موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 84 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 26, 2016 4:25 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

والحشويّة المشبهِة الذين يشبِّهون الله بخلقه ضربان أحدهما لا يتحاشى من إظهار الحشو (ويَحسبَونَ أنَّهم على كل شيءٍ ألا إنهم همُ الكاذِبون) والآخَرُ يتستّر بمذهب السلف لسُحتٍ يأكله أو حطامٍ يأخذه ، { يُريدونَ أنْ يأمَنوكُم ويَأمَنوا قَومَهُم } ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه ولذلك جميع المبتدعة يزعمون أنهم على مذهب السلف.

وكيف يُدعى على السلف أنهم يعتقدون التجسيم والتشبيه أو يسكتون عند ظهور البِدع ويخالفون قوله تعالى { ولا تَلبِسوا الحقَّ بالباطِل وتكتُموا الحقَّ وأنتم تَعلَمونَ } ، وقوله (وَإِذْ أَخَذَ اللُه مِيثَاقَ الَّذينَ أوتُوا الكِتَابَلَتُبَيِّنُنَّة لِلنَّاسِ وَلا تَكتُمُونهُ) وقوله (لِتبّينَ للنَّاسِ ما نُزلَإليهِم) والعلماء ورثة الأنبياء فيجب عليهم من البيان ما وجب على الأنبياء وقالت عالى (وَلتكُن مِّنكُم أمّة يدعُونَ إِلَى الخير ويأْمُرُونَ بالمعرُوف وينهون عن المنُكَرِ).

ومن أنكر المنكرات التَّجسيمُ والتشبيهُ ومن أَفضل المعروف التوحيدُ والتنزيهُ وإنّما سكت السَّلف قبل ظُهور البدع فوربِّ السماء ذات الرَّجع والأرضذات الصَّدع لقد تشمَّر السَّلف للبدع لمَّا ظهرت فقمعوها أتمَّ القمعِ وردعُوا أهلها أشد الرَّدع فردوا على القدريّة والجَهمِيّة والجبريّة وغيرهم من أهل البدَع فجاهدوا في الله حَقَّ جِهاده.

والجهادُ ضربان ضَربٌ بالجدل والبيان وضَربٌ بالسيف والسِّنان فليت شعري فما الفرقُ بين مُجادلة الحَشويَّة وغيرهم من أهل البدع ولولا خُبثٌ في الضمائر وسوء اعتقاد في السرائر (يستخفُونَ من النَّاس وَلا يستخفُون من اللهِ وَهُوَ معهُم إِذ يُبَيِّتُونَ ما لا يرضى من القَولِ) وإذا سُئل أحدهم عن مسألة من مسائل الحشو أمر بالسُّكُوت عن ذلك وإذا سئل عن غير الحشو من البدع أجاب فيه بالحقِّ.

ولولا ما انطوى عليه باطنُه من التجسيم والتشبيه لأجاب في مسائل الحشو بالتوحيد والتنزيه ولم تزل هذه الطائفة المبتدعة قد ضربت عليهم الذِّلَّة أينما ثُقفُوا (كُلَّمَا أَوقَدُوا نَارا للحربِ أَطفأَها الله ويسعَونَ في الأَرضِ فسادا والله لا يُحبُّ المُفسدينَ) لا تلوح لهم فُرصة إلا طاروا إليها ولا فتنة إلا أكبُّوا عليها وأحمد بنُ حنبل وفضلاء أصحابه وسائر علماء السلف بُرآءُ إلى اللّه ممّا نسبوه إليهم واختلقوه عليهم.

وكيف يُظَنُّ بأحمد بن حنبل وغيره من العلماء أن يعتقدوا أن وصف اللّهِ القديم القائم بذاته هو غيرُ لفظ الّلافظين ومداد الكاتبين مع أنّ وصف الله قديمٌ وهذه الأَشكال والألفاظ حادثة بضرورة العقل وصريح النقل.

وقد أخبر الله تعالى عن حُدوثها في ثلاثة مواضع من كتابه أحدها قولهُ (ما يأتيهم منذكرٍ مِّن ربِّهم مُحدثٍ) جعل الآتى مُحدثا فمن زعم أنه قديمٌ فقد رد على الله سبحانه وتعالى وإنما هذا الحادث دليل على القديم كما أنّا إذا كتبنا اسم الله تعالى في ورقة لم يكن الرَّبُّ القديمُ حالاًّ في تلك الورقة فكذلك إذا كُتب الوصفُ القديمُ في شىء لم يحُلَّ الوصفُ المكتوبُ حيث حلَّت الكتابة.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 26, 2016 4:33 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

الموضع الثاني قوله (فلا أقسمُ بما تُبصرُون وما لا تُبصرون إِنَّهُ لقولُ رسُولٍ كريمٍ) وقول الرَّسول صفة للرسول ووصفُ الحادث حادثٌ يدلُّ على الكلام القديم.

فمن زعم أن قول الرسول قديمٌ فقد رد على ربِّ العالمين ولم يقتصر سبحانه وتعالى على الإخبار بذلك حتّى أقسم على ذلك بأَتمِّ الأقسام فقال تعالى (فلا أقسمُ بما تُبصرُون) أي تُشاهدون (وما لا تُبصرون) أي ما لم تروه.

فاندرج في هذا القسم ذاتُه وصفاتُه وغير ذلك من مخلوقاته.

الموضع الثالث قوله تعالى (فلا أقسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِالكُنَّسِ وَالَّليلِ إِذَا عَسعَسَ والصُّبح إِذَا تَنَفَّسَ إَنَّهُ لَقَولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} ،والعجب ممّن يقول القرآن مركَّبٌ من حرف وصوت ثم يزعم أنه في المصحف وليس في المصحف إلا حرفٌ مجردٌ لا صوت معه إذ ليس فيه حرفٌ مكتوبٌ عن صوت فإن الحرف اللفظيَّ ليس هو الشكل الكتابىَّ ولذلك يدرك الحرف اللفظي بالآذان ولايشاهد بالعيان ويشاهد الشكل الكتابي بالعيان ولا يسمع بالآذان.

ومن توقف في ذلك فلايُعد من العقلاء فضلا عن العلماء فلا أكثر الله في المسلمين من أهل البدع والأهواء والإضلال والإغواء ، ومن قال بأن الوصف القديم حالٌّ في المصحف لزمه إذا احترق المصحف أن يقول بأن وصف الله القديم احترق سبحانه وتعالى عمَّا يقولون عُلُوّا كبيرا ومن شأن القديم أن لا يلحقه تغير ولا عدم فإن ذلك مُناف للقدم.

فإن زعموا أن القرآن مكتوب في المصحف غير حالٍّ فيه كما يقوله الأشعرىُّ فلم يلعنون الأشعري رحمه الله وإن قالوا بخلاف ذلك فانظر (كيف يفترُون على الله الكذب وكفى بهإثما مُّبينا) (ويوم القيامة ترى الَّذينَ كذبُوا على الله وُجُوهُهُم مُسودة أَليس في جهنَّم مَثوى للمُتَكبِّرينَ}.

وأما قوله سبحانه وتعالى (إِنَّهُ لقُرآنٌ كريمٌ في كتاب مَّكنُونٍ) فلا خلاف بين أئمة العربية أنه لا بد من كلمة محذوفةيتعلق بها قوله (في كتاب مَّكنُون).

ويجب القطع بأن ذلك المحذوف تقديره (مكتوبٌ فيكتاب مكنون) لما ذكرناه وما دلَّ عليه العقل الشاهد بالوحدانية وبصحة الرسالة وهو مناط التكليف بإجماع المسلمين وإنما لم يُستدل بالعقل على القِدم وكفى به شاهدا لأنهم لا يسمعون شهادته مع أن الشرع قد عَدل العقل وقبل شهادته واستدل به في مواضع من كتابه كالاستدلال بالإنشاء على الإعادة وكقوله تعالى (لو كان فيهما آلهة إِلاَّاللهُ لفسدتا) وقوله (وما كان معهُ من إِلهٍ إِذا لَّذهب كُلُّ إِلهٍ بما خلق ولعلا بعضُهُم على بعضٍ) وقوله (أَوَلم ينظُرُوا في ملكُوت السَّموات والأرض وما خلق اللهمن شيءٍ }.

فيا خيبة من رد شاهدا قبله الله وأسقط دليلا نصبه الله فهم يرجعون إلى المنقول فلذلك استدللنا بالمنقول وتركنا المعقول كمينا إن احتجنا إليه أبرزناه وإن لم نحتج إليه أخرناه.

وقد جاء في الحديث الصحيح مَن قرأ القرآنَ وأعربَهُ كانَ لهُ بكُلِّ حرفٍ عشرُ حسناتٍ ومَن قرأهُ ولم يُعرِبهُ فله بكلِّ حرفٍ منه حسنة والقديم لا يكون مَعيبا بالَّلحن وكاملا بالإعراب وقد قال تعالى (وما تُجْزَوْنَ إلاَّ ما كنتُمْ تعمَلونَ).


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 26, 2016 4:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

فإذا أخبر رسوله بأنا نُجزى على قراءة القرآن دلّ على أنه من أعمالنا وليست أعمالُنا قديمة وإنما أتي القومُ من قِبَل جهلِهم بكتاب الله وسنّة رسوله وسخافة العقل وبلادة الذهن.

فإن لفظ القرآن يُطلق في الشَّرع واللسان على الوصف القديم ويطلق على القراءة الحادثة قال الله تعالى (إنَّ علينا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه) أراد بقرآنه قِراءتَه إذ ليس للقرآن قرآنٌ آخرُ (فإذا قرأناهُ فاتَّبع قُرآنَهُ) أي قِراءته فالقراءة غير المقروء والقراءة حادثة والمقروء قديمٌ كما أنا إذا ذكرنا الله عزّ وجل كان الذِّكر حادثا والمذكور قديما فهذه نبذة من مذهب الأشعري رحمه الله.

والكلامُ في مثل هذا يطول ولولا ما وجب على العلماء من إعزاز الدين وإخمال المبتدعين وما طوَّلت به الحشويّة ألسنتهم في هذا الزمان مِن الطَّعن في أعراض الموحِّدين والإزراء على كلام المنزهين لما أطلتُ النّفسَ في مثل هذا مع إيضاحه ولكن قد أمرنا اللهُ بالجهاد في نصرة دينه إلا أن سلاح العالِمِ عِلمُه ولسانُه كما أنّ سلاح الملِك سيفُه وسِنانُه.

فكما لا يجوز للملوك إغمادُ أسلحتهم عن الملحدين والمشركين لا يجوز للعلماء إغمادُ ألسنتهم عن الزائغين والمبتدعين فمن ناضل عن الله وأظهر دين الله كان جديرا أن يحرُسه الله بعينه التي لا تنام ويُعِزه بعزه الذي لايُضام ويحُوطَه بركنه الذي لا يُرام ويحفظه من جيمع الأنام (ولو يشاءُ اللهُ لانتصَرَ مِنهم ولكن ليبلو بعضكُم ببعض).

وما زال المنزهون والموحدون يُفتون بذلك على رؤوس الأشهاد في المحافل والمشاهد ويجهرون به في المدارس والمساجد وبِدعة الحشوية كامنة خفية لا يتمكنون من المجاهرة بها بل يدُسُّونها إلى جهلة العوام وقد جهروا بها في هذا الأوان فنسأل الله تعالى أن يُعجِّل بإخمالها كعادته ويقضي بإذلالها على ما سبق من سنّته.

وعلى طريقة المنزهين والموحدين درج الخلفُ والسّلف رضى الله عنهم أجمعين ،والعجبُ أنهم يذُمُّون الأشعري بقوله إن الخبز لا يشبع والماء لا يُروي والنار لا تحرق وهذا كلامٌ أنزل الله معناه في كتابه فإن الشَّبع والرِّيَّ والإحراقَ حوادثُ انفرد الربُّ بخلقها فلم يخلُقِ الخبزُ الشِّبَع ولم يخلُق الماء الرِّيَّ ولم تخلُق النارُ الإحراق وإن كانت أسبابا في ذلك فالخالق هو المسبِّب دونالسَّبب.

كما قال تعالى (ومَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمَى) نفى أن يكون رسوله خالقا للرَّمى وإن كان سببا فيه وقد قال تعالى (وأنَّه هوَ أضحَكَ وأبكى وأنّهُ هوَ أماتَ وأحيا) فاقتطع الإضحاك والإبكاء والإماتة والإحياء عن أسبابها وأضافها إليه فكذلك اقتطع الأشعري رحمه الله الشِّبَعَ والرِّيَّ والإحراق عن أسبابها وأضافها إلى خالقها لقوله تعالى (خالِقُ كلِّ شيءٍ) وقوله (هلْ مِنْ خالِقٍ غيرُ اللهِ) (بَلْ كذَّبُوا بِما لَمْ يُحيطوا بعلمِهِ ولمَّا يَأتِهِمْ تأوِيلُهُ) (أكَذَّبْتُم بِآياتي وَلَمْ تُحيطوا بِها عِلما أمَّاذا كُنتُمْ تَعمَلونَ }.

فسبحان مَن رضي عن قوم فأدناهم وسخِط على آخرين فأقصاهم {لا يُسئَلُ عمَّا يفعلُوهُمْ يُسئَلُونَ}.

وعلى الجملة ينبغي لكلِّ عالمٍ إذا أذِلَّ الحقُّ وأُخمِلَ الصوابُ أن يبذل جهده في نصرهما وأن يجعل نفسه بالذُّلِّ والخمولِ أولى منهما وإن عز الحقُّ فظهر الصوابُ أن يستظلَّ بظلِّهما وأن يكتفي باليسير مِن رشاش غيرِهما ، والمخاطرة بالنفوس مشروعة في إعزاز الدين ولذلك يجوز للبطل من المسلمين أن ينغمِر في صفوف المشركين وكذلك المخاطرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة قواعد الدين بالحجج والبراهين مشروعة فمن خشي على نفسه سقط عنه الوجوبُ وبقي الاستحباب.

ومن قال بأن التَّغرير بالنفوس لا يجوز فقد بعُد عن الحق ونأى عن الصواب.

وعلى الجملة فمن آثر الله على نفسه آثره الله ومن طلب رضا الله بما يُسخِط الناس رضى الله عنه وأرضى عنه الناس ومَن طلب رضا الناس بما يسخِطُ الله سخِط الله عليه وأسخط عليه الناس وفي رضا الله كفاية عن رضا كلِّ أحد غيره ،وقد قال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجدهُ أمامك.

وجاء في حديث ذكِّروا الله بأنفسِكم فإنَّ الله يُنزِلُ العبدَ مِن نفسه حيث أنزله من نفسِه.

حتى قال بعض الأكابر من أراد أن ينظُر منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده ، اللهم فانصر الحق وأظهر الصواب وأبرم لهذه الأمة أمرا رشدا يعِزُّ فيه وليُّك ويذِلُّ فيه عدوُّك ويُعمَلُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتك ، والحمد لله الذي إليه استنادي وعليه اعتمادي وهو حسبي ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.]اهـ


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 26, 2016 4:47 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[11] : جاء في كتاب الإشارة إلى مذهب أهل الحق للإمام أبي اسحاق الشيرازي :

[أما بعد : فإني لما رأيت قوماً ينتحلون العلم وينتسبون إليه ، وهم من جهلهم لا يدرون ما هم عليه ، يَنسِبون إلى أهل الحق ما لا يعتقدونه ، ولا في كتاب هم يجدونه ، لينفِّروا قلوب العامَّة من الميل إليهم ، ويأمرونهم أبداً بتكفيرهم ولعنهم ؛ أحببت أن أُشِير إلى بُطلان ما يُنسب إليهم بما أذكره من اعتقادهم.

وأنا مع ذلك مُكرهٌ لا بطل ، ولي دعوى لا عمل ، ولكن شرعت فيما شرعت مع اعترافي بالتقصير ، وعلمي بأن نُصَّار الحق كثير ، ليرجع الناظر فيما جَمعتُهُ عن قَبول قول المُضِلِّين ، ويَدينَ بقول الموحِّدين المحقِّقين.

[ حكم النظر والاستدلال ] : فمن ذلك : أنهم يعتقدون أنّ أول ما يجب على العاقل البالغ المكلَّف القصد إلى النظر والاستدلال المؤدّيين إلى معرفة الله عز وجل ، لأن الله عز وجل أمرنا بالعبادة فقال عز وجل : { وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ، والعبادة لا تصح إلا بالنيَّة ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : (( إنما الأعمال بالنيَّات )) ، والنيَّة هي القصد ؛ تقول العرب " نواك الله بحفظه " ، أي : قصدك الله بحفظه ، وقصْد من لا يُعرف محال ، فدل وجوب النظر والاستدلال.

ولأن ما لا يُتوصل إلى الواجب إلاّ به يكون واجباً كالواجب ؛ ألا ترى أن الصلاة لما كانت واجبة ثم لا يُتوصل إليها إلاَّ بالطهارة صارت الطهارة واجبة كالواجب ؟

فكذلك أيضا ًفي مسألتنا ؛ لأنه إذا كانت معرفة الرب عز وجل واجبة ، ثم بالتقليد لا يتوصل إليها ؛ دلَّ على وجوب النظر والاستدلال المؤديين إلى ذلك ، فقد أمرنا الله عز وجل بذلك ودعانا إليه فقال عز وجل :{ قل انظروا ماذا في السماوات والأرض}،{ أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون }،{ أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ؟ }،{ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت, وإلى السماء كيف رفعت } الآية ، وقال عز وجل إخباراً عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام : { فلما جنَّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين } الآيات ، وأمرنا باتباعه فقال عز وجل : { فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً } ، { ملة أبيكم إبراهيم هو سمَّاكم المسلمين }.

فمن أنكر النظر والاستدلال! لا يخلو إمَّا أن ينكره بدليل ، أو بغير دليل ، أو بالتقليد : فإن أنكره بغير دليل ، لا يقبل منه ، فإن انكره بالتقليد ، فليس تقليد من قلَّده بأولى من تقليدنا ، وإن أنكره بدليل ، فهو النظر والاستدلال الذي أنكره ، والنظر لا يزول بالمنكر ، فبطلت دعواه وثبت ما قلناه .

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 27, 2016 3:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[ التقليد في معرفة الله عز وجل ] : ثم يعتقدون : أن التقليد في معرفة الله عز وجل لا يجوز ، لأن التقليد : قبول قول الغير من غير حجة ، وقد ذمَّه الله تعالى ، فقال عز وجل : { قال أوَلوْ جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم } لمَّا قالوا { إنَّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون}.

ولأن المقلدين تتساوى أقوالهم ، فليس بعضهم بأولى من بعض ، ولا فرق ٌبين النبي والمتنبي في ذلك ، وإذا كان الأنبياء عليهم السلام مع جلالة قدرهم وعلو منزلتهم ، لم يدع الناس إلى تقليدهم من غير إظهار دليل ولا معجز ، فمن نزلت درجته عن درجتهم أولى وأحرى أن لا يتبع فيما يدعو إليه من غير دليل ، فعلى هذا لا يجوز تقليد العالم للعالم ، ولا تقليد العامي للعامي ، ولا تقليد العامي للعالم ، ولا تقليد العالم للعامي.

فإن قيل : لِمَ جوزتم تقليد العامي للعالم في الفروع ولِمَ لا تجوزوه في الأصول ؟ قيل : لأن الفروع _ التي هي العبادات _ دليلها السمع ، وقد يصل إلى العالم من السمع ما لا يصل إلى العامي ، فَلَمّا لم يتساويا في معرفة الدليل ، جاز له تقليده ، وليس كذلك الأصل الذي هو معرفة الربّ عز وجل ؛ فإن دليله العقل ، والعامي والعالم في ذلك سواء ؛ ف€إن العالم إذا قال للعامي : " واحد أكثر من اثنين " ، لا يقبل منه من غير دليل ، فإن الفرق بينهما ظاهر.

[ إثبات الصانع وحدوث العالم ] : ثم يعتقدون : أن لهذا العالم صانعاً صنعه ، ومحدثاُ أحدثه ، وموجِداً أوجده من العدم إلى الوجود ، لأنه في حال وجوده _ وهو شيءٌ موجود موصوف بالحياة والسمع والبصر _ لا يقدر أن يحدث في ذاته شيئاً ، ففي حال عدمه _ وهو ليس بشيء _ أولى وأحرى ألاّ يوجد نفسه ، ولأنه لو كان موجداً لنفسه ، لم يكن وجوده اليوم بأولى من وجوده غداً ، ولا وجوده غداً بأولى من وجوده اليوم ، ولا كونه أبيض بأولى من كونه أسود.

فدلَّ على أن له مخصصاً يخصصه وموجداً يوجده ؛ قال الله تعالى :{ ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم } الآية.

[ محدث العالم واحد أحد ] : ثم يعتقدون أن محدث العالم هو الله عز وجل ، وأنه واحد أحد ، لأن الاثنين لا يجري أمرهما على النظام ؛ لأنهما إذا أرادا شيئاً أن يخلقاه ، لا يخلو : إما أن يتم مرادهما جميعاً ، أو لا يتم مرادهما جميعاً ، أو يتم مراد أحدهما دون الآخر ، فإن لم يتم مرادهما جميعاً بطل أن يكونا إلهين ، ومحال أن يتم مرادهما جميعاً ؛ لأنه ربما يريد أحدهما إحياء جسمٍ والآخر يريد إماتته ، والإنسان لا يكون حياً ميتاً في حالة واحدة.

وإن تواطآ! فالتواطؤ أيضاً لا يكون إلاّ عن عجز ، وإن تم مراد أحدهما دون الآخر ، فالذي لم يتم مراده ليس بإله ؛ لأن من شرط الإله أن يكون مريداً قادراً ؛ فدل على أن الله عز وجل واحد أحد ، قال عز وجل : { وإلهكم إله واحد } ، وقال عز وجل : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا }.

[ قدم الله عز وجل وأزليته ] : ثم يعتقدون أن الله عز وجل قديم أزلي ، أبداً كان وأبدا يكون ، لأنه لو كان مُحدَثاً لافتقر إلى مُحدِث آخر ، وذلك المُحْدِث إن كان مُحدَثاً افتقر إلى مُحْدِث آخر ، ويؤدي ذلك إلى التسلسل وعدم التناهي وذلك محال.

[ نزاهة الله عز وجل عن الشبيه ] : ثم يعتقدون أن الله عز وجل لا يشبهه شيء من المخلوقات ، ولا هو يشبه شيئاً منها ، لأنه لو أشبهه شيء لكان مثله قديماً ، ولو أشبه شيئاً لكان مثله مخلوقاًُ ، وكلا الحالين محال ، قال عز وجل : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }.

[ نزاهة الله عز وجل عن معاني العالم ] : ثم يعتقدون : أن الله عز وجل ليس بجسم ؛ لأن الجسم : هو المُؤَلَّف ، وكل مُؤلَّفٍ لا بد له من مُؤَلِّفٍ ، وليس بجوهر ؛ لأن الجوهر لا يخلو من الأعراض كاللون والحركة والسكون والعرض الذي لا يكون ولا يبقى وقتين ، قال الله تعالى : {هذا عارض ممطرنا } أي لم يكن فكان ، وما لم يكن فكان فهو مُحْدَث ، وما لا ينفك من الحدوث فهو مُحدَث كالمُحدَث.

[ صفات الله عز وجل ] : ثم يعتقدون أن الله تعالى المُحدِث للعالم موصوف بصفات ذاتية ، وصفات فعلية ، فأما الصفات الذاتية : فهي ما يصح أن يوصف بها في الأزل ، وفي لا يزال ، كالعلم والقدرة ، وأما الصفات الفعلية : فهي ما لا يصح أن يوصف بها في الأزل ، ويصح في لا يزال ، كالخلق والرزق ، لا يقال : إنه أبداً كان خالقاً ورازقاً ؛ لأن ذلك يؤدي إلى قدم المخلوق والمرزوق ، بل يقال : أنه أبداً كان قادراً على الخلق والرزق ، عالماً بمن يخلقه ويرزقه. فإن قيل : إنه أبداً الخالق والرازق بالألف واللاّم جاز.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 27, 2016 3:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[ عِلم الله عز وجل ] : ثم يعتقدون : أن الله تعالى عالم بعلم واحد قديم أزلي ، يتعلق بجميع المخلوقات ، فلا يخرج معلوم عن علمه ، لأنه لو لم يكن موصوفاً بالعلم ، لكان موصوفاً بضدِّه وهو الجهل ، ثم يكون الجهل صفة له قديمة ، والقديم يستحيل عدمه ، فلا يكون أبداً عالماً وذلك نقص ، والرب عز وجل موصوف بصفات الكمال لا بصفات النقص ، قال الله عز وجل : { والله بكل شيء عليم } ، وقال تعالى : { أنزله بعلمه }.

[ قُدْرَة الله عز وجل ] : ثم يعتقدون : أن الله تعالى قادر بقدرة واحدة أزلية ، تتعلق بجميع المقدورات ، فلا يخرج مقدور عن قدرته ، لأن ضد القدرة : العجز ، فلو لم يكن في الأزل موصوفاً بالقدرة ، لكان موصوفاً بضدها وهو العجز ، ثم يكون العجز صفة له قديمة ، والقديم يستحيل عدمه كما ذكرنا في العلم ، فلا يكون أبداً قادراً وذلك آفة ، والرب عز وجل منزَّه عن الآفات ، قال عز وجل :{ والله على كلِّ شيء قدير} ، والكلام في إثبات جميع صفاته الذاتية كالكلام فيما ذكرناه من إثبات العلم القدرة.

[ إرادةُ الله عز وجل ] : ثم يعتقدون أن الله عز وجل مريد بإرادة قديمة أزلية, فجميع ما يجري في العالم من خيرٍ أو شرٍّ ، أو نفعٍ أو ضرٍّ ، أو سقم وصحة ، أو طاعة أو معصية ، فبإرادته وقضائه ، لاستحالة أن يجري في ملكه ما لم يرده ؛ لأن ذلك يؤدي إلى نقصه وعجزه ، قال الله تعالى : {فعَّال لما يريد} ، وقال تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً }.

[ بيان إتباع أهل الحق للسنة وضلال القدرية ] :

( أ ) حاكمية العقل بين أهل الحق والقدرية : والكلام في هذه المسألة مع القدرية يطول ؛ لأنهم لا يبنونها على أصلهم : وهو أن العقل عندهم يوجِب ويحسِّن ويقبِّح ، وعند أهل الحق : العقل لا يوجب ولا يحسِّن ولا يقبِّح ، بل الحسن ما حسَّنته الشريعة ، والقبيح ما قبَّحته الشريعة ، قال الله عز وجل : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } ، فأخبر الله تعالى أنهم آمنون من العذاب قبل بعثة الرسل إليهم ، فالواجب فعله : ما لا يؤمن من العذاب في تركه ، فعلم بهذه الآية أن الله تعالى لم يوجب على العقلاء شيئاً من جهة العقل ، بل أوجب ذلك عند مجيء الرسل من قِبَل الله تعالى ، ولأن العقل : صفة للعاقل ، وهو محدث مخلوق لله تبارك وتعالى ، وليس بقائم بنفسه ، ولا حي ولا قادر ولا عالم ولا متكلم.

وما هذه حالته فلا يصح أن يوجب على العقلاء ولا على غيرهم شيئاً ، ولا أن يُحرِّم شيئاً ، ولا أن يقبِّح شيئاً ، ولا [ أن ] يعلم به غير المعلومات التي تتعلَّق بجميع العلوم ، وإذا كان الأمر كذلك ، لم تصر الأفعال حسنة واجبة بإيجابه ، ولا محرَّمة قبيحة بتحريمه ، ولا مباحة كسائر الحوادث ؛ لأنه محدث مخلوق كسائر العلوم والحوادث ، ولو وجب عليهم شيء من جهة العقل قبل مجيء الرسل ، فكان حجة العقل حجة عليهم بمجرده في ذلك ؛ لَمَا قال : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } ، بل كان الواجب أن يقول : " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد العقل ".

ولمَّا بطل ذلك ، دلَّ على أن العقل ليس له تأثير في شيء مما ذكرناه.

[ شبهة للقدرية حول إرادة المعصية والعقوبة ] : فإن قيل : لم قلتم إن الله عز وجل مريد للمعاصي خالق لها! فبأي شيء يستحق العبد العقوبة ؟

يقال لهم : هل تثبتون أن الله عز وجل مريد للطاعة خالق لها أم لا ؟

فإن قيل : ليس بمريد لها ولا خالق أيضاً! فلا كلام معهم ، والأولى السكوت عنهم ؛ لأنهم قد كذبوا الرَّبّ في خبره : وقال عز وجل : { خالق كل شيء }.

وإن قيل : إنه مريد لإيجادها وخالق لها ، يقال : فالعبد بأي شيء ينال الثواب والدرجات ؟

وكل دليل لهم هنا دليل لنا هناك ؛ فكما أنه يقدرنا على فعل الطاعة ويخلقها لنا ، ثم يثيبنا عليها بفضله ، فكذلك أيضاً يقدرنا على المعصية ، ويخلقها لنا ، ثم يعاقبنا عليها بعدله ؛ لأنه متصرف في ملكه على الإطلاق.

وقد رُوي في الخبر أن الله عز وجل أوحى إلى أيوب :" لو لم أخلق لك تحت كل شعرة صبراً لما صبرت " ، ثم بعد ذلك يمدحه ويُثني عليه بقوله : { إنَّا وجدناه صابراً نعم العبد }! فإذا كان الرب خلق الصبر له ، فبأي شيء نال هذا المدح والثناء ؟

فدلَّ على أن هذا الأمر ما ذكرناه ؛ لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.

فإن قيل : وجدنا أحَدنا إذا قال لغلامه : اكسر هذا الإناء فكسره ، ثم عاقبه يكون ظالماً ، فإذا قلنا : إن الله عز وجل مريد للمعاصي ثم يعاقب عليها يكون ظالماً ؟!

يقال لهم : حقيقة الظلم هو تجاوز الحد ؛ فالسيد إذا قال لغلامه : اكسر هذا الإناء وعاقبه يكون ظالماً ، لأن فوقه آمراً وهو الله عز وجل , أمره أن لا يتجاوز مع عبده الحد ، فإذا تجاوزه يكون ظالماً.

والرب عز وجل ليس فوقه آمر قد حدّ له حداً ، فإذا تجاوزه يكون ظالماً.

ثم يقال لهم : هذا السيد أمر عبده بكسر الإناء ، فكانت عقوبته ظلماً له ، والرب عز وجل لم يأمره بالمعاصي ؛ قال عز وجل : { إن الله لا يأمر بالفحشاء } ، بل نقول : إنه مريد للمعاصي ، و" الأمر " بخلاف " الإرادة " ، ونحن مخاطبون بالأمر لا بالإرادة.

فإن قيل : الأمر والإرادة سواء ؛ فما أمر به فقد أراده ، وما أراده فقد أمر به ؟!

قيل : هذا ليس بصحيح ؛ والدليل عليه : إذا قال رجل لغيره : إن غلامي هذا لا يطيعني فيما آمره به ولا ينصحني ، ثم قال لغلامه : افعل كيت وكيت ، فقد أمره بالفعل ، وهو يريد أن لا يفعل ليُبيِّن لذلك الرجل صدق قوله ؛ فدل على أن هذا الأمر بخلاف الإرادة.

أمر الله إبليس بالسجود ولم يرد منه السجود ، ولو أراد أن يسجد لسجد على رغم أنفه ، ونهى آدم عن أكل الشجرة ، وأراده أن يأكل منها فأكل.

وعندهم : أن الله عز وجل أراد إبليس أن يسجد ، وإبليس ما أراد أن يسجد! فيكون على قولهم : إبليس وصل إلى مراده ، والرب عز وجل ما وصل إلى مراده!!

ثم يقال لهم : هل الرب عز وجل قادر على أن يحيل بين هذا العاصي وبين المعصية أم لا ؟

وهل هو عالم بأنه إذا رزقه رزقاً يتوصل به إلى المعصية أم لا ؟

فإن قيل : ليس بقادر ولا عالم ، فقد عطَّلوا وأبطلوا ، ونفوا القدرة والعلم ، وهو أصل مذهبهم ، وينتقل الكلام معهم إلى إثبات الصفات.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 27, 2016 3:46 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

وإن قيل : إنه عالم وقادر ، قيل لهم : لو لم يكن مريداً للمعصية من العاصي مع كونه عالماً بأنه سيعصي ، وقادر أن يحيل بينه وبينها لما وجدت ، وإذا ثبت بأنه عالم بما يكون من العاصي قبل المعصية ، وقادر أن يحيل بينه وبينها ثم يتركه على المعصية ، فلا يوصف بالظلم عند عقوبته.

فكذلك أيضاً يريد المعصية ثم يعاقب عليها ولا يوصف بالظلم ،ولو لم يكن مريداً للمعصية مع وجودها لكان عاجزاً ؛ لأن من يجري في ملكه مَا لم يُرد : لا يكون إلا عاجزاً مغلوباً ، ولهذا قال بعض أصحابنا : القدرية أرادت أن تعدِّل الباري فعجّزته ، والمُشبِّهة أرادت أن تثبت الباري فشبهته ، وهذا خلاف النص والإجماع : قال الله تعالى : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } ، وأجمعت الأمة على قول :" ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " ، وقال عز وجل : { إن الله يُضِلُّ من يشاء ويهدي إليه من أناب } ، { ويُضِلُّ الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء }, فأضاف الإضلال إليه.

وقال الله عز وجل إخباراً عن نوح : { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } ، فأضاف الغواية إليه ، وقال إخباراً عن موسى : { إن إلا هي فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي بها من تشاء } ، وقال عز وجل : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } ، فأضاف الخير والشر إليه ، وقال عز وجل إخباراً عن إبليس : { ربَ بما أغويتني } ، فلو كان إضافة ذلك إلى الرب عز وجل لا يجوز ، لَذمّه الله عز وجل على ذلك كما ذمه ولعنه عند امتناعه عن السجود.

وقد حُكي عن بعض أصحابنا أنه قال :" إن قوماً إبليس أفقه منهم ، السكوت عنهم أولى من الكلام معهم ".

[ شبهة للقدرية حول عدم رضا الكفر ] : فإن قيل : قال الله عز وجل : { ولا يرضى لعباده الكفر } ،قيل لهم : أراد به : لا يرضى لعباده المؤمنين دون الكافرين ، فإن قيل : قد قال عز وجل إخباراً عن موسى : { قال هذا من عمل الشيطان } ، قيل : أراد به : هذا مما يعمل الشيطان مثله ، ولم يُرد به هذا مما يخلقه الشيطان ؛ بدليل قوله : { إن هي إلا فتنتك } ، والفرق بين ما نورده من الآيات وبين ما يوردونه : إنما نورد غير محتمل للتأويل ، وما يوردونه محتمل لذلك.

[ لازم مذهب القدرية وما يترتب عليه ] : ثمَّ يُقال لهم : جميع أفعال الخلق أعراض ، فلو كان للمخلوق قدرة على خلق بعضها ، لكان له قدرة على خلق جميعها ، ثمَّ لا فرق بين خلق الأعراض وبين خلق الأجسام ؛ فإن العَرَض الذي لا يكون ثم يكون : يفتقر إلى محدث يُحدثه وموجد يوجده ، والأجسام كذلك أيضاً.

فلو كان للمخلوق قدرة على خلق الأعراض ، لكان له قدرة على خلق الأجسام ، فمن وصف المخلوقين بالقدرة على خلق بعض المخلوقات : فقد وصفهم بالقدرة على خلق جميعها ، وهذا يؤدي إلى إثبات خالق غير الله تعالى ؛ قال الله تعالى : { هل من خالق غير الله } ، وهذا القول من القدرية أعظم من قول اليهود والنصارى ؛ لأن اليهود أثبتت مع الله عز وجل العُزير ، والنصارى أثبتت مع الله عز وجل المسيح ؛ قال الله تعالى : { وقالت اليهود عُزير ابن وقالت النصارى المسيح ابن الله } ، والقدرية أثبتت مع الله خالِقِين لا يُحصى عددهم ؛ بقولهم : إن العبد يخلق ويريد ، والرب يخلق ويريد ،وقد شبَّههم النبي صلى الله عليه وسلم بالمجوس بقوله : { القدرية مجوس هذه الأمة }.

[ شبهة القدرية في تسمية أهل الحق قدرية ] : فإن قيل : أنتم القدرية ؛ لأنكم تقولون الرب عز وجل يقدر على خلق المعاصي!

يقال لهم : هذا لا يصح ؛ لأن من وصف غيره بالحياكة لا يصير حائكاً ، بل الحائك من فعل الحياكة ؛ فقولنا : إن الله يقدر.. ، لا نُسَمَّى القدرية ؛ بل القدرية : الذين يصفون أنفسهم بالقدرة ، وقد شبَّههم النبي صلى الله عليه وسلم بالمجوس : لأن المجوس يقولون بإلَهَيْن : النار والنور ، والقدرية _ أيضاً _ يقولون بخالقين ؛ لأن العبد عندهم يخلق ، والرب يخلق ، فلهذا شبههم بالمجوس.

[ مناظرة بين موحد من أهل الحق وقدري ] : وقد حُكي : أن بعض أهل التوحيد تناظر مع قدري ، وكانا بقرب شجرة ، فأخذ القدري ورقة من الشجرة وقال : أنا فعلت هذا وخلقته!

فقال له الموحد : إن كان الأمر كما ذكرت فرده كما كان ؛ فإن من قدر على شيء قدر على ضده " ، فانقطع في يده.

وقد ذكرنا أن الكلام معهم في هذا يطول ، ولم يكن غرضي بما ذكرت " الرد على المخالف " ؛ لاعترافي بالتقصير ، بل كان غرضي : أن أشير إلى مذهب أهل الحق ؛ لأبين ما هم عليه من التوحيد واتباع السنة ، وأرجو أن يكون قد حصل المقصود إن شاء الله تعالى.

[ سمع وبصر الله عز وجل ] ثم يعتقدون : أن الله عز وجل سميع بسمع قديم أزلي ، وبصير ببصر قديم أزلي ، أبداً كان موصوفاً بهما وأبداً يكون ، لأن عدمهما يوجب إثبات ضديهما, وهما الصمم والعمى ، وذلك آفة ، قال اله عز وجل : { وأن الله سميع بصير } ، وقال عز وجل : { أسمع وأرى } ،[ كلام الله عز وجل ]: ثم يعتقدون : أن الله عز وجل متكلم بكلام قديم أزلي أبدي غير مخلوق ، ولا محدث ولا مفترىً ولا مبتدع ولا مخترع ، بل أبداً كان متكلماً به ، وأبداً يكون ، لاستحالة ضد الكلام من الخرس والسكوت عليه ، قال الله عز وجل : { وكلَّم الله موسى تكليماً } ، وقال عز وجل : { إني إصطفيتك على الناس برسالاتي وكلامي } ، وقال عز وجل : { فَأَََجِرْهُ حتى يسمع كلام الله } ، فأثبت لنفسه الكلام بهذه الآيات ، فإذا ثبت أنه متكلم ، فكلامه قديم أزلي ؛ والدليل قوله عز وجل : { الرحمن علَّم القرآن خلق الإنسان } ، فلو كان مخلوقاً لقال " الرحمن خلق القرآن وخلق الإنسان " ، فلما لم يقل ذلك ، فدل على أن الإنسان مخلوق والقرآن ليس بمخلوق ، ويدل عليه : قوله عز وجل : { ألا له الخلق والأمر } بالواو ، والأمر كلام الله ، فلو كان مخلوقاً لقال " ألا له الخلق والخلق " ، ويكون تكراراً من الكلام ، فلما فصل بينهما بالواو ، دل على أن الخلق مخلوق ، والأمر كلام قديم أزلي ، قال الله عز وجل : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } ، فلو كان قوله { كن} مخلوقاً ، لافتقر إلى قول قبله ، وكذلك ما قبله.

ويؤدي ذلك إلى التسلسل وعدم التناهي!

ويؤدي ذلك إلى عدم المخلوقات ، ولأن الربّ عز وجل لا يخلق الخلق بالخلق ؛ وإنما خلقه بصفته القديمة وهي قوله : { كن } ، فدل على ما قلناه.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 27, 2016 3:52 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[ شبهة الحرف والصوت ، وقدم " قول كن " ] : فإن قيل : { كن } كاف ونون ، ودليل الحدوث فيهما بيِّن لكونهما أحرفاً ؛فإن الأحرف لا تخرج إلاَّ من مخارج : فالميم مخرجها من الشفتين وانطباق عضو على عضو ، والحاء : مخرجها من الحلق ، وكذلك سائر الحروف ؟!

فإذا كانت الحروف لا تخرج إلاّ من مخارج, والربّ منزّه عن ذلك ؛ لأنه ليس ذا ألفاظ ومخارج يتقدم بعضها على بعض : فإنه في حال ما يتكلم بالكاف النون معدومة ، وفي حال ما يوجد النون ويتكلم بها الكاف معدومة!

وما هذه صفته : لا يكون إلاّ مخلوقاً.

ولأن هذه الكاف والنون نشاهدهما في مصاحفنا أجساماً مخلوقة ، فتارة تكون بالحبر ، وتارة تكون بالازورد ، وتارة تنقش بالجص والآجر على المساجد وغيرها ، فإذا قلنا بقدمها ونحن لا نشاهد إلاّ هذه الأجسام والألوان المخلوقةِ فقد قلنا بقدم العالم ؛ لأن القديم لا يحل في المحدث ، ولأن القول بهذا يؤدي إلى القول بما يعتقده النصارى ؛ لأنهم يقولون : إن كلمة الله القديمة حلّت في عيسى فصار عيسى قديماً أزلياً!

بل يكون هذا القول أعظم قولاً من النصارى ؛ لأنهم لم يقولوا إلا بقدم عيسى! والقائل " بأن الكاف والنون قديمة " يقول بقدم أكثر المخلوقات ، وإذا ثبت أن هذا الكاف والنون وجميع الحروف مخلوقة ، لمشاهدتنا لها في دار الدنيا ؛ لأنها لو كانت قديمة لما فارقت الموصوف ، لأن الصفة لا تفارق الموصوف ؛ لأنها إذا فارقته يكون موصوفاً بضدها ، بطل ما ادعيتموه من القدم ؟!

[ بيان مذهب الحشوية في الكلام وسببه ] : يُقال لهم : إنما يصح لكم التعليق بهذا مع المشبِّهة الحلولية القائلين بقدم هذه الأحرف والأصوات ؛ لأنهم يوافقونكم في المعنى ويقولون : إن كلام الله أحرف وأصوات! ثم يوافقونا في التسمية ويقولون بقدم القرآن!

والمعوّل على الاعتقاد بالقلب لا على التسمية باللسان ، ويحملهم على ذلك : الجهل بالفرق بين القديم والمحدث ، ثم يقولون جهلهم بالبهت على الخطأ ، وقال بعض الأدباء :" أهتك الناس ستراً : من إذا لزمه الحق ثقل عليه ، وإذا سنح له الباطل أسرع إليه " ، والأولى بمن تكلم معهم من أهل الحق في ذلك : أن لا يطالبهم في الابتداء إلاّ بالفرق بين القديم والمحدث ، فمن كان جاهلاً بذلك : فالسكوت عنه أولى من كلامه ، ويؤمر بمعرفة ذلك ؛ فإن أصل هذه المسألة مبني على ذلك.

وأمّا نحن : فلا نوافقهم بأن كلام الله أحرف وأصوات ؛ لأن الأحرف والأصوات نعتنا وصفتنا ومنسوبة إلينا ، نقرأ بها كلام الله تعالى ، ونفهمه بها ، والكاف والنون وجميع الحروف ، القراءة والمقروء والمفهوم بها كلامُ الله تعالى ، أفهمنا بها كلام الله القديم الأزلي ؛ كما أفهم موسى بالعبرانية ، وعيسى بالسريانية ، وداود باليونانية ، ولا يقال : إن كلام الله عز وجل لغات مختلفة ؛ لأن اللغات صفات المخلوقين.

بل المفهوم من هذه اللغات كلام الله القديم الأزلي ، كما أن العرب يسمونه : " الله" ، وغيرهم من العجم والترك : " خداي " و " أبود " و " تنكري " ، ولا يقال : إن هذا الاختلاف عائد إلى الرب ؛ لأنه واحد لا خلاف فيه ، فكذلك كلامه أيضاً ؛ بل الاختلاف عائد إلى أفهامنا ولغاتنا.

فمن قال بقدم هذه اللغات فلجهله وحمقه ؛ لأن المتكلم في حال تكلم بالعربية العبرانية معدومة ،وكذلك السريانية ، واليونانية ، وما يوجد ويعدم لا يكون قديماً.

فإن قيل : إذا قلتم إن كلام الله ليس بصوت ولا حرف _ ولا تدرك أسماعنا إلا ما هذه صفته _ فمن ينفي كيف سمع وكيف يسمع ؟

يقال لهم : سماعنا لكلامه كعلمنا به ؛ فكما أننا لا نعلم موجوداً إلاّ جسماً أو جوهراً أو عرضاً ، ثم إن الله عز وجل معلوم لنا بخلاف ذلك ، فكذلك أيضاً سماعنا لكلامه خلاف سماعنا لكلام المخلوقين ؛ فنقيس سماعنا لكلامه على العلم به ، هذا مع القدرية ، وأمَّا المشبِّهة : فنقيس سماعنا لكلامه على رؤيتنا له ؛ لأنهم يوافقونا في الرؤية بخلاف القدرية : فيقال لهم : كما أن الله عز وجل يُرى لنا غداً ، وليس يرى جسم ولا محدود خلاف جميع المرئيات التي نشاهدها اليوم ؛ فَخَلَقَ الرب عز وجل لنا بصراً نبصر به ، فكذلك خلق لنا سمعاً نسمع به كلامه على ما هو عليه بخلاف المسموعات التي ندركها اليوم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 27, 2016 3:58 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

والدليل على ما نذكره " أن الرب عز وجل يخلق لنا سمعاً نسمع به كلامه ، وبصراً نبصره به بخلاف ما نبصره اليوم ونسمعه " : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه جبريل عليه السلام والصحابة جلوس ، فيراه النبي ويسمع منه والصحابة لا يبصرونه ولا يسمعون منه ، وبصره وبصرهم في الصورة سواء.

وكذلك ملك الموت أيضاً ؛ فإن الميت يشاهده عند قبضه لروحه وأهله حضور لا يشاهدونه ، وكذلك الجنّ ؛ يرونا ولا نراهم ، فدلّ على أن العلّة في ذلك : أن الله عز وجل يخلق للبصير بصراً يدرك به ما لم يدركه غيره ، فكذلك يخلق له سمعاً يسمع به كلامه ، وفهماً يفهمه به كما أفهم سليمان منطق الطير وخصَّه بذلك ، وسمعنا وسمعه في الصورة سواء.

فإن قيل : أنتم تثبتون شيئين مختلفين : قراءة ومقروءاً ، أحدهما قديم والآخر محدث ، ونحن لا نعقل إلا شيئاً واحداً ؟!

وفي هذا شبهة القدرية والمشبِّهة ؛ فالقدرية يقولون : نحن لا نعقل إلاّ هذه القراءة وهي محدثة ، والمشبِّهة يقولون : نحن لا نعقل إلاّ هذه القراءة وهي محدثة القرآن ، ثم يثبتون قدمها.

يُقال لهم : لا يمنع أن يكون الإنسان في حال السماع فيسمع الشيئين المختلفين شيئاً واحداً ، ثم بالدليل يفرِّق بينهما ؛ كالناظر إلى السواد والأسود ؛ فإنه في حال المشاهدة لا يشاهد إلا شيئاً واحداً ثم بالدليل يفرِّق بينهما ، فيعلم أن السواد : عرض لا يقوم بنفسه ، والأسود الموصوف بذلك السواد : جسم بخلافه.

فكذلك في مسألتنا هذه أيضاً ، ونحن قد ثبت عندنا : أن كلام الله تعالى قديم أزلي بالأدلة التي قد ذكرنا بعضها ، والقديم : ما كان أبداً موجوداً ويكون أبداً موجوداً ، ولا يوصف تارة بالوجود ، وتارة بالبداءة ، ولا يضاف إلى المخلوقين ، ثم وجدنا القراءة بخلاف ذلك ففرَّقنا بينهما.

وكما أن الذكر غير المذكور ، والعلم غير المعلوم ؛ فإن أحدنا إذ ذكر الله عز وجل لا يقال : إن ذكره قديم لقدم المذكور ، ولا علمه قديم لقدم المعلوم ، بل هما شيئان مختلفان ، فالذكر مخلوق ؛ لأنه صفة المخلوق لم يوجد قبله ، والعلم أيضاً بالله عز وجل كذلك ؛ فإن الصفة لا تتقدم على الموصوف ، فكذلك أيضاً قراءتنا وكتابتنا مخلوقة ؛ لأنهما صفتان لم تتقدما علينا ، فمن زعم من المُشبِّهة الحلولية أن الكتابة قديمة موجودة قبل الكاتب ، والقراءة قديمة موجودة قبل القارئ!!

يقال له : فعلى ماذا يستحق القارئ العقوبة إن كان جُنُباً ، وينال الثواب إن كان طاهراً ، وهو لم يأت بشيء ؟!

فدل على أن الذي يأتي به ويستحق عليه ما ذكرناه : هو القراءة ، المأمور بها عند الطهارة ؛ قال تعالى : { فاقرؤوا ما تيسَّر من القرآن } ، والمنهي عنه عند النجاسة ؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن }.

والقديم لا يكون تارة طاعة وتارة معصية ؛ لأن الطاعة والمعصية هي ما يكون للمخلوق على فعلها قدرة ، والصفة القديمة الذاتية لا يوصف بأنها مقدورة لله ، فأولى وأحرى أن لا تكون مقدورة للمخلوق.

وقد أخبر الربّ عز وجل أن ما بين السماء والأرض مخلوق : فقال تعالى : { خلق السموات والأرض وما بينهما } ، وهذه الكتابة نشاهدها بين السماء والأرض ، فمن قال بقدمها كذّب الرب عز وجل في خبره ، ولأن الرب عز وجل أخبر أن كلامه لا ينفد ولا يفنى : فقال عز وجل : { ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلامٌ والبحر يَمُدُّهُ من بَعْدِهِ سبعَةُ أبْحُرٍ ما نفِدَت كلمات الله } ، فأخبر أن كلامه لا يفنى ولا ينفد ، ولا يكون له أول وآخر ، ثم نجد هذه القراءة تفنى وتنفد ، ولها أول وآخر.

والكتابة في المصاحف كذلك أيضاً ، ولقد حكي أن عثمان بن عفّان رضي الله عنه أحرق جميع المصاحف المخالفة لمصحفه ، أترى أنه أحرق القرآن‌‍‍ ؟!


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 27, 2016 4:12 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

ومن الدليل على أن كلام الله قديم أزلي : ما يُروى عن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه حين أنكر عليه الخوارج التحكيم ، فقال :" والله ما حكّمت مخلوقاً ، وإنما حكّمت القرآن ؛ قال الله تعالى : { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها } ، وقال عز وجل : { يحكم به ذوا عدلٍ منكم } " ، فإذا كان في شقاق يقع بين الزوجين أُمر بالتحكيم ، وفي أرنب قيمته نصف درهم يقتله المحرم أمْر بذلك ، ففي شقاق يقع بين طائفتين من المسلمين التحكيم أولى وأحرى ، وجميع الصحابة يسمعون قوله ولم ينكر عليه منكر ، وسكتوا عنه كسكوتهم عند حرق عثمان المصاحف ، ففعل عثمان حجة لنا بأن الكتابة مخلوقة ، وقول علي كرّم وجهه حجة لنا : بأن المكتوب قديم ، والاقتداء بعلي وعثمان رضي الله عنهما أولى وأحرى من الاقتداء بالقدرية والمشبِّهة.

ومن الدليل على أن كلام الله تعالى قديم أزلي : أنه لو كان مخلوقاً لكان لا يخلو : إما أن يكون قد خلقه في ذاته ، أو خلقه في غيره ، أو خلق الكلام قائماً بذاته لا في محل ، بطل أن يُقال خلقه في ذاته ؛ لأنه تعالى ليس بمحل للحوادث ، وبطل أن يقال خلقه في غيره ؛ لأنه يكون كلام ذلك الغير.

وكما لا يجوز أن يقال أنه يخلق علمه وقدرته في غيره ، فكذلك أيضاً لا يخلق كلامه في غيره لأنه يكون كلام ذلك الغير ، ولا يجوز أن يقال أنه خلقه لا في محل ؛ لأن الكلام صفته ، والصفة لا تقوم إلا بموصوف.

وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة دلّ على أنه قديم أزلي ،فإن قيل : المتكلم إنما يتكلم ليسمع غيره، أو يتكلم ليستأنس ، أو يتكلم ليحفظ ، وإذا كان المتكلم خالياً من هذه الثلاثة أقسام يكون كلامه هذياناً ولغواً ، والرب عز وجل لم يكن معه في الأزل أحد يسمع كلامه ، ولا يجوز أن يقال أنه تكلم ليحفظ ، أو تكلم ليستأنس.

وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة دلّ على أنه ليس متكلماً في الأزل ؟!

يُقال لهم : مقصودكم وغرضكم أن تثبتوا لصفاته الذاتية علّة وغرضاً ، إذا كانت أفعاله لا لعلة ولا لغرض ؛ لأنه لو فعل فعلاً لعلة كانت تلك العلة لا يخلو : إما أن تكون قديمة ، أو محدثة : فإن كانت محدثة افتقرت إلى علة قبلها ، وكذلك ما قبلها ، ويؤدي ذلك إلى التسلسل وعدم التناهي ، ويؤدي ذلك إلى عدم المعلول ، وهذا محال أيضاً.

فدل على أن الله عز وجل يفعل ما يفعله لا لعلة وغرض ، بل يفعل ما شاء بما شاء لا لعلة ، وإذا ثبت أن صفات فعله لا لعلة وغرض ، فصفات ذاته أولى وأحرى أن لا تكون لعلة وغرض ، وبطل ما قالوه.

فإن قيل : قد قال الله تعالى : { إنّا جعلناه قرآناً عربياً } , والجعل بمعنى الخلق ؟!

يقال لهم : الجعل هاهنا بمعنى التسمية ؛ والدليل عليه : قوله عز وجل : { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً } ، ومعلوم على أنهم لم يخلقوا الملائكة ، فدل على أن المراد بالجعل هاهنا : التسمية ، وكذلك قوله عز وجل : { الذين جعلوا القرآن عضين } لم يرد به الخلق فدل على ما قلناه.

فإن قيل : قد قال الله عز وجل : { وكان أمر الله مفعولاً } , { وكان أمر الله قدراً مقدوراً } , فدل على أن أمر الله مقدور مفعول ، وهذا دليل الحدث ؟!

يقال لهم : الأمر على ضربيْن : فتارة يقتضي الكلام ، وهو قوله : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } ، وقوله عز وجل : { لله الأمر من قبل } ، أي : من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء ، وهذا دليل واضح على قدمه ، وتارة يقتضي الفعل ، وهو قوله : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها }.

فهذا الأمر يقتضي الفعل ؛ جاء في التفسير : أن الأمر هاهنا بمعنى كثّرنا ؛ لأن الرب عز وجل لا يأمر بالفحشاء ، وإذا كان الأمر كذلك بطل ما قالوه ، ويكون المراد بقوله : { وكان أمر الله مفعولاً } ، {وكان أمر الله قدراً مقدوراً } : فعله.

فإن قيل : الدليل على خلق القرآن : أنه معجز النبي صلى الله عليه وسلم ، وتحدى الأمة به ، فالتحدي إنما يكون بما للمتحدي عليه قدرة ، كإلقاء العصا ، وإبراء الأكمه والأبرص ، والقديم لا يكون للمخلوق عليه قدرة ، ولا يكون له في التحدي به حجة ، فدل على ما قلناه ؟!

يقال لهم : التحدي إنما كان بالقراءة لا المقروء ، وقد بينا الفرق بينهما ، فإن قيل : فقد قال اله تعالى : { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } ، يقال لهم : الذكر قد يكون بمعنى القرآن ؛ فقال عز وجل : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ، ويكون الذكر بمعنى الرسول ؛ قال عز وجل : { ويقولون إنه لمجنون وما هو إلاّ ذكر للعالمين} ، وقال عز وجل : { ذكراً رسولاً } ، فالذكر المحدث هاهنا : النبي صلى الله عليه وسلم ؛ والدليل عليه : آخر الآية : قوله عز وجل : { هل هذا إلا بشر مثلكم }.

ومعلوم أن الكلام ليس ببشر ، ويحتمل أن المراد بالذكر المحدث : هذه القراءة لا المقروء.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 27, 2016 4:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

فإن قال قائل من المشبِّهة : إذا قلتم إن الكتابة مخلوقة ، يؤدي ذلك إلى أن المصحف ليس له حُرمة ؟!

يقال لهم : إن الحرمة لا تثبت إلاّ بما هو قديم ، ثم لم يكن للجسد حرمة بحيث يمنع الجُنُب من اللُبْث فيه والمرور على مذهب بعض الفقهاء ، فكما أن الجسد بجميع أجزائه مخلوق وله حرمة لأجل المعهود فيه ، فكذلك : إنما المصحف بجميع أجزائه مخلوق ، وله حرمة لأجل المكتوب فيه.

فإن قيل : إذا قلتم إن هذه الأحرف محدثة وليست القرآن ، فالقرآن أين هو ؟

يقال لهم : فإذا قلتم إن هذه الأحرف هي القرآن ، فالقديم أين هو ؟

فإن قيل : فقد قال الله عز وجل : { الم } ، { طه } ، { طسم } ، فدل على أن القرآن هو هذه الأحرف! ويقال لهم : لا فرق بين هذه الآيات وغيرها ؛ فإن الألف التي في " الحمد " ، والطاء التي في " طه " ، كالطاء التي في الطاغوث ، فجميع الأحرف التي في السور سواء ، فما ثبت لبعضها من القدم أو الحدث ثبت لكلها.

ثمّ يقال : لو أن هذه الأحرف قديمة لأجل تخصيصها بالذكر ، لكان الشمس والقمر والنجوم قديمة لتخصيصها بالذكر ؛ قال الله تعالى : { والنجم إذا هوى } , وقال عز وجل : { والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها } ، فكما لا يقال : إن هذه الأشياء قديمة لتخصيصها بالذكر فكذلك الأحرف أيضاً.

ثم يقال لهم : هذه الأحرف التي تثبتون قدمها في القرآن ، هل هي أحرف : أ ب ت ث ، أم لا ؟

فإن قيل غيرها فهذا دفع للضرورة ، وإن قيل : هي ، يقال لهم : فهل هي التي يكتب بها شعر المتنبي وحِسَانُ النِّقال ، أم لا ؟

فإن قيل : غيرها ، تكذب ما ذكرتموه ؛ فهذا محال ودفع لما نعلمه ضرورة ، وإن قيل : إن الأحرف التي يكتب بها القرآن هي الأحرف التي يكتب بها ما ذكرناه! فيجب القول بقدمها ، وأن يكون لها حرمة كحرمة المصحف ، وهذا خلاف الإجماع.

ولو أن هذه الأحرف قديمة وهي القرآن ، لكان المصلي إذا أتى بها في الصلاة : أ ب ت ث ج ح خ د ذ ، لا تبطل صلاته ؛ فإن الإتيان بالقرآن في الصلاة في موضعه لا يبطلها ، ولكانت تجزيه عن قراءة غيرها ، ولكان لها حرمة بحيث لا يجوز للجُنُب الإتيان بها ، فلما لم يصح ذلك ، دلّ على أنها مخلوقة ، وإذا ترتب بعضها على بعض ، وتآلف بعضها مع بعض : فُهم منها المكتوب بها ؛ فإن كان القرآن ، صار لها حرمة ، وإن كان غير القرآن ، لم كن لها حرمة ، فالذي يتجدد هو الحرمة لا القدم ؛ لأنه لو جاز أن يصير المحدث قديماً ، لجاز أن يصير القديم محدثاً ، وهذا محال.

ومن الدليل على أن الكتابة غير المكتوب : قوله تعالى : { النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } , فالنبي عليه الصلاة والسلام مكتوب على هذه الحقيقة في التوراة والإنجيل ، غير حالٍّ في التوراة والإنجيل ، بل هو مدفون في المدينة ، أو رفع إلى السماء على اختلاف العلماء في ذلك.

فلو أن الكتابة هي المكتوب ، لكان النبي صلى الله عليه وسلم موجوداً في التوراة والإنجيل حالاً فيهما!

فدل على أن الذي في التوراة والإنجيل هي الأحرف المفهوم بها النبي ، فهي غيره وهو غيرها ؛ لأن حقيقة الغيرْين لا يجوز لأحدهما أن يفارق الآخر ، والكتابة مفارقة للمكتوب منفصلة منه ، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا كتب زيد على عمرو وثيقة بدين وشهد فيها الشهود بذلك ثم قبضها ، يكون قد استوفى دينه ، فلما لم يصح ذلك ، دلّ على أن الكتابة يفهم بها المكتوب وليست هي المكتوب ؛ فالشهود مكتوبون في الوثيقة على الحقيقة غير حالّين فيها ، وكذلك الدَّين ، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا قرأ القارئ { يا يحي خذ الكتاب بقوة } وأراد به القرآن ، ثم قال : { يا يحي خذ الكتاب } وأراد به إعلام بالمسيح ، لزم أن يفرّق بينهما عند السماع ، وكذلك في الكتابة أيضاً ، فلما لم يكن ذلك ، دلَّ على أن الكتابة مخلوقة أو لا تختلف ، والمفهوم بها يختلف.

ثم يقال لهم : إذا قرأ القارئ ؛ هل يُسمع منه القرآن كما يُسمع من الرب عز وجل ، أم لا ؟

فإن قيل : يُسمع من الرب بخلاف ما يُسمع من القارئ ، والأحرف والأصوات التي ثبت قدمها في حقه ليست كهذه الأصوات المسموعة منا اليوم والأحرف المشاهدة لنا! فقد رجعوا إلى مذهب أهل الحق ، وصار الخلاف معهم في التسمية ، والتسمية موقوفة على الشرع ؛ فإن ورد الشرع بأن كلام تعالى صورة وحرف سميناه بذلك وإلا فلا ، وإن قيل : ليس بينهما فرق وذا ذاك ، وذاك ذا ! فهذا هو التشبيه بعينه ، ويكون القرآن على قولهم : حكاية ؛ لأن المحاكاة : المماثلة والمشابهة ، ولا شبه لكلام ولا مثل له ، كما أن الله لا مثل له ولا شبه له ، ولو أن الكتابة هي المكتوب ؛ لكان إذا كتب أحدنا في كفّه ألف لام لام هاء ، يكون الله عز وجل حالاً في كفّه!

ولما لم يصح ذلك ، دل على أن الكتابة غير الله عز وجل ، ولما جاز على الرب جاز على صفة ذاته ؛ فكما أن الرب عز وجل مكتوب في مصاحفنا ، ومعبود في مساجدنا ، ومعلوم في قلوبنا ، ومذكور بألسنتنا ، غير حال في شيء مما ذكرناه ، فكذلك كلامه أيضاً : مقروء بألسنتنا على الحقيقة ؛ قال الله عز وجل : { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } ، ومتلو في محاريبنا على الحقيقة ؛ قال الله عز وجل : { اتل ما أوحي إليك من كتاب ربك } ، ومحفوظ في صدورنا على الحقيقة ؛ قال عز وجل : { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } ، ومسموع بآذاننا على الحقيقة ؛ قال الله عز وجل : { بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ } ، غير حال في شيء مما ذكرناه ، وللمصحف حرمة عظيمة ورعاية وكيدة : بحيث لا يجوز للمحدث الأصغر والأكبر مسّ ما فيه وحواشيه ، ولا كتابته ولا دفتاه ، ولا حمله مماسة ولا بعلاّقة احتراماً ؛ قال عز وجل : { لا يمسّه إلاّ المطهرون } ، والأدلة في ذلك أبين من عين الشمس لمن تدبر وعقل ، لا من اتبع هواه وجهل.

فإن كنت قد كثّرت مما لا يُحتاج إليه ، فلا مَلامَ لما قدمت من الاعتراف والسلام.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 27, 2016 5:05 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[ حياة الله عز وجل ] : ثم يعتقدون أن الله عز وجل حيّ بحياة أزلية قديمة ، لأن الصفات التي ذكرناها لا تقوم إلا بمن هو حي ؛ قال الله عز وجل : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ، وقال الله عز وجل : { هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين }.

[ صفات الذات ] : ثم يعتقدون أن صفات ذاته : لا يجوز أن يقال هي هو ، ولا هو هي ، ولا هو غيرها ، ولا هي غيره ، لأنها لو كانت هي هو ؛ لكانت الصفة الواحدة موصوفة بجميع الصفات التي ذكرناها, والصفة لا تقوم بالصفة ،ولو كان هو هي ، لم يكن موصوفاً بها ؛ لأن الصفة معنى زائد على الموصوف ،ولو كانت غيره وهو غيرها ، لجاز لأحدهما أن يفارق الآخر ؛ لأن حقيقة الغيرين ما يجوز لأحدهما أن يفارق الآخر ، بل يقال : صفات قائمات بذاته لم يزل موصوفاً بها ولا يزال.

[ الاستواء وغيره من الإضافات ] : ثم يعتقدون : أن الله عز وجل مستوٍ على العرش ؛ قال الله عز وجل : { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} ، وأن استواءه ليس باستقرار ولا ملاصقة ، لأن الاستقرار والملاصقة صفة الأجسام المخلوقة ، والرب عز وجل قديم أزلي ، أبداً كان وأبداً يكون ، لا يجوز عليه التغيير ولا التبديل ، ولا الانتقال ولا التحريك ، والعرش مخلوق لم يكن فكان ؛ قال عز وجل : { لا إله إلا هو رب العرش العظيم } ، فلو أن المراد بالاستواء " الاستقرار والملاصقة " ، لأدى إلى تغير الرب وانتقاله من حال إلى حال ، وهذا محال في حق القديم ؛ فإن كل متغير لا بد له من مغيّر ، ولأن العرش مخلوق محدود ، فلو كان الرب عز وجل مستقراً عليه ، لكان لا يخلو : إمّا أن يكون أكبر ، أو أصغر منه ، أو مثله : فلو كان أكبر منه : يكون متبعضاً بعضه خالٍ من العرش ، والبعض صفة الأجسام المؤلّفة ، وإن كان أصغر منه : فيكون العرش مع كونه مخلوقاً أكبر منه ، وذلك نقص ، وإن كان مثله : يكون محدوداً كالعرش ، فإن كان العرش مربعاً فيكون الرب مربعاً ، وإن كان مخمساً فيكون الرب مخمساً ، وما هو محدود له شَبَه وله مثل ولا يكون قديماً.

فدل : على أنه كان ولا مكان ، ثم خلق المكان ، وهو الآن على ما عليه كان.

فإن قيل : إذا قلتم إنه ليس على العرش ، ولا في السماوات ، ولا في جهة من الجهات ، فأين هو ؟!

يُقال لهم : أول جهلكم : وصفكم له بـ" أين " ؛ لأن " أين " استخبار عن المكان ، والرب منزه عن ذلك ، ثم يقال لهم : هل تثبتون خلق العرش والسماوات وجميع الجهات أم لا ؟

فإن قالوا : ليست مخلوقة فقد قالوا بقدم العالم ، وينتقل الكلام معهم إلى القول بحدوث العالم ، وإن وافقوا أهل الحق وقالوا بخلق جميع الجهات ، يقال لهم : فهل كان الرب موجوداً قبل وجودها ، وهو الذي أوجدها من العدم إلى الوجود أم لا ؟

فإن قيل : لم يكن موجوداً قبلها ولا أوجدها ، فقد قالوا بحدث الرب عز وجل وهذا هو الكفر الصراح ، وإن وافقوا أهل الحق في القول بوجوده قبل وجود المخلوقات { من العالم العلوي والسفلي } ، قيل لهم : فأخبرونا عما كان عليه قبل وجودها ؟

فكل دليل لهم قبل وجودها ، هو دليل لنا بعد وجودها ؛ فإن الرب بعد وجود جميع المخلوقات على ما كان عليه قبل وجودها ، لا يجوز على الرب التغيُّر من حال إلى حال ، ولا الانتقال من مكان إلى مكان ؛ قال الله عز وجل في قصة إبراهيم عليه السلام : { فلما جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل } أي : انتقل من جهة إلى جهة ، وتغيّر من حال إلى حال{قال لا أحب الآفلين } أي : لا أحب المنتقلين المتغيرين ، فمن وصف القديم بما نفاه عنه إبراهيم فليس من المسلمين.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 27, 2016 5:11 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

فإن قيل : إذا لم يكن في جهة ، فما فائدة رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء ، وعروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء ؟

يُقال لهم : لو جاز لقائل أن يقول إن الرب عز وجل في جهة فوق ، لأجل رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء!! لكان لغيره أن يقول : هو في جهة القبلة ، لأجل استقبالنا إليها في الصلاة!! أو هو في الأرض ، لأجل قربنا من الأرض في حال السجود ؛ وقد رُوي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل إذا سجد } ، قال عز وجل :{ واسجد واقترب } !!

فلو كان في جهة فوق ، لما وُصف العبد بالقرب منه إذا سجد ؛ فكما أن الكعبة قبلة المصلي يستقبلها في الصلاة ، ولا يقال إن الله عز وجل في جهة الكعبة ومستقبل الأرض بوجهه في السجود لا يقال : إن الله عز وجل في الأرض ، فكذلك _ أيضاً _ جُعلت السماء قبلة الدعاء ، لا أنّ الله عز وجل حالّ فيها.

وكذلك أيضاً عروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء ، لا يدل على أن الله عزو جل في السماء ، كما أن عروج موسى عليه الصلاة والسلام إلى الجبل ، وسماعه لكلام الله تعالى عنده ، لا يدل على أن الله عز وجل حالّ في الجبل ؛ فعروج النبي صلى الله عليه وسلم : إنّما كان زيادة في درجته ، وعلواً لمنزلته ؛ ليتبين الفرق بينه وبين غيره في المنزلة وعلو الدرجة.

فإن قيل : إذا لم يكن الاستواء بمعنى الاستقرار ، فما معناه ؟

يقال لهم : قد اختلف الناس في ذلك : فمنهم من قال :

إن الاستواء : بمعنى القهر والغلبة ، واحتج على القائل بهذا فيقال : لو كان المراد القهر والغلبة ، لأدى ذلك إلى أن يكون قبله مقهوراً مغلوباً ، وذلك محال ، ومنهم من قال : الاستواء : بمعنى الاستيلاء ، " استوى على العرش " ، أي : استولى عليه ؛ يقال : استوى فلان على الملك ، أي : استولى عليه ، ومنهم من قال : المراد به : العلو ؛ فقوله { الرحمن على العرش استوى } : يريد به : الرحمن علا ، والعرش به استوى ، وهذا أيضاً محال ؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لكان " العرش " مرفوعاً لا مخفوظاً ؛ فدل على أن " على " من حروف الصفات لا من العلو ، ومنهم من قال : المراد به : القصد ، كقوله { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } أي : قصد إلى السماء ، و" على " بمعنى " إلى " ؛ لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض ، وتأويلهم في ذلك كثير ، وكلامهم في ذلك يطول ، والواجب من ذلك : أن ننفي عنه ما يؤدي إلى حدوث الرب عز وجل ، ثم لا نُطالب بما عدا ذلك ، كما أنا نعتقد أن الله شيء موجود موصوف بصفاته ، ثم ننفي عنه ما يؤدي إلى حدوثه { من صفة الأجسام والجواهر والأعراض } ، ثم لا نطالب بما عدا ذلك.

فإن قيل : نحن نجهل هذه الآية وما أشبهها من الآيات { كاليدين ، والوجه } ،ومن الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم { من النزول والصورة والقَدم } ، ونحملها على الظاهر ، ولا نتأولها ؛ قال عز وجل : { وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون في العلم يقولون آمنّا به كل من عند ربنا } فنؤمن بها ولا نتأولها ؟

يقال لهم : هذه الآية دليل على القول بالتأويل لا على نفي التأويل ؛ والدليل عليه : قوله عز وجل : { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } ، والإيمان : هو التصديق ، والتصديق بالشيء لا يصح مع الجهل ، فدل على أن قوله { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } أي : أنهم يعلمونه ويقولون آمنا ، فيعلمونه مضمر كقوله عز وجل {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } أي : يقولون سلام عليكم.

وإذا كانت الآيات والأخبار التي يقتضي العمل بها تُتأول ولا تُحمل على الظاهر _ كقوله عز وجل : { ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها } ؛ فظاهر الآية يقتضي : أن أهل الكبائر يخلدون في النار ، ويؤدي ذلك إلى القول بمذهب القدرية ، فلا بدّ من تأويل هذه الآية ، فيكون المراد : ومن يقتل مؤمناً متعمداً لقتله ، مستحلاً لدمه ، وكذلك في قوله عليه الصلاة والسلام : { بين الإسلام وبين الكفر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر } ، يُتأول على مذهب أكثر الأئمة ولا يحمل على الظاهر ، فالآيات والأخبار التي ظاهرها التشبيه ولا يُقتضى العمل بها ، بل يُقتضى العلم : أولى وأحرى لأن تُتأول.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 27, 2016 5:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

لأنا إذا قلنا : {على العرش استوى } لا يقتضي العمل ، ولا له تأويل ، فظاهره : يقتضي حدوث الرب عز وجل وتشبيهه بالخلق ، فما فائدة إعلامنا به ؟

وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام { خلق الله آدم على صورته } : إذا قلنا ليس لها تأويل ولا يقتضي العمل ، فيكون هذياناً ولغواً ، ونكون قد صدّقنا الكفار في قولهم : { معلم مجنون } , أي يأتي بشيء لا معنى له !!

وغرضهم من نفي التأويل بقاؤهم على التشبيه ، فإن لم يقولوا بالتأويل ونفوا التشبيه ، لم يطالبوا بغيره ، ولم يجب عليهم أكثر من ذلك ؛ لأن الذي يحوجنا ويدعونا إلى التأويل : قول المخالف : لا أدري ولا أتأول ، أنا أحمل هذا الاستواء على الظاهر ، ولا أدري هل هو استقرار أو غير استقرار ، وكذلك قوله عز وجل : { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديَّ } أحملها على الظاهر ، ولا أدري هل هما جارحتان أو غير جارحتان!

وهذا جهل منهم بالرب عز وجل ، وذلك يؤدي إلى كفره ؛ لأن من جهل صفة من صفات معلومة لم يعرف المعلوم على ما هو به ، وقوله " لا أدري " : شك في الله عز وجل ، وقلة علمه بما يجوز في حقه وما لا يجوز ؛ لأن حمل هذه الآيات والأخبار على ظاهرها : إنما تصح بعد نفي التشبيه ، وهو : أن يعتقد أن هذا الاستواء ليس بجلوس ولا استقرار ولا ملاصقة ، ثم بعد ذلك هو مخيَّر : إن شاء تأَوَّل ، وإن شاء حمله على الظاهر.

وكذلك قوله عز وجل : { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديَّ } ، وقوله عز وجل : { أولم يَرَوْا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون } يعتقدون : أن هذه اليد ليست بجارحة ولا تلمس ، فما هي ؟

يُقال لهم : قد اختلف الناس في ذلك : فمنهم من قال : " اليد " هاهنا : يد قدرة ، والمراد بالتثنية الواحد ؛ كقول الشاعر : خليليّ وصاحبيّ ، والدليل عليه : أن جميع الموجودات والمخلوقات بقدرته ، وخصَّ آدم بالذكر ، كما أن المساجد كلها لله وخص الكعبة بالذكر ، والنوُّق كلها لله وخصّ ناقة صالح بالذكر ، فكذلك أيضاً هاهنا خلق آدم وجميع المخلوقات بيده ، وخصَّ آدم بالذكر تشريفاً وتخصيصاً.

ومنهم من قال : " اليد " هاهنا : صفة زائدة على القدرة ، خصّ بها آدم وخلقه بها ، واحْتُجَّ على القائل بهذا وقيل : لو أن المراد بـ" اليد " هاهنا " صفة زائدة على القدرة " ، لأدى إلى أن يكون للرب صفات كثيرة لا نعلمها ، وهذا يؤدي إلى الجهل بالرب!!

والواجب من ذلك : ما ذكرته وهو : نفي التشبيه ، والاعتقاد بأن هذه " اليد " ليست بجارحة ولا تلمس ، وكذلك جميع الأخبار التي ظاهرها يقتضي التشبيه : كقوله عليه الصلاة والسلام : { خلق آدم على صورته } ، وقوله عليه الصلاة والسلام : { إن النار يلقى فيها وتقول : هل من مزيد ، حتى يضع الجبَّار قدمه فيها } ، وقوله عليه الصلاة والسلام : (( رأيت ربي في أحسن صورة )) ، فالواجب في ذلك : الاعتقاد بأن " الهاء " في قوله (( خلق آدم على صورته )) : عائدة إلى آدم ، أو إلى الصورة ، لا إلى الرب عز وجل ، لأن الرب عز وجل ليس بصورة ؛ لأن الصورة لا بد لها من مصور ، والربّ منزّه عن ذلك ، وكذلك " القدم " أيضاً : عائد إلى قدم الجبّار الكافر ، قال عز وجل : { وخاب كل جبّار عنيد} ، أو عائد إلى من قدّمه الرب عز وجل في السابق أنه من أهل النار ، قال عز وجل : { وبشّر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم } أي سابقة صدق ، لا إلى الرب عز وجل ؛ قال عز وجل : { لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها } ، فمن يعتقد ويؤمن بأن الله إله ، ومع ذلك لا تمتلئ جهنّم إلاّ به!!

فالسكوت عنه أولى من الكلام معه ومناظرته ؛ لأنه لم يستفد من عقله غير التكليف الذي به يستحق العقوبة والتخلد في النار ، وإنما العاقل على الحقيقة : من يتوصل بعقله عند نظره واستدلاله إلى الحق ؛ كما بينا : أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام استدل على خلق الكواكب والشمس والقمر بالتغير والأفول والانتقال من حال إلى حال ، وأمرنا الرب عز وجل باتباعه لإصابته الحق ، لا من يعتقد ويصف الرب بالنزول والانتقال والتغير من حال إلى حال ، ويحمل هذه الأخبار على ظاهرها من غير تأويل ولا نفي تشبيه ، بجهله وحماقته وقلة علمه بصفته ، وتأويل هذه الأخبار يطول شرحه وليس هذا موضعه]اهــ


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 27, 2016 5:24 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[12] : جاء في كتاب الغنية في أصول الدين لأبي سعيد عبدالرحمن بن محمد النيسابوري ( ت : 478 هـ ) :

[اعلم وفقك الله للرشاد وهداك إلى الحق والسداد ، أني لما رأيت ظهور البدع والضلالات وكثرة اختلاف المقالات ، أحببت أن أتقرب إلى الله تعالى ذكره وجلت قدرته بإظهار الحق من بين المقالات المختلفة ، وكشف تمويه الملحدة والمشبهة ، متحرياً بذلك جزيل الثواب ومستغنيًابه على إيمانه ، وقدمت عليه فصولاً لا بد من معرفتها ، وآثرت في ذلك التخفيف واجتنبت التطويل ، وإلى الله أرغب في أن يوفقني للصواب ولا يحرمني في ما أجمعه جزيل الثواب وبه أستعين إنه خير موفق معين.

( فصل ) : في بيان العبارات المصطلح عليها بين أهل الأصول :

منها العالَم : هو اسم لكل موجود سوى الله تعالى ، وينقسم قسمين ، جواهر وأعراض ، فالجوهر : كل ذي حجم متحيز ، والحيز تقدير المكان ، ومعناه أنه لا يجوز أن يكون عين ذلك الجوهر حيث هو.

وأما العرض : فالمعاني القائمة بالجواهر كالطعوم والروائح والألوان ، والجوهر الفرد : هو الجزء الذي لا يتصور تجزئة عقلاً ولا تقديرُ تجزئ وهما.

وأما الجسم : فهو المؤلف ، وأقل الجسم جوهران بينهما تأليف.

والأكوان : اسم للاجتماع والافتراق والحركة والسكون.

( فصل ): في حد العلم : حقيقة العلم : معرفة المعلوم على ما هو به ، وقالت المعتزلة ، حقيقة العلم اعتقاد الشيء على ما هو به مع سكون النفس الواقع عن ضرورة أو نظر وقصدوا بذلك نفي علم الباري تعالى، وهذا الحد باطل ، فإن الله تعالى ليس له نظير ولا زوجة ولا ولد فإن هذه علوم وليست باعتقاد أشياء لأن الشيء عندنا الموجود وعندهم المعدوم الذي يصح وجوده.

أما الجهل : اعتقاد المعتقد على خلاف ما هو به.

والشك : ترددٌ بين معتقدين من غيرترجيح.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 84 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 1 زائر


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط