سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (10 / 389 - 394)
فيما اختص به - صلى الله عليه وسلم - في أمته في الدنيا والاخرة .
وفيه مسائل:
الاولى: اختص صلى الله عليه وسلم بأن امته أول من تنشق عنهم الارض. روى أبو نعيم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارسلت الى الجن والانس والى كل أحمر وأسود وأحلت لي الغنائم دون الانبياء، وجعلت لي الارض كلها مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب أمامي شهرا، وأعطيت خواتم سورة البقرة، وكانت من كنوز العرش، وخصصت بها دون الانبياء، وأعطيت المثاني مكان التوراة والمئين مكان الانجيل، والحواميم مكان الزبور، وفصلت بالمفصل وأنا سيد ولد آدم في الدنيا والاخرة، ولا فخر، وأنا أول من تنشق الارض عني، وعن أمتي ولا فخر بيدي لواء الحمد يوم القيامة، وجميع الانبياء تحته ولا فخر، والي مفاتيح الجنة يوم القيامة ولا فخر، وبي تفتح الشافعة ولا فخر، وأنا سابق الخلق الى الجنة ولا فخر، وأنا امامهم وأمتي بالاثر).
الثانية: وبأنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء.
الثالثة: وبأن لهم سيما في وجوههم من أثر السجود.
قال الله سبحانه وتعالى: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) (الفتح / 29).
الرابعة: وبأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم.
الخامسة: وبأن ذريتهم تسعى بين أيديهم.
روى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء). وروى مسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان حوضي أبعد من أيلة من عدن، اني لاذود عنه الرجل كما يذود الرجل الابل الغريبة عن حوضه، قيل: يا رسول الله، أتعرفنا ؟ قال: نعم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء وسيماكم ليست لاحد غيركم).
وروى الامام أحمد، والبزار عن ابي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا اول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يرفع رأسه فأنظر الى بين يدي، فأعرف أمتي من بين الامم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك، فقال رجل: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك من بين الامم فيما بين نوح الى أمتك ؟ قال: (هم غر محجلون من أثر الوضوء ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم أنهم بأيمانهم تسعى ذريتهم بين أيديهم).
وروى الامام أحمد بسند صحيح عن ابي ذر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اني لاعرف أمتي يوم القيامة من بين الامم)، قالوا: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك ؟ قال: (أعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم).
السادسة: وبأنهم يكونون في الموقف على كوم عال.
السابعة: وبأن لهم نورين كالانبياء، وليس لغيرهم الا نور واحد. عن عبد الله بن عمر أنه قال: سمعت رجلا يقول: رأيت في المنام أن الناس جمعوا للحساب، فجاءت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، مع كل نبي أمته، وأنه رأى لكل نبي نورين يمشي بهما، ورأى لكل من اتبعه من المؤمنين نورا واحدا يمشي به، حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا لكل شعرة في رأسه ووجهه نور يستنير به كل أمرىء نظر إليه، وإذا لكل من اتبعه من أمته من المؤمنين نور كنور الأنبياء قبل محمّد صلى الله عليه وسلم.
الثامنة: وبأنهم يمرون على الصراط كالبرق الخاطف وكالريح.
التاسعة: وبأنهم يشفع محسنهم في مسيئهم.
العاشرة: وبأن عذابها معجل في الدنيا، وفي البرزخ لتوافي القيامة ممحصة. روى أبو يعلى والطبراني في الاوسط والحاكم وصححه عن عبد الله بن يزيد الانصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان عذاب هذه الامة جعل في دنياها).
الحادية عشر: وبأنها تدخل قبورها بذنوبها، وتخرج منها بلا ذنوب تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها. وروى الطبراني في الاوسط عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمتي أمة مرحومة: تدخل قبورها بذنوبها، وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها، تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها). وروى الامام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحاسب أحد يوم القيامة فيغفر له يرى المسلم عمله في قبره). قال الحكيم الترمذي: يحاسب المؤمن في القبر ليكون أهون عليه غدا في الموقف، فيمحص في البرزخ، فيخرج من القبر وقد اقتص منه).
الثاني عشر: وبأن كل واحد منهم يعطى يهوديا أو نصرانيا فيقال له: يا مسلم، هذا فداؤك من النار. وروى ابن ماجه والبيهقي في البعث عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان هذه الامة مرحومة، عذابها بأيديها، فإذا كان يوم القيامة، دفع الى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال له: هذا فداؤك من النار).
وروي أيضا عن رجل من الصحابة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عقوبة هذه الامة السيف).
الثالثة عشر: وبأن لها ما سعت، وما سعي لها وليس لمن قبلهم الا ما سعى، قاله عكرمة - رضي الله تعالى عنه -، ورواه ابن أبي حاتم عنه.
الرابعة عشر: وبأنهم يقضى لهم قبل الخلائق. روى ابن ماجه عن أبي هريرة وحذيفة - رضي الله عنهم - قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحن الاخرون من أهل الدنيا والاولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق).
الخامسة عشر: وبأنهم يغفر لهم المقحمات. روى مسلم عن ابن مسعود في حديث المعراج قال: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا: أعطى الصلوات الخمس. وأعطى خواتيم سورة البقرة. وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات.
السادسة عشر: وبأنهم أثقل الناس ميزانا. روى الاصبهاني في (ترغيبه) عن ليث - رضي الله تعالى عنه - قال: قال عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم: (أمة محمد صلى الله عليه وسلم أثقل الناس في الميزان، ذلت ألسنتهم لكلمة ثقلت على من كان قبلهم لا اله الا الله).
السابعة عشر: وبأنهم نزلوا منزلة العدول من الحكام، فيشهدون على الناس أن رسلهم بلغتهم. قال الله سبحانه وتعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (البقرة / 143). وروى الامام أحمد والنسائي والبيهقي عن ابن سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجئ النبي يوم القيامة، ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك، فيقال لهم: هل بلغتم ؟ فيقولون: نعم، فيدعى قومهم، فيقال لهم: هل بلغوكم ؟ فيقولون: لا فيقال للنبيين: من يشهد لكم أنكم بلغتم ؟ فيقولون: أمة محمد، فتدعى أمة محمد، فيشهدون أنهم قد بلغوا، فيقال لهم: وما علمكم أنهم قد بلغوا ؟ فيقولون: جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم بكتاب أخبرنا أنهم قد بلغوا فصدقناه، فيقال لهم: صدقتم. فذلك قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) (البقرة / 143). قال: عدولا، ورواه البخاري مختصرا. الثامنة عشر: (بأنهم يدخلون الجنة قبل سائر الامم). رواه الطبراني -في الأوسط- من حديث عمر بن الخطاب مرفوعًا: "حرمت الجنة على الأنبياء حتى أدخلها، وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي".
التاسعة عشر: ويدخل الجنة منهم سبعون ألفا بغير حساب. قال سلطان العلماء شيخ الاسلام الشيخ عز الدين بن عبد السلام - رحمه الله تعالى -: لم يثبت ذلك لغير النبي صلى الله عليه وسلم. روى الشيخان عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: (عرضت علي الامم، يمر على النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان والنبي ليس معه أحد والنبي معه الرهط فرأيت سوادا كثيرا فرجوت أن يكون أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سوادا كثيرا قد سد الافق فقيل لي: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب). عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب "، فقال عكاشة بن محصن: ادع الله لي يا رسول الله ، أن يجعلني منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اجعله منهم "، ثم قال آخر: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: " سبقك (2) بها عكاشة "
العشرون: ومع كل ألف سبعون ألفا، ومع كل واحد سبعون ألفا. وروى الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وابو يعلى وابن حبان والحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت الامم بالموسم، فرأيت أمتي قد ملأوا السهل والجبل، وأعجبني كثرتهم وهيبتهم، فقيل لي: رضيت ؟ قلت: نعم قال: ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب، فلا يكتوون ولا يتطيرون ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون). وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات، والامام أحمد عن عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ (الم تنزيل) السجدة، فأطال السجود ثم رفع، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أطلت السجود، قال: سجدت شكرا لربي فيما أعطاني في أمتي، سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أمتك أكثر وأطيب، فاستكثرتم حتى قال مرتين أو ثلاثا، فقال عمر: يا رسول الله، قد استوعبت أمتك. ولفظ أحمد فقال عمر: هلا استزدته ؟ فأعطاني مع كل رجل سبعين ألفا، قال عمر: فهلا استزدته قال: قد استزدته فأعطاني هكذا، وفرج عبد الرحمن بن أبي بكر بين يديه..الحديث. وروى الشيخان عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف متماسكين، أخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة، ووجوههم على صورة القمر ليلة البدر). روى عمر بن شبة في أخبار المدينة، عن كعب - رحمه الله تعالى - قال: (نجد مكتوبا في الكتاب أن مقبرة بالمدينة على حافة سيل يحشر منها سبعون ألفا ليس عليهم حساب). وروى الطيالسي والامام أحمد وأبو يعلى عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، وقلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدته، فزادني مع كل واحد سبعين ألفا).
الحادى والعشرون: وبأن أهل الجنة مائة وعشرون صفا وهذه الامة منها ثمانون، وسائر الامم أربعون. روى مسدد وابن أبي شيبة والامام أحمد والطبراني برجال ثقات، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم وربع أهل الجنة لكم ربعها ولسائر الناس ثلاثة أرباعها ؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فكيف أنتم وثلثها ؟ قالوا: فذاك أكثر، فقال: كيف أنتم والشطر ؟ قالوا: فذاك كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صف، أنتم منها ثمانون صفا) ورواه البخاري مختصرا.
الثانية والعشرون: وبأنهم يؤذن لهم في المحشر في السجود دون سائر الامم. روى ابن ماجه بسند فيه ضعف عن أبي موسى الاشعري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لامة محمد في السجود، فيسجدون طويلا) ثم يقال: ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلنا عدوكم فداءكم من النار).
لمّا دعا الله داعينا لطاعته ... بأكرم الرّسل كنّا أكرم الأمم
_________________ يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم
بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم
|