المقاصد
هذه مقاصد الإمام المحدث الحجة، ولي الله
العلامة يحيى بن زكريا النووي
في التوحيد والعبادة وأصول التصوف
نفع الله به وبسائر علومه، وأسكنه الفردوس الأعلى
ورضي الله عنه، آمين
......................................................................................................................
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وسائر الصالحين.
وبعد، فهذه مقاصد نافعة، وأنوار لامعة، أسأل الله تعالى أن يجعلها خالصة من أجله، وأن يُثيبني عليها من فضله، إنه ولي مَن التجأ إليه، والآخذ بيد من عوَّل عليه، ورتبتها على سبعة مقاصد.
المقصد الأول
في بيان عقائد الإسلام، وأصول الأحكام
أول واجب على المكلف معرفة الله تعالى وهي:
موجود ليس بمعدوم، قديم ليس بحادث، باق لا يطرأ عليه العدم، مخالف للحوادث لا شيء يُماثله، قائم بنفسه
لا يحتاج إلى محل أو مُخصص، واحد لا مشارك له في ذاته ولا صفاته ولا في أفعاله، له القدرة، والإرادة،
والعلم، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، فهو القادر، والمريد، والعالم، والحي، والسميع، والبصير، والمتكلم.
أرسل بفضله الرسل، وتولاهم بعصمته إياهم عما لا يليق بهم، فهم معصومون من الصغائر والكبائر قبل النبوة وبعدها، منزَّهون عن كل مُنفِّر طبعا كالجُذام والعمى، يأكلون ويشربون وينكحون.
وهم أفضل الخلق على الإطلاق. وتفصيل في الملائكة.
وأعلى الكل مَن ختم الله به النبوة، ونسخ شرعه الشرائع، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأصحابه خير القرون، وأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
ونؤمن بجميع ما أخبرنا به على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، كالملائكة، والكتب السماوية، والسؤال، والبعث، والحشر، وهول الموقف، وأخذ الصُحُف، والوزن والميزان، والصراط، والشفاعة، والجنة، والنار، وكل ما عُلم من الدين بالضرورة فالإيمان به واجب، والجاحد به كافر.
وأركان الإسلام خمسة أشياء؛ الشهادتان ولا صحة له بدونهما، والصلاة، والزكاة، والحج، وصوم رمضان.
وشروطه البلوغ، والعقل إلا في التبعية، وبلوغ الدعوة، والاختيار إلا في الحربي والمرتد، والإتيان بالشهادتين وترتيبهما ومُوالاتهما ولفظ (أشهد) فيهما، ومعرفة المعنى المراد منهما والإقرار بما أنكره معهما والتنجيز.
وحقيقة الإيمان التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء خيره وشره.
وأمور الدين ثلاثة: اتباع الأوامر، واجتناب المناهي، والتسليم للقضاء والقدر.
وأحكام الشرع خمسة: واجب، ومندوب، وحرام، ومكروه، ومباح.
فالواجب ما يُثاب على فعله ويُعاقب على تركه.
والمندوب ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
والحرام ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله.
والمكروه ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله.
والمباح ما لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
وقول، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، واجب في العمر مرة، والإكثار منه محبوب، ومعناهما الإقرار لله بالوحدانية، ولسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
وأفضل العبادات بعد الإيمان الصلاة.
وأفضل الأذكار بعد القرآن "لا إله إلا الله".
ومعناها لا معبود بحق في الوجود إلا الله.
وأفضل الثناء على الله تعالى "سبحانك لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
وأفضل المحامد "الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده".
وأفضل صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد"، وتسمى الصلاة الكاملة، والصلاة الإبراهيمية.
وتجب الصلاة عليه، زاده الله شرفا لديه، في التشهد الأخير من كل صلاة، وقيل في العمر مرة، وقيل كل ما ذُكر، وقيل في كل مجلس، وقيل غير ذلك.
والفرض والواجب والمتحتم واللازم بمعنى، ثم أنه ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية.
فأما فرض العين فهو اللازم على كل مُكلَّف بعينه، وإذا قام به البعض لا يسقط عن الباقي كالصلاة والزكاة.
وأما فرض الكفاية فهو الذي إذا قام به البعض سقط عن الباقي كرد السلام، وصلاة الجنازة، وحفظ القرآن عن ظهر قلب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرطه، والقيام بالحِرَف النافعة المحتاج إليها.
والسنة والمندوب والمستحب والفضيلة والمُرغَّب فيه بمعنى.
وذلك عبارة عن أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله إلا ما خص به وما أقر عليه ورضي به وما همَّ بفعله ولم يفعله كصوم يوم تاسوعاء.
وأصول الدين أربعة الكتاب والسنة والإجماع والقياس المعتبران، وما خالف هذه الأربعة فهو بدعة ومرتكبه مبتدع يتعين اجتنابه وزجره.
ومن المطلوب اعتقاد من عَلِم وعَمِل، ولازم أدب الشريعة، وصحب الصالحين.
وأما من كان مسلوبا عقله، أو مغلوبا عليه كالمجاذيب فنسلم لهم، ونفوض إلى الله شأنهم مع وجوب إنكار ما يقع منهم مخالفا لظاهر الأمر حفظا لقوانين الشرع.