بسم الله الرحمن الرحيم
الشَّوْقُ إِلَى الله
﴿ من طلبني وجدني، ومن وجدني عرفني، ومن عرفني عشقني ومن عشقني قتلته، ومن قتلته كنت ديته، ومن كنت ديته كان لا فرق بيني وبينه﴾ ومعنى ﴿لا فرق بيني وبينه﴾، لا أجعل بيني وبينه حجاباً ولا مسافة ولا زمانًا بل يكون عند الله والله عنده، بلا زمان ولا مكان، لأن الله من وراء الزمان والمكان، ومن وراء كل شيء، ومن كان عند الله ترك كل شيء يشغله عن الله، وفات كل شيء يبعده عن الله، ليكون مع الله بلا قيد في وسعة الإطلاق الإلهية من وراء جميع العوالم العلوية والسفلية، وكان الله سبحانه عوضاً له من كل شيء. ومعنى قول الله في الحديث القدسي ﴿ومن عشقني قتلته﴾: يعنى أفنيته عن نفسه وعن شهوته، وعن حظِّه وعن طمعه، وعن حِرصه وعن أمله، وعن حُبِّهِ لغيره سبحانه، فلم يكن فيه شيء لغير الله عزَّ وجلَّ. وهذا هو قتيل الغرام، وشهيد المحبَّة والعشق والهيام الإلهي، لأن العِشْقَ نارٌ معنوية تستعر في الضلوع والأحشاء فتهيجها إلى المحبوب والمعشوق، وتشدُّها إلى الله ورسوله شداً قوياً.
ولا يتحقق الحبُّ إلا بعد معرفة المحبوب، ومشاهدة جمالاته وكمالاته ومحاسنه وأخلاقه، وهذا هو حُبُّ الأفراد المُقرَّبين، والمصطفين المحبوبين، الذين واجههم الله بمعانيه الحِسَان، وأخلاقه العِظَام. ومن دون ذلك حُبٌّ من أجل الأيادي والنِّعَم، والعطايا والمنن، وهو حبُّ السالكين الذين عرفوا فضل الله عليهم، وتحققوا بإحسان الله إليهم، وشَهِدُوا نِعَمَهُ سبحانه التي أمدَّهم بها، وأسبغها عليهم ظاهرة وباطنة، فأحبُّوه سبحانه لذلك، وأحبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أجل أنه بابٌ لفضل الله عزَّ وجلَّ، وسببٌ لرضوان الله، ووسيلةٌ عظمى لنوال كلِّ خير في الدنيا والآخرة، وهذا هو حبُّ المؤمنين السالكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. أما حُبُّ المقربين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حبٌّ ذاتيّ. بمعنى أنهم تحققوا بأنه صلى الله عليه وسلم هو رحمة الله بهم، وعناية الله بهم، ونعمة الله لهم، وفضل الله عليهم، وأنه صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم، وأرحم بهم من أنفسهم، ومن آبائهم وأمهاتهم وأزواجهم، فأحبُّوه صلى الله عليه وسلم حبًّا جعل الواحد منهم يتمنى أن يموت نصرةً له صلى الله عليه وسلم، وفداء لمبادئه صلى الله عليه وسلم، بل يتمنى الواحد منهم أنْ يُقتل ولا يسمع أن أحدا ً آذَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة. وذلك الحبُّ ناتجٌ عن مواجهة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بأسراره وأنواره، وعلومه ونظراته، وتوجهاته صلى الله عليه وسلم. (من كتاب أنوار التحقيق في وصول أهل الطريق) يتبع
_________________
مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم
|