موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: [أقسام الكائنات]للجاحظ
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 04, 2017 9:23 am 
غير متصل

اشترك في: السبت ديسمبر 21, 2013 9:44 pm
مشاركات: 1660

-[أقسام الكائنات]
وأقول «1» : إنّ العالم بما فيه من الأجسام على ثلاثة أنحاء: متّفق، ومختلف، ومتضادّ؛ وكلّها في جملة القول جماد ونام. وكان حقيقة القول في الأجسام من هذه القسمة، أن يقال: نام وغير نام. ولو أنّ الحكماء وضعوا لكلّ ما ليس بنام اسما، كما وضعوا للنامي اسما، لاتبّعنا أثرهم؛ وإنما ننتهي إلى حيث انتهوا. وما أكثر ما تكون دلالة قولهم جماد، كدلالة قولهم موات. وقد يفترقان في مواضع بعض الافتراق. وإذا أخرجت من العالم الأفلاك والبروج والنجوم والشمس والقمر، وجدتها غير نامية، ولم تجدهم يسمّون شيئا منها بجماد ولا موات، وليس لأنّها تتحرّك من تلقاء أنفسها لم تسمّ مواتا ولا جمادا.
وناس يجعلونها مدبّرة غير مدبّرة، ويجعلونها مسخّرة غير مسخّرّة، ويجعلونها أحيا من الحيوان؛ إذ كان الحيوان إنّما يحيا بإحيائها له، وبما تعطيه وتعيره. وإنما هذا منهم رأي، والأمم في هذا كلّه على خلافهم، ونحن في هذا الموضع إنّما نعبّر عن لغتنا، وليس في لغتنا إلّا ما ذكرنا.
والناس يسمّون الأرض جمادا، وربّما يجعلونها مواتا إذا كانت لم تنبت قديما، وهي موات الأرض، وذلك كقولهم: «من أحيا أرضا مواتا فهي له» «2» .
وهم لا يجعلون الماء والنار والهواء، جمادا ولا مواتا، ولا يسمّونها حيوانا ما دامت كذلك، وإن كانت لا تضاف إلى النّماء والحسّ.
والأرض هي أحد الأركان الأربعة، التي هي الماء والأرض والهواء والنار، والاسمان لا يتعاوران عندهم إلّا الأرض.

-[تقسيم النامي]
ثمّ النامي على قسمين: حيوان ونبات، والحيوان على أربعة أقسام: شيء يمشي، وشيء يطير، وشيء يسبح، وشيء ينساح «3» . إلّا أنّ كلّ طائر يمشي، وليس الذي يمشي ولا يطير يسمى طائرا. والنوع الذي يمشي على أربعة أقسام: ناس، وبهائم، وسباع، وحشرات. على أنّ الحشرات راجعة في المعنى إلى مشاكلة طباع البهائم والسباع. إلّا أنّنا في هذا كلّه نتبع الأسماء القائمة المعروفة، البائنات بأنفسها، المتميّزات عند سامعيها، من أهل هذه اللغة وأصحاب هذا اللسان، وإنّما نفرد ما أفردوا، ونجمع ما جمعوا.

-[تقسيم الطير]
والطير كلّ سبع وبهيمة وهمج. والسباع من الطير على ضربين: فمنها العتاق والأحرار والجوارح، ومنها البغات وهو كلّ ما عظم من الطير: سبعا كان أو بهيمة، إذا لم يكن من ذوات السلاح والمخالب المعقّفة، كالنّسور والرّخم والغربان، وما أشبهها من لئام السباع.
ثم الخشاش، وهو ما لطف جرمه وصغر شخصه، وكان عديم السلاح ولا يكون كالزّرّق «1» واليؤيؤ «2» والباذنجان «3» .
فأما الهمج فليس من الطير، ولكنّه ممّا يطير. والهمج فيما يطير، كالحشرات فيما يمشي.
والحيّات من الحشرات، وأيّ سبع أدخل في معنى السّبعيّة من الأفاعي والثعابين؟ ولكن ليس ذلك من أسمائها، وإن كانت من ذوات الأنياب وأكّالة اللّحوم وأعداء الإنس وجميع البهائم، ولذلك تأكلها الأوعال والخنازير والقنافذ والعقبان والشاهمرك «4» والسنانير، وغير ذلك من البهائم، والسباع. فمن جعل الحيّات سباعا، وسمّاها بذلك عند بعض القول والسبب فقد أصاب، ومن جعل ذلك لها كالاسم الذي هو العلامة كالكلب والذئب والأسد فقد أخطأ.
ومن سباع الطير شكل يكون سلاحه المخالب كالعقاب وما أشبهها، وشيء يكون سلاحه المناقير كالنّسور والرّخم والغربان، وإنّما جعلناها سباعا لأنّها أكّالة لحوم.
ومن بهائم الطير ما يكون سلاحه المناقير كالكراكيّ وما أشبهها، ومنه ما يكون سلاحه الأسنان كالبوم والوطواط وما أشبهها، ومنه ما يكون سلاحه الصياصي كالدّيكة، ومنه ما يكون سلاحه السّلح «1» كالحبارى «2» والثعلب أيضا كذلك.
والسّبع من الطير: ما أكل اللحم خالصا، والبهيمة: ما أكلت الحبّ خالصا.
وفي الفنّ الذي يجمعها من الخلق المركّب والطبع المشترك، كلام سنأتي عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
والمشترك عندهم كالعصفور؛ فإنّه ليس بذي مخلب معقّف ولا منسر «3» وهو يلقط الحبّ، وهو مع هذا يصيد النّمل إذا طار، ويصيد الجراد، ويأكل اللحم، ولا يزقّ فراخه كما تزقّ الحمام، بل يلقمها كما تلقم السباع من الطير فراخها. وأشباه العصافير من المشترك كثير، وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
وليس كلّ ما طار بجناحين فهو من الطير؛ قد يطير الجعلان «4» والجحل «5» واليعاسيب والذّباب والزّنابير والجراد والنمل والفراش والبعوض والأرضة والنحل وغير ذلك، ولا يسمّى بالطير. وقد يقال ذلك لها عند بعض الذكر والسبب. وقد يسمّون الدجاج طيرا ولا يسمّون بذلك الجراد، والجراد أطير، والمثل المضروب به أشهر «6» ، والملائكة تطير، ولها أجنحة وليست من الطير. وجعفر بن أبي طالب ذو جناحين يطير بهما في الجنّة حيث شاء، وليس جعفر من الطير.
واسم طائر يقع على ثلاثة أشياء: صورة، وطبيعة، وجناح. وليس بالريش والقوادم والأباهر والخوافي «7» ، يسمّى طائرا، ولا بعدمه يسقط ذلك عنه. ألا ترى أنّ الخفّاش والوطواط من الطير، وإن كانا أمرطين ليس لهما ريش ولا زغب ولا شكير ولا قصب «1» وهما مشهوران بالحمل والولادة، وبالرّضاع، وبظهور حجم الآذان، وبكثرة الأسنان. والنعامة ذات ريش ومنقار وبيض وجناحين، وليست من الطير.
وليس أيضا كلّ عائم سمكة، وإن كان مناسبا للسمك في كثير من معانيه. ألا ترى أنّ في الماء كلب الماء، وعنز الماء، وخنزير الماء؛ وفيه الرّقّ «2» والسّلحفاة، وفيه الضّفدع وفيه السرطان، والبينيب «3» ، والتّمساح والدّخس «4» والدّلفين واللّخم «5» والبنبك «6» ، وغير ذلك من الأصناف. والكوسج والد اللّخم، وليس للكوسج أب يعرف. وعامّة ذا يعيش في الماء، ويبيت خارجا من الماء، ويبيض في الشطّ ويبيض بيضا له صفرة، وقيض وغرقئ، وهو مع ذلك ممّا يكون في الماء مع السمك.

-[تقسيم الحيوان]
ثمّ لا يخرج الحيوان بعد ذلك في لغة العرب من فصيح وأعجم، كذلك يقال في الجملة، كما يقال الصامت لما لا يصنع صمتا قطّ ولا يجوز عليه خلافه، والناطق لما لم يتكلّم قطّ، فيحملون ما يرغو، ويثغو، وينهق، ويصهل، ويشحج، ويخور، ويبغم، ويعوي، وينبح، ويزقو، ويضغو، ويهدر، ويصفر، ويصوصي، ويقوقي، وينعب، ويزأر، وينزب، ويكشّ، ويعجّ «7» ، على نطق الإنسان إذا جمع بعضه على بعض. ولذلك أشباه، كالذكور والإناث إذا اجتمعا، وكالعير التي تسمّى لطيمة، وكالظّعن؛ فإنّ هذه الأشياء إذا وجد بعضها إلى بعض، أو أخذ بعضها من بعض، سمّيت بأنبه النوعين ذكرا، وبأقواهما. والفصيح هو الإنسان، والأعجم كلّ ذي صوت لايفهم إرادته إلّا ما كان من جنسه. ولعمري إنا نفهم عن الفرس والحمار والكلب والسّنّور والبعير، كثيرا من إرادته وحوائجه وقصوره، كما نفهم إرادة الصبيّ في مهده ونعلم- وهو من جليل العلم- أنّ بكاءه يدلّ على خلاف ما يدلّ عليه ضحكه. وحمحمة الفرس عند رؤية المخلاة، على خلاف ما يدلّ عليه حمحمته عند رؤية الحجر، ودعاء الهرّة الهرّ خلاف دعائها لولدها، وهذا كثير.
والإنسان فصيح، وإن عبّر عن نفسه بالفارسيّة أو بالهنديّة أو بالروميّة، وليس العربيّ أسوأ فهما لطمطمة «1» الروميّ من الرومي لبيان لسان العربيّ. فكلّ إنسان من هذا الوجه يقال له فصيح، فإذا قالوا: فصيح وأعجم، فهذا هو التأويل في قولهم أعجم، وإذا قالوا العرب والعجم ولم يلفظوا بفصيح وأعجم، فليس هذا المعنى يريدون، إنّما يعنون أنّه لا يتكلّم بالعربيّة، وأنّ العرب لا تفهم عنه. وقال كثيّر: [من الطويل]
فبورك ما أعطى ابن ليلى بنيّة ... وصامت ما أعطى ابن ليلى وناطقه
ويقال «جاء بما صأى وصمت» «2» . فالصامت مثل الذهب والفضّة، وقوله صأى يعني الحيوان كلّه، ومعناه نطق وسكت؛ فالصامت في كلّ شيء سوى الحيوان.
ووجدنا كون العالم بما فيه حكمة، ووجدنا الحكمة على ضربين: شيء جعل حكمة وهو لا يعقل الحكمة ولا عاقبة الحكمة، وشيء جعل حكمة وهو يعقل الحكمة وعاقبة الحكمة. فاستوى بذاك الشيء العاقل وغير العاقل في جهة الدّلالة على أنّه حكمة؛ واختلفا من جهة أنّ أحدهما دليل لا يستدلّ، والآخر دليل يستدل، فكلّ مستدلّ دليل وليس كلّ دليل مستدلا، فشارك كل حيوان سوى الإنسان، جميع الجماد في الدّلالة، وفي عدم الاستدلال، واجتمع للإنسان أن كان دليلا مستدلّا.
ثمّ جعل للمستدلّ سبب يدلّ به على وجوه استدلاله، ووجوه ما نتج له الاستدلال، وسمّوا ذلك بيانا.

من كتاب الحيوان للجاحظ

_________________
مدد ياسيدى يارسول الله
مدديااهل العباءة .. مدد يااهل بيت النبوة
اللهم ارزقنا رؤية سيدنا رسول الله فى كل لمحة ونفس


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 36 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط