الأهرام- ص 10- قضايا و اراء
44823 السنة 133-العدد 2009 اغسطس 26 5 من رمضان 1430 هـ الأربعاء
الخلافات الداخلية في إسرائيل.. إلي أين؟
بقلم: د. أحمد فؤاد أنور مدرس العبري الحديث ـ جامعة الإسكندرية
أضحت الاشتباكات بين العلمانيين والمتدينين في إسرائيل, فكريا ولفظيا وفعليا في شوارع المدن الإسرائيلية, خبرا شبه ثابت تتناقله أخيرا وكالات الأنباء( علي خلفية تعارض الرؤي والمصالح حول من هو اليهودي واحترام يوم السبت والزواج والطلاق والخدمة العسكرية وولاية القضاء) مما ينم عن تصعيد لخلافات بدأت قبل قيام إسرائيل, يجب رصده بعناية حتي لا تداهمنا أحداث بتغيرات خطيرة علي حدودنا تجعل الترسانة النووية الإسرائيلية تحت إمرة فتاوي الحاخامات, مع ملاحظة أن إسرائيل لم يتول فيها رئيس وزراء متدين حتي الآن,
وهناك تذمر واضح للمتدينين والعلمانيين علي حد السواء من الوضع الحالي يمكن أن يدفع الأقلية اليهودية المتدينة( نحو ثلث عدد الإسرائيليين) لتحرك عنيف شامل أو تحرك انقلابي, حيث يتعلق الأمر بمصالح يومية يستثمرها السياسيون والقيادات داخل كل معسكر, وقد عبر عن هذا الخلاف اشتراط المتطرف أفيجدور ليبرمان شروطا بعينها ـ خاصة بالزواج والطلاق ـ لانضمامه للحكومة, ورفض بعض القوي الدينية الانضمام لحكومة ائتلافية يتولي فيها ليبرمان منصبا وزاريا, رفضا لأفكاره العلمانية, وهذا يوضح أن العلاقة بين الدين والدولة تعد احدي الاشكاليات المعقدة التي تمنع إسرائيل من الشعور بقدر من التوازن, يؤهلها لكي تكون دولة مستقرة.
وقد انقسم المجتمع الإسرائيلي في هذا الصدد الي تيارين متعارضين رئيسيين, لكل منهما جذوره وثوابته ومصالحه, حيث يسعي التيار الأول لتحجيم نفوذ المتدينين داخل المعابد, ويشترط لقبولهم في المجتمع أن يتأقلموا مع متغيرات العصر, وأن يؤدوا واجباتهم كاملة تجاه المجتمع, ويسعي هذا التيار بكل قوة لإقرار إطار مشترك ـ غير ديني ـ يحوي بين جنباته كل قوي المجتمع, علي أن يكون واضحا أنه عند حدوث تعارض بين الشريعة والقوانين الوضعية تكون الأولوية للقوانين الوضعية.
في حين يسعي التيار الثاني لإجبار العلمانيين علي التراجع عن توجهاتهم والالتزام بالدين, وان يعلنوا توبتهم والتزامهم الكامل بالطقوس والواجبات الدينية في كل مناحي الحياة, مستغلا في ذلك التلويح بالعقاب الإلهي, وأدوات دنيوية مثل المشاركة في الائتلافات الحكومية, والسيطرة علي ميزانيات مبالغ فيها تتيح له مزيدا من التأثير في المجتمع, خاصة بين الشرائح الفقيرة, وبالتالي تحويل الدولة في النهاية الي دولة شريعة يهودية.
ونستطيع أن ندرك قدر خطورة الخلافات بين المعسكرين العلماني والديني في إسرائيل, اذا وضعنا في الاعتبار أن مؤسسي الفكرة الصهيونية والدعاة لإعلان دولة إسرائيل هم من العلمانيين, وأن غالبية الإسرائيليين حاليا من العلمانيين, وفي المقابل تتزايد أعداد مواليد المتدينين, وبالتالي اعداد ممثليهم في الكنيست, وكذلك ملاحظة أن إمكان تشكيل حكومة ائتلافية بأغلبية مريحة أو مناسبة دون مشاركة القوي الحزبية الدينية الممثلة في الكنيست يعد احتمالا ضعيفا ومحفوفا بمخاطر سحب الثقة من الائتلاف عند حدوث أي أزمة سياسية.
ومن النماذج الفعلية علي تفاقم الخلافات والمواجهات رصدت وسائل الإعلام الإسرائيلي حقيقة أن شقة الخلاف بين المعسكرين, علي صعيد القضايا الاجتماعية والثقافية والأمنية والتشريعية تتفاقم وربما تصل الي ذروتها قريبا, ففي منتصف يوليو2009 أكدت صحيفة يسرائيل هيوم انتهاء الجدل مؤقتا حول سعي أعضاء الكنيست عن حزب شاس لفرض رقابة علي مواقع شبكة الانترنت, وكذلك كشفت صحف معاريف وهاآرتس ويديعوت أحرونوت مساعي القوي الدينية لمنع مشاهدة التليفزيون أو امتلاكه في الأحياء الدينية(!), حيث يتعرض مخالف هذا الاتجاه للضرب أو الإجبارعلي تركه مسكنه في الحي الديني, وعلي نفس المنوال, فإن هناك أصواتا علمانية تطالب وزارة الداخلية بأن تبادر بمحو خانة الحالة الاجتماعية من بطاقة الهوية الإسرائيلية.. نظرا للتعقيدات المصاحبة في توصيف الحالة الاجتماعية لأعداد كبيرة من الإسرائيليين.
وعلي الصعيد الأمني من غير المستبعد أن تعرب القوي العلمانية داخل صفوف الجيش عن تذمرها العنيف علي التفرقة في التعامل والواجبات بينهم وبين نظرائهم المتدينين, مع الأخذ في الاعتبار أن قانون طال, الذي يتيح للحريدي الانضمام للجيش, أثبت بالتجربة العملية, وبعد مرور بضع سنوات فقط من سنه فشله الذريع, وهو ما دفع العلمانيين, بشكل خاص, للسخرية منه, ووصفه بأنه يداري سوأة نحو41 ألف طالب في معهد ديني لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي.
وتتفاقم خطورة الأوضاع أخيرا نظرا لأن المجتمع الإسرائيلي أصبح يموج بجمعيات ومنظمات الدين عندها لا ينفصم عن السياسة, أو أن الدين يمثل لها مظهرا من مظاهر الجمود, والتخلف, والسيطرة تجب محاربته, مما يزيد من التوتر, والخلافات والاستقطاب بين المعسكرين, خاصة في ظل وجود تنظيمات سرية عنيفة في معسكر المتدينين, قد تسعي لفرض رأيها علي المجتمع في قضايا عديدة من خلال العنف, وفي نفس الإطار كلا المعسكرين العلماني والديني في إسرائيل يعلم أن الصراع حول التشريع والمؤسسات التشريعية, وحدود صلاحياتها, صراع ستتسع رقعته وحدته مستقبلا, وفي ظل تعارض المصالح هذا تلعب المحاكم الحاخامية الإسرائيلية دورا سلبيا في تفاقم الصراع الداخلي في اسرائيل, مما يجعلها في موضع اتهام من قبل العلمانيين الذين يصورونها بشكل سلبي, من خلال التشكيك في صلاحيتها, وجدواها, وتمويلها في ظل متغيرات العصر الحديث.
المثير في هذا الإطار أيضا, أن تفاقم الأوضاع والخلافات الداخلية جعل بعض وسائل الإعلام تكشف أنه من غير المستبعد حدوث تقسيم للدولة الإسرائيلية لتصبح كيانين لهما استقلالية ما, علي غرار تايوان والصين, أي أنه من غير المستبعد أن يحدث انقلاب عسكري, بعد أن تتطور قضية عصيان الأوامر العسكرية أو أن يتبناها أحد الضباط ذوي الرتب الكبيرة, وهو ما حذرت منه الصحف الإسرائيلية مرارا بشكل غير مباشر, وفي نفس الوقت من غير المستبعد أن تترجم القوي العلمانية داخل صفوف الجيش تذمرها من التفرقة في التعامل والواجبات بينهم وبين نظرائهم المتدينين الي خطوات عملية عنيفة, وفي هذا المجال تناصر الصحف العلمانيين وتتعاطف معهم بشدة.
ومن كل ما سبق يتبين لنا أن المتخصصين العرب مطالبون بالعكوف علي دراسة ملف الخلافات الداخلية في إسرائيل, نظرا لأنه مرشح للتصعيد, وسيؤثر علينا في جميع الأحوال, الأمر الذي يستدعي ضرورة الاستعداد له بوضع تصور مستقبلي للتعامل مع أوضاع جديدة في إسرائيل حتي لا تداهمنا الأحداث.بداية الصفحة
_________________ أنا الذى سمتنى أمى حيدره
كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره
|