موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: [تسمية الإنسان بالعالم الأصغر]
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 04, 2017 9:39 am 
غير متصل

اشترك في: السبت ديسمبر 21, 2013 9:44 pm
مشاركات: 1660
[تسمية الإنسان بالعالم الأصغر]
أو ما علمت أنّ الإنسان الذي خلقت السموات والأرض وما بينهما من أجله كما قال عزّ وجلّ: سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ
«2» إنّما سمّوه العالم الصغير سليل العالم الكبير، لما وجدوا فيه من جمع أشكال ما في العالم الكبير، ووجدنا له الحواسّ الخمس ووجدوا فيه المحسوسات الخمس، ووجدوه يأكل اللّحم والحبّ، ويجمع بين ما تقتاته البهيمة والسبع، ووجدوا فيه صولة الجمل ووثوب الأسد، وغدر الذئب، وروغان الثعلب، وجبن الصّفرد «3» ، وجمع الذّرّة، وصنعة السّرفة «4» وجود الدّيك، وإلف الكلب، واهتداء الحمام. وربّما وجدوا فيه ممّا في البهائم والسباع خلقين أو ثلاثة، ولا يبلغ أن يكون جملا بأن يكون فيه اهتداؤه وغيرته، وصولته وحقده، وصبره على حمل الثّقل، ولا يلزم شبه الذئب بقدر ما يتهيّأ فيه من مثل غدره ومكره، واسترواحه وتوحّشه، وشدّة نكره. كما أن الرجل يصيب الرأي الغامض المرّة والمرّتين والثّلاث، ولا يبلغ ذلك المقدار أن يقال له داهية وذو نكراء أو صاحب بزلاء، وكما يخطئ الرجل فيفحش خطاؤه في المرّة والمرّتين والثلاث، فلا يبلغ الأمر به أن يقال له غبيّ وأبله ومنقوص.
وسمّوه العالم الصغير لأنّهم وجدوه يصوّر كلّ شيء بيده، ويحكي كلّ صوت بفمه «5» . وقالوا: ولأنّ أعضاءه مقسومة على البروج الاثني عشر والنجوم السبعة، وفيه الصفراء وهي من نتاج النار، وفيه السوداء وهي من نتاج الأرض، وفيه الدّم وهو من نتاج الهواء، وفيه البلغم وهو من نتاج الماء. وعلى طبائعه الأربع وضعت الأوتاد الأربعة. فجعلوه العالم الصغير، إذ كان فيه جميع أجزائه وأخلاطه وطبائعه. ألا ترى أنّ فيه طبائع الغضب والرضا، وآلة اليقين والشكّ، والاعتقاد والوقف وفيه طبائع الفطنة والغباوة، والسلامة والمكر، والنصيحة والغشّ، والوفاء والغدر، والرياء والإخلاص، والحبّ والبغض، والجدّ والهزل، والبخل والجود، والاقتصاد والسّرف، والتواضع والكبر، والأنس والوحشة، والفكرة والإمهال، والتمييز والخبط، والجبن والشجاعة، والحزم والإضاعة، والتبذير والتقتير، والتبذل والتعزز، والادّخار والتوكّل، والقناعة والحرص، والرغبة والزّهد، والسّخط والرّضا، والصبر والجزع، والذّكر والنسيان، والخوف والرجاء، والطّمع واليأس، والتنزّه والطبع، والشكّ واليقين، والحياء والقحة، والكتمان والإشاعة، والإقرار والإنكار، والعلم والجهل، والظلم والإنصاف، والطلب والهرب، والحقد وسرعة الرضا، والحدّة وبعد الغضب، والسّرور والهمّ، واللّذّة والألم، والتأميل والتمنّي، والإصرار والنّدم، والجماح والبدوات، والعيّ والبلاغة، والنّطق والخرس، والتصميم والتوقف، والتغافل والتفاطن، والعفو والمكافأة، والاستطاعة والطبيعة، وما لا يحصى عدده، ولا يعرف حدّه.
فالكلب سبع وإن كان بالناس أنيسا، ولا تخرجه الخصلة والخصلتان ممّا قارب بعض طبائع الناس، إلى أن يخرجه من الكلبيّة. قال: وكذلك الجميع. وقد عرفت شبه باطن الكلب بباطن الإنسان، وشبه ظاهر القرد بظاهر الإنسان: ترى ذلك في طرفه وتغميض عينه، وفي ضحكه وفي حكايته، وفي كفّه وأصابعه، وفي رفعها ووضعها، وكيف يتناول بها، وكيف يجهز اللّقمة إلى فيه وكيف يكسر الجوز ويستخرج لبّه وكيف يلقن كل ما أخذ به وأعيد عليه، وأنّه من بين جميع الحيوان إذا سقط في الماء غرق مثل الإنسان، ومع اجتماع أسباب المعرفة فيه يغرق، إلّا أن يكتسب معرفة السباحة، وإن كان طبعه أوفى وأكمل فهو من هاهنا أنقص وأكلّ. وكلّ شيء فهو يسبح من جميع الحيوانات، ممّا يوصف بالمعرفة والفطنة، وممّا يوصف بالغباوة والبلادة؛ وليس يصير القرد بذلك المقدار من المقاربة إلى أن يخرج من بعض حدود القرود إلى حدود الإنسان.


من كتاب الحيوان للجاحظ

_________________
مدد ياسيدى يارسول الله
مدديااهل العباءة .. مدد يااهل بيت النبوة
اللهم ارزقنا رؤية سيدنا رسول الله فى كل لمحة ونفس


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 80 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط