موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: أخوة المؤمنين
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 09, 2004 2:18 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مايو 04, 2004 1:42 pm
مشاركات: 23
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الأول فليس قبله شيء ، والآخر فليس بعده شيء ، والظاهر فليس فوقه شيء ، والباطن فليس دونه شيء ، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، فسبحان الله وبحمده عن ما يصفه الواصفون ، ويجحد بحمده الجاحدون . والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين ، الذي شرح له صدره ، ويسر له أمره ، ورفع له ذكره ، فوجده يتيما فآواه ، ووجده ضالا فهداه ، ووجده عائلا فأغناه ، سيد الخلق محمد بن عبد الله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
تحدثنا في الكتاب السابق عن علاقة العبد بربه وقلنا أنه إذا صلحت هذه العلاقة صلح للعبد أمره ودنياه وآخرته، وإذا فسدت هذه العلاقة فسد أمر العبد و فسدت دنياه وآخرته ، وقلنا كيف قدم الله لنا محبته من خلقه للإنسان وأنه صوره فأحسن صورته ونفخ فيه من روحه
الحب بين العباد
و الآن حان موعدنا عن الحديث عن حب العباد للعباد لله وفي الله وقبل أن نبدأ يجب أن نعترف إلى حاجة الناس للاتحاد والتعاون حتى تستقيم لهم حركة الحياة ولا يكون ذلك إلا بالوفاء بالعهود فإذا اتفقوا على التعاون لتحقيق ما يحبونه ودفع ما يكرهونه أعان بعضهم بعضا على تحقيق المحبوب ودفع المكروه فالكل مسخر لخدمة الكل فمثلا كلنا نتعاون من أجل رغيف خبز وإذا تأملت في كيفية صناعته تجد أن الفلاح زرعه قمحا ثم انتقل إلى المطحن ثم انتقل إلى المخبز ثم انتقل إليك وأنت لا تستطيع أن تشتريه إلا إذا كنت تملك مالا والمال لا يأتي إلا بالعمل وهكذا ولكي نحقق هذه المنظومة لابد من التعاون والاتحاد ولابد أن يكون هذا في إطار من الحب ولكي يستمر الحب يجب أن يكون في الله ولله
أخ لك لا تراه الدهر إلا على العلات بساما جوادا
أخ لك ما مودته يمزق إذا ما عاد فقر أخيه عادا

والآن كيف يتحقق الحب في الله بين العباد ؟
أخــــوة المؤمنــين
يجب أن يعلم كل مسلم أن هذه الأمة ما قامت إلا على الأخوة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بداية الدعوة يحرص على تحقيق هذه الأخوة فآخى في مكة بين صهيب الرومي وبلال الحبشي وحمزة القرشي وسلمان الفارسي وعندما هاجر إلى المدينة آخى بين الأوس والخزرج ثم بين المهاجرين والأنصار فكان الحب هو السائد بينهم ولكي يسود بيننا هذا الحب يجب أن يحترم كلا منا حقوق الآخر ويرعاها ويحاول أن يبادر هو بتقديمها له أولا حيث أن الإيمان والحب متلازمان لا يفترقان كما في قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)وكذلك الإيمان والأخوة متلازمان أيضا وذلك في قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )وإذا كان الإيمان هو حب وأخوة فإن الأخوة لا تتحقق إلا بالحب وإذا نظرنا إلى بداية الخلق نجد أن كل الناس من أب واحد وأم واحدة وطالما الأب واحد والأم واحدة إذن كلنا أُخْوَة وكلكم يعلم ذلك كما جاء في الحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خبير) رواه الترمذي ومعني عبية :الكبر والفخر و النخوة
سُئل أحد الحكماء من الأخ على الحقيقة ؟ قال : من تلقاه في الغيبة وتأنس بذكره و تعذره من غير معذرة و تبسط إليه من غير خفية و لا تخفي منه ما يعلمه الله منك و تأمن بغيبته كما تأمن بمشاهدته و أنشد في هذا المعنى .
أبلغ أخا الإحسان لي حسناً أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه
و أن طرفي موصول برؤيته وإن تباعد عن مثواي مثواه
الله يعلم أني لست أذكره وكيف أذكره من لست أنساه
ولكن قد يسأل سائل إذا كنا أخوة فلماذا هذا الجفاء وهذا الصراع بين البشر ؟ نقول إنما حدث ذلك لطول السلسلة بيننا وبين أبينا آدم. فلو أنك تعيش في أسرتك وبين أهلك وبين أهل قريتك وبين أهل مدينتك وبين أهل محافظتك
تجد أن الحب والود ينقص رويدا رويدا فحبك لولدك أكبر من حبك لأهلك وحبك لأهلك أكبر من حبك لأهل قريتك وحبك لأهل قريتك أكبر من حبك لأهل مدينتك وهكذا ولكن إذا وضعنا كل ذلك تحت إطار حب الله فسيسود الحب والود بين الجميع لأن الغاية واحدة ومشتركة وهي محبة الله سبحانه وتعالى فتتحقق الأخوة الإيمانية التي هي أكبر وأنفع من أخوة النسب عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحَبَّ عَبْدٌ عَبْدًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَكْرَمَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رواه احمد وقال الشاعر
فقلت أخي قالوا : أخ من قرابة فقلت لهم : إن المؤمنين أقارب
نسيبي في رأيي وعزمي وهمتي وإن فرقتنا في الأصول المناسب
حقوق الحب في الله (حق المؤمن على المؤمن)
إن من أهم حقوق المسلم على المسلم وان شئنا قلنا إن من أهم حقوق الأخ على أخيه أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه كما في الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ رواه احمد والمراد أن يحب أن يحدث لأخيه مثل ما يحدث لنفسه , سواء كان في الأمور المحسوسة أو المعنوية , وليس المراد أن يتنازل عما يحب لأخيه, ومن الإيمان أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر كما جاء في الحديث أيضا عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الإيمان قَالَ أَنْ تُحِبَّ لِلَّهَ وَتُبْغِضَ لِلَّهِ وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ ( رواه احمد)
انظر !إن أفضل الإيمان عند الله أن تحب أخيك المسلم وتحب له ما تحبه لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك ووصفه أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أكمل الإيمان فجمع بين الأفضل والأكمل كما في الحديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ تَعَالَى وَمَنَعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَحَبَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَبْغَضَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَحَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ رواه احمد
أما والذي شاء لم يخلق النوى لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي
أخي رعاك الله في كل جهة توجهتها ما بين شرق إلى غرب
توهم منك الشوق حتى كأنني أناجيك من قرب وإن لم تكن قربي
وتأتي المنزلة الأعلى من الحب وهي الإيثار : وهو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية ، ورغبة في الحظوظ الدينية . وذلك ينشأ عن قوة اليقين ، وتوكيد المحبة ، والصبر على المشقة وهو أن يؤثر أخاه على نفسه وهذه لا يقوم بها إلا أهل الجنة كما فعل الصحابة عندما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار بعد هجرته إلى المدينة فكان الأنصاري يؤثر أخاه المهاجر على نفسه فكان يقتسم كل ما يملك ويخبره أن يختار ما يحلو له من المال والدواب والبيوت حتى من أزواجه، تخيل أنك تتنازل عن زوجتك حبيبتك دفئك مؤنستك -كما يقولون- إلى رجل آخر.لو لم يفعله رسول الله لتخيلت أنني أحلم أتنازل عن زوجتي لرجل آخر ؟ نعم فلا تعجب فإنه لم يتنازل عنها له هو لذاته ولكنه قدم أحب ما يملك من الدنيا قربانا إلى الله . وقال الشاعر
هموم الرجال في الأمور كثيرة وهمي من الدنيا صديق مساعد
نكون كروح بين جسمين قسمت فجسماهما جسمان والروح واحد
ويدلنا على ذلك حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَقَالَ سَعْدٌ قَدْ عَلِمَتْ الْأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْيَمْ قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ مَا سُقْتَ إِلَيْهَا قَالَ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ رواه البخاري والنواة : اسم قدر يقدر بخمس دراهم من الذهب أما وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ: اثر من طيب له أثر
و يؤكد هذا المعنى قوله تعالى " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" فهذه الآية نزلت في رجل يقال له أبوطلحة كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي مَجْهُودٌ فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَقَالَتْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ فَقَالَ مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ قَالَتْ لَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي قَالَ فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئْ السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ قَالَ فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ" رواه مسلم تأمل في صنيع هذا الصحابي إنه يستضيف رجل لا يعرفه وليس ذلك فقط بل يؤثره على أولاده حيث لا يوجد في البيت ما يأكلونه فيفضل الضيف على أبنائه ويقول لزوجته نومي الأطفال . وتأمل أيضا تجاوب الزوجة مع زوجها فلم تعترض وتقول : إنه طعام أولادي ولا نملك غيره ومن أين نطعم الأولاد؟ إنما أطاعت ربها ثم زوجها وأعانته على فعل الخير, وتأمل أيضا انهما لم يريدا إحراج الضيف ولكنهما أرادا أن يوفرا له قدرا من الحرية وهو يأكل فأطفئا السراج
إذا ما أخي يوماً تولى بوده و أنكرت منه بعض ما كنت أعرف
عطفت عليه بالمودة أنني على مذنب الإخوان بالود أعطف
وقد يسأل سائل لما كل هذه المعاناة ؟ إنه حب الله ورسول إنهم رجال مؤمنون صدقوا ما عاهدوا الله عليه وقد عاهدوه على حبه وطاعته والجهاد في سبيله وحب ما يحب كما في قوله تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) هذه هي محبة الله ورسوله الحقيقية أن تحب الله ورسوله عما سواهما حتى ولو كان الشيء هذا أحب إليك مما تملك كما في الحديث عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ رواه البخاري
وهذا ما حدث مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في الحديث الذي يرويه عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأنت أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأنت أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآنَ يَا عُمَرُ رواه البخاري. ترى ما الذي غير موقف عمر في لحظات ؟ إنه عرض الأمر على نفسه وفكر وقال لنفسه لم أكن عمر بن الخطاب إلا برسول الله ولولا رسول الله لما كان عمر فعرف أن رسول الله أحب إليه من نفسه ,فهل رسول الله أحب إلينا من أنفسنا ؟ والرسول r يأمرنا بحبه كما في الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بحبي رواهِ الترمذي
إذن محبة الله والرسول r تتحقق في محبة العباد وانظر كيف كان الحب والأخوة بين الصحابة فيما روى ابن المبارك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار ، فجعلها في صرة ثم قال للغلام : اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ، ثم تلكأْ ساعة في البيت حتى تنظر ماذا يصنع بها . فذهب بها الغلام إليه فقال : يقول لك أمير المؤمنين : اجعل هذه في بعض حاجتك ، فقال :وصله الله ورحمه ، قال :تعالي ياجارية أذهبي بهذه السبعة إلى فلان ، بهذه الخمسة إلى فلان ، حتى أنفذها . فرجع الغلام إلى عمر ، فأخره فوجده قد اعد مثلها لمعاذ بن جبل ، وقال : اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل وتلكأ في البيت ساعة حتى تنظر ماذا يصنع ، فذهب بها إليه فقال : يقول لك أمير المؤمنين : اجعل هذه في بعض حاجتك ، فقال : رحمه الله ووصله ، وقال : يا جارية ، اذهبي إلى بيت فلان بكذا وبيت فلان بكذا ، فاطلعت امرأة معاذ فقالت : ونحن ! والله مساكين فأعطنا . ولم يبق في الخرقة إلا ديناران قد جاء بهما إليها . فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك عمر وقال إنهم إخوة ! بعضهم من بعض .
إذا اجتمع الأخوان كان أذلهم لإخوانه نفساً أبر و أفضلا
و ما الفضل في أن يؤثر المرء نفسه و لكن فضل المرء أن يتفضلا
وتأمل في معاني هذا الحديث أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ رواه أبوداود والسؤال هنا : من هؤلاء الناس الذين يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله سبحانه وتعالى ؟إنهم المتحابون في الله .لم تجمعهم مصلحة معينة ولم يجمعهم كسب الأموال وإنما التقوا على حب الله فكان أعظم من مصالحهم وأموالهم والله أمَّنهم مما يخاف منه الناس وقضى على كل حزن في قلوبهم ؛وكسى هذا الحب وجوههم نورا وملا قلوبهم نورا ولا يرون إلا نورا فمصدر النور واحد ألا وهو نور الله سبحانه وتعالى وانظروا إلى فضل هذا الرجل الذي زار أخاه في الله كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ رواه مسلم وفي شرح النووي قوله صلى الله عليه وسلم : ( فأرصد الله على مدرجته ملكا ) معنى ( أرصده ) أقعده يرقبه . و ( المدرجة ) بفتح الميم والراء هي الطريق , سميت بذلك لأن الناس يدرجون عليها , أي يمضون ويمشون . قوله : ( لك عليه من نعمة تربها ) أي تقوم بإصلاحها , وتنهض إليه بسبب ذلك . قوله : ( بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ) قال العلماء : محبة الله عبده هي رحمته له , ورضاه عنه , وإرادته له الخير , وأن يفعل به فعل المحب من الخير . وأصل المحبة في حق العباد ميل القلب , والله تعالى منزه عن ذلك . في هذا الحديث فضل المحبة في الله تعالى , وأنها سبب لحب الله تعالى العبد , وفيه فضيلة زيارة الصالحين والأصحاب , وفيه أن الآدميين قد يرون الملائكة .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 154 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط