[تُحْفَةُ الْجُلَسَاءِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ لِلنِّسَاءِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى.
مَسْأَلَةٌ: رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْمَوْقِفِ حَاصِلَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِلَا نِزَاعٍ، وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إِلَى أَنَّهَا تَحْصُلُ فِيهِ لِلْمُنَافِقِينَ أَيْضًا. وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهَا تَحْصُلُ لِلْكَافِرِينَ أَيْضًا، ثُمَّ يُحْجَبُونَ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، وَلَهُ شَاهِدٌ رُوِّينَاهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ فِي الْجَنَّةِ فَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّهَا حَاصِلَةٌ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالصِّدِّيقِينَ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ، وَرِجَالِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْبَشَرِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَاخْتُلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي صُوَرٍ؛ إِحْدَاهَا النِّسَاءُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِيهِنَّ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ لِلْعُلَمَاءِ حَكَاهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الحافظ عماد الدين بن كثير فِي أَوَاخِرِ تَارِيخِهِ، أَحَدُهَا: أَنَّهُنَّ لَا يَرَيْنَ لِأَنَّهُنَّ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ تَصْرِيحٌ بِرُؤْيَتِهِنَّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُنَّ يَرَيْنَ أَخْذًا مِنْ عُمُومَاتِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الرُّؤْيَةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُنَّ يَرَيْنَ فِي مِثْلِ أَيَّامِ الْأَعْيَادِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى يَتَجَلَّى فِي مِثْلِ أَيَّامِ الْأَعْيَادِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ تَجَلِّيًا عَامًّا، فَيَرَيْنَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ دُونَ غَيْرِهَا، قَالَ ابن كثير: وَهَذَا الْقَوْلُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الحافظ ابن رجب فِي اللَّطَائِفِ: كُلُّ يَوْمٍ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدًا فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ عِيدٌ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ عَلَى زِيَارَةِ رَبِّهِمْ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ فِيهِ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يُدْعَى فِي الْجَنَّةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ، وَيَوْمُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى يَجْتَمِعُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهِمَا لِلزِّيَارَةِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ يُشَارِكُ النِّسَاءُ الرِّجَالَ فِيهِمَا كَمَا كُنَّ يَشْهَدْنَ الْعِيدَيْنِ مَعَ الرِّجَالِ دُونَ الْجُمُعَةِ، هَذَا لِعُمُومِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَأَمَّا خَوَاصُّهُمْ فَكُلُّ يَوْمٍ لَهُمْ عِيدٌ يَزُورُونَ رَبَّهُمْ كُلَّ يَوْمٍ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، انْتَهَى. قُلْتُ: الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابن رجب وَلَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ ابن كثير أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الرُّؤْيَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن سلمان بن الحسن، ثَنَا محمد بن عثمان بن محمد، ثَنَا مروان بن جعفر، ثنا نافع أبو الحسن مولى بني هاشم، ثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رَأَى الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَحْدَثُهُمْ عَهْدًا بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَيَرَاهُ الْمُؤْمِنَاتُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ» . الثَّانِيَةُ الْمَلَائِكَةُ، فَذَهَبَ الشَّيْخُ عز الدين بن عبد السلام إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا ثَبَتَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْبَشَرِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] خَرَجَ مِنْهُ مُؤْمِنُو الْبَشَرِ بِالْأَدِلَّةِ الثَّابِتَةِ، فَبَقِيَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْمَلَائِكَةِ؛ وَلِأَنَّ لِلْبَشَرِ طَاعَاتٍ لَمْ يَثْبُتْ مِثْلُهَا لِلْمَلَائِكَةِ، كَالْجِهَادِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَايَا، وَالْمِحَنِ، وَالرَّزَايَا، وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ فِي الْعِبَادَاتِ لِأَجْلِ اللَّهِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، وَيُبَشِّرُهُمْ بِإِحْلَالِ رِضْوَانِهِ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَلَمْ يَثْبُتْ مِثْلُ هَذَا لِلْمَلَائِكَةِ، انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْهُ جَمْعٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمْ يَتَعَقَّبُوهُ بِنَكِيرٍ، مِنْهُمُ الْإِمَامُ بدر الدين الشبلي صَاحِبُ " آكَامِ الْمَرْجَانِ فِي أَحْكَامِ الْجَانِّ "، وَالْعَلَّامَةُ عز الدين بن جماعة فِي " شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ "، وَلَكِنَّ الْأَقْوَى أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ، فَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ إِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ فِي كِتَابِهِ " الْإِبَانَةِ فِي أُصُولِ الدِّيَانَةِ " وَمِنْهُ نَقَلْتُ مَا نَصُّهُ: أَفْضَلُ لَذَّاتِ الْجَنَّةِ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ رُؤْيَةُ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْرِمِ اللَّهُ أَنْبِيَاءَهُ الْمُرْسَلِينَ وَمَلَائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ وَجَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَالصِّدِّيقِينَ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِهِ عَزَّ وَجَلَّ، انْتَهَى. وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ فِي " كِتَابِ الرُّؤْيَةِ " - بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ رَبَّهُمْ -: أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الحافظ وأحمد بن الحسن قَالَا: ثَنَا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثَنَا محمد بن إسحاق، حَدَّثَنِي أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُحَدِّثُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ لِعِبَادَتِهِ أَصْنَافًا، وَإِنَّ مِنْهُمْ لَمَلَائِكَةً قِيَامًا صَافِّينَ مِنْ يَوْمِ خَلْقِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَلَائِكَةً رُكُوعًا خُشُوعًا مِنْ يَوْمِ خَلْقِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَلَائِكَةً سُجُودًا مُنْذُ خَلْقِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تَجَلَّى لَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَنَظَرُوا إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ. وَأَخْبَرَنَا محمد بن عبد الله وأحمد بن الحسن قَالَ: ثَنَا أبو العباس، ثَنَا محمد بن إسحاق، ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: «سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ أَرْطَاةَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْمَدَائِنِ، فَجَعَلَ يَعِظُنَا حَتَّى بَكَى وَأَبْكَانَا، ثُمَّ قَالَ: كُونُوا كَرَجُلٍ قَالَ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: يَا بُنَيَّ، أُوصِيكَ أَنْ لَا تُصَلِّيَ صَلَاةً إِلَّا ظَنَنْتَ أَنَّكَ لَا تُصَلِّي بَعْدَهَا غَيْرَهَا حَتَّى تَمُوتَ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ فُلَانًا - نَسِيَ عباد اسْمَهُ - مَا بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَرْعُدُ فَرَائِصُهُمْ مِنْ مَخَافَتِهِ، مَا مِنْهُمْ مَلَكٌ تَقْطُرُ دَمْعَةٌ مِنْ عَيْنِهِ إِلَّا وَقَعَتْ مَلَكًا يُسَبِّحُ، قَالَ: وَمَلَائِكَةً سُجُودًا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ، وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَرُكُوعًا لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَصُفُوفًا لَمْ يَنْصَرِفُوا عَنْ مَصَافِّهِمْ وَلَا يَنْصَرِفُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ كَمَا يَنْبَغِي لَكَ. أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي " الْعَظَمَةِ "، وَلَفْظُهُ: فَإِذَا رَفَعُوا وَنَظَرُوا إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ» . وَمِمَّنْ قَالَ بِرُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْعَلَامَةُ شمس الدين بن القيم، وقاضي القضاة جلال الدين البلقيني، وَهُوَ الْأَرْجَحُ بِلَا شَكٍّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَرَاهُ دُونَ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ رُؤْيَتُهُ، وَلَمْ يَقِفْ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي رُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْعُمُومِ، وَمَشَى عَلَيْهِ أبو إسحاق إسماعيل الصفار البخاري مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي أَسْئِلَتِهِ الْمَشْهُورَةِ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ عَنِ الْمَلَائِكَةِ هَلْ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ؟ فَأَجَابَ: اعْتِمَادُ وَالِدِي الشَّهِيدِ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ سِوَى جِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ يَرَى رَبَّهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَرَى أَبَدًا، انْتَهَى. وَالصَّوَابُ الْعُمُومُ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ الحاكم فِي " الْمُسْتَدْرَكِ "، وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ إبراهيم بن سعد، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ علي بن حسين، عَنْ جابر، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُمَدُّ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَدًّا لِعَظَمَةِ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ لَا يَكُونُ لِبَشَرٍ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُدْعَى أَوَّلَ النَّاسِ، فَأَخِرُّ سَاجِدًا، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي، فَأَقُومُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَخْبَرَنِي هَذَا - لِجِبْرِيلَ وَهُوَ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهِ مَا رَآهُ جِبْرِيلُ قَبْلَهَا قَطُّ - أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ، قَالَ: وَجِبْرِيلُ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى يَقُولَ اللَّهُ: صَدَقَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ عِبَادُكَ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، فَبِذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ» . قَالَ الحاكم: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: لَكِنْ أَرْسَلَهُ معمر، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ علي بن حسين بِنَحْوِهِ، وَأَخْرَجَهُ الحاكم مِنْ طَرِيقِ ابن وهب، عَنْ يونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ علي بن حسين، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ [الْعِلْمِ]- وَلَمْ يَسَمِّهِ - «أَنَّ الْأَرْضَ تُمَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . . . الْحَدِيثَ. وَقَالَ عبد الرازق فِي تَفْسِيرِهِ: أَنَا معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ علي بن الحسين، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَدَّ اللَّهُ الْأَرْضَ مَدَّ الْأَدِيمِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ، قَالَ: فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى، وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ، وَاللَّهِ مَا رَآهُ قَبْلَهَا، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ. ثُمَّ أَشْفَعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ» - أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب، ثَنَا عَمِّي، ثَنَا إبراهيم بن سعد، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ علي بن حسين قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُمَدُّ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَدَّ الْأَدِيمِ لِعَظَمَةِ الرَّحْمَنِ، وَلَا يَكُونُ لِبَشَرٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فِيهَا إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمِهِ، فَأُدْعَى أَوَّلَ النَّاسِ، فَأَخِرُّ سَاجِدًا، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَخْبَرَنِي هَذَا - لِجِبْرِيلَ وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَاللَّهِ مَا رَآهُ جِبْرِيلُ قَطُّ قَبْلَهَا - إِنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ، وَجِبْرِيلُ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، حَتَّى يَقُولَ الرَّحْمَنُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: صَدَقْتَ، قَالَ: ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ عِبَادُكَ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ» . الثَّالِثَةُ الْجِنُّ، وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ " آكَامِ الْمَرْجَانِ " مَقَالَةَ الشَّيْخِ عز الدين فِي الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْجِنُّ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْهُمْ. وَقَالَ الجلال البلقيني: لَمْ أَقِفْ عَلَى كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَمْ تَثْبُتِ الرُّؤْيَةُ إِلَّا لِلْبَشَرِ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ الشيخ عز الدين فِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يَرَوْنَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَلَائِكَةِ فَفِي الْجِنِّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ يَشْمَلُ مُؤْمِنِي الثَّقَلَيْنِ، ثُمَّ قَرَّرَ ثُبُوتَ الرُّؤْيَةِ لِلْمَلَائِكَةِ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى مُقْتَضَى اسْتِدْلَالِ الْأَئِمَّةِ والأشعري تَثْبُتُ الرُّؤْيَةُ لِمُؤْمِنِي الْجِنِّ. الرَّابِعَةُ مُؤْمِنُو الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، وَفِيهِمُ احْتِمَالَانِ لابن أبي جمرة وَقَالَ: إِنَّ الْأَظْهَرَ مُسَاوَاتُهُمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الرُّؤْيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَخْبَرَنَا الحسن بن إسماعيل، أَنَا أبو الحسن علي بن عبدة، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جابر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَتَجَلَّى لِلنَّاسِ عَامَّةً وَيَتَجَلَّى لأبي بكر خَاصَّةً» . فِي " الْمُغْنِي " للذهبي - علي بن عبدة وَضَّاعٌ - وَقُلْتُمْ فِي تَأْلِيفِكُمُ " النُّكَتِ الْبَدِيعِيَّاتِ عَلَى الْمَوْضُوعَاتِ ": إِنَّ لِلْحَدِيثِ طَرِيقًا عَلَى شَرْطِ الحسن، وَأَخْرَجَهُ الحاكم فِي الْمُسْتَدْرَكِ بِلَفْظِ: يَتَجَلَّى لِلْخَلَائِقِ، فَلِمَ لَمْ تَسْتَدِلُّوا بِهِ عَلَى رُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ ذَيْنِكَ الْحَدِيثَيْنِ، وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرُّؤْيَةِ لِبَنِي آدَمَ مُطْلَقًا، الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فِي الْعِيدِ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مُقَيَّدًا بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ لَا سِيَّمَا وَهُوَ حَسَنٌ. الْجَوَابُ: الِاسْتِدْلَالُ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا يَطْرُقُهَا الِاحْتِمَالُ، وَمَتَى طَرَقَ اللَّفْظَ الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهِ الِاسْتِدْلَالُ، وَالْخَلَائِقُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى بَنِي آدَمَ، فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ خُصُوصًا. وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ النَّاسِ الْخَاصِّ بِبَنِي آدَمَ، وَهَذَا التَّجَلِّي الْعَامُّ يُمْكِنُ حَمْلُهُ أَوَّلًا عَلَى الذُّكُورِ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ الزِّيَارَةَ، فَيَكُونُ مِنْ خُصُوصِ الْأَفْرَادِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّجَلِّي أَيَّامَ الْأَعْيَادِ، فَيَكُونُ مِنْ خُصُوصِ الْأَوْقَاتِ وَيَشْمَلُ الْإِنَاثَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ - عَلَى التَّجَلِّي فِي الْمَوْقِفِ، وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلْخَلْقِ بِأَسْرِهِمْ: الْإِنْسِ، وَالْجِنِّ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ، وَإِنْ وَرَدَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوِيَ هَذَا الْحَمْلُ الْأَخِيرُ فَانْزَاحَ الْإِشْكَالُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الكتاب: الحاوي للفتاوي المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
_________________ مدد ياسيدى يارسول الله مدديااهل العباءة .. مدد يااهل بيت النبوة اللهم ارزقنا رؤية سيدنا رسول الله فى كل لمحة ونفس
|