الحمد الله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله وعلى أله وسلم تسليماً كثيراً
موضوعنا اليوم عن كرامات الأولياء الذين رضى الله عنهم وأرضاهم ولذلك أختصهم الله بالكرامة مكافاْة لهم على صدقهم وقوة إيمانهم و إخلاصهم فى محبةالله ورسوله صلى الله عليه وسلم
و نبد أولاً بتعريف الكرامة :
الكرامة ظهور أمر خارق للعادة على يد الولى مقرون بالطاعة و العرفان ، و تكون دلالة على صدقه و فضله ، أو لقوة يقين صاحبها أو غيره و هى جائزة وواقعة عند أهل السنة و الجماعة ، والكرامة تدخل من جنس المعجزات ، والكرامة و المعجزة كلاهما يدخلان من باب خرق العادة و لكن الفرق بينهما : أن المعجزة تقترن بالتحدى لإثبات نبوة النبى ، بينما الكرامة يجريها الله تعالى على الأولياء من عباده تكريماً و مكافاْة لهم و هى تجرى عليهم من حيث لا يعلمون ، و الانبياء لهم المعجزات و هم بها عالمون و بإثباتها ناطقون مع إثبات العصمة وعدم إثباتها للأولياء و كرامة الولى بإجابة دعوة و تمام حال ، و قوة على فعل و كفاية مؤنة يقوم لهم الحق بها و هى مما يخرج عن العادات ، و معجزات الأنبياء إخراج الشىء من العدم إلى الوجود وتقليب الأعيان و الأولياء إذا ظهر لهم من كرامات الله شىء إزدادوا لله تذللاً و خشية و صدقاً ، و الولى الصادق إنما يدعو إلى ما هو حق و صدق ، فظهور الكرامة له تأييد للنبى ولا توجب شبهة فيها ، لان الصادق يقول ما يقوله النبى و يدعو إلى ما يدعو إليه النبى ، و الكرامة له تأييد و إظهار لدعوة النبى و إلزام بحجته و تصديقاً له و إثبات توحيد الله عزوجل
و القول بالكرامات جائزة وواقعة بنص القرأن و السنة
أما القرآن : ما جاء فى قصة أهل الكهف ، حيث أقاموا فيه ثلاث مئة سنة و أزيد نياماً أحياءُ بلا آفة و لا غذاء وليسوا بأنبياء بأجماع الفرق .
وقصة مريم حيث حملت بلا ذكر ، ووجد الرزق عندها بلا سبب ، و تساقط عليها الرطب من شجرة يابسة بلا موجب
آصف ليس نبى حيث أحضر عرش بلقيس من مسافة بعيدة فى طرفة عين
وأما السنة : فقد حكى عن نبينا صلى الله عليه وسلم من الكرامات فى حديث جريج الراهب الذى كلمه الطفل الرضيع حيث قال له : من أبوك ؟ …..الخ كما فى الصحيحين أخرجه البخارى ( 6/476( 3436) ومسلم 4 / 1976 ( 2550) .
وحديث أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة كما فيهما أيضاً اخرجه البخارى 6/505 ( 3465) ومسلم ( 2743 )
وحديث البقرة التى حمل عليها صاحبها أو ركبها فالتفتت إليه وكلمته وقالت : إنى لم أخلق لهذا . كما فيهما أيضاً أخرجه البخارى 5/ 8 ( 2324 ) ومسلم (2388 )
فهذه نبذة من أدلة أهل السنة و الادلة كثيرة ولو حاول متتبع إستيعاب كرامات الصحب لأجهد الأنفاس ، وملأ القرطاس ، وسوف نأتى بأمثلة من كرامات بعض الصحابة فيما بعد
قال الإمام أحمد بن حنبل : و إنما كانت الكرامات بعد زمن الصحابة أكثر لأن قوة إيمانهم لا يحتاج معها إليها ، و لأن الزمن الأول كان كثير النور , فلو حصلت لم تظهر كل الظهور لإضمحلالها فى نور النبوة بخلاف من بعدهم , ألا ترى أن القنديل لايظهر نوره بين القناديل بخلاف الظلام , والنجوم لا يظهر لها نور مع ضوء الشمس .
وقال القيصرى : كانت كراماتهم أعظم لكنهم أقوى من غيرهم , فملكوا الأحوال ولم تملكهم الأحوال , وغيرهم ملكتهم الأحوال لضعفهم عنهم فظهرت عليهم آثار الأحوال .
و قد عد بعض الأئمة الأنواع الواقعة من الكرامات عشرون , وهى أكثر بكثير: منها إحياء الموتى , وكلام الموتى , وأنفلاق البحر وجفافه , وأنقلاب الأعيان , وانزواء الأرض لهم وكلام الحيوان والنبات والجماد , وإبراء العلل, وطاعة الحيوان لهم , وطى الزمان ونشره , وإجابة الدعاء, ومقام التصريف , وقصم الله تعالى لمن يريد بهم سوءاً , والتطوربأطوار مختلفات وأشكال متباينات , والهيبة التى لبعضهم , ورؤية الأماكن البعيدة من وراء الحجب , والحفظ عن الحرام أن يدخل الجوف , وإخبارهم ببعض المغيبات , والكشف , وغيرها الكثير
وسوف نذكر أمثلة عليها فى أثناء سرد الكرامات للأولياء بإذن الله .
أنكر بعض الناس الكرامات رغم ماجاء فيها من الأدلة من القرآن والسنة قال السبكى : إنى لأعجب كل العجب من منكر الكرامة , وأخشى عليه المقت . و قيل فى روض الرياحين : " الناس فى الكرامات أقسام : منهم من ينكرها مطلقاً وهم أهل مذهب معروفون , وعن التقى والهدى مصروفون , ومنهم من يصدق بكرامات من مضى دون أهل زمنه , وهم كبنى إسرائيل صدقوا بموسى حين لم يروه , وكذبوا محمداًحين رأوه مع كونه أعظم , ومنهم من يصدق الأولياء فى زمنه لكن لا يصدق بأحد معين وهذا محروم من الأمداد لأن من لم يسلم لأحد معين لا ينتفع بأحد أبداً "
وأخيرا فإن ظهور الكرامة لا يدل على أفضلية صاحبها , بل على فضله , وقد يكون غيره أفضل منه , فالأفضلية إنما هى بقوة الإيقان , وكمال العرفان , ولهذا قال سيد الطائفة الجنيد : مشى رجال على الماء , ومات بالعطش أفضل منهم , والله أعلم
وسوف نأتى الآن بذكر كرامات الأولياء ونبدأ بأهل بيت رسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام
ونذكر من كرامات سيدنا على رضى الله عنه وكرم الله وجهه ومنها : ما قاله الفخر الرازى وقد ذكر من كرامات الصحابة فقال : وأما على كرم الله وجهه فيروى أن أحداً من محبيه سرق وكان عبداً أسود فأتى به الى على فقال له : أسرقت قال : نعم فقطع يده فانصرف من عنده فلقيه سلمان الفارسى وابن الكواء فقال ابن الكواء : من قطع يدك ؟ فقال أمير المؤمنين . فقال : قطع يدك وتمدحه . فقال : ولم لا أمدحه وقد قطع يدى بحق وخلصنى من النار . فسمع سلمان ذلك فأخبر به علياً . فدعا الأسود ووضع يده على ساعده وغطاه بمنديل ودعا بدعوات فسمعنا صوتا من السماء : ارفع الرداء عن اليد : فرفعنا فإذا اليد قد برأت بإذن الله تعالى وجميل صنعه .
نكتفى بهذا القدر ونكمل بإذن الله فى المشاركة القادمة والباب مفتوح للمشاركة لمن يحب على ما عليه من الترتيب لأهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة الكبار الخلفاء الأربعة على التريتب لهم ثم يأتى بعد ذلك الصحابة والأولياء رضى الله عنهم جميعاً
والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
|