كتاب المستطرف في كل فن مستظرف
أعده وجمع مادته وألّف بين أخباره ونوادره وحكمه ومواعظه شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأشبيهي
(10)
في ذكر البحار وما فيها من العجائب وذكر الأنهار والآبار
وقال صاحب تحفة الألباب: حدثني الشيخ أبو العباس الحجازي قال: حدثني رجل يعرف بالهاروني من ولد هارون الرشيد أنه ركب سفينة في بحر الهند، حدثني رجل يعرف بالهاروني من ولد هارون الرشيد أنه ركب سفينة في بحر الهند، فرأى طاووسا قد خرج من البحر أحسن من طاووس البر وأجمل ألوانا. قال: فكبر بالحسنة فجعل يسبح وينظر لنفسه، وينشر أجنحته، وينظر إلى ذنبه ساعة، ثم غاص في البحر «4» . وفي البحر دابة يقال لها: الدرفين «5» تنجي الغريق لأنها تدنو منه حتى تضع يده على ظهرها، فيستعين بالإتكاء عليها، ويتعلق بها، فتسبح به حتى ينجيه الله بقدرته، فسبحان من دبّر هذا التدبير اللطيف، وأحكم هذه الحكمة البالغة. وزعموا أن السمك يتجه نحو الغناء والصوت الحسن، ويصبو لسماعه. وربما قيل إن بعض الصيادين يحفرون في البحر حفائر، ثم يجلسون، فيضربون بالمعازف وآلات الطرب، فيجتمع السمك، ويقع في تلك الحفائر. وقيل: إن الدرفين وأنواع السمك إذا سمعت صوت الرعد هربت إلى قعر البحر، وقيل: إن خيل البحر توجد بنيل مصر، وهي صفة خيل البر. وقيل: إنها تأكل التماسيح وربما خرجت فرعت الزرع، وإذا رأى أهل مصر أثر حوافرها حكموا أن ماء النيل ينتهي في طلوعه إلى ذلك المكان. وقيل: إن في البحر المحيط شيئا يتراءى كالحصون، فيرتفع على وجه الماء ويظهر منه صور كثيرة، ويغيب، ومن عجيب ما حكي أن فيه جزيرة فيها ثلاث مدن عامرة، وهي كثيرة الأمطار، وأهلها يحصدون زرعها قبل جفافه لقلة طلوع الشمس عندهم ويجعلونه في بيت ويوقدون حوله النيران حتى يجف. وعجائبه لا تحصى، ولا يمكن حصرها. ويقال: إن الإسكندر لما سار إلى بحر الظلمات مر بجزيرة بها أمة رؤوسهم مثل رؤوس الكلاب يخرج من أفواههم مثل لهب النار، وخرجوا إلى مراكبه، وحاربوه، ثم تخلص منهم وسار، فرأى صورا متلونة بألوان شتى وسمكا طوله مائة ذراع، وأكثر، وأقل، فسبحان الله تعالى ما أكثر عجائب خلقه. ويقال أنه مر في بعض الجزائر على قصر مصنوع من البلور على قلعة محكمة البناء وحولها قناديل لا تطفأ، ومن جزائر البحر جزيرة القمر «6» يقال إن بها شجرا طول الشجرة مائتا ذراع، ودور ساقها مائة وعشرون ذراعا، وبها طوائف من السودان عرايا الأبدان يلتحقون بورق الشجر وهو ورق يشبه ورق الموز لكنه أسمك وأعرض وأنعم، ويقال: إن هذه الجزيرة بالقرب من نيل مصر، وإن هذه الأمة التي بها يتمذهبون بمذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، وهم في غاية اللطافة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالقرب منهم معدن الذهب والياقوت وبها الفيلة البيض وحيوانات مختلفة الأشكال من الوحوش وغيرهما، وبها العود القماري والآبنوس والطواويس، وبها مدن كثيرة. ومنها جزيرة الواق «1» خلف جبل يقال له: اصطفيون داخل البحر الجنوبي، ويقال إن هذه الجزيرة كانت ملكتها امرأة، وإن بعض المسافرين وصل إليها ودخلها ورأى هذه الملكة، وهي جالسة على سرير، وعلى رأسها تاج من ذهب وحولها أربعمائة وصيفة كلهن أبكار، وفي هذه الجزيرة من العجائب شجر يشبه شجر الجوز، وخيار الشنبر ويحمل حملا كهيئة الإنسان، فإذا انتهى سمع له تصويت يفهم منه واق واق، ثم يسقط، وهذه الجزيرة كثيرة الذهب حتى قيل إن سلاسل خيمهم ومقاود كلابهم وأطواقها من الذهب. ومنها جزيرة الصين يقال: إن بها ثلاثمائة مدينة ونيفا سوى القرى والأطراف وأبوابها اثنا عشر بابا، وهي جبال في البحر بين كل جبلين فرجة، وهذه الجبال تمر بها المراكب مسيرة سبعة أيام، وإذا جاوزت السفينة الأبواب سارت في ماء عذب حتى تصل إلى الموضع الذي تريده، وفيها من الأودية والأشجار والأنهار ما لا يمكن وصفه، فتبارك الله رب العالمين. وقيل: إن الاسكندر لما فرغ من بناء سده حمد الله تعالى وأثنى عليه ثم نام، وإذا بحيوان عظيم صعد من البحر إلى أعلى وسد الأفق، فظن من حول الملك أنه يريد ابتلاعهم، ففزعوا، فانتبه، فقال: ما لكم؟ فقالوا له؟ انظر ما حل بنا، فقال: ما كان الله ليأخذ نفسا قبل انقضاء أجلها، وقد منعني من العدو فلا يسلط عليّ حيوانا من البحر. قال: فإذا بالحيوان قد دنا من الملك، وقال: أيها الملك أنا حيوان من هذا البحر، وقد رأيت هذا السد بني وخرب سبع مرات، ولم يزد على ذلك، ثم غاب في البحر، فتبارك من له هذا الملك العظيم، لا إله إلا هو العزيز الحكيم. وقيل: إن بجزيرة النسناس باليمن مدينة بين جبلين وليس لها ماء يدخل فيها إلا من المطر، وطولها نحو ستة فراسخ، وهي حصينة ذات كروم ونخيل، وأشجار، وغير ذلك، وإذا أراد إنسان الدخول فيها حثى على وجهه التراب، فإن أبى إلا الدخول خنق أو صرع، وقيل: إنها معمورة بالجان، وقيل: بخلق من النسناس، ويقال: إنهم من بقايا عاد الذين أهلكهم الله بالريح العقيم، وكل واحد منهم شق إنسان، ونقل عن بعض المسافرين أنه قال: بينما نحن سائرون إذ أقبل علينا الليل فبتنا بواد، فلما أصبح الصباح سمعنا قائلا يقول من الشجرة: يا أبا بجير الصبح قد أسفر، والليل قد أدبر، والقناص قد حضر، فالحذر الحذر. قال: فلما ارتفع النهار أرسلنا كلبين كانا معنا نحو الشجرة، فسمعت صوتا يقول: ناشدتك. قال، فقلت لرفيقي: دعهما. قال: فلما وثقا بنا نزلا هاربين، فتبعهما الكلبان وجدّا في الجري، فأمسكا شخصا منهما قال: فأدركناه وهو يقول: الويل لي مما به دهاني ... دهري من الهموم والأحزان قفا قليلا أيها الكلبان ... إلى متى إليّ تجريان قال: فأخذناه ورجعنا، فذبحه رفيقي وشواه، فعفته ولم آكل منه شيئا، فتبارك الله ما أكثر عجائب خلقه. لا إله إلا هو ولا معبود سواه.
الفصل الثاني في ذكر الأنهار والآبار والعيون يتبع
_________________
مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم
|