قالوا: وعاش سمعان بن هبيرة، وهو أبو السَّمال الأسدي سبعا وستين ومائة سنة. وهو الذي يقول: وهادئة من شيبتي وتحنُّني ... وطول قعودي بالوصيد أُفكِّرُ تقول فنى سمعان بعد اعتداله ... وبعد سواد الرأس فالرأس أَزعرُ فقلت لها، لا تهزئي إِنَّ قصرك المنايا، ... وريب الدَّهر بالمرء يغدرُ فكم من صحيح عاش دهرا بنعمة ... فحل به يوم أَغرُّ مشهرَّ فصار لقي في البيت لا يبرح الفنا ... رذيَّا عليه كآبة وتوقُّرُ وقد كان مدلاجا إلى المجد متعبا ... إليه المطايا عمرهُ ليس يفترُ فلما ترامته المنايا وريبها ... تقوَّس الظَّهر فالخطوُ مُقصرُ " كذا قال أبو حاتم مقصر، وهو غلط، لأنه لا يقال: أقصر الخطوُ، إنما يقال قصر، ويجوز فالخطو مقصر، فجعل المصدر " الميمي " صفة للخطو ".
قالوا: وعاش فالج بن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع بن ريث بن غطفان ثمانين ومائة سنة، وكان فارسا، وكان عريِّيضا، يعرض فيما ليس يعنيه، وهو الذي تضرب العرب به المثل، يقال للرجل إذا عرض فيما لا يعنيه " أَنت من هذا الأَمر فالج بن خلاوة ". حدثنا أبو حاتم: قال أخبرنا به أبو زيد فقال " أنت كفالج بن خلاوة، ولا عقب لفالج ". وقال يذكر اعتراضه فيما لا يعنيه: أَلا رُبَّ أَمر معضل قد ركبته ... بثنيىَّ فعل التَّيَّحان المضللَّ فأَقشع عنيِّ لم يضرني وربَّما ... أَجرَّ الفتى ما كان عنه بمعزل وقد كنت ذا بأوٍ على النَّاس مرَّة ... إِذا جئت أَمرا جئته الدَّهر من علِ فلمَّا رماني الدَّهر صرت رزيَّة ... لكل ضعيف الركن أَكشف أَعزل فيا دهر قدما كنت صعبا فلم تزل ... بسهمك ترمي كلَّ عظم ومفصل
قالوا: وعاش جروة بن يزيد الطائي، وكان ينزل بلخ خراسان، نزلها أيام عبد الله بن عامر، وهو ابن قريب من مائة سنة، وقتل مع سورة بن أَبجر، وهو أشل اليد اليسرى، ضربت يده يوم زحف التُّرك إلى الأحنف بن قيس، فشلّت يده، فأعطاه الأحنف دِيتَهَا، ومتب إلى ابن عامر فأعطاه ديتها أيضا، وأمر له بعشرة آلاف درهم. وكتب إلى الأحنف: كافئ على البلاء فإنَّ الله يحبَّ الشَّاكرين. وكان يكثر الغزو، وهو شيخ كبير، وكان لا يليق شيئا سخاء، وكان شجاعا مسيَّعا وهو الذي يقول: تلوم حليلتي بالغزو جهلا ... وغرُ الغرور أَولى بالملام ولولا الغزو كنت كمن يغادى ... بأنواع الشَّبارق والمُدام " الشبارق الطعام، لفظ فارسي معرب ".
وقالت قد كبرت فقلت كلاّ ... وربِّ البيت والشَّهر الحرام لقد أَبطلت، ما كبري بمُدبي ... إلىَّ حليلتي، قدر الحمام سأَغزو أَو أَموت كذا خفاتا ... ولا آتى بداهية وذام فإنَّ الدَّهر يلعب أَبرديه ... بكلّ مذمَّم جلد العظام ويترك كلَّ مضعوف جريء ... على الأَبطال يعرف بالزَّحام وهو الذي يقول لامرأته: وقالت قد كبرت، وقلت حقَّا ... كبرت، فكفكفي ودعي عتابي عتابك كلَّ يوم لي عذاب ... ومثلي لا يقرُّ على العذاب فإن لم تصبري وكرهت قربي ... فدونك ما أَردت من اجتنابي سأَغزو التَّرك في نفرٍ كرام ... سراع حين ندعى للضِّراب يرون الموت أَفضل من حياة ... تُصيِّرها الدُّهور إِلى تباب وفي الأَيَّام لي عظة وناه ... وما أَرضى معاتبة الكَعابِ لأَنِّي أَطلب الأَمر الَّذي لا ... ينال بغير ضرب للرِّقاب فيا ليت السيوف تعاورتني ... بأَيدي معشر كأُسود غاب فأَلقى الموت مشتهرا فعالي ... ولم تدنس بمخزية ثيابي
وعاش بحر بن الحارث بن امرئ القيس بن زهير بن جناب بن هبل الكلبيّ مائة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام، فلم يسلم، وقال: من عاش خمسين حولا بعدها مائة ... من السِّنين وأضحى بعد ينتظر وصار في البيت مثل الحلس مطَّرحا ... لا يستشار ولا يعطي ولا يذر ملَّ المعاش وملَّ الأقربون له ... طول الحياة، وشرُّ العيشة الكدر
قالوا: وعاش مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب بن عليم بن جناب بن هبل، من كلب، مائة سنة وأربعين سنة، وقال: أصبحت يا أمَّ بكر قد تخوَّنني ... ريب الزَّمان وقد أزرى بي الكبر لا أستطيع نهوضا بالسِّلاح ولا ... أمضى الهموم كما قد كنت أبتكر أمشي على محجن والرَّاس مشتعل ... هيهات هيهات، طال العيش والعمر قد كنت في عصر لا شيء يعد له ... فبان منِّي، وهذا بعده عصر قالوا: وعاش امرؤ القيس بن حمام بن عبيدة بن هبل بن عبد الله بن كنانة ابن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة، فقال في ذلك: إنَّ الكبير إذا طالت زمانته ... فإنَّما حمله جنّازة عار ومن يعيش زمنا في أهلة خرفا ... كلاَّ عليهم إذا حلُّوا وإن ساروا يذمم مرارة عيش كان أوَّله ... حلوا، وللدَّهر إحلاء وإمرار قالوا: وعاش عوف بن سبيع بن عميرة بن الهوان بن أعجب بن قدامة بن جرم بن ربّان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة مائة سنة وثمانين سنة. وقال في ذلك: إلا هل لمن أجرى ثمانين حجَّة ... إلى مائة عيش وقد بلغ المدى وما زالت الأيَّام ترمي صفاته ... ونغتاله حتَّى تضعضع وانحنى وصار كفرخ النَّسر يهتزُّ جيده ... يرى دون شخص المرءِ شخصا إذا رأى وبدِّل من طرف جواد حشيَّة ... ومن قوسه والرُّمح والصَّارم العصا وإنِّي رأيت المرء يظعن جاره ... لنيَّته لا بدَّ يوما وإن ثوى قالوا: وعاش عامر، وهو طابخة بن تغلب بن خلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعة خمسمائة سنة وعشرين سنة، ولا أعلمه. قال شعرا، وهو معروف بطول العمر. قالوا: وعاش أبو الطَّمحان القينيّ حنظلة بن الشَّرقيّ، من بني كنانة بن القين ابن جسر بن شيع الله بن الأسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعة مائتي سنة. وقال في ذلك: حنتني حانيات الدَّهر حتَّى ... كأنِّي خاتل يدنوا لصيد قريب الخطو يحسب من رءاني ... ولست مقيَّدا أنَّى بقيد حدثنا أبو حاتم، قال حدثني عدة من أصحابنا، أنهم سمعوا يونس بن حبيب النحويّ ينشد هذين البيتين كثيرا فيما زعم أصحابنا، وكان ينشد أيضا: تقارب خطو رجلك يا سويد ... وقيَّدك الزَّمان بشرِّ قيد قالوا: وعاش حارثة بن صخر بن مالك بن عبد مناة بن هبل بن عبد الله بن كنانة ابن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة مائة سنة وثمانين سنة حتى أدرك الإسلام فلم يسلم، وأسلم ابنه جناب بن حارثة بن صخر، وهاجر إلى المدينة، فجزع من ذلك جزعا شديدا. وأنشأ يقول: تركت أباك بالأدوات كَّلا ... وأمَّك كالعجول من الظِّراب فلا وأبيك ما باليت وجدي ... ولا شوقي الشَّديد ولا اكتئابي ولا دمعا تجود به المآقي ... ولا أسفي عليك ولا انتحابي فعمرك لا تلوميني ولومي ... جنابا حين أزمع بالذَّهاب إذا هتف الحمام على غصون ... جرت عبرات عيني بانسكاب يذكِّرني الحمام صفىَّ نفسي ... جنابا، من عذيري من جناب
_________________
مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم
|