موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 39 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 14, 2015 4:20 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

إن هذه الرقعة الشطرنجية الأوراسية الغربية الشكل، والتي تمتد من لشبونة إلى فلاديفستوك، تقدم مكان وزمان "اللعبة".

وهكذا، فإذا أمكن توسيع هذه المساحة المركزية على نحو متزايد إلى الدائرة أو المحيط الممتد إلى الغرب (حيث تتفوق أميركا)، وإذا لم تخضع المنطقة الجنوبية لسيطرة لاعب واحد، أو إذا لم يوحد الشرق بطريقة تدفع إلى طرد أميركا من القواعد الساحلية، فإن أميركا تستطيع، عندئذ، أن تسود.

ولكن إذا عملت المنطقة الوسطى على صد المنطقة الغربية، فستصبح كيانا مفردًا حاسمًا، وبالتالي فإما ستسيطر على المنطقة الجنوبية أو تشكل تحالفا مع لاعب شرقي رئيس، وعندئذ فإن السيادة الأميركية في أوراسيا سوف تتقلص على نحو درامي(حاد). وسيحدث الشيء ذاته إذا توحد لاعبان شرقيان رئيسان بشكل أو بآخر.

وأخيرا فًإذا طرد الشركاء الغربيون أميركا من قاعدتها في المحيط (الدائرة) الغربية سوف ينهي أوتوماتيكيًا المشاركة الأميركية في اللعب على رقعة الشطرنج الأوراسية، حتى ولو كان ذلك
يعني غالبًا التبعية الفعلية للمنطقة الغربية إلى لاعب بعث من جديد وشغل المنطقة الوسطى.

إن أبعاد الهيمنة العالمية لأميركا كبيرة على نحو معترف به، ولكن عمقها قليل، ومحدد بتقييدات داخلية وخارجية على حد سواء. فالهيمنة الأميركية تتضمن ممارسة نفوذ حاسم، وإن لم يكن هذا النفوذ عمومًا، نوعًا من السيطرة المباشرة، على غرار ما كان عليه الأمر في الإمبراطوريات السابقة.

فالحجم الكبير والتنوع في أوراسيا، وإلى جانب قوة بعض دولها، يحدان من عمق النفوذ الأميركي، ومن حجم السيطرة الأميركية على مجرى الأحداث.

فهذه القارة الكبيرة جدًا، والكثيرة السكان، والمتنوعة الثقافات، والمؤلفة من عدد كبير من الدول
الطموحة تاريخيًا، والنشيطة سياسيًا لا يمكنها أن تذعن حتى لقوة عالمية مهما كانت ناجحة
اقتصاديًا أو بارزة ومتفوقة سياسيًا.

وإن هذا الشرط يشجع على المهارة الجيواستراتيجية، وعلى النشر المعتنى به، والانتقائي، والمدروس جيدًا لموارد أميركا على رقعة الشطرنج الأوراسية الكبيرة جدًا.

وإنه لصحيح أيضًا أن أميركا التي تمارس الديمقراطية في الداخل لا يمكنها أن تكون مستبدة في الخارج. فإن ذلك يحد من استخدام القوة الأميركية، ولا سيما قدرتها على الترويع العسكري.

ولم يحدث قط من قبل أن استطاعت ديمقراطية شعبية أن تحقق سيادة دولية.

ولكن السعي إلى اكتساب القوة ليس هدفًا يستقطب العواطف الشعبية إلا في شروط الخطر المفاجئ أو التحدي لمشاعر الناس إزاء الرفاه الداخلي.

فنكران الذات اقتصاديًا (أي الانفاق الدفاعي) والتضحيات البشرية (الإصابات حتى بين الجنود المحترفين) التي يحتاج إليها الجهد المبذول في هذا المجال ليست متناغمة مع الغرائز الديمقراطية.فالديمقراطية بحد ذاتها هي غير ملائمة للتعبئة الإمبريالية.

وفضلا عن ذلك، فإن الكثير من الأميركيين لا يجندون ولايشعرون بالتعاطف مع وضع بلادهم الجديد بوصفها القوة العظمى العالمية الوحيدة.

وإن "الفرحة" السياسية المتعلقة بانتصار أميركا في الحرب البارجة تلقى استقبا ً لا باردًا، وقد كانت أيضًا مدعاة لشيء من السخرية من قبل المعلقين ذوي التفكير اللبيرالي.

وفي الواقع، فثمة وجهتا نظر محتلفتان إزاء مضامين الموقف الأميركي الراهن ونجاح اميركا في التنافس مع الاتحاد السوفييتي السابق وهما، أي وجهتا النظر هاتان تثيران عواصف على الصعيد السياسي:

فمن ناحية نجد وجهة النظر القائلة إن انتهاء الحرب الباردة هو مبرر هام لخفض الاشتباك العالمي لأميركا مع الأحداث، وبغض النظر عن النتائج على هذا الموقف العالمي لأميركا؛ ومن ناحية ثانية، نجد وجهة النظر الأخرى القائلة إنه حان الوقت لتعددية دولية حقيقية، والتي يحب فيها على أميركا أن تتخلى عن بعضى سيادتها.

وقد استقطبت كلا هاتين المدرستين ولاء وتأييد نخبة أو جمهور ملتزم .

إن ما يعقد الأزمات التي تواجه القيادة الأميركية هو التغيرات في طبيعة الوضع الدولي ذاته:

فالاستخدام المباشر للقوة يميل الآن إلى أن يكون مقيدًا بدرجة أكبر مما كان عليه في الماضي.

وقد عملت الأسلحة النووية على الإقلال بشكل حاد من فائدة الحرب كأداة للسياسة أو حتى بوصفها تهديدًا وخطرًا.

وهكذا، فإن الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول يجعل الاستغلال السياسي للتهديد الاقتصادي أقل إلحاحًا.

وبالتالي، فإن المناورة والديبلوماسية، وإقامة التحالف، واختيار الحلفاء، والنشر المتعمد للمؤثرات السياسية لدولة ما، أصبحت كلها عناصر رئيسة في الممارسة (الاستخدام) الناجحة للقوة الجيواستراتيجية على رقعة الشطرنج الاوراسية .

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 16, 2015 2:09 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاستراتيجية :

الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاستراتيجية:

إن ممارسة السيادة العالمية الأميركية يجب أن تكون حساسة إزاء الحقيقة القائلة إن الجغرافيا السياسية تبقى اعتبارًا حرجًا في الشؤون الدولية. وقد روي عن نابليون أنه قال: إنه لمعرفة الجغرافيا المتعلقة بشعب ما يجب معرفة سياسته الأجنبية.

وإن فهمنا لأهمية الجغرافيا السياسية يجب، عمومًا، أن نتكيف مع الحقائق الجديدة للقوة .

وفي ما يتعلق بمعظم الشؤون الدولية، فإن السيطرة الإقليمية (على الأرض) كانت دائمًا تشكل بؤرة تركيز النزاع السياسي.

وهكذا، فقد كان الرضا الذاتي القومي عن احتلال مساحة أكبر من الأرض أو الإحساس بالحرمان القومي إزاء فقدان أرض "مقدسة" يشكلان سببًا وجيهًا لمعظم الحروب الدموية التي تم خوضها منذ نشوء القوميات.

ولا نبالغ إذا قلنا أن مسألة الأرض كانت ولا تزال الحافز الرئيس الذي يدفع إلى السلوك العدواني من قبل الدول _ الأمم.

وقد أقيمت الإمبراطوريات أيضًا من خلال الاستيلاء على مساحات جغرافية حيوية والاحتفاظ بها،
على غرار ما حدث في جبل طارق وقناة السويس أو سنغافورة، حيث كانت هذه الأماكن بمنزلة
نقاط مرور إجباري رئيسة أو نقاط وصل في منظومة السيطرة الإمبريالية.

وعمومًا، فإن الظاهرة الأكثر حدة في الربط بين القومية وامتلاك الأرض تظهر على نحو واضح في ألمانيا النازية واليابان الإمبراطورية.

فالجهد لبناء "الرايخ الذي استمر ألف سنة" ذهب إلى أبعد من هدف إعادة توحيد الشعوب الناطقة باللغة الألمانية تحت سقف سياسي واحد وركز أيضا على الرغبة في السيطرة على "زهرة القمح" في أوكرانيا وعلى الأراضي السلافية أيضًا،

والتي كان على شعوبها أن تقدم يدًا عاملة رخيصة بوساطة الأرقاء لصالح الدولة الإمبريالية.

كان اليابانيون قد تمسكوا، على نحو مماثل، بالمفهوم القائل إن الاحتلال المباشر لأرض منشوريا، ولاحقًا لجزر الهند الشرقية المنتجة للنفط، هو ضروري لتحقيق السعي الياباني إلى امتلاك القوة القومية والوضع الدولي.

وعلى نحو مماثل، ولقرون من الزمن، فإن تعريف العظمة القومية الروسية كان معادلا لامتلاك الأرض، وحتى في نهاية القرن العشرين، نجد أن الإصرار الروسي على الاحتفاظ بالسيطرة على شعوب غير روسية كالشيشان، على سبيل المثال، الذين كانوا يعيشون حول خط نفط حيوي، كان قد برر بالرغم أن هذه السيطرة ضرورية لموقف أو هيبة روسيا بوصفها قوة (دولة) عظمى.

تستمر الدول الأمم في كونها تشكل وحدات أساسية في النظام العالمي. وبالرغم من التراجع في المفهوم القومي للقوة (الدولة) الكبرى، ومن أن تلاشي الإيديولوجية خّفض واضعف المضمون العاطفي للسياسة العالمية، وبينما أدخلت الأسلحة النووية تقييدات رئيسة على استخدام القوة، فإن التنافس المعتمد على امتلاك الأرض لا يزال يحكم الشؤون العالمية، حتى ولو أن أشكاله تميل حاليًا إلى أن تكون ذات طابع مدني بدرجة أكبر. وفي هذه المنافسة فإن الموقع الجغرافي لا يزال يشكل نقطة الانطلاق لتعريف أو تحديد الأفضليات الخارجية للدولة الأمة، كما أن حجم أو مساحة الأرض الوطنية تبقى أيضًا أحد أهم العوامل الرئيسة للهيبة والقوة .

ومهما يكن الأمر فبالنسبة إلى الدول الأمم، نجد أن قضية امتلاك الأرض بدأت تتراجع مؤخرًا وتفقد أهميتها وبروزها.

وفي المدى الذي لا تزال فيه النزاعات الإقليمية عام ً لا مهمًا في تشكيل السياسة الخارجية لبعض الدول، فهي تعتبر مسألة استياء ناجم عن التنكر لحق تقرير المصير للأخوة الاتنيين الذين يقال عنهم إنهم محرومون من حق الانضمام إلى "الوطن الام" أو مسألة تظلم من سوء التعامل المزعوم من قبل دولة جارة لأقليات اتنية أكثر مما هي ذلك السعي إلى تحقيق وضع او هيبة وطنية محسنة عبر التوسع الإقليمي.

وهكذا، نجد أيضًا على نحو متزايد، أن النخب (جمع نخبة) الوطنية الحاكمة أصبحت تعترف ان عوامل أخرى غير الأرض أصبحت أكثر أهمية في تقرير الوضع أو الهيبة الدولية لدولة ما أو تقرير درجة نفوذها الدولي.

وإن المهارة الاقتصادية، وترجمتها إلى ابتكارات تكنولوجية، تستطيع أن تكون عاملا رئيسًا من عوامل القوة. واليابان ذاتها تقدم مثالا رائعًا على ذلك

.وبرغم ذلك، فإن الموقع الجغرافي لا يزال يميل إلى تقرير الافضليات الفورية للدولة المعنية، وبالتالي، فكلما ازدادت القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية لدولة ما، ازداد أيضًا يصف قطر دائرة
مصالحها الجيوبوليتية الحيوية، ونفوذها، وتدخلها، على نحو يتعدى جيرانها المباشرين.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 16, 2015 2:21 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

وحتى وقت قريب جرة جدل بين المحللين الجيوبوليتيين البارزين عما إذا كانت قوة الأرض أهم من قوة البحر، وما هي المنطقة الأوراسية الأكثر حيوية للسيطرة على القارة كلها.

وقد قاد أحد أبرز هؤلاء المحللين، وهو هارولد ماكيندر، النقاش في بداية القرن الحالي وخلص إلى مفاهيم لاحقة عن "المنطقة المحورية" الأوراسية (التي قيل انها تضم كل سيبيريا والجزء الأكبر من آسيا الوسطى) وفي وقت لا حق عن "الأرض المركزية" في وسط وشرق اوروبا بوصفها تشكل نقاط الانطلاق الحيوية لتحقيق السيطرة على القارة.

وقد أضفى طابعًا شعبيًا على مفهومه عن الأرض المركزية بمقولته المشهورة :

من يحكم شرق أوروبا يسيطر على الأرض المركزية ؛ ومن يحكم الأرض المركزية يسيطر على جزيرة العالم؛ ومن يحكم جزيرة العالم يسيطر على العالم.

أثيرت الجغرافيا السياسية من قبل بعض علماء الجغرافيا السياسية الألمان البارزين لكي تبرر شعار بلادهم"الامتداد الحيوي نحو الشرق" ولا سيما كارل هاوسهوفر الذي لاءم مفهوم ماكيندر مع الحاجات الاستراتيجية لألمانيا.

وكان يمكن سماع الصدى ألهمجي لهذا المفهوم وفي تشديد أدولف هتلر على حاجة الشعب الألماني إلى "المدى الحيوي".

وقد توقع مفكرون أوروبيون آخرون في النصف الأول من هذا القرن تغييرًا في اتجاه الشرق في المركز
الجيوبوليتي للجاذبية، على ان تصبح منطقة المحيط الهادي، ولا سيما أميركا واليابان، الوارثة المحتملة للسيطرة الأوروبية المتلاشية.

ولإحباط هذه التغيير،فقد دافع عالم الجغرافيا السياسية الفرنسي، وعلماء جيوبوليتيون آخرون، عن ضرورة تحقيق وحدة أكبر بين الدول الأوروبية حتى قبل الحرب العالمية الثانية.

وفي الوقت الراهن، لم تعد قضية الجغرافيا السياسية متعلقة بكون هذا أو ذاك الجزء الجغرافي من أوراسيا يشكل نقطة انطلاق للسيطرة على القارة، أو يكون قوة الأرض أهم من قوة البحر.

ولكن الجغرافيا السياسية انتقلت من البعد الإقليمي إلى البعد العالمي، مع جعل السيطرة على القارة الأوراسية كلها أساسًا للسيطرة على العالم.

فالولايات المتحدة،التي هي دولة غير أوراسية، تتمتع إلى، بسيطرة دولية، مع وجود قوتها المنتشرة مباشرة على ثلاثة حدود محيطية للقارة الأوراسية، والتي تمارس منها نفوذًا قويًا على الدول التي تشغل المنطقة الخلفية الاوراسية.

ولكن يحتمل أن يظهر منافس أو غريم محتمل لأميركا في هذه القارة ذاتها، أي أوراسيا، التي تعتبر أهم بقعة في العالم لممارسة اللعب.

وهكذا، فإن التركيز على اللاعبين الرئيسيين، والتقييم الصحيح للأرض يجب أن يكونا نقطة الانطلاق لصياغة الجغرافيا الاستراتيجية الأميركية من أجل الإدارة الطويلة الأمد للمصالح الجيوبوليتية الأوراسية لأميركا.

ومن هنا نجد أن ثمة حاجة إلى خطوتين أساسيتين هما:

الأولى المتمثلة في تحديد الدول الأوراسية الدينامية جيواستراتيجيًا والتي تملك القوة لإحداث تغيير محتمل هام في التوزيع الدولي للقوة، ولكشف الأهداف الخارجية الرئيسة للنخب (جمع نخبة)السياسية الحاكمة وللنتائج المحتملة لسعي الدول المعنية إلى تحقيق أهدافها؛ وكذلك لتحديد الدول الأوراسية الحساسة جيوبوليتيًا التي يكون لتوضعها الجغرافي و/أو وجودها تأثيرات محفزة إما على اللاعبين الجيواستراتيجيين الأكثر نشاطًا أو على الشرط الإقليمية؛ الثانية، المتمثلة في صياغة سياسات أميركية معينة تعمل على التوازن والاستيعاب و/أو السيطرة على ما جاء أعلاه، وذلك على نحو يمكن معه المحافظة على المصالح الأميركية الحيوية ورفع مستواها، وكذلك تعمل على وضع مفاهيم أكثر شمولية عن الجيواستراتيجيا يمكنها أن تقيم على نطاق عالمي علاقة متبادلة بين السياسات الأميركية الأكثر وضوحًا وفعالية.

وباختصار فإن الجيواستراتيجية الأوراسية التي تأخذ بها الولايات المتحدة تتضمن الإدارة الهادفة أو الحاسمة التي تمارس على الدول الدينامية جيواستراتيجيًا، والاحتواء الحذر للدول المؤثرة جيوبوليتيًا، وذلك من خلال مراعاة المصالح المزدوجة لأميركا في المحافظة على الأمد القصير على قوتها العالمية الفريدة في نوعها وفي تحويل هذه القوة على المدى الطويل إلى تعاون عالمي ذي طابع مؤسساتي يتزايد مع الزمن.

ولكي نضع ذلك في تعبير يعود إلى الزمن الأكثر همجية في الإمبراطوريات القديمة، نجد أن الأمور الثلاثة الكبرى للجيواستراتيجية الإمبراطورية تهدف إلى منع التصادم والمحافظة على الاعتماد الأمني المتبادل بين الأتباع الخاضعين للسيطرة، وإلى المحافظة أيضًا على هؤلاء الاتباع في وضع الإذعان وحمايتهم، ناهيك بمحاولة الإبقاء على البرابرة في وضع يمنع التحالف بينهم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 16, 2015 2:31 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

اللاعبون الجيواستراتيجيون والمحاور الجيوبوليتية.

إن اللاعبين الجيواستراتيجيين النشيطين هم الدول التي تملك القدرة والإرادة القومية على ممارسة القوة أو النفوذ في ما وراء الحدود بغية تغيير، وبدرجة تؤثر في المصالح الأميركية، حالة الشؤون الجيوبوليتية الراهنة.

تملك هذه الدول أيضًا المقدرة الكامنة و/أو الاستعداد لأن تكون سريعة التأثر جيوبوليتيًا. وهكذا نجد أن بعض الدول تسعى فعلا، ولأي سبب كان، كأن تريد تحقيق الأبهة القومية أو الإنجازات الإيديولوجية، أو الطموحات الدينية، أو التوسع الاقتصادي، إلى تحقيق السيطرة الإقليمية أو الهيبة العالمية.

وهي تكون مدفوعة بحوافز عميقة الجذور ومعقدة. ولعلنا نجد أفضل تعبير عنها في قول روبرت براونينغ:

"...إن هدف الإنسان يجب أن يكون أكبر مما يستطيع فعله، أو ما يعتبر بالنسبة إليه، سماء أو جنة له ؟".

وهكذا، يجب على هذه الدول أن تحسب بدقة قوة أميركا، وتقرر المدى الذي تستطيع فيه أن تتجاوز هذه الدولة او تصطدم بها، وفي ضوء ذلك تضع اهدافها الاوراسية المحدودة نوعًا ما، والتي قد تتصادم أحيانًا، أو تتوافق في أحيان أخرى مع سياسات أميركا.

ولذا يجب أن تعير أميركا اهتمامًا خاصًا إلى الدول الاوراسية التي تملك مثل هذه الحوافز.

أما المحاور الثابتة الجيوبوليتية فهي الدول التي لا تأتي أهميتها من قوتها وحوافزها بل من مواقعها الحساسة، ومن نتائج شروطها او ظروفها التي تكون غالبًا غير منيعة إزاء سلوك اللاعبين الجيواستراتيجيين.

وفي أغلب الأحيان، تتعثر المحاور الثابتة الجيوبوليتية بجغرافية الدول المعنية التي تعطي هذه المحاور، في بعض الحالات، دورًا خاصًا إما في تحديد طريقة الوصول إلى مناطق مهمة أو في منع الموارد عن لاعب مهم. وفي بعض الحالات الأخرى، يمكن ان تتصرف الدولة التي تشكل المحور الجيوبوليتي بوصفها درعًا دفاعيًا لدولة حيوية ما او حتى لديانة ما.

وفي أحيان أخرى، يمكن القول إن مجرد وجود مثل هذه الدولة ذات المحور الجيوبوليتي يعني حدوث تأثيرات سياسية وثقافية هامة جدًا في لاعب جيواستراتيجي مجاور ذي فعالية أكبر.

وعمومًا، فإن تحديد الدول المحورية الجيوبوليتية الاوراسية الرئيسة في فترة ما بعد الحرب الباردة، وحمايتها، هو، بالتالي، سمة حرجة من سمات الجيواستراتيجية العالمية لأميركا.

يجب ان يلاحظ في البداية أنه بالرغم من ميل اللاعبين الجيواستراتيجيين كلهم إلى أن يكونوا دولا مهمة وقوية، فلا تعتبر كل الدول المهمة والقوية بشكل آلي من اللاعبين الجيواستراتيجيين. وهكذا، فإن كان تحديد اللاعبين الجيواستراتيجيين عملا سهلا نسبيًا، فإن إلغاء بعض الدول المهمة من اللائحة التي سترد لاحقًا يمكن أن يحتاج إلى بعض التبرير.

وفي الظروف العالمية الراهنة، يمكن أن نحدد على الأقل خمسة لاعبين جيواستراتيجيين رئيسيين وخمس دول محورية جيوبوليتية (مع كون اثنتين من هذه الدول الخمس تحملان ربما ما يؤهلهما جزئيًا لتكونا من اللاعبين) في الخريطة السياسية الجديدة لأوراسيا.

فرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، والهند هي من اللاعبين الرئيسيين والفعالين، بينما لا تتأهل بريطانيا العظمى، واليابان، واندونيسيا، لهذا الدور بالرغم من الاعتراف بأنها دول مهمة جدًا.

أما أوكرانيا، وأذربيجان، وكوريا الجنوبية، وتركيا، وإيران، فإنها تلعب دور المحاور الثابتة الجيوبوليتية المهمة إلى حد حرج، بالرغم من ان تركيا وإيران تعتبران جيواستراتيجيًا إلى حد ما، وضمن إمكاناتهما المحدودة عمومًا.

وسيقال المزيد عن كل منهما في الفصول اللاحقة .

وفي هذه المرحلة، يكفي أن نقول إن الاعبين الجيواستراتيجيين الرئيسيين والديناميين في الطرف الأقصى الغربي من اوراسيا هما فرنسا وألمانيا.

وكلا هاتين الدولتين تحفزهما رؤية مستقبلية عن أوروبا الموحدة، بالرغم من أنهما تختلفان عن مدى وطريقة وجوب بقاء أوروبا مرتبطة بأميركا (شدة هذا الارتباط وأسلوبه).

ولكن كلتيها تريدان تشكيل شيء ما يكون جديدًا وملبيًا لطموحات في أوروبل مما يؤدي إلى تغيير الأمر الواقع.

وتملك فرنسا بشكل خاص مفهوما جيواستراتيجيًا عن أوروبا يختلف في بعض سماته الهامة عن مفهوم الولايات المتحدة، وهي، أي فرنسا، تميل إلى الانخراط في مناورات تكتيكية معدة لجعل روسيا تلعب ضد أميركا وجعل بريطانيا العظمى تلعب ضد ألمانيا، حتى بالرغم من اعتمادها على التحالف الفرنسي الألماني لتجاوز ضعفها النسبي أو موازنته.

وفضلا عن ذلك، فإن فرنسا وألمانيا كانتا قويتين وفعالتين بما يكفي لممارسة النفوذ ضمن نصف قطر إقليمي أوسع.

ففرنسا لا تسعى إلى دور سياسي رئيس في توحيد أوروبا فحسب، ولكنها ترى نفسها أيضا بوصفها نواة لتجمع دول حوض البحر المتوسط وشمال إفريقيا التي لها اهتمامات مشتركة. وألمانيا تشعر على نحو متزايد بوضعها الخاص كأهم دولة في أوروبا،

أو بوصفها القوة المحركة الاقتصادية للمنطقة، والقائد البارز في الاتحاد الأوروبي. وتشعر ألمانيا أيضا بمسؤوليتها الخاصة عن أوروبا الوسطى المتحررة حديثًا من قيودها وبطريقة تذكر على نحو غامض بالمفاهيم السابقة عن أوروبا الوسطى المقادة من قبل ألمانيا.

وفضلا عن ذلك، فإن كلا الدولتين فرنسا وألمانيا تعتبران نفسيهما مالكتين لحق تمثيل المصالح الأوروبية في التعامل مع روسيا، وكذلك، فإن ألمانيا تحتفظ لنفسها، وبسبب موقعها الجغرافي، وإن نظريًا على الأقل ، بالخيار الكبير للتكيف الخاص الثنائي الطرف مع روسيا.

وفي المقابل، فإن بريطانيا العظمى ليست لاعبًا جيواستراتيجيًا.

ولديها عدد أقل من الخيارات الرئيسة، فهي لا تملك رؤية طموحة عن مستقبل أوروبا، كما أن تراجعها النسبي قّلل أيضًا من قدرتها على لعب الدور التقليدي الذي كانت تقوم به بوصفها محققة للتوازن الأوروبي.

وإن تعدد وجهات النظر فيها إزاء الوحدة الأوروبية وارتباطها بعلاقة متلاشية مع أميركا جعل منها (أي بريطانيا العظمى) دولة غير معنية على نحو متزايد، وإن حتى الآن على الأقل، بالخيارات الرئيسة التي تواجه مستقبل أوروبا.

وهكذا نجد أن لندن أخرجت نفسها، إلى حد كبير من اللعبة الأوروبية.[font=Tahoma]
[/font]


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 16, 2015 2:49 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

يذكر السير روي دينمان، أحد المسؤولين البريطانيين الكبار السابقين في اللجنة الأوروبية، في مذكراته، أن الناطق الرسمي باسم بريطانيا أكد بوضوح، في المؤتمر الذي عقد في بداية العام ١٩٥٥ في مسينا، والذي عرضت فيه وجهات نظر عن تشكيل الاتحاد الأوروبي،

وأمام المؤتمرين الذين اعتبروا آنذاك مهندسي مستقبل أوروبا، على ما يلي:

"إن المعاهدة المستقبلية التي تناقشونها لن تتاح لها فرصة الموافقة عليها؛ وإذا تمت الموافقة عليها فلن تتاح لها فرصة التنفيذ.

وحتى إذا نفذت فسوف تكون غير مقبولة إجمالا من قبل"بريطانيا... أودعكم الآن وأتمنى لكم حظًا سعيدًا." (1).

وبعد أكثر من ٥٠ سنة تبقى هذه المقولة بصورة رئيسة ممثلة أو معبرة عن الموقف البريطاني الأساسي إزاء إقامة أوروبا الموحدة على نحو فعلي.

وإن رفض بريطانيا الاشتراك في الاتحاد الاقتصادي والنقدي (المتعلق بتوحيد العملات المستعملة في عملة واحدة) والذي يجب أن يطبق اعتبارًا من كانون الثاني ١٩٩٩ ، يعكس عدم رغبة هذه الدولة في ربط (تحديد) مصيرها بمصير أوروبا.

وكان جوهر هذا الموقف قد لخص في بداية أعوام التسعينات كما يلي:

بريطانيا ترفض هدف التوحيد السياسي .
بريطانيا تحبذ نموذج التكامل الاقتصادي المعتمد على التجارة الحرة .
بريطانيا تفضل السياسة الخارجية، والأمن، وتنسيق الدفاع خارج إطار (المجموعة الأوروبية).
بريطانيا عملت نادرًا على جعل نفوذها في حده الأقصى في مجال عمل أو مع المجموعة الأوروبية.(2).

إن بريطانيا العظمى ما تزال، بالتأكيد، مهمة لأميركا.

وهي مستمرة في ممارسة درجة ما من النفوذ العالمي عبر رابطة الشعوب البريطانية (دول الكومنولث)، ولكنها ليست قوة (دولة) رئيسة (كبيرة) مضطربة ولا تحفزها رؤية مستقبلية طموحة.

إن صداقتها تحتاج إلى تقوية، ولكن سياساتها لا تدعو إلى إعارة اهتمام دائم. فهي لاعب جيواستراتيجي متقاعد، وتنام على حرير أمجادها الرائعة، وقد فكت اشتباكها عن المغامرات الأوروبية الكبرى التي تلعب فيها فرنسا وألمانيا أدوارًا رئيسة.

أما الدول الأوروبية المتوسطة الحجم الأخرى، ومع كون معظمها أعضاء في حلف الناتو و/أو في الاتحاد الأوروبي، فهي إما أنها تتبع لزعامة أميركا أو تقف بهدوء خلف ألمانيا أو فرنسا.

وليس لسياساتها تأثير إقليمي واسع، ولكنها ليست في وضع يمكنها من تغيير انحيازاتها الأساسية.

وفي هذه المرحلة هي ليست في عداد اللاعبين الجيواستراتيجيين أو بين الدول المحورية الجيوبوليتية.

والشيء ذاته صحيح في يتعلق بالدولة الأوروبية المركزية المهمة والمحتمل انضمامها إلى كل من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، أي بولونيا. فهذه الدولة هي من الضعف بحيث لا يمكنها أن تكون لاعبًا جيواستراتيجيًا، وليس أمامها سوى خيار واحد هو أن تصبح متكاملة مع الغرب.

وفضلا عن ذلك فإن اختفاء الإمبراطورية الروسية القديمة وتعميق ارتباطات بولونيا لكل من حلف الأطلسي وأوروبا الجديدة يعطيان هذه الدولة أي بولونيا، أمنًا غير مسبوق تاريخيًا، وأن كان ذلك يحد من خياراتها الاستراتيجية.

أن روسيا، والأمر يكاد لا يحتاج إلى الحديث عنه تبقى لاعبًا جيواستراتيجيًا رئيسًا بالرغم مما أصابها من ضعف، وربما من استمرار حالتها السيئة لزمن طويل.

وإن مجرد وجودها يؤثر على نحو مكثف في الدول المستقلة حديثًا ضمن المساحة ألاوراسية الواسعة للاتحاد السوفييتي السابق.

فهي تملك أهدافًا جيوبوليتية طموحة تعمل على نحو متزايد، على الإعلان عنها بصراحة.

وما أن تستعيد هذه الدولة قوتها حتى تمارس تأثيرها أيضًا، وعلى حد كبير،في جيرانها الغربيين والشرقيين.

وفضلا عن ذلك، فلا تزال روسيا تضع خيارها الجيواستراتيجي في ما يخص علاقتها مع أميركا:

وهل هذه الأخيرة عدو أو صديق لها؟

وربما تشعر روسيا أيضًا أنها تملك خيارات رئيسة في القارة الأوراسية في هذا المجال.

إن الكثير يعتمد على كيفية تطور سياساتها الداخلية، ولا سيما عما إذا ما كانت روسيا ستصبح دولة ديموقراطية أم إمبراطورية أو راسية مرة ثانية.

وفي أي حال، فهي تبقى بوضوح لاعبًا، حتى ولو فقدت بعض "قطعها" (جمع قطعة أو حجر في الشطرنج)، إضافة إلى فقدان بعض المساحات الهامة في رقعة الشطرنج الأوراسية.

هامش :

(1) روي دينمان، الفرص الضائعة (لندن، كاسيل، ١٩٩٦).

٢) في مساهمة روبرت سكيديلسكي في "بريطانيا العظمى وأوروبا الجديدة"، في فصل "من الأطلسي إلى . الأورال"، المحرر دافيد كاليو وغيليب غوردون (أرلينغتون، فيرجينيا) الصفحة ١٤.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 16, 2015 3:00 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

وعلى نحو مماثل، يكاد الأمر لا يحتاج إلى نقاش في شأن كون الصين لاعبًا رئيسًا.

فهي قد أصبحت فعلا قوة إقليمية هامة ويحتمل أن تكون لديها طموحات أوسع، في ضوء تاريخها الذي احتلت فيه موقع القوة (الدولة) الرئيسة، ونظرتها إلى الدولة الصينية الكبرى بوصفها مركزًا عالميًا.

وإن الخيارات التي تضعها الصين بدأت فعلا تؤثر في التوزيع الجيوبوليتي للقوة في آسيا بينما ترتبط قوتها المحركة الاقتصادية بإعطاء قوة مادية أكبر وطوحات متزايدة.

وإن ظهور "الصين الكبرى" لن يترك قضية تايوان نائمة، وبالتالي، فإن ذلك سوف يؤثر حتمًا على الوضع الأميركي في الشرق الأقصى.

وكذلك، فإن الاتحاد السوفييتي خلق على الحدود الغربية للصين سلسلة من الدول، لا يمكن للقادة الصينيين ان يهملوا أخذها في الاعتبار. وهكذا، فإن روسيا سوف تتأثر وإلى حد كبير بالظهور الفعال للصين على المسرح الدولي.

إن المحيط الشرقي لأوراسيا يخلق تناقضًا.

فاليابان هي قوة رئيسة على نحو واضح في الشؤون الدولية، وكان التحالف الأميركي الياباني قد حدد غالبًا، وعلى نحو صحيح، بوصفه أهم علاقة ثنائية الطرف.

وبما أن اليابان هي إحدى القوى الاقتصادية التي تقف في ذروة العالم فهي تملك القدرة على ممارسة دور قوة سياسية من الفئة الأولى.

ومع ذلك، فهي لا تفعل ذلك، مبتعدة عن أي طموحات في شأن السيطرة الإقليمية، ومفضلة العمل في ظل الحماية الأميركية، وعلى غرار بريطانيا العظمى في أوروبا، فإن اليابان تفضل ألا تصبح منخرطة في سياسات البر الرئيس من قارة آسيا، بالرغم من أن السبب الجزئي لذلك يعود غالبًا للعداوة المستمرة لدى كثير من الدول الآسيوية إزاء السعي الياباني إلى تحقيق أي دور سياسي بارز إقليميًا.

إن هذا الموقف السياسي الياباني المقيد ذاتيًا يسمح، بدوره، للولايات المتحدة بلعب دور أمني رئيس في الشرق الأقصى.

وهكذا، فإن اليابان ليست لاعبًا جيواستراتيجيًا، بالرغم من قدرتها الواضحة على أن تصبح بسرعة في عداد اللاعبين الجيواستراتيجيين، ولا سيما إذا غيرت الصين أو أميركا فجأة سياستهما الراهنة، وبالتالي، فإن اليابان سوف تفرض، عندئذ، على الولايات المتحدة التزامات خاصة تخص المراعاة الحذرة للعلاقة الأميركية اليابانية.

وليست السياسة الخارجية اليابانية هي التي يجب على أميركا أن تراعيها وتراقبها، بل إن القيود الذاتية على اليابان هي التي يجب على أميركا أن ترعاها بذكاء ومهارة.

وبالتالي فإن أي إضعاف هام للارتباطات السياسية الأميركية اليابانية سوف يؤثر على نحو مباشر في استقرار المنطقة.

أما في ما يخص عدم إدخال إندونيسيا في لائحة اللاعبين الجيواستراتيجيين الديناميين، فالأمر أكثر سهولة من حيث تبريره.

ففي جنوب شرق آسيا، تحتل أندونيسيا أهم دور بين سائر الدول، ولكن حتى في هذه المنطقة ذاتها، فإن قدرة أندونيسيا على ممارسة نفوذ هام تعتبر محدودة بسبب حالة عدم التطور النسبي للاقتصاد الأندونيسي، وفي ضوء ما تعانيه من الشكوك في السياسة الداخلية، وبسبب توزع الجزر (جمع جزيرة) التي تتشكل الدولة منها ناهيك بحساسيتها إزاء النزاعات الاتنية التي تتفاقم عادة بسبب الدور الرئيسي التي تمارسه الأقلية الصينية في شؤونها المالية الداخلية.

وفي نقطة ما،تستطيع أندونيسيا أن تصبح عقبة هامة للطموحات التوسعية الصينية في اتجاه الجنوب.

وقد اصبح هذا الاحتمال معترفًا به من قبل استراليا التي كانت تخشى في وقت ما التوسع الأندونيسي، ولكنها بدأت مؤخرا تحبذ وجود تعاون أمني أسترالي أندونيسي أوثق.

ولكن ثمة حاجة إلى فترة من التضامن السياسي والنجاح الاقتصادي المستمر قبل أن يصبح ممكنًا النظر إلى أندونيسيا بوصفها صاحبة دور مسيطر إقليميًا.

وفي المقابل، فإن الهند هي على وشك ممارسة دور القوة الإقليمية وبالتالي فهي تنظر إلى نفسها بوصفها لاعبًا عالميًا رئيسًا محتملا أيضًا.

وربما يكون ذلك أمرًا يتعلق بالمبالغة في تقدير إمكاناتها في المدى البعيد، ولكن الهند هي بدون شك الدولة الآسيوية الجنوبية الأقوى، وبالتالي فهي تسعى إلى الهيمنة الإقليمية بشكل ما أو بآخر.

وهي أيضًا، دولة نووية شبه سرية، وقد أصبحت كذلك، لا لترويع الباكستان فحسب، بل لموازنة امتلاك الصين ترسانة نووية أيضًا.

تملك الهند رؤية مستقبلية جيواستراتيجية عن دورها الإقليمي، سواء في الوقوف وجهًا لوجه أمام
جيرانها أم في المحيط الهندي.

ومهما يكن الأمر، فإن طموحاتها في هذه المرحلة تقتصر على التطفل محيطيًا فقط على المصالح الأوراسية لأميركا، وهكذا، فهي ليست بوصفها لاعبًا جيواستراتيجيًا، مصدر قلق أو اهتمام جيوبوليتي، أو ليست على الأقل ناشطة في هذا المجال على غرار روسيا أو الصين.

وأوكرانيا، هي الأخرى، تحتل مكانًا جديدًا وهامًا في رقعة الشطرنج الأوراسية، وبالتالي فهي دولة محورية جيوبوليتية لأن وجودها ذاته كدولة مستقلة يساعد على تحويل أو تغيير موقف روسيا.

وهكذا، فإن روسيا، بدون أوكرانيا لا تشكل إمبراطورية أوراسية. وروسيا، بدون أوكرانيا، تستطيع أن تتابع السعي إلى أن تكون ذات وضع أو هيبة إمبراطورية، ويحتمل جدًا أن تجر إلى نزاعات موهنة مع الدول الآسيوية الوسطى الصاعدة التي سوف تغتاظ، عندئذ، من فقدان استقلالها الحديث، وتدعم أيضًا من قبل دول إسلامية شقيقة في الجنوب.

ويحتمل أيضًا أن الصين سوف تعارض أي استعادة للسيطرة الروسية على آسيا الوسطى في ضوء اهتمامها المتزايد بالدول المستقلة حديثًا في هذه المنطقة.

ومهما يكن الأمر، فإذا استعادت موسكو السيطرة على أوكرانيا، بملايينها الاثني و الخمسين ومواردها الكبيرة، ووجودها على البحر الأسود، فإن روسيا تستعيد عندئذ، وبشكل أتوماتيكي ثرواتها لتصبح دولة إمبراطورية قوية، ممتدة عبر أوربا وآسيا.

وكذلك، فإن فقدان أوكرانيا لاستقلالها سوف يترك تأثيرات نووية على أوروبا الوسطى، محولا بولونيا إلى دولة محورية جيواستراتيجية على الحدود الشرقية لأوروبا الموحدة.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 20, 2016 2:11 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

وبالرغم من صغر حجم (مساحة) أذربيجان وضآلة عدد سكانها، فإنها تعتبر، بما تملكه من مصادر طاقة كبيرة، حساسة جيوبوليتيًا. فهي سدادة الزجاجة الحاوية على ثروات حوض بحر قزوين وآسيا الوسطى والتي يمكن أن تصبح لا قيمة لها إذا أصبحت أذربيجان خاضعة كليًا لسيطرة موسكو.

يمكن أيضًا أن يتم إخضاع الموارد النفطية الهامة جدًا في أذربيجان للسيطرة الروسية بمجرد فقدان هذه الدولة لا ستقلالها. وإن أذربيجان المستقلة والمرتبطة بالأسواق الغربية بأنابيب نقل النفط التي لا تمر عبر أرض يسطر عليها الروس، تصبح أيضًا صلة وصل رئيسة بين الاقتصادات المتقدمة والمستهلكة للطاقة من ناحية وبين الجمهوريات الآسيوية الوسطى الغنية بالطاقة من ناحية ثانية.

وعلى غرار ما هو عليه الحال تقريبًا في أوكرانيا، فإن مستقبل أذربيجان وآسيا الوسطى هو أيضا حرج في ضوء تحديد ما يمكن وما لا يمكن ان تصبح عليه روسيا.

تنخرط تركيا وإيران في إقامة درجة ما من النفوذ في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى، مستغلين تراجع او انكماش القوة الروسية.

ولهذا السبب،يمكن اعتبارهما لاعبين جيواستراتيجيين. ومهما يكن الأمر، فإن كلا هاتين الدولتين تواجهان مشكلات داخلية جدية، كما أن قدرتهما على التأثير في التغيرات الإقليمية الرئيسة التي تحدث في توزع القوة هي محدودة.

وهما أيضًا متنافستان، وبالتالي تميل كل منهما إلى إلغاء نفوذ الأخرى. وعلى سبيل المثال ففي أذربيجان التي حققت فيها تركيا دورًا مؤثرًا نجد أن الوضع الإيراني (الناجم عن القلق إزاء التحركات القومية الأذرية الممكنة ضمن إيران نفسها) كان أكثر مساعدة للروس .

ومهما يكن الأمر، فإن كلا دولتي تركيا وإيران هما دولتان محوريتان جيواستراتيجيتان مهمتان بصورة رئيسية. فتركيا تؤمن الاستقرار في منطقة البحر الأسود وتسيطر على مداخله من اتجاه البحر الأبيض المتوسط وتوازن روسيا في القوقاز وتستمر حتى الآن في تقديم الترياق للأصولية الإسلامية، وتخدم بوصفها مرسي جنوبيًا لحلف الأطلسي.

أما تركيا غير المستقرة فمن المحتمل أن تثير المزيد من العنف في دول البلقان، الجنوبية كما تسهل إعادة فرض السيطرة الروسية على الدول المستقلة حديثًا في القوقاز.

وكذلك، فإن إيران، وبالرغم من غموض موقفها إزاء أذربيجان، تؤمن على نحو مماثل الدعم المسبب للاستقرار في النسيج السياسي المتنوع الجديد لآسيا الوسطى. وهي تسيطر على الساحل الشرقي للخليج [العربي]، بينما يعمل استقلالها، وبالرغم من العداء الإيراني الراهن للولايات المتحدة، كحاجز لأي تهديد روسي في المدى البعيد للمصالح الأميركية في منطقة الخليج [العربي].


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 20, 2016 2:18 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

وأخيرًا، فإن كوريا الجنوبية هي دولة محورية جيوبوليتية في الشرق الأقصى.

فارتباطاتها الوثيقة بالولايات المتحدة تمكن أميركا من حماية اليابان وبالتالي منع هذه الدولة من أن تصبح
قوة عسكرية رئيسة ومستقلة، دون أن يكون لها، أي لأميركا، وجود مؤثر ضمن اليابان ذاتها.

وإن أي تغيير هام في موقف كوريا الجنوبية، سواء عبر التوحيد و/أو عبر تغيير في مجال النفوذ الصيني المتوسع، سوف يغير بالضرورة، وعلى نحو درامي (حاد) دور أميركا في الشرق الأقصى، وبالتالي يغير دور اليابان أيضًا.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن القوة الاقتصادية المتنامية لكوريا الجنوبية تجعل منها "منطقة" أهم بحد ذاتها، وبالتالي تصبح السيطرة على هذه المنطقة ذات قيمة متزايدة فعلا.

إن اللائحة المذكورة أعلاه عن اللاعبين الجيواستراتيجيين والدول المحورية الجيوبوليتية ليست دائمة ولا ثابتة. ولا بد أحيانًا من إضافة أو إلغاء بعض الدول. وبالتأكيد، فبعض النواحي، نجد أن تليوان أو تايلاند أو الباكستان، أو ربما كازاخستان أو أوزبكستان يجب أيضًا أن تضاف إلى الفئة الأخيرة.

فالتغيرات في موقف أي منها سوف تمثل أحداثا هامة وتنطوي على تغييرات في توزيع القوة، ولكن يشك في أن النتائج المحفزة ستكون بعيدة المنال.

ولعل الاستثناء الوحيد يكمن في قضية تايوان إذا اخترنا أن ننظر إليها بمعزل عن الصين. وحتى في هذه الحال، فإن هذه القضية لن تثار إلا إذا استخدمت الصين قوة رئيسة للاستيلاء على هذه الجزيرة، وفي تحد ناجح للولايات المتحدة مهددة بذلك عمومًا المصداقية السياسية لأميركا في الشرق الأقصى.

وأن احتمال هذا السيناريو للأحداث يبدو ضعيفًا، ولكن هذا الاعتبار يجب أن يبقى في الذهن لدى صياغة السياسة الأميركية إزاء الصين .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 20, 2016 2:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

الخيارات الحرجة والتحديات المحتملة.

إن تحديد اللاعبين الرئيسيين والدول المحورية الرئيسة يساعد في تحديد الأزمات التي تواجهها السياسة العليا لأميركا، وفي توقع التحديات الرئيسة في القارة الأوراسية الكبرى.

ويمكن تلخيص هذه التحديات، قبل الانتقال إلى مناقشتها الشاملة في الفصول اللاحقة، في خمس
قضايا واسعة هي كما يلي:

١ ما هي أوروبا التي يجب أن تفضلها أميركا وبالتالي تعمل على إيجادها؟

٢ ما هي روسيا التي تخدم مصلحة أميركا، وماذا تفعل أميركا، وكم تستطيع أن تفعل،
في هذا المجال؟

٣ ما هي احتمالات ظهور "البلقنة "الجديدة في أوراسيا الوسطى، وماذا يجب على أميركا أن تفعل لكي تحد، إلى أدنى حد، من المخاطر الناجمة عن ذلك ؟

٤ ما هو الدور الذي يجب أن تشجع الصين على القيام به في الشرق الأقصى، وما هي انعكاسات ذلك لا على الولايات المتحدة فحسب، بل وعلى اليابان أيضًا ؟

٥ ما هي التحالفات الاوراسية الجديدة المحتملة، والتي يمكن أن تكون الأكثر خطرًا على المصالح الأميركية وماذا يجب أن نفعل لكي نستبعدها ؟

كانت الولايات المتحدة قد أعلنت دائما عن إخلاصها لقضية أوروبا الموحدة. فمنذ أيام إدرارة كنيدي، كان الاتجاه السائد يدعو إلى "الشراكة المتساوية "أو "المتوازية ".

وقد أعلنت واشنطن الرسمية دائمًا عن رغبتها في رؤية أوروبا المندمجة في كيان موحد ذي قوة كافية للإسهام مع أميركا في حمل مسؤوليات وأعباء الزعامة العالمية .

كان ذلك هو الخطاب المعلن عن الموضوع ولكن في الواقع كانت الولايات المتحدة أقل وضوحًا وأقل إصرارًا في هذا السياق. فهل تريد واشنطن فع ً لا أن ترى في أوروبا ذلك الشريك المعادل لها بشكل حقيقي في الشؤون العالمية، أو أنها تفضل تحالفًا غير متعادل؟

وعلى سبيل المثال، فهل الولايات المتحدة مستعدة لمشاطرة أوروبا في الزعامة في الشرق الأوسط، الذي هو منطقة ليست أقرب جغرافيا إلى أوروبا من أميركا فحسب، بل هو أيضًا ذلك المكان الذي توجد فيه مصالح قائمة منذ زمن طويل لعدة دول أوروبية؟ وإن قضية إسرائيل تقفز فورًا إلى الذهن هنا.وكذلك، فإن الخلافات الأميركية الأوروبية في شأن إيران والعراق كانت قد عوملت من قبل الولايات المتحدة بوصفها قضية مثارة بين أطراف متعادلة بل كمسألة تتسم بوجود أطراف يحتل بعضها منزلة أدنى من البعض الآخر .

والغموض في شأن درجة الدعم الأميركي للوحدة الأوروبية يمتد أيضًا إلى القضية المتعلقة بكيفية تعريف هذه الوحدة، ولا سيما بما يخص أي دولة، إذا وجدت، سوف تقود أوروبا الموحدة.

وقد شجعت واشنطن موقف لندن السلبي إزاء توحيد أوروبا بالرغم من أنها، أي واشنطن، أظهرت تفضيلا واضحًا للزعامة الألمانية، وليس الفرنسية، في أوروبا. وكان ذلك مفهوما في ضوء الاندفاع التقليدي للسياسة الفرنسية، ولكن كان للتفضيل تأثير في عدم تشجيع الظهور في الوقت المناسب لوفاق تكتيكي فرنسي بريطاني يهدف إلى مقاومة ألمانيا، وفي عدم التشجيع أيضًا للغزل الفرنسي مع موسكو بغية مواجهة التحالف الأميركي الألماني .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 20, 2016 2:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

إن ظهور أو ولادة أوروبا موحدة فعلا، ولاسيما إذا حدث ذلك بدعم أميركي بَّناء سوف يتطلب تغييرات هامة في بنية وأعمال حلف الأطلسي، وفي الرابطة الرئيسة بين أميركا وأوروبا.

فالناتو لا يقدم آلية العمل الرئيسة لممارسة النفوذ الأميركي المتعلق بالشؤون الأوروبية فحسب، بل يقدم أيضًا الأساس للوجود العسكري الأميركي الحرج على الصعيد السياسي في أوروبا الغربية.

ومهما يكن الأمر، فإن الوحدة الأوروبية سوف تتطلب تلك البنية التي تتكيف مع الحقائق الجديدة لحلف يعتمد على طرفين متعادلين بدرجة أكبر أو أقل، عوضًا عن ذلك الحلف الذي يضم، إذا استعملنا تعابير تقليدية في هذا المجال، دولة مهيمنة ودولا أخرى تابعة.

كانت هذه القضية قد أغفلت إلى حد كبير حتى الآن، بالرغم من الخطوات المتواضعة التي اتخذت في العام ١٩٩٦ لتحسين دور الاتحاد الأوروبي الغربي ضمن الناتو، ودور التحالف العسكري بين الدول الأوروبية الغربية عمومًا.

وهكذا، فإن الاختيار الحقيقي لأوروبا موحدة سوف يستوجب إعادة تنظيم بعيدة المدى للناتو، مما سيضعف حتمًا السيادة الأميركية ضمن الحلف.

وباختصار، فإن الجيواستراتيجية الأميركية البعيدة الأمد لأوروبا سوف تخاطب على نحو واضح قضايا الوحدة الأوروبية والشراكة الحقيقية مع أوروبا.

فالأميركي الذي يرغب فعلا في أوروبا الموحدة وبالتالي الأكثر استقلالية سوف يترتب عليه أن يرمي بثقله خلف تلك القوات الأوروبية الملتزمة فعلا بالتكامل السياسي والاقتصادي لأوروبا.

وإن مثل هذه الاستراتيجية سوف تعني أيضًا التخلص من آخر بقايا أو أثار تلك العلاقة الأميركية البريطانية الخاصة التي كانت مقدسة ومبجلة في يوم ما.

وكذلك سوف يترتب على السياسة المتعلقة بأوروبا الموحدة أن تخاطب، وإن بالاشتراك مع الأوروبيين، القضية العالية الحساسية المتعلقة بالأبعاد الجغرافية لأوروبا.

فكم يجب أن يمتد الاتحاد الأوروبي نحو الشرق؟

وهل يجب أن تكون الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي متماثلة أو متطابقة مع خط الجبهة الشرقية للناتو؟

فالقسم الأول هو مسألة تخص بدرجة أكبر القرار الأوروبي، ولكن أي قرار أوروبي في شأن هذه القضية سوف تكون له تأثيرات مباشرة في قرار الناتو.

أما القسم الثاني، عمومًا، فهو يخص الولايات المتحدة، كما أن الصوت الأميركي في الناتو سيبقى حاسمًا.

وفي ضوء الاجماع المتزايد في مايخص الرغبة في إدخال دول أوروبا الوسطى إلى كل من الاتحاد الأوروبي والناتو، فإن المعنى العملي لهذه المسألة يركز الاهتمام على الموقف المستقبلي لجمهوريات البلطيق وربما أيضا لموقف أوكرانيا .

وهكذا يوجد تشابك بين الأزمة الأوروبية التي نوقشت أعلاه من ناحية، وبين الأزمة الأخرى المتعلقة بروسيا.

ومن السهل أن نرد على السؤال المتعلق بمستقبل روسيا بالإعلان عن تفضيل دولة روسية ديموقراطية، ومرتبطة على نحو وثيق بأوروبا.

وهكذا يفترص أن تكون روسيا الديمقراطية أكثر تعاطفًا مع القيم التي تأخذ بها أميركا وأوروبا، وبالتالي، يكبر احتمال أن تصبح روسيا شريكًا صغيرًا في تشكيل أوراسيا التي تكون أكثر استقرارًا ورغبة في التعاون.

ولكن طموحات روسيا يمكن أن تذهب إلى أبعد من حصولها على الاعتراف والاحترام بوصفها دولة ديمقراطية.

ففي مؤسسة السياسة الخارجية الروسية (المؤلفة في معظمها من مسؤولين سوفييت سابقين)، لا تزال تنمو رغبة عميقة الجذوز في دور أوراسي خاص، وهي الرغبة التي تؤدي لا حقًا إلى سيطرة موسكو على دول الاتحاد السوفييتي السابق التي استقلت حديثًا.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 20, 2016 2:48 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

وفي هذا السياق، فحتى السياسة الغربية الودية ينظر إليها من قبل بعض الأعضاء المؤثرين في هيئة صنع القرار الروسية على أنها معدة لحرمان روسيا من المطالبة المحقة بموقف أو دور عالمي.

وعن ذلك يقول اثنان من الجيوبوليتيين الروس:

"إن الولايات المتحدة ودول حلف الناتو تعمل،في الوقت الذي تستبعد فيه مسألة احترام الذات في روسيا إلى أقصى حد ممكن، وعلى نحو ثابت ومتماسك، على تدمير الأسس الجيوبوليتية التي تستطيع، إن نظريًا على الأقل، أن تسمح لروسيا بأن تأمل تحقيق موقف القوة الثانية في السياسة العالمية، والذي كان يتمتع به الاتحاد السوفييتي".

وفضلا عن ذلك، ينظر إلى أميركا على أنها تتبع سياسة تتم فيها إقامة:

"التنظيم الجديد للمنطقة الأوروبية الذي يتم تصميمه من قبل الغرب، والذي يبني، من حيث الجوهر، على فكرة الدعم، في هذا الجزء من العالم، لدول قومية ضعيفة وصغيرة نسبيًا وجديدة،
من خلال جعلها تقترب بدرجة أكبر أو أقل من الناتو والاتحاد الأوروبي، لتقوية علاقاتها بهذه التنظيمات" [ا]

إن هاتين الفقرتين تحددان جيدًا، وإن مع شيء من العداء، الأزمة التي تواجهها الولايات المتحدة.

فإلى أي حد يجب أن تتم مساعدة روسيا اقتصاديًا، الأمر الذي يقويها حتمًا سياسيًا وعسكريًا، وإلى أي حد أيضًا يجب أن تتم المساعدة في الوقت ذاته للدول المستقلة حديثًا في الدفاع عن استقلالها وتدعيمه؛ وهل تستطيع روسيا أن تكون قوية وديمقراطية في آن واحد؟

وإذا أصبحت هذه الدولة أي روسيا قوية ثانية، ألن تسعى إلى استرجاع سيطرتها الإمبريالية المفقودة، وهل تستطيع عندئذ، أن تكون إمبراطورية وديمقراطية معًا؟

إن السياسة الأميركية إزاء المحاور الجيوبوليتية الحيوية لأوكرانيا وأذربيجان لا يمكنها أن تغفل هذه القضية وهكذا تواجه أميركا أزمة صعبة في ما يخص التوازن التكتيكي والهدف الاستراتيجي.

وإن استعادة العافية الداخلية لروسيا هي أمر ضروري لجعلها ديمقراطية المنحى، ولإضفاء الطابع الأوروبي الفعلي عليها.

ولكن أي استعادة لقدرتها الإمبريالية سوف تكون غير ملائمة لكلا هذين الهدفين. وفضلا عن ذلك، فعلى هذه القضية ذاتها يمكن أن تنشأ الخلافات بين أميركا وبعض الدول الأوروبية، وخاصة عندما يتوسع الناتو والاتحاد الأوروبي.

فهل يجب أن تعتبر روسيا مرشحة للعضوية المحتملة في أي من هذين التنظيمين؟

وماذا عن أو كرانيا في هذه الحال؟

إن ثمن استبعاد روسيا يمكن أن يكون عاليًا، ولكن نتائج إضعاف أي من الاتحاد الأوروبي والناتو يمكن أن يكون مدعاة لعدم الاستقرار .

ثمة حالة مهمة أخرى من عدم اليقين تخيم على المنطقة الكبيرة من ناحية والمائعة جيوبوليتيًا من ناحية ثانية في أوراسيا الوسطى، وتزداد حدة بسبب عدم المناعة المحتملة للمحورين التركي والإيراني.

ففي المنطقة الممتدة من القرم في البحر الأسود وعلى نحو مباشر إلى الشرق على امتداد الحدود الجنوبية الجديدة لروسيا، مرورًا بمقاطعة "كين جيانغ" الصينية.

ثم نحو اشمال إلى شرق البحر المتوسط، ورجوعًا إلى القرم ذاته، يعيش نحو ٤٠٠ مليون إنسان
في ٢٥ دولة، علمًا أن أغلبهم تقريبًا ينتمون إلى اتنية وديانة واحدة، بينما لا تنعم أي دولة من كل هذه الدول، وبشكل عملي، بالاستقرار السياسي.

إن بعض هذه الدول هو على وشك امتلاك الأسلحة النووية.

إن هذه المنطقة الكبيرة جدًا والتي تمزقها الكراهية وتحيط بها دول مجاورة قوية منافسة يحتمل أن تصبح ميدان قتال رئيسيًا إما للحروب بين الدول الأمم أو، وباحتمال أكبر، لممارسة أعمال العنف الأثني والديني الطويل الأمد.

وإن تصرف الهند بوصفها قيدًا او عنصرًا مستغلا لبعض الفرص بغية فرض إرادتها على الباكستان، سوف يؤثر إلى حد كبير في البعد الإقليمي للصراعات المحتملة.

اما مصادر التوتر والإجهاد الداخلية ضمن إيران وتركيا فلا يحتمل أن تزداد سوءًا فحسب بل ستعمل أيضًا إلى حد كبير على إضعاف الدور المؤدي إلى الإستقرار الذي تلعبه هاتان الدولتان في هذه المنطقة البركانية.

وسوف تجعل هذه التطورات بدورها عملية استيعاب الدول الجديدة في آسيا الوسطى أكثر صعوبة للمجتمع الدولي بينما تؤثر أيضًا وعلى نحو سبلي في أمن منطقة الخليج [العربي] الذي" أي الأمن"تسيطر عليه أميركا.

وفي أي حال فمن الممكن أن تواجه أميركا والمجتمع الدولي معًا في هذه المنطقة تحديًا سوف يفاقم الأزمة التي حدثت مؤخرًا في يوغسلافيا السابقة.

هامش :

[1] أ. بوغاتوروف وف. كريمينوك (كلاهما يعملان مدرسين كبيرين في معهد الولايات المتحدة وكندا) في "العلاقات الراهنة والآفاق المستقبلية للتفاعل المتبادل بين روسيا والولايات المتحدة"،مجلة "المجلة المستقلة " ٢٨. حزيران، ١٩٩٦.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 20, 2016 2:57 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

١ المنطقة العالمية التي ينشط فيها العنف ٢ مناطق الاضطراب والنزاع والعنف ٣ المحيط الهندي ٤ السودان ٥ مصر ٦ المملكة العربية السعودية ٧ إيران ٨ الباكستان ٩ الهند ١٠ الصين ١١ أفغانستان ١٢ العراق ١٣ سورية ١٤ تركيا ١٥ البحر الأسود ١٦ بحر قزوين ١٧ توركمنستان ١٨ أوزباكستان ١٩ طاجاكستان ٢٠ كورغستان ٢١ كازاخستان ٢٢ روسيا.

أن التحدي الممكن للسيادة الأميركية الذي تشكله الأصولية الإسلامية يمكن أن يكون جزءًا من المشكلة في هذه المنطقة غير المستقرة.

وهكذا تستطيع الأصولية الإسلامية باستغلالها العداء الديني لطريقة الحياة الأميركية والإستفادة من النزاع العربي الإٍسرائيلي أن تسقط عدة حكومات شرق أوسطية مؤيدة للغرب وتشكل خطرًا في نهاية المطاف على المصالح الإقليمية الأميركية ولا سيما في منطقة الخليج [العربي].

ومهما يكن الأمر فما لم يتوفر تماسك سياسي، ومع عدم وجود دولة إسلامية واحدة قوية فعلا، فإن التحدي الذي تشكله الأصولية الإسلامية سوف يفتقر إلى لب أو قلب جيوبوليتي وبالتالي سوف يزيد إحتمال تعبيره عن ذاته عبر نشر الإرهاب.

نجمت القضية الجيواستراتيجية ذات الأهمية الحرجة من ظهور الصين كقوة رئيسية، فالنتيجة الأكثر إثارة سوف تأتي من إختيار الصين، بعد تحولها إلى النظام الديمقراطي والسوق الحرة ، الدخول إلى إطار تعاون إقليمي آسيوي أكبر.

ولكن لنفترض أن الصين لم تتحول إلى دولة ديمقراطية واستمرت في المقابل في النمو في القوة الاقتصادية والعسكرية يمكن عندئذ أن تظهر (الصين العظمى) مهما كانت رغبات وحسابات جيرانها.

وإن أي جهد يهدف إلى منع حدوث ذلك يستطيع أن يؤدي إلى نزاع حاد مع الصين وإن مثل هذا النزاع يمكنه أن يخلق التوتر في العلاقات الأميركية اليابانية لأن أحدًا لا يمكنه التأكيد أن اليابان سوف تريد أن تسير على خطا أميركا في احتواء الصين وبالتالي يمكن لذلك أن يترك تأثيرات ثورية غالبًا على تحديد طوكيو لدور اليابان الإقليمي وربما يؤدي ذلك أيضًا إلى إنهاء الوجود الأميركي في
الشرق الأقصى.

ومهما يكن الأمر فإن للتكيف مع الصين واستيعابها ثمنًا أيضًا، فقبول الصين بوصفها قوة إقليمية ليس مسألة تتعلق بمجرد تطبيق شعار ما ولا بد أن يكون ثمة خلفية لمثل هذا البروز الإقليمي.

ولكي نعبر عن هذا الموضوع بشكل مباشر يجب أن نعرف مدى ما تقبل به أميركا من تنامي نفوذ الصين وأين يتم هذا التنامي، وذلك كجزء من سياسة إدخال الصين على نحو ناجح إلى الشؤون العالمية.

والسؤال الآخر هنا هو ما هي المناطق الموجودة خارج نصف قطر الاهتمامات السياسية للصين الآن والتي يمكن أن تنضم أو تسلم إلى الإمبراطورية الصينية التي تبرز إلى الوجود ثانية ؟


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 20, 2016 3:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

الفصل الثالث : رأس الجسر الديمقراطي.

أن أوروبا هي حليف طبيعي لأميركا. وهي تشاطرها نفس القيم، وتشتركان معًا بصورة رئيسية في نفس الإرث الديني، وتمارسان نفس السياسات الديمقراطية، وهي، أي، أوروبا مسقط
رأس الأغلبية العظمى من الأميركيين.

وإذ تسعى أوروبا حاليًا إلى دمج دولها المستقلة (التي كانت كل منها تشكل دولة/ أمة) في اتحاد اقتصادي متخطٍ للحدود و في نهاية المطاف إلى اتحاد سياسي، فهي إنما تحدد أيضًا الطريق إلى أشكال أكبر من التنظيمات ما بعد القومية والخارجة عن الرؤى الضيقة والنزعات أو الأهواء المدمرة لعصر القومية.

وهي تشكل الآن فعلا المنطقة الأكثر تنظيمًا في العالم على أساس تعدد الأطراف. وسوف يشكل النجاح في توحيدها السياسي كيانًا واحدًا يضم نحو ٤٠٠ مليون إنسان يعيشون تحت سقف ديمقراطي، ويتمتعون بمستوى معيشة مماثل للمستوى الموجود في الولايات المتحدة .وإن أوروبا الجديدة هذه ستكون حتمًا قوة (دولة) عالمية.

تعمل أوروبا أيضا بوصفها نقطة انطلاق للتوسع إلى عمق أوراسيا. فتوسعها نحو الشرق يدعم الاقتصاد الديمقراطي لأعوام التسعينات.

وهي سوف تضاهي في المستويين السياسي والاقتصادي البعد الحضاري الأساسي لأوروبا السابقة أو ما كان يعرف بأوروبا البطرسية (نسبة إلى بطرس الرسول) حسبما كانت قد عرفت وفق الإرث الديني القديم والمشترك لأوروبا والذي اشتق من المسيحية ذات الطقوس الغربية.

كانت أوروبا هذه قد وجدت في زمن ما يعود قبل عصر القوميات.

وحتى قبل التقسيم الحديث لاوروبا إلى نصفين محكومين أو مسيطر عليهما من قبل الأمريكيين والسوفييت.

وان أوروبا هذه سوف تمارس جذيا مغناطيسيا على الدول الموجودة في الشرق الأبعد وتبني شبكة من الارتباطات بأوكرانيا، وبيلاروسيا، وروسيا، حيث تعتمد فيها مبادئ ديمقراطية مشتركة.

وفي نهاية المطاف يمكن لأوروبا هذه أن تصبح أحد الأعمدة الحيوية لبنية أمن وتعاون أوراسية أكبر وبرعاية أميركية .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 20, 2016 4:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

ولكن، وقبل كل شيء فإن أوروبا هي رأس جسر جيوبوليتي رئيسي لأمريكا في القارة الاوراسية، وإن الرهان الجيواستراتيجي لأميركا هو كبير جدًا.

وخلافًا لارتباطات أميركا باليابان فإن الحلف الأطلسي يعمق النفوذ السياسي والقوة العسكرية الأميركيين بشكل مباشر في البر الاوراسي.

وفي هذه المرحلة من العلاقات الأميركية الأوروبية حيث لا تزال الدول الأوروبية الحليفية تعتمد إلى حد كبير على الحماية الأمنية الأميركية فإن أي توسع في مساحة أوروبا يصبح أوتوماتيكيًا توسعًا في حجم النفوذ الأميركي المباشر أيضًا.

وفي المقابل فبدون ارتباطات وثيقة عبر الأطلسي سرعان ما تتلاشى السيادة الأميركية في اوراسيا وبالتالي فإن السيطرة الأميركية على المحيط الأطلسي وقدرتها على نقل النفوذ والقوة إلى أماكن أعمق في اوراسيا سوف يحد منهما على نحو حاد.

ومهما يكن الأمر فإن المشكلة هي أمة لا توجد فعلا.

"فأوروبا "كهذه هي رؤية، أو مفهوم، أو هدف، ولكنها لم تصبح حقيقية أو واقعًا حتى الآن.

إن أوروبا الغربية هي سوق مشتركة فعلا ولكنها لا تزال بعيدة عن كونها كيانًا سياسيًا واحدًا. ولا بد أن تتشكل أوروبا السياسية وتظهر إلى الوجود، وقد قدمت الأزمة في البوسنة برهانا مؤلما على الغياب الدائم لأوروبا، إذ كانت لا تزال ثمة حاجة إلى تقديم براهين في هذا السياق، وإن الحقيقة المرة هي أن أوروبا الغربية، وأوروبا الوسطى بدرجة أكبر أيضًا لا تزالان محميتين أميركيتين إلى حد كبير، علمًا أن الدول الحليفة فيهما تذكرنا بالاقطاعات والبلدان القديمة التي كانت تدفع الجزية إلى الفاتحين، وذلك ليس بالأمر الصحيح سواء بالنسبة إلى أمريكا أو إلى الدول الأوروبية.

فالأمور تزداد سوءًا بالتراجع الأكثر انتشارًا في الحيوية الداخلية لأوروبا. فهنا نجد أن شرعية كل النظام الاجتماعي الاقتصادي الراهن وحتى الاحساس السائد من الهوية الأوروبية تبدو غير منيعة، ويمكن للمرء أن يكتشف في عدد من الدول الأوروبية وجود أزمة ثقة وفقدانًا للحركة الخلاقة إضافة إلى الوضع الداخلي الذي يتسم بالانعزالية والهروبية من المآزق الكبرى للعام، وليس واضحًا ما إذا كان معظم الأوروبيين يريدون أن تكون أوروبا قوة (دولة) كبرى، أو ما إذا كانوا مستعدين لأن يفعلوا ما تحتاج إليه هذه القارة لكي تصبح قوة (دولة) كبرى.

فحتى من بقي من الأوروبيين المعادين للسيطرة الأميركية والذين هم ضعفاء الآن، يثيرون السخرية
والتشاؤم لأنهم اكتشفوا "الهيمنة" الأميركية فعلا ولكنهم يرتاحون في الالتجاء إليها.

كانت القوة المحركة السياسية لتوحيد أوروبا تدفع في يوم ما بثلاثة حوافز هي "ذكريات الحربين العالميتين المدمرتين، والرغبة في استعادة الاقتصاد المزدهر، وعدم الأمن الناجم عن الخطر السوفييتي.

ومهما يكن الأمر، فقد بدأت هذه الحوافز الثلاثة تتلاشى في منتصف أعوام التسعينات، فاستعادة الاقتصاد المزدهر تحققت إلى حد كبير. وفي المقابل فإن المشكلة التي تواجهها أوروبا على نحو متنام هي المتعلقة بنظام الضمان الجماعي الذي يشكل عبئًا متزايدًا ويستنزف حيويتها الاقتصادية، بينما نجد أن المقاومة الانفعالية لأي إصلاح على حساب المصالح الخاصة توجه الاهتمام السياسي الأوروبي إلى الداخل وقد اختفى الخطر السوفيتي، بينما لم تترجم رغبة بعض الأوروبيين في الاستقلال عن الوصاية أو النفوذ الأميركي إلى حافز ملزم لتوحيد القارة.

ولكن القضية الأوروبية كانت ولا تزال تقوى بالقوة الدافعة البيروقراطية التي ولدتها الآلية المؤسساتية الكبيرة التي خلقتها بدورها السوق الأوروبية وخليفتها الاتحاد الأوروبي.

ولا تزال فكرة الوحدة تتمتع بدعم شعبي كبير وإن كانت تميل إلى الفتور، وتفتقر إلى الحماس والإحساس بضرورة العمل من أجلها.

وعمومًا فإن أوروبا الغربية الحالية تنقل انطباعًا عن أنها تضم مجموعة مجتمعات مضطربة وتفتقر إلى التركيز ومرتاحة بالرغم من الإحساس بالقلق اجتماعيًا ناهيك بكونها لا تشترك في أي رؤية أكثر اتساعًا، وهكذا فإن الوحدة الأوروبية هي إجراء أو عملية ما (على غرار عملية السلام) وليست قضية بحد ذاتها.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 20, 2016 4:32 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14352
مكان: مصـــــر المحروسة

ومع ذلك فثمة نخبتان سياسيتان حاكمتان في دولتين أوروبيتين بارزتين، هما فرنسا وألمانيا بقيتا ملتزمتين إلى حد كبير بهدف تشكيل وتحديد دولة أوروبية ستكون أوروبا بحق وحقيق.

وبالتالي فهما، أي فرنسا وألمانيا، مهندستان رئيسيتان لأوروبا، وإذ تعملان معًا فإنهما تبنيان أوروبا الجديرة بماضيها وبقدرتها، ولكن كل دولة منهما تلتزم برؤية وتصميم مختلفين إلى حد ما وليست أي واحدة منهما قوية بما فيه الكفاية لكي تصبح صاحبة الكلمة الأولى في هذا المجال.

إن هذا الشرط يخلق للولايات المتحدة فرصة خاصة لتدخل الحاسم فهي ترى ضرورة الانخراط في العمل المؤدي إلى وحدة أوروبا، وإلا فإن عملية التوحيد يمكن أن تتوقف ثم تتراجع تدريجيًا.

ولكن أي انخراط أميركي فعال في بناء أوروبا لابد أن يقاد مع وضوح في التفكير الأميركي في ما يتعلق بنوع الدولة الأوروبية التي تفضلها أميركا وتكون مستعدة لدعمها، فهل تريدها أن تكون شريكًا مساويًا لها أم مجرد حليف صغير، وكذلك في ما يتعلق ويتطلب الأمر .( NATO) وحلف الأطلسي (EU) بالحجم الفعلي لكل من الاتحاد الأوربي.

أيضًا التعامل بدقة مع المهندسين الرئيسيين في أوروبا (ذكر سابقًا).


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 39 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 25 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط