الآخرين من ذوي الاثنيات الأخرى.

ومهما يكن الأمر، فما أن انهارت السيطرة لمثل هذه الإمبراطوريات ذات البنية المركزية الصغيرة، حتى أصبحت عملية التجديد غير واردة .

ولكي نجد ما يماثل إلى حد ما التعريف الحالي للقوة العالمية، يجب أن نعود إلى الظاهرة الهامة للإمبراطورية المغولية. فقد ظهرت هذه الإمبراطورية عبر صراع حاد مع خصوم رئيسيين ومنظمين جيدًا.

وكانت بين هؤلاء المهزومين مملكتا بولونيا وهنغاريا، وقوات الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وعدة ولايات روسية، والخلافة في بغداد، وحتى سلالة سنغ في الصين، في وقت لاحق .

أقام جينكيز خان وخلفاؤه، بعد أن هزم منافسيه الإقليميين، سيطرة مركزية على الأراضي التي احتلها، وبالتالي فإن علماء الجغرافيا السياسية الحاليين عرفوا هذه الكتلة من الأراضي بأنها المنطقة المركزية أو المحورية الحيوية للقوة (الدولة) العالمية.

وقد امتدت هذه الإمبراطورية القارية الأوراسية من شواطئ بحر الصين إلى الأناضول في آسيا الصغرى وأوروبا الوسطى .

ولم يحدث بعد ذلك أن وجدت سيطرة مركزية مماثلة على مثل هذه المساحات الواسعة من الأراضي التي احتلتها الإمبراطورية المغولية إلا في أيام الذروة للكتلة الصينية السوفييتية الستالينية.

كانت الإمبراطوريات الرومانية، والصينية، والمغولية دولا إقليمية حققت طموحات المتطلعين إلى امتلاك سلطة أو قوة عالمية.

وفي حالة روما والصين، وحسبما لا حظنا سابقًا، فقد كانت بينهما الإمبراطورية متطورة جدًا على الصعيدين السياسي والاقتصادي، بينما مارس المغول المنتشرون على نطاق واسع لتفوق "المركز" دورًا جامعًا هامًا.

وفي المقابل، فإن الإمبراطورية المغولية حافظت على السيطرة السياسية بالاعتماد، على نحو مباشر، على الغزو
العسكري الذي كان يليه التكيف مع الشروط المحلية .

كانت السلطة الإمبراطورية المغولية تعتمد إلى حدٍ كبير على السيطرة العسكرية.

وإذ كانت هذه السيطرة تتحقق بالاستخدام الذكي، الذي تنعدم فيه الشفقة أو الرحمة، للتكتيك العسكري المتفوق الذي جمع بين القدرة الكبيرة في الحركة السريعة والحشد المؤقت جيدًا (في الوقت المناسب)، فإن الحكم المغولي لم يكن يملك نظامًا اقتصاديًا أو ماليًا منظمًا، ولا كانت السلطة المغولية نابعة من أي إحساس أكيد بالتفوق الثقافي.

وكان الحكام المغول قليلي العدد جدًا إذا أخذنا ذلك من منظور تمثيل طبقة حاكمة قادرة على التكاثر الذاتي ومهما يكن الأمر فإن غياب ذلك الإحساس، من حيث الوعي الذاتي، بالتفوق الثقافي أو حتى الاثني، هو الذي حرم النخبة
الإمبراطورية من الثقة الذاتية اللازمة.

وفي الحقيقة، فإن الحكام المغول أثبتوا أنهم حساسون جدًا إزاء استيعابهم تدريجيًا أو ذوبانهم في الشعوب الأكثر تقدمًا وثقافة التي استولوا عليها.

وهكذا، فإن أحد أحفاد جينكيز خان الذي أصبح إمبراطورًا للجزء الصيني من مملكة الخان العظمى، أصبح داعية متحمسًا لمذهب الكونفوشوسية، بينما أصبح حفيد آخر داعية متحمسًا للإسلام في وظيفته كسلطان لبلاد الفرس ، وكذلك، أصبح حفيد ثالث من هؤلاء، الحاكم الثقافي الفارسي لآسيا الوسطى .

وهكذا، كان هذا العامل، أي استيعاب أو ذوبان الحكام في المحكومين، ومع غياب الثقافة السياسية المسيطرة، إضافة إلى المشكلات غير القابلة للحل المتعلقة بخلافة الخان الكبير الذي أسس الإمبراطورية ، هو الذي ادى الى انهيارها في نهاية المطاف.

وقد أصبحت مملكة المغول كبيرة جدًا ولدرجة لم يعد ممكنًا معها أن تحكم من قبل مركز واحد، ولكن الحل الذي جرب في هذا المجال، أي تقسيم الإمبراطورية إلى عدة أجزاء ذاتية الاحتواء، هو الذي حدث، وحتى بسرعة أكبر على الذوبان المحلي الأمر الذي سرع، بدوره، التفتت الإمبراطوري.

وبعد أن استمرت أكبر إمبراطورية برية في العالم مدة قرنين، من العام ١٢٠٦ إلى العام ١٤٠٥ ، اختفت دون أن تترك أثرًا.

وبعد ذلك، أصبحت أوروبا مركز القوة العالمية من ناحية، ومركز الصراعات من أجل امتلاك القوة العالمية من ناحية ثانية.

وفي الواقع، فخلال الثلاثة قرون تقريبًا، استطاع المحيط الشمالي الغربي من القارة الأوراسية أو يحقق، عبر القدرة على نقل القوة البحرية ولأول مرة في التاريخ، سيطرة عالمية حقيقية عندما وصلت القوة الأوروبية، إلى كل قارات العالم، وأثبتت وجودها في هذه القارت.

ويجدر بالذكر أن القائمين بهذه السيطرة من الأوروبيين الغربيين الإمبراطوريين كانوا قلة من الناحية الديموغرافية، ولا سيما إذا ما قورنوا بعدد الذين أخضعوا لهم، ومع ذلك فمع بداية القرن العشرين، وخارج نصف الكرة الغربي (الذي كان قد خضع أيضًا قبل قرنين للسيطرة الأوروبية الغربية والذي كان مأهولا في معظمه بالمهاجرين الأوروبيين وأحفادهم)، نجد أن الصين، وروسيا، والإمبراطورية العثمانية، وأثيوبيا كانت وحدها متحررة من السيطرة الأوروبية الغربية.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة فبراير 06, 2015 4:49 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

السيادة الأوروبية العالمية

السيادة (السيطرة) الأوروبية على العالم


١ التفوق البحري البريطاني
٢ السيطرة السياسية الأوروبية
٣ النفوذ أو التأثير الثقافي الأوروبي
٤ المحيط الهادي الشمالي
٥ المحيط الهادي الجنوبي
٦ المحيط الأطلسي الشمالي
٧ المحيط الأطلسي الجنوبي
٨ المحيط الهندي
٩ المحيط الهادي الشمالي
١٠ المحيط الهادي الجنوبي.

ومهما يكن الأمر، فإن السيطرة الأوروبية الغربية لم تكن معادلة للحصول على القوة العالمية من قبل أوروبا الغربية. فالحقيقة الأساسية هي تلك المتعلقة بسيادة أوروبا عالميًا وحضاريًا وبالقوة القارية الأوروبية المتشظية.

وخلافا لاحتلال الأرض المركزية الأوراسية من قبل المغول أو من قبل الإمبراطورية الروسية لاحقًا، فإن الإمبريالية الأوروبية فيما وراء البحار لم تتحقق إلا عبر الاكتشافات المستمرة عبر المحيطات والتوسع في التجارة البحرية.

ومهما يكن الأمر، فقد تضمنت هذه العملية أيضًا صراعًا مستمرًا بين الدول الأوروبية البارزة ليس من أجل المحميات في ما وراء البحار فحسب، بل ومن اجل الهيمنة ضمن أوروبا ذاتها أيضًا.

أما الحقيقة المهمة جيوبوليتيًا فهي أن الهيمنة العالمية لأوروبا لم تنبثق من الهيمنة في أوروبا من قبل أي قوة (دولة) أوروبية بمفردها.

وبتعبير أوسع، نجد أن إسبانيا كانت القوة الأوروبية المسيطرة حتى منتصف القرن السابع عشر، وكانت قد ظهرت بوصفها قوة إمبريالية رئيسة في ما رواء البحار، وتتمتع بطموحات عالمية.

وقد خدم الدين بوصفه عقيدة موحدة، ومصدرًا لرغبة في القيام بالمهام التبشيرية الإمبريالية.

وفي الواقع، فقد احتاج الأمر إلى تحكيم بابوي بين إسبانيا ومنافستها البحرية، البرتغال، لكي يتم إضفاء الشرعية على التقسيم الرسمي للعالم إلى مجالات (مناطق) كولونيالية إسبانية وبرتغالية في معاهدتي توردبسيلا ( ١٤٩٤ ) وساراغوسا ( ١٥٢٩ ). و

برغم ذلك، فإن إسبانيا، التي واجهتها التحديات البريطانية، والفرنسية، والألمانية، لم تستطع قط ان تؤكد سيادتها الحقيقية، سواء في أوروبا الغربية ذاتها أو عبر المحيطات.

وما لبث بروز إسبانيا أن تخلى عن النفوذ لصالح فرنسا. حتى العام ١٨١٥ ، كانت فرنسا القوة الأوروبية المسيطرة، بالرغم من تعرضها باستمرار للخطر من قبل منافسيها الأوروبيين، سواء في القارة أو في ما وراء البحار.

وفي عهد نابليون كادت فرنسا تقيم سيطرة حقيقية على أوروبا.

ولو نجحت انذاك، لا ستطاعت أن تحقق متطلبات أو وضع القوة العالمية المسيطرة.

ومهما يكن الأمر، فإن هزيمتها من قبل التحالف الأوروبي أعادت إقامة توازن القوى القاري.

وفي القرن التالي، وحتى الحرب العالمية الأولى، مارست بريطانيا العظمى سيطرة بحرية عالمية عندما أصبحت لندن المركز المالي والتجاري الرئيسي في العالم "وحكمت البحرية البريطانية البحار".

وإذا كانت بريطانيا العظمى قد أصبحت القوة العليا في ما وراء البحار، فإن لم تستطع، شأنها شأن الطامحين الأوروبيين الذين أرادوا قبلها تحقيق الهيمنة على العالم، أن، تحكم العالم وحدها. وعوضًا عن ذلك، فقد اعتمدت بريطانيا على ديبلوماسية توازن القوى المعقدة، وفيما بعد على الوفاق الإنكليزي الفرنسي لمنع السيطرة القارية من قبل روسيا أو ألمانيا.

أقيمت الإمبراطورية البريطانية فيما وراء البحار في البداية عبر الجمع بين الاكتشاف، والتجارة، والغزو.

ولكنها انبثقت أيضًا، على غرار ما حدث للأسلاف الرومانيين والصينيين وللمنافسين الفرنسيين والأسبان، من ذلك الحجم الكبير لقوتها المتبقية من إدراك أهمية التفوق الثقافي البريطاني.

ولم يكن هذا التفوق مجرد مسألة عجزية ذاتية من قبل الطبقة الحاكمة الإمبراطورية، بل كانت وجهة نظر ذات أفق مستقبلي اشترك فيها الكثيرون من المواطنين غير البريطانيين.

وقد قال عن ذلك نيلسون مانديلا، أول رئيس أسود لدولة جنوب إفريقيا: "كنت قد ربيت أو نشأت في مدرسة بريطانية، وفي وقت كانت فيه بريطانيا موطن كل الأشياء الأفضل في العالم.

ولم أنبذ جانبًا ذلك التأثير الذي مارسته بريطانيا والتاريخ والثقافة البريطانيان علي".

وعمومًا، فإن التفوق الثقافي الذي أكد على نحو ناجح، وأثر بهدوء، كان له تأثير الإقلال من الحاجة إلى الاعتماد على قوات عسكرية كبيرة من أجل المحافظة على قوة المركز الإمبراطوري أو الإمبريالي. وحتى العام ١٩١٤ ، كانت آلاف قليلة من العسكريين والموظفين المدنيين البريطانيين تسيطر على نحو أحد عشر مليون ميل مربع وعلى نحو ٤٠٠ مليون إنسان غير بريطاني.

١٩١٤- ١ السيطرة البريطانية على العالم في الذرة ١٨٦٠

2 نقاط الاختناق (الممرات الإجبارية) المحيطة المسيطر عليها من قبل بريطانيا
٣ التفوق البحري البريطاني
٤ الأرض التي تسيطر عليها بريطانيا
٥ المحيط الهادي الشمالي
٦ المحيط الهادي الجنوبي
٧ المحيط الأطلسي الشمالي
٨ المحيط الأطلسي الجنوبي
٩ المحيط الهندي
١٠ -المحيط الهادي الشمالي
١١ -المحيط الهادي الجنوبي

وباختصار، فإن روما مارست سلطتها إلى حدٍ كبير عبر تنظيم عسكري متفوق وإغراء ثقافي.

واعتمدت الصين بدرجة كبيرة على جهاز بيروقراطي كفء ليحكم إمبراطورية تستند، بدورها، إلى هوية اتنية مشتركة، معززة سيطرتها عبر إحساس متطور جدًا بالتفوق الثقافي.

أما الإمبراطورية المغولية فقد جمعت بين التكتيك العسكري المتقدم المستخدم في الغزو من ناحية
وبين الميل أو النزعة إلى استيعاب الآخرين من ناحية ثانية بوصفهما أساسًا للحكم.

ولكن البريطانيين (شأنهم شأن الأسبان والألمان والفرنسيين) حققوا الظهور البارز هنا وهناك عندما
كانت أعلامهم (جمع علم أو راية) تتبع تجارتهم، إضافة إلى تعزيز سيطرتهم بالتنظيم العسكري
المتفوق وبالعامل الثقافي الحاسم.

ولكن أي من هذه الإمبراطوريات لم يكن عالميًا. وحتى بريطانيا العظمى لم تكن قوة عالمية فعلا.

فهي لم تسيطر على أوروبا ولكنها حققت التوازن فيها.

وهكذا، كانت أوروبا المستقرة ضرورية للتفوق أو البروز الدولي البريطاني، كما أن التدمير الذاتي لأوروبا هو الذي حدد حتمًا نهاية السيادة البريطانية.

وفي المقابل، فإن أبعاد نفوذية القوة العالمية الأميركية حاليًا هي فريدة في نوعها.

فالولايات المتحدة لا تسيطر على بحار ومحيطات العالم فحسب، بل طورت أيضًا قدرة عسكرية حاسمة للسيطرة البرمائية على الشواطئ مما يمكنها من نقل قوتها بطرائق أو أساليب هامة على
الصعيد السياسي.

وهكذا، فإن جيوشها العسكرية تتوضع بثبات على الحدود الغربية والشرقية بأوراسيا، وهي تسيطر أيضًا عل الخليج الفارسي. اما الدائرون في فلك أميركا، الذين يتوق بعضهم إلى أن يرتبط رسميًا بواشنطن، فإنهم موجودون في كل أنحاء القارة الأوراسية، كما تبين الخريطة .

١ السيادة العالمية الأميركية
٢ السيطرة الأميركية على المحيطات البحرية
٣ النفوذ (التأثير) السياسي الأميركي
٤ التفوق الجيوبوليتي الأميركي
٥ المحيط الهادي الشمالي
٦ المحيط الهادي الجنوبي
٧ المحيط الأطلسي الشمالي
٨ المحيط الأطلسي الجنوبي
٩ المحيط الهندي
١٠ المحيط الهادي الشمالي
١١ المحيط الهادي الجنوبي.

تؤمن الدينامية الاقتصادية الأميركية الشروط الضرورية لممارسة السيطرة أو السيادة العالمية.

ففي البداية، وفور انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقف الاقتصاد الأميركي بشكل متميز عن كل الاقتصادات الأخرى، حيث زادت أرقامه على نسبة ٥٠ % من الدخل القومي السنوي للعالم كله.

ولكن الصحوة الاقتصادية في أوروبا الغربية واليابان، والتي تلتها الظاهرة الأوسع عن الدينامية الاقتصادية في آسيا، كانت تعني أن حصة أميركا من الدخل القومي السنوي العالمي لا بد أن تتقلص لتصبح أقل من المستويات العالية وغير المتناسبة التي وجدت في فترة ما بعد الحرب.

وبرغم ذلك، فعندما انتهت الحرب الباردة اللاحقة، كانت حصة أميركا من الدخل القومي السنوي العالمي، وبشكل اكثر تحديدًا، حصتها من الدخل الصناعي، قد استقرت على رقم يبلغ نحو ٣٠ في المئة، علمًا أن هذا الرقم كان معدلا وسطيًا لهذه البلاد، ما عدا بعض السنوات الاستثنائية التي جاءت مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية.

والأهم من ذلك، أن أميركا حافظت على، وحتى وسعت" سبقها في استثمار النجاحات العلمية في تحقيق الأهداف العسكرية، مما جعلها تلك المؤسسة العسكرية التي لا يوجد مثيل لها على الصعيد التكنولوجي، وبالتالي أصبحت الدولة الوحيدة التي يمكنها الوصول الفعال إلى كافة أنحاء العالم.

وخلال كل ذلك، حافظت أميركا على مزاياها التنافسية القوية في تكنولوجيات المعلومات الحاسمة اقتصاديا. وإن السيادة الأميركية في القطاعات الحساسة من اقتصاد الغد يوحي بأن السيطرة التكنولوجية الأمريكية لا يحتمل أن تتراجع قريبًا، وخاصة أن الأميركيين لا يزالوا محافظين على، أو حتى موسعين تميزهم، وسبقهم في القدرة الإنتاجية في المجالات الحاسمة اقتصاديًا، على منافسيهم الأوروبيين الغربيين واليابانيين .

وبالتأكيد أيضا، فإن روسيا والصين هما قوتان تغتاظان من الهيمنة الأميركية. ففي بداية العام ١٩٩٦ ، عبرت هاتان الدولتان عن ذلك في أثناء الزيارة التي قام بها رئيس روسيا بوريس يلتسن إلى بكين (بيجين).

وعلاوة على ذلك، فإنهما تمتلكان ترسانات نووية يمكنها أن تهدد المصالح الأميركية الحيوية.

ولكن الحقيقة القاسية هي أنه في الوقت الراهن، وفي المستقبل القريب، وبالرغم من أنهما تستطيعان شن حرب نووية انتحارية، فإن أيًا منهما لا تستطيع تحقيق النصر في هذه الحرب.

وبما أنهما تفتقران إلى القدرة على نقل القوات إلى مسافات طويلة بغية فرض إرادتهما السياسية، ونظرًا إلى كونهما متخلفتين تكنولوجيًا عن أميركا، فإنهما لا تملكان الوسائل اللازمة لممارسة نفوذ سياسي مدعوم ودائم في أنحاء العالم كله، ولن يملكا قريبًا مثل هذه الوسائل .

وباختصار، فإن أميركا تحتل مرتبة عليها في المجالات الحاسمة الأربعة للقوة العالمية:

وهي المجال العسكري الذي تملك فيه قدرة وصول عالمية لا مثيل لها، والمجال الاقتصادي الذي تبقى فيه ذات قدرة تحرك رئيسية في النمو العالمي.

حتى ولو واجهت تحديات في بعض المظاهر من قبل ألمانيا واليابان (لا تملك أي دولة منهما المزايا الأخرى للقوة العالمية):

والمجال التكنولوجي حيث تحافظ فيه على المجالات الحادة والحساسة في الابتكار؛ والمجال الثقافي الذي تتمتع فيه، بالرغم من بعض السلبيات، بإغراء لا يمكن منافسته، وخاصة بين شبان العالم، الذين يرون في الولايات المتحدة دولة تملك نفوذًا سياسيًا لا تقترب أي دولة أخرى من مجال القدرة على منافسته.

وهكذا، فإن الجمع بين هذه المجالات الأربعة هو الذي يجعل من أميركا تلك القوة العظمى العالمية الوحيدة حصرًا .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة فبراير 06, 2015 5:19 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10723

صورة


_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة فبراير 06, 2015 5:23 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

صورة معبرة أخي الفاضل (الطارق) ، بارك الله فيك ، وجزاك الله خيراً على مرورك الكريم .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة فبراير 06, 2015 5:37 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10723

بارك الله فيك أخي الفاضل سهم النور

طب إيه رأيك في الصورة التالية ؟؟

صورة


_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة فبراير 06, 2015 5:57 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

تلخص حقيقة الوضع الحالي أخي الفاضل (الطارق) بارك الله فيك .

فياللأسف فهذه هي الحقيقة .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة فبراير 06, 2015 5:58 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

النظام العالمي الأميركي .

بالرغم من أن التفوق الدولي لأميركا يشترك في أمور كثيرة مع الأنظمة الإمبريالية السابقة، فإن الفروق هي أكثر حدة.

وهي تذهب إلى أبعد من الأبعاد الأرضية. فالقوة العالمية الأميركية تمارس عبر نظام عالمي ذي تصميم أميركي متميز يعكس الخبرة الداخلية الأميركية.

والأمر الرئيس في هذه الخبرة الداخلية هو الطابع التعددي لكلٍ من المجتمع الأميركي ونظامه السياسي.

كانت الإمبراطوريات السابقة قد بنيت من قبل نخب (جمع نخبه) سياسية أرستقراطية وكانت تحكم في معظم الحالات من قبل أنظمة تتسم بكونها مستبدة أو مطلقة بصورة رئيسية.

وكان القسم الأكبر من سكان الدول الإمبريالية أما غير متهم أو غير مبال سياسيًا، أو كان، في
الأزمة الحديثة، ملوثًا بالعواطف والرموز الإمبريالية.

وكان السعي إلى المجد القومي (الوطني) أو "عبء الرجل الأبيض" أو ما يعرف باللغة الفرنسية ب "المهمة التمدينية"، إذا لم نتحدث عن فرض الربح الشخصي، يخدم تعبئة الدعم للمغامرات الإمبريالية وإدامة أو استمرارية إهرام السلطة الإمبريالية المراتبية بصورة رئيسية.

أما موقف الجمهور الأميركي إزاء النقل الخارجي للقوة الأميركية فقد كان متعدد الاتجاهات. وقد دعم هذا الجمهور انخراط أميركا بالحرب العالمية الثانية لأسباب تعود في معظمها إلى تاثير الصدمة الذي أحدثه الهجوم الياباني على بيرل هاربر.

ولكن دخول الولايات المتحدة في الحرب الباردة قوبل في البداية بشيء من الرفض والإكراه حتى جرى حصار برلين ونشبت الحرب الكورية. وبعد انتهاء الحرب الباردة، لم يسبب ظهور الولايات المتحدة كقوة عالمية منفردة الكثير من الارتياح لدى الجمهور، ولكنه عمل فعلا على إثارة نزعة نحو تصريف أكثر تحديدًا للمسؤوليات الأميركية في الخارج. وقد أشارت استفتاءات الرأي العام التي
أجريت في العامين ١٩٩٥ و ١٩٩٦ إلى تفضيل "مشاطرة" القوة العالمية مع آخرين، عوضًا عن
ممارستها من قبل قطب واحد .

وبسبب هذه العوامل الداخلية، شدد النظام العالمي الأميركي على تقنية أو أسلوب التمني أو
الاختيار التعاوني (على غرار ما هو الحال لدي المنافسين المهزومين، أي ألمانيا، واليابان،
ولاحقًا روسيًا) إلى مدى أكبر بكثير مما كان معمولا به في الأنظمة الإمبريالية السابقة.

وعلى نحو مماثل، فإن ذلك يعتمد إلى حد كبير على الممارسة غير المباشرة للنفوذ على نخب (جمع نخبة) أجنبية غير مستقلة، بينما تتم في الوقت ذاته الاستفادة كثيرًا من إغراءات المبادئ.

والمؤسسات الديمقراطية. ثم تعزز كل ما ذكر سابقًا بالتأثير الحاد والملموس للسيطرة الأميركية
على الاتصالات العالمية ووسائل اللهو الشعبية، والثقافة الشاملة، وكذلك بالسيطرة الملموسة جدًا
للتفوق التكنولوجي لأميركا ولقدرتها العسكرية على الوصول إلى كافة أنحاء العالم .

كانت السيطرة الثقافية، ولا زالت إحدى سمات القوة العالمية الأميركية التي لم تقدر حق قدرها. ومهما فكر المرء في القيم الجمالية، فإن الثقافة الشاملة في أميركا تمارس إغراء مغناطيسيًا، وخاصة بالنسبة إلى شبان العالم.

ويمكن أن يكون إغراؤها نابعًا من نوعية مذهب المتعة التي تحفل به أسلوب الحياة الأميركية، ولكن إغراءها العالمي لا يمكن إنكاره.

فبرامج التلفزيون والأفلام الأميركية تحتل نحو ثلاثه أرباع السوق العالمية. والموسيقى الشعبية
الأميركية تسيطر، هي الأخرى، على نحو مماثل، بينما نجد أيضًا أن العالم كله يقلد، وعلى نحو
متزايد، الهوايات أو البدع والموديلات (جمع موديل أو موضة)، وعادات الطعام، وحتى طريقة
ارتداء الملابس، والملابس ذاتها.

ثم إن لغة الأنترنيت هي إنكليزية، كما أن النسبة الأكبر من الأحاديث العالمية في الحواسب تأتي أيضًا من أميركا،مما يؤثر في محتوى المحادثات العالمية.

واخيرًا، فقد أصبحت أميركا المكان الذي يحج إليه الساعون إلى الثقافة المتقدمة، علمًا أن ثمة
نصف مليون طالب أجنبي تقريبًا يتدفقون إلى الولايات المتحدة، ولا يعود الكثيرون منهم إلى
أوطانهم.

ويمكن أن نجد خريجي الجامعات الأميركية في كل مكتب تقريبًا في كل القارات .

وكذلك، فإن أسلوب الكثيرين من الساسة الديمقراطيين الأجانب يشبه أو يقلد الأسلوب الأميركي. ولم يكن جون كيندي الوحيد الذي وجد من يقلده في الخارج، ولكن حتى آخر القادة
والزعماء السياسيين الأميركيين (والأقل شهرة) أصبحوا موضع دراسة دقيقة وتقليد سياسي
(يقلدهم آخرون).

وهكذا، فإن سياسيين من ثقافات متباينة كالبريطانيين واليابانيين (وعلى سبيل
المثال، رئيس الوزراء الياباني في منتصف التسعينات ريوتارو هاشيموتو، ورئيس وزراء
بريطانيا توني بلير لاحظ تقليد بليرل"جيمي" كارتر، و"بيل" كلينتون، او "بوب" دول) الذين
يجدون من الملائم تمامًا أن يقلدوا عادات كلينتون الداخلية (في الداخل)، ولمساته الشعبية العامة،
وتقنيات أو أساليب علاقاته العامة.

إن المثاليات الديمقراطية، المترافقة بالتقاليد السياسية الأميركية، تعمل أيضًا على تعزيز ما
يلاحظه أو ينظر إليه البعض بوصفه "الإمبريالية الثقافية" لاميركا.

ففي عصر الانتشار الأكثر كثافة للشكل الديمقراطي من الحكومات، نجد أن، الخبرة السياسية الأميركية تميل إلى أن تستخدم بوصفها مقياسًا للتقليد.

فالتشديد المنتشر في العالم كله على مركزية دستور مكتوب وعلى سيادة القانون وتفضيله على النفعية السياسية، وبغض النظر عن حجم التغيير القصير الأمد في الممارسة، اعتمد على قوة الطابع الدستوري الأميركي.

وفي الأزمنة الحديثة او في السنوات القليلة الأخيرة، نجد أن تبني الدول الشيوعية السابقة لمبدأ السيطرة المدنية على العسكريين [وخاصة عندما اعتبر ذلك شرطًا مسبقًا لعضوية حلف الأطلسي (الناتو)] كان ولا يزال يتأثر إلى حدٍ كبير بالنظام الأميركي عن العلاقات المدنية العسكرية.

كان إغراء وتأثير النظام السياسي الأميركي الديمقراطي قد ترافقا أيضًا بالجاذبية المتزايدة للنموذج الاقتصادي الأميركي المعتمد على المقاولة والالتزامات الذي يشدد على التجارة الحرة
العالمية والتنافس غير المقيد.

وبما أن دول الرفاه الغربية، بما في ذلك مراعاتها للتشديد الألماني على "اتخاذ القرار بالتعاون" بين المتعهدين ونقابات العمال، بدأت تفقد قوة اندفاعها الاقتصادية، فإن المزيد من الأوروبيين ينشدون الآن الرأي القائل إن الأسلوب الاقتصادي الأميركي الأكثر تنافسًا وحتى الأقل شفقة ورحمة (أو المعدوم الشفقة)، يجب أن يقَّلد (بفتح وتشديد اللام) إذا كانتة أوروبا لا تريد أن تتخلف.

وحتى في اليابان، نجد أن الفردية المتشددة في السلوك الاقتصادية أصبحت معترفًا بها بوصفها أمرًا ضروريًا للنجاح الاقتصادي.

وإن التشديد الأميركي على الديمقراطية السياسية، والتطوير الاقتصادي يتحدان معًا لينقلا رسالة إيديولوجية بسيطة تغري الكثيرين:

وهي أن السعي إلى النجاح الفردي يعزز الحرية ويولد الغنى أيضًا.

وبالتالي، فإن المزيج الناتج عن الجمع بين المثالة والأنانية هو مزيج قوي. ويقال أيضًا إن الإنجاز الذاتي الفردي هو هبة من الله ويستطيع في الوقت ذاته ان يفيد الآخرين، إما بإعطاء المثل او بتوليد الغنى (الثروة).

وتلك هي العقيدة التي تجذب الناس الذين لديهم الطاقة الطموحات، والقدرة العالية على التنافس.
وإذ يغزو الطرائق الاميركية العالم بالتدريج، فإنه يخلق الوسط الأكثر ملاءمة لممارسة الهيمنة الاميركية غير المباشرة والتي تبدو كأنها ذات طابع يوجد إجماع عليه.

وعلى غرار ما هو عليه الحال في النظام الأميركي الداخلي، فإن هذه الهيمنة تتضمن بنية معقدة من المؤسسات والإجراءات المترابطة داخليًا في ما بينها، والمعدة لتوليد الإجماع وعدم التماثل الغامض في القوة والنفوذ.

وهكذا، تدعم السادة العالية الأميركية بوساطة منظومة دقيقة من التحالفات والإئتلافات تمتد في كل أنحاء العالم .

أن التحالف الأطلسي، الممثل مؤسساتيًا بما يعرف بحلف الناتو، يربط دول أوروبا الأكثر إنتاجًا ونفوذًا بأميركا، جاعلا من الولايات المتحدة مشاركًا رئيسًا حتى في الشؤون الداخلية الأوروبية السائدة بين دول أوروبا.

أما الروابط السياسية والعسكرية الثنائية الطرف مع اليابان ، فإنها تربط أقوى اقتصاد آسيوي بأميركا، مع بقاء اليابان (وإن في الوقت الراهن على الأقل) محمية أميركية بصورة رئيسة. وتشترك أميركا أيضا في تلك التنظيمات المتعددة الأطراف ،(APEC) الوليدة عبر المحيط الهادي كندوة (سوق) التعاون الاقتصادي الآسيوي الباسيفيكي جاعلة من نفسها مشاركًا رئيسًا في شؤون هذه المنطقة من العالم.

وإن نصف الكرة الغربي محمي عمومًا من التأثيرات الخارجية، مما يمكن أميركا من لعب دور مركزي في التنظيمات المتعددة الأطراف الموجودة في نصف الكرة الغربي هذا. وكذلك، فإن الترتيبات الأمنية الخاصة في الخليج [الفارسيٍ]، وخاصة بعد المهمة التأديبية المختصرة في عام ١٩٩١ ضد العراق، جعلت هذه المنطقة الحيوية اقتصاديا تحت الحماية العسكرية الأميركية.

وحتى المجال السوفييتي السابق كان قد اخترق بترتيبات مختلفة ترعاها أميركا وتهدف إلى تعاون أوثق مع الناتو، ونذكر منها على سبيل المثال ما عرف بالشراكة من أجل السلام .

وفضلا عن ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار، وكجزء من النظام الأميركي، الشبكة العالمية للتنظيمات المتخصصة ،وخاصة المؤسسات المالية "الدولية".

وهكذا يمكن القول إن صندوق النقد والبنك الدولي يمثلان مصالح "عالمية"، كما أن بنيتهما يمكن أن تفهم على أنها (IMF) الدولي عالمية.

أما في الواقع، فتتم السيطرة عليهما، وإلى حد كبير، من قبل أميركا، ويمكن تقفي أثرهما .

في مبادرة أميركية أصلا، تعود بشكل خاص إلى مؤتمر بريتون وودز عام ١٩٤٤وخلافًا للإمبراطوريات السابقة، فإن هذا النظام العالمي المعقد ليس هرمًا مراقبيًا أو ذا سلطات متسلسلة.

ولكن الواقع هو أن أميركا تقف في مركز عالم متشابك داخليًا، علمًا أن هذا العالم تمارس فيه القوة عبر المساومة المستمرة، والحوار، والانتشار، والسعي إلى إجماع رسمي، حتى بالرغم من أن القوة تنشأ فعلا من مصدر واحد، هو، واشنطن دي. سي.

وهذا هو المكان الذي يجب أن تلعب فيه اللعبة. وأن تلعب أيضًا وفق القواعد أو القوانين الداخلية لأميركا.

وربما يكون أكبر ثمن يدفعه العالم لقاء مركزية العملية الديمقراطية في الهيمنة العالمية الأميركية
هو درجة انجذاب الدول الأجنبية إلى المساومة السياسية الأميركية الداخلية. فضمن المدى الذي
تستطيع الحكومات الأجنبية أن تتصرف فيف نجد أنها تسعى إلى تعبئة أولئك الأميركيين الذين
تشترك معهم في هوية دينية أو اتنية خاصة.

وكذلك تستخدم معظم الحكومات اللوبيات الأميركية لكي تحقق تقدمًا ما في قضاياها، ولا سيما في الكونغرس، وذلك بالإضافة إلى نحو ألف مجموعة مصالح أجنبية خاصة مسجلة بوصفها نشيطة في العاصمة الأميركية.

وتسعى أيضًا المجموعات الاثنية الأميركية إلى التأثير في السياسة الأجنبية الأميركية، علمًا أن اللوبيات اليهودية، واليونانية، والأرمنية تقف في المقدمة بوصفها ذات تنظيمات تعتبر الأكثر فعالية .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 14, 2015 3:58 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

وهكذا نجد أن السيادة الأميركية خلقت نظامًا دوليًا جديدًا، لم يعمل على تقديم نسخة ثانية
عن الكثير من ملامح النظام الأميركي فحسب، بل عمل أيضًا على اضفاء الطابع المؤسساتي
المشروع على هذه الملامح. وتشمل الملامح الرئيسة لهذا النظام ما يلي:

نظام أمن جماعي، بما في ذلك قيادة وقوات موحدة (الناتو، المعاهدة الأمنية الأميركية اليابانية، الخ ...).

تعاون اقتصادي إقليمي (ندوة التعاون الاقتصادي الآسيوي- الباسيفيكي، واتفاقية التجارة الحرة لأميركيا الشمالية) ومؤسسات تعاونية عالمية متخصصة (البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية).

إجراءات تشدد على صنع القرار الإجماعي، حتى ولو كان مسيطرًا علية من قبل الولايات المتحدة.

تفضيل العضوية الديمقراطية ضمن التحالفات الرئيسة.

بنية دستورية وقضائية عالمية صارمة (تتراوح بين المحكمة العالمية والمحكمة الخاصة المعدة لمحاكمة جرائم الحرب في البوسنة).

كان معظم هذا النظام قد نشأ في أثناء الحرب الباردة بوصفه جزءًا من الجهد الأميركي الهادف إلى احتواء منافسه العالمي الذي هو الاتحاد السوفييتي .

وهكذا كان هذا النظام جاهزًا للاستخدام العالمي، بمجرد ان تداعى هذا المنافس، وبالتالي خرجت أميركا بوصفها القوة العالمية الأولى والوحيدة. وقد وصف أحد علماء السياسة ج. جون إيكينيري جوهر هذا النظام بما يلي:

"كان هذا الجوهر ذا علاقة بالهيمنة من حيث كونه متمركزًا حول الولايات المتحدة وبالتالي عكس الآليات السياسية والمبادئ المنظمة للأسلوب الأميركي.

وكان نظامًا ليبيراليًا من خلال كونه مشروعًا، كما انه تميز بتفاعلات أو تأثيرات متبادلة. وقد كان الأوروبيون (يمكن إضافة اليابانيين هنا أيضًا) قادرين على إعادة بناء وتكامل مجتمعاتهم واقتصاداتهم بطرائق كانت متلائمة مع الهيمنة الأميركية، ولكن مع ترك فرصة لاختبارها في شروط الأنظمة السياسية ذات الحكم الذاتي وشبه المستقلة... علمًا أن تطور هذا النظام المعقد خدم "تدجين" العلاقات بين الدول الغربية الرئيسة.

وقد وجدت نزاعات حادة بين هذه الدول من حين إلى آخر، ولكن النقطة المهمة هي أنه تم احتواء النزاع ضمن نظام سياسي تجذر بعمق، ومستقر، ومترابط على نحو .( متزايد... وبذلك أصبح التهديد بنشوب الحرب خارج الموضوع (1).

وفي الوقت الراهن، لاتوجد منافسة لهذه الهيمنة العالمية الأميركية غير المسبوقة. ولكن هل ستبقى دون تحديات في السنوات القادمة؟.

هامش :

(1) من البحث الذي قام به بعنوان "خلق النظام الليبرالي: مناشىء واستمرارية إيجاد الحلول الغربية في فترة ) . ما بعد الحرب" ،جامعة بنسلفانيا، فيلادلفيا، تشرين الثاني، 1995مـ .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 14, 2015 4:11 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

الفصل الثاني : رقعة الشطرنج الأوراسية.

إن الجائزة الجيوبوليتية (الجغرافية السياسية) الرئيسة لأميركا هي أوراسيا. فمنذ خمسمئة سنة كانت شؤون العالم تدار من قبل القوة (الدول) والشعوب التي حاربت إحداها الأخرى من أجل السيطرة الإقليمية، وسعى كل منها إلى بسط سلطته العالمية.

أما الآن فثمة قوة (دولة) غير أوراسية تبرز في أوراسيا، وبالتالي فإن السيطرة العالمية لأميركا تعتمد بشكل مباشر على المدى الزمني والمدى الفعال لاستمرار هذه السيطرة (التفوق) الأميركي على القارة الأوراسية .

ومن الواضح أن، هذا الوضع مؤقت.

ولكن استمراره، وما سيأتي بعده، يتسمان بأهمية حرجة ليس للرفاه الأميركي فحسب، بل وللسلام الدولي بعامة أيضًا. وهكذا، فإن الظهور المفاجئ للقوة (الدولة) العالمية الأولى والوحيدة خلق وضعًا سيؤدي فيه الانتهاء السريع لسيطرتها، إما بسبب انسحاب أميركا من العالم أو بسبب ظهور مفاجئ أيضًا لمنافس ناجح لها، سوف يؤدي إلى حالة عدم استقرار دولي واسع النطاق.

وبالفعل، فإن ذلك سوف يحّفز على انتشار فوضى عالمية.

وقد كان العالم السياسي في جامعة هارفارد صموئيل ب.هانتينغتون على حق عندما أكد بجرأة ما يلي:

"إن عالمًا دون سيادة أميركية سيكون عالمًا متسمًا بدرجة من العنف والاضطراب أكبر وبدرجة من الديمقراطية والنمو الاقتصادي أقل من العالم الذي تستمر فيه الولايات المتحدة في ممارسة النفوذ،اكثر من أي بلد آخر، في إدارة الشؤون العالمية. وهكذا، فإن السيادة الدولية المستمرة للولايات المتحدة هي أمر رئيس ومهم لرفاه وأمن الأميركيين ولمستقبل الحرية،." والاقتصادات المفتوحة، والنظام الدولي في العالم .(1).

وفي هذا السياق، فإن كيفية "إدارة" أميركا لأوراسيا هي أمر حرج. فأوراسيا هي أكبر قارات العالم وهي محور العالم جغرافيًا.

والقوة (الدولة) التي تحكم أوراسيا سوف تسيطر على اثنتين من مناطق العالم الثلاث الأكثر تقدمًا والأكثر انتاجًا على الصعيد الاقتصادي.

وإن مجرد لمحة على الخريطة توحي أيضًا أن السيطرة على أوراسيا سوف تستوجب تبعية إفريقيا جاعلة نصف الكرة الغربي وأوقيانوسيا في وضع محيطي (ثانوي) بالنسبة إلى القارة الرئيسة في العالم.

فثمة ٧٥ في المئة من سكان العالم يعيشون في أوراسيا، كما أن معظم الثروات المادية للعالم موجودة هنا أيضًا.

ويبلغ الدخل القومي السنوي لأوراسيا نحو ٦٠ في المئة من إجمالي الدخل القومي السنوي في العالم، كما أن مصادر الطاقة فيها تساوي تقريبًا ثلاثة أرباع موارد الطاقة الإجمالية المعروفة في العالم.

وأوراسيا هي أيضًا موطن معظم دول العالم الدينامية والحازمة سياسيًا.

فبعد الولايات المتحدة، نجد أن أقوى ستة اقتصاديات، وأكثر ست دول إنفاقًا على التسلح العسكري موجودة في أوراسيا.

وأن كل القوى (الدول) النووية المعلنة في العالم ما عدا واحدة، وكل الدول النووية غير المعلنة ما عدا واحدة موجودة أيضًا في أوراسيا.

ثم إن الدولتين الأكثر سكانًا في العالم والمرشحتين للهيمنة الإقليمية وللنفوذ على العالم هما أوراسيتان.

وكذلك فإن كل المتحدين المحتملين سياسيًا و/أو اقتصاديا للسيادة أو السيطرة الأميركية هم أوراسيون.

وبصورة إجمالية، فإن قوة أوراسيا تفوق إلى حد كبير قوة أميركا.

ولكن، ولحسن حظ أميركا، فإن أوراسيا هي من الكبر (الاتساع) على نحو يصعب معه أن تتوحد سياسيًا.

وهكذا، فإن أوراسيًا هي رقعة الشطرنج التي يستمر فيها الصراع على السيطرة العالمية.

ومع أن الجيو استراتيجية، أو الإدارة الاستراتيجية للمصالح الجيوبوليتية، يمكن أن تقارن بالشطرنج، فإن الرقعة الشطرنجية لأوراسيا ذات الشكل البيضاوي إلى حد ما، لا يقتصر لاعبوها على اثنين، بل يتعدى ذلك إلى عدة لاعبين، يملك كل منهم حجمًا مختلفًا من القوة.

ولكن اللاعبين الرئيسيين يتوضعون في غرب، وشرق، ووسط، وجنوب هذه الرقعة.

وإن كلا الطرفين الأقصيين الغربي والشرقي من رقعة الشطرنج هذه يحتويان على مناطق كثيفة السكان، وتضم عدة دول قوية. ففي حالة المحيط الغربي الصغير لأوراسيا، نجد أن القوة الأميركية تنتشر مباشرة عليه.

وتشكل الأرض الرئيسة الشرقية مقرًا للاعب مستقل ذي قوة متزايدة ويسيطر على عدد كبير جدًا من السكان بينما نجد أن، أرض منافسة القوي، المقتصرة على عدة جزائر (جمع جزيرة) متجاورة، ونصف شبه جزيرة صغيرة شرق أقصوية. تؤمن مقرًا أو مرتكزًا للقوة الاميركية.

١ القارة المركزية جيوبوليتيا في العالم والأجزاء الحيوية المحيطة به
٢ عكست الخريطة من المنظور أو الشكل التقليدي لتصبح ذات التأثير بصري
٣ أميركا الشمالية
٤ المحيط الهادي الشمالي
٥ المحيط الأطلسي الشمالي
٦ المحيط الهادي الجنوبي
٧ أميركا الجنوبية
٨ المحيط الأطلسي الجنوبي
٩ إفريقيا
١٠ أوراسيا
١١ المحيط الهادي الشمالي
١٢ المحيط الهادي الجنوبي
١٣ أوستراليا
١ القارات: المساحة
٢ بملايين الكيلومترات المربعة
٣ أوراسيا
٤ إفريقيا / الشرق الأوسط
٥ أميركا الجنوبية
٦ أميركا الشمالية
٧ القارات: السكان
٨ بالملايين
٩ اوراسيا
١٠ إفريقيا/ الشرق الأوسط
١١ أميركا الجنوبية
١٢ أميركا الشمالية
١٣ القارات: الدخل القومي السنوي
١٤ بمليارات الدولارات
١٥ أوراسيا

١٦ إفريقيا/ الشرق الأوسط
١٧ أميركا الجنوبية
١٨ أميركا الشمالية

١ رقعة الشطرنج الأوراسية.

٢ المنطقة الوسطى
٣ المنطقة الشرقية
٤ المنطقة الجنوبية
٥ المنطقة الغربية

تمتد بين الطرفين الغربي والشرقي تلك الأرض الوسطى الواسعة التي يتوزع فيها السكان هنا وهناك وتعتبر غير متماسكة سياسيًا ومتشظية تنظيميًا، والتي شغلها سابقًا منافس قوي للوجود الأميركي، علمًا أن هذا المنافس كان في وقت ما قد التزام بطرد أميركا من أوراسيا، وإلى الجنوب من هذا السهل الأوراسي المركزي الكبير توجد منطقة تسودها الفوضى السياسية ولكنها غنية بالطاقة ويحتمل أن تكون ذات أهمية كبيرة لكلتا الدولتين الأوراسيتين الغربية والشرقية، بما في ذلك المنطقة الواقعة في أقصى الجنوب ذات الكثافة السكانية العالية والمرشحة للهيمنة الإقليمية .

هامش :

(1) صموئيل ب. هانتينغتون، "لماذا تهمنا السيادة الدولية"، مجلة "الأمن الدولي" (ربيع ١٩٩٣ ) الصفحة ٨ .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 39 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2, 3  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 34 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط