موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 30 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 19, 2016 11:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم الخامس عشر:-


غزوة ذات الرقاع:-

سببها:-

أقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهر ربيع الآخر وبعض جمادى ، ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان، وكان السبب فيها ما سمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تجمع بني محارب وبني ثعلبة لحربه صلى الله عليه وآله وسلم وسار صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزل نخلا ونخل من منازل بني ثعلبة بنجد على يومين من المدينة.واستعمل على المدينة سيدنا أبا ذر الغفاري ، ويقال: سيدنا عثمان ابن عفان رضي الله عنهما.

سبب تسميتها بذات الرقاع:-

قيل لأن المسلمين رقعوا فيها راياتهم، ويقال: ذات الرقاع: شجرة بذلك الموضع، يقال لها: ذات الرقاع , وقيل لأنهم نزلوا بجبل يقال له ذات الرقاع.

وقيل أيضا:إنما قيل لها ذلك، لأن الحجارة أوهنت أقدامهم، فشدوا رقاعا، فقيل لها: ذات الرقاع».

وقال السهيلي بعد ما عرض رأى ابن هشام «وذكر غيره أنها أرض فيها بقع سود، وبقع بيض، كلها مرقعة برقاع مختلفة، قد سميت ذات الرقاع لذلك، وكانوا قد نزلوا فيها في تلك الغزاة، وأصح هذه الأقوال كلها ما رواه البخاري من طريق أبى موسى الأشعري، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، ونحن ستة بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي وسقطت أظفارى، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع، لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا» .

وقال الزرقانى في شرح المواهب بعد ما ساق كلاما لا يخرج عن هذا: «وهي غزوة محارب، وغزوة بنى ثعلبة، وغزوة بنى أنمار، وغزوة صلاة الخوف، لوقوعها بها، وغزوة الأعاجيب. لما وقع فيها من الأمور العجيبة» .

ولقي النبي صلى الله عليه وسلم جمعا عظيما من غطفان، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم حرب، وقد خاف الناس بعضهم بعضا، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف، ثم انصرف بالناس.

وفي هذه الغزوة أتى رجل من بني محارب بن خصفة يقال له: غورث ، قال لقومه من غطفان ومحارب:ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا: بلى، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به. قال: فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فقال: يا محمد، أنظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم- وكان محلى بفضة، فيما قال ابن هشام- قال: فأخذه فاستله، ثم جعل يهزه، ويهم فيكبته الله ، ثم قال: يا محمد، أما تخافني؟ قال: لا، وما أخاف منك؟
قال: أما تخافني وفي يدي السيف؟ قال: لا، يمنعني الله منك.
ثم عمد إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرده عليه.
فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم، فكف أيديهم عنكم، واتقوا الله، وعلى الله فليتوكل المؤمنون".

وقيل نزلت هذه الآية فيما أراد بنو النضير أن يفعلوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من رمى الحجر عليه وهو جالس إلى حائط حصنهم.

سيدنا جابر وقصته هو وجمله مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :-

قال ابن إسحاق: وحدثني وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله، قال:خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل، على جمل لي ضعيف، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: جعلت الرفاق تمضي، وجعلت أتخلف، حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:مالك يا جابر؟ قال: قلت: يا رسول الله، أبطأ بي جملي هذا، قال: أنخه، قال:فأنخته، وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أعطني هذه العصا من يدك، أو اقطع لي عصا من شجرة، قال: ففعلت. قال: فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخسه بها نخسات، ثم قال: اركب، فركبت، فخرج، والذي بعثه بالحق، يواهق ناقته مواهقة-أي يعارضها في المثنى لسرعته- ثم قال له: "أتبيعنيه؟ " فابتاعه منه، وقال: "لك ظهره إلى المدينة". فلما وصل إلى المدينة أعطاه الثمن، ووهب له الجمل، لم يأخذه منه.

ساداتنا ابن ياسر وابن بشر، وقيامهما على حراسة جيش الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وما أصيبا به :-

قال ابن إسحاق: وحدثني عمي صدقة بن يسار، عن عقيل بن جابر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع من نخل، فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا، أتى زوجها وكان غائبا، فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دما، فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا، فقال: من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه ؟ قال: فانتدب رجل من المهاجرين، ورجل آخر من الأنصار، فقالا: نحن يا رسول الله، قال: فكونا بفم الشعب. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي، وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر، فيما قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب، قال الأنصاري للمهاجري أي الليل تحب أن أكفيكه: أوله أم آخره؟ قال: بل اكفني أوله، قال: فاضطجع المهاجري فنام، وقام الأنصاري يصلي، قال: وأتى الرجل، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم أي طليعتهم.

قال: فرمى بسهم، فوضعه فيه، قال: فنزعه ووضعه، فثبت قائما، قال: ثم رماه بسهم آخر فوضعه فيه, قال:فنزعه فوضعه، وثبت قائما، ثم عاد له بالثالث، فوضعه فيه، قال: فنزعه فوضعه ثم ركع وسجد، ثم أهب صاحبه فقال: اجلس فقد أثبت أي جرحت، قال: فوثب فلما رآهما الرجل عرف أن قد نذرا به أي علما به، فهرب.

قال: ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله! أفلا أهببتني أول ما رماك؟ قال:كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفدها، فلما تابع علي الرمي ركعت فأذنتك، وأيم الله، لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفدها.

ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة الرقاع، أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبا.

وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يونيو 21, 2016 7:35 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم السادس عشر:-

غزوة بدر الثالثة:-

سببها:-

أن أبا سفيان يوم أحد قد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: موعدنا معكم بدر في العام المقبل. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يجيبه بنعم, وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد منصرفه من ذات الرقاع بالمدينة بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبا. ثم خرج في شعبان من السنة الرابعة للميعاد المذكور، واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول, ثم نهض حتى أتى بدرا، فأقام هناك ثمان ليال.

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده، فأتاه مخشي بن عمرو الضمري، وهو الذي كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان، فقال: يا محمد، أجئت للقاء قريش على هذا الماء؟ قال: نعم، يا أخا بني ضمرة، وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك، ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك، قال: لا والله يا محمد، ما لنا بذلك منك من حاجة.

وأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثماني ليال ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة، من ناحية الظهران، وبعض الناس يقول: قد بلغ عسفان، ثم بدا له في الرجوع، فقال: يا معشر قريش، إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب،إني راجع، فارجعوا، فرجع الناس,فسماهم أهل مكة جيش السويق، يقولون:إنما خرجتم تشربون السويق.

وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يونيو 22, 2016 5:58 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم السابع عشر:-

غزوة دومة الجندل:-
سببها:-

أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بها جمعا كثيرا يظلمون من يمر بهم وأنهم يريدون غزو المدينة.

موعدها:-

لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد غزوة بدر الثالثة أقام بها إلى أن انسلخ ذو الحجة من السنة الرابعة من الهجرة، ثم غزا صلى الله عليه وآله وسلم دومة الجندل في ربيع الأول سنة خمس من الهجرة واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة.

ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يصل إليها، ولم يلق كيدا، فأقام بالمدينة بقية سنته ,وقيل أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل بساحتهم وأنهم حين علموا بقدومه تفرقوا في كل وجه .




وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 23, 2016 2:18 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم الثامن عشر:-


غزوة الخندق وتسمى أيضاً غزوة الأحزاب:-

سببها:-

كانت غزوة الخندق في شوال من السنة الخامسة، وكان سببها أن نفرا من اليهود، منهم كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وسلام بن مشكم، وحيي بن أخطب النضريون، وهوذة بن قيس وأبو عمار من بني وائل -وهم كلهم يهود، وهم الذين حزبوا الأحزاب وألبوا وجمعوا- خرجوا في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل، فأتوا مكة، فدعوا قريشا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك، فأجابهم أهل مكة إلى ذلك. ثم خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم.

فخرجت قريش يقودهم أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري على فزارة والحارث بن عوف المري على بني مرة ومسعود بن رخيلة على أشجع. فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم وخروجهم إليه شاور أصحابه، فأشار عليه سلمان بحفر الخندق، فرضي رأيه. وقال المهاجرون يومئذ: سلمان منا، وقالت الأنصار: سلمان منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلمان منا أهل البيت" .

وعمل المسلمون في الخندق مجتهدين، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة، من الحاجة التي لا بد له منها، يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستأذنه في اللحوق بحاجته، فيأذن له، فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله، رغبة في الخير، واحتسابا له.

فأنزل الله فيهم قوله تعالى" إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه، إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم، واستغفر لهم الله، إن الله غفور رحيم"

ونكص المنافقون، وجعلوا يتسللون لواذا, فنزل فيهم قوله تعالى" لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة، أو يصيبهم عذاب أليم ".

وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره فأعانه حتى كمل الخندق.


ما ظهر من معجزات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الغزوة:

وكان فيه آيات بينات وعلامات للنبوات مذكورات عند أهل السير والآثار، ومنها أن كدية اعتاصت على المسلمين – والكدية هي الحجر الضخم الصلد-، فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، فضربها بالفأس ضربة طار منها الشرار وقطع منها الثلث، وقال: "الله أكبر فتح قيصر، والله إني لأرى القصور الحمر", ثم ضرب الثانية فقطع منها الثلث الثاني، وقال: "الله أكبر فتح كسرى، والله إني لأرى القصور البيض", ثم ضرب الثالثة فقطع الثلث الباقي، وقال: "الله أكبر فتح اليمن، والله إني لأرى باب صنعاء" وكأنما سلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه في ذلك اليوم مفاتيح تلك البلدان.

قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة أنه كان يقول، حين فتحت هذه الأمصار في زمان عمر وزمان عثمان وما بعده: افتتحوا ما بدا لكم، فو الذي نفس أبي هريرة بيده، ما افتتحتم من مدينة ولا تفتتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله سبحانه محمدا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك.
وقد نصر الله عبده وصدق وعده، والحمد لله رب العالمين.

البركة في تمر ابنة بشير

قال ابن إسحاق: وحدثني سعيد بن مينا أنه حدث: أن ابنة لبشير بن سعد، أخت النعمان بن بشير، قالت: دعتني أمي عمرة بنت رواحة، فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت: أي بنية، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما، قالت: فأخذتها، فانطلقت بها، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألتمس أبي وخالي، فقال: تعالي يا بنية، ما هذا معك؟ قالت: فقلت: يا رسول الله، هذا تمر، بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه، قال: هاتيه، قالت: فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ملأتهما، ثم أمر بثوب فبسط له، ثم دحا بالتمر عليه، فتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: اصرخ في أهل الخندق: أن هلم إلى الغداء. فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد، حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب.

البركة في طعام جابر

قال ابن إسحاق: وحدثني سعيد بن مينا، عن جابر بن عبد الله، قال: عملنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق، فكانت عندي شويهة، غير جد سمينة -أي شاه صغيرة غير كاملة السمن -, قال: فقلت: والله لو صنعناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأمرت امرأتي، فطحنت لنا شيئا من شعير، فصنعت لنا منه خبزا، وذبحت تلك الشاة، فشويناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فلما أمسينا وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف عن الخندق- قال: وكنا نعمل فيه نهارنا، فإذا أمسينا رجعنا إلى أهالينا- قال: قلت: يا رسول الله، إني قد صنعت لك شويهة كانت عندنا، وصنعنا معها شيئا من خبز هذا الشعير، فأحب أن تنصرف معي إلى منزلي، وإنما أريد أن ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده.
قال: فلما أن قلت له ذلك، قال: نعم، ثم أمر صارخا فصرخ: أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر بن عبد الله، قال: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون! قال: فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل الناس معه، قال: فجلس وأخرجناها إليه. قال: فبرك وسمى الله ، ثم أكل، وتواردها الناس، كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس، حتى صدر أهل الخندق عنها.

فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلت قريش في نحو عشرة آلاف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة. وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى نزلوا -بظهر سلع في ثلاثة آلاف، وضربوا عسكرهم، والخندق بينهم وبين المشركين, واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.

وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي وكان صاحب عقد بني قريظة ورئيسهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاقده وعاهده, فلما سمع كعب بن أسد بحيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه، وأبى أن يفتح له، فقال له: افتح لي يا كعب بن أسد، فقال: لا أفتح لك فإنك رجل مشئوم تدعوني إلى خلاف محمد وأنا عاقدته وعاهدته ولم أر فيه إلا وفاء وصدقا، فلست بناقض ما بيني وبينه. فقال حيي: افتح لي حتى أكلمك فأنصرف عنك، قال: لا أفعل، قال: إنما تخاف أن آكل معك جشيشتك, فغضب كعب وفتح له، فقال: هل إنما جئتك بعز الدهر، جئتك بقريش وسادتها وغطفان وقادتها قد تعاقدوا على أن يستأصلوا محمدا ومن معه.

فقال له كعب: جئتني والله بذل الدهر وبجهام – أي السحاب غير الممطر- لا غيث فيه، ويحك يا حيي! دعني فلست بفاعل ما تدعوني إليه. فلم يزل حيي بكعب يعده ويغره، حتى رجع إليه وعاهده على خذلان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن يصير معهم.

وقال له حيي بن أخطب: إن انصرفت قريش وغطفان دخلت عندك بمن معي من يهود.

فلما انتهى خبر كعب وحيي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بعث سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وسيد الأوس سعد بن معاذ وبعث معهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير رضي الله عنهم أجمعين، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انطلقوا إلى بني قريظة فإن كان ما قيل لنا حقا فالحنوا لنا لحنا نعرفه -أي تكلموا بكلام يفهم منه الغرض ولا يفهمه غيرنا-، ولا تفتوا في أعضاد المسلمين، وإن كان كذبا فاجهروا به للناس" ,فانطلقوا حتى أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما قيل لهم عنهم، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقالوا: لا عهد له عندنا. فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه ، فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فالذي بيننا وبينهم أكبر من المشاتمة, ثم أقبل سعد وسعد حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة من المسلمين، فقالا: عضل والقارة, يعرضان بغدر عضل والقارة بأصحاب بعث الرجيع: خبيب وأصحابه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشروا يا معشر المسلمين".

وعظم عند ذلك البلاء ,وأتى المسلمين عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظنوا بالله الظنون، وأظهر المنافقون كثيرا مما كانوا يسرون، فمنهم من قال: إن بيوتنا عورة فلننصرف إليها، فإنا نخاف عليها، وممن قال ذلك أوس بن قيظي.

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصا.

فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اشتد على المسلمين البلاء بعث إلى عيينة بن حصن الفزاري وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة لينصرفا بمن معهما من غطفان وأهل نجد ويرجع بقومهما عنهم. وكانت هذا المقالة مراوضة ولم تكن عقدا, فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما قد أنابا ورضيا أتى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما واستشارهما، فقالا: يا رسول الله هذا أمر تحبه فنصنعه لك، أو شيء أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أو أمر تصنعه لنا؟ قال: "بل أمر أصنعه لكم، والله ما أصنعه إلا لأنني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة". فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، والله لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وما طمعوا قط بأن ينالوا منا ثمرة إلا بشراء أو قرى، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم, فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وقال لهم: "أنتم وذاك". وقال لعيينة والحارث: "انصرفا، فليس لكم عندنا إلا السيف", وتناول الصحيفة وليس فيها شهادة فمحاها.

فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون على حالهم والمشركون يحاصرونهم ولا قتال منهم إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود العامري من بني عامر بن لؤي، وعكرمة بن أبي جهل، وهبيرة بن أبي وهب، وضرار بن الخطاب الفهري وكانوا فرسان قريش وشجعانهم أقبلوا حتى وقفوا على الخندق, فلما رأوه قالوا: إن هذه المكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فضربوا خيلهم فاقتحمت منه وصاروا بين الخندق وبين سلع.

وخرج سيدنا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين، حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها، وأقبلت الفرسان نحوهم, وكان عمرو بن عبد ود قد أثبتته الجراح يوم بدر، فلم يشهد أحدا وأراد يوم الخندق أن يرى مكانه, فلما وقف هو وخيله نادى: هل من مبارز؟ فبرز له سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال له: يا عمرو إنك عاهدت الله فيما بلغنا عنك أنك لا تدعى إلى إحدى خلتين إلا أخذت إحداهما، قال: نعم، وقال: إني أدعوك لله عز وجل والإسلام، قال: لا حاجة لي بذلك, قال: وأدعوك إلى البراز، قال: يا بن أخي والله ما أحب أن أقتلك لما كان بيني وبين أبيك، فقال له سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه: أنا والله أحب أن أقتلك. فحمي عمرو بن عبد ود العامري ونزل عن فرسه، وسار نحو سيدنا علي رضي الله عنه ، فتنازلا وتجاولا، وثار الغبار بينهما حتى حال دونهما، فما انجلى الغبار حتى رؤي سيدنا علي رضي الله عنه على صدر عمرو يقطع رأسه, فلما رأى أصحابه أنه قد قتله سيدنا علي اقتحموا بخيلهم الثغرة منهزمين هاربين، وقال سيدنا علي رضي الله عنه في ذلك:

نصر الحجارة من سفاهة رأيه ... ونصرت دين محمد بضراب
لا تحسبن الله خاذل دينه ... ونبيه يا معشر الأحزاب
نازلته وتركته متجدلا ... كالجذع بين دكادك وروابي

ورُمي يومئذ سيدنا سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل وهو وريد في الذراع ، رماه حبان بن قيس بن العرقة أحد بني عامر بن لؤي. فلما أصابه قال له: خذها إليك وأنا ابن العرقة، فقال له سعد: عرق الله وجهك في النار، وقيل: بل الذي رماه أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم.

إشكالية مردودة:-

يذكر بعض أهل السير أن هناك حادثة حدثت يوم الخندق خاصة بسيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه وهي : أن السيدة صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنهاكانت تنزل معه في حصنه أثناء حرب الخندق ولاحظت أن يهوديا يطيف به, فطلبت إلى سيدنا حسان رضي الله عنه أن ينزل إليه فيقتله، فقال لها: والله ما أنا بصاحب هذا، فأخذت هي عمودا ونزلت إلى الرجل وقتلته، ثم صعدت إلى سيدنا حسان رضي الله عنه، وقالت له: انزل فخذ سلبه.

ومن يقرأ هذا يرى وكأن سيدنا حسان والعياذ بالله وأستغفر الله من هذا القول كان جباناً وحاشاه من ذلك رضي الله عنه وأرضاه .

وعلى هذه الإشكالية يرد الإمام السهيلي فيقول: ((ومجمل هذا الحديث عند الناس على أن حسان كان جبانا شديد الجبن, وقد دفع هذا بعض العلماء وأنكره، وذلك أنه حديث منقطع الإسناد، وقال: لو صح هذا لهجي به حسان، فإنه كان يهاجى الشعراء كضرار وابن الزبعري وغيرهما، وكانوا يناقضونه ويردون عليه، فما عيره أحد منهم بجبن، ولا وسمه به، فدل هذا على ضعف حديث ابن إسحاق، وإن صح فلعل حسان أن يكون معتلا في ذلك اليوم بعلة منعته من شهود القتال، وهذا أولى ما تأول عليه. وممن أنكر أن يكون هذا صحيحا أبو عمر رحمه الله في كتاب الدرر له))أهـ.

وعقب على هذا الحديث أبو ذر أيضا بما لا يخرج عما ذكره السهيلي.

ويقوي ذلك كله أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينصب له منبراً بالمسجد ويقول : قل وروح القدس يؤيدك . وما يقال ذلك لجبان.

فكان لابد من توضيح هذه الإشكالية وأكتفي بكلام الإمام السهيلي رحمه الله فيها ففيه الكفايه والعناية.


شأن نعيم في تخذيل المشركين عن المسلمين

وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي، فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت، ولم يعلم قومي بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنت رجل واحد من غطفان، فخذل عنا إن استطعت- وخذل عنا أي أدخل بين القوم حتى يخذل بعضهم بعضا - فإن الحرب خدعة".



فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان ينادمهم في الجاهلية فقال: يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: قل، لست عندنا بمتهم، فقال لهم: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، وفيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه، فإن رأوا نهزة أصابوا وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل، ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا.

ثم خرج حتى أتى قريشا، فقال لهم: قد عرفتم ودي لكم معشر قريش وفراقي محمدا وقد بلغني أمر أرى من الحق أن أبلغكموه نصحا لكم، فاكتموا علي، قالوا: نفعل. قال: أتعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما كان من خلافهم محمدا وأرسلوا إليه إنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان رهنا رجالا ونسلمهم إليكم لتضربوا أعناقهم، ثم نكون معكم على من بقي منهم حتى تستأصلهم. ثم أتى غطفان، فقال مثل ذلك. فلما كانت ليلة السبت وكان ذلك من صنع الله عز وجل لرسوله وللمؤمنين أرسل أبو سفيان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يقول لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر فاغدوا صبيحة غد للقتال حتى نفاجيء محمدا. فأرسلوا إليهم إن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما نال من تعدى في السبت، ومع ذلك فلا نقاتل معكم أحدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا.

فلما رجع الرسول بذاك قالوا: صدقنا والله نعيم بن مسعود. فردوا إليهم الرسل، وقالوا: والله لا نعطيكم رهنا أبدا، فاخرجوا معنا إن شئتم، وإلا فلا عهد بيننا وبينكم، فقال بنو قريظة: صدق والله نعيم بن مسعود. وخذل بينهم واختلفت كلمتهم وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال شديدة البرد، فجعلت الريح تقلب أبنيتهم، وتكفأ قدورهم.

فلما اتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاف أمرهم بعث حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم، فأتاهم واستتر في غمارهم، وسمع أبا سفيان يقول: يا معشر قريش ليتعرف كل امريء منكم جليسه. قال حذيفة: فأخذت بيد جليسي وقلت: من أنت؟ فقال: أنا فلان. ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة ولقينا من هذه الريح ما ترون، ما يستمسك لنا بناء ولا تثبت لنا قدر ولا تقوم لنا نار، فارتحلوا، فإني مرتحل. ووثب على جمله.

قال حذيفة: ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إذ بعثني، وقال لي: "مر إلى القوم فاعلم ما هم عليه ولا تحدث شيئا" -لقتلته بسهم. ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رحيلهم فوجدته قائما يصلي، فأخبرته، فحمد الله.

ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب الأحزاب رجع إلى المدينة ووضع المسلمون سلاحهم، فأتاه جبريل عليه السلام في صورة دحية بن خليفة الكلبي على بغلة عليه قطيفة ديباج فقال له: يا محمد إن كنتم قد وضعتم سلاحكم فما وضعت الملائكة سلاحها، إن الله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة وإني متقدم إليهم فمزلزل بهم.

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي في الناس: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة". وكان سعد بن معاذ إذ أصابه السهم دعا ربه، فقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.


وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يونيو 24, 2016 3:38 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم التاسع عشر:-


غزوة بني قريظة:-

لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخندق راجعا إلى المدينة ومعه المسلمون، ووضعوا السلاح, وكان ذلك صباح يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة في سنة خمس من الهجرة , فلما كان الظهر، أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أوقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: نعم، فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة، فإني عامد إليهم فمزلزل بهم.

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا، فأذن في الناس: من كان سامعا مطيعا، فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة, واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.

وَقَدَّم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه برايته إلى بني قريظة، وابتدرها الناس, فسار سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق، فقال: يا رسول الله، لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث، قال: لم؟ أظنك سمعت منهم لي أذى؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا. فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم. قال: يا إخوان القردة، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ قالوا: ما كنت جاهلا يا محمد فلا تجهل علينا.


ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب.

وعرض عليهم سيدهم كعب بن أسد ثلاث خصال ليختاروا أيها شاءوا: إما أن يسلموا ويتبعوا محمدا على ما جاء به فيسلموا، قال: وتحرزوا أموالكم ونساءكم وأبناءكم فوالله إنكم لتعلمون أنه الذي تجدونه في كتابكم. وإما أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ثم يتقدموا فيقاتلوا حتى يموتوا عن آخرهم. وإما أن يبيتوا المسلمين ليلة السبت في حين طمأنينتهم فيقتلوهم قتلا، فقالوا له: أما الإسلام فلا نسلم ولا نخالف حكم التوراة، وأما قتل أبنائنا ونسائنا فما جزاؤهم المساكين منا أن نقتلهم، ونحن لا نتعدى في السبت.

ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر، أخا بني عمرو بن عوف، وكانوا حلفاء الأوس،لنستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم، وقالوا له: يا أبا لبابة! أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنه الذبح , وكأن أبا لبابة فهم ذلك من عدم إجابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهم بحقن دمائهم، وعرف أن الرسول سيذبحهم إن نزلوا على حكمه، وبهذا أشار لبني قريظة, وذلك أنهم لما حوصروا حتى أيقنوا بالهلكة، أنزلوا شأس بن قيس فكلمه صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على ما نزل بنو النضير من ترك الأموال والسلاح والخروج بالنساء والذراري وما حملت الإبل إلا السلاح، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: تحقن دماءنا وتسلم لنا النساء والذرية ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل، فأبى صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكمه، وعاد شأس إليهم بذلك .


قال أبو لبابة: فول الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده. وقال:لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت، وعاهد الله: أن لا أطأ بني قريظة أبدا، ولا أُرَى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا, فكانت امرأته تحله لوقت كل صلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع .

وأنزل الله تعالى في أبي لبابة، فيما قال سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي قتادة:" يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون".

فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، وكان قد استبطأه، قال: أما إنه لو جاءني لاستغفرت له، فأما إذ قد فعل ما فعل، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه.

ونزلت توبة أبى لبابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر ، وهو في بيت أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها, فقالت السيدة أم سلمة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك. قالت: فقلت: مم تضحك يا رسول الله؟ أضحك الله سنك، قال: تيب على أبي لبابة، قالت: قلت: أفلا أبشره يا رسول الله؟ قال: بلى، إن شئت, فقامت على باب حجرتها، فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك. قالت : فثار الناس إليه ليطلقوه فقال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده، فلما مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه.

وأنزل الله في توبته:" وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم" .

ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هدل، ليسوا من بني قريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك، هم بنو عم القوم، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظي، فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة، فلما رآه قال: من هذا؟ قال: أنا عمرو بن سعدى- وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لا أغدر بمحمد أبدا- فقال محمد بن مسلمة حين عرفه : اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، ثم خلى سبيله.

فخرج على وجهه حتى أتى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب فلم يدر أين توجه من الأرض إلى يومه هذا، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه، فقال: ذاك رجل نجاه الله بوفائه. وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة، حين نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصبحت رمته ملقاة، ولا يدرى أين ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تلك المقالة .

فلما أصبح بنو قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواثب الأوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله قد علمت أنهم حلفاؤنا، وقد شفعت عبد الله بن أبي بن سلول في بني قينقاع حلفاء الخزرج، فلا يكن حظنا أوكس وأنقص عندك من حظ غيرنا، فهم موالينا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ " قالوا: بلى، قال: "فذلك إلى سعد بن معاذ". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب له خيمة في المسجد، ليعوده من قريب في مرضه من جرحه الذي أصابه في الخندق. فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة أتاه قومه فاحتملوه على حمار، وقد وطئوا له بوسادة من أدم وكان رضي الله عنه جسيما جميلا.

ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاطوا به في طريقهم يقولون: يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإنما ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لتحسن إليهم، فقال لهم: قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم, فرجع بعض من معه إلى ديار بني عبد الأشهل فنعى إليهم رجال بني قريظة.

فلما أطل سعد على النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: "قوموا إلى سيدكم" فقام المسلمون، فقالوا: يا أبا عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم، فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه: أن الحكم فيهم ما حكمت؟ قالوا: نعم، قال: وعلى من هنا؟ من الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معرض عن رسول الله إجلالا له, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم" قال سعد: فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال وتسبى الذراري والنساء، وتقسم الأموال، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة" أي سبع سماوات.

سبب نزول بني قريظة على حكم سعد في رأي ابن هشام :

قال ابن هشام: حدثني بعض من أثق به من أهل العلم: أن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة: يا كتيبة الإيمان، وتقدم هو والزبير بن العوام، وقال: والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم، فقالوا: يا محمد، ننزل على حكم سعد بن معاذ.

وأمر بهم رسول الله فأخرجوا إلى موضع سوق المدينة فخندق بها خنادق، ثم أمر بهم النبي صلى الله عله وآله وسلم فضربت أعناقهم في تلك الخنادق وقتل يومئذ حيي بن أخطب وكعب بن أسد, وكانوا من الستمائة إلى السبعمائة, وقتل من نسائهم امرأة، وهي بنانة امرأة الحكم القرظي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد، فقتلته.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل كل من أنبتت ذقنه منهم وترك كل من لم ينبت: وكان عطية القرظي من جملة من لم ينبت فاستحياه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مذكور في الصحابة.

ووهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن باطا، فاستحياهم، منهم عبد الرحمن بن الزبير أسلم وله صحبة ووهب أيضا صلى الله عليه وآله وسلم رفاعة ابن سموأل القرظي لأم المنذر سلمى بنت قيس أخت سليط بن قيس من بني النجار، وكانت قد صلت القبلتين. فأسلم رفاعة، وله صحبة ورواية.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأعلم في ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال، وأخرج منها الخمس، فكان للفارس ثلاثة أسهم، للفرس سهمان ولفارسه سهم، وللراجل، من ليس له فرس، سهم. وكانت الخيل يوم بني قريظة ستة وثلاثين فرسا، وكان أول فيء وقعت فيه السهمان، وأخرج منها الخمس، فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم، ومضت السنة في المغازي.
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا.



وكان فتح بني قريظة في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة من الهجرة فلما تم أمر بني قريظة أجيبت دعوة الرجل الصالح سعد بن معاذ فانفجر جرحه، وانفتح عرقه، فجرى دمه ومات، رضي الله عنه, وهو الذي أتى الحديث فيه أنه اهتز لموته عرش الرحمن.

ولسعد يقول رجل من الأنصار:

وما اهتز عرش الله من موت هالك ... سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو

ذكر من استشهد من المسلمين يوم الخندق

ساداتنا سعد بن معاذ أبو عمرو من بني عبد الأشهل، وأنس بن عتيك، وعبد الله بن سهل وكلاهما أيضا من بني عبد الأشهل، والطفيل بن النعمان، وثعلبة بن عنمة وكلاهما من بني سلمة، وكعب بن زيد من بني دينار بن النجار أصابه سهم غرب فقتله.


ذكر من قتل من المشركين يوم الخندق

وأصيب من المشركين يوم الخندق: منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم مات منه بمكة، وقد قيل: إنما هو عثمان بن أمية بن منبه بن عبيد بن السباق، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي اقتحم الخندق فقتل فيه، وعمرو بن عبد ود قتله سيدنا علي مبارزة.

شهداء يوم قريظة

واستشهد من المسلمين يوم قريظة: خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج طرحت عليه امرأة من بني قريظة رحى فقتلته. ومات في الحصار أبو سنان بن محصن، فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقبرة بني قريظة التي يتدافن فيها المسلمون السكان بها اليوم, ولم يصب غير هذين.

ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم, فلم تغزهم قريش بعد ذلك، وكان هو الذي يغزوها، حتى فتح الله عليه مكة.

وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يونيو 25, 2016 10:45 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم العشرون:-

غزوة بني لحيان:-

وأقام رسول الله صلى الله عليه وآله سلم بالمدينة بعد فتح بني قريظة بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا وربيعا الأول وربيعا الآخر، وخرج صلى الله عليه وآله وسلم في جمادى الأول في الشهر السادس من فتح بني قريظة وهو الشهر الثالث من السنة السادسة من الهجرة، قاصدا إلى بني لحيان، مطالبا بثأر عاصم بن ثابت وخبيب بن عدي وأصحابهما المقتولين في بعث الرجيع.

وأظهر صلى الله عليه وآله وسلم أنه يريد الشام، ليصيب من القوم غفلة ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.

فسار صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزل على غران، وهي منازل بني لحيان، وغران واد بين أمج وعسفان، إلى بلد يقال له: ساية، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال,.

فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ، قال: لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة، فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم وكراع الغميم موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة، وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال، ثم كر وراح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قافلا.

وفي غزوة بني لحيان قالت الأنصار: المدينة خالية منا وقد بعدنا عنها ولا نأمن عدوا يخالفنا إليها، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن على أنقاب المدينة ملائكة، على كل نقب منها ملك يحميها بأمر الله عز وجل.


وكان جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول حين وجه راجعا: آئبون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون، أعوذ بالله من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال.


وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 26, 2016 6:02 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم الواحد والعشرون:-

غزوة ذي قَرَد:-

لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بني لحيان لم يبق بالمدينة إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن في بني عبد الله بن غطفان، فاكتسحوا إبل كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالغابة وهو موضع قرب المدينة من ناحية الشام، فيه أموال لأهل المدينة ، وكان فيها رجل من بني غفار وامرأة له، فقتلوا الغفاري، وحملوا المرأة والإبل, ويقال أن هذا الرجل الغفاري ابن لأبي ذر واسم امرأته ليلى.

وكان أول من علم بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي رضي الله عنه كان ناهضا إلى الغابة، فلما علا ثنية الوداع نظر إلى خيل الكفار وأنذر المسلمين، ثم نهض في آثارهم، فجعل يردهم بالنبل، ويقول إذا رمى: "خذها وأنا ابن الأكوع، اليوم يوم الرُّضَّعِ " أي اليوم يوم هلاك اللئام , فأبلى بلاء عظيما حتى استنقذ أكثر ما في أيديهم.

ووقعت الصيحة بالمدينة، فكان أول من جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حين الصيحة المقداد بن الأسود، ثم عباد بن بشر، وسعد بن زيد الأشهليان، وأسيد بن ظهير الأنصاري، وعكاشة بن محصن الأسدي، ومحرز بن نضلة الأسدي الأخرم، وأبو قتادة الحارث بن ربعي، وأبو عياش الزريقي واسمه عبيد بن زيد بن صامت. فلما اجتمعوا أَمَّرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم سعد بن زيد , ثم قال: اخرج في طلب القوم، حتى ألحقك في الناس .

وأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله سلم فرس أبي عياش الزريقي معاذ بن ماعص أو عائذ بن ماعص وكان أحكم للفروسية من أبي عياش.

فكان أول من لحق بهم محرز بن نضلة الأخرم فقُتل، رحمه الله- لم يقتل من المسلمين غيره- ، قتله عبد الرحمن بن عيينة بن حصن وكان على فرس لمحمود بن مسلمة أخي محمد بن مسلمة أخذه وكان صاحبه غائبا، فلما قتل رجع الفرس إلى مربطه في بني عبد الأشهل، وقيل: بل أخذ الفرس عبد الرحمن بن عيينة إذ قتل محرز بن نضلة عليه، وركبه. ثم قتل سلمة بن الأكوع عبد الرحمن بن عيينة بالرمي في خرجته تلك واسترجع الفرس.

ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة الحارث بن ربعي، أخو بني سلمة، حبيب ابن عيينة بن حصن، وغشاه برده، ثم لحق بالناس,وأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسلمين , واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.

فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسلمين فإذا حبيب مسجى ببرد أبي قتادة، فاسترجع الناس – أي قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون- وقالوا: قتل أبو قتادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ليس بأبي قتادة، ولكنه قتيل لأبي قتادة، وضع عليه برده، لتعرفوا أنه صاحبه.

وأدرك عكاشة بن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار، وهما على بعير واحد، فانتظمها بالرمح، فقتلهما جميعا، واستنقذوا بعض الإبل، وسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد، وتلاحق به الناس، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم به، وأقام عليه يوما وليلة، وقال له سلمة بن الأكوع: يا رسول الله، لو سرحتنى في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح، وأخذت بأعناق القوم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،: إنهم الآن ليغبقون في غطفان, وكان الفضل في هذه الغزوة والفعل الكريم والظهور والبلاء الحسن لسلمة بن الأكوع، وكلهم ما قصر، رضي الله عنهم وأرضاهم.

وقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا، وأقاموا عليها، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا حتى قدم المدينة.

وكان المشركون قد أخذوا ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العضباء في غارتهم تلك على سرح المدينة ونجوا بها وبتلك المرأة الغفارية الأسيرة امرأة الغفاري المقتول, فنام القوم ليلة وقامت المرأة فجعلت لا تضع شيئا على بعير إلا رغا، حتى أتت العضباء، فإذا ناقة ذلول، فركبتها ونذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها.

فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرته الخبر، فلما فرغت، قالت: يا رسول الله، إني قد نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها! إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي، فارجعي إلى أهلك على بركة الله, وأخذ ناقته صلى الله عليه وآله وسلم.

وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يونيو 27, 2016 5:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم الثاني والعشرون:-


غزوة بني المصطلق وتسمى أيضاً بغروة المريسيع:-

وقتها:-

قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا، ثم غزا بني المصطلق من خزاعة، في شعبان سنة ست .

واستعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة أبا ذر الغفاري رضي الله عنه.

سببها:-

بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو أم المؤمنين السيدة جويرية بنت الحارث، زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهم خرج إليهم، حتى لقيهم على ماء لهم يقال له:المريسيع، من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق، وقتل من قتل منهم، ونفل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم، فأفاءهم عليه.

وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث ابن بكر، يقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة ابن الصامت، وهو يرى أنه من العدو، فقتله خطأ.

فبينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك الماء، وردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار، يقال له: جهجاه بن مسعود يقود فرسه، فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني، حليف بني عوف بن الخزرج على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه:يا معشر المهاجرين ، لما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا التنادي وتلك الدعوة قال: "دعوها فإنها منتنة" يعني أنها خبيثة؛ لأنها من دعوى العصبية الجاهلية، وقد جعل الله المؤمنين أخوة وحزبا واحدا وأمة واحدة.

فغضب عبد الله بن أبي بن سلول، وعنده رهط من قومه فيهم: زيد بن أرقم، غلام حدث، فقال: أوقد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا،أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.

فسمع ذلك زيد بن أرقم، فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عدوه، فأخبره الخبر، وعنده عمر بن الخطاب، فقال: مر به عباد بن بشر فليقتله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه! لا ولكن أذن بالرحيل، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرتحل فيها، فارتحل الناس.

وقد مشى عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه، فحلف بالله: ما قلت ما قال، ولا تكلمت به .

فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسار، لقيه أسيد بن حضير، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه، ثم قال: يا نبي الله، والله لقد رحت في ساعة منكرة، ما كنت تروح في مثلها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ قال: وأي صاحب يا رسول الله قال: عبد الله بن أبي، قال: وما قال؟ قال: زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال: فأنت يا رسول الله والله تخرجه منها إن شئت. هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فو الله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا.

ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله ابن أبي

ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبي ومن كان على مثل أمره، فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد بن أرقم، ثم قال: هذا الذي أوفى الله بأذنه.

وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان من أمر أبيه, فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس، فأقتله فأقتل رجلا مؤمنا بكافر، فأدخل النار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له، وقال له: "بر أباك ولا يرى منك إلا خيرا".



وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما، فيما يظهر، فقال: يا رسول الله، جئتك مسلما، وجئتك أطلب دية أخي، قتل خطأ,فأمر له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدية أخيه هشام بن صبابة، فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدا, وهو أحد الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتلهم في حين دخول مكة.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب منهم سبيا كثير ومن ذلك السبي السيدة جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق رضي الله عنها وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأعتقها وتزوجها.

وشهدت السيدة عائشة رضي الله عنها تلك الغزاة، قالت: وما رأيت أعظم بركة على قومها منها، فما هو إلا أن علم المسلمون بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها، فأعتقوا كل ما بأيديهم من سبي بني المصطلق، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأسلم سائر بني المصطلق.

وفي هذه الغزاة قال أهل الإفك في السيدة عائشة رضي الله عنها ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، ونزل القرآن ببراءتها.

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني المصطلق بعد إسلامهم بأكثر من عامين الوليد بن عقبة بن أبي معيط مصدقا لهم أي جامعا للزكاة ، فخرجوا ليتلقوه، ففزع منهم، وظن أنهم يريدونه بسوء، فرجع عنهم, وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم ارتدوا ومنعوا الزكاة وهموا بقتله, فتكلم المسلمون في غزوهم، فبينما هم كذلك إذ قدم وافدهم منكرا لرجوع مصدقهم عنهم دون أن يأخذ صدقاتهم وأنهم إنما خرجوا إليه مكرمين له، فأكذبه الوليد بن عقبة، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ} يعني الوليد بن عقبة {فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ... } الآية.


وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يونيو 28, 2016 6:31 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم الثالث والعشرون:-


غزوة خيبر:-

كانت هذه الغزوة أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد رجوع سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحديبية.

أقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد رجوعه من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم وخرج في بقية منه غازيا إلى خيبر، ولم يبق من السنة السادسة من الهجرة إلا شهر وأيام، واستخلف على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي. وذكر موسى بن عقبة، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة منصرفه من الحديبية مكث عشرين يوما أو قريبا منها ثم خرج غازيا إلى خيبر، وكان الله عز وجل وعده إياها وهو بالحديبية.

قال أبو عمر: قال الله عز وجل في أهل الحديبية: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا، ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما} . فلم يختلف العلماء في أنها البيعة بالحديبية.

قال ابن قتيبة وقتادة وعكرمة وغيرهم: كانت الشجرة سمرة كانت الحديبية, وعلم ما في قلوبهم من الرضا بأمر البيعة على أن لا يفروا واطمأنت بذلك نفوسهم, {وأثابهم فتحا قريبا} : خيبر، ووعدهم المغانم فيها {ومغانم كثيرة يأخذونها} .

وقد روي عن ابن عباس ومجاهد في قوله: {وعدكم الله مغانم كثيرة} أنها المغانم التي تكون إلى يوم القيامة. وقالوا في قوله: {وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها} : فارس والروم وما افتتحوا إلى اليوم، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى. قال: وقوله: {فتحا قريبا} : خيبر.

فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر دفع رايته، وكانت بيضاء، إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخذ طريق الصهباء إلى وادي الرجيع، فنزل بين خيبر وغطفان لئلا يمدوهم، لأنه بلغه أن غطفان تريد إمداد يهود خيبر. ولما خرجوا لإمدادهم اختلفت كلمتهم, وأسمعهم الله عز وجل حسا من ورائهم وهدا راعهم وأفزعهم فانصرفوا إلى ديارهم، فأقاموا بها وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين خيبر.

وأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أشرف على خيبر مع الفجر، وعمالهم غادون بمساحيهم ومكاتلهم, فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش نادوا: محمد والخميس معه, والخميس بمعنى الجيش, ثم أدبروا هرابا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". وتحصنت يهود في حصونهم وكانت حصونا كثيرة، فكان أول حصن افتتحوه حصنا يسمى "ناعما" وعنده قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة ألقيت عليه رحى فشدخته، رحمه الله، ثم حصنا يدعى "القموص" وهو حصن بني أبي الحقيق، ومن سبايا ذلك الحصن كانت السيدة صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها -وكانت تحت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق- أصابها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنتي عم لها، وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية، فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين,وجعلها عند أم سليم حتى اعتدت أي قضت عدتها وأسلمت، ثم أعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها.

وكانت السيدة صفية رضي الله عنها قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، أن قمرا وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها، فقال:ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمدا، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها, فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبها أثر منه، فسألها ما هو؟ فأخبرته هذا الخبر.


ثم فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حصن الصعب بن معاذ ولم يكن في حصون خيبر أكثر طعاما وودكا منه.


نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن أشياء :

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مكحول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن أربع: عن إتيان الحبالى من السبايا، وعن أكل الحمار الأهلي، وعن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن بيع المغانم حتى تقسم.

ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح، وحاز من الأموال ما حاز، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم، وكان آخر حصون أهل خيبر افتتاحا، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بضع عشرة ليلة, ثم خرج مرحب اليهودي من حصنهم، قد جمع سلاحه،وهو يقول: من يبارز؟ , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لهذا؟ قال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا والله الموتور الثائر، قُتل أخي بالأمس، فقال: فقم إليه، للهم أعنه عليه, فلما دنا أحدهما من صاحبه، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر ، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرجل القائم، ما فيها فنن، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة، فضربه، فاتقاه بالدرقة، فوقع سيفه فيها، فعضت به فأمسكته، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله.

ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر، وهو يقول: من يبارز؟ , فخرج إليه سيدنا الزبير بن العوام فالتقيا، فقتله الزبير رضي الله عنه.

ووقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعض حصونهم فامتنع عليهم فتحه ولقوا فيه شدة، فأعطى رايته أبا بكر الصديق فنهض بها وقاتل واجتهد ولم يفتح عليه، ثم أعطى الراية عمر فقاتل ثم رجع ولم يفتح له وقد جهد, فحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله عز وجل على يديه". فلما أصبح دعا عليا رضوان الله عليه ، وهو أرمد، فتفل في عينيه، ثم قال: "خذ الراية فامض بها حتى يفتح الله بها عليك".

قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع، مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطاح ترسه من يده، فتناول علي عليه السلام بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي، أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه.


قسم رسول الله أرض خيبر كلها لأنه غلب على جميعها عنوة, وحاصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل خيبر في حصنهم الوطيح حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم، ففعل.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها: الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم إلا ما كان من ذينك الحصنين فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله يسألونه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ويحلوا له الأموال ففعل.

وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود أخو بني حارثة. قال: فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله أن يعاملهم في الأموال على النصف، فعاملهم، وقال لهم: "على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم". فصالحه أهل فدك على مثل ذلك, وكانت خيبر فيئا بين المسلمين، وكانت فدك خاصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب.


قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خيبر، وأخرج الخمس مما قسم، ولم يقدر فاتحوها الذين ملكوها من المسلمين على عمارتها وعملها فأقر اليهود فيها على العمل في النخل والأرض، وقال لهم: "أقركم ما أقركم الله". ثم أذن الله له في مرضه الذي انتقل فيه صلى الله عليه وآله وسلم بإخراجهم، فقال: "لا يبقين دينان بأرض العرب". وقال صلى الله عليه وآله وسلم : "أخرجوا اليهود والنصارى من أرض الحجاز". ولم يكن بقي يومئذ بها مشرك وثنى -ولا بأرض اليمن أيضا- إلا أسلم في سنة تسع وسنة عشر. فلما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته قوله صلى الله عليه وآله وسلم : "أخرجوا اليهود والنصارى من أرض العرب" أجلاهم عنها، فأخذ المسلمون سهامهم في خيبر، فتصرفوا فيها تصرف المالكين.


أمر الشاة المسمومة

فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم، شاة مشوية ، وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تناول الذراع، فلاك منها مضغة، فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها، فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قال: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملكا استرحت منه، وإن كان نبيا فسيخبر، قال: فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومات بشر من أكلته التي أكل.

وقدم سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في جماعة من أرض الحبشة بإثر فتح خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "والله ما أدري أبقدوم جعفر أنا أسر وأفرح أم بفتح خيبر؟ "


ولما اتصل بأهل فدك ما فعل رسول الله بأهل خيبر بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمنهم، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك. وكانت فدك مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب مما أفاء الله عليه بما نصره به عن الرعب، فلم يقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعها حيث أمره الله عز وجل.

وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، فافتتحها عنوة، وقسمها، وأصيب بها غلام له أسود يسمى مدعما أصابه سهم غرب فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم وإنها لتشتعل عليه الآن نارا".


شهود النساء خيبر وحديث المرأة الغفارية

وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من نساء المسلمين، فرضخ لهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الفيء، أي أعطاهن عطاء يسيرا، لم يصل إلى نصيب السهم,ولم يضرب لهن بسهم.
قال ابن إسحاق: حدثني سليمان بن سحيم، عن أمية بن أبي الصلت، عن امرأة من بني غفار، قد سماها لي، قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار، فقلنا: يا رسول الله، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا، وهو يسير إلى خيبر، فنداوي الجرحى، ونعين المسلمين بما استطعنا، فقال: على بركة الله. قالت: فخرجنا معه، وكنت جارية حدثة، فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله. قالت: فو الله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وأناخ، ونزلت عن حقيبة رحله، وإذا بها دم مني، وكانت أول حيضة حضتها، قالت: فتقبضت إلى الناقة واستحييت، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم، قال: مالك؟ لعلك نفست ، قالت: قلت: نعم، قال: فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناء من ماء، فاطرحي فيه ملحا، ثم اغسلي به ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك.

قالت: فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، رضخ لنا من الفيء، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها، وعلقها بيده في عنقي، فو الله لا تفارقني أبدا. قالت: فكانت في عنقها حتى ماتت، ثم أوصت أن تدفن معها. قالت:وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحا، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت.


وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يونيو 29, 2016 5:53 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم الرابع والعشرون:-


غزوة مؤتة:-

لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء أقام بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع، ثم بعث صلى الله عليه وآله وسلم في جمادى الآخرة من السنة الثامنة من الهجرة بعث الأمراء إلى الشام, وأمَّر على الجيش زيد بن حارثة مولاه، وقال: "إن قتل أو أصيب فعلى الناس جعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة" وشيعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وودعهم ثم انصرف، ونهضوا.

فلما بلغوا معان من أرض الشام أتاهم الخبر بأن هرقل ملك الروم في ناحية البلقاء وهو في مائة ألف من الروم ومائة ألف أخرى من نصارى العرب أهل البلقاء من لخم وجذام وقبائل قضاعة من بهراء وبلي وبلقين وعليهم رجل من بني إراشة من بلي يقال له مالك بن رافلة, فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره، فنمضي له.

فشجع الناس عبد الله بن رواحة، وقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون، للتي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة, فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة ووافقه الجيش كله على هذا الرأي.

فمضى الناس، حتى إذا كانوا بحدود البلقاء لقيتهم جموع هرقل، من الروم والعرب، بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف، ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة وهي قرية من أرض البلقاء من الشام، فالتقى الناس عندها، فتعبأ لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة، يقال له: قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له عباية بن مالك, ويقال عبادة بن مالك.

ثم التقى الناس واقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقُتل الأمير الأول ملاقيا بصدره الرماح مقبلا غير مدبر والراية في يده, فأخذها جعفر بن أبي طالب، ونزل عن فرس له يقال لها شقراء، وقيل: إنه عرقبها وعقرها وقاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بيساره فقطعت، فاحتضن الراية، فقتل كذلك، رضي الله عنه، وسنه ثلاث وثلاثون أو أربع وثلاثون سنة, فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء, فأخذ الراية عبد الله بن رواحة،وتردد عن النزول بعض التردد، ثم صمم، فقاتل، حتى قتل رضي الله عنه, فأخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان، وقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت، قال: لا، فدفع الراية إلى خالد بن الوليد فقال: أنت أعلم بالقتال مني, فأخذها خالد بن الوليد،فلما أخذ الراية دافع القوم وانحاز بهم ، ثم انحاز وانحيز عنه، حتى انصرف بالناس, لأنه خشي على المسلمين لقلة عددهم.

وقال ابن هشام: فأما الزهري فقال فيما بلغنا عنه: أمَّر المسلمون عليهم خالد بن الوليد، ففتح الله عليهم، وكان عليهم حتى قفل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وأعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بالمدينة بقتل الأمراء المذكورين في يوم قتلهم قبل ورود الخبر بأيام.


رجوع الجيش وتلقي الرسول له وغضب المسلمين

قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال: لما دنوا من حول المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون.

قال: ولقيهم الصبيان يشتدون، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقبل مع القوم على دابة، فقال: خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطوني ابن جعفر. فأتى بعبد الله فأخذه فحمله بين يديه. قال: وجعل الناس يحثون على الجيش التراب، ويقولون يا فرار، فررتم في سبيل الله! قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ليسوا بالفرار، ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى.


وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 30, 2016 12:02 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم الخامس والعشرون:-

غزوة فتح مكة:-


و كانت في العاشر من شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة.



ونبدأ بمشيئة الله بذكر الأسباب الموجبة للمسير إلى مكة وذكر فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان.

القتال بين بكر وخزاعة


أقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد بعث مؤتة جمادى ورجبا، ثم حدث الأمر الذي أوجب نقض عقد قريش المعقود يوم الحديبية، وذلك أن خزاعة كانت في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنها وكافرها، وكانت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة في عقد قريش، فعدت بنو بكر بن عبد مناة على قوم من خزاعة على ماء لهم بأسفل مكة، وكان سبب ذلك أن رجلا يقال له مالك بن عباد الحضرمي حليفا لآل الأسود بن رزن خرج تاجرا، فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله، وذلك قبل الإسلام بمدة. فعدت بنو بكر بن عبد مناة رهط الأسود بن رزن على رجل من خزاعة فقتلوه بمالك بن عباد. فعدت خزاعة على سلمى وكلثوم وذؤيب بني الأسود بن رزن فقتلوهم. وهؤلاء الإخوة أشراف بني كنانة كانوا يودون في الجاهلية ديتين ديتين، ويودى في سائرهم دية دية، وذلك كله قبل الإسلام فلما جاء الإسلام حجز ما بين من ذكرنا لشغل الناس به.
فلما كانت الهدنة المنعقدة يوم الحديبية أمن الناس بعضهم بعضا، فاغتنم بنو الديل من بني بكر بن عبد مناة تلك الفرصة وغفلة خزاعة وأرادوا إدراك ثأر بني الأسود بن رزن، فخرج نوفل بن معاوية الديلي بمن أطاعه من بني بكر بن عبد مناة حتى بيت خزاعة، ونال منهم فاقتتلوا ويقال إنه أصاب منهم رجلا ثم تحاوروا واقتتلوا, وأعانت قريش بني بكر بالسلاح، وقوم من قريش أعانوهم بأنفسهم مستخفين. فانهزمت خزاعة إلى الحرم. فقال قوم نوفل بن معاوية لنوفل: يا نوفل اتق إلهك ولا تستحل الحرم ودع خزاعة، فقال: لا إله لي اليوم، والله يا بني كنانة إنكم لتسرقون في الحرم، أفلا تدركون فيه ثأركم، فقتلوا رجلا من خزاعة يقال له منبه ودخلت خزاعة دور مكة في دار بديل بن ورقاء الخزاعي ودار مولى لهم يسمى رافعا. وكان ذلك نقضا للصلح الواقع يوم الحديبية.

فخرج عمرو بن سالم الخزاعي وبديل بن ورقاء الخزاعي وقوم من خزاعة، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مستغيثين به مما أصابهم به بنو بكر بن عبد مناة وقريش وكان ذلك مما هاج فتح مكة وأنشده عمرو بن سالم الشعر
وفي هذا الشعر يقول مخاطبا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

إن قريشا أخلفتك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وقتلونا بالصعيد هجدا ... نتلو القران ركعا وسجدا

فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نصرهم، وقال: "لا ينصرني الله إن لم أنصر بني كعب" ثم نظر إلى سحابة، فقال: "إنها لتستهل بنصرتي كعبا" يعني خزاعة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبديل بن ورقاء ومن معه: "إن أبا سفيان سيأتي ليشد العقد ويزيد في مدة الصلح، وسينصرف بغير حاجة".
وندمت قريش على ما فعلت.

خروج أبي سفيان إلى المدينة للصلح وإخفاقه

فخرج أبو سفيان إلى المدينة ليشد العقد ويزيد في المدة، فلقي بديل بن ورقاء بعسفان فكتمه بديل مسيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره أنه إنما سار بخزاعة على الساحل. فنهض أبو سفيان حتى أتى المدينة، فدخل على ابنته: أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها، فذهب ليقعد على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فطوته عنه فقال: يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس فلم أحب أن تجلس عليه، فقال لها: يا بنية لقد أصابك بعدي شر. ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد، فكلمه، فلم يجبه بكلمة. ثم ذهب أبو سفيان إلى سيدنا أبي بكر، فكلمه في أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أتى له فأبى عليه أبو بكر من ذلك فلقي سيدنا عمر فكلمه في ذلك، فقال له عمر: أنا أفعل هذا؟!! والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به. فدخل على سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فوجده والسيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدنا الحسن وهو صبي فكلمه فيما أتى له، فقال له سيدنا علي كرم الله وجهه: والله ما أستطيع أن أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر قد عزم عليه. فالتفت أبو سفيان إلى السيدة فاطمة عليها السلام فقال: يا بنت محمد هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير على الناس، فقال له: ما بلغ بنيي ذلك، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له علي: يا أبا سفيان أنت سيد بني كنانة، فقم، فأجر على الناس والحق بأرضك،وهزيء به، فقال له: يا أبا الحسن أترى ذلك نافعي ومغنيا عني شيئا ؟ قال: ما أظن ذلك، ولكن لا أجد لك سواه. فقام أبو سفيان في المسجد فقال: يا أيها الناس إني قد أجرت على الناس. ثم ركب وانطلق راجعا إلى مكة. فلما قدمها أخبر قريشا بما لقي وبما فعل، فقالوا له: ما جئت بشيء، وما زاد علي بن أبي طالب على أن لعب بك.
ثم أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة، وأمر الناس بالجهاز لذلك، ودعا الله تعالى في أن يأخذ عن قريش الأخبار ويستر عنهم خروجه.


كتاب حاطب إلى قريش وعلم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمره

قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا، قالوا: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم، ثم أعطاه امرأة، زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة، وزعم لي غيره أنها سارة، مولاة لبعض بني عبد المطلب، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا، فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت به، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما، فقال: أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم.

فخرجا حتى أدركاها بالخليقة ، خليقة بني أبي أحمد، فاستنزلاها، فالتمسا في رحلها، فلم يجدا شيئا، فقال لها علي بن أبي طالب: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك، فلما رأت الجد منه، قالت: أعرض، فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا، فقال: يا حاطب، ما حملك على هذا؟
فقال: يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت ولا بدلت، ولكني كنت أمرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم. فقال عمر بن الخطاب، يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم. فأنزل الله تعالى في حاطب: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ... إلى قوله: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه، إذ قالوا لقومهم إنا برآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده .


مسير سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفتح مكة:-

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري، وكان خروجه لعشر خلت من رمضان وقد أخفى الله عز وجل خبره عن قريش إلا أنهم على وجل وارتقاب. خرج أبو سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام يتجسسون الأخبار وقد كان سيدنا العباس بن عبد المطلب هاجر مسلما في تلك الأيام، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة، فبعث ثقله إلى المدينة، وانصرف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا، فالعباس من المهاجرين قبل الفتح وقيل: بل لقيه بالجحفة مهاجرا.

فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيوش مر الظهران رقت نفس العباس لقريش وأسف على ذهابها وخاف أن تغشاهم الجيوش قبل أن يستأمنوا. فركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم ونهض، فلما أتى الأراك وهو يطمع أن يلقى حطابا أو صاحب لبن يأتي مكة فينذرهم. فبينما هو يمشي إذ سمع صوت أبي سفيان صخر بن حرب وبديل بن ورقاء وهما يتساءلان وقد رأيا نيران عسكر النبي عليه السلام. وبديل يريد أن يستر ذلك فيقول: إنما هي نيران خزاعة، ويقول له أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون لها هذه النيران. فلما سمع العباس كلامه ناداه: يا أبا حنظلة فميز أبا سفيان كلامه، فناداه: يا أبا الفضل، فقال: نعم، فقال له: فداك أبي وأمي، فقال له العباس: ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، وأصباح قريش، فقال أبو سفيان: فما الحيلة؟ فقال له العباس: هذا والله لئن ظفر بك ليقتلنك، فارتدف خلفي وانهض معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأردفه العباس ولقي به العسكر، فلما رأى الناس العباس على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسكوا.

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن يحمله إلى رحله ويأتيه به صباحا. ففعل العباس ذلك، فلما أصبح أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم يأن لك بأن تعلم أن لا إله إلا الله؟ " فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وما أكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أنه لو كان مع الله إله غيره لقد أغناني، قال: "ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ " قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه فإن في النفس منها شيئا حتى الآن. فقال له العباس: أسلم قبل أن تضرب عنقك، فأسلم، فقال العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان يحب الفخر، فاجعل له شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن".
فكان هذا منه أمانا لكل من لم يقاتل من أهل مكة، ولهذا قال جماعة من أهل العلم منهم الشافعي رحمه الله إن مكة مؤمنة وليست عنوة، والأمان كالصلح، وروى أن أهلها مالكون رباعهم، ولذلك كان يجيز كراها لأربابها وبيعها وشراءها لأن من أمن فقد حرم ماله ودمه وذريته وعياله. فمكة مؤمنة عند من قال بهذا القول إلا الذين استثناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بقتلهم وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة. وأكثر أهل العلم يرون فتح مكة عنوة لأنها أخذت غلبة بالخيل والركاب إلا أنها مخصوصة بأن لم يجر فيها قسم غنيمة ولا سبي من أهلها أحد. وخصت بذلك لما عظم الله من حرمتها، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "مكة حرام محرمة لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم هي حرام إلى يوم القيامة".

ثم إن قريشاً قد علمت بما أحاط بها فتهيأ قوم منهم ليقاتلوا ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرتب الجيوش، وجعل الراية بيد سعد بن عبادة، وكان من قول سعد بن عبادة: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة. فقال العباس: يا رسول الله هلكت قريش، لا قريش بعد اليوم، إن سعد بن عبادة قال كذا وكذا وإنه حنق على قريش، ولا بد أن يستأصلهم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنزع الراية من سعد بن عبادة وتدفع إلى علي، وقيل: بل إلى الزبير، وقيل: بل دفعها إلى ابنه قيس بن سعد لئلا يجد سعد في نفسه شيئا.

وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال من قاتلهم. ولهذا كله يقول أكثر العلماء: إنها افتتحت عنوة وإنها مخصوصة دون سائر البلدان لما خصت به دون غيرها.

وكان عكرمة بن أبي جهل بن أمية وسهيل بن عمر قد جمعا جمعا بالخندمة ليقاتلوا، فناوشهم أصحاب خالد القتال، فأصيب من المسلمين رجلان وهما: كرز بن جابر من بني محارب بن فهر بن مالك، وخنيس بن خالد بن ربيعة بن أصرم الخزاعي حليف بني منقذ خرجا عن جيش خالد فقتلا، رحمة الله عليهما، وقتل أيضا من المسلمين سلمة بن الميلاء الجهني. وقتل من المشركين ثلاثة عشر رجلا، ثم انهزموا. وهرب من هرب , وهذه سبيل العنوة في غير مكة.

وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة، ودعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة بعد أن مانعته أمه ذلك ثم أسلمته. فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكعبة ومعه أسامة بن زيد، وبلال بن رباح، وعثمان بن طلحة رضي الله عنهم، ولا أحد معه غيرهم. فأغلق الباب عليه. وصلى داخلها ركعتين. ثم خرج وخرجوا، ورد المفتاح إلى عثمان بن طلحة، وأبقى له حجابة البيت وقال: "خذوها خالدة تالدة إلى يوم القيامة"

وأمر صلى الله عليه وآله وسلم بكسر الصور التي داخل الكعبة وحولها وكسر الأصنام التي حول الكعبة وبمكة كلها، وكانت الأصنام التي في الكعبة مشدودة بالرصاص وكان يشير إليها بقضيب في يده، فكلما أشار إلى واحد منها خر لوجهه، وكان يقول: "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا". وأذن له بلال على ظهر الكعبة.
وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني يوم الفتح خطبة مشهورة عند أهل الأثر والعلم بالخبر، فوضع مآثر الجاهلية حاشا سدانة البيت وسقاية الحاج، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن مكة لم يحل فيها القتال لأحد قبله، ولا يحل لأحد بعده، وإنما حل له القتال في ساعة من نهار، ثم عادت كحرمتها بالأمس، لا يسفك فيها دم.

ومن أحسن ما روي من خطبته صلى الله عليه وآله وسلم مختصرا ما رواه يحيى بن سعيد الأموي وغيره، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه:
أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم ربيعة بن أمية بن خلف، فوقف تحت صدر راحلة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رجلا صيتا، فقال: "يا ربيعة قل: (( يا أيها الناس إن نبي الله يقول لكم: أتدرون أي بلد هذا؟ وأي شهر هذا؟ وأي يوم هذا؟ " فنادى بذلك، فقال الناس: نعم هذا البلد الحرام والشهر الحرام، فقال: "إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة بلدكم هذا وكحرمة شهركم هذا وكحرمة يومكم هذا" ثم قال: "اللهم اشهد.
أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله منها أربعة حرم: الثلاثة متوالية، ورجب مفرد الذي بين جمادى وشعبان. ألا هل بلغت؟ " فيقول الناس: نعم. قال: "اللهم اشهد")).

وتوقعت الأنصار أن يبقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة، فأخبرهم أن المحيا محياهم وأن الممات مماتهم. ومر صلى الله عليه وآله وسلم بفضالة بن عمير بن الملوح الليثي، وهو عازم على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: "ما تحدث به نفسك؟ " قال: لا شيء كنت أذكر الله عز وجل، فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: "أستغفر الله لك" ووضع يده الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم على صدر فضالة، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما أجد على ظهر الأرض أحب إلي منه.

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم السرايا حول مكة يدعو إلى الإسلام، ولم يأمرهم بقتال. وكان أحد أمراء تلك السرايا: خالد بن الوليد خرج إلى بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فقتل منهم وسبا، وقد كانوا أسلموا ولم يقبل خالد قولهم وإقرارهم بالإسلام، فوداهم -أي دفع دياتهم- رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمال إليهم، فودى لهم جميع قتلاهم ورد إليهم ما أخذ منهم وقال لهم علي: انظروا إن فقدتم عقالا لأدينه، فبهذا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: "اللهم إني أبرأ إليك من صنع خالد".
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى وكان بيتا بنخلة تعظمه قريش وكنانة وجميع مضر، وكان سدنته بنو شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم، فهدمه.

وكان فتح مكة لعشر بقين من رمضان سنة ثمان من الهجرة.


وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يوليو 01, 2016 4:07 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم السادس والعشرون:-


غزوة حنين:-

لما بلغ هوازن فتح مكة جمعهم مالك بن عوف النصري من بني نصر بن معاوية، فاجتمع إليه قومه: بنو نصر وبنو جشم وبنو سعد بن بكر، وثقيف، وطائفة من بني هلال بن عامر. ولم يشهدها من قيس غير هؤلاء. وغابث عن ذلك عقيل، وقشير ابنا كعب بن ربيعة بن عامر, وبنو كلاب بن ربيعة بن عامر وسائر إخوتهم، فلم يحضرهم من كعب وقشير وكلاب أحد يذكر, وحملت بنو جشم مع أنفسهم شيخهم وكبيرهم: دريد بن الصمة، وهو يومئذ شيخ كبير لا ينتفع به في غير رأيه، حملوه في هودج لضعف جسمه, وكان في ثقيف سيدان لهمفي الأحلاف أحدهما قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب، والآخر ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك. وكانت الرياسة في جميع العسكر إلى مالك بن عوف النصري، فحشد من ذكرنا، وساق مع الكفار أموالهم، وماشيتهم ونساءهم وأولادهم، وزعم أن ذلك لتحمى به نفوسهم وتشتد في القتال عن ذلك شوكتهم,ونزلوا بأوطاس وهي واد في ديار هوازن. فقال لهم دريد بن الصمة: مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم.

قال أين مالك؟ قيل: هذا مالك، فسأله: لم فعلت ذلك؟ فقال مالك: ليقاتلوا عن أهليهم وأموالهم فقال دريد: راعي ضأن والله- أي يجهله بذلك ويسخر منه-، وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسلاحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد، قال دريد: غاب الحد والجد، لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كلاب وكعب، فمن شهدها من بني عامر؟ قالوا: عمرو بن عامر، وعوف بن عامر، قال: ذانك الجذعان من عامر لا ينفعان ولا يضران، يا مالك إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا، ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعليا قومهم، ثم الق الصباة على متون الخيل- ويقصد بالصباة المسلمين-، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك كنت قد أحرزت أهلك ومالك. فأبى ذلك مالك وخالفت هوازن دريدا واتبعوه، فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم يغب عني:

يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع

وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي عشاء، وأمره أن يدخل في الناس، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ثم يأتيه بخبرهم, فأتى بعد أن عرف مذاهبهم، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما شاهده منهم.

فعزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قصدهم، واستعار من صفوان بن أمية بن خلف الجمحي دروعا، قيل: مائة درع، وقيل: أربعمائة. وخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اثنى عشر ألفا من المسلمين، منهم عشرة آلاف صحبوه من المدينة، وألفان من مسلمة الفتح، إلى ما انضاف إليه من الأعراب: من سليم وبني كلاب وعبس وذبيان واستعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية.

ونهض صلى الله عليه وآله وسلم في مقدمته مزينة، وفي الميمنة بنو أسد، وفي الميسرة بنو سليم وعبس وذبيان. وفي مخرجه هذا رأى جهال الأعراب شجرة خضراء، وكان لهم في الجاهلية شجرة معروفة تسمى ذات أنواط يخرج إليها الكفار يوما معلوما في السنة يعظمونها، فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : الله أكبر، والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون} لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه.


ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أتى وادي حنين وهو واد من أودية تهامة، وكان هوازن قد كمنت في جنبي الوادي، وذلك في غبش الصبح، فحملت على المسلمين حملة رجل واحد، وانشمر الناس راجعين، لا يلوي أحد على أحد.

وانحاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات اليمين، ثم قال: أين أيها الناس؟ هلموا إلي، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله. قال: فلا شيء ، حملت الإبل بعضها على بعض، فانطلق الناس، إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته.

وأمر العباس وكان جهير الصوت أن ينادي: "يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة"، وبعضهم يرويه: "يا أصحاب السمرة". وقد قيل إنه نادى يومئذ: "يا معشر المهاجرين"، كما نادى: "يا معشر الأنصار". فلما سمعوا الصوت أجابوا: لبيك، لبيك. وكانت الدعوة أولا يا للأنصار، ثم خصصت بأخرة يا للخزرج. قال ابن شهاب: وكانوا أصبر عند الحروب. فلما ذهبوا ليرجعوا كان الرجل منهم لا يستطيع أن ينفذ ببعيره لكثرة الأعراب المنهزمين، فكان يأخذ درعه فيلبسها، ويأخذ سيفه ومجنه، ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله ويكر راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا اجتمع حواليه صلى الله عليه وسلم مائة رجل أو نحوهم استقبلوا هوازن بالضرب.

واشتدت الحرب وكثر الطعن والجلاد، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ركائبه، فنظر إلى مجتلد القوم، فقال: "الآن حمي الوطيس". وضرب سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عرقوب جمل صاحب الراية أو فرسه فصرعه، ولحق به رجل من الأنصار، فاشتركا في قتله, وأخذ سيدنا علي الراية، وقذف الله عز وجل في قلوب هوازن الرعب حين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ واجههم وواجهوه صاح بهم صيحة ورمى في وجوههم بالحصا، فلم يملكوا أنفسهم.

وما استوفى رجوع المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وأسرى هوازن بين يديه، وثبتت أم سليم في جملة من ثبت أول الأمر محتزمة ممسكة بعيرا لأبي طلحة وفي يدها خنجر.

وانهزمت هوازن, وملك العيال والأموال, واستحر القتل في بني مالك من ثقيف فقتل منهم خاصة يومئذ سبعون رجلا منهم رئيساهم: ذو الخمار وأخوه عثمان ابنا عبد الله بن ربيعة، ولم يقتل من الأحلاف إلا رجلان، لأن قارب بن الأسود -وكان سيدهم يومئذ- فر بهم حين اشتد أول القتال.

واستحر القتل في بني نصر بن معاوية, وهرب مالك بن عوف النصري في جماعة من قومه، ودخل الطائف مع ثقيف, وانحازت طوائف من هوازن إلى أوطاس, وأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان السلمي من بني سليم دريد بن الصمة، فقتله، وقد قيل إن قاتل دريد هو عبد الله بن قنيع بن أهبان من بني سليم، وقد قيل إن دريدا أسر يومئذ وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتله لمشاهدته الحرب وموضع رأيه فيها.

ولما انقضى الصدام نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قتل قتيلا عليه بينة فله سلبه".


وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا عامر الأشعري واسمه عبيد وهو عم أبي موسى الأشعري في طائفة من المسلمين منهم أبو موسى إلى من اجتمع من هوازن بأوطاس, فشد على أبي عامر أحد بني دريد بن الصمة فقتله، قيل: رماه سلمة بن دريد بن الصمة بسهم فقتله, وأخذ أبو موسى الراية، وشد على قاتل عمه فقتله. وقيل: بل رمى أبا عامر رجلان من بني جشم، وهما: العلاء وأوفى ابنا الحارث، أصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته، ثم قتلهما أبو موسى، وقيل: بل قتل أبو عامر تسعة إخوة من المشركين مبارزة، يدعو كل واحد منهم إلى الإسلام ثم يحمل عليه فيقتله، ثم حمل عليه عاشرهم فقتله. ثم أسلم ذلك العاشر بعد ذلك.


تسمية من استشهد من المسلمين يوم حنين

واستشهد من المسلمين يوم حنين أربعة رجال: أيمن بن عبيد، وهو أيمن بن أم أيمن أخو أسامة بن زيد لأمه. ويزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، جمح به فرسه، فقتل. وسراقة بن الحارث بن عدي من بني العجلان من الأنصار. وأبو عامر الأشعري.

وكانت وقعة هوازن "وهي" يوم حنين في أول شوال من السنة الثامنة من الهجرة وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم من الأموال والنساء والذراري، فلم يقسمها حتى أتى الطائف.

وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يوليو 02, 2016 12:15 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم السابع والعشرون:-


غزوة الطائف:-

وكانت غزوة الطائف بعد حنين في سنة ثمان .

لما قدم فل ثقيف المنهزم يوم حنين إلى الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها، وصنعوا الصنائع للقتال.

ثم سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الطائف حين فرغ من حنين لم يرجع إلى مكة ولا عرج على شيء إلا غزو الطائف قبل أن يقسم غنائم حنين وقبل كل شيء. فسلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الجعرانة في طريقه إلى الطائف ثم أخذ على قرن, وابتنى في طريقه ذلك مسجدا وصلى فيه، وأقاد في ذلك المكان بدم --وهو أول دم أقيد به في الإسلام- من رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيلفقتله به , ووجد صلى الله عليه وآله وسلم في طريقه ذلك حصنا لمالك بن عوف النصري فهدمه، ووجد هنالك أطما قد تمنع فيه رجل من ثقيف في ماله، فأمر بهدمه.

ثم نزل صلى الله عليه وآله وسلم بقرب الطائف بواد يقال له العقيق، فتحصنت ثقيف وحاربهم المسلمون, وحصن ثقيف لا حصن مثله في حصون العرب, فأصيب من المسلمين رجال بالنبل وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف، فكانت النبل تنالهم، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم، أغلقوه دونهم، فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم، .

فزال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك المنزل إلى موضع المسجد المعروف اليوم, فحاصرهم صلى الله عليه وآله وسلم بضعا وعشرين ليلة، بل بضع عشرة ليلة، وقيل: عشرين يوما وقاتلهم قتالا شديدا، وتراموا بالنبل ,ورماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق.

وكان معه صلى الله عليه وآله وسلم امرأتان من نسائه، السيدة أم سلمة إحداهما، فموضع المسجد اليوم بين منزلهما يومئذ, وتولى بنيان ذلك المسجد عمرو بن أمية بن وهب بن معتب الثقفي.


حتى إذا كان يوم الشدخة – أي الكسر والتهشيم-عند جدار الطائف، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت دبابة وهي آلة من آلات الحرب كانوا يصنعونها من خشب ويدخل فيها الرجال لينقبوا منها الأسوار المحصنة، ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتلوا منهم رجالا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقطع أعناب ثقيف، فوقع الناس فيها يقطعون.

رؤيا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتفسير أبي بكر لها


وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر الصديق وهو محاصر ثقيفا: يا أبا بكر، إني رأيت أني أهديت لي قعبة –أي قدح- مملوءة زبدا، فنقرها ديك، فهراق ما فيها. فقال أبو بكر: ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأنا لا أرى ذلك.



ارتحال المسلمين وسبب ذلك

ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية، وهي امرأة عثمان، قالت: يا رسول الله، أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية بنت غيلان بن مظعون بن سلمة، أو حلي الفارعة بنت عقيل، وكانتا من أحلى نساء ثقيف.

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة؟ فخرجت خويلة، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال يا رسول الله : ما حديث حدثتنيه خويلة، زعمت أنك قلته؟ قال: قد قلته، قال: أوما أذن لك فيهم يا رسول الله؟ قال: لا. قال: أفلا أؤذن بالرحيل؟ قال: بلى. قال: فأذن عمر بالرحيل.


تسمية من استشهد من المسلمين في حصار الطائف

واستشهد من المسلمين في حصار الطائف:

سعيد بن سعيد بن العاصي بن أمية، وعرفطة بن جناب الأزدي حليف لبني أمية، وعبد الله بن أبي بكر الصديق أصابه سهم فاستمر منه مريضا حتى مات منه في خلافة أبيه، وعبد الله بن أبي أمية بني المغيرة المخزومي أخو أم سلمة، وعبد الله الأكبر بن عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب، والسائب بن الحارث بن قيس السهمي، وأخوه عبد الله بن الحارث بن قيس السهمي، وجليحة بن عبد الله الليثي من بني سعد بن ليث، وثابت بن الجذع الأنصاري من بني سلمة، والحارث بن سهل بن أبي صعصعة الأنصاري من بني مازن بن النجار، والمنذر بن عبد الله الأنصاري من بني ساعدة. ومن الأوس رقيم بن ثابت بن ثعلبة.

وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة وغداً بمشيئة الله موعدنا مع غزوة جديدة من غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 03, 2016 8:19 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

اليوم الثامن والعشرون:-


غزوة تبوك:-


وهي آخر غزاة غزاها صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه

أقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة بعد انصرافه من حصار الطائف ذا الحجة والمحرم وصفرا وربيعا الأول وربيعا الآخر وجمادى الأول وجمادي الآخرة, وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم ، , وكان خروجه إلى غزوته تلك في حر شديد وحين طاب أول الثمر وفي عام جدب.

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكاد يخرج غازيا إلا ورى بغيره إلا غزوة تبوك، فإنه بينها للناس لبعد المسافة ونفقة المال والشقة وقوة العدو المقصود إليه, فتأخر الجد بن قيس من بني سلمة، وكان متهما بالنفاق فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقاء وهو غني قوي فأذن له، وأعرض عنه فنزلت فيه: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} .

وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحر، زهادة في الجهاد، وشكا في الحق، وإرجافا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم: {وقالوا لا تنفروا في الحر، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون، فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا، جزاء بما كانوا يكسبون }.

بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي، وكان بيته عند موضع يسمى جاسوم ، يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم، ففعل طلحة, فاقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت، فانكسرت رجله، واقتحم أصحابه، فأفلتوا.

وأنفق ناس من المسلمين واحتسبواما أنفقوه حسبة لله يطلبون به الأجر والثواب ، وأنفق سيدنا عثمان رضي الله عنه نفقة عظيمة جهز بها جماعة من المعسرين في تلك الغزوة, وروي أنه حمل في تلك الغزاة على تسعمائة بعير ومائة فرس وجهزهم وروي أنه أنفق فيها ألف دينار.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارض عن عثمان، فإني عنه راض", وفي رواية "ما ضر عثمان ما عمل بعد ذلك قط".

وفي هذه الغزوة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم البكاؤن وهم سبعة: سالم بن عمير من بني عمرو بن عوف، وعلبة بن زيد أخو بني حارثة، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب من بني مازن بن النجار، وعمرو بن الحمام من بني سلمة، وعبد الله بن المغفل المزني وقيل: بل هو عبد الله بن عمرو المزني، وهرمي بن عبد الله أخو بني واقف وعرباض بن سارية الفزاري. فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي طلبوا منه ما يحملهم عليه من الإبل, فلم يجدوا عنده ما يحملهم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون.

وذكروا أن ابن يامين بن عمير النضري حمل أبا ليلى وعبد الله بن مغفل على بعير له يتبادلانه ويتناوبانه ، وزودهما تمرا كثيرا, فخرجا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وجاءه المعذرون من الأعراب، فاعتذروا إليه، فلم يعذرهم الله تعالى.

ثم استتب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سفره، وأجمع السير، وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تخلفوا عنه، عن غير شك ولا ارتياب، منهم: كعب بن مالك بن أبي كعب، أخو بني سلمة ومرارة بن الربيع، أخو بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية، أخو بني واقف وكانوا نفر صدق، لا يتهمون في إسلامهم.

فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع وخلف علي المدينة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأرجف به المنافقون، وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له، وتخففا منه, فلما قال ذلك المنافقون، أخذ علي بن أبي طالب، رضوان الله عليه سلاحه، ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف ، فقال: يا نبي الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وتخففت مني، فقال: كذبوا، ولكنني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي، فرجع سيدنا علي إلى المدينة، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سفره.

ضرب عبد الله بن أبي معه على حدة عسكره أسفل منه، نحو ذباب ، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين, فلما سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي، فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب.

ثم رجع سيدنا علي إلى المدينة، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سفره، ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أياما إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه ، قد رشت كل واحدة منهما عريشها، وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما.
فلما دخل، قام على باب العريش، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له، فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الضح والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد، وطعام مهيأ، وامرأة حسناء، في ماله مقيم، ما هذا بالنصف! ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهيئا، لي زادا، ففعلتا, ثم قدم بعيره فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين مر بحجر ثمود نزلها، فأمر أصحابه أن لا يتوضئوا من بئر ثمود، ولا يعجنوا خبزا بمائها، ولا يستعملوا شيئا منه، فقيل له: بأن قوما عجنوا منه، فأمر بالعجين، فطرح للإبل علفا. وأمرهم أن لا يستعملوا ماء بئر الناقة في كل ما يحتاجون إليه. وأمر أصحابه بأن لا يدخلوا بيوت ثمود، وقال: "لا تدخلوا بيوت هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم".

ونهاهم أن يخرج أحدهم منفردا، فخرج رجلان من بني ساعدة، كل واحد منهما منفرد عن صاحبه، أحدهما يريد الغائط، فخنق فأُخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فدعا له فشفي , والآخر خرج في طلب بعير له فأخذته الريح ورمته في جبل طيء، فردته طيء بعد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وعطش الناس في تلك الغزاة عطشا شديدا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربه فأرسل عليهم سحابة ارتووا منها ودوابهم وإبلهم، وأخذوا حاجتهم من الماء .

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه، يقال له عمارة بن حزم، وكان عقبيا بدريا، وهو غم بني عمرو بن حزم، وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي، وكان منافقا, فقال زيد بن اللصيت، وهو في رحل عمارة وعمارة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أليس محمد يزعم أنه نبي، ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته؟ فنزل الوحي بما قال هذا القائل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فدعا أصحابه، فأخبرهم بقول القائل، وأخبرهم أن الله عز وجل قد عرفه بموضع ناقته وأنها في موضع كذا قد تعلق خطامها بشجرة، فابتدروا المكان الذي وصفه صلى الله عليه وآله وسلم ، فوجدوها هنالك, وزعم بعض الناس أن زيدا تاب بعد ذلك، وقال بعض الناس لم يزل متهما بشر حتى هلك.

وفي هذه الغزاة ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، رأى أبا ذر يمشي في ناحية العسكر وحده، فقال: "يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده". فكان، كما قال صلى الله عليه وسلم: مات بالربذة -وهي موضع قرب المدينة- وحده، وأخرج بعد أن كفن إلى الطريق يُلتمس من يصلي عليه، فصادف إقبال ابن مسعود من الكوفة فاستهل عبد الله بن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك. ثم نزل هو وأصحابه فواروه، ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه، وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك.


ونزل القرآن من سورة براءة وسورة الأحزاب بفضيحة المنافقين الذين كانوا يخذلون المسلمين، وتاب من أولئك مخشن بن حمير، ودعا الله أن يكفر عنه بشهادة يخفي بها مكانه، فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر.

ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك، أتاه يحنة بن رؤبة، صاحب أيلة، فصالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح، فأعطوه الجزية، فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم كتابا، فهو عندهم.

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة، وقال له: "يا خالد إنك ستجده يصيد البقر". فأتاه خالد ليلا7 وقرب من حصنه وأرسل الله تعالى بقر الوحش فأتت تحك حائط القصر بقرونها، فنشط أكيدر ليصيدها, وخرج في الليل، فأخذه خالد، وبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،فحقن له دمه، وصالحه على الجزية، ثم خلى سبيله.


فأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة، لم يجاوزها، ثم انصرف قافلا إلى المدينة.

ومات عبد الله ذو البجادين المزني في غزوة تبوك، فتولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر غسله ودفنه، ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قبره، وقال: "اللهم إني راض عنه، فارض عنه".

وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا، فتصلي لنا فيه، فقال:إني على جناح سفر، وحال شغل، أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم، ولو قد قدمنا إن شاء الله لأتيناكم، فصلينا لكم فيه.

فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر في منصرفه بهدم مسجد الضرار: أمر بذلك مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعاصم بن عدي أخاه وأمر بإحراقه، وقال لهم: "اخرجوا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدموه وأحرقوه" فخرجوا مسرعين. وأخرج مالك بن الدخشم من منزله شعلة من نار. ونهضوا فأحرقوا المسجد وهدموه وتفرقوا عنه، ونزل فيهم من القرآن ما نزل: "والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين " ... إلى آخر القصة.


حديث كعب بن مالك وأصحابه المتخلفين

يقول ابن عبد البر في كتابه الدرر : (( وأما اختصار حديث كعب بن مالك وأصحابه الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك لغير ريبة في الدين ولا تهمة نفاق إلا ما كان من علم الله في إظهار حالهم والزيادة في فضلهم، رويناه من طرق صحيحة لا أحصيها كثرة عن ابن شهاب، وخرجه المصنفون وأصحاب المساند. ذكره ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن أباه حدثه، قال: سمعت أبي كعب بن مالك، قال، فذكر الحديث، وفيه قال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك ثاب إلي لبي وعلمت أني قد فعلت ما لم يرض الله ورسوله في تخلفي عنه. فقلت أكذبه، وتذكرت ما يكون الكذب الذي أخرج به من ذلك، فلم يتجه لي. فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أطل ادما زاح عني الباطل، وعلمت أني لا أنجو منه إلا بالصدق. فلما صبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة نزل بالمسجد، فصلى ركعتين. ثم جلس فجاء المتخلفون، فجعلوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله. وجئت فسلمت عليه فتبسم تبسم المغضب، وقال لي: "ما خلفك؟ ألم أكن ابتعت ظهر ك؟ " فقلت: والله يا رسول الله لو جلست بين يدي غيرك لرجوت أن أقيم عنده عذري لأني أعطيت جدلا ولكني قد علمت أني إن كذبتك اليوم أطلعك الله عليه غدا، ففضحت نفسي. فوالله ما كان لي عذر في التخلف عنك، وما كنت قط أقوى مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أما هذا فقد صدقكم، فقم حتى يقضي الله فيك" فقمت ومعي رجال من قومي: بني سلمة يقولون: ما علمناك أتيت قط غير هذا الذنب، أفلا اعتذرت إليه فيسعك ما وسع المتخلفين؟ وكان يكفيك استغفار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى هممت أن أنصرف إلى رسول الله فأكذب نفسي ثم قلت: هل لقي مثل هذا أحد غيري؟ قالوا: نعم رجلان قالا مثل مقالك، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن ربيعة العمري وهلال بن أمية الواقفي.
فذكروا لي رجلين صالحين فيهما أسوة، فصمت حين ذكروهما لي.

ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة خاصة فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي نفسي والأرض التي أنا فيها. فأما صاحباي فقعدا في بيوتهما، وأما أنا فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف بالأسواق لا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم عليه ولا أسمعه يرد علي، فأقول: ليت شعري هل رد في نفسه. وكنت أصلي قريبا منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، فإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار "حائط" أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله ما زاد على السلام، فقلت: يا أبا قتادة نشدتك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت فناشدته ثانية، فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي فعدت فوثبت فتسورت الجدار، وخرجت. ثم غدوت إلى السوق فإذا رجل يسأل عني من نبط الشام القادمين بالطعام إلى المدينة، يقول: من يدل على كعب بن مالك، فجعل الناس يشيرون له إلي فجاءني، فدفع إلي كتاب من ملك غسان، فإذا فيه: أما بعد فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان، فالحق بنا نواسك. فعمدت إلى تنور، فسجرت فيه الكتاب. وأقمت حالي حتى إذا مضت أربعون ليلة إذا رسول رسول الله أتاني، فقال لي: رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا؟ قال: لا بل اعتزلها ولا تقربها. وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني فيهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما هو قاض، وجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع لا خادم له أفتكره أن أخدمه؟ قال: "لا ولكن لا يقربنك" قالت: والله يا رسول الله ما به من حركة إلي، وما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومي هذا حتى تخوفت على بصره. وقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة امرأتك فقد أذن لهلال بن أمية؟ فقلت: والله لا أفعل، إني لا أدري ما يقول لي وأنا رجل شاب.
قال: فلبثنا في ذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن الكلام معنا. فلما صليت الصبح صبح خمسين ليلة وأنا قد ضاقت علي الأرض بما رحبت وضاقت علي نفسي، فأنا كذلك إذ سمعت صوت صارخ قد وافى على ظهر سلع ينادي بأعلى صوته : يا كعب بن مالك أبشر، فخررت لله ساجدا وعلمت أن قد جاء الفرج، وآذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر فذهب الناس يبشروننا. وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم حتى وافى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس.

فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت ثوبي فكسوتهما إياه، والله ما أملك يومئذ غيرهما، واستعرت ثوبين فلبستهما ثم انطلقت أتيمم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتلقاني الناس يبشرونني بالتوبة، ويقولون: لتهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس، حوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله، فحياني وهنأني، ووالله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي ووجهه يبرق من السرور: "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك" قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: "لا بل من عند الله" قال: وكان رسول الله إذا استبشر كأن وجهه قطعة قمر. فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي إلى الله أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك" قلت: إني ممسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله إن الله قد أنجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت. وكان ما نزل في شأني من القرآن قوله تعالى جل ذكره: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} إلى قوله: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} )) أهـ.


إسلام ثقيف

ولما كان في رمضان سنة تسع من الهجرة منصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تبوك أتاه وفد ثفيف. وقد كان عروة بن مسعود الثقفي لحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حين انصرافه من حصار الطائف، فأدركه قبل أن يدخل المدينة، فأسلم. وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، وكان سيد قومه ثقيف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنهم قاتلوك". وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم امتناعهم ونخوتهم، فقال: يا رسول الله إني أحب إليهم من أبكارهم ووثق بمكانه منهم، فانصرف إليهم ودعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنه قد أسلم. فرموه بالنبل، فأصابه سهم، فقتله. فزعمت بنو مالك أنه قتله رجل منهم، فقيل له: ما ترى في دمك؟ فقال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها إلي، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يدخل إليكم. وأوصى أن يدفن معهم. فهو مدفون خارج الطائف مع الشهداء
وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مثله في قومه مثل صاحب ياسين في قومه".


ثم إن ثقيفا رأوا أن لا طاقة لهم بما هم فيه من خلاف جميع العرب ومغاورتهم لهم والتضييق عليهم، فاجتمعوا على أن يرسلوا من أنفسهم رسولا، كما أرسلوا عروة، فكلموا عبد يا ليل بن عمرو بن عمير، وكان في سن عروة بن مسعود، في ذلك، فأبى أن يفعل، وخشي أن يصنع به ما صنع بعروة بن مسعود، وقال: لست فاعلا إلا أن ترسلوا معي رجالا، فأجمعوا على أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك فيكونوا ستة. فبعثوا مع عبد يا ليل: الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب، وشرحبيل بنغيلان بن سلمة من بني معتب، ومن بني مالك: عثمان بن أبي العاصي بن بشر بن عبد دهمان. وأوس بن عوف أخا بني سالم وقد قيل إنه قاتل عروة، ونمير بن خرشة بن ربيعة.

فخرجوا حتى قدموا المدينة، فأول من رآهم المغيرة بن شعبة، وكان يرعى ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نوبته، وكانت رعيتها نوبا عليهم، فترك عندهم الركاب، ونهض مسرعا، ليبشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقدومهم، فلقي أبا بكر الصديق، فاستخبره عن شأنه فأخبره بقدوم وفد قومه: ثقيف، للإسلام. فأقسم عليه أبو بكر أن يؤثره بتبشير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فأجابه المغيرة إلى ذلك. فكان أبو بكر هو الذي بشر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك.
ثم رجع إليهم المغيرة. ورجع معهم، وأخبرهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يفعلوا وحيوه بتحية الجاهلية. فضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبة في ناحية المسجد وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يختلف بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهو الذي كتب الكتاب لهم، وكان الطعام يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يأكلون حتى يأكل منه خالد بن سعيد. وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يكتب كتابهم أن يترك لهم الطاغية وهي اللات لا يهدمها ثلاث سنين. فأبى رسول الله إلا هدمها. وسألوه أن لا يهدموا أوثانهم وألا يكسروها بأيديهم، فأعفاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كسرها بأيديهم، وأبي أن يدع لهم وثنا. وقالوا: إنما أردنا أن نسلم بتركها من سفهائنا ونسائنا، وخفنا أن نروع قومنا بهدمها حتى ندخلهم الإسلام وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة، فقال لهم: "لا خير في دين لا صلاة فيه".

فلما كتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم أمر عليهم عثمان بن أبي العاصي، وكان أحدثهم سنا، ورآه أحرصهم على تعلم القرآن وشرائع الإسلام. وأمره أن يصلي بهم وأن يقدرهم بأضعفهم ولا يطول عليهم. وأمره أن يتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا وبعث معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم الأوثان والطاغية وغيرها، فأقام أبو سفيان في ماله بذي الهزم، وقال للمغيرة: ادخل أنت على قومك. فدخل المغيرة. وشرع في هذه الطاغية وهي اللات. وقامدونه قومه بنو معتب خشية أن يرمى كما رمي عروة بن مسعود، وخرج نساء ثقيف يبكين اللات حسرا وينحن عليها. فهدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها.

وقد كان أبو مليح بن عروة بن مسعود وقارب بن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل وفد ثقيف حين قتل عروة بن مسعود يريدان فراق ثقيف وأن لا يجامعاهم على شيء أبدا، فأسلما. وقال لهما: "توليا من شئتما" فقالا: نتولى الله ورسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وخالكما أبا سفيان بن حرب" فقالا: وخالنا أبا سفيان بن حرب.

فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا سفيان والمغيرة إلى هدم الطاغية سأل أبو مليح بن عروة بن مسعود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقضي دين أبيه عروة من مال الطاغية. وسأل قارب بن الأسود مثل ذلك. والأسود وعروة أخوان لأب وأم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمغيرة وأبي سفيان: "اقضيا دين عروة من مال الطاغية".

فقال قارب: يا رسول الله و دين الأسود. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الأسود مات مشركا". فقال قارب: يا رسول الله لكن تصل مسلما ذا قرابة يعني نفسه إنما الدين علي وأنا الذي أطلب به. فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقضاء دين الأسود بن مسعود من مال الطاغية. فقضى أبو سفيان والمغيرة دين الأسود وعروة ابني مسعود من مال الطاغية.


حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة تسع

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالخروج إلى الحج وإقامته للناس، فخرج أبو بكر لذلك، ونزل صدر سورة براءة بعده. فقيل له: يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر يقرؤها على الناس في الموسم؟ فقال: "إنه لا يؤديها عني إلا رجل من أهل بيتي". ثم دعا عليا، فقال له: "اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذن بها في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى", وأمره بما ينادي به في الموسم فخرج على ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العضباء، حتى أدرك أبا بكر بالطريق، فقال له أبو بكر بما رآه: أميرا أو مأمورا؟ قال: بل مأمورا.

ثم نهضا، فأقام أبو بكر للناس الحج سنة تسع على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية. وقد قيل: إن حجة أبي بكر وقعت حينئذ في ذي القعدة على ما كانوا عليه من النسيء في الجاهلية. وروى معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى : {إنما النسيء زيادة في الكفر} قال: كانوا يحجون في كل شهر عامين، حجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، حتى وافت حجة أبي بكر في الآخر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قابل في ذي الحجة، فذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: "إن الزمن قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض".

قال معمر، قال الزهري، عن سعيد بن المسيب: لما قفل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حنين اعتمر من الجعرانة وأمر أبا بكر على تلك الحجة.

وذكر ابن جريج عن مجاهد، قال: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تبوك أراد الحج ثم قال: "إنه يحضر البيت عراة مشركون يطوفون بالبيت ولا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك". فأرسل أبا بكر ثم أردفه عليا.

قال أبو عمر:
بعث عليا ينبذ إلى كل ذي عهد عهده، ويعهد إليهم أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان مع سائر ما أمره أن ينادي به في كل موطن من مواطن الحج. فأقام الحج ذلك العام سنة تسع أبو بكر.

ثم حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قابل حجته التي لم يحج من المدينة غيرها فوقعت حجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العام المقبل في ذي الحجة، فقال: "إن الزمان قد استدار .. " الحديث .

وثبت الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة. فلما كان يوم النحر في حجة أبي بكر قام علي فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "أيها الناس إنه لا يدخل الجنة كافر". روي في حديثه هذا: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدته. وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة لأحد كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف بالبيت عريان.

حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حرب، قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا عباد بن العوام، قال: حدثنا سفيان بن حصين، قال: حدثني أبو بشر، عن مجاهد:أن أبا بكر حج في ذي القعدة.

قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا عباد بن عباد، قال: قال سفيان بن حصين "قال" وأخبرني إياس بن معاوية، عن عكرمة بن خالد المخزومي أن أبا بكر حج في ذي القعدة، فلما كان العام المقبل حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذي الحجة، فخطب الناس. وذكر الحديث.

وخطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجته، فقال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهر، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مفرد الذي بين جمادى وشعبان".


وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكون قد إنتهينا من الكلام عن هذه الغزوة العظيمة والتي هي آخر غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبهذا أكون قد انتهيت بفضل الله من هذا الموضوع غير أنه بقى لي كتابة أسماء الكتب والمراجع التي تم الإستعانة بها في هذا الموضوع والتي ستكون غداً أو بعد غد بمشيئة الله, وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً .


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: غزوات سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يوليو 04, 2016 11:19 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477

الكتب والمراجع التي تم الإستعانة بها في هذا الموضوع:-

1- الدرر في إختصار المغازي والسير لإبن عبد البر

2- سيرة ابن هشام

3- مختصر سيرة ابن هشام

4- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي الشامي

5- الروض الأنف للسهيلي


وإلى هنا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكون قد إنتهيت من هذا الموضوع الذي أسأل الله فيه أن يكون خالصاً لوجهه الكريم وأن يتقبله بالقبول الحسن , والله أسأل وبنبيه أتوسل أن يبلغنا رمضان أعواماً عديدة وسنيناً مديدة مشتغلين فيها بالعبادة الخالصة لوجهه الكريم , وكل عام وأنتم بخير , وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 30 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 20 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط