موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 84 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 18, 2017 2:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

( الدعوى السابعة ) : ندعي أنه ليس في جهة مخصوصة من الجهات الست : ومن عرف معنى لفظ الجهة ومعنى لفظ الاختصاص فهم قطعاً استحالة الجهات على غير الجواهر والأعراض ، إذ الحيز معقول وهو الذي يختص الجوهر به.

ولكن الحيز إنما يصير جهة إذا أضيف إلى شيء آخر متحيز ، فالجهات ست فوق وأسفل وقدام وخلف ويمين وشمال ، فمعنى كون الشيء فوقنا هو أنه في حيز يلي جانب الرأس.

ومعنى كونهرتحتاً أنه في حيز يلي جانب الرجل ، وكذا سائر الجهات ؛ فكل ما قيل فيه أنه في جهة فقد قيل أنه في حيز مع زيادة إضافة.

وقولنا الشيء في حيز ، يعقل بوجهين أحدهما :

أنه يختص به بحيث يمنع مثله من أن يوجد بحيث هو ، وهذا هو الجوهر ، والآخر أن يكون حالاً في الجوهر فإنه قد يقال إنه بجهة ،ولكن بطريق التبعية للجوهر ، فليس كون العرض في جهة ككون الجوهر ، بل الجهة للجوهر أولى ، وللعرض بطريق التبعية للجوهر ، فهذان وجهان معقولان في الاختصاص بالجهة.

فإن أراد الخصم أحدهما دل على بطلانه ما دل على بطلان كونه جوهراً أو عرضاً ، وإن أراد أمراً غير هذا فهو غير مفهوم فيكون الحق في إطلاق لفظه لم ينفك عن معنى غير مفهوم للغة والشرع لا العقل.

فإن قال الخصم إنما أُريد بكونه بجهة معنى سوى هذا فلم ننكره ، ونقول له :

أما لفظك فإنما ننكره من حيث أنه يوهم المفهوم الظاهر منه وهو ما يعقل الجوهر والعرض وذلك كذب على الله تعالى ، وأما مرادك منه فلست أنكره فإن ما لا أفهمه كيف أنكره!

وعساك تريد به علمه وقدرته وأنا لا أنكر كونه بجهة على معنى أنه عالم وقادر ، فإنك إذا فتحت هذا الباب ، وهو أن تريد باللفظ غير ما وضع اللفظ له ويدل عليه في التفاهم لم يكن لما تريد به حصر فلا أنكره ما لم تعرب عن مرادك بما أفهمه من أمر يدل على الحدوث.

فإن كان ما يدل على الحدوث فهو في ذاته محال ويدل أيضاً على بطلان القول بالجهة ، لأن ذلك يطرق الجواز إليه ويحوجه إلى مخصص يخصصه بأحد وجوه الجواز وذلك من وجهين ، أحدهما :

أن الجهة التي تختص به لا تختص به لذاته ،فإن سائر الجهات متساوية بالاضافة إلى المقابل للجهة ، فاختصاصه ببعض الجهات المعينة ليس بواجب لذاته بل هو جائز فيحتاج إلى مخصص يخصصه ، ويكون الاختصاص فيه معنى زائداً على ذاته وما يتطرق الجواز إليه استحال قدمه بل القديم عبارة عما هو واجب الوجود من جميع الجهات.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 18, 2017 3:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

فإن قيل اختص بجهة فوق لأنه أشرف الجهات ، قلنا أي إنما صارت الجهة جهة فوق بخلقه العالم في هذا الحيز الذي خلقه فيه ، فقيل خلق العالم لم يكن فوق ولا تحت أصلاً ، إذ هما مشتقان من الرأس والرجل ولم يكن إذ ذاك حيوان فتسمى الجهة التي تلي رأسه فوق والمقابل له تحت.

والوجه الثاني أنه لو كان بجهة لكان محاذياً لجسم العالم ، وكل محاذ فإما أصغر منه وإما أكبر وإما مساو ، وكل ذلك يوجب التقدير بمقدار ، وذلك المقدار يجوز في العقل أن يفرض أصغر منه أو أكبر فيحتاج إلى مقدار ومخصص.

فإن قيل : لو كان الاختصاص بالجهة يوجب التقدير لكان العرض مقدراً ، قلنا :

العرض ليس في جهة بنفسه ، بل بتبعيته للجوهر فلا جرم هو أيضاً مقدر بالتبعية ، فإنا نعلم أنه لا توجد عشرة أعراض إلا في عشرة جواهر ، ولا يتصور أن يكون في عشرين ، فتقدير الأعراض عشرة لازم بطريق التبعية لتقدير الجواهر ، كما لزم كونه بجهة بطريق التبعية.

فإن قيل : فإن لم يكن مخصوصاً بجهة فوق ، فما بال الوجوه والأيدي ترفع إلى السماء في الأدعية شرعاً وطبعاً ، وما باله صلى الله عليه وسلم قال للجارية التي قصد إعتاقها فأراد أن يستيقن إيمانها أين الله فأشارت إلى السماء فقال إنها مؤمنة ؟

فالجواب عن الأول أن هذا يضاهي قول القائل : إن لم يكن الله تعالى في الكعبة وهو بيته فما بالنا نحجه ونزوره ، وما بالنا نستقبله في الصلاة ؟

وإن لم يكن في الأرض ، فما بالنا نتذلل بوضع وجوهنا على الأرض في السجود ؟

وهذا هذيان ، بل يقال :

قصد الشرع من تعبد الخلق بالكعبة في الصلاة ملازمة الثبوت في جهة واحدة ، فإن ذلك لا محالة أقرب إلى الخشوع وحضور القلب من التردد على الجهات ، ثم لما كانت الجهات متساوية من حيث إمكان الاستقبال خصص الله بقعة مخصوصة بالتشريف والتعظيم وشرفها بالإضافة إلى نفسه واستمال القلوب إليها بتشريفه ليثيب على استقبالها ، فكذلك السماء قبلة الدعاء ،كما أن البيت قبلة الصلاة.

والمعبود بالصلاة والمقصود بالدعاء منزه عن الحلول في البيت والسماء ثم في الاشارة بالدعاء إلى السماء سر لطيف يعز من يتنبه لأمثاله ، وهو أن نجاة العبد وفوزه في الآخرة ، بأن يتواضع لله تعالى ويعتقد التعظيم لربه ، والتواضع والتعظيم عمل القلب ، وآلته العقل ، والجوارح إنما استعملت لتطهير القلب وتزكيته ، فإن القلب خلق خلقه يتأثر بالمواظبة على أعمال الجوارح ، كما خلقت الجوارح متأثرة لمعتقدات القلوب.

ولما كان المقصود أن يتواضع في نفسه بعقله وقلبه ، بأن يعرف قدره ليعرف بخسة رتبته في الوجود لجلال الله تعالى وعلوه ، وكان من أعظم الأدلة على خسته الموجبة لتواضعه أنه مخلوق من تراب ، كلف أن يضع على التراب ، الذي هو أذل الأشياء ، وجهه الذي هو أعز الأعضاء ، ليستشعر قلبه التواضع بفعل الجبهة في مماستها الأرض.

فيكون البدن متواضعاً في جسمه وشخصه وصورته بالوجه الممكن فيه وهو معانقة التراب الوضيع الخسيس ويكون العقل متواضعاً لربه بما يليق به ، وهو معرفة الضعة وسقوط الرتبة وخسة المنزلة عند الالتفات إلى ما خلق منه ، فكذلك التعظيم لله تعالى وضيعة على القلب فيها نجاته.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 20, 2017 2:02 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

وذلك أيضاً ينبغي أن تشترك فيه الجوارح ، وبالقدر الذي يمكنه أن تحمل الجوارح ، وتعظيم القلب بالإشارة إلى علو الرتبة على طريق المعرفة والاعتقاد وتعظيم الجوارح بالإشارة إلى جهة العلو الذي هو أعلى الجهات وأرفعها في الاعتقادات ؛ فإن غاية تعظيم الجارحة استعمالها في الجهات.

حتى أن من المعتاد المفهوم في المحاورات أن يفصح الإنسان عن علو رتبة غيره وعظيم ولايته فيقول : أمره في السماء السابعة ،وهو إنما ينبه على علو الرتبة ولكن يستعير له علو المكان ، وقد يشير برأسه إلى السماء في تعظيم من يريد تعظيم أمره ، أي أمره في السماء ، أي في العلو وتكون السماء عبارة عن العلو ،فانظر كيف تلطف الشرع بقلوب الخلق وجوارحهم في سياقهم إلى تعظيم الله وكيف جهل من قلت بصيرته ولم يلتفت إلا إلى ظواهر الجوارح والأجسام وغفل عن أسرار القلوب واستغنائها في التعظيم عن تقدير الجهات ، وظن أن الأصل ما يشار إليه بالجوارح ولم يعرف أن المظنة الأولى لتعظيم القلب وأن تعظيمه باعتقاد علو الرتبة لاباعتقاد علو المكان ، وأن الجوارح في ذلك خدم وأتباع يخدمون القلب على الموافقة في التعظيم بقدر الممكن فيها.

ولا يمكن في الجوارح إلا الإشارة إلى الجهات ،فهذا هو السر في رفع الوجوه إلى السماء عند قصد التعظيم.

ويضاف إليه عند الدعاء أمر آخر وهو أن الدعاء لا ينفك عن سؤال نعمة من نعم الله تعالى ، وخزائن نعمه السموات ، وخزان أرزاقه الملائكة ومقرهم ملكوت السموات وهم الموكلون بالأرزاق ، وقد قال الله تعالى : "وفي السماء رزقكم وما توعدون" ، والطبع يتقاضى الإقبال بالوجه على الخزانة التي هي مقر الرزق المطلوب.

فطلاب الأرزاق من الملوك إذا أخبروا بتفرقة الأرزاق على باب الخزانة مالت وجوههم وقلوبهم إلى جهة الخزانة ،وإن لم يعتقدوا أن الملك في الخزانة فهذا هو محرك وجوه أرباب الدين إلى جهة السماء طبعاً وشرعاً.

فأما العوام فقد يعتقدون أن معبودهم في السماء ، فيكون ذلك أحد أسباب إشاراتهم ،تعالى رب الأرباب عما اعتقد الزائغون علواً كبيراً.

وأما حكمه صلوات الله عليه بالإيمان للجارية لما أشارت إلى السماء ، فقد انكشف به أيضاً إذ ظهر أن لا سبيل للأخرس إلى تفهم علو المرتبة إلا بالإشارة إلى جهة العلو ، فقد كانت خرساء كما حكي ،وقد كان يظن بها أنها من عبدة الأوثان ، ومن يعتقد اله في بيت الأصنام فاستنطقت عن معتقدها فعرفت بالإشارة إلى السماء أن معبودها ليس في بيوت الأصنام كما يعتقدوه أولئك.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 20, 2017 2:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

فإن قيل فنفي الجهة يؤدي إلى المحال ، وهو إثبات موجود تخلو عنه الجهات الست ويكون لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلاً به ، ولا منفصلاً عنه ، وذلك محال ، قلنا :

مسلم أن كل موجود يقبل الاتصال فوجوده لا متصلاً ولا منفصلاً محال ، وإن كان موجود يقبل الاختصاص بالجهة فوجوده مع خلو الجهات الست عنه محال ، فإما موجود لا يقبل الاتصال ، ولا الاختصاص بالجهة فخلو عن طرفي النقيض غير محال ، وهو كقول القائل يستحيل موجود لا يكون عاجزاً ولا قادراً ولا عالماً ولا جاهلاً فإن أحد المتضادين لا يخلو الشيء عنه ، فيقال له :

إن كان ذلك الشيء قابلاً للمتضادين فيستحيل خلوه عنهما وأما الجماد الذي لا يقبل واحداً منهما لأنه فقد شرطهما وهو الحياة ، فخلوه عنهما ليس بمحال.

فكذلك شرط الاتصال والاختصاص بالجهات التحيز والقيام بالمتحيز ، فإذا فقد هذا لم يستحل الخلق عن متضادته فرجع النظر إذاً إلى أن موجوداً ليس بمتحيز ، ولا هو في متحيز ، بل هو فاقد شرط الاتصال ، والاختصاص هل هو محال أم لا ؟

فإن زعم الخصم أن ذلك محال وجوده فقد دللنا عليه بأنه مهما بان ،أن كل متحيز حادث وأن كل حادث يفتقر إلى فاعل ليس بحادث فقد لزم بالضرورة من هاتين المقدمتين ثبوت موجود ليس بمتحيز ، أما الأصلان فقد أتبتناهما وأما الدعوى اللازمة منهما فلا سبيل إلى جحدها مع الإقرار بالأصلين.

فإن قال الخصم إن مثل هذا الموجود الذي ساق دليلكم إلى إثباته غير مفهوم ، فيقال له ما الذي أردت بقولك غير مفهوم فإن أردت به أنه غير متخيل ولا متصور ولا داخل في الوهم فقد صدقت ، فإنه لا يدخل في الوهم والتصور والخيال إلا جسم له لون وقدر ، فالمنفك عن اللون والقدر لا يتصوره الخيال ، فإن الخيال قد أنس بالمبصرات فلا يتوهم الشيء إلا على وفق مرآه ولا يستطيع أن يتوهم ما لا يوافقه.

وإن أراد الخصم أنه ليس بمعقول ، أي ليس بمعلوم بدليل العقل فهو محاذ إذا قدمنا الدليل على ثبوته ولا معنى للمعقول إلا ما اضطر العقل إلى الأذعان للتصديق به بم€وجب الدليل الذي لا يمكن مخالفته ، وقد تحقق هذا.

فإن قال الخصم فما لا يتصور في الخيال لا وجود له ، فلنحكم بأن الخيال لا وجود له في نفسه ، فإن الخيال نفسه لا يدخل في الخيال والرؤية لا تدخل في الخيال وكذلك العلم والقدرة ، وكذلك الصوت والرائحة ولو كلف الوهم أن يتحقق ذاتاً للصوت لقدر له لوناً ومقداراً وتصوره كذلك ، وهكذا جميع أحوال النفس ، من الخجل والوجل والفسق والغضب والفرح والحزن والعجب ، فمن يدرك بالضرورة هذه الأحوال من نفسه ويسوم خياله أن يتحقق ذات هذه الأحوال فنجده يقصر عنه إلا بتقدير خطأ ثم ينكر بعد ذلك وجود موجود لا يدخل في خياله فهذا سبيل كشف الغطاء عن المسألة.

وقد جاوزنا حد الاختصار ولكن المعتقدات المختصرة في هذا الفن أراها مشتملة على الاطناب في الواضحات والشروع في الزيادات الخارجة عن المهمات مع التساهل في مضايق الاشكالات فرأيت نقل الاطناب من مكان الوضوح ، إلى مواقع الغموض أهم وأولى.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 20, 2017 2:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

(الدعوى الثامنة) : ندعي أنالله تعالى منزه عن أن يوصف بالاستقرار على العرش : فإن كل متمكن على جسم ومستقر عليه مقدر لا محالة فإنه أما أن يكون أكبر منه أو أصغر أو مساوياً وكل ذلك لا يخلو عن التقدير.

وأنه لو جاز أن يماسه جسم من هذه الجهة لجاز أن يماسه من سائرالجهات فيصير محاطاً به والخصم لا يعتقد ذلك بحال وهو لازم على مذهبه بالضرورة ،وعلى الجملة لا يستقر على الجسم إلا جسم ولا يحل فيه إلا عرض.

وقد بان أنه تعالى ليس بجسم ولا عرض ، فلا يحتاج إلى إقران هذه الدعوى بإقامة البرهان.

فإن قيل فما معنى قوله تعالى : "الرحمن على العرش استوى" ؟ وما معنى قوله عليه السلام : "ينزل اللّه كل ليلة إلى السماء الدنيا"

قلنا الكلام على الظواهر الواردة في هذا الباب طويل ولكن نذكر منهجاً في هذين الظاهرين يرشد إلى ما عداه وهو أنا نقول :

الناس في هذا فريقان عوام وعلماء ، والذي نراه اللائق بعوام الخلق أن لايخاض بهم في هذه التأويلات بل ننزع عن عقائدهم كل ما يوجب التشبيه ويدل على الحدوث ونحقق عندهم أنه موجود ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، وإذا سألوا عن معاني هذه الآيات زجروا عنها ، وقيل ليس هذا بعشكم فادرجوا فلكل علم رجال ، ويجاب بما أجاب به مالك بن أنس رضي الله عنه ،بعض السلف حيث سئل عن الاستواء ، فقال :

الاستواء معلوم والكيفية مجهولة ، والسؤال عنه بدعة ، والايمان به واجب ، وهذا لأن عقول العوام لا تتسع لقبول المعقولات ولا إحاطتهم باللغات ولا تتسع لفهم توسيعات العرب في الاستعارات.

وأما العلماء فاللائق بهم تعريف ذلك وتفهمه ،ولست أقول أن ذلك فرض عين إذ لم يرد به تكليف بل التكليف التنزيه عن كل ما تشبهه بغيره ، فأما معاني القرآن ، فلم يكلف الأعيان فهم جميعها أصلاً ولكن لسنا نرتضي قول من يقول ، أن ذلك من المتشابهات كحروف أوائل السور ، فإن حروف أوائل السور ليست موضوعة باصطلاح سابق للعرب للدلالة على المعاني.

ومن نطق بحروف وهن كلمات لم يصطلح عليها ، فواجب أن يكون معناه مجهولاً إلا أن يعرف ما أردته ، فإذا ذكره صارت تلك الحروف كاللغة المخترعة من جهته.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : "ينزل اللّه تعالى إلى السماء الدنيا" ، فلفظ مفهوم ذكر للتفهم وعلم أنه يسبق إلى الإفهام منه المعنى الذي وضع له أو المعنى الذي يستعار ، فكيف يقال إنه متشابه بل هو مخيل معنى خطأ عند الجاهل ومفهم معنى صحيحاً عند العالم ، وهو كقوله تعالى : "وهو معكم أينما كنتم" ، فإنه يخيل عند الجاهل اجتماعاً مناقصاً لكونه على العرش ،وعند العالم يفهم أنه مع الكل بالاحاطة والعلم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يوليو 24, 2017 3:05 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

وكقوله صلى الله عليه وسلم : "قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن" ، فإنه عند الجاهل يخيل عضوين مركبين من اللحم والعظم والعصب مشتملين على الأنامل والأظفار ، نابتين من الكف ، وعند العالم يدل على المعنى المستعار له دون الموضوع له وهو ما كان الاصبع له.

وكان سر الاصبع وروحه وحقيقته وهو القدرة على التقليب كما يشاء ، كما دلت المعية عليه في قوله وهو معكم على ما تراد المعية له وهو العلم والاحاطة ولكن من شائع عبارات العرب العبارة بالسبب عن المسبب ، واستعارة السبب للمستعار منه وكقوله تعالى : "من تقرَّب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن أتاني بمشي أتيته بهرولة"

فإن الهرولة عند الجاهل تدل على نقل الأقدام وشدة العدو وكذا الاتيان يدل على القرب في المسافة.

وعند العاقل يدل على المعنى المطلوب من قرب المسافة بين الناس وهو قرب الكرامة والانعام وإن معناه أن رحمتي ونعمتي أشد انصباباً إلى عبادي من طاعتهم إلي وهو كما قال : "لقد طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم لأشد شوقاً" تعالى الله عما يفهم من معنى لفظ الشوق بالوضع الذي هو نوع ألم وحاجة إلى استراحة ، وهو عين النقص.

ولكن الشوق سبب لقبول المشتاق إليه والإقبال عليه وإفاضة النعمة لديه فعبر به عن المسبب ، وكما عبر بالغضب والرضى عن إرادة الثواب والعقاب الذين هما ثمرتا الغضب والرضى ومسبباه في العادة.

وكذا لما قال في الحجر الأسود إنه يمين الله في الأرض يظن الجاهل انه أراد به اليمين المقابل للشمال التي هي عضو مركب من لحم ودم وعظم منقسم بخمسة أصابع ، ثم إنه إنفتح بصيرته علم أنه كان على العرش ولايكون يمينه في الكعبة ثم لا يكون حجرا أسود فيدرك بأدنى مسكة أنه استعير للمصافحة ، فإنه يؤمر باستلام الحجر وتقبيله كما يؤمر بتقبيل يمين الملك ، فاستعير اللفظ لذلك.

والكامل العقل البصير لا تعظم عنده هذه الأمور ، بل يفهم معانيها على البديهة.

فلنرجع إلى معنى الاستواء والنزول ؛ أما الاستواء فهو نسبه للعرش لامحالة ، ولا يمكن أن يكون للعرش إليه نسبة إلا بكونه معلوماً ، أو مراداً ، أو مقدوراً عليه ، أو محلاً مثل محل العرض ،أو مكاناً مثل مستقر الجسم ، ولكن بعض هذه النسبة تستحيل عقلاً وبعضها لا يصلح اللفظ للاستعارة به له.

فإن كان في جملة هذه النسبة ،مع أنه لا نسبة سواها ،نسبة لا يخيلها العقل ولا ينبو عنها اللفظ ، فليعلم أنها المراد إما كونه مكاناً أو محلاً ، كما كان للجوهر والعرض ، إذاً اللفظ يصلح له ولكن العقل يخيله كما سبق ، وإما كونه معلوماً ومراداً فالعقل لا يخيله ، ولكن اللفظ لايصلح له.

وإما كونه مقدوراً عليه وواقعاً في قبضة القدرة ومسخراً له مع أنه أعظم المقدورات ويصلح الاستيلاء عليه لأن يمتدح به وينبه به على غيره الذي هو دونه في العظم ،فهذا مما لا يخيله العقل ويصلح له اللفظ.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 18, 2018 2:14 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

فأخلق بأن يكون هو المراد قطعاً ،أماصلاح اللفظ له فظاهر عند الخبير بلسان العرب ، وإنما ينبو عن فهم مثل هذا أفهام المتطفلين على لغة العرب الناظرين إليها من بعد الملتفتين إليها التفات العرب إلى لسان الترك حيث لم يتعلموا منها إلا أوائلها ، فمن المستحسن في اللغة أن يقال استوى الأمير على مملكته ، حتى قال الشاعر :

قد استوى بشير على العراق من غير سيف ودم مهراق.

ولذلك قال بعض السلف رضي الله عنهم : يفهم من قوله تعالى "الرحمن على العرش استوى" ما فهم من قوله تعالى "ثم استوى إلى السماء وهي دخان" ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم "ينزل اللّه تعالى إلى السماء الدنيا" فللتأويل فيه مجال من وجهين :

أحدهما ، في اضافة النزول إليه وأنه مجاز ، وبالحقيقة هو مضاف إلى ملك من الملائكة كما قال تعالى "واسأل القرية" والمسؤول بالحقيقة أهل القرية ، وهذا أيضاً من المتداول في الألسنة ، أعني إضافة أحوال التابع إلى المتبوع ، فيقال :

ترك الملك على باب البلد ، ويراد عسكره ، فإن المخبر بنزول الملك على باب البلد قد يقال له هلا خرجت لزيارته فيقول لا ، لأنه عرج في طريقه على الصيد ولم ينزل بعد ، فلا يقال له فلم نزل الملك والآن تقول لم ينزل بعد ؟

فيكون المفهوم من نزول الملك نزول العسكر ، وهذا جلي واضح.

والثاني ، أن لفظ النزول قد يستعمل للتلطف والتواضع في حق الخلق كما يستعمل الارتفاع للتكبر ، يقال فلان رفع رأسه إلى عنان السماء ، أي تكبر ،ويقال ارتفع إلى أعلى عليين ، أي تعظم ؛ وإن علا أمره يقال : أمره في السماء السابعة ؛وفي معارضته إذا سقطت رتبته يقال : قد هوى به إلى أسفل السافلين ؛ وإذا تواضع وتلطف له تطامن إلى الأرض ونزل إلى أدنى الدرجات.

فإذا فهم هذا وعلم أن النزول عن الرتبة بتركها أو سقوطها وفي النزول عن الرتبة بطريق التلطف وترك العقل الذي يقتضيه علو الرتبة وكمال الاستغناء.

فبالنظر إلى هذه المعاني الثلاثة التي يتردد اللفظ بينها ما الذي يجوزه العقل ؟

أما النزول بطريق الانتقال فقد أحاله العقل كما سبق ، فإن ذلك لا يمكن إلا في متحيز ، وأما سقوط الرتبة فهو محال لأنه سبحانه قديم بصفاته وجلاله ولا يمكن زوال علوه ، وأما النزول بمعنى اللطف والرحمة وترك الفعل اللائق بالاستغناء وعدم المبالاة فهو ممكن ، فيتعين التنزيل عليه.

وقيل إنه لما نزل قوله تعالى : "رفيع الدرجات ذو العرش" استشعر الصحابة رضوان الله عليهم من مهابة عظيمة واستبعدوا الانبساط في السؤال والدعاء مع ذلك الجلال ، فأخبروا أن الله سبحانه وتعالى مع عظمة جلاله وعلو شأنه متلطف بعباده رحيم بهم مستجيب لهم مع الاستغناء إذادعوه.

وكانت استجابة الدعوة نزولاً بالإضافة إلى ما يقتضيه ذلك الجلال من الاستغناء وعدم المبالاة ، فعبر عن ذلك بالنزول تشجيعاً لقلوب العباد على المباسطة بالأدعية بل على الركوع والسجود ، فإن من يستشعر بقدر طاقته مبادئ جلال الله تعالى استبعد سجوده وركوعه.

فإن تقرب العباد كلهم بالإضافة إلى جلال الله سبحانه أحس من تحريك العبد أصبعاً من أصابعه على قصد التقرب إلى ملك من ملوك الأرض ، ولو عظم به ملكاً من الملوك لاستحق به التوبيخ ، بل من عادة الملوك زجر الأراذل عن الخدمة والسجود بين أيديهم والتقبيل لعتبة دورهم استحقاراً لهم عن الاستخدام وتعاظماً عن استخدام غير الأمراء والأكابر ، كما جرت به عادة بعض الخلفاء.

فلولا النزول عن مقتضى الجلال باللطف والرحمة والاستجابة لاقتضى ذلك الجلال أن يبهت القلوب عن الفكر ، ويخرس الألسنة عن الذكر ، ويخمد الجوارح عن الحركة ، فمن لاحظ ذلك الجلال وهذا اللطف استبان له على القطع أن عبارة النزول مطابقة للجلال ومطلقة في موضوعها لا على ما فهمه الجهال.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 19, 2018 1:18 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

فإن قيل فلم خصص السماء الدنيا ؟

قلنا : هو عبارة عن الدرجة الأخيرة التي لا درجة بعدها ، كما يقال سقط إلى الثرى وارتفع إلى الثريا ، على تقدير أن الثريا أعلى الكواكب والثرى أسفل المواضع.

فإن قيل : فلم خصص بالليالي ، فقال ينزل كل ليلة ؟

قلنا : لأن الخلوات مظنة الدعوات والليالي أعدت لذلك ، حيث يسكن الخلق وينمحي عن القلوب ذكرهم ، ويصفوا لذكر الله تعالى قلب الداعي ، فمثل هذا الدعاء هو المرجو الاستجابة لا ما يصدر عن غفلة القلوب عند تزاحم الاشتغال.

(الدعوى التاسعة) : ندعي أن الله سبحانه وتعالى مرئي خلافاً للمعتزلة : وإنما أوردنا هذه المسألة في القطب الموسوم بالنظر في ذات الله سبحانه وتعالى لأمرين :

أحدهما أن ننفي الرؤية عما يلزم على نفي الجهة ، فأردنا أن نبين كيف يجمع بين نفي الجهة وإثبات الرؤية.

والثاني أنه سبحانه وتعالى عندنا مرئي لوجوده ووجود ذاته ، فليس ذلك إلا لذاته ، فإنه ليس لفعله ولا لصفة من الصفات ، بل كل موجود ذات فواجب أن يكون مرئياً ، .. وأما قوله لا تدركه الأبصار أي لا تحيط به ولا تكتنفه من جوانبه كما تحيط الرؤية بالأجسام ، وذلك حق ، أو هو عام فأريد به في الدنيا ، وذلك أيضاً حق ،وهو ما أراده بقوله سبحانه "لن تراني" في الدنيا ، ولنقتصر على هذا القدر في مسألة الرؤية.

ولينظر المنصف كيف افترقت الفرق وتحزبت إلى مفرط ومفرط ، أما الحشوية فإنهم لم يتمكنوا من فهم موجود إلا في جهة ،فأثبتوا الجهة حتى ألزمتهم بالضرورة الجسمية والتقدير والاختصاص بصفات الحدوث.

وأما المعتزلة فإنهم نفوا الجهة ولم يتمكنوا من إثبات الرؤية دونها ، وخالفوا به قواطع الشرع ، وظنوا أن في إثباتها إثبات الجهة ، فهؤلاء تغلغلوا في التنزيه محترزين من التشبيه ، فأفرطوا ، والحشوية أثبتوا الجهة احترازاً من التعطيل فشبهوا ، فوفق الله سبحانه أهل السنة للقيام بالحق ، فتفطنوا للمسلك القصد وعرفوا أن الجهة منقية لأنها للجسمية تابعة وتتمة ، وأن الرؤية ثابتة لأنها رديف العلم وفريقه ، وهي تكملة له ؛ فانتفاء الجسمية أوجب انتفاء الجهة التي من لوازمها ، وثبوت العلم أوجب ثبوت الرؤية التي هي من روادفه وتكملاته ومشاركة له في خاصيته ، وهي أنها لا توجب تغييراً في ذات المرئي ،بل تتعلق به على ما هو عليه كالعلم ، ولا يخفى عن عاقل أن هذا هو الاقتصاد في الاعتقاد.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 24, 2018 5:27 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

(الدعوى العاشرة) : ندعي أنه سبحانه واحد : فإن كونه واحداً يرجع إلى ثبوت ذاته ونفي غيره ، فليس هو نظر في صفة زائدة على الذات ، فوجب ذكره في هذا القطب ، فنقول :

الواحد قد يطلب ويراد به أنه لا يقبل القسمة ، أي لا كمية له ولا جزء ولامقدار ، والباري تعالى واحد بمعنى سلب الكمية المصححة للقسمة عنه ؛ فإنه غير قابل للانقسام ، إذا لانقسام لما له كمية ، والتقسيم تصرف في كمية بالتفريق والتصغير ، ومالا كمية له لا بتصور انقسامه ، وقد يطلق ويراد أنه لا نظير له في رتبته كما تقول الشمس واحدة ، والباري تعالى أيضاً بهذا المعنى واحد ؛ فإنه لا ند له ، فأما انه لا ضد له فظاهراً ، إذ المفهوم من الضد هو الذي يتعاقب مع الشيء على محل واحد ولا تجامع وما لا محل له فلا ضد له ، والباري سبحانه لا محل له فلا ضد له.

وأما قولنا لاند له ، نعني به أن ما سواه هو خالقه لا غير ، وبرهانه أنه لو قدر له شريك لكان مثله في كل الوجوه أو أرفع منه أو كان دونه ، وكل ذلك محال ، فالمفضي إليه محال ،ووجه استحالة كونه مثله من كل وجه أن كل اثنين هما متغايران ، فإن لم يكن تغاير لم تكن الإثنينية معقولة ، فإنا لا نعقل سوادين إلا في محلين ، أو في محل واحد في وقتين ،فيكون أحدهما مفارقاً للآخر ومبايناً له ومغايراً إما في المحل وإما في الوقت ،والشيئان تارة يتغايران بتغاير الحد والحقيقة ، كتغاير الحركة واللون فإنهما وإن اجتمعا في محل واحد في وقت واحد فهما اثنان ، إذ أحدهما مغاير للآخر بحقيقته.

فإن استوى اثنان في الحقيقة والحد كالسوادين ، فيكون الفرق بينهما إما في المحل أو في الزمان ؛ فإن فرض سوادان مثلاً في جوهر واحد في حالة واحدة كان محالاً إذ لم تعرف الاثنينية ، ولو جاز أن يقال هما اثنان ولا مغايرة ، لجاز أن يشار إلى إنسان واحد ويقال أنه انسانان بل عشرة وكلها متساوية متماثلة في الصفة والمكان وجميع العوارض واللوازم ، من غير فرقان ، وذلك محال بالضرورة.

فإن كان ند الله سبحانه متساوياً له في الحقيقة والصفات استحال وجوده ، إذ ليس مغايره بالمكان إذ لا مكان ولا زمان فإنهما قديمان ، فإذاً لا فرقان ، وإذا ارتفع كل فرق ارتفع العدد بالضرورة ، ولزمت الوحدة.

ومحال أن يقال يخالفه بكونه أرفع منه ، فإن الأرفع هو الإله والإله عبارة عن أجل الموجودات وأرفعها ، والآخر المقدر ناقص ليس بالإله ، ونحن إنما نمنع العدد في الإله ، والإله هو الذي يقال فيه بالقول المطلق أنه أرفع الموجودات وأجلها.

وإن كان أدنى منه كان محالاً ، لأنه ناقص ونحن نعبر بالاله عن أجل الموجودات فلا يكون الأجل إلا واحداً ، وهو الإله ولا يتصور اثنان متساويان في صفات الجلال ، إذ يرتفع عند ذلك الافتراق ويبطل العدد كما سبق.

فإن قيل : بم تنكرون على من لا ينازعكم في إيجاد من يطلق عليه اسم الإله ، مهما كان الإله ،عبارة عن أجل الموجودات ، ولكنه يقول العالم كله بجملته ليس بمخلوق خالق واحد ،بل هو مخلوق خالقين ، أحدهما مثلاً خالق السماء والآخر خالق الأرض ، أو أحدهما خالق الجمادات والآخر خالق الحيوانات وخالق النبات : فما المحيل لهذا ؟

فإن لم يكن على استحالة هذا دليل ، فمن أين ينفعكم قولكم أن اسم الإله لا يطلق على هؤلاء ؟

فإن هذا القائل يعبر بالإله عن الخالق ، أو يقول أحدهما خالق الخير والآخر خالق الشر ،أو أحدهما خالق الجواهر والآخر خالق الأعراض ، فلا بد من دليل على استحالة ذلك.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 84 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 2 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط