موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 84 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2, 3, 4, 5, 6  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد الجليل
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مارس 28, 2016 4:14 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ سيدنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ،وبعد :

فإنّ الهدف الأسمى من دراسة علم التقديس ، وحفظ قواعد التنزيه هو معرفة ما يجب لذات الله تعالى وما يستحيل علي ذات الله تعالى ، وما يجوز في حق ذات الله سبحانه وتعالى جل شأنه وتعالت صفاته ، والواجب في حق الله تعالى هو :

ما لا يتصور عدمه مثل وجود الله تعالى وعلمه وقدرته ، والمستحيل في حق الله تعالى هو ما لا تتصور ثبوته مثل الفناء في حق الله تعالى أو الشريك أو الصاحبة والولد ، الجائز في حق الله تعالى هو كل ما يتصور وجوده أو عدمه كالخلق والرزق والإحياء والإماتة ، وهذه الرسالة تتناول علم بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد الجليل.

ومن أهم فوائد هذا العلم الراسخ اعتقاد اتصاف ذات الحق سبحانه بالكمال الذي ليس بعده كمال ونفي النقص والعجز والعيب والحاجة التي تناقض الكمال ،كما يؤدي إلى وضع الحاجز الذي يمنع من الولوج في التشبيه والتمثيل والتجسيم وغير ذلك من البدع الضالة في حق الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحانه ، والعمل والمراقبة لله على التنزيه والاعتراف بالعجز عن الإدراك والإحاطة كما في قوله تعالى : { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } [ طه : 110 ] ، وقوله تعالى : { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) } [ الأنعام : 103 ] ، وقوله تعالى :{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [ البقرة : 255 ].

وقد حوت الرسالة بحمد الله تعالى على تلك المباحث :

( 1 ) مدخل لبيان موجز لما يجب لذات الله تعالى وما يستحيل علي جنابه وما يجوز في حق ذاته سبحانه.

( 2 ) الواجب والجائز والمستحيل العقلي في حق ذات الله تعالى (الصفات الواجبة لله تعالى من جهة العقل ).

( 3 ) قواعد التقديس والتنزيه المتعلقة بذات الله تعالى.

( 4 ) قواعد التقديس والتنزيه المتعلقة بصفات الله تعالى.

( 5 ) قواعد التقديس والتنزيه المتعلقة بأفعال الله تعالى.

( 6 ) الأخبار المتشابهات الموهمة للمستحيل في حق ذات الله تعالى والفهم الامثل لها.

( 7 ) خوض أهل الحشو في المتشابهات ونسبة المستحيل إلى الله تعالى.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مارس 28, 2016 4:42 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

( 1 ) بيان موجز لما يجب لذات الله تعالى وما يستحيل علي جنابه وما يجوز في حق ذاته سبحانه

[1] هناك أحكام عقلية دل عليها العقل الصريح ، وهناك أحكام شرعية دل عليها الشرع الصحيح :

وكلاهما يتوافقان ولا يتخالفان ، لأنّ كليهما من عند الله ، فالله تعالى خالق العقل ، ومن عند الله تعالى جاء الشرع ، وكل ما دل عليه العقل الصريح أيده الشرع الصحيح ،وكل ما جاء به الشرع الصحيح وافقه العقل الصريح ، وعند التعارض فإما أن يكون العقل سقيما ،وأما أن تكون أدلة الشرع غير قطعية الثبوت كبعض ادلة السنّة الضعيفة السند ، فهذه لا يصح أن تُعارض البراهين العقلية الصحيحة الصريحة ، أو أن تكون الأدلة الشرعية غير قطعية الدلالة ، ومثالها ظواهر المتشابهات التي توهم النقص او العجز فيما يتعلق بذات الله تعالى وتقدس ، فهذه تُرد إلى محكماتها من الأدلة الشرعية وتُحمل عليها لتوافق الادلة العقلية القطعية.

والأخذ بظواهر تلك النصوص ظاهرية مقيتة في دين الله تعالى وأصحابها ينسب النقص - من حيث يجهلون - إلى ذات الله تعالى ، لقد أنزل الله تعالى الكتاب منه المحكم ومنه المتشابه ، وقد أعلمنا الله تعالى أنّ المحكم أصل لابد من رد المتشابه إليه وإلا حدثت الفتنة وجاء الزيغ ، وهذه وظيفة المتخصصين من العلماء يحملون المتشابه على المحكم فتزول الفتنة ويحدث الوئام ، ودليل ذلك قوله تعالى :{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [ آل عمران : 7 ] ،وقد امتدح الله تعالى أهل التخصص بقوله تعالى : { وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر : 14 ] ، وأمر تعالى برد المتشابه إلى أهل العلم المتخصصين فيه والقادرين على حمل المتشابه على المحكم واستنباط الحكم السديد فقال تعالى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [ النساء : 83 ] ، وقال تعالى : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [ النحل : 43 ].

[2] كيف يكون التقديم عند تعارض الأدلة :

إنّه من المقرر عند أهل الأصول المتخصصين في العقيدة على منهاج أهل السنّة أن مصادر العقيدة الأساسية تتمثل في النصوص الشرعية من الكتاب والسنّة ، ثم الدلائل العقلية الصريحة ، والبراهين العقلية الصحيحة.

قال الإمام الغزالي رحمه الله : " وأهل النظر في هذا العلم يتمسكون أولاً بآيات الله تعالى من القرآن ، ثم بأخبار الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ، ثم بالدلائل العقلية والبراهين القياسية " أهــ [ الرسالة اللدنية 106 ] .

وقال الخطيب البغدادي رحمه الله : " باب القول فيما يرد به خبر الواحد ، إذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدَّ بأمور : أحدها : أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه ؛ لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول ، وأما بخلاف العقول فلا ، والثاني : أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم انه لا أصل له أو منسوخ ، والثالث : أن يخالف الإجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له" أهــ [ الفقيه والمتفقه" 1/ 132 ] .

وقال الإمام الرازي رحمه الله - في كتابه القيم أساس التقديس - :( الفصل الثاني والثلاثون : في أن البراهين العقلية إذا صارت معارضة بالظواهر النـقلية ، فكيف يكون الحال فيها ؟ اعلم : أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء ، ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك ، فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة : إما أن يصدق مقتضى العقل والمنطق فيلزم تصديق النقيضين - وهو محال - وإما أن نبطلها فيلزم تكذيب النقيضين ، - وهو محال - وإما أن نكذب الظواهر النقلية ، ونصدق الظواهر العقلية ، وإما أن تصدق الظواهر النقلية وتكذب الظواهر العقلية - وذلك باطل - لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية ، إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية : إثبات الصانع ، وصفاته ، وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وظهور المعجزات على يد محمد صلى الله عليه وسلم ولو صار القدح في الدلائل العقلية القطعية ، صار العقل متهماً ، غير مقبول القول ، ولو كان كذلك لخرج عن أن يكون مقبول القول في هذه الأصول ، وإذا لم تثبت هذه الأصول ، خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة ، فثبت : أن القدح في العقل لتصحيح النقل ، يفضي إلى القدح في العقل والنقل معاً ، وإنه باطل ، ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة : بأن هذه الدلائل النقلية إما أن يقال أنها غير صحيحة ، أو يقال : إنها صحيحة ، إلا أن المراد منها غير ظواهرها ، ثم إن جوزنا التأويل : اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل ، وإن لم نجوز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى ، فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات وبالله التوفيق ) أهــ [ أساس التقديس : 89 ] .

( قلت ) :والتعارض لا يتصور بين العقل والنص القطعي الثبوت القطعي الدلالة ، لامتناع التعارض بين يقينيين ، وإنما يتصور التعارض بين العقل والنص غير قطعي الثبوت أو غير قطعي الدلالة ، فإن تعارض النقل والعقل الصريح ، فلا بد وأن تكون أدله النقل غير صحيحة ، بمعنى أما أن تكون غير قطعية الثبوت كبعض ادلة السنّة الضعيفة السند ، أو أن تكون الأدلة الشرعية غير قطعية الدلالة ، ومثالها ظواهر المتشابهات التي توهم النقص او العجز فيما يتعلق بذات الله تعالى وتقدس.


[3] خطورة تقديم أدلة النقل الظنية الدلالة على أدلة العقل الصريحة :

قال السنوسي : " أصول الكفر ستة.. ، السادس : التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية " وقال القرطبي رحمه الله - في درة من كلامه - : " اعتقاد ظواهر المتشابه كما فعلته (( المجسمة )) الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم وصورة مصورة ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وأصبع تعالى الله عن ذلك " أهـ [ تفسير القرطبي ج :4 ص :14 ].

( قلت) : وكلامهما غاية في الصواب :إذ هناك آيات ظاهرها يدل على حدوث علم الله ، واعتقاد هذا الظاهر كفر بالله تعالى وصفاته القديمة الكاملة ، لأنّ علم الله تعالى قديم ، يعلم ما كان وما يكون وما سيكون ، لا يعزب عن علمه شيء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل ، وهذه عقيده المسلمين جميعا من خالفها كفر والعياذ بالله ، ومن هذه الآيات ، قوله تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } ، وقوله تعالى : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ } ،وهناك آيات ظاهرها جواز النسيان على الله تعالى ، واعتقاد هذا الظاهر كفر بالله تعالى لأنّ الله تعالى لا يضل ولا ينسى ، وهذه عقيده المسلمين جميعا من خالفها كفر والعياذ بالله ، ومن هذه الآيات ، قوله تعالى : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ التوبة : 67 ] ، وقوله تعالى : { فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ السجدة : 14 ] ، وهذا الظاهر محال على الله تعالى .

قال القرطبي : " نسوا الله فنسيهم أي تركوا عبادته فتركهم في العذاب " أهـ [ تفسير القرطبي ج : 2 ص : 68 ] .

وقال البيضاوي : " نسوا الله غفلوا عن ذكر الله وتركوا طاعته فنسيهم فتركهم من لطفه وفضله " أهـ [ تفسير البيضاوي ج : 3 ص : 156 ].

وهناك آيات ظاهرها أنّ الله تعالى يشغله شيء عن شيء ، واعتقاد هذا الظاهر كفر بالله تعالى لأنّ الله تعالى لا يشغله شيء عن شيء ، وسع علمه كل شيء ووسعت قدرته كل شيء ، ومن هذه الآيات ، قوله تعالى : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ } [ الرحمن : 31 ] ، وهذا الظاهر محال على الله تعالى.

قال الطبري في تفسيره : " وأما تأويله فإنه وعيد من الله لعباده وتهدد كقول القائل الذي يتهدد غيره ويتوعده ولا شغل له يشغله عن عقابه لأتفرغن لك وسأتفرغ لك بمعنى سأجد في أمرك وأعاقبك وقد يقول القائل للذي لا شغل له قد فرغت لي وقد فرغت لشتمي أي أخذت فيه وأقبلت عليه وكذلك قوله جل ثناؤه سنفرغ لكم سنحاسبكم ونأخذ في أمركم أيها الإنس والجن فنعاقب أهل المعاصي ونثيب أهل الطاعة " أهـ [تفسير الطبري ج : 27 ص : 136 ] .

وقال القرطبي : " قوله تعالى : { سنفرغ لكم أيها الثقلان } ، يقال فرغت من الشغل أفرغ فروغا وفراغا وتفرغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته ، والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه وإنما المعنى سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم وهذا وعيد وتهديد لهم كما يقول القائل لمن يريد تهديده إذا أتفرغ لك أي أقصدك وفرغ بمعنى قصد " [ تفسير القرطبي ج : 17 ص : 168 ] .

وهناك آيات ظاهرها أنّ الله تعالى تتفاوت قدرته ، وأنّ هناك شيء أهون عليه من شيء ، واعتقاد هذا الظاهر كفر ، لأنّ الله تعالى وسعت قدرته كل شيء لا يعجزه شيء ، وليس هناك شيء أهون عليه من شيء ، ولا شيء أثقل عليه من شيء ، ومن هذه الآيات ، قوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، وقوله تعالى : { قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا } [ مريم : 9 ] ، وهذا الظاهر محال على الله تعالى.

جاء في لسان العرب : " {وهو أهون عليه } ، أي كل ذلك هين على وليست للمفاضلة لأنه ليس شيء أيسر عليه من غيره " أهـ [ لسان العرب ج : 13 ص : 438] .

وقال القرطبي : " المعنى أن الإعادة أهون عليه أي على الله من البداية أي أيسر وإن كان جميعه على الله تعالى هينا وقاله ابن عباس ووجهه أن هذا مثل ضربه الله تعالى لعباده يقول إعادة الشيء على الخلائق أهون من ابتدائه فينبغي أن يكون البعث لمن قدر على البداية عندكم وفيما بينكم أهون عليه من الإنشاء " أهـ [ تفسير القرطبي ج : 14 ص : 21 ].

وقال الواحدي : " وهو أهون عليه أي هين عليه وقيل هو أهون عليه عندكم وفيما بينكم لأن الإعادة عندنا أيسر من الابتداء " أهـ [ تفسير الواحدي ج : 2 ص : 841 ] .

وهناك آيات ظاهرها أنّ الله تعالى محيط بالعالم ، واعتقاد هذا الظاهر كفر ، لأنّ معناه أنّ العالم كله محاط بالرحمن وأنّ الكون بما فيه داخل الرحمن ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا ، ومن هذه الآيات ، قوله تعالى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا } [ النساء : 126 ] ، وقوله تعالى : { أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } [ فصلت : 54 ] ، وقد حمل العلماء المتخصصون في العقيدة الإحاطة على إحاطة العلم والسمع والبصر والقدرة ، وذلك للتنزيه وابعاد شبهة الحلول والاتحاد مع المخلوقات ، كما حملوا متشابه الآيات السابقة على المحكم من قوله تعالى : { وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [ الطلاق : 12 ] ، إذ جعلت الآية الإحاطة هي إحاطة العلم ، وسع ربي كل شيء علما ،وهناك آيات ظاهرها أنّ الله تعالى معنا بذاته ،واعتقاد هذا الظاهر كفر ، لأنّ الله تعالى منزه عن الاتحاد أو الحلول بخلقه ،ومنزه عن القرب الحسي بالذات ، ومن هذه الآيات قوله تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة : ] ، وقوله تعالى : { فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } [هود : 61 ].. وقوله تعالى : { قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } [ سبأ : 50 ].. وقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] ، وقوله تعالى : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ } [ الواقعة : 85 ] ، وظاهر هذه الادلة يدل على قرب الله تعالى بذاته من عباده ، وهذا الظاهر محال على الله تعالى ، إذ هو قرب منزه عن الاتحاد والحلول والاتصال والانفصال مع خلقه ليس كمثله شيء .

وقد حمل العلماء المتخصصون في العقيدة القرب على قرب العلم والسمع والبصر والقدرة ، وقرب الملائكة ، وذلك للتنزيه وابعاد شبهة الحلول والاتحاد مع المخلوقات ،وهناك آيات ظاهرها - لمن جهل قواعد التقديس - أنّ الله تعالى مستوٍ على عرشه بذاته ، يجلس على عرشه بذاته ويستقر عليه بذاته ، وأنّ العرش مكان الرحمن واعتقاد هذا الظاهر جهل وضلال ، لأنّ العرش خلق من خلق الله ، ولا يجوز في حق الله تعالى المماسة والاتصال مع شيء من خلقه ، كما لا يجوز في حق الله تعالى الحيز والحد والمقدار ، كما أنّ من لوازم هذا كون العرش أكبر من ذات الرحمن إذ لا يعقل حتى عند المجسمة أن يجلس الملك على عرش ضيق صغير لا يسعه .

وعقيدة كل المسلمين عدا المجسمة أنّ الله تعالى أكبر من كل شيء ، وأنه الواحد القهار ، وأنّه الكبير المتعال ، وأنّه مستغن عن خلقه بما فيهم عرشه وغيره ، وهو رب العالمين وهو رب العرش وغيره من خلق الله.

وقد ورد الاستواء في سبعة مواضع من القرآن الكريم كلها تدل لمن تدبرها بقرآئنها بأن الاستواء المقصود هو استواء ملك وقهر وتسخير وهيمنة وربوبية للعالم ،وبيان كمال قدرته التامة سبحانه في تدابير الملك والملكوت ، فهذا هو التمدح المقصود بالاستواء ، أما تفسير الاستواء بالجلوس والاستقرار فهذا ليس فيه من المدح شيء وليس فيه من الكمال شيء , وآيات الكتاب الكريم جاءت لبيان كمال عظمة الخالق وجليل قدرته .

أما ما يزعمون من أنه استواء مكان فالله خالق المكان ومالكه وهو منزه عن المكان والمكان محدود مهما كبر والله تعالى كما أنه لا حد لصفاته من العلم والقدرة وغيرها فلا حد لذاته.

وأما ما يزعمون من أنه استواء استقرار فهو باطل لأن الله عز وجل منزه عن التغير والحدوث ، والاستقرار يوحي بمعنى الحاجة وهل يحتاج الله لمخلوق حتى يستقر عليه وقبل الاستقرار أخبرونا ماذا كان حاله تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً ، والتمدح لا يكون بالكون في المكان ولا بالاستقرار ولكن ببيان صفات القدرة والعظمة وهذا هو مقصود آيات القرآن.

كما أنّ هناك آيات ظاهرها - لمن جهل قواعد التقديس - يوحي نسبتها إلى الله تعالى بالجوارح والأعضاء ، كالوجه واليد والعين ،وهذه نثبتها على الوجه الذي يحمل المتشابه على المحكم ، وعلى الوجه الذي يدل على الكمال ، مع تنزيه الله تعالى عن أوجه النقص فيها ، ومثال ذلك ( الوجه ) فإنه إثبات لصفة خبرية ( جاء بها الخبر ) ولكن اثباتها على ظاهرها اللغوي قد يوحي بالجارحة والجزء من الله ، وهذا محال لأنّ الله تعالى أحد لا جزء له ، غني لا جارحة له ، قهار لا حد له ، متعال على النهاية فلا نهاية له ، فينبغي أنّ نسلك في ذلك طرق الراسخين في العلم الذين علموا أنّ ظواهر تلك الآيات من الجارحة والجزء غير مرادة ، ثم احترزوا من ظاهرها فسموها صفات أو حملوا الآيات على المعنى الذي سيقت الآيات من أجله .

ومثال ذلك حمل الوجه على الذات في قوله تعالى : {كل شيء هالك إلا وجهه } وقوله تعالى {ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام } على الذات أو ما قصد به ذات الله تعالى من العمل الصالح ، إذ لا يعقل لذي لُب أن الهلاك سيلحق بالذات ولا يبقى إلا الوجه سبحانك هذا كفر عظيم.

إذن لابد من إعادة النظر في معنى الآية وأنها تدل على بقاء الله تعالى وأنه لا معنى للوجه في سياق الآيات سوى ما تواترت عليه أقوال العلماء وأنه الذات أو ما قصد به الذات من الأعمال الصالحة الخالصة.

وكذلك جاءت الآيات في العين مضافاً إلى الله تعالى :جاءت العين مضافةً إلى الله تعالى في خمس آيات : في سورة هود ( واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ) وفي سورة المؤمنون ( فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا) وفي سورة طه ( وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني ) وفي سورة الطور ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ) وفي سورة القمر ( تجري بأعيننا ) ،والمتدبر لآيات القرآن يعلم يقينا أن العين يستعمل فيه في مجازات متعددة ، فالعين تأتي حقيقة في الجارحة المعروفة الخاصة بالرؤية عند المخلوقين وهي جارية مجرى التمثيل والمجاز عن البصر والإدراك والرعاية والحفظ والرؤية والحراسة وعبر عن ذلك بالأعين لأنها آلة الرؤية والرؤية هي التي تكون بها الحراسة والحفظ في الغالب ، فتأتي كناية على شدة العناية والحراسة.

وكذلك جاءت الآيات في اليد مضافاً إلى الله تعالى :وذلك في ثمان آيات بلفظ الوحدان في أربعة مواضع والتثنية في موضعين والجمع في موضعين ، ففي سورة المائدة { بل يداه مبسوطتان} ، وبلغاء العرب يعلمون أن الوصف بغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) ، فليس الأمر على حقيقته اللفظية ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم مأمورا بعدم غل اليد أو بسطها على الحقيقة ولم يقل بذلك عاقل ، وإنما الأمر بالقصد في الإنفاق ، وهكذا هاهنا ، فالمقصود من غل اليد وبسطها المجاز عن محض البخل والجود من غير قصد في ذلك إلى إثبات يد أو غل أو بسط ، وثنيت اليد ليكون أبلغ وأدل على إثبات غاية السخاء له ونفى البخل عنه ، فإن أقصى ما ينتهي إليه همم الأسخياء من الوصف بالمبالغة في الجود والإنعام أن يعطوا ما يعطونه بكلتا يديهم.

فالآية من باب الاستعارة التمثيلية ومن نظر في علم البيان والبلاغة لا يصعب عليه تصور ذلك أبدا .

وفي سورة الفتح { يد الله فوق أيديهم } وسياق الآية يدل على الرضا ببيعتهم ، والآية لم ترد للإخبار عن الله بأن له يداً ، وأن يده هذه فوق الصحابة المبايعين ، وإنما وردت لبيان قضية أكبر من ذلك والإخبار عن مسألة أعظم ، ألا وهي تأكيد هذه البيعة وتعظيم أمرها والإخبار عن شرفها وعلو مقامها ، وربطها بالله سبحانه وتعالى مباشرة لتقوية روابطها وتوثيق عراها.

وقوله تعالى { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } ،قلت : اليد تجمع على أيد قال تعالى { ألهم أيد يبطشون بها } وقال تعالى { والسماء بنيناها بأيد } و على أيدي قال تعالى { مما عملت أيدينا } ، فلا التفات إلى من زعم أن اليد لا تجمع على أيد لأن ذلك مما جاء في القرآن والقرآن نزل بلسان عربي مبين ، والمراد بالآية هاهنا إثبات القوة والقدرة ، مثالها في ذلك تماما قوله تعالى { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } وقوله تعالى { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ }.

فهل المراد من الآيات مدح الأنبياء بوجود الأيد التي هي الجوارح مع أن جميع البشر بما فيهم الكفار والفجار لهم أيدي وأبصار ، أم أن المقصود بالأيدي في الآيات هو قوتهم في الطاعة وجدهم وتشميرهم للعبادة ، واستعير لذلك بلفظ الأيدي لأنها عادة موضع القوة والجد والعمل ، فلا شك أن المعنى المقصود هو الثاني.

وهاهنا في الآية (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) نفس المقصود إذ لم تسق الآية لإثبات جارحة لله تعالى عن ذلك لأنه نقص يتنزه الأحد الصمد عنه ، لأن الجارحة تعني الجزء والتجزؤ يضاد الأحدية التي تعني نفي التبغض ويضاد الصمدية التي تعني كمال الغنى لأن المتجزىء يحتاج إلى جزئه فصاحب اليد ( الجارحة ) يحتاج إلى يده لتناوله الأشياء وصاحب الرجل (الجارحة ) يحتاج إلى رجله ليتحرك بها وصاحب العين ( الجارحة ) يحتاج إلى عينه ليبصر بها وهكذا.

فالمتجزيء يحتاج إلى جزئه والمتبعض يحتاج إلى بعضه والله تعالى صمد له كمال الصمدية قيوم له كمال القيومية غني له كمال الغنى ، وإثبات الجارحة ليس فيه أي معنى للكمال الإلهي المتصف بكمال الأحدية وكمال الصمدية وكمال القيومية وكمال الغنى ، بل هو نقص يتنزه الله تعالى عنه ويضاد جميع تلك الصفات العلا.

ونعود إلى الآية فنقول : [تأويل حبر الأمة وترجمان القرآن للأيد في الآية بالقوة ] ، فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( والسماء بنيناها بأيد ) قال : بقوة ، وقد تأول التابعون للأيد في الآية بالقوة ، وقوله تعالى { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }.

قلت : فصحاء العرب وأهل البلاغة فيه يعلمون من قوله تعالى ( لما خلقت بيدي ) أنه كناية عن غاية الإبداع أي لما أوليته عنايتي وأظهرت فيه عجائب قدرتي وخلقته في أحسن تقويم وعلمته من العلم ما لا يعلمه غيره وفضلته في ذلك كله على غيره من المخلوقين.

هذا هو المفهوم من سياق الآيات فلم تسق الآية لإثبات جارحة لله تعالى عن ذلك لأنه نقص يتنزه الأحد الصمد القيوم الغني عنه ، لأن الجارحة تعني الجزء والتجزؤ يضاد الأحدية التي تعني نفي التبعض ويضاد الصمدية التي تعني كمال الغنى لأن المتجزئ يحتاج إلى جزئه ، والله تعالى صمد له كمال الصمدية قيوم له كمال القيومية غني له كمال الغنى ،وإلا فما الفارق عند كل منصف لم تحرق البدعة قلبه بين هذا التعبير القرآني ( لما خلقت بيدي ) وبين قوله تعالى ( مما عملت أيدينا أنعاما ) و قوله تعالى ( والسماء بنيناها بأيد ) وأيد جمع يد لقوله تعالى (ألهم أيد يبطشون بها ) فالإنسان خلق بصفة اليد والأنعام كالغنم والبقر والإبل خلقت كذلك بصفة اليد والسماء خلقت كذلك بصفة اليد .

ولا عبرة لمن اعترض على ذلك بأن إبليس كان بوسعه أن يقول وأنا خلقتني بيدك لأن الأمر بالسجود لم يكن بعلة تميز آدم بالخلق باليدين ولكن لتمحيص المطيع بالأمر من المتكبر عنه ولذلك جاء في الآية الأخرى (.. أن تسجد إذ أمرتك ).

ولا عبرة لمن قال : لو لم يكن لآدم مزية علي سائر الحيوانات باليد التي هي صفة لما عظمه بذكرها وأجله فقال ( بيدي ) ولو كانت القدرة لما كانت له مزية ، وقولهم : ميزه بذلك عن الحيوان فقد قال عز وجل : {خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما } ولم يدل هذا علي تمييز الأنعام علي بقية الحيوان وقال الله تعالي { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون } أي بقوة ولم يدل ذلك على تميز السماء على بقية المخلوقات.

فإن قالوا : القدرة لا تثن ، وقد قال { بيدي } قلنا بلي قال العربي : ليس لي بهذا الأمر يدان ، أي ليس لي به قدرة ولا يقصد سوى ذلك ، فإن قالوا إنما عبروا بذلك لأن للإنسان يد على الحقيقة ، قلنا إذن يلزمنا إثبات اليدين للرحمة {بين يدي رحمته} وللعذاب {بين يدي عذاب شديد } وللنجوى {بين يدي نجواكم صدقة } وفي هذا الإثبات من الجهل باللغة والتلاعب بثوابتها ما فيه ومن قال بذلك فلا ينبغي أن يضيع الوقت معه.

فإن أصروا وجادلوا قلنا : قال الله تعالي في محكم التنزيل { إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } ، فالقرآن نص على أن خلق عيسى كخلق آدم كلاهما بالقدرة المعبر عنها بقوله تعالى { ثم قال له كن فيكون } ، فسياق الآية يدل على أن المراد من قوله تعالى { لما خلقت بيدي } أنه كناية عن غاية الإبداع أي لما أوليته عنايتي وأظهرت فيه عجائب قدرتي وخلقته في أحسن تقويم وعلمته من العلم ما لا يعلمه غيره { وعلم آدم الأسماء كلها } ، وفضلته في ذلك كله على غيره من المخلوقين.

هذا هو المفهوم من سياق الآيات فلم تسق الآية لإثبات جارحة لله تعالى عن ذلك لأنه نقص يتنزه الأحد الصمد عنه ، لأن الجارحة تعني الجزء والتجزؤ يضاد الأحدية التي تعني نفي التبغض ويضاد الصمدية التي تعني كمال الغنى لأن المتجزئ يحتاج إلى جزئه والله تعالى صمد له كمال الصمدية قيوم له كمال القيومية غني له كمال الغنى .

على أن بعض علماء أهل السنة والجماعة أثبت بالآيات صفات لله تعالى ليست على هيئة الجارحة وإنما صفات لا نعلمها ، وهذا الوجه مقبول ضمناً ، وقد استقر قول أكثر الأصوليين على تفسير الآيات بما سيقت لأجله من إثبات معنى معين مع التنزيه وعدم التعرض لإثبات صفات إضافية لا تفيد التعظيم ولا التنزيه ، بل قد تدخل إلى التمثيل والتجسيم .

قال تعالى { لعلمه الذين يستنبطونه منهم } ، وعدم التعرض للمعنى الحقيقي المراد من الآيات المتشابهات لأنه { وما يعلم تأويله إلا الله } { والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } ، فالمتشابه كاليد والوجه ونحو ذلك فظاهره المستعمل في اللغة (( الجارحة )) مستحيل على الباري سبحانه ولا يعلم معناه على القطع إلا الله سبحانه وتعالى وأما العلماء الراسخون فقد اتفقوا على وجوب اعتقاد حقيقة وروده وعلى وجوب تنزيه الباري عن ظاهره المستحيل.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مارس 28, 2016 4:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين أكتوبر 31, 2011 9:05 pm
مشاركات: 16587

الله الله الله

ببركة سيدنا النبى وآل بيته الطيبين الطاهرين
صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا كبيرا

أخى الفاضل سهم النور

رزق الله حضرتك كل الخير وألوانه والفردوس الاعلى من الجنة بعد عمر طويل بالسعادة والصحة والعافية والستر

بارك الله لحضرتك وفى حضرتك


_________________
ومَـن تَكُـن برسـولِ اللهِ نُصرَتُـهُ *** اِن تَلْقَـهُ الأُسْـدُ فــي آجامِـهَـا تَـجِـمِ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مارس 28, 2016 5:26 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 06, 2010 8:26 pm
مشاركات: 13566
مكان: مصر
يانور سيدنا النبى كتب:

الله الله الله

ببركة سيدنا النبى وآل بيته الطيبين الطاهرين
صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا كبيرا

أخى الفاضل سهم النور

رزق الله حضرتك كل الخير وألوانه والفردوس الاعلى من الجنة بعد عمر طويل بالسعادة والصحة والعافية والستر

بارك الله لحضرتك وفى حضرتك



اللهم آمين آمين آمين...جزاكم الله خيرا أخي الفاضل سهم النور
ولك مثل ما دعوت أخي الفاضل يا نور سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام

_________________
"يس" يا روح الفؤاد


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 29, 2016 1:02 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مارس 29, 2012 9:53 pm
مشاركات: 45603

تسجيل اعجاب ومتابعه

بارك الله فيك أخى الفاضل


_________________
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 29, 2016 2:05 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7592
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 29, 2016 12:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

الأخ الفاضل الكريم (يانور سيدنا النبى) صلى الله عليه وآله وسلم :

الأخت الفاضلة الكريمة السيدة (خلف الظلال) :

الأخ الفاضل الكريم د (حامد الديب) :

مولانا الفاضل الكريم (فراج يعقوب) :

بارك الله في حضراتكم أجمعين وجزاكم الله عميم خيره وسابغ رضوانه ورزقكم سعادة الدارين اللهم آمين.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 29, 2016 12:48 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[4]الفرق بين الوجوب العقلي والوجوب السمعي :

[ الحكم العقلي ] : ينحصر في ثلاثة أقسام : الوجوب والاستحالة والجواز ، ومعنى الوجوب العقلي : هو ما لا يُتصور في العقل عدمه ، والمستحيل العقلي :هو ما لا يُتصور في العقل وجوده.

والجائز العقلي هو ما يصح وجوده وعدمه ، و [ الحكم السمعي ] ، قد يكون للوجوب إذا دل الشرع على وجوبه ، وقد يكون للجواز إذا دل الشرع على جواز وجوده وعدمه ، وقد يكون للاستحالة إذا دل الشرع على استحالته.

(تنبيه) : عند تطبيق تلك المصطلحات بدقة لن يكون هناك لبس في تعلم العلم ، فإنّه إذا قيل واجب عقلي ، فإنّ معناه الذي لا يُتصور في العقل عدمه ، وبالتالي فإنّ وجود الله تعالى واجب عقلي لأنّه لا يُتصور في العقل عدمه ، إذ وجود جميع تلك المخلوقات والنظام الذي هي فيه يوجب في العقل وجود خالقها الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.

أما ( الرحمة ) التي يتصف بها الرحمن سبحانه فإنّها واجب سمعي وليس شرعي ، وتعريفه كما ذكرنا هو الذي دل الشرع على وجوبه ، وقد أعلمنا الله تعالى بتلك الصفة بقوله تعالى : { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ المائدة : 98 ] ، فليس الواجب السمعي ما لا يُتصور عدمه ، فإنّ الله تعالى كما هو الرحمن الرحيم ، فإنّه شديد العقاب ، ولكن الواجب السمعي هو ما دل الشرع على وجوبه.

ومن ذلك نعرف خطأ غير المتخصص عندما يخلط بين الواجب العقلي والواجب السمعي ، ويتهم السادة الأشاعرة أو السادة الماتريدية المتخصصين في العقيدة على منهاج اهل السنّة والجماعة بأنّهم أثبتوا سبع صفات وألغوا بقيتها ، وحاشاهم من ذلك ، فإنّهم يتكلمون على الواجب العقلي الذي لا يُتصور في العقل عدمه ، وأما عند حديثهم على الواجب السمعي فإنّهم يجعلون جميع الأسماء الحسنى تدل على صفات واجبة لله تعالى ، والمشكلة تكمن في تشغيب الحشوي على تلك المدارس المؤصلة الراسخة في العلم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 29, 2016 12:57 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[5] الواجـب العقلي في حق الله تعالى :

يجب لله تعالى كل كمال يليق بذاته تقدس وتعالى ، وكمالات الله تعالى لا تتناهى ، ولا يحصرها العد ولا يحيط بها علمنا المحدود ، فيجب أن نؤمن بأن كل كمال يليق بذات الله تعالى واجب له ، وأن كمالاته سبحانه لا تتناهى ، وأصول تلك الكمالات كما ثبتت بالعقل الصريح والنقل الصحيح :

( أ ) الوجود :وهو صفة ثبوتية يدل الوصف بها على نفس الذات ، والمقصود بها إثبات وجود الله تعالى ، وأنه موجود ، وأنه واجب الوجود ،وضده العدم ، ودليل الوجود : وإذا كان العالم حادثا بعد ما تقرر عدمه فلا بد له من محدث إذ لا يتصور في العقل انتقاله من العدم الذي كان عليه إلى الوجود الطارئ بلا سبب ، وقد ايده الشرع بقوله تعالى : { ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ } [ الأنعام : 102 ] ، وقوله تعالى : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } [ الفرقان : 2 ].

( ب ) القدم : ومعناه عدم أولية وجوده تعالى ،فوجود الله –تعالى لا أول له ،فلم يسبق بعدم ، وضده الحدوث ، ودليل ( القدم ) ، أنّه يجب أن يكون محدث العالم قديما أي لا أولية لوجوده وإلا لافتقر إلى محدث ويلزم التسلسل فيؤدي إلى فراغ ما لا نهاية له أو الدور فيؤدي إلى تقدم الشيء على نقسه وكلاهما مستحيل لا يعقل ، وقد أيده الشرع بقوله تعالى : { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ } [ الحديد : 3 } ، مع قوله صلى الله عليه وسلم : (( اللهم أنت الأوَّلُ فليس قبلَك شيء ، وأنت الآخِر فليس بعدَك شيء )) [ أخرجه مسلم ].

( ت ) البقاء :ومعناه عدم آخرية وجوده تعالى ،فوجود الله لا آخر له فلا يلحقه عدم ، وضده الفناء ،ودليل ( البقاء ) قوله تعالى : { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ } [ الحديد : 3 } ، مع قوله صلى الله عليه وسلم : (( اللهم أنت الأوَّلُ فليس قبلَك شيء ، وأنت الآخِر فليس بعدَك شيء )) [ أخرجه مسلم ] ، وقوله تعالى : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] ، وقوله تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ } [ الرحمن : 26 ، 27 ].

( ث ) المخالفة للحوادث ، ومعناه عدم مماثله الله تعالى لشيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ، منزه عن الجسمية والحد والمقدار والجارحة والأجزاء ،وضدها المماثلة.. ودليل ( مخالفة الحوادث ) قول الله تعالى {ليس كمثلِه شيء} [سورة الشورى :11] ، وفي هذه الآية نفي المشابهة والمماثلة بين الله تعالى وخلقه ومعناه أن الله تعالى لا يشبه شيئًا من خلقه بوجه من الوجوه ، فلا يشبه وجوده وجود شيء من خلقه ، وقوله تعالى :(وللهِ المثَلُ الأعلى) [سورة النحل :60] أي الوصف الذي لا يشبه وصف غيره ، والوجود الذي لا يشبه وجود المخلوقين ، وقوله تعالى :{فلا تضربوا للهِ الأمثال} [سورة النحل :74] ، أي لا تجعلوا لله الشبيهَ والمِثْل فإن اللهَ تعالى لا شبيه له ولا مثيل له ، لا في وجوده ولا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه ، وقوله تعالى :{ هل تعلمُ لهُ سميًّا } [سورة مريم :65] أي مِثلاً ، فالله تعالى لا مِثْلَ له ولا شبيه ولا نظير ، فوجوده سبحانه لا يشبه وجود خلقه وذاتُه لا يشبه الذواتِ ولا صفاتُه تشبه الصفاتِ ، وقوله تعالى :{ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [سورة الإخلاص : 4] أي لا نظير له بوجه من الوجوه ، ولا كفء له ولا شبيه لا في وجوده ولا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه ، وقوله تعالى :{سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [سورة الأنعام :100] تنزيه وتقديس لله تعالى عن كل وصف يخطر ببال بشر لأنه ليس كمثله شيء ولا نعلم له سميا ، وقوله تعالى : {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }[سورة الأنعام : 103 ] ، ] ولو كان له مثيل لأدركته الأبصار ولكنه سبحانه لطيف لا يُدرك ، وقوله تعالى : { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا }[سورة طه :110] ولو كان له مثيل لأحاطت به علوم البشر ولكنه سبحانه تنزه وتقدس عن كل وصف يخطر ببال بشر لأنه ليس كمثله شيء ولا نحيط به علما ،وقوله تعالى : {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} والند هو العدل والمثل والنظير والشبيه ، كما جاء في التفسير ،وقد احتج علماء أهل السنة المتخصصون في العقيدة قديما وحديثا بهذه الآيات على مخالفته سبحانه للحوادث ، وعلى نفي كونه تعالى جسما مركبا من الأعضاء والأجزاء.

( ج ) :القيام بالنفس ، ومعناه عدم احتياجه تعالى إلى موجد يوجده أو مكان يحيط به أو حد يحده ، أو مقدار ينتهي إليه ، أو معين يعينه وضدّه : الاحتياج إلى المحل والمخصص ، ودليل ( القيام بالنفس ) قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [ فاطر : 15 ] ، وقوله تعالى : { فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [ آل عمران : 97 ] فدلت الآيتان على أن الله هو الغنى عن العالمين أي عن جميع ما سواه ، ولو كان تعالى محتاجاً إلى ذات يقوم بها ، أو إلى موجد يوجده لما كان غنياً عن العالمين .

( ح ) الوحدانية :الوحدانية في الذات وفي الصفات وفي الأفعال ، وفي الربوبية ، وفي الألوهية ، ومعناها عدم التعدد في الذات ، فالله تعالى واحد في ذاته منزه عن التركيب من أجزاء أو جوارح ،إذ لو تركب ذاته تعالى من أجزاء لكان الذات محتاج في تحققه إلى مجموع أجزائه ، والاحتياج دليل الحدوث ، والحدوث محال عليه تعالى ، والله تعالى واحد في صفاته ، له كمال الصفات ، وليس لغيره صفات تشبه صفاته إذ لو كان لغير الله صفات تشبه صفاته تعالى لكان ذلك الغير إلها فتعددت الآلهة لكن قام البرهان على استحالة التعدد كما قال تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] ، والله تعالى واحد في الأفعال ، هو الخالق لكل مخلوق الرازق لكل مرزوق ، خلق المخلوقات وأعمالها ، كما قال تعالى : { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [ الصافات : 96 ] ،والله تعالى واحد في ربوبيته ، لا رب للخلق سواه ، ولا مالك ولا مدبر ولا مصرف ولا مشرع إلا هو ، والدليل عليه قوله تعالى : { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } [ سورة الأنعام : 164] ، وقوله تعالى : { وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ } [ آل عمران : 64 ] ، وقوله تعالى : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}[ التوبة : 31 ،] ،والله تعالى واحد في ألوهيته ، لا معبود بحق سواه ، والدليل عليه قوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ) [ آل عمران : 64 ] ، وقوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } ،وضدّ الوحدانية التعدد ،وهو باطل لأنه لو وجد إلهاً غير الله متصف بصفات الألوهية لوجد إلهان ، ولو وجد إلهان لأمكن الخلاف بينهما كأن يريد أحدهما وجود شيء ويريد الآخر عدم وجوده فإن نفذ مرادهما معا لزم اجتماع النقيضين :وهو وجود ذلك الشيء وعدم وجوده واجتماع النقيضين باطل ،وإن لم ينفذ مرادهما معا لزم عجزهما فلا توجد هذه الكائنات ، وعدم وجودها باطل بالمشاهدة ، وإن نفذ مراد أحدهما وعجز الثاني كان من نفذ مراده هو الإله دون من عجز ، وهذا يبطل تعدد الآلهة ، كما في قوله تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، وقوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الأنبياء : ] ، وقوله تعالى : { وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ المؤمنون : 91 ].

( خ ) القدرة :وهي صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى يوجد بها الممكنات ويعدمها على وفق علمه وإرادته ،وضدها : العجز ،والدليل على القدرة : حدوث العالم وخلقه بهذا الإتقان من العدم ، والدليل الشرعي قوله تعالى : { ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة : 106 ].

( د ) الإرادة :وهي صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه من الأمور المتقابلة ،فالله تعالى وحده يخصص بإرادته الممكن بالوجود ،إذ لولا قصده لتخصيص الفعل بالوجود في زمن مخصوص على مقدار مخصوص وصفة مخصوصة للزم بقاؤه على ما كان عليه من عدم ذلك كله أبد الآباد ، وضدها الكراهة ، ولو كان كارهاً لكان عاجزاً ، وكونه عاجزاً محال ، لقوله تعالى : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}[ البروج : 16 ] ، وقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [ الحج : 14 ] ،( ذ ) العلم :وهي صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى بها انكشاف جميع الواجبات والجائزات والمستحيلات انكشافا تاما دون سبق خفاء أو جهل ، وضدها الجهل ،والدليل على العلم : ما احتوى عليه العالم من حقائق الصنع وعجائب الأسرار ،وعلم الله تعالى قديم ، متنزه عن الضرورة والنظر وإلا كان حادثا ، ويتعلق بجميع أقسام الحكم العقلي وإلا لزم الافتقار إلى المخصص ، والدليل الشرعي على العلم : قوله تعالى : { أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ البقرة : 231 ].

( ر ) الحياة :وهي صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تقتضى صحة الاتصاف بالصفات كالعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام ،وضدها الموت ،والدليل على صفة الحياة أنه لو كان ميتاً لم يكن قادراً ، ولا مريداً ، ولا عالماً ، وهو محال ، قال تعالى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا } [ الفرقان : 58 ].

( ز ) السمع : وهو صفة قديمة قائمة بذات الله تعالى ينكشف بها كل مسموع ، وضدها الصمم ، وهو محال على الله تعالى ، والدليل على صفة السمع ، قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ].

( س ) البصر :وهو صفة قديمة قائمة بذات الله تعالى ينكشف بها كل مرئي ، وضدها العمى ، وهو محال على الله تعالى ، والدليل على صفة البصر ، قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ].

( ص ) الكلام : صفة قديمة قائمة بذات الله تعالى ليست حادثة ككلام البشر ، بل الله تعالى متكلم بكلام يليق بذاته ليس كمثله شيء ، وليس كمثل كلامه كلام ،وضدها البكم ، وهو الخرس ، والدليل على صفة الكلام ، قوله تعالى : { وكلّم الله موسى تكليما } [ النساء : 64 ] ،ويلزم أن يكون تعالى سميعا بصيرا متكلما ،بسمع و بصر قديمين متعلقين بكل موجود ،وبكلام قديم قائم بذاته ليس بحرف ولا صوت ولا يتجدد ولا يطرأ عليه سكوت ولا يتصف بتقديم ولا تأخير ولا ابتداء ولا انتهاء ولا كل ولا بعض ويتعلق بكل ما يتعلق به العلم ، ويدل على اتصافه تعالى بهذه الثلاثة العقل لاستحالة اتصافه بأضدادها والنقل وهو أولى ، ويجب في حقه تعالى :كونه قادراً ، وضده كونه عاجزاً ،ويجب في حقه تعالى :كونه مريداً ، وضده كونه كارهاً ،ويجب في حقه تعالى :كونه عالماً ، وضده كونه جاهلاً ،ويجب في حقه تعالى :كونه حيّاً ، وضده كونه ميتاً ،ويجب في حقه تعالى :كونه سميعا بصيرا ؛ وضدهما كونه أصم وكونه أعمى ،ويجب في حقه تعالى :كونه متكلماً ، وضده كونه أبكم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 29, 2016 1:05 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[6] المستحيل العقلي في حق الله تعالى :

كل صفة وجبت لموصوف استحال ضدها على ذلك الموصوف ، فكل ما وجب إجمالا يستحيل ضده إجمالا ، وكل ما وجب تفصيلا يستحيل ضده تفصيلا.

وقد وجب لله تعالى إجمالا :

كل كمال يليق بذاته تعالى فيستحيل علية إجمالا كل نقص.

ووجب له تعالى تفصيلا الوجود ، والقدم ،والبقاء ، والمخالفة للحوادث ، والقيام بالنفس ،والوحدانية ،والقدرة ، والإرادة ، والعلم ، والحياة ، والسمع ، والبصر ، والكلام النفسي.

فيستحيل عليه تعالى تفصيلا : أضدادها وهى العدم ، والحدوث ، والفناء ، والمماثلة للحوادث ، وعدم القيام بالنفس ، والتعدد ، والعجز والكراهية بمعنى القهر وعدم الاختيار ،والجهل ، والموت ، والصمم ، والعمى.

والبكم فيجب على المكلف أن يؤمن باستحالة هذه الأمور عليه تعالى ، ويدل على استحالة هذه الأمور على الله تعالى أنها نقائص تنافي كمال صفات الله تعالى ، ولأن الله تعالى قد وجب اتصافه بالصفات المضادة لهذه الأمور فتستحيل عليه تعالى تلك النقائص .

ويستحيل في حقه تعالى كل ما يدل على النقص او العجز أو المشابهة للمخلوقات ، فيستحيل عليه الشريك والند والكفء والمثيل والوالد والولد والصاحبة ، ويستحيل عليه الحد والمقدار ، ويستحيل عليه الحدوث أو الفناء ، ويستحيل عليه الجهل وما في معناه كالظن والشك والوهم والغفلة والذهول والنسيان ، ويستحيل عليه العمى والصمم والبكم ، ويستحيل عليه العجز والضعف ، ويستحيل عليه الظلم وخلف الوعد ، ويستحيل عليه السنة والنوم ، ويستحيل عليه المكان والزمان فلا يحيط به مكان ، ولا يجري عليه زمان.. ويستحيل عليه مماثلة المخلوقات.

ومن ذلك نفي الجسمية التي تتصف بها ذات المخلوق ولوازمها من الصورة والشكل والجوارح والأجزاء والأعضاء التي تتصف به ذات المخلوق ، ويستحيل عليه التحيّز والاختصاص بالجهات ، ويستحيل عليه التغير والحدوث ، ويستحيل عليه حلول الحوادث في ذاته لأنها صفات المخلوق.

ويستحيل عليه الاتحاد والحلول في خلقه ، ويستحيل عليه الاتصال والانفصال لأنها صفات المخلوق.. ويستحيل عليه الأعراض التي تتصف به ذات المخلوق ، ويستحيل عليه الكيفيات الحسية التي تتصف بها ذات المخلوق ، ويستحيل عليه كافة النقائص والعيوب التي تتصف به ذات المخلوق ،لا تدركه الحواس ولا يقاس بالناس ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه ولا تجرى عليه الآفات ولا تحل به العاهات.

وكل ما خطر بالبال وتصور بالوهم فغير مشبه له لم يزل اولا سابقا متقدما للمحدثات موجودا قبل المخلوقات ولم يزل عالما قادرا حيا ولا يزال كذلك لا تراه العيون ولا تدركه الابصار ولا تحيط به الاوهام ولا يسمع بالأسماع شيء لا كالأشياء عالم قادر حي لا كالعلماء القادرين الاحياء وانه القديم وحده لا قديم غيره ولا اله سواه ولا شريك له في ملكه ولا وزير له في سلطانه ولا معين على انشاء ما انشأ وخلق ما خلق لم يخلق الخلق على مثال سبق وليس خلق شيء بأهون عليه من خلق شيء اخر ولا بأصعب عليه منه لا يجوز عليه اجترار المنافع ولا تلحقه المضر ولا يناله السرور واللذات ولا يصل اليه الاذى والآلام ليس بذي غاية فيتناهى ولا يجوز عليه الفناء ولا يلحقه العجز والنقص تقدس عن ملامسة النساء وعن اتخاذ الصاحبة والابناء.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 29, 2016 1:09 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[7] الجائز العقلي في حقه تعالى :

ففعل كل ممكن أو تركه فهو متفضل بالخلق والإنعام والإمداد والإحسان لا عن وجوب ولا إيجاب فلا يجب عليه شيء مما ذكر ، فهو المالك لكل شيء وللمالك أن يتصرف في ملكه بما يشاء كما يشاء.

فهو وحده الخالق للإيمان والطاعة فضلا منه وإحسانا ، وهو وحده الخالق للكفر والمعاصي عدلا منه سبحانه ، من يهد الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلا هادي له ، وهو الخالق للمرض والشفاء ، وهو الخالق للصحة والمرض ، وهو الخالق للغنى والفقر ، يعز من يشاء ويذل من يشاء ، ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء.

قال تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ آل عمران : 26 ، 27 ] ، وقال تعالى :{ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [ البقرة : 1 ،5 ] ، وقال تعالى : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار } [ القصص : 68 ] ، وقال تعالى : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ البروج : 16 ] ، وقال تعالى : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } [ الأنبياء : 23 ].

فيكون الجائز في حقه تعالى :فعل كل ممكن أو تركه ، كالإيجاد والإعدام ، والإسعاد والإشقاء ، والإعطاء والمنع ، والإثابة والتعذيب وإثابة المطيع وتعذيب العاصي.

ويدل على أن فعل كل ممكن وتركه جائز في حق الله :أنه قد وجب اتصافه تعالى بالقدرة والإرادة والعلم والوحدانية فثبت له الاختيار المطلق في جميع شئونه ، فيجوز منه تعالى فعل كل ممكن وتركه.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 29, 2016 1:49 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[8] الواجب السمعي في حق الله تعالى :

إنّ جميع الأسماء الحسنى تدل على صفات محكمة لله.

( فالرحمن ) : يدل على صفة الرحمة وعلى سعة رحمة الله.

و ( الرحيم ) : يدل على صفة الرحمة والإنعام على خلقه فهو المنعم ابدا ، المتفضل دوما ، ورحمته لا تنتهي.

و ( الملك ) : يدل على صفات الملك والحكم والأمر والنهي.

و ( القدوس ) : يدل على صفة التقدس من العيوب والتنزه عن النقائص وعن كل ما تحيط به العقول.

و ( السلام ) : يدل على صفة السلامة من النقص والعيب والفناء.

و ( المؤمن ) : يدل على صفة التأمين والصدق مع عباده فيما وعدهم به من الأجر والثواب.

و ( المهيمن ) : يدل على صفة الهيمنة والرعاية والوقاية والصيانة والرقابة والحفظ لكل خلقه ، والقيام على خلقه بأعمالهم ، وأرزاقهم ، وآجالهم.

و ( العزيز ) : يدل على صفة العزة التي لا ترام والقوة التي لا تقهر ، والغلبة على كل شيء.

و ( المتكبر ) : يدل على صفة التفرد بالعظمة والكبرياء والتعالي عن مشابهة الخلق.

و( الخالق ) : يدل على صفة التقدير والإيجاد لكل شيء والخلق لكل موجود سواه.

و ( البارئ ) : يدل على صفة إبراز خلقه إلى الوجود بقدرته لا عن مثال سابق.

و ( المصور ) : يدل على صفة التصوير ، وأنه هو الذي صور جميع الموجودات ، ورتبها فأعطى كل شيء منها صورة خاصة ، وهيئة منفردة ، يتميز بها على اختلافها وكثرتها.

و ( الغفار ) : يدل على صفة المغفرة الذي يغفر الذنوب ويستر العيوب في الدنيا والاخرة.

و ( القهار ) : يدل على صفة القهر والغلبة والتصريف على كل خلقه بسلطانه وقدرته.

و ( الوهاب ) : يدل على صفات الوهب والإنعام والعطاء ، فهو المنعم على العباد ، الذي يهب بغير عوض ويعطي الحاجة بغير سؤال ، كثير النعم ، دائم العطاء.

و ( الرزاق ) : يدل على صفة الرزق والإمداد فهو الذي خلق الارزاق واعطى كل الخلائق أرزاقها.

و ( الفتاح ) : يدل على صفات الفتح والتيسير والمنح فهو الذي يفتح مغلق الامور ، ويسهل العسير.

و ( العليم ) : يدل على صفة العلم بكل معلوم فهو الذي يعلم تفاصيل الامور ، ودقائق الاشياء وخفايا الضمائر ، والنفوس ، لا يغرب عن ملكه مثقال ذرة ، فعلمه يحيط بجميع الاشياء.

و ( القابض الباسط ) : يدلان على صفات المشيئة ، والقدرة ، وقبض الرزق والعطاء عمن يشاء من الخلق بعدله وحكمته ، وبسط الرزق وتوسيعه لمن يشاء من عباده بجوده ورحمته .

و ( الخافض الرافع ) : يدلان على صفات المشيئة والقدرة ، يخفض بالذل لكل من طغى وتجبر وخرج على شريعته وتمرد ، ويرفع بالعز عباده المؤمنين بالطاعات.

و( المعز المذل ) : يدلان على صفات المشيئة ، والقدرة ، والغلبة والإعزاز لمن شاء من عباده ، والإذلال لمن يشاء.

و ( السميع ) : يدل على صفة السمع لكل مسموع فهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو المحيط بكل مسموع مهما كان دقيقا.

و ( البصير ) : يدل على صفة الرؤية والبصر لكل ما كان مرئيا فهو الذي يرى الاشياء كلها ظاهرها وباطنها وهو المحيط بكل المبصرات.

و ( الحكم ) : يدل على صفة فصل القضاء بين خلقه لا راد لقضائه ولا معق لحكمه.

و ( العدل ) : يدل على صفة العدالة في الحكم بين خلقه ، والتنزه عن الظلم والجور في كل شيء.

و ( اللطيف ) : يدل على صفة اللطف والبر والرفق والتيسير والإحسان على عباده.

و ( الخبير ) : يدل على صفة الخبرة والعلم بدقائق الامور ، لا تخفى عليه خافية ، ولا يغيب عن علمه شيء.

و ( الحليم ) : يدل على صفة الحلم والصبر وستر الذنوب وتأخير العقوبة.

و ( العظيم ) : يدل على صفات العظمة والجلال.

و ( الغفور ) : يدل على صفة الغفران والتجاوز عن الذنوب والخطايا.

و ( الشكور ) : يدل على صفات الشكر وتزكية القليل ومضاعفة الأجور.

و ( العلي ) : يدل على صفات العلو والرفعة.

و ( الأعلى ) : يدل على صفات التعالي عن كل حد ومقدار.

و ( المتعال ) : يدل على صفات التعالي عن الانداد والاضداد والتعالي على الوصف فلا يحيط به وصف.

و ( الكبير ) : يدل على صفات الكبر والعظمة والجلال.

و ( الحفيظ ) : يدل على صفة الحفظ فلا يعزب عن حفظه شيء.

و ( المقيت ) : يدل على صفات التكفل بالأقوات والحفظ والتقدير والإمداد.

و ( الحسيب ) : يدل على صفات الكفاية وهو الذي عليه الاعتماد يكفي العباد بفضله.

و ( الجليل ) : هو العظيم المطلق المتصف بجميع صفات الكمال والمنعوت بكمالها المنزه عن كل نقص.

و ( الكريم ) : يدل على صفات الكرم والجود والعطاء والخير والشرف والفضل.

و ( الرقيب ) : يدل على صفات الرقابة والإحصاء والحفظ.

و ( المجيب ) : يدل على صفات الإجابة والقبول والكرم والعطاء.

و ( الواسع ) : يدل على السعة في جميع الصفات ، سعة العلم وسعة القدرة وسعة الكرم والرحمة والجود ، وسعت رحمته كل شيء.

و ( الحكيم ) : يدل على صفات العلم والخبرة والحكمة والحق واللطف وحسن التقدير .

و ( الودود ) : يدل على صفات المحبة والمودة لأوليائه.

و ( المجيد ) : يدل على صفات العزة والعظمة والمجد ونهاية الإحسان.

و ( الباعث ) : يدل على صفات البعث والنشور ، باعث الخلق يوم القيامة ، وباعث رسله إلى العباد ، وباعث المعونة إلى العبد.

و ( الشهيد ) : يدل على صفات العلم والسمع والبصر والشهادة والحضور والاطلاع على كل شيء فهو الحاضر الذي لا يغيب عنه شيء ، وهو المطلع على كل شيء والعليم بتفاصيله.

و ( الحق ) : يدل على صفات العدل والحق والصدق.

و ( الوكيل ) : يدل على صفات التكفل بالعباد وتولي أمورهم.

و ( القوي ) : يدل على صفات القوة والقدرة والغلبة والقهر.

و ( المتين ) : يدل على صفات الشدة والقوة والقدرة.

و ( الولي ) : يدل على صفات المحبة والنصرة والتولي لأمر أوليائه.

و ( الحميد ) : يدل على استحقاق صفات الحمد والثناء.

و ( المحصي ) : يدل على صفات العلم والإحصاء.

و ( المبدئ المعيد ) : يدل على صفات الخلق والإفناء والبدء والإعادة ، ويدل على صفات القدرة والمشيئة ، الذي بدأ الخلق ، والذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات في الدنيا ، وبعد الممات إلى الحياة يوم القيامة.

و ( المحيي المميت ) : يدل على صفات الإحياء والإماتة ، خالق الحياة ومعطيها لمن شاء ، يحيي الخلق من العدم ثم يحييهم بعد الموت وهو مقدر الموت قهر عباده بالموت متى شاء وكيف شاء.

و ( الحي ) : يدل على صفة الحياة ، هو المتصف بالحياة الابدية التي لا بداية لها ولا نهاية فهو الباقي ازلا وابدا وهو الحي الذي لا يموت.

و ( القيوم ) : يدل على صفة القيومية والقيام بالنفس والقيام على الخلق ، هو القائم بنفسه ، الغني عن غيره ، وهو القائم بتدبير امر خلقه في انشائهم ورزقهم.

و ( الواجد ) : يدل على صفة الوجود والغنى الكامل فهو الذي لا يعوزه شيء ولا يعجزه شيء يجد كل ما يطلبه ، ويدرك كل ما يريده.

و ( الماجد ) : يدل على صفات المجد والعز في الاوصاف والافعال.

و ( الواحد ) : يدل على صفات الوحدانية والتفرد في ذاته وصفائه وافعاله ، واحد في ملكه لا ينازعه أحد ، واحد في ربوبيته لا رب سواه ، واحد في ألهيته لا شريك له سبحانه.

و ( الصمد ) : يدل على صفات الغنى المطلق يقصد اليه في الحوائج.

و ( القادر المقتدر ) : يدل على كمال صفات القدرة والقوة ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

و ( المقدم المؤخر ) : يدل على كمال صفات المشيئة والهيمنة والحكمة والقدرة فهو الذي يقدم من استحق التقديم وهو الذي يؤخر لمن شاء من الفجار والكفار وكل من يستحق التأخير.

و ( الأول الآخر ) : يدل على صفة الأولية بلا ابتداء إذ هو القديم بذاته ، والأخروية بلا انتهاء ، إذ هو الباقي بعد فناء خلقه فليس بعده شيء ، وتلازم الاسمين يدل على كمال الوجود المنوه عن الزمان فلا يجري عليه زمان لأنه قبل الزمان وبعد الزمان.

و ( الظاهر الباطن ) : يدل على صفة الظهور فهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء ، وعلى صفة القرب لأنّه الباطن الذي ليس دونه شيء وهو اقرب الينا من حبل الوريد ، وتلازم الاسمين يدل على صفة كمال الوجود القاهر للمكان والمنزه عنه.

و( الوالي ) : يدل على صفات الولاية والتملك والتصريف والتدبير كيفما يشاء.

و ( البر ) : يدل على صفات البر والرحمة والعطف والصدق فيما وعد.

و ( المنتقم العفو) : يدل المنتقم على صفات العقوبة والانتقام من الطغاة ، وتشديد العقوبة على العصاة ، ويدل العفو على صفات العفو والكرم والمغفرة وترك المؤاخذة على الذنوب ونسيان العيوب فهو يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي ، وتلازم الاسمين يدل على كمال المشيئة.

و ( الرؤوف ) : يدل على صفات الرأفة والعطف وستر العيوب.

و ( مالك الملك ) : يدل على صفات الملك والتملك والتصرف في ملكه كيف يشاء لا راد لحكمه ، ولا معقب لأمره.

و ( ذو الجلال والاكرام ) : يدل على صفات الجلال والإكرام ، هو المتصف بصفات الجلال والكمال والعز والكبرياء العظمة ، المختص بالإكرام والمن والعطاء.

و ( المقسط ) : يدل على صفات القسط والعدل والحق وانصاف المظلوم من الظالم.

و ( الجامع ) : هو المتصف بجميع الكمالات كلها ، ذاتا ووصفا وفعلا ، وهو الذي يجمع بين الخلائق ، والذي يجمع الأولين والاخرين.

و( الغني ) : يدل على صفات الغنى والاستغناء ، فهو الذي لا يحتاج إلى شيء ، وهو المستغني عن كل ما سواه ، وهو الذي يفتقر اليه كل من عاداه.

و ( المغني ) : يدل على صفات العطاء والإغناء والكفاية ، فهو معطي الغنى لعباده ، يغني من يشاء غناه ، وهو الكافي لمن شاء من عباده.

و ( المانع المعطي ) : هو المتصف بمنع العطاء عن من يشاء ابتلاء أو حماية ، وهو المتصف بالعطاء لمن يشاء من عباده.

و ( الضار النافع ) : هو المتصف بتقدير الضر على من أراد كيف أراد ، والمتصف بتقدير النفع والخير لمن اراد كيف اراد كل ذلك على مقتضى حكمته سبحانه.

و ( النور ) : هو المتصف بتنوير السموات والأرض وما بينهما وما فيهما ، وهو الهادي لجميع خلقه ، وهو المنير لقلوب عباده بالإيمان.

و ( الهادي ) يدل على صفات الهداية لخلقه والرشاد المبين للخلق طريق الحق.

و( البديع ) : يدل على صفات الإبداع والإيجاد على غير مثال.

و ( القديم الباقي) : يدل على صفات الديمومة والقدم والبقاء ، إذ هو الأول بلا ابتداء ، وهو الآخر بلا انتهاء ، وهو وحده له البقاء ، الدائم الوجود الموصوف بالقدم الأزلي والبقاء الابدي ، غير قابل للفناء.

و ( الوارث ) : يدل على صفات البقاء ، فهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق بعد فناء الخلق ، وهو يرث الأرض ومن عليها.

و ( الرشيد ) : يدل على صفات الرشاد والهداية لمن شاء إرشاده ، متصف بعظيم الحكمة بالغ الرشاد.

و ( الصبور ) : يدل على صفات الصبر والحلم لا يعاجل العصاة بالنقمة ، بل يعفوا ويصفح ، ويؤخر العقوبة لمن شاء.

والقريب : يدل على صفات القرب من عباده فليس أحدٌ من عباده عنه ببعيد ، ولأوليائه قرب خاص بهم هو قرب العناية والمحبة والنصرة والتأييد.

و ( النصير ) : يدل على صفات النصرة لأوليائه المتقين وعباده الصالحين.

و ( الكافي ) : يدل على صفات الكفاية لعباده فهو الكافي لكل من التجأ إليه ، وتوكل عليه واكتفى به عمّن سواه.

و ( المحيط ) :يدل على صفات الإحاطة محيط بعلمه ، ومحيط بسمعه ، ومحيط ببصره ، ومحيط بقدرته ،أحاطت قدرتُه بجميع خلقه ؛ أحاط بكل شيء علمًا وأحصى كلَّ شيء عددًا ، وهو المحيطُ الذي لا سبيل إلى الفرار منه إلا إليه.

و ( الشافي ) :يدل على صفات العافية والشفاء لمن شاء من عباده.

و ( المبين ) :يدل على صفات البيان والتعليم ، خلق الإنسان علمه البيان وهو البَيِّنُ أمره المبين لعباده سبيلَ الرَّشاد والموضِّح لهم الأعمال الموجبة لثوابه والأعمال الموجبة لعقابه.

و ( السيد ) :يدل على صفات السِّيادة والشرف على الإطلاق.

و ( الرفيق ) : يدل على صفات الرفق والتيسير إذ هو الرفيق ، المُيسر والمُسهل لأسباب الخير كلها.

و ( الوتر ) يدل على صفات الوحدانية والتفرد ، إذ هو الفرد الذي لا شفع له ، ولا مثل له ،له انفراد الصفات فهو العزيز بلا ذل ، والقدير بلا عجز ، والقوي بلا ضعف ، والعليم بلا جهل ، وهو الحي الذي لا يموت ، القيوم الذي لا ينام ، ليس له ند ولا ضد واحد أحد وتر صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

و ( السُبُّوح ) : يدل على صفات التقديس والتنزيه عن كل ما لا ينبغي له وعن كل ما لا يليق به.

€و ( المنان ) : يدل على صفات المن والعطاء والإحسان.

و ( الحيي ) : يدل على صفات الحياء والكرم والجود ، حياؤه تعالى يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه وحلمه ؛ فالعبد يجاهره بالمعصية ويستعين بنعمه على معصيته ؛ ولكنَّ الرَّبَّ الحيي الستير - سبحانه - مع كمال غناه وتمام قدرته على العبد يستحيي من هَتْك سَتره وفضيحته.

و ( الستير ) :يتصف بصفات الرحمة والستر يستر على عباده العيوب والذنوب والفضائح.

فهذه الاسماء الحسنى جميعها تدل على صفات الله تعالى التي تؤدي إلى المعرفة الصحيحة بالله تعالى .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 29, 2016 2:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[9] المتشابهات أخبار لا تدل بالضرورة على صفات.

وقد اتفق علماء أهل السنّة والجماعة على تسميتها بالصفات الخبرية ،و ( الصفات الخبرية ) :هي الصفات التي وردت بها الأخبار من الكتاب والسنة الثابتة ، وهذه تدخل في المتشابهات لأنها توحي بالمشابهة أو الجارحة أو التغير والحدوث.

ومن ذلك :

( الوجه ) و ( النفس ) و ( العين ) و ( اليد ) و ( الأصابع ) و ( القدم ).

ومنها ما يوحي بالجلوس والاستقرار كالاستواء ، ومنها ما يوحي بالحركة والانتقال كالنزول والمجيء ، ومنها ما يوحي بالانفعال كالغضب والفرح والسرور والضحك.

وهذه في حقيقة الأمر أخبار تتضمن عند اثباتها على ظواهرها نقصاً يتنزه الله تعالى عنه.

وهذه نثبتها على الوجه الذي يحمل المتشابه على المحكم ، وعلى الوجه الذي يدل على الكمال ، مع تنزيه الله تعالى عن أوجه النقص فيها ، مع الاحتراس عن نفي ما أثبته الله تعالى.

ومثال ذلك ( الوجه ) اثباته على ظاهره قد يوحي بالجارحة والجزء من الله ، وهذا محال لأنّ الله تعالى أحد لا جزء له ، غني لا جارحة له ، قهار لا حد له ، متعال على النهاية فلا نهاية له ، فينبغي أنّ نسلك في ذلك طرق الراسخين في العلم ،وهي أحدى ثلاث طرق لا رابع لها :

( الطريق الأول ) اثبات الوجه على سبيل الصفة لا سبيل الجزء والجارحة.

( والطريق الثاني ) حمل الآية على المجاز المراد من الوجه وهو الذات.

( والطريق الثالث ) تفويض علمها إلى الله مع المنع من تفسيرها على ظاهرها ( الذي هو الجزء من الذات ) مع تنزيه الله تعالى عن النقص ، مع الحذر - كل الحذر - من اثبات الوجه على أنه جزء من الذات ، فهذا تشبيه ، وخروج عن إطار أهل السنّة إلى المشبهة ، لما فيه من محاذير اثبات للحد والنهاية ، واثبات للجزء والبعض والجارحة ، والله تعالى أحد صمد منزه عن الجزء والجارحة ومنزه عن الحد والنهاية.

ومثال الصفات الخبرية أيضا ( الاستواء ) فإنه إثبات لصفة خبرية ( جاء بها الخبر ) ولكن اثباتها على ظاهرها قد يوحي بالحد والنهاية لذات الله ، وهذا وصف لذات الله تعالى بالنقص ، لأنّ الحد يعني النهاية والله تعالى منزه عن النهاية لأنها سمة المخلوق المحدود.

وكذلك فإنّ عقيدة المسلمين أنّ الله تعالى أكبر من كل شيء ، وهو أكبر من الحدود ، وكل محدود فإنه يجوز أن يكون ما هو أكبر منه ، والله أكبر من كل تصور فوجب أن يكون منزها عن الحدود ، كما أنّه الواحد القهار الذي قهر الحدود ، وهو الكبير المتعال الذي تعالى عن النهايات ، فإثبات الاستواء على معناه الظاهر ( الجلوس ) ، قد يوحي بالمقابلة أو المحايثة بين الخالق والمخلوق وبين الرب والعرش المربوب ، وهذا محال لأنّ الله تعالى قهار لا حد له ، متعال على النهاية فلا نهاية له ، فينبغي أنّ نسلك في ذلك طرق الراسخين في العلم ، وهي أحدى ثلاث طرق لا رابع لها.

إما اثبات الاستواء على سبيل الصفة لا سبيل الجلوس والاستقرار ، وإما حمل الآية على المجاز المراد من الاستواء وهو علو الهيمنة والربوبية والتدبير ، وإما تفويض علمه إلى الله ، ( استواء على مراد الله ومراد رسول الله ) مع المنع من تفسيره على ظاهره ( الذي هو الاستقرار والجلوس على العرش ) مع تنزيه الله تعالى عن النقص المتمثل في الحد والنهاية والتكييف كجلوس الملك على كرسي عرشه.

مع الحذر من اثبات الاستواء على أته الجلوس ، فهذا تشبيه ، وخروج عن إطار أهل السنّة إلى المشبهة ، ومع الحذر من نفي ( الاستواء ) كأن يقول : ليس للرحمن صفة الاستواء على العرش ، فهذا تعطيل وخروج عن إطار أهل السنّة إلى الاعتزال.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 29, 2016 2:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

ومسالك علماء أهل السنّة والجماعة في اثبات تلك الصفات الخبرية ثلاثة مسالك معتمدة ، وما عداها ميل نحو الاعتزال أو الحشو.

و المسلك ( الاول ) : طريقة السلف إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة على مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ، مع الإيمان به وعدم التعرض لمعناه.

و المسلك ( الثاني ) : اثباتها صفات لله تعالى منزهة عن كل ما يخالف الأدلة القطعية التي توافرت على أنه تعالى ليس جسما ولا متحيزا ولا متجزئا ولا متركبا ولا محتاجا لأحد.

ومثال ذلك اثبات الوجه على أنّه صفة منزهة عن الجارحة والحد والصورة ، واثبات الاستواء صفة لله تعالى منزها عن الجلوس والتحيز والحد والجهة الحسية ، واثبات الضحك والغضب صفات لله تعالى منزهة عن التغير والحدوث والانفعالات الحسية ، وملخصه أنّ الاستواء ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ولا استقرار في مكان ولا مماسة لشيء من خلقه لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بائن من جميع خلقه ، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان ، وأن مجيئه ليس بحركة ، وأن نزوله ليس بنقلة ، وأن نفسه ليس بجسم وأن وجهه ليس بصورة ، وأن يده ليست بجارحة ، وأن عينه ليست بحدقة.

وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف لقوله تعالى : { ليس كمثله شيء } ، وقوله تعالى : { ولم يكن له كفوا أحد } وقوله تعالى : { هل تعلم له سميا } .

والمسلك ( الثالث ) : حملها على مجاز اللغة وحمل متشابهها على محكمها ، ومثاله حمل الوجه على الذات ، وحمل اليد على مقتضي الآية ، ففي قوله تعالى : { بل يداه مبسوطتان } تحمل على الكرم والجود والعطاء ، وفي قوله تعالى : { لما خلقت بيدي } بمزيد الإنعام والتفضل وزيادة التكريم لا اكثر بقرائن قوله تعالى : { مما خلقت أيدينا أنعاما } ، وقوله تعالى : { والسماء بنيناها بأيد } ، وقوله تعالى : { إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } ، وهكذا ، وقد تقدم بيان ذلك ، وحمل الضحك في حديث (( يضحك ربنا )) إلى علامة الرضا وإرادة الثواب ، وهكذا على ما تحمله اللغة من مجاز وبلاغة.

والفرق بين هذه المسالك : أن المسلك الاول - مذهب السلف - يعامل الآيات والأحاديث على أنها من المتشابه فلا يجزم بانه صفات أو أخبار ، فلا يفسر ولا يخوض ويرويها كما جاءت على مراد الله ومراد رسوله ، والمسلك الثاني : يعامل الآيات والأحاديث على أنها تدل على صفات منزهة عن مشابهة المخلوقين ومنزهة عن المستحيلات في حق الله تعالى.والمسلك الثالث يعاملها على انها أخبار تحمل معاني محكمة وأخرى متشابهة فيتم حمل المتشابه على المحكم عملاً بقوله تعالى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } فيفسرون الآية او الحديث بما سيق لأجله دون التعرض لمتشابه أو حمل المتشابه على المحكم.

فمثلاً حديث النزول سيق لبيان فضل الثلث الآخر وليس لبيان كيفية النزول ، فنفسره بذلك ، ولا نتعرض للنزول ، أو نجعل المقصود من النزول هو نزول الرحمة وقبول الدعاء ، مع عدم نفي خبر النزول.

وبهذه الاقوال الثلاثة أقرّت وقَبِلت وأيدت مدارس أهل السنة والجماعة المتخصصة في العقيدة وهي مدارس الاثرية والأشعرية والماتريدبة ، وقالوا يجوز لكل مسلم أن يسلك أحد تلك المسالك الجائزة ولا تثريب عليه بها ، وإنما الخلل لمن مال إلى المشبهة والمجسمة وأبى إلا الظاهر المتبادر إلى الذهن مع رفضه التنزيه ، أو مال إلى المعتزلة وغامر ونفى ما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة بحجة التنزيه.

ومن أقوال العلماء في بيان مذاهب أهل السنة والجماعة المعتمدة في باب الصفات الخبرية :

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه لحديث الرؤية : " اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين : أحدهما وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها بل يقولون : يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيء ، وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق ، وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم ، والقول الثاني : وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها ، وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفاً بلسان العرب وقواعد الأصول الفروع ذا رياضة في العلم " أهـ [شرح صحيح مسلم للنووى ج 3ص 19-20 ] ،

وقال مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي في كتابه أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات : " ومن المتشابه الاستواء في قوله تعالى { الرحمن على العرش استوى } ،وقوله : { ثم استوى على العرش } [ الأعراف 54 ] ،وهو مذكور في سبع آيات من القرآن ،فأما السلف فإنهم لم يتكلموا في ذلك بشيء جريا على عادتهم في المتشابه من عدم الخوض فيه مع تفويض علمه إلى الله تعالى والإيمان به..ويروى عن الشعبي أنه سئل عن الاستواء فقال : هذا من متشابه القرآن نؤمن به ولا نتعرض لمعناه وعن الشافعي أنه قال لما سئل عن الاستواء آمنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض غاية الإمساك وعن أحمد بن حنبل أنه قال استوى كما ذكر لا كما يخطر للبشر وكلام السلف مستفيض بمثل هذا " [أقاويل الثقات ج : 1 ص : 120/121] أهـ .

وقال عبد الباقي بن إبراهيم الحنبلي في كتابه العين والأثر في عقائد أهل الأثر : " فصل : ويجب الجزم بأن الله تعالى ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض ولا تحله الحوادث ولا يحل في حادث ولا ينحصر فيه فمن اعتقد أو قال إن الله بذاته في مكان فكافر بل يجب الجزم بأنه سبحانه وتعالى بائن من خلقه فكان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان ولا يعرف بالحواس ولا يقاس بالناس فهو الغني عن كل شيء ولا يستغني عنه شيء ولا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء ، وعلى كل حال مهما خطر بالبال أو توهمه الخيال فهو بخلاف ذي الإكرام والجلال فيحرم تأويل ما يتعلق به تعالى وتفسيره كآية الاستواء وحديث النزول وغير ذلك من آيات الصفات إلا بصادر عن النبي أو بعض الصحابة وهذا مذهب السلف قاطبة " [ العين والأثر في عقائد أهل الأثر ج : 1 ص : 34] أهـ .

وقال رحمه الله :" وقد أعلمنا جل ذكره أنه استوى على عرشه ولم يخبر كيف استوى ومن اعتقد أن الله مفتقر للعرش أو لغيره من المخلوقات أو أن استواءه على العرش كاستواء المخلوقات على كرسيه فهو ضال مبتدع فكان الله ولا زمان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان " [ العين والأثر في عقائد أهل الأثر ج : 1 ص : 60-61] أ هـ ،

وقال شيخ محدثي زمانه الإمام البيهقي : _ وهو يوضح مذهب السلف وأهل الحديث في الإستواء _ " وقوله عز وجل وهو معكم أينما كنتم إنما أراد به بعلمه لا بذاته ثم المذهب الصحيح في جميع ذلك الاقتصار على ما ورد به التوقيف دون التكييف وإلى هذا ذهب المتقدمون من أصحابنا ومن تبعهم من المتأخرين وقالوا الاستواء على العرش قد نطق به الكتاب في غير آية ووردت به الأخبار الصحيحة وقبوله من جهة التوقيف واجب والبحث عنه وطلب الكيفية له غير جائز ، أخبرنا.. سمعت يحيى بن يحيى يقول كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى كيف استوى فأطرق مالك رأسه ثم علاه الرحضاء ثم قال : الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعا فأمر به أن يخرج ،وعلى مثل هذا درج أكثر علمائنا في مسألة الاستواء وفي مسألة المجيء والإتيان والنزول..وفي الجملة يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ولا استقرار في مكان ولا مماسة لشيء من خلقه لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين بائن من جميع خلقهوأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان وأن مجيئه ليس بحركة وأن نزوله ليس بنقلة وأن نفسه ليس بجسم وأن وجهه ليس بصورة وأن يده ليست بجارحة وأن عينه ليست بحدقة وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف فقد قال ليس كمثله شيء وقال ولم يكن له كفوا أحد وقال هل تعلم له سميا ، أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا محمد بن بشر بن مطر ثنا الهيثم بن خارجة حدثنا الوليد بن مسلم قال : سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيفية ، وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن يزيد سمعت أبا يحيى البزار يقول سمعت العباس بن حمزة يقول سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول كل ما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوتهوالسكوت عليه وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث " [الاعتقاد للبيهقي ج : 1 ص : 114- 118] أ هـ


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الواجب والجائز والمستحيل في حق الله الواحد الأحد ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 29, 2016 4:33 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14241
مكان: مصـــــر المحروسة

[10] الخلاف بين أهل السنّة والجماعة وبين الحشوية يكمن في الصفات الخبرية.

لأنّ الحشوية مصرون على اعتماد ظواهر تلك المتشابهات.

قال الإمام فخر الدين الرازي في كتابه القيم أساس التقديس : (جميع فرق الإسلام مقرون بأنه لابد من التأويل في بعض ظواهر القرآن والأخبار ،أما في القرآن : فبيانه من وجوه :

( الأول ) : هو انه ورد في القرآن ذكر الوجه ، وذكر العين ، وذكر الجنب الواحد ، وذكر الأيدي ، وذكر الساق الواحدة ، فلو أخذنا بالظاهر ، يلزمنا اثبات شخص له وجهه واحد ، وعلى ذلك الوجه أعين كثيره وله جنب واحد وعليه أيد كثيره وله ساق واحده ، ولا نرى في الدنيا شخصا اقبح صورة من هذه الصورة المتخيلة ، ولا اعتقد ان عاقلاً يرضى بأن يصف ربه بهذه الصفة.

( الثاني ) : انه ورد في القرآن : أنه تعالى نور السماوات والأرض وان كل عاقل يعلم بالبديهة : أن إله العالم ليس هو هذا الشيء المنبسط على الجدران والحيطان ، وليس هو هذا النور الفائض من جرم الشمس والقمر والنار فلابد لكل واحد منا ، من أن يفسر قوله تعالى : { الله نور السماوات والارض } بأنه منور السماوات والارض أو بأنه هاد لأهل السماوات والارض ، او بأنه مصلح السماوات والارض ، وكل ذلك تأويل.

( الثالث ) : قال الله تعال : { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد } ، ومعلوم ان الحديد ما نزل جرمة من السماء الى الارض ، وقال : { وأنزل لكم من الانعام ثمانية ازواج } ، ومعلوم : أن الأنعام ما نزلت من السماء الى الارض.

( الرابع ) : قوله تعالى : { وهو معكم أينما كنتم } ، وقوله تعالى : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ، وقوله تعالى : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } ، وكل عاقل يعلم : ان المراد منه القرب بالعلم والقدرة الإلهية.

( الخامس ) : قوله تعالى : { وأسجد وأقترب } ، فإن هذا القرب ليس إلا بالطاعة والعبودية فأما القرب بالجهة : فمعلوم بالضرورة أنه لا يحصل بسبب السجود.

( السادس ) : قوله تعالى : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، وقال تعالى : { ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون }.

( السابع ) : قال تعالى : { من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا } ؟ ولا شك أنه لا بد فيه من التأويل.

( الثامن ) : قوله تعالى : ( فأتى الله بنيانهم من القواعد ) ، ولا بد فيه من التـأويل.

( التاسع ) : قال تعالى لموسى وهارون : ( إنى معكما أسمع وأرى ) ، وهذه المعية ليست إلا بالحفظ والعلم والرحمة فهذه وأمثالها من الأمور التي لا بد لكل عاقل من الاعتراف بحملها على التأويل وبالله التوفيق.

أما الأخبار : فهذا النوع فيه كثرة.

( فالأول ) : قوله عليه السلام حكاية عن الله سبحانه وتعالى : (( مرضت فلم تعدني ، استطعمتك فما أطعمتني ، أستسقيتك فما أسقيتني )) ، ولا يشك عاقلاً : أن المراد منه التمثيل فقط.

و ( الثاني ) : قوله صلى الله عليه وسلم ( حكاية عن ربه ) من أتاني يمشى أتيته هرولة ، ولا يشك عاقلاً في أن المراد منه التمثيل والتصوير.

و ( الثالث ) : نقل الشيخ الغزالي ـ رحمه الله ـ عن أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ أنه أقر بالتأويل في ثلاثة أحاديث : أحدهما : قوله عليه السلام : الحجر الأسود : يمين الله في الأرض ، و ثانيها : قوله عليه السلام : إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمين ، و ثالثها : قوله عليه السلام ( حكاية عن الله عز وجل ) : أنا جليس من ذكرني.

و ( الرابع ) : حكى أن المعتزلة تمسكوا في خلق القرآن بما روى عنه عليه السلام أنه تأتى سورة البقرة وآل عمران ، كذا وكذا ( يوم القيامة )كأنهما غمامتان ، فأجاب أحمد بن حنبل ( رحمه الله ) وقال : يعنى ثواب قارئيهما وهذا تصريح ( منه ) بالتأويل.

و ( الخامس ) : قوله عليه السلام إن الرحم يتعلق بحقوتي ، الرحمن ، فيقول سبحانه وتعالى : أصل من وصلك ، وهذا لابد له من التأويل.

و ( السادس ) : قال عليه السلام إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار ولا بد فيه من التأويل.

و ( السابع ) : قال عليه السلام : قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن وهذا لا بد فيه من التـأويل لأننا نعلم بالضرورة : أنه ليس في صدورنا أصبعان بينهما قلوبنا.

و ( الثامن ) : قوله عليه السلام ـ حكاية عن الله تعالى ـ : أنا عند المنكسرة قلوبهم وليست هذه العندية إلا بالرحمة وأيضاً : قال صلى الله عليه وسلم ـ حكاية عن الله تعالى في صفة الاولياء ـ : فإذا احببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ومن المعلوم بالضرورة أن القوة الباصرة التي بها يرى الاشياء ليست هي الله سبحانه وتعالى.

و ( التاسع ) : قال عليه السلام ـ حكاية عن الله سبحانه وتعالى : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري والعاقل لا يثبت لله تعالى إزار ورداء.

( العاشر ) : قال عليه السلام لأبى بن كعب : يا أبا المنذر أية أية في كتاب الله تعالى أعظم ؟ فتردد فيه مرتين ، ثم قال في الثالثة أية الكرسي فضرب يده ـ عليه السلام ـ على صدره ، وقال : أصبت ،والذى نفسى بيده ، إن لها لساناً يقدس الله تعالى عند العرش ولا بد فيه من التأويل.

فثبت بكل ما ذكرنا : إن المصير الى التأويل أمر لا بد منه لكل عاقل ، وعند هذا قال المتكلمون : لما ثبت بالدليل أنه سبحانه وتعالى منزه عن الجهة والجسمية ، وجب علينا أن نضع لهذه الألفاظ الواردة في القرآن والأخبار : محملاً صحيحاً ، لئلا يصير ذلك سبباً للطعن فيه ) أهــ [ أساس التقديس : 43 ، 44 ].


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 84 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2, 3, 4, 5, 6  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 2 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط