خطب ابن حجر (الهيتمي) المسمى بالنخب الجليلة في الخطب الجزيلة: (ص:55-56)
الخطبة الأولى لشهر رمضان:
الحمد لله الذي جعل هذا الشهر سيد الشهور وأنزل فيه القرآن. فعظَّم قدره بذلك ورفعه وأجزل فيه الإحسان بفتح الجنان. فتمَّمَ نشره بذلك وضَوْعَه وأكمل فيه الامتنان بتغليق النيران. فعم بره بذلك ووَسَّعه وتطول فيه بالغفران. وصفد فيه كل مارد وشيطان. فحمى منهم كل ولي له ومنعه. فطوبى لمن وفقه الحق لطاعته وعليها جَمَعَه. وويل لمن خذله الشيطان فحجبه عن مرضاة الله وقطعه. أحمده وَمَن حَمِده فقد سمعه. وأشكره ومن شَكره فقد نعَّمه بنعيمه ومتَّعه وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة لا تزال للقلوب مُنوِّرة وللقبور مُوسِّعة وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله الذي نسخ الله الشرائعَ بما قرره على لسانه وشرعه. وخصه بشريف التكاليف وأعانه وخفف ببركته عن أمته كل إصر ووضعه. صلى الله وسلم عليه وعلى آله ومن اتبعه. واجعل التضعيف إليهم من ذلك مآله ومرجعه.
(أيها الناس): إن الله سبحانه وتعالى قد دعاكم إلى دار كرامته ونشر عليكم سحائب رحمته. فهل منكم من أجاب. وتفضّل عليكم بإنعامه وأفاض عليكم سحائب إكرامه فهل أحد منكم إليه أناب. هذا شهر رمضان قد ضُربت عليكم خيامه وظهرت أنواره ونُشرت أعلامه. ألا وإنه شهر شريف ووقت مُنيف ما أجزلَ الفضل فيه وما أوسعه. فيه تكثر الرغائب وتقرر المواهب وتنشر الخيرات المُنوعة. فيه تنصلح الأعمال وتنجح الآمال وتُغلق النيران وتُفتح الجنان وتفوح نفحات الرحمن المُضَوعَة. شهر طَهَّرَ فيه الأبدان ونور فيه الأكوان وأنزل فيه القرآن وفجر فيه ينبوع الامتنان وأنبعه. شهر لا تُحصى فضائله ولا تُستقصى فواضله ولا يُحاط بخيراته العاجلة والمستودعة. ألا وإن صيامه لوسيلة إلى التقوى فليغتنم المغتنمون. وإن الإخلاص شرطٌ لقبول الأعمال فليخلص المخلصون. فليُطهر كل منكم صومه عن اللغو والمآثم وإن امرؤ قاتله أو شاتم فليقل إني صائم، وصونوا أنفسكم عن الفواحش فذلك أقوى سبب. فإن خلوف فم الصائم عند الله أقوى من ريح المسك وأطيب. واجتهدوا أيها الصائمون ألا تفطروا إلا على الحلال من الطعام والشراب. واجتنبوا الغيبة والنميمة فالصائم لا ينم ولا يغتاب. وحافظوا على السحور فإنه لكم سُنة، وليكن فطر أحدكم على تمر أو ماء فإنه من الجنة، وليقل إذا أفطر: ( اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت وعليك توكلت). فعليكم بالاستعداد ليوم المعاد وسابقوا إلى الخيرات قبل الفوات، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 183، 184].
قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( عجلوا بالإفطار وأخِّروا بالسحور)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( إذا هل هلال رمضان صاح العرش والكرسي وما دونهما وقالوا: طوبى لأمة محمد مما لهم عند الله من الكرامة واستغفر لهم الشمس والقمر والنجوم والنهار والليل والحيتان وكل ذي روح إلا الشياطين فإذا أصبحوا لا يترك الله عبداً من هذه الأمة إلا غفر له).أهـ