موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 60 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يونيو 13, 2016 5:37 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060


بسم الله الرحمن الرحيم




( 7 )
وقال زهير بن جناب حين مضت له مائتان سنة من عمره: لقد عمِّرت حتَّى ما أُبالي أَحتفى في صباحي أو مسائي
وحقَّ لمن أَتت مائتان عام ... عليه أَن يملَّ من الثَّواءِ
شهدت المخطئين على خزازٍ ... وبالسُّلاَّن جمعا ذا زهاء
ونادمت الملوك من آل عمرٍ ... وبعدهم بني ماءٍ السَّماء
قال أبو حاتم: التي ذكر امرأة؛ وهي بنت عوف بن جثم بن هلال النَّمريَّة، قال، فنادمت بنيها، وهي أم المنذر بن النعمان. ويعنى بآل عمرو بني عمرو آكل المرار؛ والمرار بنت حارٌّ، يتقلص منه مشفر البعير إذا أكله.
قال، وقال أيضا زهير، وسمع بعض نسائه تتكلم بما لا ينبغي لامرأة تتكلم عند زوجها، فنهاها، فقلت له: اسكت، وإلا ضربتك بهذا العمود، فوالله ما كنت أراك شيئا، ولا تعقله.
فقال عند ذلك:
أَلا يا لقوم لا أرى النَّجم طالعا ... من الَّليل إِلاَّ حاجبي بيميني
مُعزِّبتي عند القفا بعمودها ... يكون نكيري أَن أَقول ذريني
أَمينا على سرِّ النِّساء وربَّما ... أَكون على الأَسرار غير أَمين
وللموت خير من حداج موطَّأ ... مع الظُّعن لا يأتي المحلَّ لحين
" المعزَّة التي تقوم عليه وتطعمه كما يطعم الصَّبيّ؛ وذكر الأصمعي، المعزّبة هي التي تحفَّه وترفُّه " وقال زهير بن جناب:
ليت شعري والدَّهر ذو حدثان ... أَيُّ حين منيَّتي تلقاني
أَسبأت على الفراش خفات ... أَم بكفَّي مُفجَّعٍ حرَّان
ويروى: مفجَّع كأنه قُتل له قتيل.
قال أبو حاتم، وذكر الكلبي أن زهير بن جناب أوقع بالعرب مائتي وقعة. فقال الشَّرقّي بن القطامي خمسمائة وقعة.
والشرقي ضعيف.
حدثنا أبو حاتم قال، وزعم هشام بن محمد عن أبيه محمد بن السائب قال، سمعت أشياخا الكلبين يقولون، عاش زهير بن جناب أن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن مرة بن مالك بن حمير مائتي سنة.
فلم تجتمع قضاعة إلا عليه، وعلى رزاح بن ربيعة بن حرام بن ضنَّة بن عبد كبير ابن عذرة بن سعد، وهو هذيم بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة؛ ورزاح، ودحنّ أخوا قضىّ بن كلاب لأمه.
وكان زهير على عهد كليب بن وائل، وقد كان أسر مهلهلا، ولم يكن في العرب أنطق من زهير بن جناب، ولا أوجه عند الملوك، وكان لشدة رأيه يسمى كاهنا.
قال أبو حاتم: وذكر أصحابنا عن هشام قال، وكان زهير قال، ألا إن الحيّ ظعن.
فقال عبد الله بن عليم بن جناب: ألا إن الحي أقام.
فقال زهير: ألا إن الحي أقام فقال عبد الله: إلا إن الحي ظعن فقال زهير: من هذا المخالف علىّ منذ اليوم؟ قالوا: هذا ابن أخيك عبد الله بن عليم.
فقال: شر الناس للعمِّ ابن الأخ، إلا لا يدعُ قاتل عمه.
وأنشأ يقول:
وكيف بمن لا أستطيع فراقه ... ومن هو إن لا تجمع الدار لاهف
أَمير خلاف إِن أَقم لا يقيم معي ... ويرحل وإن أَرحل يُقم ويخالفُ
قال: ثم شرب زهير الخمر صرفا أياما حتى مات.
وشربها أبو براء، عامر بن مالك بن جعفر حين خولف صرفا حتى مات، وشربها عمرو بن كلثوم التغلبي صرفا حتى مات؛ ولم يبلغنا أن أحد من العرب فعل ذلك إلا هؤلاء.
قالوا: وعاش زهير حتى أدركه من ولد أخيه أبو الأحوص، وعمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب.
قالوا: وكان الشرقي بن قطامى يقول: عاش ابن جناب أربعمائة سنة.
قال، وقال المسيَّب بن الرِّفل الزهيري من ولد زهير بن جناب:
وأَبرهة الَّذي كان اصطفانا ... وسوَّسنا وتاج الملكِ عالي وقاسم نصف إِمرتَهِ زُهيرا ... ولم يك دونه في الأمر والي
وأَمَّره على حيَّى مَعدٍ ... وأَمَّره على الحِّي المعالي
على ابني وائل لهما مهينا ... يردُّهما على رغم السبال
بحبسهما بدار الذُّلِّ حتَّى ... أَلمَّا يهلكان من الهزال
قال: وعاش هبل بن عبد الله بن كنانة الكلبي، وهو جدُّ زهير بن جناب ابن هبل بن عبد الله سبعمائة سنة حتى خرف، وغرض منه أهله.
فقالوا: إن بني بنيه، وبني بناته وبني أخيه كانوا يضحكون منه، ومن اختلاط كلامه، وأن نفرا من قومه يقال لهم بنو عبدود بن كنانة جلسوا يوما عنده، فأكثروا التعجب منه، ولم يكونوا في الشرف مثله، منهم جبيل بن عامر بن عوف بن كنانة، وحجل بن عمرو بن عوف بن كنانة، وهما من كلب، ولم يكونا مثله، ولا مثل ولده في الشرف.
فقال هبل بن عبد الله:
ربَّ يوم قد يرى فيه هبل ... ذا سامٍ ونوالٍ وَجَذل
لا يناجيه ولا يَخلو بِهَل ... عبدُ وُدٍ وجبيل وحجَل



_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يونيو 14, 2016 4:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم




( 9 )
قالوا: قال عمارة بن عوف العدواني، ثم أحد بني وابش، وعمِّر خمسين ومائتي سنة، وكان كاهنا أدرك عمر بن الخطاب أول ما ولى، وهو شيخ قد ذهب بصره، وخرف، وأولع بالهذيان، يقول، أقروا ضيفكم.

قالوا: وعاش تيم الله بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفضى بن دُعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ابن مَعد خمسمائة سنة حتى أَخلق أربعة لُحُم حديد، وكان من دهاة العرب في زمانه.
فبلغنا أنه بعث بنيه ذات يوم في طلب إبل له ظلَّت، فهبت ريح بعدما خرجوا من عنده شديدة، وذلك في الشتاء، فقال لامرأته، أمَّ بنيه: انظري من أين هبت الريح.
فنظرت، ثم قالت: من مكان كذا وكذا.
فقال لها: أَخنتيني في بنيّ أم لا؟ فقالت لا والله ما خنتك فيهم.
فقال: ويحك، والله إني لأعلم أنها ريح تُدهدي البعر، وتعفوا الأثر فلا يعرفون منطلقا، وإنها لتسوق مطرا فلا يعرفون أَثرا، فإن رجعوا فإنهم بنيّ، وإياي أشبهوا، وإن مضوا فلن تريهم أبدا، وقد خنتني فيهم، ووالله لأقتلنَّكِ إذن قبل أن يرجعوا.
ثم لم يزل ليلة أجمع ما ينام وما تنام امرأته حتى إذا كان عند طلوع الفجر رجع أحدهم، فقال له أبوه، تيم الله: - ما ردك؟ قال: هبت ريح تدهدي العر، وتعفوا الأثر، وتسوق المطر فلم أر منطلقا. فتتابعوا على مثل مقالته كلَّهم، ورجعوا إلى أبيهم، فسرَّ بذلك، وقال: أنتم بنيَّ حقا، وإياي أَشبهتم.
فلما حضره الموت أمر بنيه أن يحفروا قبره بمكان يقال له " حضن ".
وقال في ذلك:
ها ذاك تيم الله يبني بيته ... بحضن حياته وموته
وكان الذي ولى كبرته من بنيه هلال، وبنو هلال بن تيم الله أقل بني تيم الله عددا، وأَخملهم ذكرا.
فقال في ذلك الأخنس بن عباس بن خنسا بن عبد العزى بن هلال بن تيم الله ابن ثعلبة:
حملنا الشَّيخ تيم الله عودا ... وكان وليَّ كبرته أَبونا
ولم يك طبُّ أَعمامي عُوقا ... ولكنا كفينا ما ولينا
جزيناه بنعمته علينا ... وأَطرفناه حتى مات فينا
" أطرفناه ابتدأناه بالنعم ".

قالوا: وعاش سويد بن خذاق، من عبد القيس بن أفضى بن دعمى بن أسد ابن ربيعة بن نزار مائتي سنة.

وقال في ذلك:
كبرتُ، وطال العمر حتَّى كأَنَّما ... رمى الدهر مني كل عضو بأَهزعا
غنمت بعيري شيخ من سئلت به ... فتاة بني من كان أَزمان تُبَّعا

قالوا: وقال عطاء الكلبي: عاش الجشع بن عوف بن جذيمة، من عبد القيس مائتي سنة حتى هرم، وملَّ الحياة، وهان على أهله.
فقال في ذلك: حتَّى متي الجشعم في الأحياء ليس بذي أيدٍ ولا غناء هيهات ما للموت من دواء قالوا: وعاش مجمِّع بن هلال بن خالد بن مالك بن هلال بن الحارث بن هلال ابن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل مائة سنة وتسع عشر سنة.
فقال في ذلك:
إن أُمسِ شيخا قد بليت فطالما ... عمرتُ، ولكن لا أَرى العيش ينفع
مضت مائة من مولدي فنضيتها وعشر وخمس بعد ذاك وأربع
فيا رب خيل كالقطا قد وزعتها ... لها سبل، فيه المنيَّة تلمع
شهدت، وغُنمٍ قد حويت ولذَّةٍ ... أَصبت، وماذا إلاَّ تمتُّعُ

قالوا: وعاش عمرو بن ثعلة من عبد القيس مائتي سنة.
وقال في ذلك حين كبر، وهان على أهله:
تهزَّأت عرسي واستنكرت ... شيبي، ففيها جنف وازورار
لا تكثري هزءا، ولا تعجبي ... فليس بالشيب على المرء عار
عمرك، هل تدرين أَنَّ الفتى ... شبابه ثوب عليه معارُ
قال أبو حاتم: وزعم عطاء بن مصعب الملط الأحمر وضع هذا البيت الآخر.
وعاش أنس بن مدرك الخشعمي بن كعيب بن عمرو بن يعد بن عوف ابن حارثة بن سعد بن عامر بن تيم الله بن مبشِّر بن أَكلب بن ربيعة بن عفرس بن حلف بن أَفتل، وهو خشعم أنمار بن بجيلة بن عمرو بن لحيان مائة وأربعا وخمسين سنة، وكان سيد خشعم في الجاهلية وفارسها، وأدرك الإسلام فأسلم.
وقال في كبره:
إذا ما امروء عاش النيدة سالما ... وخمسين عاما بعد ذاك وأربعا
تبدَّل مرَّ العيش من بعد حلوه ... وأَوشك أَن يبلى وأَن يتسعسعا
ويأذى به الأَدنى، يرضى به العبدا ... إذا صار مثل الرَّي أَحدب أَخضعا
رهينة قعر البيت ليس بريمه ... لقى ثاويا لا يبرح المهد مضجعا



_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يونيو 15, 2016 5:12 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم




( 10 )

قالوا: وعاش ذو جدن الحميري الملك ثلاثمائة سنة.
وقال في ذلك:
لكلِّ جنب اجتنبا مضطجع ... والموت لا ينفع منه الجزع
اليوم تجزون بأعمالكم ... كلُّ امرئ يحصد مما زرع
لو كان شيء حتفه ... أفلت منه في الجبال الصدع
وقال أيضا: يا إجتنا مهلا ذرينا ... أَفي سفاء تعذلينا
يا إجتنا تستعتبينا ... فلا وربك تعتبينا
يوم يغيِّر ذا النَّعيم ... وتارة يشقى الحزينا
إنَّ المنايا يطلَّعن ... على الأناس الآمنينا
فيدعنهم شتَّى وقد ... كانوا جميعا وافرينا
قالوا: عاش عبد اله بن سبيع الحميري مائة وخمسين ستة.
وقال في ذلك:
أَراني كلَّما هرَّمتُ يوما ... أَتى من بعده يوم جديد
يعود شبابه في كلَّ فجر ... ويأبى لي شبابي لا يعود

قالوا: وعاش مرداس بن صبيح بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد، من مذحج مائتي سنة وثلاثين سنة.
وقال في ذلك:
أَعاذلتي، دعي عذلي فإنَّ ... أتتني عن حجور منديات
" وحجور بطن من همدان، منهم معيوف بن يحي ".
قوافي قد أَتتني من بعيد ... فما أدري أَزور أَم ثبات
فإن تكُ كذبة من قوم سوء ... فما تزدهيني المعذرات
فإني قد كبرت ورقَّ عظمي ... وأَسلمني لدى الدَّهر الهنات
مرازي قد تنوب وطول عمر ... تثوب لها الهموم الطَّارقات
أَدبُّ على العصا لم يبق إلاَّ ... لسان صارم عضب حتات
فلا يغرركم كبري فإنِّي ... كريم، ليس في أمري شتات
قال أبو حاتم: وأظن البيت الأخير ليس منها.

قالوا وعاش عمرو بن ربيعة، وهو لحىّ بن حاثة بن عمرو بن عامر بن حارثة الغطريف بن ثعلبة بن أمرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد؛ وعمرو بن لحى هذا هو أبو خزاعة غير ولد أَفضى بن حارثة بن عمرو بن عامر.
قالوا: وقد يقال أنه لحى بن قَمعة بن خندف بن مضر.
قالوا: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أول من بحر البحيرة ووصل الوصيلة، وحمى الحامي، وغير دين أبيه إسماعيل عليه السلام عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف أبو خزاعة، فكأني أنظر إليه يجرَّ قصبه في النار، وأَشبه ولده به أَكثم بن الجون ".
فقال أكثم - وكان قاعدا -: يا رسول الله، بأبي وأمي، هل يضرَّني الشبّضه؟ قال: " لا يضرك كان كافرا، وأنت مسلم ".

عاش ثلاثمائة سنة، فكثر ماله وولده حتى بلغنا - والله أعلم - أنه كان يقاتل معه من ولده ألف مقاتل.

قال أبو حاتم، قالوا، وعاش فيما ذكر ابن الكلبي عن أبيه، أوس بن حارثة ابن لام بن عمرو بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعاء بن ذهل بن لوذان ابن رومان بن خارجة بن سعد بن جندب بن فطرة بن طّيء، وهو جُلهمة بن أُدد ابن زيد بن يشجب بن عريب بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، وهو عبد شمس ابن يشجب بن يعرب، وهو قحطان بن عابر، وإلى قحطان تجتمع قبائل اليمن كلها.
عاش مائتي سنة وعشرين سنة حتى هرم، وذهب سمعه وعقله، وكان سيد قومه وفي بيتهم؛ فبلغنا أن بنيه أرتحلوا، وتركوه في عرصتهم حتى هلك فيها ضيعة؛ وهم يُسبُّون بذلك اليوم.
وفي ذلك يقول الأسحم بن الحارث، أحد بني طريف بن مالك بن جدعاء بن ذهل بن لوذان بن رومان من جديلة طيء.
أتاني بالمحلَّة أَنَّ أَوسا ... على شظنان مات من الهزال
تحمل أهله واستودعوه ... خسيَّا من نسيج الصُّوف بالِ
تظلُّ الطَّير تعفوه وقوعا ... ألا يا بوسَ للشيخ المذال
" السيّ الصوف الذي لم يجزّ إلا مرة واحدة، وكان الإعراب بالياء، ولكن لغة طيء أن يقولوا: رأيت زيد، فيحذفون الألف، وشظنان أرض ترك الشيخ بنوه بها ".



_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 16, 2016 5:11 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم




( 11 )
قالوا: وعاش عديّ بن حاتم الطائي بن عبد الله بن حشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أحزم، وهو هزومه بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو ابن الغوث بن طيء مائة وثمانين سنة، فلما أَسنّ استأذن قومه وطاء يجلس عليه في ناديهم، وقال، إني أكره أن يظن أحدكم أنيّ أرى لي عليه فضلا، ولكني قد كبرت ورقّ عظمي.
فقالوا: ننظر.
فلما أبطأوا عليه أنشأ يقول:
أَجيبوا يا بني ثعل بن عمرو ... ولا تكموا الجواب من الحياء
فإنِّي قد كبرت ورقَّ عظمي ... وقلَّ اللَّحم من بعد النَّقاء
وأَصبحت الغداة أريد شيئا ... يقيني الأرض من برد الشتاء
وطاء يا بني ثعل بن عمرو ... وليس لشيخكم غير الوطاء
فإن ترضوا به فسرور راضٍ ... وإن تأبوا فإنيِّ ذو إباء
سترك ما أردت لما أَردتم ... وردُّك من عصاك من العناء
لأنِّي من مساءتكم بعيد ... كبعد الأرض من جوِّ السَّماء
وإني لا أكون بغير قومي ... فليس الدَّلو إلاَّ بالرِّشاء
فأذنوا له أن يبسط في ناديهم، وطابت به أنفسهم، وقالوا، أنت شيخنا وسيدنا وابن سيدنا، وما فينا أحد يكره ذلك ولا يدفعه.

قالوا: عاش عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني ثلاثمائة سنة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم، وكان منزله الحيرة، وكان شريفا في الجاهلية.
وقال:
لقد بنيت للحدثان بيتا ... لو انّ المرء تنفعه الحصون
رفيع الرأس أَجوى مشمخرا ... لأنواع الرِّياح به حنين
وقال يذكر من كان معه من ملوك قومه الذين مضوا:
أَبعدَ المنذرين أَرى سواما ... تروَّح بالخورنق والَّدير
تحاماه فوارس كلِّ حيّ ... مخافة أَغضف عالي الزَّئير
وبعد فوارس النعمان أرعى ... رياضا بين مرَّة والفير
وصرنا بعد هلك أبى قبيس ... كجرب الشَّتاء في يوم مطير
تقسَّمنا القبائل من معدّ ... علانية كأَيسار الجزور
وكنا لا يرام لنا حريم فنحن كضرَّة الضَّرع الفخورنؤَدِّي الخرج بعد خراج بصري وخرج بني قريظة والنَّظير
كذاك الهر دولته سجال ... فيوم من مساة أَو سرور
قالوا: وخرج بقيلة في ثوبين أَخضرين، فقال له إنسان: ما أنت إلى بقيلة؛ فسمى بقيلة بذلك، واسمه ثعلبة بن سُنين.
قالوا: وعاش عدي بن واع بن العقي، الحارث بن مالك بن فهم بن غنم ابن دوس بن عبد الله، من الأزد، ثلاثمائة سنة، فأدرك الإسلام، وأسلم، وغزا.
وقال في ذلك:
لا عيش إلاَّ الجنَّة المخضرَّة ... من يدخل النَّار يلاق ضرَّه
وقال:
أَعلم أَنَّ كلَّ فتى مرَّة ... للتراب أَو بيت من الجندل
ذلك مكروه وأدعى، فإن ... أُحمل على الثِّقلة لا أَثقلُ

قالوا: وعاش شريح بن يزيد بن نهيك بن دريد بن سفيان بن سلمة، وهو الضَّباب بن الحارث بن كعب بن مذحج عشرين ومائة سنة فيما ذكر ابن الكلبي عن أبي مخنف، قال: أخبرنا أشياخنا من بني الحارث قالوا: ثم قتل في ولاية الحجاج بن يوسف مع ابن أبي بكرة: فقال وهو يرتجز قبل أن يُقتل:
قد عشت بين المشركين أَعصرا ... ثُمَّتَ أَدركت النَّبيَّ المنذرا
وبعده صدِّيقه وَعَمرا ... ويوم مهران ويوم تسترا
والجمع في صفَّيهم والنَّهرا ... هيهات ما أَطول هذا عُمرا

قالوا: وعاش شرية بن عبد الجعفيّ من ججُعفيّ بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن مذحج ثلاثمائة سنة، وأدرك الإسلام.
حدثنا أبو حاتم قال: وذكر الكلبي قال: سمعت أبا بكر بن قيس الجعفيّ يذكر عن أشياخه، وقد ذكره غيره وقالوا: وهو شرية بن عبد الله الجُعفيّ، وقال في زمن عمر بن الخطاب، وهو بالمدينة: لقد رأيت هذا الوادي الذي أنتم به وما به قطرة ولا قصبة ولا شجرة مما ترون، وأدركت أخريات قومي يشهدون بمثل شهادتكم، يعني يقول " لا إله إلا الله " ومعه ابن له يهادي به في شجار، قد خرف، فقيل له: يا شرية، ما بال ابنك قد خرف وبك بقيّة؟
قال: أما والله ما تزوجت أُمه حتى أتت على سبعون سنة، وتزوجتها ستيرة عفيفة إن رضيت رأيت ما تقربه عيني، وإن تأتَّت لي حتى أرضى، وإن ابني هذا تزوج امرأة فاحشة بذيَّة، إن رأى ما تقرّ به عينه تعرضت له حتى يسخط وإن سخط تلغَّبته حتى يهلك.
ثم قال شرية: وأحلف لا يبنز ثوبي واحد ولا اثنان، وإني بالثلاثة معذور.
قال أبو روق: حدثنا الرياشي قال، حدثنا الأصمعي قال، مرَ رجل بقوم يدفنون ميتا ورجل يقول:
احثوا على ديسم من برد الثَّرى ... قدما أَتى ربَّكَ إلاَّ ما ترى
قال: فقلت له، من هؤلاء؟. فقال: هذا ابني، وهذا بنوه.


_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يونيو 17, 2016 4:37 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم




( 12 )

قالوا: وعاش سيف بن وهب بن جذيمة بن عمرو بن ثعلبة بن حيان بن ثعلبة، وهو جرم، وإنما سمى بجرم لحاضنة كانت له تسمى " جرما " مائتي سنة فيما ذكر ابن الكلبي عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، وهو من بلى، ثم من بني العجلان عن أشياخه.
وأما ابن الكلبي فقال: عاش ثلاثمائة سنة، وقال في ذلك:
أَلا إِنَّني عاجلا ذاهب ... فلا تحسبوا أنَّه كاذب
لبست شبابي فأَفنيته ... وأَدركني القدر الغالب
وصاحبني حقبة فانقضى ... شبابي، وودَّعني الصَّاحب
وخصم دفعت، ومولى نفعت ... حتَّى يثوب له ثائب
وجارٍ منعت، وفتق رتقت ... إِذا الصدع أَعيا به الشَّاعب
قالوا: وعاش عامر بن خوين بن عبد رضا بن قمران بن ثعلبة بن عمرو بن حيان " ابن ثعلبة "، وهو جرم بن عمرو بن الغوث بن طّيء مائتي سنة.

وقال:
المرء يبكي للسَّلا ... مة، والسلامة لا تُحسُّه
أَو سالم من قد تثنَّى ... جلدُهُ وابيضَّ رأسُهُ
أَو دبَ هرمٍ وأَو ... دي سمعُهُ وانفَّق ضرسه
أَودي الزمان بأَهله ... وبأَقربيه فقلَّ أُنسُه
قالوا: وعاش الحارث بن مضاض الجرهمي، من جدهم الأكبر، وهو جرهم بن قحطان بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن نوح عليه السلام أربعمائة سنة.
قالوا: وعاش جعفر بن قرط العامري ثلاثمائة سنة، وأدرك الإسلام، فقال:
لم يبق يا خذلة من لِداتي ... أَبو بنين لا ولا بنات
من مسقط الشَّمس إلى الفرات ... إلا يُعدُّ في الأموات
هل مشترٍ أَبيعُهُ حياتي وعاش عباد بن أنف الكلب الصيداوي، من بني أسد عشرين ومائة سنة، وقال:
عمرت، فلمَّا جزت ستينَ حجَّة ... وستين، قال الناس: أَنت مفنَّدُ
فقلت لهم بالله هل تنكرونني ... وهل عابني إِلاَّ السَّخا والتَّمجُّدُ
" السخاء ممدودة، والراوية: إلا النّى واالتمجد ".
قالوا: وعاش عامر بن الظرب العدواني مائتي سنة، وكان حكما للعرب.
وفيه يقول ذو الإصبع العدواني:
ومنَّا حكم يقضى ... فلا ينقض ما يقضى
وهي أبيات.
وإنما قيل له ذو الإصبع، لأنه كانت له في رجله إصبع زائدة، وكان من أمره، أن وَجًّا، وهو وادي الطائف، وهو حرم الطائف الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصطاد صيدها، ولا يختلي خلاؤها، وكان ثقيف، وهو قسّ بن منبِّه باليمن، أبو رغال فصدّقه، فأخذ شاته اللَّبون، وترك الأخرى، فأبى ثقيف أن يتركها، وقال، فيها قوتي، فأبى أن يتركها، فرماه ثقيف، فقتله، ثم لحق بالطائف فوجد فيها ظربا شيخا كبيرا، فأخذه، فقال، لتؤمنَّني أو لأقتُلنَّك، ثم لتنزلني أّفضل أرضك منزلا، فآمنه، وأنزله.
فلما جاء عامر ابنه قال له: ي أَبتاه، من هذا؟ قال: هذا رجل تبوَّا وادينا بغير حمد أَحد.
فقال عامر بن ظرب:
أَرى شعرات على حاجبيّ ... نبتن جميعا تؤاما
أظلّ أُهاهى بهنَّ الكلاب ... أَحسبهنّ صوارا قياما
أهاهي أزجرها، أقول هأْهَاْ.
وأَحسب أَنفي إِذا ما مشيت ... شخصا أَمامي رآني فقاما
قال أبو حاتم، وذكر أصحابنا عن الشعبي أن ابن عباس قال، قضى عامر بن الظرب العدواني، من جديلة قيس، على العرب بعد عمرو بن حممة الدَّوسي، فأتى عامر بخنثى له، ما للرجل وما للمرأة، فأشكلت عليه، فأقام أربعين يوما لا يقضى فيه بشيء، فأتته أمة سوداء تسمى " خصيلة "، فقالت: يا أيها الشيخ، أفنيت علينا ماشيتنا؛ وإنما أَفناهنَّ أنه كان يذبح لأصحاب المسألة كل يوم شاة.
فقال: ويلك، إني أتيت في أمر لا أدري أصعِّد فيه أم أصوِّب.
فقالت: وما ذاك؟ قال: أتيت بمولود له، ما للرجل وما للمرأة.
قالت: وما يشقّ عليك من ذلك؟ أتبعه المبال، أقعده، فإن كان يبول من حيث يبول الرجل فهو رجل، وإن كان يبول من حيث تبول النساء فهي امرأة.
قال - وكان كثيرا ما يعاتب الأمة في رعيتها إذا سرحت - فقال، أسيئي يا خصيل أو أحسني فلا عتاب عليك، قد فرَّجتها عني.
فلما أصبح قضي بالذي أشارت.
فلما جاء الإسلام شدّد القضية، فصارت سنّة في الإسلام، يعني الإسلام شدّدها.
قالوا: وعاش عامر مائتي سنة، وقالوا، ثلاثمائة سنة.
قال أبو حاتم، ذكروا ذلك عن مجالد عن الشَّعبيّ؛ قال أبو روق، وحدثناه الرياشيّ، قال، حدثنا عمر بن بكير عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشهبي قال، كنا عند ابن عباس، وهو في ضفَّة زمزم يفتي الناس إذ قال أعرابي، أفتيت الناس فأفتنا.
قال: هات.
قال: أرأيت قول الشاعر المتلمّس:
لذي الحلم قبل اليومِ ما تقرعُ العصا ... وما علِّم اْلإنسان إلاَّ ليعلما
قال ابن عباس: ذاك عمرو بن حممة الدَّوسيّ، قضى على العرب ثلاثمائة سنة، فكبر، فألزموه السابع من ولده، فكان معه، فكان الشيخ إذا غفل كانت الأمارة بينه وبينه أن تقرع العصا حتى يعاوده عقله، فذلك قول المتلمس اليشكريّ من بكر ابن وائل: لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا قال ذو الإصبع العدوانيّ بعد ذلك بدهر:
عذير الحيّ من عدوا ... ن كانوا حيَّة الأرضِ
بغى بعضهم بعضا ... فلم برعوا على بعض
ومنهم كانت السَّادا ... ت والموفون بالقرض
وهم بلغوا على الشَّحنا ... ءِ والشَّنآن والبغض
مبالغ لم ينلها النَّا ... س في بسط ولا قبض
وهم إن ولدوا أشبوا ... بسرِّ النَّسب المحض
ومنهم حكم يقضي ... فلا ينقض ما يقضي
يعني عامر بن الظَّرب.
أشبى الرجل إذا شبّ ولده.
فلما كبر عامر وتخوّف قومه أن يموت اجتمعوا إليه، فقالوا له، يا سيدنا وشريفنا، أوصِنا.
فقال: " يا معشر عدوان، كلفتموني تعبا، إن القلب لم يخلق، ومن لك بأخيك كلِّه، إن كنتم شرَّفتموني فقد التمست ذلك منكم، وإني قد أريتكم ذلك من نفسي، وأنّي لكم مثلي، افهموا عني ما أقول لكم؛ من جمع بين الحق والباطل لم يجتمعا له وكان الباطل أولى به، وإن الحق لم يزل ينفر من الباطل، ولم يزل الباطل ينفر من الحق، لا تفرحوا بالعلق ولا تشمتوا بالزلّة، وبكل عيش يعيش الفقير، ومن ير يوما ير به، وأعدّوا لكل أمر قدره، قبل الرِّماء تملأُ الكنائن، ومع السفاهة الندامة، والعقوبة نكال وفيها ذمامة، فلا تذموا العقوبة، واليد العليا معها عافية، والقود راحة لا عليك ولا لك، وإذا شئت وجدت مثلك، إنَّ عليك كما أَنّ لك، وللكثرة الرُّعب وللصبر الغلبة، من طلب شيئا وجده، وإلاّ يجده يوشك أن يقع قريبا منه.
فيا معشر عدوان، إياكم والشر فإن له باقية، وادفعوا الشر بالخير يغلبه، إنه من دفع الشرَّ بالشرِّ رجع الشرُّ عليه، وليس في الشرِّ أسوة، ومن شبقكم إلى خير فاتبعوا أثره تجدوا فضلا، إن خالق الخير والشر وسعهما، ولكل يد منهما نصيب.
يا معشر عدوان، إن الأوّل كفى الآخر، فمن رأيتموه أصابه شر فإنما أصابه فعله، فاجتنبوا ذلك الذي فعله؛ يا معشر عدوان، إن الشرّ ميّت، وإنما يأتيه الحيّ فيصيبه، ومن اجتنب الشرّ لم يثب الشرُّ عليه؛ يا معشر عدوان، إن الخير عزوف ألوف، ولم يفارق الخير صاحبه حتى يفارقه ولن يرجع إليه حتى يأتيه؛ يا معشر عدوان، ربُّوا صغيركم، واعتبروا بالناس ولا يعتبر الناس بكم، وخذوا على أيدي سفهائكم تقلل جر أثركم، وإياكم والحسد فإنه شؤم ونكد، وإن كلَّ ذي فضل واجد أفضل منه، ومن بلغ منكم خطَّة خير فأعينوه واطلبوا مثلها، ورغِّبوه في نيّته، وتنافسوا في طريقته، ومن قصّر فلا يلومنّ إلا نفسه، وإني وجدت صدق الحديث طرفا من الغيب فاصدقوا تصدَّقوا.
" يقول من لزم الصدق وعوّده لسانه وفِّق فلا يكاد يتكلم بشيء يظنّه إلا جاء على ظنّه ".
وإنّي رأيت للخير طرقاً فسلكتها، ورأيت للشرّ طرقاً فاجتنبتها، وإني والله ما كنت حكيما حتى تبعت الحكماء، وما كنت سيِّدكم حتى تعبّدت لكم، إن الموعظة لا تنفع إلا عاقلا، وإن لكلّ شيء داعيا، فأجيبوا إلى الحق وادعوا إليه وأذعنوا له " يريد ذلُّوا للحق ".
وكان من حديث عامر أنه زوّج ابنته فعمة ابنة عامر ابن أخيه عامر بن الحارث ابن ظرب، وقال لأمها، وهي ماوية بنت عوف بن فهر حين أراد البناء بها: " يا هذه، مُري ابنتك فلا تنزلن فلاة إلا معها ماء، وأن تكثر استعمال الماء فلا طيب أطيب منه، وإن الماء جعل للأعلى جلاء وللأسفل نقاء، وإياك أن تميلي إلى هواك ورأيك فإنه لا رأي للمرأة، وإيَّاي ووصيّتك، فإنه لا وصيّة لك، أخبري ابنتك، أن العشق حلوٌ، وأن الكرامة المؤاتاه، فلا تستكرهنّ زوجها من نفسها، ولا تمنعه عند شهوته، فإن الرضا الإتيان عند اللذة، ولا تكثر مضاجعته فإن الجسد إذا ملّ ملّ القلب، ومريها فلا تمزحنّ معه بنفسه، فإن ذلك يكون منه الانقباض،
فأتى ابن أخيه العمَّ، فشكا ذلك إليه، فقال له عامر: " يا ابن أخي، إنها وإن كانت ابنتي فإن لك نصيباً مني " أو قال، فإن نصيبك الأوفر مني " فاصدقني، فإنه لا رأى لمكذوب، فإن صدقتني صدقتك، إن كنت نفَّرتها فذعرتها، وإن كانت نفرت منك من غير إنفار فذلك الداء الذي ليس له دواء، وإلا يكن وماق ففراق، وأجمل القبيح الطلاق، ولم نترك أهلك ومالك، وقد خلعتها منك بما أعطيتها، وهي فعلت ذلك بنفسها.
فزعمت علماء العرب أن هذا أول خلع كان في العرب وثبت في الإسلام.





_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يونيو 18, 2016 2:21 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
قالوا: وعاش سمعان بن هبيرة، وهو أبو السَّمال الأسدي سبعا وستين ومائة سنة.
وهو الذي يقول:
وهادئة من شيبتي وتحنُّني ... وطول قعودي بالوصيد أُفكِّرُ
تقول فنى سمعان بعد اعتداله ... وبعد سواد الرأس فالرأس أَزعرُ
فقلت لها، لا تهزئي إِنَّ قصرك المنايا، ... وريب الدَّهر بالمرء يغدرُ
فكم من صحيح عاش دهرا بنعمة ... فحل به يوم أَغرُّ مشهرَّ
فصار لقي في البيت لا يبرح الفنا ... رذيَّا عليه كآبة وتوقُّرُ
وقد كان مدلاجا إلى المجد متعبا ... إليه المطايا عمرهُ ليس يفترُ
فلما ترامته المنايا وريبها ... تقوَّس الظَّهر فالخطوُ مُقصرُ
" كذا قال أبو حاتم مقصر، وهو غلط، لأنه لا يقال: أقصر الخطوُ، إنما يقال قصر، ويجوز فالخطو مقصر، فجعل المصدر " الميمي " صفة للخطو ".

قالوا: وعاش فالج بن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع بن ريث بن غطفان ثمانين ومائة سنة، وكان فارسا، وكان عريِّيضا، يعرض فيما ليس يعنيه، وهو الذي تضرب العرب به المثل، يقال للرجل إذا عرض فيما لا يعنيه " أَنت من هذا الأَمر فالج بن خلاوة ".
حدثنا أبو حاتم: قال أخبرنا به أبو زيد فقال " أنت كفالج بن خلاوة، ولا عقب لفالج ".
وقال يذكر اعتراضه فيما لا يعنيه:
أَلا رُبَّ أَمر معضل قد ركبته ... بثنيىَّ فعل التَّيَّحان المضللَّ
فأَقشع عنيِّ لم يضرني وربَّما ... أَجرَّ الفتى ما كان عنه بمعزل
وقد كنت ذا بأوٍ على النَّاس مرَّة ... إِذا جئت أَمرا جئته الدَّهر من علِ
فلمَّا رماني الدَّهر صرت رزيَّة ... لكل ضعيف الركن أَكشف أَعزل
فيا دهر قدما كنت صعبا فلم تزل ... بسهمك ترمي كلَّ عظم ومفصل

قالوا: وعاش جروة بن يزيد الطائي، وكان ينزل بلخ خراسان، نزلها أيام عبد الله بن عامر، وهو ابن قريب من مائة سنة، وقتل مع سورة بن أَبجر، وهو أشل اليد اليسرى، ضربت يده يوم زحف التُّرك إلى الأحنف بن قيس، فشلّت يده، فأعطاه الأحنف دِيتَهَا، ومتب إلى ابن عامر فأعطاه ديتها أيضا، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
وكتب إلى الأحنف: كافئ على البلاء فإنَّ الله يحبَّ الشَّاكرين.
وكان يكثر الغزو، وهو شيخ كبير، وكان لا يليق شيئا سخاء، وكان شجاعا مسيَّعا وهو الذي يقول:
تلوم حليلتي بالغزو جهلا ... وغرُ الغرور أَولى بالملام
ولولا الغزو كنت كمن يغادى ... بأنواع الشَّبارق والمُدام
" الشبارق الطعام، لفظ فارسي معرب ".

وقالت قد كبرت فقلت كلاّ ... وربِّ البيت والشَّهر الحرام
لقد أَبطلت، ما كبري بمُدبي ... إلىَّ حليلتي، قدر الحمام
سأَغزو أَو أَموت كذا خفاتا ... ولا آتى بداهية وذام
فإنَّ الدَّهر يلعب أَبرديه ... بكلّ مذمَّم جلد العظام
ويترك كلَّ مضعوف جريء ... على الأَبطال يعرف بالزَّحام
وهو الذي يقول لامرأته:
وقالت قد كبرت، وقلت حقَّا ... كبرت، فكفكفي ودعي عتابي
عتابك كلَّ يوم لي عذاب ... ومثلي لا يقرُّ على العذاب
فإن لم تصبري وكرهت قربي ... فدونك ما أَردت من اجتنابي
سأَغزو التَّرك في نفرٍ كرام ... سراع حين ندعى للضِّراب
يرون الموت أَفضل من حياة ... تُصيِّرها الدُّهور إِلى تباب
وفي الأَيَّام لي عظة وناه ... وما أَرضى معاتبة الكَعابِ
لأَنِّي أَطلب الأَمر الَّذي لا ... ينال بغير ضرب للرِّقاب
فيا ليت السيوف تعاورتني ... بأَيدي معشر كأُسود غاب
فأَلقى الموت مشتهرا فعالي ... ولم تدنس بمخزية ثيابي


وعاش بحر بن الحارث بن امرئ القيس بن زهير بن جناب بن هبل الكلبيّ مائة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام، فلم يسلم، وقال:
من عاش خمسين حولا بعدها مائة ... من السِّنين وأضحى بعد ينتظر
وصار في البيت مثل الحلس مطَّرحا ... لا يستشار ولا يعطي ولا يذر
ملَّ المعاش وملَّ الأقربون له ... طول الحياة، وشرُّ العيشة الكدر

قالوا: وعاش مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب بن عليم بن جناب بن هبل، من كلب، مائة سنة وأربعين سنة، وقال:
أصبحت يا أمَّ بكر قد تخوَّنني ... ريب الزَّمان وقد أزرى بي الكبر
لا أستطيع نهوضا بالسِّلاح ولا ... أمضى الهموم كما قد كنت أبتكر
أمشي على محجن والرَّاس مشتعل ... هيهات هيهات، طال العيش والعمر
قد كنت في عصر لا شيء يعد له ... فبان منِّي، وهذا بعده عصر
قالوا: وعاش امرؤ القيس بن حمام بن عبيدة بن هبل بن عبد الله بن كنانة ابن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة، فقال في ذلك:
إنَّ الكبير إذا طالت زمانته ... فإنَّما حمله جنّازة عار
ومن يعيش زمنا في أهلة خرفا ... كلاَّ عليهم إذا حلُّوا وإن ساروا
يذمم مرارة عيش كان أوَّله ... حلوا، وللدَّهر إحلاء وإمرار
قالوا: وعاش عوف بن سبيع بن عميرة بن الهوان بن أعجب بن قدامة بن جرم بن ربّان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة مائة سنة وثمانين سنة.
وقال في ذلك:
إلا هل لمن أجرى ثمانين حجَّة ... إلى مائة عيش وقد بلغ المدى
وما زالت الأيَّام ترمي صفاته ... ونغتاله حتَّى تضعضع وانحنى
وصار كفرخ النَّسر يهتزُّ جيده ... يرى دون شخص المرءِ شخصا إذا رأى
وبدِّل من طرف جواد حشيَّة ... ومن قوسه والرُّمح والصَّارم العصا
وإنِّي رأيت المرء يظعن جاره ... لنيَّته لا بدَّ يوما وإن ثوى
قالوا: وعاش عامر، وهو طابخة بن تغلب بن خلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعة خمسمائة سنة وعشرين سنة، ولا أعلمه. قال شعرا، وهو معروف بطول العمر.
قالوا: وعاش أبو الطَّمحان القينيّ حنظلة بن الشَّرقيّ، من بني كنانة بن القين ابن جسر بن شيع الله بن الأسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعة مائتي سنة.
وقال في ذلك:
حنتني حانيات الدَّهر حتَّى ... كأنِّي خاتل يدنوا لصيد
قريب الخطو يحسب من رءاني ... ولست مقيَّدا أنَّى بقيد
حدثنا أبو حاتم، قال حدثني عدة من أصحابنا، أنهم سمعوا يونس بن حبيب النحويّ ينشد هذين البيتين كثيرا فيما زعم أصحابنا، وكان ينشد أيضا:
تقارب خطو رجلك يا سويد ... وقيَّدك الزَّمان بشرِّ قيد

قالوا: وعاش حارثة بن صخر بن مالك بن عبد مناة بن هبل بن عبد الله بن كنانة ابن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة مائة سنة وثمانين سنة حتى أدرك الإسلام فلم يسلم، وأسلم ابنه جناب بن حارثة بن صخر، وهاجر إلى المدينة، فجزع من ذلك جزعا شديدا.
وأنشأ يقول:
تركت أباك بالأدوات كَّلا ... وأمَّك كالعجول من الظِّراب
فلا وأبيك ما باليت وجدي ... ولا شوقي الشَّديد ولا اكتئابي
ولا دمعا تجود به المآقي ... ولا أسفي عليك ولا انتحابي
فعمرك لا تلوميني ولومي ... جنابا حين أزمع بالذَّهاب
إذا هتف الحمام على غصون ... جرت عبرات عيني بانسكاب
يذكِّرني الحمام صفىَّ نفسي ... جنابا، من عذيري من جناب


_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 19, 2016 5:20 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم




( 14 )

قالوا: وعاش عبَّاد بن شدّاد اليربوعيّ مائة وثمانين سنة.
وقال في ذلك:
يا بؤس للشَّيخ عبَّاد بن شدَّاد ... أضحى رهينة بيت بين أعواد
وتهزأ العرس منِّي إن رأت جسدي ... أحدب لم تبق منه غير أجلاد


قالوا: وعاش همّام بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم مائة وثمانين سنة.
وقال في ذلك:
إنَّ القواني قد عجبن كثيرا ... ورأينني شيخا صحوت كبيرا
قصد الغواني أن أردن هوادتي ... حسب الكبير مجرَّبا مخبورا
إنِّي لأبذل للحليل إذا دنا ... مالي وأترك ماله موفورا
وإذا أردت ثواب ما أعطيته ... فكفى بذاك لنائل تكديرا
إنِّي امرؤ عفُّ الخلائق لا أره ... طرق السَّماحة يا أميم وعورا


قالوا: وعاش أسيِّد بن أوس التَّميميّ مائة وتسعين سنة، وقتل له ثلاثون ابنا في حرب كانت بينه وبين بني يشكر بن بكر بن وائل، فقال لمن بقي من ولده، وهو يوصيهم: " يا بنيّ، إني رأيت مطَّلعا تزايلت حجارته، وقد رأيته أملس ليس فيه صدع، ورأيت الدَّهر فلَّ الصُّخور، فليقترب بعضكم من بعض في المودّة، ولا تتَّكلوا على القرابة، فإن القريب من قرب نفسه، والأمور بدوات ".


قالوا: وعاش الأُبيرد بن المعذَّر الرِّياحيّ مائة وعشرين سنة؛ وقال بعضهم، بل هو الأبيرد بن الحارث، من تيم الرّباب بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة بن إلياس ابن مضر.
وقال في ذلك:
ألا هزئت مودودة اليوم أن رأت ... شكير أعالي الرَّأس منِّي تلفَّعا
وأن شاب أصداغي ومَّم مفرقي ... مشيب وأمسى لون وجهي أسعفا
فقلت لها لا تهزئي من مجرِّب ... ترامت به الأيَّام حتَّى تسعسعا
فإنَّك لو صاحبتني لم تعتّبي ... ولم تجدي فينا لكفَّيك مصنعا
ليالي لوني واضح وذؤابتي ... غرابيب في رأس امرئٍ غير أنزعا

قالوا: وعاش عبيد بن الأبرص الأسديّ الشاعر من بني سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد مائتي سنة وعشرين سنة، ويقال، بل ثلاثمائة سنة.
وقال في ذلك:
ولتأتين بعدي قرون جمَّة ... ترعى مخارم أيكة ولدودا
فالشمس طالعة، وليل كاسف ... والنجم يجري أنحساً وسعودا
حتَّى يقال لمن تعرَّق دهره ... يا ذا الزّمانة هل رأيت عبيدا
مائتي زمان كامل ونضيَّة ... عشرين عشت معمَّرا محمودا
أدركت أوَّل ملك نصر ناشئا ... وبناء شدَّاد وكان أبيدا
وطلبت ذا القرنين حتَّى فاتني ... ركضا وكدت بأن أرى داودا
ما تبتغي من بعد هذا عيشة ... إلاَّ الخلود، ولن ينال خلودا
وليفنين هذا وذاك كلاهما ... إَّلا الإله ووجهه المعبودا


قالوا: وعاش كبير بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة مائة وعشرين سنة، وأدرك الإسلام فأسلم، وقال ابن اللكبيّ وغيره، بل عاش ثلاثين ومائة سنة، وكان يوم جبلة ابن تسع سنين، وولد عامر بن الطُّفيل في ذلك اليوم.
ووفد عار إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن نيِّف وثمانين.



_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يونيو 20, 2016 3:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم




( 15 )
قالوا: وعاش قس بن ساعدة بن حذافة بن زفر، وقيل حذافة بن زهر بن إياد بن نزار ثلاثمائة وثمانين سنة، وقد أدرك نبيَّنا عليه السلام، وسمع النبي صلى اله عليه وسلم حكمته؛ وهو أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية، وأول من توكَّأَ على عصا، وأول من قال، أما بعد؛ وكان من حكماء العرب.
وهو أول من كتب من فلان إلى فلان، وأول من قال في كتابه، أما بعد. زعمت العرب أنه سبط من أَسباطها.
وأَحكم من قُسَ وأَجرأَ ملَّذى ... بذي الغيل من خفَّان أَصبح حاردا
وقال الحطيئة:
وأَقول من قسّ إِذا مضى ... من الرمح إِن مسَّ النُّفوس نكالها
وقسّ الذي يقول:
هل الغيث معطى الأمن عند نزوله ... بحال مسيء في الأمور ومحسن
وما قد تولَّى فهو قد فات ذاهبا ... فهل ينفعنِّي ليتني ولو أنَّني
قال أبو حاتم: وذكروا أن وفد بكر بن وائل قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: - هل فيم أحد من قالوا: نعم.
قال: هل لكم علم بقسّ بن ساعدة؟ قالوا: مات يا رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأني أنظر إليه بسوق عكاظ يخطب الناس على جمل أحمر، وهو يقول " يا أيها الناس، اجتمعوا واسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكلّ ما هو آت آت؛ ثم قال، أَما بعد، فإن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، نجوم تغور، وبحار تمور ولا تغور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، أقسم قسّ قسما بالله وما أَثم، لتطلبنّ من الأمر شحطا، ولئن كان بعض الأمر رضى إن الله في بعضه سخطا، وما بهذا لعبا، وإن من وراء هذا عجبا، أقسم قسّ قسما بالله وما أَثم، إن الله دينا هو أَرضى من دين نحن عليه، ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون، أَنعموا فأقاموا، أو تركوا فناموا ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا: وسمعته لفظ بشعر ولساني لا ينطلق به.
فقال بعضهم: أنا أحفظ يا رسول الله، فهل ترى عليَّ فيه شيئا؟ قال: لا، الشعر كلام، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، فهاته.

وذكروا أنه ابن عباس، فقال وهو يومئذ غلام لم يبلغ، فأنشده:
في الذَّاهبين الأوَّلي ... ن من القرون لنا بصائر
لمَّا رأيت مواردا ... للموت، ليس لها مصادر
ررورأيت قومي نحوها ... يمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي ولا ... ينجو من الباقين غابر
أيقنت أنِّي لا محا ... لة حيث صار القوم صائر
قال أبو حاتم، وذكروا أن قوما من إياد قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن حكمة قسّ فأخبروه، وكان أحسن أهل زمانه موعظة، وأنشدوه قوله:
يا ناعي الموت والأموات في جدث ... عليهم من بقايا بزِّهم خرق
دعهم، فإنَّ لهم يوما يصلح بهم ... كما ينبَّه منّ نوماته الصَّعق
حتَّى يجيء بحال غير حالهم ... خلق مضوا ثمَّ ماذا بعد ذاك لقوا
منهم عراة وموتى في ثيابهم ... منها الجديد ومنها الأوراق الخلق
قال أبو حاتم، وذكر حزم بن أبي راشد قال، أملي علىّ رجل من أهل خراسان من مواعظ قسّ: " مطر ونبات، وآباء وأمَّهات، وذاهب وآت في أوانات، وأموات بعد أموات، وضوء وظلام، وليال وأيام، وغنيٌّ وفقير، وشقيٌّ وسعيد، ومسيءٌ ومحسّن، أين الأرباب العملة " أو قال الفعلة "، إن لكل عامل عمله، كّلا، بل هو الله إله واحد، ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدي، وإليه المعاذُ غدا، أما بعد، يا معشر إياد، فأين ثمود وعاد، وأين الآباء والأجداد، وأين الحسن الذي لم يشكر، والظلم الذي لم ينتقم؟ " أو قال: لم ينكر "، كلا وربّ الكعبة ليعودنَّ ما باد، ولئن ذهب يوما ليعودنّ يوما ".
قالوا: وعاش عوَّام " أو عرّام " بن المنذر بن زبيد بن قيس بن حارثة بن لأم، وأدخل على عمر بن عبد العزيز - رحمة الله - ليزمَّن " أي يكتب في الزَّمني ".
قالوا: وكان عمّر في الجاهلية دهرا طويلا.
فقال له عمر: ما زمانتك هذه؟ فقال فيما زعم ابن الكلبي، أخبرني رجل من بني قيس بن حارثة أنه قال لعمر ابن عبد العزيز:
ووالله ما أدري أأدركت أمَّة ... على عهد ذي القرنين أم كنت أقدما
متى تنزعا عنِّي القميص تبيَّنا ... جآجئ لم يكسين لحما ولا دما



_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يونيو 21, 2016 3:08 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم




( 16 )

قالوا: وعاش أنس بن نواس بن مالك بن حبيش، ويقال خنيس، بن ربيعة الجسريّ، من جسر محارب دهرا، ونبتت أسنانه بعدما سقطت؛ فقال:
أصبحت من بعد البزول رباعيا ... وكيف الرَّباعي بعد ما شقَّ بازله
ويوشك أن يلقي ثنيَّا وإن يعد ... إلى جذع تثل أخاكم ثواكله
قالوا: وعاش ثعلبة بن كعب بن زيد بن عبد الأشهل الأوسيّ فيما ذكر ابن الكلبيّ، عن عبد الحميد بن أبي عبس الأنصاري، عن أشياخ قومه ثلاثمائة سنة، وقال غيرهم، مائتي سنة. وقال ثعلبة:
لقد صاحبت أقواما فأضحوا ... خفاتا ما يجاب لهم دعاءُ
وقوما بعدهم قد نادموني ... فأضحى مقفرا منهم قباءُ
قال أبو حاتم، وقال هشام، كانت اليهود تسمّى قباء قباذ بالذَّال، فسمّتها الأنصار قباء.

قالوا: وعاش طيء بن أُدد خمسمائة سنة، وذكر هشام أنه سمع أشياخا من طيء يذرون ذلك، وأنه حمل من جبلة باليمن، وكان يقال له " ظريب " إلى جبلى طيِّء، فنسبا إليه، وأقام بهما حينا، وقتل العاديّ الذي كان بالجبلين.
وقال طيء في ذلك:
اجعل ظريبا كحبيب ينسى ... لكل قوم مصبح وممسي
وأقام بالجبلين حتى دفن بهما.
وقال فيما سمعت من أشياخهم:
إِنَّا من الحيَّ اليما نينا ... إِن كنت عن ذلك تسألينا
فقد ثوينا بظريب حينا ... ثمَّ تفرَّقنا مباغضينا
لنيَّة كانت لنا شطونا ... إِذ سامنا الضَّيم بنو أَبينا


قالوا: وعاش هاجر بن عبد العزّى الخزاعيّ دهر فيما ذكر ابن الكلبي عن أبي السائب المخزومي قال، حدثني به طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعيّ، قال غيره، هو عميرة بن هاجر بن عمير بن عبد العزَّى بن قمير الخزاعي، وهو جد عبد الله ابن مالك بن الهيثم بن عوف بن وهب بن عميرة بن هاجر بن عمير بن عبد العزَّى بن قمير الخزاعي عاش سبعين ومائة سنة

قالوا: وعاش جليلة بن كعب بن الحارث بن معاوية بن وائل بن مرّان بن جعفيّ تسعين ومائة سنة فيما ذكر ابن الكلبي عن الوليد بن عبد الله الجعفيّ.
وقال:
وإِنَّ امرأ قد عاش تسعين حجَّة ... إِلى مائة يرجو الفلاح لجاهل
يوَملُ أَن يبقى وقد مات ذو النَّدى ... أَبوك وأَودى ذو الحمالة وائل
وجار الصَّفا والأرقمان كلاهما ... فكيف ترجِّى الخُلد أُمُّك هابل
فلا ترج عمرا بعد من قال إِنَّما ... بقاؤك في الدُّنيا ليال قلائل
قالوا: وعاش كعب بن رداة النخعيّ فيما ذكر ابن الكلبيّ عن بعض النخعّيين ثلاثمائة سنة وقال:
لقد ملَّني الأَدنى وأَبغض رؤيتي ... وأَنبأني أَلاَّ بحلّ كلامي
على الراحتين مرَّة وعلى العصا ... أَنؤ ثلاثا بعدهنَّ قيامى













_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يونيو 22, 2016 6:50 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم




( 17 )
قالوا: وعاش حارثة بن عبيد الكلبيّ، ومن ولده بطون، منظور، ومنصور ابن جمهور من بني حارثة، وأدرك الإسلام، وقد حجب دهرا طويلا.
قال أبو حاتم، قال هشام، وكذا كانت العرب تفعل بالكبير منهم تحجبُه قال هشام: وقال لي شملة بن مغيث، رجل من ولده، قال، أظنه عاش خمسمائة سنة، قال، وأنشدني شملة له:
أَلا ليتني أَنضيت عمري ... وهل يجدى عليَّ اليوم ليتى
حنتني حانيات الدَّهر حتَّى ... بقيت رذيَّة في قعر بيتي


قالوا: وعاش حاثة بن مرّة بن حارثة بن عبد رضا بن جبيل الكلبي خمسين ومائة سنة، وأصابهم سنة أَجحفت بأموالهم فقال: لم يدع الدَّهر لنا ذخيرة ولم يدع شحما ولا مريرة ولا لنا حام ولا بحيرة وشيَّب العارض والغديرة فصرت كالنَّسر على الجذيرة براضة من عمر يسيرة الجديرة اصل حائط أو بناء، وجذر كل شيء أصله، براضة بقيَّة، ويقال تبرَّضت الماء وغيره إذا أخذت بقيَّة.
قالوا: وعاش المجاج بن خالد بن الحارث بن قيس بن نصر بن عائذة ابن ذهل بن مالك بن سعد بن ضبّة حتى هرم، وملّ من الحياة.
وزعموا أنه قال:
لقد طوَّفت في الآفاق حتَّى ... بليت وقد أَنى لي لو أَبيد
وأَفناني وما يفنى نهار ... وليل كلَّما يمضي يعود


قالوا: وعاش الحارث بن حبيب الباهلي من بني أَود بن معن ستين ومائة سنة فيما ذكر هشام عن طارق بن حمزة الغنويّ عن رجل من باهلة، كان عالما.
وقال الحارث:
كم من أسير تائه فديتُهُ ... ومن كميّ مُعلم أَرديته
ومسرع بسروه جازيته ... ومبطئ برفده كفيته
ومسرع يسروه جازيته ... ومبطئ برفده كفيته


قالوا: وعاش حامل بن حارثة بن عمرو بن مالك بن عكوة ثلاثين ومائتي سنة، قال، حدثنا شيخ من بني عكوة من طيء، وكان حامل يرحل إلى الملوك في قومه، فقال حين بلغ ثمانين ومائة سنة:
أَلا ليتني لم أَغن في النَّاس ساعة ... ولم أَلق أَيَّاما تشيب الحزوَّرا


قالوا، وعاش عمرو بن مسبِّح الطائي، ثم أحد بني معن فيما زعموا حتى أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن خمسين ومائة سنة، وله يقول امرؤ القيس:
رُبَّ رام من بني ثعل ... متلج كفَّيه " من " قتره
ومات في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو القائل:
لقد عمِّرت حتَّى شقَّ عمري ... على عُمرِ ابن عكوة وابن وهب
وعُمرِ الحنظليّ وعُمرِ سيف ... وَعُمرِ الرَّداة قريع كعب

قالوا: وعاش عبّاد بن سعيد بن أحمر بن ثور بن خداش بن السَّكسك ابن أَشرس بن كندة ثلاثمائة ستة فيما زعم ابن الكلبيّ عن فروة بن سعيد الكنديّ.

وقال:
بليتُ وأَفنتني السنون وأَصبحت ... لداتي نجوم اللّيل والقمر والبدر
ثلاث مئين قد مررن كواملا ... فيا ليتني ثور لما صنع الدَّهرُ
قالوا: وعاش عوف بن الأَردم بن غالب دهرا طويلا، ثم أدرك الفجار وبعد ذلك، فيما زعم معروف بن الخرَّبوذ، وقال:
أَودى الشَّباب، وحبُّ الطَّلَّة الخبله ... وقد برئت فما في الصدر من قلبه
وقد تفلَّل أَنيابي وأَدركني ... قرن على شديد فاحش الغلبة
وقد رماني بركن لا كفاء له ... في المنكبين وفي الرجلين والرَّقبة
قال أبو حاتم، هذا الشعر للنَّمر بن تولب، أنشدنا الأصمعي: أَودى الشَّباب وحبُّ الخالة الخبله والخالة قوم ذوو خيلاء، قال الأصمعي:
وقد رمى بسراه اليوم معتمدا ... في المنكبين وفي الساقين والرَّقبة
السرى جمع سروة، وهو سهم صغير.

قالوا: وعاش الحارث بن التَّوأَم اليشكريّ دهرا في الجاهلية، ثم أدرك الإسلام ولا يعقل، فقال فيما زعم الكلبيّ عن خراش:
زعمت تمامة أَنِّى قد سؤتُها ... ولقد أَنى لي أَن أَسوء وأَكبرا
إنَّ الكبير إذا يشاف رأيته ... مقرنشعا، وإذا يُهان استزمَرا
وإذا ترحَّل في الرَّعيَّة خلته ... كسلا، وعزَّ عليه أَن يتعذَّرا
وإذا تراءى القوم شخصا خاله ... شخصين، ثمَّت لم يكن هو أَبصرا
ولقد رأَيت أباك وهو وليُّه ... وأَباه شيخا من بنانه أَعسرا
يدعوا ببرد الماء وهو قصاره ... فإذا سقوه الماء مجَّ وغرعرا
قال: رأى أباها وهو صغير، ثم عُمرّ بعد، وقوله يشاف يُزيَّنُ، مُقرنشع نشيط حسن الهيئة، وإذا يهان استزمر أي قبّض، والزمر الشعر القليل.

قالوا: وعاش الجرنفش بن عبدة الطائي ثلاثين ومائة سنة، وقال:
إما تريني لا أُعين على النَّدى ... ولا أَنصر المولى كما كنت أَفعلُ




_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 23, 2016 6:47 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم




( 18 )
قالوا: وعاش أبو زبيد الطائي، وهو المنذر بن حرملة من بني حيّة خمسين ومائة سنة، وكان نصرانيا بالرقة فيما حدّث به الكلبيّ عن أبي محمد المرهبيّ، وكان يجعل له في كل أحد طعام كثير، ويهيَّأ له شراب كثير، ويذهب أصحابه يتفرّقون في البيعة، ويحملنه النساء فيضعنه في ذلك المجلس


قالوا: وعاش عمرو بن قمئة بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ابن عكابة تسعين سنة، وقال:
يا لهف نفسي على الشَّباب ولم ... أفقد به إذ فقدته أمما

وقال حين مضت له تسعون حجّة، وهي قصيدة:
كأنِّي وقد جاوزت تسعين حجَّة ... خلعت بها عني عذار لجامي
رمتني بنات الدَّهر من حيث لا أرى ... فما بال من يرمي وليس برام
فلو أنَّها نبل إذن لاتقَّيتها ... ولكنَّما أرمي بغير سهام


قالوا: وعاش ذو الإصبع العدوانيّ، وهو حرثان بن محرّث من عدوان ابن عمرو بن قيس بن عيلان ثلاثمائة سنة، وقال:
أصبحت شيخا أرى الشَّخصين أربعة ... والشَّخص شخصين لمَّا مسَّني الكبر
لا أسمع الصَّوت حتَّى أستدير له ... ليلا وإن هو ناغاني به القمر
وإنما قال ليلا لأن الأصوات هادئة، فإذا لم يسمع بالليل والأصوات ساكنة كان من أن يسمع بالنهار مع ضجَّة الناس ولغطهم أبعد.


تم بحمد الله كل عام و حضراتكم بألف خير وأمن و أمان من عند الله أطال الله أعماركم بطاعة الله سبحاته و تعالى و بالصحة و الستر و العافية وراحة البال


الجزء الثانى من الكتاب يتكلم عن كتاب الوصايا عن أبي حاتم سهل بن عثمان السجستاني
موعدنا غدا مع الوصايا القيمة إن شاء الله

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يونيو 24, 2016 6:15 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم



كتاب الوصايا عن أبي حاتم سهل بن عثمان السجستاني


( 19 )

أخبرنا أبو روق قال، قال أبو حاتم قالوا، وكان ملك من ملوك اليمن يقال له، الحارث بن عمرو الكندي، بلغه عن ابنه لعوف الكندي جمال وكمال، وهو الذي يقال له: لا أحد يشبه عوفا جمالا وكمالا؛ فبعث إلى امرأة من قومها، يقال لها عصام، فقال: إنه بلغني عن بنت عوف جمال وكمال، فاذهبي، فاعلمي لي علمها.
فانطلقت حتى دخلت على أمها، وهي أمامة بنت الحارث، فأخبرتها خبر ما جاءت له، وإذا أمها كأنها خاذل من الظباء، وحولها بنات لها، كأنهن شوادن الغزلان.
فأرسلت إلى ابنتها، فقالت: يا بنيّة، إن هذه خالتك، أتتك لتنظر إلى بعض شأنك، فاخرجي إليها، ولا تستتري عنها بسيئ، وناطقيها فيما استنطقك فيه.
فدخلت عليها، ثم خرجت من عندها وهي تقول: ترك الخداع من كشف القناع.
فأرسلها مثلا.
قال: فبعث إلى أبيها فخطبها إليه، فزوّجها إياه، فبعث إليها من الصداق بمثل مهور نساء الملوك، بمائة ألف درهم، وألف من الإبل.

فلما حان أن تحمل إليه دخلت إليها أمها لتوصيها.
فقالت: " أي بنيّة، إن الوصية لو تركت لعقل وأدب، أو مكرمة في حسب لتركت ذلك منك، ولزويته عنك، ولكن الوصية تذكرة للعاقل، ومنبهة للغافل.
أي بنية، إنه لو استغنت المرأة بغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عن الزوج، ولكن للرجال خلق النساء، كما لهن خلق الرجال.
أي بنية، إنك قد فارقت الحِواء الذي منه خرجت، والوكر الذي منه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك ملكا، فكوني له أمة يكن لك عبدا، واحفظي عني خصالا عشرا، تكن لك دركا وذكرا؛ فأما الأولى والثانية فالمعاشرة له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة، فإن في القناعة راحة القلب، وحسن السمع والطاعة رأفة الرب؛
وأما الثالثة والرابعة فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشم أنفه منك إلا طيب الريح؛ واعلمي، أي بنيّة، أن الماء أطيب الطيب المفقود، وأن الكحل أحسن الحسن الموجود.

وأما الخامسة والسادسة فالتَّعهد لوقت وطعامه، والهدوّ عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النَّومة مغضبة؛

وأما السابعة والثامنة فللاحتفاظ بماله والرعاية على حشمه وعياله، فإن الاحتفاظ بالمال من حسن التقدير، والرعاية على الحشم والعيال من حسن التدبير؛

وأما التاسعة والعاشرة فلا تفشي له سرا، ولا تعصي له أمرا، فإنك إن أفشيت سرّه لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره.
واتّقي الفرح لديه إذا كان ترحا، والاكتئاب عنده إذا كان فرحا، فإن الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، واعلمي أنك لن تصلي إلى ذلك منه حتى تؤثري هواه على هواك، ورضاه على رضاك فيهما أحببت وكرهت.
والله يخير لك، ويصنع لك برحمته.

قال: فلما حملت إليه غلبت على أمره، وولدت منه سبعة أملاك، ملكوا من بعده.


قالوا: وأوصي زرارة بن عُدُس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم، أنه جمع بنيه وبني بنيه فقال: يا بنيّ، إنكم قد أصبحتم بيت تميم، بل بيت مُضر، يا بنيّ، ما هجمت على قوم قطُّ من العرب لا يعرفونني إلا أحلُّوني، فإذا نسبوني ازددت عندهم شرفا، وفي أعينهم عظما، ولا وفدت إلى ملك إلا آثرني وشفعني، خذوا من أدبي، واثبتوا عند أمري، واحفظوا وصيتي.
" إياكم أن تدخلوا عليّ في قبري حوبة أسبّ بها ...
" كذا قال أبو حاتم، حوبة، وليس لها ههنا معنى، وينبغي أن تكون خربة، وهي المنقصة، أو خزّية، والحوبة الخالة، وقال قوم هي الأمُّ ".
... فوالله ما شايعتني نفسي قط على إتيان ريبة، ولا عمل بفاحشة، ولا ضمّني وعاهرة سقف بيت قط، ولا حسّنت لي نفسي الغدر منذ شدّت يداي مئزري، ولا فارقني جار على قلي، ولا حملني هواي على أمر يعييني في مضر.
يا بني، إن القالة إليكم سريعة، فاتقوا الله في الليل إذا أظلم، وفي النهار إذا انتشر يكفكم ما أهمّكم، وإياكم وشرب الخمر، فإنها مفسدة للعقول والأجساد، ذهّابة بالطريف والتلاد.
يا بني، زوّجوا النساء الأكفاء، وإلا فانتظروا بهنّ القضاء.

يا بني، قد أدركت سفيان بن مجاشع بن دارم شيخا كبيرا محجوبا، فأخبرني أنه قد حان خروج نبي بمكّة من مضر، يقال له، أحمد، عليه السلام، يدعو إلى عبادة الله، فإن أدركتموه فاتبعوه، تزدادوا بذلك شرفا إلى شرفكم، وعزَّا إلى عزّكم، إنه ليس فيكم سقط رجل واحد، ولا تمنَّيتكم أنِّي بدِّلتكم بعدَّتكم من العرب، ولولا عجلة لقيط إلى الحرب، والحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث لشرّفته عليكم، وهو بعد فارس مضر، وعليكم بحاجب، فإنه حليم عند الغضب، فرّاج للكرب، يجود إذا طلب إليه، ذو رأي لا ينكش، وزمَّاع لا يفحش، فاسمعوا له وأطيعوا أمره، جنَّبكم الله الردى.
" لا ينكش لا يستقصي ما فيه، يقال: نكشت البئر أي أخرجت ما فيها، والزَّمّاع العزم، لا يفحش أي لا ينتقص ".







_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يونيو 25, 2016 6:27 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم




( 20 )
قالوا: وأوصي سعد العشيرة بنيه لما حضرته الوفاة، فقال:
يا بني، اتقّوا إلهكم بالليل والنهار، وإيّاكم وما يدعو إلى الاعتذار، ودعوا قفو المحصنات تسلم لكم الأمهات، وإياكم والبغي على قومكم تعمر لكم الساحات، ودعوا المراء والخصام تسلم لكم المروءة والأحلام، تحبَّبوا إلى العشائر تهبكم العمائر، وجودوا بالنوال تنم لكم الأموال، وإياكم ونكاح الورهاء فإنها أدوأ الداء، وأبعدوا من جار السوء داركم، ومن قرين الغيّ مزاركم، ودعوا الضغائن فإنها تدعو إلى التباين، ولا تكونوا لآبائكم ضرَّارا، حيّاكم ربكم، وسدّد أمركم ".

قالوا: وجمع الحارث بن كعب بنيه حين حضرته الوفاة، فقال: " يا بني، عليكم بهذا المال فاطلبوه أَجمل الطلب، ثم اصرفوه في أجمل مذهب، فصلوا به الأرحام، واصطنعوا منه الأقوام، واجعلوه جنة لأعراضكم تحسن في الناس قالتكم، فإن بذلة تمام الشرف، وثبات المروءة، وإنه ليسود غير اليد، ويؤيّد غير الأيَّد حتى يكون عند الناس نبيلا نبيها، وفي أعينهم مهيبا؛ ومن اكتسب مالا فلم يصل به رحما، ولم يعط منه سائلا، ولم يصن به عرضا بحث الناس عن أصله، فإن كان مدخولا هرتوه وهتكوه، وإن لم يكن مدخولا ألزموه ودبّيه، واكسبوه عرقا لئيما حتى يهجّنوه به ".
وقال لابنه أشعت، وهو يوصيه:
أَبنيّ أَباك يوما هالك ... فاحفظ أباك رياسة وتقلُّبا
وإِذا لقيت كتيبة فتقدَّما ... إِن المُقدَّم لا يكون الأَخيبا
تلقى الرياسة أو تموت بطعنة ... والموت يأتي من نأَى وتجنَّبا

قالوا: دعا المنذر ابنه النعمان، وهو غلام شاب، فقال: " يا بنيّ، إن لي فيك رأيا دون غيرك من لدي، فإني آمرك بما أمرني به والدي، وأنهاني عما نهاني عنه والدي، آمرك بالذلّ في عرضك، وذلك أن تكون ذلولا بالمعروف، وعليك بالانخداع في مالك، وأُحبُّ لك خلوة اللّيل وطول السَّمر، وأكره لك إخلاف الصديق، واطّراف المعرفة، واتهاك عن ملاحاة الحلماء ومواح السفهاء، إن لك عقلا وجمالا ولسانا، فاكتس من ثناء الناس ما يؤيد جمالك، ودع الكلام وأنت عليه قادر، وليكن لك من عقلك خبئ تدَّخره أبدا ليوم حاجتك.
ثم قال:
إنَّ ظنِّي بمن أَمرتُ بأَمري ... حسنَ إن أَعانت الأذنان
باستماع وما ظفرت بشيء ... إن نبا مقولي عن النعمان
قد تفرَّست في بنيّ وفيه ... فإذا الأمر ليس بالمتداني
فلئن تمّ ما أُؤَمل فيه ... ما له في بني الملوك مدان
وله ألظُّ في الجمال وفي العقل ... وحظّ من مهلة ولسان
قالوا: وأوصى مالك بن المنذر البجلي بنيه، وكان قد أصاب دما في قومه، فخرج هاربا بأهله حتى أتى بهم بني هلال، فلما احتضر أوصى بنيه، وأمرهم أن يعطوا قومه النِّف من حدثه الذي أَحدثه فيهم، وقال: " يا بني، قد أتت عليّ ستون ومائة سنة ما صافحت بيميني يمين غادر، ولا قنعت نفسي بخلّة فاجر، ولا صبوت بابنه عم لي ولا كنَّة، ولا طرحت عندي مومسة قناعها، ولا بحثُ لصديق لي بسرِّي، وإني لعلي دين شعيب النسبي، صلى الله عليه وسلم، وما عليه أحد من العرب غيري، وغير أسد بن خزيمة، وتميم بن مرّ، فاحفظوا وصيتي، وموتوا على شريعتي، إلهكم فاتقوه يكفكم المهم من أموركم، ويصلح لكم أعمالكم، وإياكم ومعصيته، ولا يحل بكم الدمار، وتوحش منكم الديار.
يا بني، كونوا جميعا، ولا تفرقوا، فتكونوا شيعا، فإنّ موتا في عزّ خير من حياة في ذلٍّ وعجز، وكلُّ ما هو كائن كائن، وكل جمع إلى تباين، الدهر صرفان، فصرف رخاء، وصرف بلاء، واليوم يومان، فيوم حبره، ويوم عبره، والناس رجلان، فرجل معك، ورجل عليك، وزوّجوا الأكفاء، وليستعملن في طيبهنّ الماء، وتجنّبوا الحمقاء، فإن ولدها إلى أفن ما يكون، إنه لا راحة لقاطع " يعني القرابة ".
وإذا اختلف القوم أمكنوا عدوّهم، وآفة العدد اختلاف الكلمة، التفضل بالحسنة يقي السيئة، والمكافأة بالسيئة الدخول فيها، العمل بالسوء يزيل النعماء، وقطيعة الرحم تورث إلمام الهمّ، وانتهاك الحرمة تزيل النعمة، عقوق الوالدين يعقب النكد، ويمحق العدد، ويخرب البلد






_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 26, 2016 3:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم




( 21 )
قالوا: وأوصى مالك بن عمرو الكلبيّ فقال: " يا بنيّ، عليكم بتقوى الله، وصلة الرَّحم، وأداء الأمانة، ورعاية الحق، والوفاء بالعهد، وإياكم ومعصية الله وقطيعة الرحم، فإنه لا يسلم على الضغائن الكبير، ولا يصلح عليها الصغير، وصونوا أنفسكم بالدَّعة وبذل المعروف، وكفُّوها عن سوء الرَّعة في الأمور، وإن أقبح ذلك ما كان في المطمع؛ واهجروا البغي فإنه مثبور، وتجنّبوا العجب فإنه ممقتة، ولا تقصروا عن طاعة أمرائكم، ولا توجهوا الأمور دونهم، فإنهم إن يشاركوكم فيها يكمل رأيكم، والتمسوا المحامد في مظانَّها، ولا يمنعكم من طلب المعاش اليأس، فإن أبواببه أكثر من أن يبلغها الظانُّ، استكثروا من الإبل يكثر تبعكم، ولا تضيعوا رباطكم فيهدم حصنكم، وإذا لقيتم العدو فاصبروأ، فإن في الصبر النجاة والدَّرك للتراث، وألزموا النساء البيوت، وخافوهنّ على أسراركم، واجتمعوا ولا تفرقوا، واحذروا الغدر فإنه نقمة، وليحيكم ربُّكم ".


قالوا: وأوصى جابر بن مالك الكلبي بنيه وقومه، فقال: " يا معشر العمائر المنتظرة للفناء والمنقطعة من الأصل، أوصيكم برهبة الله، وصلة الرحم، والفظ للعهد، والمباعدة لأهل الغدر وأهل الذكر للمعاير، وعليكم باحياء المناقب، وقد ترون المنايا تتبعها الرزايا، ولا تواكلوا النصر فتنكبوا، ولا تخاذلوا فتذلّوا، واجهدوا أبدانكم اليوم لراحتّها غدا، ولا تكنوها بالدَّعة فتحسر عند الاجتهاد، ولا تختلفوا فبخسِّر كيدكم، واحجبوا الكرائم، وتجنبوا الملاوم، وكلُّ ما يعتذر منه خطيئئة، ولتطب أنفسكم عن الدنيا، وبالصبر تدفع العظائم، ليحيكم المديل للأمم ".
قالوا: وأوصى هبيرة بن صخر الكلبيّ، ثم الغامديّ، فقال: " يا بنيّ ويا عشيرتاه، أوصيكم بتقوى الله والصبر على المضض، ففيه الفوز، لا فوز القسيّ، حافظوا على الحرم، فإن الهلاك في الغفلة عنها، والفشل في التخاذل، غيظوا العدو بإظهار السرور وإبداع الأمور، واذكروا المجامع والمواسم يأمن سربكم، فإن المحافظة أمن، وإنما المعسكر لمن صبر، وليحيّكم ربكم ".
قالوا: وأوصى الأحوص الكلبي ثم من بني عبدودٍّ، فقال: " يا عشيرتاه، إن الرأي الرأي اليوم، أوصيكم بشكر ذي النعمة، والغيرة على الحرم، والتمسك بالحسب، ولا ترضوا بالدنّية، ففيها البليّة وضياع العلم، وذهاب المهج، الموت في الغدر خير من الحياة في القسر، والفرج مع الصبر، وليحيِّكم ربكم.
قالوا: وأوصى عمرو بن يزيد الكلبيّ بنيه، فقال: " أوصيكم بتقوى الله، وبرّ الرحم، والحفظ للعيال، والإحراز للحرم، ولا تحاسدوا فتذلّوا، ولا تواكلوا فتفشلوا، تعاطفوا يصلب عودكم، وتقاربوا، وتحابّوا يظهر حزمكم، وأقلّوا المنطق ترهبوا، وتساخوا الفعال، وأميتوا الضغائن تحمدوا العواقب، واستعينوا على محاربة عدوكم بذكر المعاير، والهرب منها كرم، والتخوف لها جهاد، أزيلوا عنكم نيّة البغي، وألزوما قلوبكم الإنصاف وعزيمة العفو تنصروا، ولتكن أعلامكم ذوي الرأس منكم، وأنزلوهم منزلة الآباء في التقليد والإنفاذ لأمرهم، فإن أعظم مصائب القوم خلاف الشَّفيق المصيب، وطاعة المصيب ظفر، واتباعه يمن، وإذا حاربتم قوما فأطيلوا مواقفتهم، وتأمّلوا فيهم الفرصة، وإن أمكنكم البيات ففيه الظفر بعدوكم، وإن منحوكم أكتافهم فوسِّعوا عليهم المسرب، ونهنهوا عن لجم المذاكي، وعند تلك فأحبوا فراقهم، فإن العافية لمن اعتصم بها، ليرعكم ربُّكم ".



_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سير المعمرّين وأخبارهم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يونيو 27, 2016 4:27 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060

بسم الله الرحمن الرحيم




( 22 )


قالوا: وأوصى رياح بن ربيعة بنيه عند موته فقال: " يا بنيّ، سوِّدوا أعقلكم، فإن أمير القوم إذا لم يكن عاقلا كان آفة لمن دونه، وجودوا على قومكم، وإياكم والبخل، فإنه داء، ونعم الدواء السخاء، والتغافل فعل الكرام، والصمت جماع الحلم، والصدق في بعض المواطن عجز، واستعينوا على من لا تقوون عليه بالجموع، واعلموا أن سيِّد القوم أشقاهم، وإياكم والمنّ، فإنه مهدمة للصنيعة ".

قالوا: وأوصى الأفوه الأوديّ فقال:عليكم بتقوى الله وصلة الرحم، وحسن التعزِّي عن الدنيا بالصبر، والنظر فيما حزبكم لما بعده تفلحوا، وتفقّدوا حالاتكم بالمعرفة لحقوق أعلامكم فإنهم بكم عزُّوا، وأنتم بهم أعزّ منكم بغيرهم، كونوا من الفتن على حذر، ولا تأمنوا على أحسابكم السفهاء، ولا تشركوهم في سرّكم، فإنهم كالضأن في رعيتها، كلامهم ذعر، وفعلهم عسر، لا يستحيون من دناءة، ولا يراقبون محرما، ولا يغضبنّ منكم امرؤ لسفيه على ابن عمه وإن وزعه، ولا تطمئنوا إلى أجسامهم، واستوحشوا من عقولهم، ولا تثقوا بناحيتهم، وإن حاربتم فاتخذوهم حشوا فيما بينكم، فإن النظر قبل اللقّاء حزم، ولا حزم بعد الندامة، فإذا اقتادكم امرؤ فوقِّروه بالإجلال والمناصحة تبلغوا بذلك من العدو، وتنالوا به المحامد، فإن لغد أمرا، والأيام دُوَل، فتأهّبوا، وتصنّعوا لحلولها.
ثم قال: أما بعد، فإن التجربة علم، والأدب عون، والكفّ عن ذلك مضرّة، وليكن جلساؤكم أهل المروءة والطلب لها، وإياكم ومجالسة الأشرار، فإنها تعقب الضغائن، والرفض لهم من أسباب الخير، والحلم محجزة عن الغيظ، والفحش من العيّ، والغيّ مهدمة للبناء " يعني المعالي "، ومن خير ما ظفرت به الرجال اللسان الحسن " اللسان ههنا الثناء " - قال الله عز وجل (لسان صدق في الآخرين) .
وفي ترك المراءِ راحة للبدن، فلينظر كل رجل منكم إلى جهته، فإن العجب كبر، والكبر قائد إلى البغض، واشنأوا البغي، فإنه المرعى الوخيم، واستصلحوا الخلل، وتحاموا الذُّلّ، اللهم عليك بأهل الحسد للنعم ".


قالوا: وأوصى حصن بن حذيفة بن بدر الفزاريّ بنيه، وكان سبب موته أن كرز بن عامر العقيليّ طعنه، وكان له بنون عشرة، فأوصاهم عند موته، واشتد به مرضه، فقال: - الموت أروح مما أنا فيه، فإياكم يطيعني؟ قالوا: كلُّنا لك مطيع.
فبدأ بأكبرهم، فقال: خذ سيفي هذا، فضعه على صدري، ثم اتّكئ عليه حتى يخرج من ظهري.
فقال: يا أبتاه، وهل يقتل الرجل أباه؟ فعدل عنه إلى ولده، كلّهم يقول مقالة الأول، حتى انتهى إلى عُيينة، فقال: - يا أبتاه، أليس لك فيما تأمرني به سلوى وراحة، ولك مني فيه طاعة؟ قال: بلى.
قال: فمرني كيف أصنع.
قال حصن: ألق السيف يا بنيّ، فإني أردت أن أبلوكم فأعرف أطوعكم لي في حياتي، فهو أطوعكم لي بعد وفاتي، فاذهب فأنت سيّد ولدي من بعدي، ولك رياستي.
فجمع بني بدر، فأعلمهم بذلك، ثم قال:" اسمعوا ما أوصيكم به، لا يتَّكلنّ آخركم على فعال أوّلكم، فإن الذي يدرك به الأول حجة على الآخر، وانكحوا الكفيء من العرب فإنه عزّ حادث، وإذا حاربتم فأوقعوا، وقولوا واصدقوا، فإنه لا خير في الكذب، وصونوا الخيل فإنها حصون الرجال، وأطيلوا الرماح فإنها قرون الخيل، واغزوا الكثير بالكثير، وبذلك كنت أغلب، ولا تغزوا إلا بالعيون " يعني بالأشراف "، ولا تسرحوا حتى تأمنوا الصباح، وعجّلوا القرى فإن خيره أعجله، وأعظوا على حسب المال، فإنه أبقى لكم، ولا تحسدوا من ليس مثلكم، فإنما يحسد القوم أمثالهم، ولا تحكروا على الملوك فإن أيديهم أطول من أيديكم، ولا تأمنوا صرعات البغي، ونضحات الغدر، وفلتات المزاح، واقتلوا " كرز بن عامر " فإنه قتلني ".
فمات.
فقام عُيينة بالرياسة، وقتل كرزا، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من المؤلَّفة قلوبهم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون: هذا الأحمق في دينه، المطاع في قومه.

قالوا: وأوصى مضرّس بن ربعيّ ابنه فقال: " يا بنيّ، إن الأسف مرض، والطمع لؤم، واليأس عجز، فاسل عما فات، واحرص فيما تستقبل، وفكِّر ثم قدِّر، ثم احضر ".
وقال:
لا تهلكنَّ النفَّس لوما وحسرة ... على الشَّيء سدَّاه لغيرك قادره
فلا تيأسا من صالح أن تناله ... وإن كان شيئا بين أيد تبادره
وما فات فاتركه إذا عزَّ واصطبر ... على الدَّهر إن دارت عليك دوائره
ولا تظلم المولى ولا تضع العصا ... على الجهل إن طارت عليك دوائره

قالوا: وأوصى أبو قيس بن صرمة فقال: " لا تنكلوا عن العدو، ولا تبخلوا عن الصديق، وجازوا ذا النعمة، وتمسّكوا بحرمة الجار، وتبادلوا، وقدّموا أهل العيّ، وأوفوا بالعهد، وإياكم والبغي، فإنه أقوى سلاح عدوكم ".

قالوا: وأوصى الحارث بن الحكم آكل الذراع بنيه، فقال: " يا بنيّ، لا تبكوا على الزمان فإنه لا يزداد على رجل على السن من أهله قربا إلا ازدادوا منه بعدا، استأنوا العشيرة، ولا تمشوا بينها بالنميمة، وكونوا لقومكم أتباعا، وإيّاكم والبغي، فإنه آخر مدة القوم، وجازوا بالحسنة، ولا تكافئوا بالسيئة ولا تردّوا الكرامة، ولا تبغوا، غنيتم وبقيتم " قوله هذا دعاء لهم


_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 60 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 27 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط