موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: الحرص والاعتراض والعجلة شؤم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مايو 17, 2017 12:58 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
نوادر الأصول في أحاديث الرسول (1/ 103-110)


(الأصل العاشر: في أن الحرص والاعتراض والعجلة شؤم:

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغترف الماء لكانت زمزم عينا معينا".


أنبأ أن الحرص داخل بالفساد على الأشياء؛ لأن الحرص من النهمة والآدمي خلق محتاجا عجولا فهو ينتظر الأسباب ويحرص عليها وإن كان معترفا على حد الإيمان بالله تعالى أنه مسبب الأسباب وهذا لأهل اليقين، أما أهل الغفلة فهم مفتونون مشغولون بالأسباب عن خالق الأسباب، وأم إسماعيل أدركتها الضرورة مع كربة الغربة فأخذت تعدو في طلب الماء هكذا وهكذا وتستغيث فلما جاءها الغياث أدركتها العجلة فاغترفت وأحرزته في وعائها فانقطع المدد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها لو اطمأنت في ذلك الوقت إلى من أجرى لها ذلك لجرت وبقيت جارية لكنها شغلت بالموجود عن الذي أوجده وحملتها النفس على الإحراز لتطمئن به، وهو قول سلمان رضي الله عنه حيث رؤي يحمل جرابا فقيل له: ما هذا يا أبا عبد الله؟ قال: إن النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت.

فهذا عمل النفس وليس عمل القلب، لأن القلب موقن أن الرزق هو الذي يوصله الله تعالى إليه في وقته، والنفس في عماها وظلمتها تزعم أن الرزق هو الذي توعيه في جرابها فصاحبه في بلاء من وسوسته وتقاضيه، فإذا أراد صاحبه أن يتخلص من وسوسته أسعفها بذلك كما فعل سلمان رضي الله عنه فيطمئن إلى ذلك.

و قد يهيء الله تعالى له الرزق المكتوب من غير ذلك الذي هيأه في جرابه والذي أوعاه يسلط عليه غيره فيصير رزق غيره حتى يتبين كذبها وجهلها فمن أحرز ذلك فلطمأنينة نفسه والخلاص من وسواسها وهذا فعل يدخل فيه نقص على أهل التوكل، والأنبياء والأولياء عليهم السلام والعارفون في خلو من هذا؛ لأن الشهوات منهم قد ماتت، والنفس قد اطمأنت بخالقها، والقلوب منهم قد حييت بالله تعالى، والصدور منهم قد أشرقت بنور الله تعالى، والأركان منهم قد خشعت لله تعالى، فسواء عليهم أحرزوا أو لم يحرزوا، فإن أحرزوا فليس ذلك منهم إحرازا إنما هو شيء قد ائتمنوا عليه فأخذوه من الله تعالى بأمانة وقفوها على نوائب الحق سبحانه وتعالى قد امتلأت قلوبهم من عظمة الله تعالى فلم يبق للدنيا بما فيها موضع إبرة توجد حلاوتها ولذتها وشهوتها هنالك فقد ارتفعت فكر شأن الأرزاق والمعاش عن قلوبهم وتعلقت نفوسهم بقلوبهم وتعلقت قلوبهم بخالق الأرزاق وعالم التدبير فقالوا حسبنا الله فخرجت هذه الكلمة منهم من قلب حي بالله تعالى على سكون من النفس فلم يبق في صدورهم اختلاج ولا تنازع ولا ريب فاستقرت الأركان فمتى ما وقع بأيديهم شيء من الدنيا لم يحبسوها لأنفسهم وعدوها أمانة قد ائتمنهم الله عليها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا خازن أقسم والله يعطي فأنا أبو القاسم أقسم والله يعطي".

عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد.
وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فأهدي له طيران فتعشى بأحدهما وخبأت له أم أيمن الآخر فلما أصبح قال: يا أم أيمن هل عندك من غداء؟ قالت: أحد الطيرين قال: يا أم أيمن أما علمت أن أخي عيسى عليه السلام كان لا يخبئ عشاء لغداء ولا غداء لعشاء يأكل من ورق الشجر ويشرب من ماء المطر يلبس المسوح ويبيت حيث يمسي ويقول: يأتي كل يوم برزقه قالت: يا رسول الله لا أخبئ لك شيئا بعدها.

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أطعمنا يا بلال قال: ما عندي إلا صبر من تمر خبأته لك فقال: أما تخشى أن يخسف الله به نار جهنم أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا. وخبأت أم سلمة قدرة من لحم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في كوة فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قربته إليه فإذا هي قطعة كدانة أو حجر فلما رآه قال: هل سأل بالباب سائل؟ قالت: نعم قال: فمن أجل ذلك أو كما قال.

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو توكلتم على الله عز وجل حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا قال في تنزيله: ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها ).
ثم قال: وإياكم أخبر إن المتوكل يرزق كما يرزق الطير قال له قائل: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل قوت سنة لعياله وقد تواترت الأخبار بذلك من فعله؟ أجاب وقال: ليس الإدخال من الادخار في شيء إنما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم مال خبير مما أفاء الله عليه فأدخل لعياله من الخمس قوتهم وكذلك من فيء قريظة والنضير وتلك أمانة ائتمنه الله عليها وسلطه على ذلك وصرفها في نوائب الحق والقلب منها خال ملك من الملوك غني بالله حر من الأحرار فماذا ضره وهل كان سبيل ذلك المال الذي أوتي إلا هكذا أن يصرفه في نوائب الحق فصرفه في الكراع والسلاح وفي ذوي الحاجات من الأباعد فما باله يحرم عياله فلم يجئك في الخبر أنه أدخل قوت سنة لنفسه إنما ذلك لعياله وعياله كسائر الناس ولا يحمل عياله ما لا يطيقونه وإنما يطيق هذا الأنبياء والأولياء وأهل اليقين الذين بهم تقوم الأرض قد طهرت قلوبهم و تنزهت نفوسهم من تهمة الله تعالى ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال له ذلك الرجل: أوصني بوصية قصيرة قال: اذهب فلا تتهم الله في نفسك.

و قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن ما يقع بيده من المال لنوائب الحق لا لنفسه وقد كان يصرفها في السلاح والكراع لحاجتهم في ذلك الوقت إلى ذلك فكان يرفع مقدار قوت نسائه ليعلم ما يبقى هنالك فيصرفه في هذه الوجوه.

و قد أمر الله تعالى بخزن الأموال وحفطها فقال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل قياما} فإذا أحرزه فإنما يحرزه لما ينوب من حقوق الله تعالى حتى يصرفه فيه فهو مأجور فيه وخازن من خزانه ومن أحرزه ليتخذه عدة لنوائب نفسه ودنياه وهو في نقص وإدبار وخذلان من الله تعالى ومسئول غدا عن كل درهم من أين؟ ولم؟ وفي أين؟ فما قسم لعياله كان مثل ما قسم لغيره فإنه إحدى نوائب الحق، ولأن نفوس أزواجه كانت لا تطمئن إلا على الإحراز فلم يكلفهن ما ليس ذلك لهن مقام وإنما زجر بلالا في حديثه؛ لأنه قال: خبأته لك، وكذلك أم أيمن وأم سلمة فإنها قالت: خبأته لك، فأما عياله فقد كان يبعث إليهم بما يبقى عندهم أياما، فأما أم إسماعيل فإن فعلها كان في حال الضرورة فلما زالت الضرورة أخذتها عجلة النفس فجعلته في الوعاء فامتنع ما ظهر فانقطع المدد، وإنما كان ذلك بدؤه من الكرام فلو تلقاه كرم الآدمية لكان شكرا والشاكر يستحق المزيد ولكان يجري ولا ينقطع المدد، ولكنها تلقته بلؤم النفس، فإن النفس لئيمة فتراجع الكرم وأعرض موليا لما لم يجد له قابلا يحسن قبوله وكانت تلك عين سوغ الله عز وجل لها مخرجها من الجنة إلى تلك البقعة من دار الدنيا وبعث جبرائيل عليه السلام فكانت منه هزمة بعقبه فانبعث الماء فكان ذلك من كرم ربنا عاملها على بغيتها فكان اللائق بهذا الفعل أن تأخذ منها حاجتها على تؤدة وإناءة وسعة صدر وحياء وتكرم وتعفف وتذر ما بقي بين يدي من أجراه حتى تنظر ما يدبر فيه فلما عجلت وأخذت تدبر لنفسها فعلت فعلا غير لائق بكرم ربنا عز اسمه وجلت قدرته ورحمته.

و مثال ذلك في الآدميين موجود فيما بينهم فلو أن ملكا من ملوك الدنيا نظر إليك في وقت حاجتك إلى شيء فرحمك كأنه رآك جائعا فهيأ لك مائدة عليها ألوان الطعام لتأخذ منها حاجتك فجعلت تأكل لقمة و تضع لقمة تحت المائدة تخزنها لنفسك أليس هذا مما يضعك عنده؟ ولو نظر إليك وقت حاجتك إلى كسوة ففتح عليك باب خزانته لتكتسي منها كسوتك فرفعت منها كسوتك ثم مددت يدك بالعجلة و الحرص إلى أثواب لتخزنها فرفعت منها في بيتك وعندك أليس ذلك مما يضعك عنده؟ وأريته من نفسك أنك اتهمته على نفسك فأنت إذا نطقت و قلت أنت خير لي من نفسي ألم يكن يضع ذلك القول منك على الهذيان ويقول في نفسه فإن كنت أنا خيرا لك من نفسك فما الذي حملك على أن مددت يدك إلى ما لا تحتاج إليه من الفضول تريد أن تخزنه لنفسك دوني؟ فإذا كان هذا سمجا قبيحا عند ملوك الدنيا فكيف بمن يعامل رب العالمين بمثل هذا فكلما أعطاك من الدنيا شيئا فتناولته على غير حد الأمانة فأنت في هذا اللؤم من الفرق الى القدم حتى تأخذه على سبيل أنه ماله ائتمنك عليه لتصرفه في نوائب حقوقه.

فأول حقوقه نفسك وعيالك ثم أرحامك وجيرتك ثم نوائب الحق التي تنوبك واحد على إثر واحد وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سئل فقيل: يا رسول الله إني أصبت دينارا؟ قال: أنفقه على نفسك قال: أصبت آخر؟ فلم يزل يقول أصبت آخر وهو يأمره بصرفه في وجه حتى كان في السابعة قال: أصبت آخر؟ قال: أنفقه في سبيل الله. وذلك أخسهن وأدناهن أجرا فإذا تناولته على حرص وشره تناولته لغير الله فإحرازك لؤم ودناءة وظلمة يعود على القلب ودنس على الفؤاد وسقم في الإيمان وسم في الطاعات، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا سلمان قل: اللهم إني أسألك صحة في إيمان.

فهل يأمره بسؤال الصحة في الإيمان إلا من سقم؛ لأنه رأى في سلمان ما قال إن النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت فمن كانت نفسه مطمئنة بالأحوال فهذا سبيله ومن كانت نفسه مطمئنة بربه فلو أعطى الدنيا إليها كلها لم يلتفت إليها وكان عيناه إلى ربه وسكونه إليه، وكان فعل أبي بكر رضي الله عنه يدل على أنه ممن هو بهذا موصوف، وروي لنا أن أبا بكر رضي الله عنه تلا هذه الآية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية} فقال: ما أحسن هذا يا رسول الله! فقال: يا أبا بكر أما إن الملك سيقولها لك عند الموت.

فهذه نفس رضيت عن الله تعالى بجميع ما دبر لها من المحبوب والمكروه لأنها لذت بجوار الله تعالى وقربه فلهت عن لذاتها الدنياوية فرضي الله عنها وبشرت عند الموت بذلك.

فأما قوله لكانت زمزم عينا معينا أي: مرئيا ظاهرا تجري، والمعين أن يعاين بالعيون معناه أنه لا يركد ولكن يجري حتى يعاينوه فبقي عينا وليس بمعين لفعل أم إسماعيل عليه السلام) اهـ .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الحرص والاعتراض والعجلة شؤم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مايو 17, 2017 10:54 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7637
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الحرص والاعتراض والعجلة شؤم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مايو 17, 2017 10:12 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
فراج يعقوب كتب:
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم


وجزاكم الله خيرا مولانا الفاضل الشيخ فراج يعقوب وشرفني مروركم الكريم

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 211 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط