موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 6 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: يا مولد المختار أنت ربيعـنـا...بك راحة الأرواح والأجساد
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 27, 2007 2:29 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر
[align=center]بسم الله العلي العظيم
والحمد لله الملك الحق المبين
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق و الهادي إلى صراط الله المستقيم و على آله الطيبيين الطاهرين حق قدره و مقداره العظيم
[/align]


[align=center]أقوال العلماء في عمل المولد الشريف واجتماع الناس له وما يحمد من ذلك وما يذم[/align]

قال الحافظ أبو الخير السّخاوي- رحمه الله تعالى- في فتاويه: عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السّلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن الكبار يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وسلم بعمل الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهجة الرفيعة ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ويزيدون في المبرّات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم. انتهى.


وقال الإمام الحافظ أبو الخير بن الجزريّ- رحمه الله تعالى- شيخ القرّاء: من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام.


قلت: وأول من أحدث ذلك من الملوك صاحب إربل الملك المظفّر أبو سعيد كوبري بن زين الدين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد.

قال الحافظ عماد الدين بن كثير- رحمه الله تعالى- في تاريخه: كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان شهماً شجاعاً بطلاً عاقلاً عادلاً- رحمه الله تعالى- وأكرم مثواه. وقد صنّف الشيخ أبو الخطاب بن دحية- رحمه الله تعالى- كتاباً له في المولد سمّاه: "التنوير في مولد البشير النذير" فأجازه بألف دينار.

قال سبط بن الجوزي- رحمه الله تعالى- في مرآة الزمان: حكى من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه عدّ في ذلك السّماط خمسة آلاف رأس غنم شويّ وعشرة آلاف دجاجة ومائة ألف قرص ومائة ألف زبديّة أي من طعام، وثلاثين ألف صحن حلوى، قال: وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم. وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة. فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار وكان يفتكّ من الفرنج في كل سنة بمائتي ألف دينار، وكان يصرف على الحرمين والمياه بدرب الحجاز في كل سنة ثلاثين ألف دينار، وهذا كله سوى صدقات السرّ.

وحكت زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أخت الملك الناصر صلاح الدين أن قميصه كان من كرباس غليظ لا يساوي خمسة دراهم. قالت: فعاتبته في ذلك فقال: ألبس ثوباً بخمسة دراهم وأتصدّق بالباقي خير من أن ألبس ثوباً مثمناً وأدع الفقير والمسكين.

وقد أثنى عليه الأئمة، منهم الحافظ أبو شامة شيخ النّووي في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث" وقال: مثل هذا الحسن يندب إليه ويشكر فاعله ويثنى عليه.
قال ابن الجوزيّ: لو لم يكن في ذلك إلا إرغام الشيطان وإدعام أهل الإيمان.

وقال العلامة ابن ظفر- رحمه الله تعالى-: بل في الدرّ المنتظم: وقد عمل المحبون للنبي صلى الله عليه وسلم فرحاً بمولده الولائم-، فمن ذلك ما عمله بالقاهرة المعزّية من الولائم الكبار الشيخ أبو الحسن المعروف بابن قفل قدس الله تعالى سره، شيخ شيخنا أبي عبد الله محمد بن النعمان، وعمل ذلك قبل جمال الدين العجمي الهمذاني وممن عمل ذلك على قدر وسعه يوسف الحجّار بمصر وقد رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يحرّض يوسف المذكور على عمل ذلك.

قال: وسمعت يوسف بن علي بن زريق الشامي الأصل المصري المولد الحجّار بمصر في منزله بها حيث يعمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام منذ عشرين سنة وكان لي أخ في الله تعالى يقال له الشيخ أبو بكر الحجّار فرأيت كأنني وأبا بكر هذا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم جالسين، فأمسك أبو بكر لحية نفسه وفرقها نصفين وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم كلاماً لم أفهمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم مجيباً له: لولا هذا لكانت هذه في النار. ودار إليّ وقال: لأضربنك. وكان بيده قضيب فقلت: لأي شيء يا رسول الله؟ فقال: حتى لا تبطل المولد ولا السّنن. قال يوسف: فعملته منذ عشرين سنة إلى الآن.

قال: وسمعت يوسف المذكور يقول: سمعت أخي أبا بكر الحجّار يقول: سمعت منصوراً النشّار يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقول لي: قل له لا يبطله. يعني المولد ما عليك ممن أكل وممن لم يأكل.

قال: وسمعت شيخنا أبا عبد الله بن أبي محمد النّعمان يقول: سمعت الشيخ أبا موسى الزّرهونيّ يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فذكرت له ما يقوله الفقهاء في عمل الولائم في المولد فقال صلى الله عليه وسلم: "من فرح بنا فرحنا به".

وقال الشيخ الإمام العلاّمة نصير الدين المبارك الشهير باب الطبّاخ في فتوى بخطه: إذا أنفق المنفق تلك الليلة وجمع جمعاً أطعمهم ما يجوز إطعامه وأسمعهم ما يجوز سماعه ودفع للمسمع المشوّق للآخرة ملبوساً، كلّ ذلك سروراً بمولده صلى الله عليه وسلم فجميع ذلك جائز ويثاب فاعله إذ أحسن القصد، ولا يختص ذلك بالفقراء دون الأغنياء، إلا أن يقصد مواساة الأحوج فالفقراء أكثر ثواباً، نعم إن كان الاجتماع كما يبلغنا عن قرّاء هذا الزمان من أكل الحشيش واجتماع المردان وإبعاد القوّال إن كان بلحية وإنشاد المشوّقات للشهوات الدنيوية وغير ذلك من الخزي والعياذ بالله تعالى فهذا مجمع آثام.


وقال الشيخ الإمام جمال الدين بن عبد الرحمن بن عبد الملك الشهير بالمخلص الكتابي- رحمه الله تعالى- مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبجّل مكرّم، قدّس يوم ولادته وشرّف وعظم، وكان وجوده صلى الله عليه وسلم مبدأ سبب النجاة لمن اتبعه وتقليل حظّ جهنم لمن أعدّ لها لفرحه بولادته صلى الله عليه وسلم وتمّت بركاته على من اهتدى به، فشابه هذا اليوم يوم الجمعة من حيث أن يوم الجمعة لا تسعّر فيه جهنم، هكذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم فمن المناسب إظهار السرور وإنفاق الميسور وإجابة من دعاه ربّ الوليمة للحضور.

وقال الإمام العلاّمة ظهير الدين جعفر التزمنتيّ- رحمه الله تعالى-. هذا الفعل لم يقع في الصّدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحبهم له إعظاماً ومحبةً لا يبلغ جمعنا الواحد منهم ولا ذرّة منه، وهي بدعة حسنة إذا قصد فاعلها جمع الصالحين والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإطعام الطعام للفقراء والمساكين، وهذا القدر يثاب عليه بهذا الشرط في كل وقت، وأما جمع الرعاع وعمل السّماع والرقص وخلع الثياب على القوّال بمروديّته وحسن صوته فلا يندب بل يقارب أن يذمّ، ولا خير فيما لم يعمله السلف الصالح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها".

وقال الشيخ نصير الدين أيضاً: ليس هذا من السّنن، ولكن إذا أنفق في هذا اليوم وأظهر السرور فرحاً بدخول النبي صلى الله عليه وسلم في الوجود واتخذ السماع الخالي عن اجتماع المردان وإنشاد ما يثير نار الشهوة من العشقيات والمشوّقات للشهوات الدنيويّة كالقدّ والخدّ والعين والحاجب، وإنشاد ما يشوّق إلى الآخرة ويزهد في الدنيا فهذا اجتماع حسن يثاب قاصد ذلك وفاعله عليه، إلا أن سؤال الناس ما في أيديهم بذلك فقط بدون ضرورة وحاجة سؤالٌ مكروه، واجتماع الصّلحاء فقط ليأكلوا ذلك الطعام ويذكروا الله تعالى ويصلّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاعف لهم القربات والمثوبات.

وقال الإمام الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتابه: "الباعث على إنكار البدع والحوادث" قال الربيع: قال الشافعي- رحمه الله تعالى ورضي عنه-: المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة. والثانية: ما أحدث من الخير مما لا خلاف فيه لواحد من هذا فهي محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر- رضي الله تعالى عنه- في قيام رمضان نعمت البدعة هذه. يعني أنها محدثة لم تكن. وإذا كانت فليس فيها ردّ لما مضى.
قلت: وإنما كان كذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على قيام شهر رمضان وفعله هو صلى الله عليه وسلم واقتدى به فيه بعض أصحابه ليلة أخرى. ثم ترك النبي صلى الله عليه وسلم فعلها بالمسجد جماعة، لما فيه من إحياء هذا الشّعار الذي أمر به الشارع وفعله والحثّ عليه والترغيب فيه. والله تعالى أعلم.

فالبدعة الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها، وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها ولا يلزم من فعله محذور شرعي. وذلك نحو بناء المنابر والرّبط والمدارس وخانات السبيل وغير ذلك من أنواع البرّ التي لم تعهد في الصّدر الأول، فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر والتقوى. ومن أحسن ما ابتدع في زماننا هذا من هذا القبيل ما كان يفعل بمدينة "إربل" جبرها الله تعالى، كلّ عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء مشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله وشكر الله تعالى على من منّ به من إيجاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمةً للعالمين صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملاّ أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيرهم رحمهم الله تعالى.

وقال الشيخ الإمام العلامة صدر الدين موهوب بن عمر الجزري الشافعي رحمه الله تعالى: هذه بدعة لا بأس بها ولا تكره البدع إلا إذا راغمت السّنة، وأما إذا لم تراغمها فلا تكره، ويثاب الإنسان بحسب قصده في إظهار السرور والفرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال في موضع آخر: هذا بدعة، ولكنها بدعة لا بأس بها، ولكن لا يجوز له أن يسأل الناس بل إن كان يعلم أو يغلب على ظنه أن نفس المسؤول تطيب بما يعطيه فالسؤال لذلك مباح أرجو أن لا ينتهي إلى الكراهة.

وقال الحافظ- رحمه الله تعالى-: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدّها، فمن تحرّى في عمله المحاسن وتجنّب ضدّها كان بدعة حسنة ومن لا فلا. قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا يومٌ أغرق الله فيه فرعون وأنجى فيه موسى فنحن نصومه شكراً لله تعالى. فقال: "أنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه". فيستفاد من فعل ذلك شكراً لله تعالى على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادات والسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأيّ نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي الكريم نبيّ الرحمة في ذلك اليوم؟ وعلى هذا فينبغي أن يتحرّى اليوم بعينه حتى يطاق قصة موسى صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسّع قوم حتى نقلوه إلى أي يوم من السّنة. وفيه ما فيه.
فهذا ما يتعلق بأصل عمل المولد.
وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزّهدية المحرّكة للقلوب إلى فعل الخيرات والعمل للآخرة وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحاً بحيث يتعيّن السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به، ومهما كان حراماً أو مكروهاً فيمنع وكذا ما كان خلافاً للأولى. انتهى.

وقال شيخ القراء الحافظ أبو الخير ابن الجزري رحمه الله تعالى: قد رئي أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار إلا أنه يخفّف عني كل ليلة اثنين وأمصّ من بين إصبعيّ هاتين ماءً بقدر هذا- وأشار لرأسي إصبعيه- وإن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشّرتني بولادة محمد صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له. فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمّه جوزي في النار لفرحه ليلة مولد محمد صلى الله عليه وسلم فما حال المسلم الموحّد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ببشره بمولده وبذل ما تصل إليه قدرته في محبته؟ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنة النعيم.
وذكر نحوه الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي- رحمه الله تعالى- ثم أنشد:
[poet font="Tahoma,5,limegreen,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=" glow(color=black,strength=5)"]
إذا كان هذا كافرٌ جـاء ذمّـه = وتبّت يداه في الجحيم مخلّـدا
أتى أنّه في يوم الاثنـين دائمـاً= يخفّف عنه بالسّرور بأحمـدا
فما الظّنّ بالعبد الذي كان عمره= بأحمد مسروراً ومات موحدا
[/poet]


وقال شيخنا- رحمه الله تعالى- في فتاويه: عندي أن أصل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمدّ لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادء على ذلك من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.
قال: وقد ظهر لي تخريجه على أصل صحيح غير الذي ذكره الحافظ، وهو ما رواه البيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم عقّ عن نفسه بعد النبوة مع أنه ورد أن جده عبد المطلب عقّ عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن هذا فعله صلى الله عليه وسلم إظهاراً للشكر على إيجاد الله تعالى إياه رحمةً للعالمين وتشريعاً لأمته صلى الله عليه وسلم، كما كان يصلّي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده صلى الله عليه وسلم بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات والمسرّات.
وقال في شرح سنن ابن ماجه: الصواب أنه من البدع الحسنة المندوبة إذا خلا عن المنكرات شرعاً. انتهى.

ويرحم الله تعالى القائل:
[poet font="Tahoma,5,limegreen,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=" glow(color=black,strength=5)"]
لمولد خير العالمـين جـلال = لقد غشي الأكوان منه جمال
فيا مخلصاً في حقّ أحمد هذه= ليالٍ بدا فيهنّ منـه هـلال
فحقّ علينا أن نعظّـم قـدره = فتحسن أحوالٌ لنا وفـعـال
فنطعم محتاجاً ونكسو عـارياً = ونرفد من أضحى لديه عيال
فتلك فعال المصطفى وخلاله= وحسبك أفعالٌ له وخـلال
لقد كان فعل الخير قرّة عينه = فليس له فيما سواه مجـال
[/poet]

والقائل أيضاً:

[poet font="Tahoma,5,limegreen,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=" glow(color=black,strength=5)"]
يا مولد المختار أنت ربيعـنـا = بك راحة الأرواح والأجساد
يا مولداً فاق الموالد كـلّـهـا = شرفاً وساد بـسـيّد الأسـياد
لا زال نورك في البريّة ساطعاً = يعتاد في ذا الشّهر كالأعـياد
في كلّ عام للقلوب مـسـرّةٌ = بسماع ما نرويه في المـيلاد
فلذاك يشتاق المحبّ ويشتهـي= شوقاً إليه حضور ذا الميعـاد
[/poet]


وزعم الإمام العلامة تاج الدين الفاكهاني المالكي- رحمه الله تعالى- أن عمل المولد بدعة مذمومة وألّف في ذلك كتاباً قال فيه: الحمد لله الذي هدانا لاتباع سيد المرسلين، وأيّدنا بالهداية إلى دعائم الدّين، ويسّر لنا إتباع آثار السلف الصالحين، حتى امتلأت قلوبنا بأنواع علم الشرع وقواطع الحق المبين، وطهّر سرائرنا من حدث الحوادث والابتداع في الدين. أحمده على ما منّ به من أنوار اليقين، وأشكره على ما أسداه من التمسك بالحبل المتين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين صلاة دائمة إلى يوم الدين.
أما بعد: تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد: هل له أصلٌ في الشرع أو هو بدعة حدثت في الدين؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مبيّناً والأيضاًح عنه معيّناً. فقلت وبالله التوفيق: ما أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين المتمسّكون بآثار الصالحين المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطّالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكّالون، بدليل أنا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاًَ أو محرّماً. وليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً، لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذمّ على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون المتديّنون فيما علمت. وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت. ولا جائز أن يكون مباحاً لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين، فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو حراماً وحينئذ يكون الكلام فيه في فصلين والتفرقة بين حالين: أحدهما: أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله لا يجاوزون ذلك الاجتماع على أكل الطعام ولا يقترفون شيئاً من الآثام فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة إذ لم يفعله أحد من متقدّمي أهل الطاعة الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام سرج الأزمنة وزين الأمكنة.
والثاني: أن تدخله الجناية وتشتد به العناية حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه وقلبه يؤلمه ويوجعه لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف، لاسيّما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء من البطون الملأى بآلات الباطل من الدّفوف والشّبّابات واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الغانيات إما مختلطات بهن أو متشرّفات والرقص بالتثنّي والانعطاف والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف، وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتّهنيك والتّطريب في الإنشاد والخروج في التلاوة والذكر المشروع والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالى: (إن ربّك لبالمرصاد) وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذو المروءة الفتيان، وإنما يحلو ذلك بنفوس موتى القلوب وغير المستقيلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات المحرّمات. فإنا لله وإنا إليه راجعون، بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ! ولله درّ شيخنا القشيري رحمه الله تعالى حيث يقول فيما أجازناه:

[poet font="Tahoma,5,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
قد عرف المنكر واستنكر ال = معروف في أيّامنا الصّعبة
وصار أهل العلم في وهـدةٍ = وصار أهل الجهل في رتبه
حادوا عن الحقّ فما لـلّـذي = سادوا به فيما مضى نسبـه
فقلت للأبرار أهل التّـقـى = والدّين لما اشتدّت الكربـه
لا تنكروا أحوالكم قد أتت = نوبتكم في زمن الغربة!
[/poet]

ولقد أحسن الإمام أبو عمرو بن العلاء رحمه الله تعالى حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجّب من العجب!.
هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه. وهذا ما علينا أن نقول ومن الله تعالى نرجو حسن القبول.
هذا جميع ما أورده الفاكهاني- رحمه الله تعالى- في كتابه المذكور.

وتعقّبه الشيخ- رحمه الله تعالى- في فتاويه فقال: أمّا قوله: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنّة فيقال عليه: نفي العلم لا يلزم منه نفي الوجود، وقد استخرج له إمام الحفاظ أبو الفضل بن حجر أصلاً من السنة واستخرجت أنا له أصلاً ثانياً. قلت: وتقدم ذكرهما.
وقوله بل هو بدعة أحدثها البطّالون إلى قوله: "ولا العلماء المتدينون" يقال عليه: إنما أحدثه ملك عادل عالم وقصد به التقرّب إلى الله تعالى، وحضر عنده فيه العلماء والصّلحاء من غير نكير منهم. وارتضاه ابن دحية- رحمه الله تعالى- وصنف له من أجله كتاباً، فهؤلاء علماء متديّنون رضوه وأقرّوه ولم ينكروه.
وقوله: "ولا مندوباً لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع" يقال عليه: إن الطلب في المندوب تارةً يكون بالنصّ وتارة يكون بالقياس، وهذا وإن لم يرد فيه نص ففيه القياس على الأصلين الآتي ذكرهما.
وقوله: "ولا جائز أن يكون مباحاً لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين" كلام غير مستقيم لأن البدعة لم تنحصر في الحرام والمكروه، بل قد تكون أيضاً مباحة ومندوبة وواجبة. قال النووي- رحمه الله تعالى- في "تهذيب الأسماء واللغات: البدعة في الشرع: هي ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة". وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام- رحمه الله تعالى- في القواعد: البدعة منقسمة إلى واجبة وإلى محرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة. قال: والطريق في ذلك أن نعرض البدعة على قواعد الشّرع، فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرّمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة. وذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة منها: إحداث الرّبط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول. ومنها التراويح والكلام في دقائق التصوّف وفي الجدل ومنها جمع المحافل للاستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله تعالى.

وروى البيهقي بإسناده في "مناقب الشافعي" عن الشافعي- رحمه الله تعالى- ورضي عنه قال: المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما مما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا. وهذه محدثة غير مذمومة. وقد قال عمر- رضي الله تعالى عنه- في قيام شهر رمضان: نعمت البدعة هذه. يعني أنها محدثة لم تكن وإذا كانت ليس فيها ردّ لما مضى. هذا آخر كلام الشافعي. فعرف بذلك منع قول الشيخ تاج الدين: "ولا جائز أن يكون مباحاً" إلى قوله: "وهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة" الخ لأن هذا القسم مما أحدث وليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع، فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي وهو من الإحسان الذي، لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي من اقتراف الآثام إحسان، فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.

وقوله: والثاني الخ هو كلام صحيح في نفسه غير أن التحريم فيه إنما جاء من قبل هذه الأشياء المحرّمة التي ضمت إليه، لا من حيث الاجتماع لإظهار شعار المولد، بل لو وقع مثل هذه الأمور في الاجتماع لصلاة الجمعة مثلاً لكانت قبيحة شنيعة، ولا يلزم من ذلك تحريم أصل الاجتماع لصلاة الجمعة وهو واضح. وقد رأينا بعض هذه الأمور يقع في ليال من رمضان عند اجتماع الناس لصلاة التراويح فلا تحرم التراويح لأجل هذه الأمور التي قرنت بها، كلا بل نقول: أصل الاجتماع لصلاة التراويح سنّة وقربة وما ضمّ إليها من هذه الأمور قبيحٌ شنيع. وكذلك نقول: أصل الاجتماع لإظهار شعائر المولد مندوبٌ وقربة. وما ضمّ إليه من هذه الأمور مذموم وممنوع. وقوله مع "أن الشهر الذي وقع فيه" الخ. جوابه أن يقال: إن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثّت على أظهار شكر النعم والصبر والسّكون والكتم عند المصائب. وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود ولم يأمر عند الموت بذبح ولا غيره، بل نهى عن النّياحة وإظهار الجزع، فدلّت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون أظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته صلى الله عليه وسلم وقد قال ابن رجب- رحمه الله تعالى- في كتاب "اللطائف" في ذمّ الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتماً لأجل قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- لم يأمر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن هو دونهم؟ وقد تكلم الإمام أبو عبد الله بن الحاج- رحمه الله تعالى- في كتابه "المدخل" على عمل المولد فأتقن الكلام فيه جداً وحاصله: مدح ما كان فيه من إظهار شعار وشكر، وذمّ ما احتوى عليه من محرّمات ومنكرات. وأنا أسوق كلامه فصلاً فصلاً. قال: فصل في المولد: ومن جملة ما أحدثوه من البدع مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وإظهار الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد وقد احتوى ذلك على بدع ومحرّمات جملة.

فمن ذلك: استعمال المغاني ومعهن آلات الطرب من الطّار المصرصر والشّبّابة وغير ذلك مما جعلوه آلةً للسماع ومضوا في ذلك على العوائد الذّميمة في كونهم يشغلون أكثر الأزمنة التي فضّلها الله تعالى وعظّمها ببدع ومحدثات، ولا شكر أن السماع في غير هذه الليلة فيه ما فيه، فكيف به إذا انضمّ إلى فضيلة هذا الشهر العظيم الذي فضله الله تعالى وفضلنا فيه بهذا النبي الكريم الذي منّ الله علينا فيه بسيّد الأوّلين والآخرين، وكان يجب أن يزداد فيه من العبادة والخير شكراً للمولى على ما أولانا به من هذه النّعم العظيمة وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئاً من العبادات. وما ذاك إلا برحمته صلى الله عليه وسلم لأمته ورفقه بهم لأنه صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمةً منه بهم، لكن أشار صلى الله عليه وسلم إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين: "ذاك يومٌ ولدت فيه" فتشريف هذا اليوم متضمن تشريف هذا الشهر الذي ولد فيه فينبغي أن نحترمه حق الاحترام ونفضّله بما فضّل الله تعالى به الأشهر الفاضلة وهذا منها، لقوله صلى الله عليه وسلم "أنا سيّد ولد آدم ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي" وفضيلة الأزمنة والأمكنة بما خصها الله تعالى به من العبادات التي تفعل فيها، لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تشرف لذاتها. وإنما يجعل التشريف بما خصّت به من المعاني.

فانظر إلى ما خصّ الله به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضلٌ عظيم لأنه صلى الله عليه وسلم ولد فيه؟ فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرّم ويعظّم ويحترم الاحترام اللائق به، إتباعاً له صلى الله عليه وسلم في كونه كان يخصّ الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البرّ فيها وكثرة الخيرات. ألا ترى إلى قول ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان" فنمتثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله على قدر استطاعتنا.

فإن قال قائل: قد التزم صلى الله عليه وسلم في الأوقات الفاضلة ما التزمه في غيره.

فالجواب: أن ذلك لما علم من عادته الكريمة أنه يريد التخفيف عن أمته سيما فيما كان يخصه، ألا ترى إلى أنه صلى الله عليه وسلم حرّم المدينة مثل ما حرّم إبراهيم مكة، ومع ذلك لم يشرع في قتل صيده ولا شجره الجزاء تخفيفاً على أمته ورحمة بهم، وكان ينظر إلى ما هو من جهته وإن كان فاضلاً في نفسه فيتركه للتخفيف عنهم.

فعلى هذا: تعظيم هذا الشهر الشريف إنما يكون بزيادة الأعمال الزاكيات فيه والصدقات إلى غير ذلك من القربات، فمن عجز عن ذلك فأقلّ أحواله أن يجتنب ما يحرّم عليه ويكره له تعظيماً لهذا الشهر الشريف، وإن كان ذلك مطلوباً في غيره إلا أنه في هذا الشهر أكثر احتراماً، كما يتأكّد في شهر رمضان وفي الأشهر الحرم فيترك الحدث في الدّين ويجتنب مواضع البدع وما لا ينبغي.

وقد ارتكب بعضهم في هذا الزمان ضدّ هذا المعنى، و [هو] أنه إذا دخل هذا الشهر الشريف تسارعوا فيه إلى اللهو واللعب بالدّف والشبابة وغيرهما.
ويا ليتهم عملوا المغاني ليس إلا، بل يزعم بعضهم أنه يتأدّب فيبدأ المولد بقراءة الكتاب العزيز وينظرون إلى من هو أكثر معرفة بالتهوّك والطّرق المهيّجة لطرب النفوس، وهذا فيه وجوهٌ من الفساد.

ثم إنهم لم يقتصروا على ما ذكر، بل ضمّ بعضهم إلى ذلك الأمر الخطر، وهو أن يكون المغنّي شابّاً نظيف الصورة حسن الصوت والكسوة والهيئة، فينشد التغزّل ويتكسّر في صوته وحركاته، فيفتن بعض من معه من الرجال والنساء، فتقع الفتنة في الفريقين ويثور من الفساد ما لا يحصى.
وقد يؤول ذلك في الغالب إلى إفساد حال الزوج وحال الزوجة ويحصل الفراق والنكد العاجل ويتشتّت أمرهم بعد جمعهم وهذه المفاسد مركّبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع. فإن خلا منه وعمل طعاماً فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان وسلم من كل ما تقدّم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط لأن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ونحن تبع فيسعنا ما يسعهم. انتهى.

وحاصل ما ذكره: أنه لم يذمّ المولد بل ذمّ ما يحتوي عليه من المحرّمات والمنكرات، وأول كلامه صريح في أنه ينبغي أن يخصّ هذا الشهر بزيادة فعل البرّ وكثرة الخيرات والصدقات وغير ذلك من وجوه القربات، وهذا هو عمل المولد الذي استحسنّاه، فإنه ليس فيه شيء سوى قراءة القرآن وإطعام الطعام وذلك خيرٌ وبرّ وقربة.
وأما قوله آخراً: إنه بدعة: فإما أن يكون مناقضاًَ لما تقدّم، أو أنه يحمل على أنه بدعة حسنة، كما تقدم تقريره في صدر الباب، أو يحمل على أن فعل ذلك خير والبدعة منه نيّة المولد كما أشار إليه بقوله: "فهو بدعة بنفس نيته فقط، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد" فظاهر هذا الكلام أنه كره أن ينوي به المولد فقط ولم يكره عمل الطعام ودعاء الإخوان إليه. وهذا إذا حقّق النظر يجتمع مع أول كلامه لأنه حثّ فيه على زيادة فعل البر وما ذكر معه على وجه الشكر لله تعالى إذا أوجد في هذا الشهر الشريف سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وهذا هو معنى نية المولد. فكيف بذم هذا القدر مع الحث عليه أولاً؟!.
وأما مجرد فعل البرّ وما ذكر معه من غير نية أصلاً فإنه لا يكاد يتصوّر، ولو تصوّر لم يكن عبادة ولا ثواب فيه، إذ لا يعمل إلا بنية، ولا نية هنا إلا الشكر لله تعالى على ولادة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الشريف، وهذا معنى نية المولد فهي نية مستحسنة بلا شك. فتأمّل.

ثم قال ابن الحاج: ومنهم من يفعل المولد لا لمجرد التعظيم، ولكن له فضة عند الناس متفرقة كان قد أعطاها في بعض الأفراح أو المواسم ويريد أن يستردّها ويستحي أن يطلبها بذلك، فيعمل المولد حتى يكون سبباً لأخذ ما اجتمع له عند الناس وهذا فيه وجوه من المفاسد: أنه يتصف بصفة النفاق، وهو أن يظهر خلاف ما يبطن، وظاهر حاله أنه عمل المولد يبتغي به الدار الآخرة، وباطنه أنه يجمع فيه فضةً. ومنهم من يعمل المولد لأجل جمع الدراهم أو طلب ثناء الناس عليه ومساعدتهم له، وهذا أيضاً فيه من المفاسد ما لا يخفى. انتهى.


وهذا أيضاً من نمط ما تقدم ذكره، وهو أن الذم فيه إنما حصل من عدم النيّة الصالحة، لا من أصل عمل المولد. انتهى ما أوردته من كلام الشيخ رحمه الله تعالى.
ورضي عنه، والله هو الهادي للصواب.





((من كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للقاضي العلاّمة شمس الدين الشامي المتوفى سنة 942 هـ))[hr]

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 29, 2007 3:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر

"ومن الفوائد أنه جرت عادة كثير من الناس إذا سمعوا بذكر وضعه صلى الله عليه وسلم أن يقوما تعظيما له صلى الله عليه وسلم

وهذا القيام بدعة لا أصل لها

أي لكن هي بدعة حسنة لأنه ليس كل بدعة مذمومة

وقد قال سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه في إجتماع الناس لصلاة التراويح نعمت البدعة

وقد قال العز ابن عبد السلام إن البدعة تعتريها الأحكام الخمسة وذكر من أمثلة كل ما يطول ذكره

ولا ينافى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وقوله صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا أي شرعنا ما ليس منه فهو رد عليه لأن هذا عام أريد به خاص فقد قال إمامنا الشافعي قدس الله سره ما أحدث وخالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو أثرا فهو البدعة الضلالة وما أحدث من الخبر ولم يخالف شيئا من ذلك فهو البدعة المحمودة


وقد وجد القيام عند ذكر إسمه صلى الله عليه وسلم من عالم الأمة ومقتدى الأئمة دينا وورعا الإمام تقي الدين السبكى وتابعه على ذلك مشايخ الإسلام في عصره فقد حكى بعضهم أن الإمام السبكي اجتمع عنده جمع كثير من علماء عصره فأنشد منشد قول الصرصري في مدحه صلى الله عليه وسلم:

[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب= على ورق من خط أحسن من كتب
وأن تنهض الأشراف عند سمـاعـه= قياما صفوفا أو جثيا على الركـب
[/poet]

فعند ذلك قام الإمام السبكي رحمه الله وجميع من في المجلس فحصل أنس كبير بذلك المجلس ويكفى مثل ذلك في الإقتداء



وقد قال ابن حجر الهيتمي والحاصل أن البدعة الحسنة متفق على ندبها وعمل المولد وإجتماع الناس له كذلك أي بدعة حسنة

ومن ثم قال الإمام أبو شامة شيخ الإمام النووي ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكر الله على ما من به من إيجاد رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين هذا كلامه

قال السخاوي لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة وإنما حدث بعد ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم

قال ابن الجوزي من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام وأول من أحدثه من الملوك صاحب أربل وصنف له ابن دحية كتابا في المولد سماه التنوير بمولد البشير النذير فأجازه بألف دينار وقد استخرج له الحافظ ابن حجر أصلا من السنة وكذا الحافظ السيوطى وردا على الفاكهاني المالكي في قوله إن عمل المولد بدعة مذمومة"



[hr]

((من كتاب "السيرة الحلبية " لنور الدين الحلبي المتوفى سنة 1044 هـ))

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يا مولد المختار أنت ربيعـنـا...بك راحة الأرواح والأجساد
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 15, 2015 5:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 27, 2011 3:10 pm
مشاركات: 2286
مكان: مصر المحروسة
يرفع للأهمية وللمناسبة وكل عام وأنتم بخير

وبارك الله في أخي الفاضل/البتار

_________________
يارب بالمصطفى بلـــغ مقاصدنا واغفر لنا ما مضى ياواســع الكرم
واغفر إلهى لكل المسلمين بما يتلون فى المسجد الأقصى وفي الحرم
بجاه من بيته فى طيبة حرم واسمـــه قسم من أعظم القســم
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا بجــــاه سيــــدنـا ومـولانــا رسول الله ﷺ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يا مولد المختار أنت ربيعـنـا...بك راحة الأرواح والأجساد
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 15, 2015 9:01 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7643
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يا مولد المختار أنت ربيعـنـا...بك راحة الأرواح والأجساد
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 16, 2015 5:09 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر
شكراُ لمروركم الكريم الفاضل ابن حجر و شيخنا الفاضل فراج يعقوب و كل عام و انتم بخير

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يا مولد المختار أنت ربيعـنـا...بك راحة الأرواح والأجساد
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 24, 2023 11:17 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7700
يرفع بمناسبة المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم

وكل عام وأنتم بخير

_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 6 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 9 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط