هارون كتب:
• وقال الشيخ الجيلاني قدّس الله سرّه كما في " بهجة الأسرار" :
« أتاه الروح الامين من عند رب العالمين ، وحمله البراق ، وخرق به السبع الطباق ، لمباشرة جمال الجلال الأزلي ، ومحاضرة كمال العز الأبدي ، والليل ممدود الررواق ، مضروب السرادق على الافاق ، والوقت قد صار أعبق ، من نسيم روض الزهر، وأشرق من نور الفجر بعد السحر ، طوى له بساط البسيطة ، بيد أسرى بعبده ليلا ، والتفت له أطراف القضاء بأمر ائتوني به أستخلصه لنفسي وعرضت عليه عوالم السماء ، وملكوت العلى في حلة لنريه من آياتنا وزفت عليه مخدرات الكونين ، وأسرار الملكين ، وأمور الدارين ، وعلوم الثقلين ، في مجلس لقد رأى من آيات ربه الكبرى وأتته رؤساء الرسل مسلمة عليه ، وهو بالافق الاعلى وقد كانت أمرت أمراؤهم ان تجلس على ابواب السموات ترتقب وفوده عليهم ، وأقبلت ملوك الاملاك تسعى حجابا بين يديه إلى سدرة منتهىى مقاماتهم ، وقد كانت سألت ساداتهم أن تمتع أبصارهم وتسر أسارارهم ،بمشاهدة طلعته ، وملاحظة بهجته ، فغشي السدرة منهى عقولهم وغاية علومهم من أنوار بهائه ما غشّى ، أبواب السماء إشراق ضيائه ، فبهتت لجلاله أحداق أشباح النور، ودهشت لجماله أبصار سكان الصفيح الاعلى ، وخشعت لهيبته أعناق أهل السرادق الاسنى وخضعت لعزته رؤوس أصحاب صوامع النور ، وشخصت لكماله مجده أعين الكروبيين والروحانيين ،ووقفت الملائكة صفوفا من المقربين ، وابتهجت حضائر القدس بزجل المسبحين ، وأرجت معالم التنزيه بأنفاس المتواجدين ، واهتز العرش والكرسي طربا بريته وزينت الجنان الحسان بمقدمه ، وماج الكون بأهله من إعجابه ودله ، وافتخر العلى على الثرى بما رأى ، واشرق ايوان السماء بالاضواء ، وسما كيوان العلى بالسناء وانكشف لعين المختار صلى الله عليه وسلم الاسرار ، ورفعت لصاحب الانوار الاستار .
وتقدم به الروح الامين الى دائرة ومامناالاله مقام معلوم وقال له أيها الحبيب القريب صلى الله عليه وسلم تهيأ لتلتقي الله وحدك خاليا ، وزجه في النور وتأخر عنه ، وعند التناهي يقصر المتطاول ، فوقفت أشخاص الانبياء في حرم الحرمة على قدر الخدمة ،و قامت أشباح الملائكة في معارج الجلال ، على أرجل الاجلال ، وهامت أشباح العشاق في مقامات الاشواق ، لعلها تراه في رجعاه ، لتستنشق من محياه ، نسيم من تهواه، فانتهى مسراه الى مستوى رهيب ، تسمع فيه صرير أقلام الوحي على صفاء صفحة اللوح الاعظم ،وسار على رفرف النور الى الافق الاعلى ، وطار بجناح الاشواق الى مقام دنا فتدلى وأنزله مضيف الكرم في روضة قاب قوسين ، وبسط له بساط الدنو فراش أودانى ، سمع من جناب الرفيع الاعلى السلام عليك أيها النبي تلقاه الحبيب بالإكرام وبادره الجليل بالسلام ، وبسط منقبض روعته ، وأنس منزعج وحشته ، فوعى مخاطبات فاوحى الى عبده ماأوحى كوشف بعيان ولقد رآه نزلة أخرى هم أن يجيب المسلم ، سبقه القدر ففتح فمه فقطرت فيه قطرة من بحر العلم الازلى ، فعلم بها علم الاولين والآخرين ، وقال لسان خلقه العظيم ، وجوده العميم هذه حضرة الكرم ، وعرصة النعم ، ومعدن الرحمة ، وجناب الفضل ، وبساط الفتوة ، ومنبع الخيرات ولايليق في شرع المكارم ، التخصيص عن الاخوان ، ولايحسن في حكم الموافقة ، ترك مواسات الاحباب فانعطف عليه بعواطف مراحمه ، وانثنى عليهم بمعاطف بره ، وجعل لهم نصيبا من شرف منزلته وبركته، من صالح دعوته ، وذكرهم من حيث ينسى الذاكر نفسه ، ولم ينسهم في مقام انفراده بالفرد ، ومناجته للرب فقال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فناده الحبيب ياسيد السادات ، وامام اهل المكرومات ،لك الجلالة اولا آخرا ، والمفاخر باطنا وظاهرا ، ولك المروءة والوفاء ، والفتوة والصفاء ، ألم نشرح لك صدرك ألم نضع عنك وزرك الذى انقض ظهرك ألم نرفع لك ذكرك ، ألم نشرفك في الازل على جميع الرسل ، ألم نرسلك الى الاحمر والاسود ، ألم نؤثل لك في عليين المجد الامجد ، ألم نجعل عيسى مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد صلى الله عليه وسلم ،ذاك يقول رب اشرح لى صدري وأنت يقال لك الم نشرح لك صدرك ، ذاك يقول رب أرني وأنت يقال لك ألم تر الى ربك ، أنت في الدنيا على أمتك شهيد ، ولايكون في الاخرة الاماتريد ، فاذا فرغت من تمهيد الشريعة ، فانصب والى ربك في أمتك فارغب ، فاتصلت الرسائل بين الصب والحبائب ، ورق نسيم وصل الحبيب المخاطب .
فقال المراد المخطوب المقرب المجذوب : الهى ملحوظ نعمتك ومحفوظ عصمتك ، وطفل مهد عهدك، وغذا لبان لطفك ، وربي حجر جودك ، قد كلّ لسانه دهشا ، في مترادف آلائك ، وحار بصره في مراتع نعمائك، فاحلل عقدة لسانه ، واكشف أستار بيانه ، وأيد قوى جنانه ، فأجابه الجليل ها نحن قد رفعنا عنك أستار الجلال ، وأبدينا لك صفات الكمال ، لترى ما وراء رداء الكبرياء ، وتنظر ما فوق العظمة ، ومع هذا قد جعلنا قلبك بيت الحكمة ، ولسانك محل الفصاحة ، وعنصر معدن البلاغة ، وذكرك منبع الإعجاز ، فإذا رجعت من سفر المعراج فنبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وبلغ خلقي أني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فنطق صاحب الرسالة والجلالة ، بلسان جمع فيه بين أطراف المحامد ، وأسباب المماجد ، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، ثم عاد إلى معالمه ، وأهل عالمه ، ورؤساء الملائكة تضع جباهها في مواطئ قدميه ، والروح الامين يحمل بين يديه غاشية فخره ، ويطرق له بين صفوف الملائكة تعظيما لقدره وآدم يرفع ألوية جلالته ، وإبراهيم ينشر أعلام مهابته ، وموسى يناجي حبيبه من جانب غربي صفحات وجه نظرت عيناه محبوبه ، يسأله عودة بعد عودة عسى نظرة بعد نظرة ، وعيسى يتألى بالمولى لينزلن وليخبرن أهل الأرض ما شاع في أرجاء السماء من أخبار صاحب قاب قوسين ، هذا وبين يديه شاويش هذا عطاؤنا ، يترنم بأناشيد عبد أنعمنا عليه تاج شرفه محمد رسول طراز حلته مازاغ البصر نادى منادي سلطان عزه في طبقات الاكوان وصفحات الوجود بلسان الامر بالتشريف إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما » .
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم