موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 84 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 01, 2016 2:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

(مسألة) : الباري تعالى باق : والدليل على أنه باق ما قدمناه من الدليل على أنه تعالى قديم ، فإن القديم يستحيل عدمه وإذا ثبت ذلك وجب وصفه بالبقاء لأن البقاء استمرار الوجود.

والدليل عليه من الشرع قوله تعالى : ( ويبقى وجه ربك ) وغير ذلك من الآيات.

(مسألة) : إذا ثبت أن الباري تعالى قادرٌ عالمٌ حيٌّ ، فعندنا الباري عالمٌ بعلم ، قادرٌ بقدرة ، وحيٌّ بحياة ، وعلمه قديم ، وقدرته قديمة ، وحياته قديمة ، والمعتزلة وافقونا على وصفه بأنه عالم قادر حي إلا أنهم نفوا العلم والقدرة والحياة ثم اختلفوا في العبارات عن وصفه بهذه الأوصاف.

فقال بعضهم هو عالم لنفسه ،وقوم قالوا عالم لا لنفسه ولا لعلة ، وقوم قالوا هذه الأحكام ثابتة بأنفسها ، ولابد في إثبات الصفات الأزلية من أصل تقدم ذكره ، وهو أن يعلم أن طريق إثبات الصفات اعتبار الغائب بالشاهد بجامع يجمع بينهما والجامع أربعة أشياء :

أحدها : العلة ،وذلك إذا رأينا حكماً ثابتاً في الشاهد بعلة ، وجب تعلق المعلول بتلك العلة في الغائب ، مثاله أن يكون العالم عالما في الشاهد مقيدا بالعلم فوجب أن يكون في الغائب مثل ذلك.

والثاني : الشرط ،فإذا ثبت في الشاهد حكمي تعلق بشرط وثبت مثل ذلك الحكم غائبا فيجب أن يكون مشروطا بذلك الشرط ، ومثاله أنشرط العالم في الشاهد أن يكون حيا فيشرط مثل ذلك في الغائب.

الثالث : الحقيقة والحد ، مثل قولنا حقيقة العالم من قام به علم فيقتضي في الغائب مثل ذلك.

الرابع : الدليل ، فإذا دل الدليل على مدلول عقلا لا يوجد الدليل إلا وهو دال عليه غائبا وشاهدا وذلك مثل دلالة الصنع على الصانع ، فالطريق في اعتبار الغائب بالشاهد بهذا الطريق ، ولا يعتبر مجرد الصورة حتى تضاهي مذهب الدهرية ويلزم من ذلك إثبات جسم محدود اعتبارا للغائب بالشاهد ،إذا عرفت هذه المقدمة :

فالدليل على إثبات الصفات لله تعالى أنه قد ثبت وتقرر أن وصفنا الحي في الشاهد بأنه عالم معلل بالعلم ، وقد وصفنا الحق سبحانه بكونه عالما.

فلا بد وأن يكون معللا بالعلم ، إذ لو جاز عالم لا علم له جاز تقدير علم لا يتصف محله بكونه عالما ، فلما استحال إثبات علم لا يتصف محله بكونه عالما شاهدا أو غائبا استحال إثبات عالم لا يتصف بالعلم شاهدا أو غائبا.

فإن قيل : بم أنكرتم على من قال لكم أن وصف الشاهد بكونه عالما إنما كان معللا بالعلم لأنه حكم جائز فافتقر إلى مقتضى أو مخصص ، فأما كونه تعالى عالما صفة واجبة وكونه واجبا يستقل بوجوبه عن مقتضى يقتضيه ، وصار هذا كما أن وجود الباري سبحانه وتعالى لما كان واجبا لم يتعلق بموجب ومقتضي ، ووجود المحدثات لما كان جائزا افتقر إلى مقتض يقتضيه ومخصص يخصصه.

قلنا : بم أنكرتم على من يقول لكم أن الحكم الجائز يتعلق بعلة جائزة ،والحكم الواجب يتعلق بعلة واجبة ، فكونه عالما لما كان وصفا واجبا يتعلق بعلة واجبة وهو علمه القديم وليس كما استشهدوا به من الوجود ، لأنا لم نعول على ما ادّعوه من الواجب والجائز ولكن وجوده سبحانه ليس له مقتضٍ لأنه لا أول له ، وما لا أول له لايتعلق بفاعل ، لأن الفعل لا بد أن يكون له أول ، على أن هذا الكلام يبطل عليهم بالشرط فإنهم زعموا أن كونه سبحانه وتعالى عالما مشروط بكونه حيا كما كون العالم في الشاهد مشروط بالحياة.

فإذا لم يفصلوا بين الجائز والواجب في الشرط امتنع الفصل بينهما في العلة.

طريقة أخرى ، أنه يقال لهم قد ثبت وتقرر أن الذي يحيط بالمعلوم ويتعلق به هو العلم لاستحالة أن يكون للعلوم قدرة أو حياة ، وقد ثبت أن المعلومات كلها معلومة لله تعالى وقد أحاط بها ويشهد لها قوله تعالى : ( وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) فوجب وصفه بالعلم.

ومن الدليل على ما ذكرناه أنا قد علمنا أن الحق تعالى موصوف بكونه عالما كما أنه موصوف بكونه مريدا ، ثم المعتزلة البصريون ساعدونا على أن كونه مريدا ليس لنفسه ، فكذا وصفه بكونه عالما وجب أن لا يكون للنفس ، والدليل عليه من الكتاب قوله : (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه ).


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 01, 2016 2:42 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

شبهتهم في المسالة : قالوا : لو ثبت لله تعالى صفة لكانت قديمة والقديم من أخص أوصاف الباري والاشتراك في الوصف الأخص يوجب الاشتراك في كل وصف وفي ذلك قول بإثبات آلهة.

فنقول لهم في الجواب هذا بناء على أصلكم وعندنا الاشتراك في الأخص لا يوجب الاشتراك فيما عداه ، وقد ذكرنا هذا الفصل فيما تقدم.

جواب آخر ما ذكروه مجرد دعوى فإنا لا نساعدهم على أن القدم أخص أوصاف الباري.

شبهة أخرى وعليها معولهم : قالوا : علم الباري تعالى على زعمكم يتعلق بما لا يتناهى من المعلومات على التفصيل ، وفي الشاهد العلم الواحد لا يتعلق بمعلومات مختلفة ، فإن العلم بالسواد غير العلم بالبياض ،وإنما يتعلق بمعلوم واحد ، والعلم الواحد عندكم في حكم العلوم المختلفة ، ولو جاز ذلك لجاز أن يكون العلم في حكم القدرة ، والعلم والقدرة مختلفان فيلزم من ذلك أن يكون للباري تعالى صفة واحدة هي علم وقدرة وحياة وسمع وبصر ، وذلك مستحيل فكذلك إثبات ، علم يتعلق بمعلومات مختلفة مستحيل.

(الجواب) : أن الدليل العقلي يقتضي إثبات صفة هي علم ،فأما كون العلم صفة زائدة على القدرة لم نعلمه عقلا ولكن بالأدلة السمعية ، فإن الذين تكلموا في الصفات بالنفي والإثبات ، أجمعوا على نفي صفة هي في حكم العلم والقدرة.

فإن قيل : فإذا لم يبعد على قولهم إثبات علم في حكم علوم مختلفة ، فما المانع من قولنا عالم لنفسه ، قادر لنفسه ، ويكون نفسه في حكم العلم والقدرة فيستغني بذلك عن الصفات.

قلنا : المانع فيه أن ذات الباري لو كان في حكم العلم لكان عالما ، لأن ما يتعلق بالمعلوم علم ، والقول بأن ذاته علم باطل على القطع.

ثم يقال : العقل قد دل على إثبات العلم ، وانعقد الإجماع على أن وجود الباري تعالى ليس بعلم فيحصل من مجموع ذلك أن العلم زائد على الوجود.

(مسألة) : لله تعالى صفة وهي الإرادة تتعلق بالمرادات كلها : وذهبت المعتزلة البصرية إلى أن الباري مريد بإرادات حادثة لا في محال ،فتحدث تلك الإرادات لا في محال ، ويصير الباري بها مريدا ،ثم زعموا أن الإرادات لاتتعلق بها الإرادة ، والدليل على بطلانه ، أن إرادته لو كانت حادثة لافتقرت إلى تعلق إرادة أخرى بها ،لأن كل فعل ينشئه الفاعل العالم به ويوقعه على صفة مخصوصة في وقت مخصوص لابُد وأن يكون قاصداً إلى إيقاعه.

إذ لو جاز وقوعه من غير قصدٍ لجاز وقوع سائر الأفعال من غير قصد ، وإذا افتقرت إلى إرادة أخرى ، لافتقرت تلك الإرادة إلى مثلها ،فتسلسل وهو باطل.

فثبت أن إرادته قديمة ، فإن زعموا أن الإرادة لا تراد في نفسها ولكن يُراد بها فهو خطأ ، لأنه لو صحَّ ما قالوه في الإرادة لصحَّ قول جَهْمٍ في العلم أن لله علوماَ ثابتة يعلم بها الحوادث ولا يعلم العلوم في نفسها.

ولمَّا كان قول جَهْمٍ في العلم باطلا كذلك قولهم في الإرادة ، ثم نقول ، من أصلِكم أن المِثْلين يجب اشتراكهما في جميع الصفات ، وإرادتنا مثل الإرادة الحادثة لاشتراكهما في الوصف الأخص وهو كونهما إرادة ، ومن حُكْمِ إرادتنا القيام بالمحلف أثبتوا لإرادة الباري تعالى محلا.

ثم يلزمهم من ذلك قيام إرادته بحمار أو كلب وذلك محال.

فإن قالوا : الإرادة من شرطها الحياة وبنية مخصوصة لا تتعلق بكل محل ، فنقول لهم : في إثباتكم إرادة لا في المحل نفيُ المحل والبنية والصفة التي أشرتم إليها ، فإذا جاز نفي أصل المحل لم لا يجوز نفي شرط المحل حتى تقوم إرادته بكلب نية ولا تختص ببنية مخصوصة.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 01, 2016 2:49 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

(مسألة) : ذكرنا أن لله تعالى علماً يتعلق بالمعلومات ، وعلمُه صفةٌ قديمةٌ قائمةٌ بذاته : وذهب جَهم بن صفوان إلى أنه ليس لله تعالى علم قديم ولكن له علم حادث على عدد المعلومات ، وكلما تجدد شيء حدث لله تعالى علم يتعلق به ، ويكون وقوع ذلك العلم سابقاً على وقوع المعلوم وتتعاقب العلوم كما يتعاقب المعلومات.

والدليل على بطلان قوله ، أن الحوادث قد افتقرت إلى علم يتقدمها ،والعلوم مشاركة للحوادث في كونها أفعالا حادثة ، فوجب أن يتقدمها علوم غيرها وفي ذلك إثبات علوم لا نهاية لها ويقتضي ذلك إلى القول بقدم العالم.

فإن قالوا العلم يحدث من غير علوم تتقدمها فيلزمهم من ذلك استغناء جملة الحوادث عن العلم وهو باطل على القطع.

ومن الدليل على بطلان قوله ، أن العلوم الحادثة لا تخلو أما أن تكون فيغير محل أو قائمة بأجسام أو قائمة بذات الباري تعالى ،فإن زعمتم أنها قائمة لا في محل فالرد عليه مثل الرد على المعتزلة البصرية في الإرادة.

وإن زعموا قيامه بذات الباري فالكلام عليه مثل الكلام على الكرامية حيث جوَّزوا إقامة الحوادث بذاته ، وإن زعموا قيام العلوم بأجسام لزمهم من ذلك أن يقوم علم بجسم والعالم به جسم آخر وذلك باطل على القطع.

وشبهه الجهمية : قالوا : الباري تعالى عالِمٌ في أزله بأن العالم سيقع ، فلما وقع كان ذلك معلوما مجددا إلا أنه من قبل ما علمه واقعا وإذا تجدد له حكم اقتضى تجدد موجب الحكم وفي ذلك إثبات علوم متجددة.

قلنا : الباري تعالى لا يتجدد له حكم ولا تتعاقب عليه الأحوال ، لأنه يلزم من ذلك القول بحدوث الصانع كما لزم القول بحدوث الجوهر لتعاقب الحوادث عليها ، بل الباري تعالى موصوف بعلمٍ واحدٍ يتعلق بالمعلومات لايتعدد ولا يتجدد وهو غير مستحيل في العقل.

والذي يدل عليه أنَّا لو قدَّرْنا في الشاهد علما حادثا باقيا متعلقا بمجيء الأمطار غدا وقدرنا استمرار العلم إلى وقت وقوع المطر لم يفتقر حالة وقوعه إلى علم مجدد بوقوعه.

والدليل عليه أنا إذا قدرنا علما سابقا على وقوع المطر بأنه سيقع وقدرناه باقيا إلى وقت وقوعه قلنا لايتعلق العلم السابق بالوقوع يلزمه أن يكون جاهلا بالوقوع في وقت الوقوع أو غافلا عنه مع تقدير دوام العلم وذلك محال.

فثبت بذلك أن العلم السابق على الوقوع إذاكان باقياً إلى وقت الوقوع يعني عند تجدد علم وعلومنا وإن لم تكن باقية إلا أن الدلالة العقلية قد تبنى على الموجودات مرة وعلى التقديرات أخرى فإذا لم يلزم في الشاهد تجدد علم عند تقدير علم باق لم يلزم في حق الصناع تجدد علم عند الوقوع لأن علمه السابق باق عند الوقوع.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 21, 2017 12:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

( مسألة ) : عند أهل الحق أن الباري متكلم بكلام قديم أزلي غير مفتتح الوجود ، وكلامُ الله تعالى أمرٌ ونهيٌ وخبرٌ واستخبارٌ ووعدٌ ووعيد ، وذهبت المعتزلة والخوارج إلى أن كلام الباري تعالى مفتتح الوجود وليس بقديم ، ثم منهم من يطلق القول بأنه مخلوق ، ومنهم من يمتنع من إطلاق هذه اللفظة مع القطع بأنه ليس بقديم احترازاً مما فيه من الإبهام ، لأن المختلف ما لا يكون له أصل.

وقالت الكرامية ، الكلام قديم والقول حادث غير محدث ، والقرآن قول الله وليس بكلام الله ،والكلام عندهم القدرة على التكلم ،والكلام في هذه المسألة يبنى على أصلين :

أحدهما :إثبات حقيقة الكلام ، والثاني : إثبات حقيقة المتكلم.

فأما الأصل الأول : فعندنا ،حقيقة الكلام هو المعنى القائم بالنفس الذي تدل عليه العبارات والإشارات والكتابة وأما العبارة فلا تسمى كلاما ، ثم المذهب الصحيح أن العبارات كلام على الحقيقة واسم الكلام يتناولها على الحقيقة لا على المجاز ، ومن أصحابنا من قال تسمية العبارات كلاماً على سبيل المجاز ، لأنه دلالة على الكلام كما يسمى علما ، يقول القائل سمعت اليوم علوما كثيرة ويريد به العبارات الدالة على العلوم.

وقالت المعتزلة حقيقة الكلام حروف منتظمة وأصوات منقطعة دالة على أغراض صحيحة.

والدليل على بطلان تحديدهم ، أنهم حدُّوا الكلام بالحروف ، وقد يحد الحرف الواحد كلاماً صحيحا ، مثل لفظ الأمر من وقى ، قِ ، ووشا ، شِ ، وليس ها هنا حروف ولا أصوات ، ولأنهم ذكروا في الحد ، الدالة على أغراض ،وليس يصح ،لأن من تلفظ بكلمات لا تفيد لا يسمى متكلما ، وليس ها هنا غرض ، ولأنهم قالوا الحروف المنتظمة والأصوات المنقطعة ، والحروف نفسُ الأصوات فلا معنى للتكرير فيجب حذفه ، فإذا حُذف يبقى قولهم الأصوات المتقطعة لا تفيد فائدة ما لم يقع الاصطلاح على كونه دالة على غرض فبطل تحديدهم.

وأما الدليل على إثبات ما ذكرناه من كلام النفس ، أن العاقل إذا أمر عبده بأمر وَجَدَ في نفسه طلب الطاعة منه وجداناً ضروريا قبل أن يعلمه به ، ثم يدله على ما في نفسه بلغة أو إشارة أو كتابة فدل ذلك على ثبوت كلام النفس.

فإن قيل : بم أنكرتم على من قال إن الذي يجده في نفسه إرادة من الأمر امتثال المأمور به ، قلنا : ليس من شرط الآمر أن يكون مريدا للمأمور وإذا لم تكن الإرادة منشرط الأمر بطل أن يكون ذلك المعنى هو الإرادة.

فإن قيل : بم أنكرتم على من قال أن الذي يجده في نفسه إرادة يجعل اللفظة أمرا على جهة الإيجاب أو على جهة الندب وليس بكلام ، قلنا : هذا باطل لأن اللفظ ينقضي بالفراغ منه ، وذلك الطلب والاقتضاء مستمر الوجود ، والماضي لا يراد ولكن يتلهف عليه ، ونحن نعلم أن ما يجده في نفسه الاقتضاء والطلب وليس بتلهف ، فبطل أن يكون ذلك إرادة.

فإن قيل : بم أنكرتم على من يقول أن ما يجده في نفسه ضرب من الاعتقاد وليس بكلام ، قلنا : هذا محال ، لأن الاعتقاد إما أن يكون علماً أو ظناً أو شكاً أو جهلا ،والذي يجد نفسه الطلب والاقتضاء يقطع بأنه ليس بعلمٍ ولا ظنٍّ ولا شكٍّ ولا جهل ، فبطل أنيكون ذلك اعتقادا ، على أن جميع ما ذكروه يبطل عليهم بالنظر.

فإنَّ قائلاً لو قال :النظر إرادة علم المنظور أو ضرب من الاعتقاد ، كان في مثل منزلتهم ونحن نعلم أن النظر ليس هو الإرادة ولا اعتقاد ، وفي الدليل على ما ذكرناه أن قول القائل افعل ، قد يتضمن الإيجاب كقوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة) ، وقد يتضمن الاستحباب ، كقوله تعالى : ( وافعلوا الخير) ، وقد يتضمن الإباحة ، كقوله تعالى : ( فإذا طعمتم فانتشروا) ، وقد يراد به التهديد ،كقوله تعالى : ( اعملوا ما شئتم) ، وإذا كان لفظ الأمر يتردد على هذه الوجوه ، فقد يقول افعل ويريد به الوجوب ، وقد يريد به التهديد ، وقد يريد به الاستحباب ، وقد يريد به الإباحة وقد يريد به النهي وصورة الحروف والأصوات واحدة ، ولو كان الأمر نفس اللفظ لما اختلف ،فعُلم أن الإيجاب صفةٌ قائمةٌ للنفس يتميز بوصفه الخاص عن الاستحباب والإباحة والنهي والتهديد لم يقع التنبيه عليه بالعبارة والإشارة والكناية.

فإن قيل : ما ألزمتمونا ينعكس عليكم فإنكم جعلتم العبارة دلالة على ما في النفس ولا يجوز أن يكون دليل الإيجاب والاستحباب واحدا ، قلنا : التمييز يحصل بنفس والقرائن لا بنفس الأصوات والحروف القرائن عندهم ليس من الكلام ، والدليل على إثبات كلام النفس منجهة الشرع قوله تعالى : (ويقولون في أنفسهم) فأثبت قول النفس ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (رفع عن أمتي ما حدثتْ به أنفسهم) ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : زوَّرْتُ في نفسي كلاماً يوم السقيفة ، ويقول الرجل في العادة في نفسي كلام أريد أن أعرضه عليك ، قال الأخطل : ( إن الكلام لفي الفؤاد وإنما.. ، جُعل اللسان على الفؤاد دليلا ) ، فثبت أن ما وراء العبارة والحروف كلاما.

وأما الأصل الثاني : فعندنا المتكلم من قام بذاته الكلام ، كالعالم من قام به العلم ،وعندهم المتكلم من يفعل الكلام وليس من الشرط قيامه بالمتكلم كما لا يشترط قيام الفعل بالفاعل ، والمسألة في الحقيقة تُبنَى على أصل ، وهو ، أن عندنا لا فاعلَ في الحقيقة إلا الله سبحانه وإذا ثبت ذلك ، فالله تعالى فاعل كلامنا وليس متكلما به ، فبطل أن يكون المتكلم من يفعل الكلام ، والدليل على بطلان كلامهم ، أنه لو كان المتكلم من يفعل الكلام لكان المصوت من يفعل الصوت ويلزم أن يكون الباري تعالى مصوتا من حيث أنه خلق الأصوات ، والدليل عليه أن منسمع كلاماً من آخر علم كونه متكلما من غير أن يخطر بباله كونه فاعلا لكلامه ولو كان الكلام بمعنى الفعل لكان لا يعلمه متكلما من لا يعلمه فاعلا ، والذي يدل على فساد قولهم ، أن الكلام عندهم حروف منتظمة وأصوات متقطعة ، فإذا قال الواحد منا زرت الكعبة مختاراً فهو المتكلم به عندهم.

فلو قدرنا أن الله تعالى خلق هذه الحروف والأصوات على صورتها في بعض عبيده ضروريا بحيث لا يمكنه السكوت عنها ، فلا يخلو أما أن يقضي من سمع منه هذه الحروف بكونه متكلما أو لا يقضي به ، فإن قال يقضي بكونه متكلما فقد بطل أن يكون المتكلم من يفعل الكلام لأنه لا فعل من جهته هاهنا وإنما الفعل لله تعالى ، وإن قال ذلك العبد غير المتكلم فقد جحد الشاهد لأنَّا نسمع منه الكلام كما نسمع منه إذا كان مختارا فبطل قولهم ، ويقال لهم من أصلكم أنه عالم لنفسه فهلا قلتم أيضاً أنه متكلم لنفسه ، فإن قالوا إنما لم نقل ذلك لأن الصفة النفسية يعم تعلقها ، ألا ترى أنه لمّا كان عالماً لنفسه كان عالماً بكل معلوم ،ونحن نعلم أنه ليس متكلم بكل كلام فإن لنا كلاماً حقيقة وليس الله به متكلما ، قلنا هذا باطل بالقدرة فإن عندهم الباري تعالى قادر لنفسه ، ثم لا يتعلق قدرته عندهم بجملة المقدورات ، لأن أفعال العباد غير مقدورة لله تعالى على قولهم فبطل أصلهم بذلك ، وإذا ثبت كلام النفس وبطل أن يكون الكلام بمعنى الفعل فقد ثبت كونه تعالى متكلما ، فلا بد وأن يكون كلامه قديما لأنه لا يجوز قيام الحوادث بذاته.

