موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: مجاهدة النفس
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مايو 16, 2017 10:23 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت ديسمبر 21, 2013 9:44 pm
مشاركات: 1660
[size=150]مجاهدة النفس

قال السيدمحى الدين بن عربى رحمه الله

ألزِمْ نفسَكَ الحديثَ بعمل الخير وإن لم تفعل، ومهما حدّثت نفسك بشرٍّ فاعزِمْ على ترك ذلك لله، إلا أن يغلبك القدر السابق، والقضاء اللاحق؛ فإن الله إذا لم يقضِ عليك بإتيان ذلك الشي‏ء الذي حدّثت به نفسك كتبَهُ لك حسنة وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه يقول: «إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها» [رواه مسلم].
و كلمة «ما» هنا ظرفيةٌ، فكل زمان يمرُّ عليه في الحديث بعملِ هذه الحسنة ـ وإن لم يعملها ـ فإن الله يكتبها له حسنة واحدة في كل زمان يصحبه الحديث بها فيه، بلغت تلك الأزمنة من العدد ما بلغت، فله بكل زمان حديث حسنة، ولهذا قال: «ما لم يعملها».
ثم‏ قال تعالى: «فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها»، ومن هنا فُرض العُشر فيما سقت السماء إن علمت، فإن كانت من الحسنات المتعدّية التي لها بقاءٌ؛ فإن الأجر يتجدّد عليها ما بقيت إلى يوم القيامة؛ كالصدقة الجارية مثل الأوقاف والعلم الذي يبُثُّه في الناس والسنة الحسنة وأمثال ذلك.
ثم تَمّمَ نعمه على عباده‏ فقال تعالى: «وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها».
و ما هنا ظرفية كما كانت في الحسنة سواء، والحكم كالحكم في الحديث والجزاء بالغاً ما بلغ‏.
ثم قال: «فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها»، فجعل العدلَ في السيئة، والفضلَ في الحسنة، وهو قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‏ وزِيادَةٌ} [يونس: 26]، وهو الفضل، وهو ما زاد على المثل.
ثم أخبر تعالى عن الملائكة أنها تقول بحكم الأصل عليها الذي أنطقها في حق أبينا آدم بقولها: {أَ تَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ} [البقرة: 30] فما ذكَرَت إلا مساويَنا وما تعرّضت للحسَن من ذلك! فإن الملأ الأعلى تغلب عليه الغيرة على جناب الله أن يُهتَضم.
وعلمَت ـ من هذه النشأة العنصرية ـ أنها لا بد أن تخالف ربها؛ لِما هي عليه من حقيقتها، وذلك عندها بالذوق من ذاتها، وإنما هي في نشأتهاأظهر.
ولولا إن الملائكة في نشأتها على صورة نشأتنا ما ذكر الله عنهم أنهم يَخْتَصِمُونَ، والخصام ما يكون إلا مع الأضداد! والذي أخبر الله عن الملائكة في حقنا أنهم يقولون: "ذاك عبدك يريد أن يعمل حسنة" فانظر قوة هذا الأصل ما أحكمه لمن نظر؟!
ومن هنا تعلم فضل الإنسان إذا ذكر خيراً في أحد، وسكت عن شرِّه: أين تكون درجته مع القول الجميل من الملائكة فيما ذكروه؟ ولكن نبّهتُك على ما نبهتُك عليه من ذلك لتعرف نشأتهم وما جبلوا عليه فـ {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى‏ شاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84] كما قال تعالى وأخبر أن الملائكة تقول: "ذاك عبدك فلان يريد أن يعمل سيئة" ـ وهو أبصر به ـ :فقال «ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة؛ إنه إنما تركها من جرّائي».‏أي: من أجلي.
فالملائكة المذكورة هنا هم الذين قال الله لنا فيهم: {إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ} [الانفطار: 10-11]. فالمرتبة والتولية أعطتهم أن يتكلموا بما تكلموا به.
فلهم كتابة الحسن من غير تعريفٍ بما تقدم الله إليهم به في ذلك، ويتكلمون في السيئة؛ لِما يعلمونه من فضل الله وتجاوُزه!
ولولا ما تكلموا في ذلك ما عرفنا ما هو الأمر فيه عند الله! مثل ما يقولونه في مجالس الذكر في الشخص الذي يأتي إلى حاجته لا لأجل الذكر، فأطلق الله للجميع المغفرة وقال: «هم القوم لا يشقى جليسهم» [متفق عليه].
فلولا سؤالهم وتعريفهم بهم ما عرفنا حكم الله فيهم! فكلامُهم ـ عليهم السلام ـ تعليم ورحمة، وإن كان ظاهرُهُ كما يسبق إلى الأفهام القاصرة، مع الأصل الذي نبهناك عليه‏.
و قد قال الله في الحسنة والسيئة: «من جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وأزيد، ومن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى‏ إِلَّا مِثْلَها وأغفر» [رواه مسلم] بعد الجزاء لقوم، وقبل الجزاء لقوم آخرين! فلا بد من المغفرة لكل مسرفٍ على نفسه وإن لم يتُبْ.
فمن تحقق بهذه الوصية عرف النسبة بين النشأة الإنسانية والملَكية، وأن الأصل واحد، كما أن ربنا واحد، وله الأسماء المتقابلة فكان الوجود على صورة الأسماء.
ا.هـ.

«كتاب الوصاياللسيدمحى الدين بن عربى» (ص 12-14).

[/size]

_________________
مدد ياسيدى يارسول الله
مدديااهل العباءة .. مدد يااهل بيت النبوة
اللهم ارزقنا رؤية سيدنا رسول الله فى كل لمحة ونفس


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 67 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط