بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد
فهذا موضوع في غاية الأهمية حيث إنه يتحدث عن الذكر بأعداد كبيرة عند الأمة المحمدية، وأنهم كانوا يرونه من أفضل القربات وأنجح المساعي، فكانوا يتنافسون فيه ويتفاضلون به، فعلمنا أن منهم من كان يسبح في اليوم اثني عشر ألف تسبيحة، ومنهم من كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة، وهو أمر اتفقت عليه الأمة منذ عهد الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا.
قال الإمام أبو طالب المكي في قوت القلوب (1/ 77): (الفصل الخامس عشر في ذكر ورد العبد من التسبيح والذكروالصلاة في اليوم والليلة وفضل صلاة الجماعة وذكر أفضل الأوقات المرجو فيها الإجابة وذكر صلاة التسبيح وما يستحب أن يكون شعاره. ليكن للعبد في كل يوم وليلة ورد من التسبيح وأقل ذلك تسعمائة مرة من أنواع الأذكار التي وردت بها الأخبار، فليقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي، لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير مائة مرة، فإذا قال ذلك مائتي مرة لم يعمل أحد في يومه أفضل من عمله بأثر فيه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليقل سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وتبارك الله مائة مرة، وليقل: اللهم صلّ على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي مائة مرة، وليقل: أستغفر الله الحي القيوم، وأسأله التوبة مائة مرة، ليقل: سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة، وليقل: لا إله إلاّ الله الملك الحق المبين مائة مرة، وليقل: ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله مائة مرة، يقول هذا في كل يوم وفي كل ليلة فإن رزق مزيداً عليه فهو فضل وإلا كان هذا معلومه وقد كان في الصحابة من ورده كل يومِ اثنا عشر ألف تسبيحة، وكان من التابعين من ورده في كل يوم ثلاثون ألفاً، وحدثونا عن إبراهيم بن أدهم عن بعض الأبدال أنه قام ذات ليلة يصلي على شاطئ البحر فسمع صوتاً عالياً بالتسبيح ولم يرَ أحداً فقال: من أنت أسمع صوتك ولا أرى شخصك، فقال أنا ملك من الملائكة موكل بهذا البحر أسبح الله عزّ وجلّ هذا التسبيح منذخلقت قلت فما اسمك؟ قال مهيهيائيل، قلت: فما ثواب من قاله؟ قال: من قاله مائة مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له، وهو هذا التسبيح: سبحان الله العلي الديان، سبحان الله شديد الأركان، سبحان من يذهب بالليل ويأتي بالنهار سبحان من لا يشغله شأن عن شأن، سبحان اللّّه الحنان، المنان، سبحان الله المسبح في كل مكان، وإن كان للعبد من الصلاة أوراد معلومة فحسناً قد فعل كان من التابعين من ورده في كل يوم ثلاثمائة ركعة وأربعمائة ركعة وكان منهم من ورده ستمائة ركعة إلى ألف ركعة وأقل ما نقل عنه من الأوراد مائة ركعة في اليوم.)اهـ.
والتسبيح بأعداد كبيرة أمر لم ينفرد به الرجال بل شاركهم فيه النساء أيضا فقد روي عن بعضهن في ذلك الشأن العجب العجاب منه ما رواه ابن بشران (الجزء الأول والثاني من فوائد ابن بشران) (ص: 191)، وعبد الوهاب بن منده في الفوائد (ص: 57) والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 186) (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ تُسَبِّحُ فِي كُلِّ يَوْمٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ، فَمَاتَتْ فَلَمَّا بُلِغَ بِهَا الْقَبْرُ أُخِذَتْ مِنْ أَيْدِي الرِّجَالِ).
وهو سر من أسرار قوة الأمة وعزتها ورفعتها فقد قال سيدنا أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-: "ما صيد من صيد ولا عضد من شجر إلا بما ضيع من التسبيح".
أما خوارج العصر فيسيرون على عكس سير الأمة المحمدية ويريدون حرمان الأمة من سر من أسرار قوتها؛ فيحرمون الذكر بأعداد كبيرة ويرونه بدعة ضلالة قد توصل عند بعضهم إلى الشرك الأكبر، ويصورونه للناس بهذه الصورة القبيحة ويرهبونهم بذريعة الشرك، فلم يكن أحد يسمع لقولهم هذا حتى عهد قريب حيث كان الأولياء والعلماء متوافرين فكنا نرى الآباء والأجداد والأمهات والجدات لا تفارق المسبحة أيديهم فكانت الأمة في رحمة وسعة وحب واتفاق وود بين الناس وأخلاق حسنة ونحو ذلك من الأمور الفاضلة. فلما قل الأولياء والرجال من العلماء ولم يكن في بعض الناس يقين يجعلهم يجتنبون الخوارج أو يكذبونهم - استشرى أذى الخوارج وضلالهم وزاد كذبهم فصوروا للناس زيادة على ما سبق أن الأمة لم تكن تذكر بهذه الأعداد الكبيرة وأن هذا الأمر على خلاف الكتاب والسنة فأذعن البعض لقولهم- مع موت من تربى على ذلك من الآباء والأجداد- مع ترك البعض ممن يعرفون الحق لـ (الذكر بأعداد كبيرة) أو غفلتهم وانشغالهم عنه؛ فرأينا في الأمة ضعفا شديدا ووهنا وضيقا وتمزقا وأخلاقا سيئة وشقاقا وقلة ود ونحو ذلك من الأمور السيئة {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
وهذا الموضوع ما هو إلا بيان لما كانت عليه الأمة في هذا الموضوع وهو (الذكر بأعداد كبيرة)، وبمشيئة الله – تعالى – سنذكر من فعل ذلك من الأمة وخاصة الأكابر رضي الله عنهم، والله سبحانه المستعان وعليه وحده التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وسندنا وملاذنا وشفيعنا وحبيبنا ومولانا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، والحمد لله رب العالمين.
_________________ مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
|