شبهتهم في المسألة ، قالوا : قوله اخلع نعليك وألق عصاك كلام الله تعالى ، ويستحيل أن يكون الباري تعالى مخاطباً بذلك في أزله وموسى عليه السلام غير موجود لأن الخطاب والمخاطب ليس هناك ، لغو وهذيان ويستحيل ذلك في صفات الله تعالى.

الجواب : أن مثل هذا يلزمهم ، لأن قوله تعالى اخلع نعليك وألق عصاك بإجماع المسلمين كلام الله في دهرنا ووقتنا ، وموسى غير مخاطب به الآن ، فإذا لم يمتنع إثبات كلام الآن والمخاطب به قد تقدّم ولم يكن لغوا ، لماذا يمتنع إثبات خطاب سابق والمخاطب به متأخر ؟

وربما أوردوا هذا الكلام على وجه آخر فقالوا : إذا أثبتم كلاماً قديماً أزليا فلايخلو إما أن تحكموا في الأزل بكونه أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا أو لا تثبتوا له هذه الأوصاف ، فإن صرتم إلى نفي هذه الأوصاف أبطلتم الكلام ، إذ لا يعقل كلامٌ لا يتصف بكونه أمرا أو نهيا وخبرا واستخبارا فإن هذه جملة أقسام الكلام ، وإن أطلقتم كونه أمراً ونهياً وخبرا لزمكم إثبات مخاطب به في الأزل لاستحالة توجه الخطاب على المعدوم.

قلنا : عندنا الكلام الأزلي يتصف بكونه أمرا ونهيا ، والمعدوم على أصلنا مأمور بالأمر الأزلي بشرط الوجود ، وأما ما ألزمونا من الاستحالة فيلزمهم مثله ، لأن من مذهب المعتزلة أنه ليس لله تعالى في وقتنا كلام ، وإنما كان له كلام وقت الخطاب وقد عدم الآن ، ونحن الآن مأمورون بالأوامر فإذا لم يستبعدوا مأمورا بلا آمر لم أنكروا أمرا بلا مأمور ، ثم إن هذا باطل ، فإن الله تعالى موصوف في أزله بأنه قادر بالإجماع ، ومن حُكْمِ القادر أن تكون له قدرة ، والمقدور هو الجائز الممكن ، وإيقاع الأفعال في الأزل يستحيل فإذا جاز وصفه بكونه قادراً مع أن وقوع المقدورات مختص بما لا يزال ، جاز وصفه بكلام أزلي هو أمرٌ لمن سيكون.

ثم جوابنا عنه : أن الكلام في الأزل موجود إلا أنه لو وقع الإخبار عنه في الأزل كان تقديره : إني آمراً عبيداً أخلقهم بكذا وكذا ، وحين خلقهم تقدير الإخبار افعلوا كذا ، وبعدما يفنيهم تقدير الأخبار عنه إني أمرت عبيداً خلقتهم لكذا وكذا ، فالتعبير يرجع إلى الحوادث لا إلى كلامه ، ومثاله لو قدّرنا في الشاهد كلاماً باقياً ، وقدرنا أن الواحد منا أضمر فينفسه أن يقول لعبده ادخل السوق واشتر ثوبا ، فذلك الكلام الآن موجود وتقدير العبارة عنه ، إني أريد أن أقول لعبدي غدا ادخل السوق واشتر الثوب ، فإذا جاء الغد كان تقدير العبارة عنه ، يا عبدي أدخل السوق واشتر ثوبا فإذا مضى الغد فالرجل بعد على ما أضمر فيكون تقدير العبارة بأني قلت لعبدي أمس أدخل السوق وأشتر الثوب ، فالمعنى القائم بذاته في الأحوال كلها واحد ، والاختلاف يرجع إلى العبارة الدالة عليه لاعلى نفس المعنى كذي في وصوف كلامه.

ومن شبهتهم أنهم قالوا : القرآن معجزة الرسول والمعجزة لا تكون إلا أفعالاً خارقةً للعادة ولا يجوز أن تكون المعجزة قديمة إذ لوجاز ذلك لجاز أن يكون علمه القديم معجزة ، وسمعه القديم معجزة ، وهذا لأن القديم لايختص ببعض المحدثين حتى يصير معجزة له ، فإذا ثبت كونه معجزة ثبت أنه مخلوق.

فالجواب : أن عندهم القرآن حين خلقه كان أصواتا ثم انقضت ، والمتلو والمحفوظ ليس بكلام الله تعالى ونفي كلامه أشنع مما ذكرنا ، والجواب من مذهبهم ،أن ما تحدى به الرسول لم يكن كلام الله تعالى وإنما تحدى بمثله ،وعندهم أن كل قارئ آت بمثل كلام الله تعالى ، وقد قال الله تعالى : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله) فأبطلوا المعجزة وكذبوا القرآن فظهر فساد قولهم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 21, 2017 12:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

( مسألة ) : كلام الله تعالى منزل على الحقيقة : والدليل عليه ظاهر الآيات من كتاب الله تعالى مثل قوله : ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا) ، وقوله : ( آلم تنزيل) ، وقوله : ( وكذلك أنزلناه قرآنا) ، وليس المعنى في قولنا أنه منزل حَطُّ شئٍ من علو إلى سفل ، ونقله من مكان إلى مكان ،ولكن المراد بالإنزال أن جبريل عليه السلام أدرك كلام الله تعالى فوق سبع سماوات ثم نزل إلى الأرض وأفهم الرسول ، فأفهم عند سدرة المنتهى ، وهو كما يقال نزلت رسالة الملك من القصر لا يراد به حط شيء من القصر وإنما يراد به ما ذكرناه.

( مسألة ) : كلام الله تعالى مسموع على الحقيقة : والدليل عليه قوله تعالى : ( وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، والمعنى بقولنا مسموع ، أن كلام الله تعالى مفهوم السامع عند سماع القراءة ، والسماع يذكر ويراد به الفهم ،يقول القائل سمعت كلام الغائب إذا انتهى إليه معنى كلامه وان لم يسمع منه وليس المراد به أن السامع مدرك لنفس كلام الله تعالى ، والدليل عليه أن الله تعالى خصَّ موسى عليه السلام بأن أسمعه كلامه القديم بلا واسطة ، وخصَّ محمداً به ليلة المعراج ، ولو كان المسموع إدراك كلام الله تعالى القديم لما ظهر لتخصيص بعض الأنبياء بذلك فائدة.

( مسألة ) : كلام الله تعالى مكتوب في المصاحف على الحقيقة محفوظ في القلوب على الحقيقة : والدليل على أنه مكتوب قوله تعالى : ( في لوح محفوظ ) ،ولا يوصف بأنه حالٌّ في المصحف ولا في القلب ، وهذا كما أن الله تعالى على الحقيقة معبود في مساجدنا معلوم في قلوبن امذكور بألسنتنا ولا يوصف الباري تعالى بالحلول والانتقال.

( مسألة ) : القراءة عندنا أصوات القراء ونغماتهم وهي اكتسابهم والمفهوم عند القراءة كلام الله تعالى ، والدليل عليه أن القارئ يُؤمر بالقراءة في حال الطهارة ويثاب عليها ويمنع عنها في حال الجنابة ويعاقب عليها ولا يتعلق الثواب ولا العقاب إلا بما هو كسب العبد ، والدليل عليه أن القراءة تستطاب من بعض القراء ولا تستطاب من البعض وذلك محالفي ما صفته القدم.

( مسألة ) : كلام الله تعالى واحد وهو أمر بجميع المأمورات ونهى عن جميع المنهيات وخبر عن جميع المخبرات يسمى بالعربية قرآنا ، وبالعبرانية توراة ، وبالسريانية إنجيلا ، وليس إثبات طريق العلم باتحاد الصفات العقل ، بل العقل يدل على إثبات الكلام الواحد ، وإنما عرفناه بالإجماع فإن الإجماع قد انعقد على نفي ما زاد على الواحد.

( مسألة ) : صفات الله تعالى لا توصف بأنها متغايرة وكذلك الذات مع الصفات ، ولا يجوز أن يقال العلم غير القدرة وغير الكلام ، ولا أن العلم هو الكلام أوالقدرة هي العلم أو العلم هو الذات أو الكلام هو الذات ولكن يقال الذات موجود والصفات موجودات مع الذات قائمات بالذات لأنا نصف الصفات الأزلية بالبقاء ، والدليل عليه ، أن حقيقة الغيرين الموجودين الذي يجوز مفارقة أحدهما للثاني بزمان ومكان أو وجود أو عدم ولا يجوز مفارقة الصفات للذات ولا مفارقة الصفات بعضها بعضا كما ذكرناه أن العقل قد دل على قدم الصفات ويستحيل عدم القديم.

( مسألة ) : ذهب القدماء من أئمتنا إلى أن البقاء صفة للباقي زائدة على الذات وأن لله تعالى صفة تسمى البقاء كالعلم والقدرة والصحيح أن البقاء ليس معنى زائد على الذات ولكن البقاء استمرار الوجود ، والدليل عليه أنّا نصف الصفات الأزلية بالبقاء ولو كان البقاء معنى لما وصف به الصفات لاستحالة قيام المعنى بالمعنى ، ولأنّا لو أثبتنا بقاءً قديماً لزمنا أن نثبته ببقاء أحد ، فتسلسل ذلك ، ونظيره القدم فإن الشيء في أول حال حدوثه لا يسمى قديما ، فإذا استمر وجوده مدة يسمى قديما وليس القدم معنى زائدا على الوجود المستمر.

( مسألة ) :للباري تعالى في الأزل اسم وصفة : وأنكرت المعتزلة ذلك وقالوا ليس لله تعالى في الأزل اسم ولا صفة وهذا القول يقضي إلى القول بأن الله تعالى لم يكن له في الأزل صفة الإلهية وهو كفر وضلال، وحقيقة هذه المسألة تبنى على معرفة الاسم والتسمية والصفة والوصف ، والتسمية عندنا هو لفظ المُسَمّى الدال على الاسم ، والاسم مدلول التسمية وقد يذكر الاسم ويراد به التسمية توسعاً ومجازا والوصف قول الواصف ، والصفة مدلول الوصف وقد يطلق الصفة ويراد بها الوصف ،وذهبت المعتزلة إلى أن الاسم والتسمية واحد ، والوصف والصفة واحد ، والصفة والاسم وأقول المسمين والواصفين ولم يكن عندهم لله كلام في الأزل وقول ولم يكن له اسم ولا صفة ، والدليل على أن الاسم يخالف التسمية قوله : ( سبح اسم ربكالأعلى ) والمسبح ذات الباري سبحانه لا أقوال الذاكرين وألفاظهم ، وقال تعالى : (وما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ) فعبدة الأصنام ما عبدوا اللفظ بل عبدوا الأجسام والأعيان فثبت أن الاسم هو المسمى ، فإن قيل : قد ورد في الخبر أن رسول الله قال :" لله تسعة وتسعون اسما " ولو كان الاسم هو المسمى لكان تسعة وتسعون إلها ، فالجواب : أن الاسم قد يطلق ويراد به التسمية ، فالمراد به لله تسعة وتسعون تسمية ،وإذا تقرر ما ذكرنا ، فأسامي الرب تعالى على ثلاثة أقسام :

فمن الأسامي ما يطلق بأنه المسمى ، وهو ما دلت التسمية به على وجوده ، مثل قولنا : حق وموجود وذات ، ومن أسمائه ما يطلق بأنه غير المسمى ، وهو ما دلت التسمية على فعله كالخالق والرازق ، ومن أسمائه ما لا يقال فيه أنه المسمى ولا غير المسمى ، وهو ما دلت التسمية به على صفة قديمة كالعالم والقادر والسميع والبصير.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 21, 2017 1:06 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

( مسألة ) : ورد السمع بإثبات صفات الله تعالى لا يدل عليه العقل مثل الوجه في قوله تعالى : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) ، والعين في قوله : ( تعالى تجري بأعيننا ) ، واليدين في قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) ، واختلفوا في ذلك ، فذهب جماعة إلى أن هذه صفات زائدة على ما دل عليه العقل واستدلوا على ذلك بقوله : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) ولا وجه لحمله على القدرة لأن جملة المخلوقات حاصلة بالقدرة فتبطل فائدة التخصيص ، ومنهم من أنكر أن تكون هذه الصفات زائدة على ما دل عليه العقل ، وصار إلى أن العين محمول على البصر ، والوجه على الوجود ، واليد على القدرة ، واستدلوا عليه بأن من قال العقل قد دل على أن الخلق لا يقع إلا بالقدرة ومن أثبت صفة قديمة يقع بها الخلق فقد أبطل حقيقة القدرة وأثبت لها تناهيا.

لأن ما حصل باليد لم يحصل بالقدرة فتكون القدرة متناهية ، وأيضا فإن آدم عليه السلام ما استحق السجود لأنه مخلوق باليد ولكن أمر الحق سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود ، فصار ظاهر لأنه متروك ووجب حمله على تأويل وهو ، أنه تخصص تشريف كما أضاف الكعبة إلى نفسه وأضاف المؤمنين بصفة العبودية إلى نفسه ، أما قوله تعالى : ( تجري بأعيننا ) فالمراد به الأعين التي انفجرت من الأرض وإضافته إلى الله سبحانه على سبيل الملك.

وأما قوله تعالى : (ويبقى وجه ربك ) متروك الظاهر يختص البقاء بعد فناء الخلق بصفة من صفات الباري تعالى التي هي الوجه ، بل الباري تعالى باق بعد فناء الخلق بجميع صفاته ، ويقال المراد بالوجه الجهة التي يراد بها القرب إلى الله سبحانه كما يقال فعلت كذا لوجه الله سبحانه خالصاً لله ، فيكون معناه أن كل عمل ما أريد به وجه ربك يحبطه ويبطله.

ومما يقرب مما ذكرنا آيات في كتاب الله تعالى وأخبار رسوله ، فمنه قوله تعالى : ( الله نور السموات والأرض ) ومعناه مُنَوِّرُ السموات والأرض وقيل هادي أهل السموات والأرض والغرض من الآية ضرب المثل بدليل أنه قال في آخر الآية (ويضرب الله الأمثال للناس) ، ومنها قوله تعالى : ( يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ) ، ومعناه جهة أمر الله ، لأن الجنب إن كان بمعنى الجارحة لا يجوز في صفة بالاتفاق ،وإن كان بمعنى الصفات فلا يكون للتفريط فيه معنى وفائدة ، ومنها قوله تعالى : ( يوم يكشف عن ساق ) ، والمراد به التنبيه على أهوال يوم القيامة كما يقال قامت الحرب على ساقها أي على شدتها ، ومنه قوله تعالى : ( وجاء ربك والملك) ، وقوله تعالى : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) ، والمراد به جاء أمر ربك ويأتيهم أمر الله تعالى.

والدليل عليه أن الله تعالى ذكر في سورة الأنعام إخباراً عن إبراهيم أنه استدل بأفول الشمس والقمر والكواكب على أنها ليست بآلهة وتبرأ منها ، ولو كان الباري يجوز عليه الإتيان والمجيء لبطلت الدلالة، ومنها ما روي في الخبر" ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا " فالمراد به أنه يأمر الملائكة بالنزول فيكون معناه ينزل ملائكة الله ، ونظيره قوله تعالى : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ) ، ومعناه يحاربون أولياء الله ، ويقال في العبارة ، نادي الأمير في البلد ، والأمير لا ينادي ولكن يأمر به ويضاف إليه لكونه آمرا له ، ويقال قتل الأمير فلاناً وضرب فلانا ، وهو لا يتولى بنفسه ذلك ويضاف إليه أمرا به.

ومنها ما روي" أن الجبار يضع قدمه في النار فتقول قط " ، فالمراد بالجبار المتجبر من العباد ، والدليل عليه قوله تعالى : (كل قلب متكبر جبار ) ، والدليل عليه أن الله تعالى أخبر عن الأصنام أنهم يدخلون النار في قوله تعالى : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) ، ثم استدل منه على نفي الإلهية عنهم بدخولهم النار فقال : ( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها) ، فمن زعم أن الباري له قدم يضعها في النار فقد أبطل هذه الدلالة وسوى بينه وبين الأصنام.

ومنها ما روى" أن الله تعالى خلق آدم على صورته" ، فهذا بعض الخبر وله سبب وهو ما روى أن رجلاً كان يلطم وجه عبدٍ له ، فنهاه رسول الله عن ذلك وقال :" لا تلطم وجهه فإن الله تعالى خلق آدم على صورته" يعني على صورة الغلام ، وقيل إنها كناية راجعة إلى آدم نفسه ، ومعناه خَلَقُه بشراً سوياً من غير والد ووالدة ومن غير أن كان نطفة وعلقة ، بل صورةً ابتداء وخلقه على تلك الصورة هذه طريقة المحققين.

والأولى لمن لا يتجر في العلم الإعراض عن التأويل في جملة ذلك والإيمان بظاهر الآيات والأخبار وإجرائها كما جاءت مع الاعتقاد بأنه لا يجوز عليه سبحانه وتعالى ماهو من سمات المحدثين وصفات المخلوقين.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 21, 2017 1:25 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

( مسألة ) : مذهب أهل الحق أن لا خالق إلا الله سبحانه وتعالى ، وما يحدث في العالم فكلها حادثة بقدرته واختراعه ، ولا فرق بين مايتعلق به قدرة الآدميين كالأجسام والألوان والطعوم وبين ما يتعلق به قدرة العباد كالاكتساب ، وجملة ذلك أن كل مقدور لقادر فهو مقدور لله تعالى فالله خالقه ومنشئه.

وزعمت المعتزلة أن العباد مخترعون لأفعالهم وأن الباري تعالى لا يوصف بالقدرة على مقدورات العباد كما لا يوصف العبد بالقدرة على مقدورات الباري تعالى ثم المتقدمون منهم امتنعوا من تسمية العبد خالقا والمتأخرون منهم أطلقوا ذلك ، والدليل على بطلان قولهم : أن يقال لهم ، زعمتم أن مقدورات العباد ليست بمقدوره لله تعالى لاستحالة مقدور بين قادرين ، فقبل أن كان يخلق القدرة لعبده ، هل يقدر على مايعلم أن العبد سيقدر عليه إذا خلقه ؟

فإن قالوا لا يقدر ما يعلم أن العبد سيقدر عليه إذا خلقه فإن قالوا لا يقدر عليه ، بطل ،لأن ما سيقدر عليه العبد من الجائزات الممكنات ولم يتعلق بها قدرة العبد استحال أن لا يقدر عليه الصانع ، وإن قالوا يقدر عليه ،فمن المستحيل أن يكون الشيء مقدوراً له ثم يخرج عن كونه مقدوراً بعد ذلك.

والذي يدل على فساد قولهم أن خروجه عن كونه مقدورا له لظهور قدرة العبد ويستحيل مقدور بين قادرين فبقاؤه مقدورا لله تعالى ونفي قدرة العبد أولى من إثبات قدرة حادثة للعبد ونفي قدرة للصانع ، وإذا ثبت أنه مقدور لله تعالى ثبت أنه خالقه إذ لا يجوز أن يخترع العبد ما هو مقدور لله تعالى.

ومن الدليل على فساد قولهم أن الفعل المحكم المتقن دلالة على علم مخترعه ، ورأينا أنه يصدر من العبد أفعال في حال غفلته وسكره وجنونه على الاتساق والإتقان والعبد غير عالم بما يصدر منه في هذه الحالة فيجب أن يكون من يصدر منه عالما به وليس يتحقق ذلك إلا على مذهب أهل الحق فإن المخترع للأفعال هو الله تعالى ، فإن زعموا أن العبد هو المخترع وهو غير عالم به ، ولو ساغ ذلك لخرج الفعل المحكم من أن يكون دلالة على علم فاعله ، فإن عكسوا علينا وقالوا أنتم أثبتم للعبد كسب ويجب أن يكون المكتسب عالماً بما يكتسبه ثم يصدر عنه القليل من أفعاله في حال غفلته وهو غير عالم به ، قلنا ليس من الواجب كون المكتسب عالماً بما يكتسبه ، وإنما يمتنع وقوعه دون علمه لاطِّراد العادات فأما أن يكون العلم شرطا فلا.

ومن الدليل على فساد قولهم ، أن من أصلهم صلاح القدرة المتعلقة بالشيء لأمثاله وأضداده ، فالقدرة على الحركة قدرة على أمثالها وعلى السكون ، والموجودات كلها مشتركة في تعلق القدرة بها فيجب أن تتعلق القدرة الحادثة بجميع الحوادث كالطعوم والألوان والروائح ونحوها ، كما تتعلق القدرة المتعلقة بالحركة بجميع ما يماثلها ويضادها ولمَّا لم تتعلق قدرته ببعض المقدورات مع اشتراك الجميع في تعلق القدرة بها بطل أن يكون العبد مخترعا.

ومن الدليل على فساد قولهم ، أنهم قالوا القدرة الحادثة تتعلق بالاختراع ابتداء ولا تتعلق بالإعادة والفوات ، ومعلوم أن الإعادة بمثابة النشأة الأولى ، وكذلك يستدل على قدرة الباري تعالى على الإعادة بالنشأة الأولى.

ويدل عليه نص التنزيل حيث قال : ( قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ) ، فإذا لم تصلح القدرة الحادثة لإعادة ما يجوز إعادته كيف يصلح لابتداء الخلق والاختراع.

ومن الدليل على إبطال قولهم ، إجماع سلف الأمة رضي الله عنهم على الرغبة إلى الله تعالى في أن يرزقهم الإيمان ويجنبهم الكفر والطغيان ويحفظهم من المعاصي وعليه يدل نص القرآن في قوله تعالى في قصة إبراهيم صلوات الله عليه حيث دعا فقال "ربنا واجعلنا مسلمين لك" ، وقال" واجنبني وبني أن نعبد الأصنام" ، ولو كانت المعاصي والكفر غير مقدورة لله تعالى كان ذلك السؤال مما لا يقدرعليه وذلك محال.

فإن قالوا : هذه الرغبة ليست بخلق الإيمان وإنما هو سؤال القدرة على الإيمان والله تعالى هو الذي يخلق له القدرة على الإيمان وإن كان العبد هو الذي يخلق الإيمان ، فالجواب : أن هذا خطأ على أصلكم لأن عندكم كل مكلف قادر على الإيمان ،والباري تعالى لا يسلبهم القدرة على الإيمان.

وأيضا : فإن القدرة على الإيمان قدرة على الكفر ، فلو كان الباري معيناً على الإيمان بخلق القدرة لكان معيناً على الكفر بخلق القدرة ، فكيف ومن العبيد من علم الله تعالى لو خلق له قدرة الكفر لكفر ، فخلق القدرة في هذه الحالة مع علمه بأنه لا يؤمن إعانة على الكفر.

ومن الدليل على إبطال قولهم ، إطلاق السلف والخلف القول بأن الباري تعالى مالك كل مخلوق وإله كل محدث ، ومن المستحيل أن يكون الباري مالك ما لا يخلقه وإله ما لا يقدر عليه ، وإذا لم يكن الباري سبحانه وتعالى رب هذه الأفعال وكان العبد خالق أعمال نفسه كان ربها ، وإليه إشارة الباري سبحانه في القرآن حيث قال : ( إذا لذهب كل إله بما خلق ) ، والقول بذلك كفر.

ومن الدليل على فساد قولهم ، أن الإيمان والطاعات أحسن من الأجسام وأعراضها فلو اتصف العبد بكونه خالقا لإيمانه وطاعاته لكان أحسن خلقا من ربه وقد قال الله تعالى : (فتبارك الله أحسن الخالقين) ،فإن قيل : لولا القدرة على الإيمان لما قدر العبد على الإيمان فخلق القدرة على الإيمان أحسن من خلق الإيمان فالباري تعالى هو أحسن الخالقين.

قلنا : فيلزم على مقتضي قولهم أن تكون القدرة على الكفر أشر من الكفر وعندكم القدرة صالحة للكفر كما هي صالحة للإيمان وإذا كان ذلك إعانة على الكفر لم يكن أحسن.

ومن الدليل على بطلان قولهم ، قول الله تعالى : ( ذلكم الله ربكم خالق كل شيء) فتمدح بالاختراع والإبداع ، ولو كان غيره خالق مبدع ، لبطل التمدح من حيث أنه يصير خاصا بأنه الخالق لأفعاله دون أفعال غيره ، والعبد أيضا يقول وأنا خالق كل شيء ويريد به أفعال نفسه فبطل التمدح ، ويستدل بكل آية فيها تمدح مثل قوله تعالى : ( والله على كل شيء قدير) ، ولا معنى لذلك عند المعتزلة لأنه يقدر على أفعال نفسه دون أفعال عبيده والعبد كذلك يقدر على أفعال نفسه.

ومن الدليل عليهم قوله تعالى : (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار) ، والمعتزلة أثبتوا الشركاء له حيث أثبتوا الخلق لأنفسهم ، شبههم في هذه المسألة : قالوا : العاقل يميز بين مقدوره ومقدور غيره ويفرق بين الحركة الواقعة بإرادته واختياره وبين حركة المرتعش بأن مقدوره يقع على حسب قصده ، ومالا يكون مقدوره لا يقع على حسب قصده ولو كان فعله غير واقع به لما كان على وفق إرادته كلونه وصورته وسائر صفاته.

( الجواب ) : أن من المقدور ما لا يقع على حسب قصده وإرادته وهو أفعال الغافل والسكران والنائم وإذا لم يطرد ذلك أبدا ، لم يدل وقوعه في بعض الأحوال على حسب إرادته على كونه خالقا ، كما أن الشبع يقع عند الأكل في عامة الأحوال ، والري عند الشرب ، ومنهم المخاطب عند الخطاب وخجل الإنسان عند التخجيل وفزعه عند التهويل ، ولم يدل وقوع هذه الأشياء على هذه الوجوه على أنه فعل القاصد على أن التفرقة التي ذكروها راجعة إلى تعلق القدرة بأحدها دون الثاني.

وهو كما يفرق الإنسان بين العلم والظن مع أنه لا تأثير للعلم والظن فيما تعلقا به ،ومن شبههم قالوا : العبد مطالب من ربه بالطاعة ،ويستحيل في العقل مطالبة العبد بما لا يقع منه كما يستحيل مطالبته بألوانه وخلقته وسائر صفاته ، وربما قرروا ذلك بأن قالوا الإجماع قد انعقد بأن ما يؤدي إلى حمل كلام الباري تعالى على التناقض والخروج عن الإفادة باطل.

ومن جملة اللغو أن يقول المخاطب لمن يخاطبه إفعل ما لا تقدر عليه أو افعل ما أنا فاعله ، ( فالجواب ) : أن مثل هذا يلزمكم من أصلكم أن المعدوم شيء وذات على خصائص أوصافه فما معنى المطالبة بإثبات ما هو ثابت.

وأيضا فإن العبد عندكم مطالب بالنظر ابتداء وهو ليس يعتقد أمراً طالبا ، فكيف يصبح الطلب قبل معرفة الطالب ، على أن مثل هذا التناقض يلزمهم ،لأن من أصلهم أن على الله سبحانه وتعالى أن يفعل ما هو الأصلح لعباده ، وإذا قدَّرنا عبداً علم الله تعالى أنه لو مات في صباه نجا من العذاب ،ولو عاش إلى وقت التكليف وخلق الله تعالى له القدرة على الكفر لكفر ، فصلاحه أن لا يقدره ، وهذا غاية التناقض أن يقول الآمر أني أكلفك شيئا قاصداً بها صلاحك مع علمي أنك لا تصلح قط.

ويقال لهم : اتفق أهل الملك على توجه الخطاب على المكلفين فما ادعيتم من استحالة الطلب علمتموه ضرورة أم دلالة ؟

فإن ادعوه ضرورة كان محالا ، لأن الخصم يدعي عليهم ضرورة على الضد مما ادعوه ، وإن ادعوه من حيث الدلالة فلا بد من إظهاره ، ومن شبهتهم أن قالوا : إن كانت القدرة الحادثة لا تؤثر في متعلقها كان نظيره العلم المتعلق بالمعلوم من حيث أنه لا يؤثر فيه ، ويلزم من ذلك تجويز تعلق القدرة الحادثة بالألوان والأجسام وجميع الحوادث كما يتعلق العلم بجميع ذلك.

قلنا لهم : ولم قلتم أن العلم يتعلق بكل المعلومات لانتفاء تأثيره فيه حتى يكون مشاركا للقدرة في نفي التأثير فوجب أن يعم تعلقه.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 21, 2017 1:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

على أن هذا باطل بالرؤية لا تؤثر في المرئي ثم لا يتعلق عندهم بجميع الموجودات فإن الطعوم عندهم والروائح لايجوز أن ترى.

ومن شبهتهم قالوا : العبد يثاب على فعله ويعاقب عليه ، وذلك دليل على أنه واقع منه إذا يحسن توبيخه والثناء عليه بما لا يقع منه كما لا يوبخ على لونه وسائر صفاته ، قلنا : هذا فاسد لأن الثواب والعقاب والمدح والذم ليس من موجبات فعل المكلف حتى لو ابتدأ الباري تعالى بنعيم مقيم أو عقاب أليم من غير طاعة ولامعصية كان جائزا وإنما أفعال العباد إمارات ودلالات لا موجبات.

فإن قيل : ما ذكرتم من كون العبد مكتسبا غير معقول ، فإن القدرة إذا لم تؤثر في المقدور لم يكن لتعلقها به معنى ، قلنا : ليس من شرط الصفة أن تؤثر فيما تتعلق به ، فإن العلم يتعلق بالمعلوم ولا يؤثر فيه والرؤية تتعلق بالمرئي ولا تؤثر فيه والإرادة تتعلق بفعل الغير ، فإن الإنسان قد يريد أن يفعل غيره شيئا فلا تأثير لإرادته في فعله فيبطل ماادعوه.

واستدلوا بقول الله سبحانه : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) ، وهذا دليل على أن غير الله يتصف بالخلق والاختراع حتى يكون الباري تعالى أحسن الخالقين خلقا ، قلنا :عندكم العبد أحسن خلقاً من الباري تعالى لأن العبد يخلق الإيمان والباري يخلق الأجسام ، على أن الخلق في اللغة بمعنى التقدير ومنه سمى الحزاز خالقا لأنه يقدر طاقة بطاقة فيكون معنى الآية أحسن المقدرين فيحمله على التقدير دون الاختراع.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 21, 2017 1:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

( مسألة ) : مذهب أهل الحق أن العبد قادر على كسبه وله فعل : وذهبت الجبرية إلى أن لا قدرة على إثبات فعل للعبد فهو على سبيل المجاز.

والدليل على إثبات القدرة أن العاقل يفرق بين الحركة القصدية والاختيارية وبين حركة المرتعش ضرورة ، والحركتان على صفة واحدة ولا بد من موجب التفرقة ويستحيل أن تكون التفرقة راجعة إلى نفس الفاعل لأن ما كان للنفس يستمر ما دامت النفس موجودة وترى النفس موجودة ولا حركة فثبت أنها زائدة على النفس وليس ذلك إلا القدرة.

فإن قيل : بم أنكرتم على من يقول أن التفرقة راجعة إلى الإرادة والكراهية والاختيارية مرادة وغيرها ليس بمراد ، قلنا : هذا محال لأن الغافل ومن لا إرادة له يفرق بين تحريك اليد والرعدة والإرادة معدومة.

فإن قيل : بما أنكرتم على من قال التفرقة راجعة إلى صحة الجارحة ووجود بنية مخصوصة وعدمها لا إلى القدرة ، قلنا : هذا باطل فإن صاحب اليد الصحيحة والبنية التامة يفرق بين أن يفرق يد نفسه اختيارا وبين أن يفرق الغير يده وبنية اليد في الحالتين على صفة واحدة ، والذي يدل على ما ذكرناه من الكتاب قوله سبحانه وتعالى : ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) ،وقال تعالى : ( كل نفس بما كسبت رهينة) وغير ذلك من الآيات.

( مسألة ) : مذهب أهل الحق أن الحوادث كلها بقضاء الله تعالى وقدره ومشيئته وإرادته خيرها وشرها نفعها وضرها حلوها ومرها الكفر والإيمان والطاعة والعصيان فما أراد الله سبحانه وتعالى كان وما لم يرد لم يكن : ثم من أصحابنا من أطلق هذا القول على الجملة ، وإذا جاء الأمر إلى التفصيل وسأل عن الكفر والفسق فلا نطلق القول بأنه مراد الله سبحانه وتعالى ، ونظير ذلك إطلاق القول بأن العالم لله سبحانه وتعالى وإذا جاء الأمر إلى التفصيل لانطلق القول بأن له زوجة لما فيه إيهام الزلل.

ومن أصحابنا من أطلق ذلك وقال الله سبحانه وتعالى يريد كفر الكافر معاقبا عليه ،وأما المحبة والرضا فمن أصحابنا من قال المحبة والرضا بمعنى الإرادة إلا أنها أخص من الإرادة فإذا أراد الله سبحانه وتعالى بالعبد نعمة يقال أحبه ، وضده السخط إرادة العقوبة ،ومن أصحابنا من قال المحبة والرضا عبارة عن أنعام الرب سبحانه وتعالى وأفضاله ، والسخط عبارة عن النقمة والعقوبة.

وقالت المعتزلة الرب سبحانه وتعالى مريد لأفعال نفسه سوى الإرادة والكراهية فإنه لا يوصف بأنه مريد الإرادة والكراهية مع قولهم بأن الله تعالى مريد بإرادة حادثة ، فأما أفعال العباد فما كان منها قربة وطاعة فيوصف الباري سبحانه وتعالى بأنه مريد له وما كان معصية من أفعالهم أو كان مباحا فلا يوصف الباري تعالى بأنه مريد له.

فأما ما لا يدخل تحت التكليف من معتقدات الأطفال وأفعالهم فلا يريدها الباري تعالى ولا يكرهها ،والدليل على بطلان قولهم أن القائلين بثبوت الصانع اتفقوا على تقدسه عن النقائص ، واتفق العقلاء على أن نفوذ المشيئة علامة السلطنة ودلالة الكمال وضد ذلك دلالة النقص.

فإن زعموا أن معظم ما يجري في العالم الله سبحانه له كاره فقد قضوا بالقصور والعجز وإليه أشار جعفر الصادق لما سئل عن هذه المسألة فقال : ( أو يعصى كرها).

فإن قالوا : الرب سبحانه قادر على إلجاء الخلق إلى الإيمان بأن يظهر آيات هائلة تقهر الجبابرة كما فعل باليهود لما امتنعوا من قبول الأمر قال الله سبحانه : ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة) ، قلنا :هذا فاسد لأن الله تعالى لا يخلق عندهم إيمان المؤمنين ، ومعنى الإلجاء إظهار آيات هائلة ، وربما يتفق طائفة من الكفرة والمعاندين لا يؤمنون وإن رأوا الآيات الهائلة.

وأيضا فإنه إذا ألجأهم لا يكون إيمانهم مما يثاب عليه لأن الثواب إنما يكون على ما يختار فعله ولأن ما يقع بطريق الجبر يكون قبيحا ، والرب سبحانه وتعالى لا يريد القبيح على زعمهم فما يريد الرب لا يقدر عليه والذي يقدر عليه لا يريده ، والذي يدل عليه إجماع الأمة على كلمة وهو قولهم : ( ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) ، فهو إذا قال الله تعالى لا يريد ما يحدث من الحوادث فقد خرق الإجماع.

والدليل عليه من الكتاب الآيات الواردة في الهداية والضلالة والختم والطبع كقوله تعالى : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، وقال تعالى : ( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) ، وقال تعالى : ( والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء) ، ولا يجوز حمل هذه الآية على الإرشاد إلى طريق الجنان ، لأن الله تعالى علق الهداية على مشيئته فكل من يستوجب الجنة فحتم على الله تعالى أن يدخله الجنة ولا تتعلق المشيئة.

ومنها قول الله سبحانه وتعالى ختم الله على قلوبهم وقوله بل طبع الله عليها وقوله تعالى وجعلنا قلوبهم قاسية وجعلنا على قلوبهم أكنة فهذه الآيات على أن الهداية والضلالة من الله تعالى وأنه مريد كفر الكافرين وإيمان المؤمنين وأنه متفرد بخلقه.

ومن شبهتهم قالوا : الله تعالى أمرنا بالإيمان والطاعة ونهانا عن الكفر والفجور والمعصية ، ويستحيل في حقه أن يأمرنا بما يكرهه ويأباه وينهانا عما يريده ، لأن الجمع بين الأمر وكراهة المأمور به وبين النهي وإرادة المنهي تناقض ، وهو يشابه الأمر بالشيء والنهي عنه.

فإذاً ثبت أن ما أمر الله سبحانه وتعالى به فقد أراده وما نهى عنه فلم يرده ، قلنا : لا نساعدكم على هذه القاعدة ، بل يجوز في العقل أن يأمر العاقل بمالا يريده ،ومثال ذلك شاهدا ، رجلٌ ضرب عبده وبالغ في تأديبه ، فاتصل الخبر بسلطان الوقت فهم بزجره فلما استحضره قال معتذرا ، أنه عصاني ولم يمتثل أمري ، فاتهمه السلطان ، فقال سيد الغلام أنا أحقق قولي بين يديك فأسْتَدْعِى العبدَ فآمره بأمرٍ بمرأى منك ومسمع ، فإن خالفني بانَ صدقي ، وإن أطاعني بانَ كذبي.

فاسْتَحْضَرَهُ وأمَرَهُ بشرائطِ الأمر ، وصورته كلها موجودة ونعلم أن مراد السيد أن لا يمتثل أمره ليمهِّد عذره عند الأمير ، فيصح أن الآمر يجوز أن يأمر بما لا يريده ،هذا من جهة المشاهدة ، ومن جهة الشرع فإن الله سبحانه أمر إبراهيم الخليل عليه السلام بذبح ولده وما أراد الذبح.

فإن قالوا ذلك لم يكن أمراً على التحقيق فخطأ ، لأن مثل إبراهيم لا يجوز أن يُقْدِم على ذبح ولده من غير أمر ، فإن قالوا هو لم يكن مأموراً بالذبح حقيقة وإنما كان مأموراً بمقدمات الذبح من شد الأطراف والقصد إلى الذبح ،والدليل عليه أن الله تعالى قال : ( قد صدَّقَت الرؤيا ) فدل على أنه لم يكن مأموراً إلا بما فعل.

قلنا هذا محال لأن الله سبحانه قال : ( إن هذا لهو البلاء المبين ) ، وليس في مقدمات الذبح بلاء مبين وأيضا فإن الله تعالى قال : (وفديناه بذبح عظيم ) ولو كان المأمور به مقدمات الذبح ما احتاج إلىالفداء ، وأما قوله سبحانه وتعالى : ( قد صدقت الرؤيا ) فمعناه اعتقدت كونه صدقا وابتدرت إلى الامتثال فخففنا عنك.

ثم يقال لهم ما ألزمتمونا من التناقض يلزمكم ،لأنكم توافقونا أن الله سبحانه وتعالى أمرهم بالإيمان مع علمه بأنهم لا يؤمنون ، ومن قال لعبده أعطيتك القوة وأتممت عليك النعمة حتى تكتسب الجنة مع علمي بأنك تعصي وتفخر يعد ذلك تناقضا ، وقد جوزوه فبطل دعواهم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 21, 2017 2:14 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

( شبهة أخرى ) قالوا : الإرادة تكتسب صفة المراد فإذا كان المراد سفها كانت الإرادة سفها ولا يجوز أن يتصف الله تعالى به.

قلنا : عندنا إرادة الباري تعالى قديمة وإنما يتصف بالسفه وضده من كان حادثا ، هذا كما أن من اكتسب علماً بالفواحش من غير حاجة إليه يعد سفها ، ثم الباري تعالى عالم بجميع الحوادث خيرها وشرها ثم لا يوصف بما يوصف به من اكتسب بذلك علما ، ثم هذه القاعدة فاسدة لأنه لو كان إرادة السفه سفها لكان إرادة الطاعة طاعة ويلزم من ذلك أن يكون الباري تعالى مطيعا لإرادته الطاعة ، فإن استدلوا بقوله : ( ولا يرضى لعباده الكفر) ، فالجواب أنا نحمل ذلك على المؤمنين دون الكفار وقد يرد لفظ العباد والمراد به الخصوص قال الله تعالى عينا يشرب بها عباد الله.

فإن استدلوا بقوله تعالى : (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ) ثم وبَّخهم عليه ورد مقالتهم ، قلنا إنما وبخهم لاستهزائهم بالدين ، فإنهم سمعوا من الرسول أن الأمور بإرادة الله تعالى ، فلما طولبوا بالإسلام قالوا على سبيل الاستهزاء ، لو شاء الله ما أشركنا وغرضهم بذلك رد دعوة الأنبياء والدليل عليه أنه قال بعد ذلك : ( إن يتبعون إلا الظن) ، وأيضا فإن الإيمان بصفات الله تعالى فرعٌ للإيمان بالله سبحانه وتعالى ، وهم أنكروا الصانع فكيف يؤمنون بصفاته.

فإن قالوا الله سبحانه وتعالى قال : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فدل أن الله تعالى أراد من العباد العبادة وهم يكفرون ، فالجواب أن الآية قد دخلها التخصيص فإن الصبيان والمجانين خُصُّوا في الآية ، وعندهم العموم إذا دخله التخصيص صار مجملا ، ثم المراد بالآية بيان استغناء الله تعالى عن عباده ، بدليل أنه قال ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون.

والحمل على ما ذكرناه أولى لأن الله تعالى قد علم أن معظم الخليقة يكفرون فإذا حملوا الآية على ظاهرها فيصير تقديره ما خلقت من علمت أنه لايؤمن إلا ليؤمن وذلك تناقض ظاهر.

فإن استدلوا بقوله تعالى : ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) فدل على أن ذلك من العباد وليس من الله تعالى ، قلنا : أنتم لا تقولون بظاهر الآية لأن عندكم أفعال العباد مخلوقة خيرها وشرها أفلا يقولون إن الحسنة من الله سبحانه وتعالى ، أيضا فإن الإصابة إنما تستعمل فيما يكون بغير الاختيار ، يقال أصابه مرض وخسران فأما ما يقع باختياره لا تستعمل فيه هذه الكلمة لا يقال أصابه أكل وشرب فلم يكن لهم حجة ، ثم نعارضها بقوله تعالى : ( إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله ) ، فدل على أن الجميع بمشيئة الله تعالى وقضائه.

( مسألة ) : التوفيق : خلق قدرة الطاعة ، والخذلان : خلق قدرة المعصية ، ثم الموفَّق لا يعصي لعدم القدرة ، والمخذول لا يطع لعدم القدرة ، والرب تعالى قادر على توفيق جملة العباد وعلى خذلانهم ، والعصمة هي التوفيق بعينه ، ثم قد يكون خاصا عن بعض الذنوب وقد يكون عاما ، واللطف أيضا خلق قدرة الطاعة.

وقالت المعتزلة : التوفيق ، خلق لطف يعلم الله أن العبد يؤمن عنده ، والخذلان امتناع ذلك ، واللطف خلق فعلٍ يعلم الله تعالى أن العبد يطيع عنده ، ثم قد يكون الشيء لطفاً في إيمان واحد ولا يكون لطفاً في إيمان غيره ، ثم يجب عندهم على الله سبحانه أقصى ما يقدر عليه من اللطف بعبيده حتى يطيعوا وليس في مقدوره لطف لو فعله بالكافر لا من عنده وهذا كفر وضلال.

وقد قال الله تعالى : ( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) ، وقال تعالى : ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) ، ويقال لهم : إذا أوجبتم على الله تعالى أقصى ما يقدر عليه من اللطف ، فهلا قلتم بأنه يقطع التكليف على من علم أنه لا يؤمن ،أو يميته حتى لا يبلغ مبلغ التكليف فيكفر ويستوجب العقوبة إذ لا غرض في تكليف من يعلم أنه لا يؤمن حياته.

( مسألة ) : الحسن عند أهل الحق ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ، والقبيح ما ورد الشرع بالذم على فاعله وليس الحسن والقبيح صفة زائدة على ورود الشرع ، فأما العقل فلا يحسن ولا يقبح.

وذهبت المعتزلة إلى أن الحسن والقبيح يعلم من طريق العقل ، فالكفر قبيح ، والضرر المحض الذي لا غرض فيه قبيح.

والدليل على بطلان قولهم أن يقال لهم : عرفتم قبح ماحكمتم بقبحه ضرورة أو دلالة ، فإن ادعوا ذلك ضرورة كان محالا ، لأنَّا لا نساعدهم عليه ومن المستحيل اختصاص طائفة من العقلاء بضرب من العلوم الضرورية مع استواء الجميع في مداركها ، فإن قالوا دلالة ، فنقول لا تخلو إما أن يكون قبحه لنفسه أو لمعنى فيه أولا لنفسه ولا لمعنى ، بطل أن يكون لنفسه او لمعنى فيه.

فإن القتل ظلما يماثل القتل قصاصا والزنا يماثل الوطء الحلال واختلفا في الحسن والقبح ، وبطل أن يكون لا لنفسه ولا لمعنى فيه لاستحالة أن يكون النفي حكما ، فثبت أنه لورود الشرع به.

والدليل عليه أن الألم واللذة حادثان بقدرة الله تعالى ، ورأينا إيلام الأطفال الذين لم يرتكبوا ذنبا ولم يصدر منهم سبب يوجب العقوبة وكذلك نشاهد إيلام البهائم التي لا تكليف عليهم وهو ضرب محض لا يحكم بقبحه.

فإن قيل : إنما حسن ذلك لأن الله تعالى يثيبهم على ذلك لما يريد يفعله على ذلك ، قلنا : الذي يصل إليها لا يخلو إما أن يكون في مقدور الله تعالى إيصاله إليهم من غير ألم ، أو ليس في مقدوره ، فإن زعموا أنه لا يقدر عليه فقد نفوا قدرة الصانع وهو كفر ، وإن قالوا يقدر عليه فما الفائدة في إتلافه ،وهلا مَنَّ عليه بذلك ابتداء فضلاً من عنده من غير ألم.

فإن قالوا : إنما حسن إيلام الأطفال لغرض فيه وهو أن يعتبره غيره فيمتنع مع المعصية ، قلنا : فليس من المستحسن إيلام من لا ذنب له ليعتبر به مذنب.

ومن شبهتهم قالوا : الذين ينكرون الشرع يعلمون قبح الظلم وكفران النعم ، مثل البراهمة ، ولو كان طريق التحسين والتقبيح الشرع لما عرفه من ينكر الشرع.

قلنا : ومن سلم لكم أن اعتقاد البراهمة علم بل اعتقادهم ليس بعلم وهو مثل اعتقادهم أن ذبح البهائم وتعريضها للتعب قبيح ولا يعد ذلك علما.

فإن قالوا : العاقل إذا عرض له حاجة وتحصيل غرضه بالصدق ويحصل بكذب يصدر منه ولا مزية لأحد الطرفين على الثاني فإنه يختار الصدق ويجتنب الكذب وإنما يؤثر الكذب إذا كان فيه غرض لا يحصل من الصدق وليس ذلك إلا لكون الصدق حسنا بالعقل.

قلنا : هذا كلام متناقض في نفسه لأن الكذب قبيح يستحق عليه الذم ،والصدق حسن يستحق عليه المدح فكيف يتصور استواؤها في حصول الغرض بهما.

والذي يدل على فساد ذلك أن ما ذكروه يوجب خروج الصدق عن حكم التكليف واستحقاق الثواب عليه لأن الملجأ إلى الشيء لا يثاب عليه وعلى قولهم العاقل مجبر على الصدق.

ثم إن هذاالكلام إنما يستمر لهم بعد ورود الشرع بتحسين الصدق وتقبيح الكذب فأما قبل ورود الشرع واستقراره لا نسلم لهم ما ادعوه.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 21, 2017 2:22 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

( مسألة ) : لا واجب على العباد عقلا ، وإنما طريق الإيجاب الشرع وقبل ورود الشرع لا حكم أصلا :

وقالت المعتزلة يجب على العبد عقلاً أن يعرف الصانع ويشكره ، وهذه المسألة كالتي قبلها وقد بينا ، وشبهتهم في المسألة قالوا : إذا تأمل في حال نفسه جوز في ابتداء نظره أن يكون له صانع أنعم عليه وأنه لو شكر المنعم لأثابه وتفضل عليه بالزيادة ولو كفر لعاقبه ومن الجائز لا يريد ذلك فإذا تساوى الجوازان فالعقل يرشده إلى ما فيه الأمن من العقوبة.

وهذا كما لوقصد السفر إلى بلدة لها طريقان أحدهما أمن والثاني مخوف ولا غرض له في المخوف فالعقل يقتضي تقديم ما فيه الأمن والعدول عن طريق الخوف.

قلنا : هذا الخاطر يعارضه مثله ، وذلك أن العاقل يخطر له كونه عبدا محكوما عليه ، وأنه ليس للمملوك إلا ما أذن فيه مالكه ،وأنه لو أتعب نفسه كانت مكدودة من غير إذن مولاه ، وإن مالكه غني عن شكره ، وأنه يبتدي بالنعم قبل الاستحقاق لايبتغي بدلا ، ولو فعل كان منه سوء أدب فإذا كان هذا الخاطر معارضا للأول فقضية العقل التوقف فيه وانتظار الأمر والإذن.

والذي يحقق ما قلنا ، أن الملك العظيم إذا أعطى عبده رغيفاً بالمثل ، ثم أراد العبد أن يطوف شرقا وغربا يثني على سيده بحسن عطائه وذكر إنعامه لا يعد مستحسنا لأن ما صدر من الملك بالإضافة إلى قدْره مستحقر ، فيكون العبد مستحقا للتأديب ،وجملة المخلوقات بالإضافة إلى جلال الله تعالى أقل من إضافة رغيف إلى ملك من ملوك الدنيا.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 16, 2017 1:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

( جواب آخر ) : أن من لا يخطر له الخاطر الذي ذكروه فطريق العلم لم يوجد في حقه والشكر حتمٌ عليه على قولهم فبطلت قاعدتهم.

( مسألة ) : مذهب أهل الحق أن لا واجب على الله أصلا ، بل هو يتصرف في مملكته على حسب إرادته ومشيئته ، وقالت المعتزلة يجب على الله تعالى من طريق الحكمة أن يخلق الخلق ابتداء وإذا خلق الذين علم انه يكلفهم فيجب أن يكمل عقولهم حتى يؤمنوا به ويجب أن يفعل ما هو الأصلح لهم في دينهم ودنياهم ، ولا يجوز في حكمته أن يبقى ممكنا بما فيه صلاحهم في العاجل والآجل وإذا أطاع العبد مولاه فيما أمر به يجب على الله أن يثيبه عليه وأن يعوضه عما لحقه من الألم.

والدليل على بطلان قولهم : أن يقال لهم ، أيشيء تريدون بما أثبتم من الوجوب ، فإن قلتم أردنا به توجه أمر عليه كان محالا لأن الله تعالى هو الآمر وحده لا آمر سواه ، فإن قالوا نريد به أنه يتضرر بتركه ،فالباري تعالى يتقدس عن الضرر والنفع إذ لا معنى لهما إلا الألم واللذة وإذا بطل الطريقان ثبت ما ذكرناه.

ثم يقال لهم ، بم أوجبتم ثواب الأعمال على الله تعالى وأعمالكم شكر على ما سبق من نعمة ومن أصلكم أن شكر المنعم واجب وإذا الفرض لا يستحقعليه عوض ، ويقال لهم لو وجب على الله تعالى فعل الأصلح لعباده لوجب على العبد أن يعمل ما هو الأصلح له ولأولاده من أمر الدنيا ، وقد وافقونا على أنه لا يلزمه أن يعمل في حق نفسه ما هو الأصلح لدنياه ، فإن قالوا إنما لم يوجب عليه فعل الأصلح في حق نفسه لأنه يصير بتكليف ذلك مجهودا متعبا والباري سبحانه لا يلحقه في فعل الأصلح تعب ،قلنا :

فإذا لم توجبوا على العبد فعل الأصلح لأن فيه مشقة وتعبا وفي تكليفه العباد مشقة عليهم فيجب أن لا يجوزوا تكليف العباد ابتداء ، فإن قالوا يحصل له بما يقاسي من التعب ثواب أعظم منه ، قلنا ففي أمر الدنيا كذلك يحصل له النفع ولم يوجبوا ، ومن الدليل على بطلان قولهم :

أن في فعل النوافل صلاح العباد والذي يدل عليه أن الشرع دعاهم إلى ذلك وندبهم إليها فوجب أن يجب النوافل على العباد لأن فيه صلاحهم ، فإن قالوا إنما لم يجب جملة النوافل لأن الباري تعالى علم أنه لو كلفهم لم يطيقوا فيكفرون بالجميع ويستحقون العقاب ، قلنا :

أنتم لا تعتبرون الأصلح في العلم فإن الباري تعالى إذا علم من حال عبد أنه إذا مات في الحال لنجا من العذاب ولو بلغ مبلغ التكليف لطغى وعصى يجب عليه أن يرزقه العقل والكمال مع علمه بأن فيه هلاكه ، ويقال لهم قولكم يوجب الأصلح على الله تعالى جحد الضرورة لأن الله تعالى يدخل الكفار في عذاب النار ويخلدهم فيها فأي صلاح لأهل النار في الخلود في النار؟!

فإن قالوا إنما يخلدهم لأن الباري تعالى علم منهم أنه لو أنقذهم لعادوا لما نهوا عنه فيستحقون زيادة العذاب ، قلنا فكان من سبيلكم أن تقولوا يميتهم أو يقطع العذاب عنهم أو يسلبهم عقولهم حتى لا يعصوه ، فيقال لهم :

إذا حكمنا بأن كلما يفعل الرب واجب عليه فعله فينبغي أن يقولوا الباري لا يستوجب شكرا ، لأن الواجب لا يقابل بشيء كقضاء الدين ، ولما أوجبوا الشكر بطلت قاعدتهم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 16, 2017 2:04 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

( مسألة ) : مذهب أهل الحق أن الباري تعالى يصح أن يرى بالأبصار عقلا ، وهو واجب للمؤمنين في دار القرار من جهة الوعد وورود الخبر به ، وأما المعتزلة بأسرهم ، نفوا جواز الرؤية عليه أصلا وحقيقة المسألة تبنى على أصلين :

( أحدهما ) : أن عندنا الرؤية تقتضي أن يكون لمحل الرؤية بنية مخصوصة مثل بنية العين ولا اتصال الشعاع من محل الرؤية بالمرئي.

و ( الأصل الآخر ) : أن الرؤيا ليس من شرطها المقابلة واختصاص المرئي بجهة ، وعندهم شرط الرؤية بنية مثل بنية العين فينبعث منها الشعاع وهي أجسام لطيفة فيتصل بالمرئي والموانع مرتفعة من الحجاب الكثيف والقرب المفرط والبعد المفرط فيحصل الإدراك.

والشرط أن يكون المرئي مقابلاً لمحل الرؤية ويستحيل الاتصال والمقابلة على الباري تعالى ويستحيل رؤيته ، والدليل على أن الرؤية لا تقتضي بنية ، أن الله تعالى يرى الموجودات ويستحيل عليه البنية.

وأيضا فإن الإدراك الواحد لا يقوم إلا بجوهر واحد والجواهر المحيطة به لا تؤثر في محل الإدراك لأن كل جوهر مختص بحيز لايؤثر في جوهر آخر ، كما أن العرض إذا قام بمحل السواد والبياض لا يؤثر في محل آخر ،فإذا ثبت أن الجواهر المجتمعة غير مؤثرة فيه كان وجودها كعدمها ،والدليل على أنه لا يقتضي اتصال الشعاع ، أن الباري تعالى يرى الموجودات ، والاتصال في وصفه محال.

والدليل عليه أنا نرى الأعراض ولا يجوز تقدير الاتصال بالعرض.

فإن قيل : إنما نرى الأعراض لأن الشعاع يتصل بما قام العرض به وهو الجوهر ، قلنا : فيلزمكم أن تجوزوا رؤية الطعوم والروائح لأنه قائم بالمحل والشعاع قد اتصل بالمحل ، وعندهم لا يجوز رؤية الطعوم والروائح ولأن الجوهر الواحد على قولهم لا يجوز تعلق الرؤية به والاتصال بالجوهر الواحد صحيح.

فإن قالوا : وجدنا أن الشيء يرى عند اتصال شعاع البصرية ولايرى عند عدمه فدل أن اتصال الشعاع شرط ، فالجواب أن يقال لهم :

لم قلتم أن بثبوت الرؤية في حالة وانتقالها في حالة لاتصال الشعاع به وعدمه ، فبم أنكرتم على من يقول أن ذلك راجع إلى استمرار العادة كالشبع عند أكل الخبز والحرارة عند القرب من النار وغيره.

وأما الدليل على أن الرؤية ليس من شرطها المقابلة ، أن الباري تعالى يرى المخلوقات والمقابلة لا تجوز في حقه بحال ، وأيضا فإن الإنسان إذا نظر في المرآة أو جسم صقيل يرى نفسه ولا يجوز أن يكون الإنسان في مقابلة نفسه ، وإذا نظر فيما تحت سقف يرى السقف والسقف ليس من مقابلة محل الرؤية ، والدليل عليه :

أنا نرى إذا نظرنا أجساما كثيرة وما يقابل حاسة العين شيء قليل فالمرئي أضعافه فنعلم أن الرؤية ليس من شرطها المقابلة وإذا ثبتت هذه المقدمات ثبت جواز الرؤية ، ومن الدليل على جواز الرؤية أن المصحح للرؤية الوجود والباري تعالى موجود ، والدليل على أن المصحح للرؤية الوجود أنا نرى المختلفات والمتضادات مثل السواد والبياض ولو لم يكن المصحح للرؤية الوجود لما صح رؤية المتضادات لأن الموجودات ما اشتركت إلا في الوجود.

فإن قيل : لو كان المصحح للرؤية الوجود حتى نرى جميع الموجودات لكان المصحح للسمع والشم والذوق الوجود حتى نسمع جميع الموجودات ونشم جميع الموجودات ونذوق جميعها وقد علمنا استحالة ذلك لاستحالة القول بأن الباري تعالى مسموع أو مشموم أو مذوق ، فالجواب :

أما إدراك حس السمع فالمصحح له الوجود ويجوز أن يخلق الله تعالى لنا سمعا ندرك به الجواهر والألوان وسائر الموجودات ، وأما الشم والذوق فهو عبارة عن نوع اتصال بمحل ، ومن الموجودات ما يستحيل عليه الاتصال فلم نطلق القول بجواز تعلقه بكل موجود.

والدليل على جواز الرؤية من جهة السمع قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) والنظر المقرون بالوجه الموصول بحرف إلى لا يكون إلا بمعنى الرؤية ، قال الله سبحانه وتعالى : (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فلما اتصف قوم بالحجاب دل على أن اتصاف قوم بالرؤية.

وقال تعالى : (تحيتهم يوم يلقونه سلام) واللقاء المقرون بالسلام لا يكون إلابمعنى الرؤية ، وقال رسول الله إنكم لترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لاتضامون في رؤيته.

فإن استدلوا بقوله تعالى : (لا تدركه الأبصار) فدل أنه لا يرى ، فـ ( الجواب ) :

أن نفي الإدراك لا يقتضي نفي الرؤية ، قال الله تعالى : (لا الشمس ينبغي لهاأن تدرك القمر) فنفي أن تكون الشمس مدركة للقمر ويجوز أن ترى الشمس القمر.

( جواب آخر ) : نقول بظاهر الآية لأن الإدراك ينبئ على الإحاطة والوقوف والكيفية والباري تعالى يتقدس عن التحديد والكيفية فلا تحصل الإحاطة.

فإن استدلوا بقول الله سبحانه وتعالى في قصة موسى : (لن تراني) ، فدل على أن الرؤية محال ، فالجواب :

أن الآية حجتنا من وجوه :

(أحدها) : أن موسى صلوات الله عليه سأل الرؤية ، ومثل موسى لا يجوز أن يسأل المستحيل.

(الثاني) : أن الله علق رؤية موسى بأمر غير مستحيل وهو استقرار الجبل فقال تعالى : (فإن استقر مكانه فسوف تراني) ، وفي مقدور الله تعالى استقرار الجبل فدل على جواز الرؤية.

(جواب آخر) : أن الله تعالى قال لن تراني ولم يقل لم يجز على الله الرؤية ، فإن قيل : لو كان الباري مرئياً لرأيناه في وقتنا لأن الموانع مرتفعة من الحجب الكثيفة إذ الباري تعالى ليس في مكان حتى يكون بيننا وبينه حجاب من القرب المفرط والبعد المفرط ، ولما لم نره دل على استحالة الرؤية ، قلنا :

فلم حصرتم الموانع بما ذكرتم ؟

ولم أنكرتم على من يقول إنما لم نره لمعنى قائم بالحاسة مضاد لرؤية الباري تعالى وهو أنه لم يخلق لنا الإدراك ،والذي يدل عليه أن جبريل عليه السلام كان يحضر عند رسول الله وهو يراه والباقون ما كانوا يرونه مع جواز الرؤية ، والمريض عند الموت يرى الملائكة وغيره لا يراها مع جوازالرؤية.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 16, 2017 2:09 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

فإن قيل :

هذا الذي ذكرتم من امتناع الرؤية لعدم خلق الإدراك محال ، لأنه يؤدي إلى أن يكون بحضرة الإنسان أشخاصا وأطلالاً وهو لا يراها مع سلامة البصر وعدم الحجب والبعد المفرط والقرب المفرط لعدم الإدراك ومن جوز ذلك نسب إلى الجهل.

قلنا : امتناع ذلك يجري العادة به وإلا فذلك يجوز عقلا ، ونظير ذلك من المقدور أن :

يقلب الله تعالى جبال الدنيا ذهبا والمياه دما ومن قدَّر وجوده اعتمادا على المقدور عُدَّ جاهلا.

ومن الجائز أن يخلق الله تعالى بشرا سويا من غير والدين كما خلق آدم صلى الله عليه وسلم ثم من رأى إنسانا وشكَّ فيكونه مولودا عن أبوين عُدّ جاهلا لأن ذلك راجع إلى استمرار العادة فكذا ما ذكرناه.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 18, 2017 2:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14299
مكان: مصـــــر المحروسة

[13] : جاء في كتاب الاقتصاد في الاعتقاد للإمام أبي حامد الغزالي :

[ [ القطب الأول في النظر في ذات الله تعالى ] : وفيه عشر دعاوى :

( الدعوى الأولى ) : وجوده تعالى وتقدس : برهانه أنا نقول كل حادث فلحدوثه سبب ، والعالم حادث فيلزم منه إن له سبباً ، ونعني بالعالم كل موجود سوى الله تعالى ، ونعني بكل موجود سوى الله تعالى الأجسام كلها وأعراضها ، ..

( الدعوى الثانية ) : ندعي أن السبب الذي أثبتناه لوجود العالم قديم : فإنه لو كان حادثاً لافتقر إلى سبب آخر ، وكذلك السبب الآخر ويتسلسل إما إلى غير نهاية وهو محال.

وإما أن ينتهي إلى قديم لا محالة يقف عنده وهو الذي نطلبه ونسميه صانع العالم ، ولا بد من الاعتراف به بالضرورة ولا نعني بقولنا قديم إلا أن وجوده غير مسبوق بعدم ، فليس تحت لفظ القديم إلا إثبات موجود ونفي عدم سابق ، فلا تظنن أن القدم معنى زائد على ذات القديم ، فيلزمك أن تقول ذلك المعنى أيضاً قديم بقدم زائد عليه ، ويتسلسل القوم إلى غير نهاية.

( الدعوى الثالثة ): ندعي أن صانع العالم مع كونه موجوداً لم يزل فهو باق لا يزال : لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه ، ..

( الدعوى الرابعة ) : ندعي أن صانع العالم ليس بجوهر متحيز : لأنه قد ثبت قدمه ، ولو كان متحيزاً لكان لا يخلو عن الحركة في حيزه أو السكون فيه ، وما لا يخلو عن الحوادث ، فهو حادث كما سبق ، ..

( الدعوى الخامسة ) : ندعي أن صانع العالم ليس بجسم : لأن كل جسم فهو متألف من جوهرين متحيزين ، وإذا استحال أن يكون جوهراً استحال أن يكون جسماً ،ونحن لا نعني بالجسم إلا هذا ، فإن سماه جسماً ولم يرد هذا المعنى كانت المضايقة معه بحق اللغة أو بحق الشرع لا بحق العقل فإن العقل لا يحكم في اطلاق الألفاظ ونظم الحروف والأصوات التي هي اصطلاحات.

ولأنه لو كان جسماً لكان مقداراً بمقدار مخصوص ويجوز أن يكون أصغر منه أو أكبر ، ولا يترجح أحد الجائزين عن الآخر إلا بمخصص ومرجح ، كما سبق ، فيفتقر إلى مخصص يتصرف فيه فيقدره بمقدار مخصوص ،فيكون مصنوعاً لا صانعاً ومخلوقاً لا خالقاً.

( الدعوى السادسة ) : ندعي أن صانع العالم ليس بعرض : لأنا نعني بالعرض ما يستدعي وجوده ذاتاً تقوم به ، وذلك الذات جسم أو جوهر ، ومهما كان الجسم واجب الحدوث كان الحال فيه أيضاً حادثاً لامحالة ، إذ يبطل انتقال الأعراض ، وقد بينا أن صانع العالم قديم فلا يمكن أن يكون عرضاً.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 84 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 9 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط