موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 11 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: تيسير شرح جوهرة التوحيد للشيخ البيجوري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 30, 2015 2:31 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، و العاقبة للمتقين ، و لا عدوان إلا على الظالمين.

و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين .

و أشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبد الله و رسوله الصادق الوعد الأمين .

اللهم صل على سيدنا و مولانا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق و الهادي بإذنك إلى صراطك المستقيم و على آله وسلم حق قدره و مقداره العظيم .

وارض اللهم عن سادتنا الصحابة أجمعين خاصة الأربعة الراشدين والعشرة المبشرين و أصحاب بدر الغر الميامين وعن التابعين و تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد :

تعد منظومة (جوهرة التوحيد) للشيخ برهان الدين إبراهيم بن حسن اللقاني المتوفى 1041هـ جامعة لمسائل علم التوحيد وقد كثرت الشروح عليها ، وأول من شرحها هو الشيخ اللقانى نفسه ، ومن بعده ابنه الشيخ عبد السلام اللقانى المتوفى 1078هـ .

ومن أنفع هذه الشروح شرح الشيخ إبراهيم بن محمد بن أحمد البيجوري الشافعي سنة 1277هـ المسمى (تحفة المريد)، وهي ثمرة من ثمرات المذهب الأشعري؛ مذهب أهل السنة والجماعة الذي تلقته الأمة بالقبول ، وكتب الله له البقاء والذيوع والانتشار .

مقدمة

قال الناظم رحمه الله :

بِســـــمِ اللَه ِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

1ـ الــحــمــدُ لِله عَلَــى صِـلـاتِــهِ *** ثُـمَّ سَـلامُ اللهِ مَعْ صَـلـاَتِـهِ

2ـ عَلَــى نَبِــيِّ جَــاءَ بِالـتَّـوْحِـيـدِ *** وَقَدْ خَلَا الدِّينُ عَنِ التَّوْحِيدِ

3ـ مُــحَــمَّــدُ الْـعَـاقِـبْ لِرُسْلِ رَبِّهِ *** وَآلِـــهِ وَصْــحِـــبِــهِ وَحِــزْبِــهِ

4ـ وَبَعْـدُ: فَالْـــعِلْــمُ بأَصْـلِ الدِّيـنِ *** مُــحَــتَـمٌّ يَحْـتَـاجُ لِلـتَّـبْـيِين

5ـ لكِن مِنَ التَّطْوِيِل كَـلَّتِ الْهِمَمْ *** فَـصَارَ فِيهِ الاِخْتِصَارُ مُلْـتَـزَمْ

6ـ وَهــذِهِ أُرْجُــوزَةٌ لَــقَّـبْــــتُــهَــا *** جوْهَرَةَ التَّوْحِيدِ قَدْ هَذَّبْتُهَا

7ـ وَاللهَ أَرْجُو فِي الْقَـبُـولِ نَـافِـعًـا *** بِهَا مُرِيدًا فِي الثَّوابِ طَامِعًا

جمع الناظم رحمه الله في افتتاحية مقدمته بين البسملة والحمدلة اقتداءً بالقرآن الكريم؛ حيث جاء فى الحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ :
(( كل أمر ذى بالٍ لا يُبْدَأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع )) (رواه الرهاوي في الأربعين عن أبي هريرة ) ، وقوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : (( كلُّ أمرِ ذي بالٍ لا يُبدأ فيه بالحمد لله أقطع )) . أى ناقص وقليل البركة . ( رواه ابن ماجه ، والبيهقي عن أبي هريرة )

فحمدًا لله على نعمه التي هي صِلاتٌ وصل بها ــ تعالى ــ عباده ، وصلاة وسلاماً على نبيه الذي جاء بدين التوحيد في جاهلية خلا فيها دين الناس من دين التوحيد، فأرشد الخلق للدين الحق ، ونصر الدين بكل ما أُوتي من وسائل ، صلوات الله وسلامه على نبينا العاقب الذي جاء عقب الأنبياء والرسل وآخرهم ، فلا نبي بعده ولا رسول وعلى آله وصحبه وحزبه : { أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة:22) .



1 )
المبادئ العشرة لعلم التوحيد


1 ــ التعريف بعلم التوحيد :

للتوحيد ثلاثة معانٍ :

أحدها لغوي : وهو العلم بأن الشئ واحد.

وثانيها شرعي : وهو إفراد المعبود بالعبادة، مع اعتقاد وحدانيته، والتصديق بها ذاتاً وصفاتٍ وأفعالاً ، فليس هناك ذات تشبه ذاته ، ولا صفة تشبه صفاته ، ولا فعل يشبه أفعاله ، أو هو إثبات ذات غير مشبهة للذوات ، ولا معطلة عن الصفات .

وثالثها اصطلاحي : بمعنى الفنِّ المدوَّن أي : تطبيق القواعد العامة لعلم التوحيد وهو : علم يُقتدر معه على إثبات العقائد الدينية المكتسبة من أدلتها اليقينية ، أو هو علم يُبَحثُ فيه عن ذات الله ، وصفاته ، وذات رسله ، وعن أحول الممكنات والسمعيات وليس المقصود بالبحث عن ذات الله معرفة كنهها ، فإن هذا مما تتقاصر عنه الهمم فلا يعرف الله إلا اللهُ ، وإنما المقصود معرفة ما يجب له ــ سبحانه من صفات الجلال والكمال ــ وما يجوز من الأفعال وما يستحيل عليه من كل ما لا يليق به ، والبحث عن الصفات من حيث إثباتها بالأدلة اليقينيَّة ، وتقسيمها إلى نفسية ، وسلبيّة، ومعانٍ ، ومعرفة ما يتعلق بها وما لا يتعلق .

أما البحث عن الرسل ، فمن حيث ما يجب لهم ، وما يجوز ، وما يستحيل عليهم ، وعن حكم الرسالة ، وإثباتها بالمعجزة ، والبحث عن الممكنات ، من حيث إثبات موجِدِها .

والبحث عن السمعيات ، من حيث اعتقاد وجودها ، ووقوعها كما أخبر بذلك المعصوم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .

يتبع بمشيئة الله .

_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تيسير شرح جوهرة التوحيد للشيخ البيجوري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 01, 2015 4:57 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936
تابع المبادئ العشرة لعلم التوحيد

2 ـ موضوع علم التوحيد :

يُبحَث فيه عما يجب لله من صفات الجلال والكمال ، وما يستحيل عليه من كل ما لا يليق به ، وما يجوز من الأفعال ، وعما يجب للرسل والأنبياء ، وما يستحيل عليهم ، وما يجوز فى حقهم ، وما يتصل بذلك من الإيمان بالكتب المُنزَّلة ، والملائكة الأطهار ، ويوم البعث والجزاء والقضاء والقدر .

3 ـ ثمرته :

معرفة الله بالبراهين القطعية ، والفوز بالسعادة الأبدية .

4 ـ فضله :

هو أشرف العلوم ؛ لأنه متعلق بذاته ـ تعالى ـ ، وذات رسله ، وما يتبع ذلك من أركان الإيمان ، وشرف الشئ بشرف موضعه.

5 ـ نسبته :

هو بالنسبة للعلوم الشرعية أصل لها ، وهي فروع ولوازم بالنسبة له .

6 ـ واضعه :

ينسب وضع هذا العلم من حيث تدوين مسائله ، والاستدلال عليها بإقامة الحجج ودفع الشبه إلى الشيخين الجليلين : أبي الحسن الأشعري(1) ، أبي منصور الماتريدي (2) ؛ لأنهما أشهر من ألّف فيه ، وردَّ على المنحرفين بالنقل والعقل على مذهب أهل السنة والجماعة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أبو الحسن الأشعرى ولد بالبصرة 260هـ ، توفي في بغداد 324هـ وهو من نسل الصحابي الجليل أبو موسى الأشعرى .
(2) هو أبو منصور الماتريدي ، ولد في عهد الخليفة العباسي المتوكل ، وتُوُفِّي 333هـ ، وهو من ماتريد إحدى بلاد ما وراء النهر ( أوزباكستان وكازخستان حالياً).


أما إن أريد بالتوحيد العقيدة ، فقد جاء بها الرسل في جميع الشرائع ، من آدم إلى خاتمهم نبينا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وهي عقيدة باقية لا تتغيَّر إلى يوم القيامة .

7 ـ اسمه :

يطلق على هذا العلم عدَّة أسماء : أشهرها علم التوحيد ؛ لأن مبحث الوحدانية أهم مباحثه وأشهرها .
ويسمى أيضًا علم الكلام ؛ لأن المتقدِّمين كانوا يبدءون مباحثه بقولهم : الكلم فى كذا ، أو لأنه كثر الكلام في صفة الكلام الواجبة لله نعالى .
وله أسماء أخرى ، منها علم أصول الدين ، وعلم العقيدة ، والفقه الأكبر .

8 ـ استمداده :

أدلته مستمدة من الأدلة النقلية ــ القرآن الكريم والسنة النبوية ــ والأدلة العقلية ، المُعتَمِدَة على القواعد المنطقية .

_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تيسير شرح جوهرة التوحيد للشيخ البيجوري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 02, 2015 2:05 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936
تابع المبادئ العشرة لعلم التوحيد

9 ـ حكمه شرعاً :

يجب شرعاً ــ وجوباً عينيَّا ــ على كل مكلَّف من ذكر أو أنثى أن يعرف مسائل هذا العلم ، ولو بطريق الإجمال ، وأما معرفة مسائل هذا العلم بالأدلة التفصيلية فهي فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط الطلب عن الباقين .
والدليل الإجمالى أي : في الجملة ــ هو الذي يعجز من يستدل به عن ذكر تفاصيله ، والجواب عن الشُّبَه الموجهة إليه ، وأما الدليل التفصيلي فهو الذي يستطيع صاحبه تقريره ، وحلَّ الشُّبه الموجَّهة إليه . مثال ذلك إذا قيل لك : ما الدليل على وجود الله تعالى ؟ فقلت : العالَم ، ولم تعرف جهة الدلالة ، فهو دليل إجمالي ، وكذلك إذا عرفت جهة الدلالة ، ولم تقدر على حلِّ الشُّبَه الواردة عليه.
أما إذا عرفت جهة الدلالة فقلت : العالَم حادثٌ وقدرت بعد ذلك على إقامة دليل الحدوث ؛ وردِّ الشُّبَه البواردة عليه ، فهذا دليل تفصيلي .

10 ـ مسائله :

قضاياه التي تبحث عن الواجبات ، والجائزات ، والمستحيلات ، وتُعتبر هذه مبادئ ومقدمات للعلم .

_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تيسير شرح جوهرة التوحيد للشيخ البيجوري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 02, 2015 3:16 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936

(2)


[

: التكليف والمكلَّف



قال النَّاظِمُ رحمه الله :

8 ـ فكُلُّ مَنْ كُلِّفَ شرعاً وَجَبَا ...........................

تجب معرفة الله ــ تعالى ــ على كل فرد من المكلفين من الإنس والجن ، ذكراً كان أو أنثى ، دون الملائكة على المشهور ؛ لأنهم خُلِقوا وجُبِلوا على المعرفة والطاعة .

تعريف التكليف :
التكليف : طلب ما فيه كُلفةٌ ومشقَّةٌ ، أو هو إلزام ما فيه كُلفةٌ ومشقّة .

والأحكام التكليفية خمسة : الإيجاب ، والندب ، والتحريم ، والكراهة ، والإباحة .
فعلى القول بأن التكليف طلب ما فيه كُلفَة ، فهو يشملها ما عدا الإباحة ، وعلى القول بأنه إلزام ، فلا يشمل إلبا الواجب والمحرم .
ولما كان التكليف طلباً أو إلزاماً ، فلا بدَّ أن يكون المكلَّف قابلًا لهذا التكليف مستعداً له ، قادراً عليه ؛ وإلا سقط التكليف .

تعريف المكلَّف :
هو البالغ العاقل ، الذي بلغته الدعوة ، سليم الحواسِّ .

شروط التكليف :
ذكر الشارح أربعة شروط للتكليف وهي :
1 ـ البلوغ . 2 ـ العقل . 3 ـ بلوغ الدعوة . 4 ـ سلامة الحواس .

محترزات الشروط :
1 ـ وخرج بشرط البلوغ : الصبي ، فليس مكلفاً ، فمن مات قبل البلوغ فهو ناج ، ولو كان من أولاد الكفار ، ولا يعاقب على كفرٍ ولا غيره ، وذلك لقوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ
(( رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاث ... الصبي حتى يبلغ )) {أخرجه ابن ماجه بسند صحيح }. خلافاً للحنفية فقد قالوا : بتكليف الصبي العاقل .

2 ـ وخرج بشرط العقل المجنون ، فليس بمكلف ، ومثله السكران المتعدي ، فإن تعدَّى بسكره ، كأن تعمد شُرب المسكر ، وهو عالم بحاله ، فهو مكلَّف كالعاقل ، لكن محلّ ذلك إن بلغ مجنوناً أو سكراناً ، واستمرَّ على ذلك حتى مات ، بخلاف ما لو بلغ عاقلاً ثم جُنَّ أو سكِر متعدياً ثم مات ، فهو على ما كان عليه قبل ذلك .

3 ـ وخرج بمن بلغته الدعوة ، من لم تبلغه ، وذلك بأن نشأ في معزِلٍ عن الناس ، ولم يتصل بأحد ، أو كان في مكان ٍ بعيدٍ لم تصل الدعوة إليه ، أو بلغته الدعوة بلوغاً مشوَّهًا ، كعوامِّ الأجانب الذين لم يعرفوا عن الإسلام إلا ما نقله لهم رؤساؤهم الدينيون نقلاً غير صحيح ، وهم في غير دار الإسلام ، فليس بمكلَّف على الأصحِّ ، خلافاً لمن قال بأنه مكلف ؛ لوجود العقل الكافي فى وجوب المعرفة عندهم ، وإن لم تبلغه الدعوة .
ولا بد من بلوغ دعوة الرسول للمُكَلَّفِ الذي أُرْسِلَ إليه.

[/font]

_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تيسير شرح جوهرة التوحيد للشيخ البيجوري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 03, 2015 6:47 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936

تابع التكليف والمكلَّف



التعريف بأهل الفترة وحكمهم :
أهل الفترة ، وهم من كانوا بين أزمنة الرسل ، أو في زمن رسول لم يُرسَل إليهم ، ناجون وإن بَدَّلُوا وغيَّروا وعبدوا الأصنام ، وهذا هو الصحيح على مذهب أهل السنة ؛ لورود الأدلة النقليَّة الصريحة على ذلك ، قالى تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } ( الإسراء : 15 ).
فإن قيل : كيف هذا مع أن ـ النبى ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أخبر بأن جماعة من أهل الفترة في النار ، كامرئ القيس ، وحاتم الطائي ، وبعض أباء الصحابة ، فإن بعض الصحابة سأل ـ النبى ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو يخطب فقال : أين أبي ؟ ، فقال ـ النبى ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : ((في النار)) {أخرجه مسلم}.

أجيب : بأن أحاديثهم أحاديث آحاد(1) ، وهي لا تعارض القطعيَّ ، وهو قوله ـ تعالى ـ : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } ( الإسراء : 15 ).
كما أنه يجوز أن يكون تعذيب من صحَّ تعذيبه منهم ؛ لأمر يختصّ به يعلمه الله ـ تعالى ـ ، ورسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) خبر الآحاد : هو مارواه راوٍ واحد ، أو أكثر ، ولم يصل إلى حد التواتر .


حكم أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
إذا كان أهل الفترة ناجين ، فإن أبوي النبي ـ صلى الله عليه آله وسلم ـ ناجيان ؛ لكونهما من أهل الفترة ، بل جميع آبائه وأمهاته ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ناجون ، لم يدخلهم كفرٌ ، ولا رجسٌ ، ولا عيبٌ ، ولا شئٌ مما كان عليه الجاهلية ؛ لأدلَّة نقليَّة كقوله ـ تعالى ـ : {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} (الشعراء:219) ، وقوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : (( لم أزل أتنقل من الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الزاكيات )) { أخرجه النبهاني في الأنوار المحمدية } ، وغير ذلك من الأحاديث البالغة مبلغ التواتر(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هو مارواه جمع عن جمع ، يحيل العقل تواطؤهم على الكذب.


_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تيسير شرح جوهرة التوحيد للشيخ البيجوري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 03, 2015 6:57 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936

تابع التكليف والمكلَّف



حكم من لم تبلغه الدعوة في وقتنا الحاضر :
يجري حكم أهل الفترة على من لم تبلغه الدعوة في وقتنا الحاضر؛ لاشتراكهم معهم في عدم وصول الدعوة إليهم ، ومع ذلك فإن مسئولية عدم تبليغهم تقع على كل مسلم قادر ، كلٍّ حسب قدرته وعلمه وطاقته .
4 ـ وخرج بشرط سلامة الحواس من فَقَدَ حواسَّه التي تمكِّنه من العلم بدعوة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، فلو خلق الله إنساناً أعمى أصمَّ وليست هناك وسيلة يعلم بها لسقط عنه وجوب النظر والتكاليف .

والخلاصة :
أن المعرفة تجب على كل مكلف .
والمكلف هو البالغ العاقل سليم الحواس الذي بلغته الدعوة ، فالمعرفة لا تجب على الصبي ، ولكن يجب على وليه تعليمه العقيدة ومبادئ الدين حسب قوة فهمه ؛ لينشأ مسلمًا واعيًا سليمَ العقيدة ، ولتحفظه العقيدة من الزيغ إذا بلغ ، ولا تجب المعرفة على المجنون ، ولا على فاقد السمع والبصر معاً ؛ لأنه لا طريق لمعرفته فإذا وجدت طريقة للمعرفة وجبت عليه ، كما لا تجب المعرفة على من مات قبل بعثة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، يعني من مات في فترة ليس فيها رسول الله مبعوث أو يوجد رسول ولكن مرسل إلى قوم دون آخرين .
فالمُرسَلُ إليهم هم المكلفون المسئولون إذا بلغتهم دعوة رُسُلِهم ، ومن لم يُرسَل إليهم رسول يعتبرون معذورون ، وكذلك من أُرسِل إليهم رسول ولم تبلغهم دعوته ، والدليل على ذلك قوله ـ تعالى ـ : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } ( الإسراء : 15 ).

_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تيسير شرح جوهرة التوحيد للشيخ البيجوري
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 05, 2015 12:22 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936

(3)
ما يجب على المكلف وأقسام الحكم العقلي



قال النَّاظِمُ رحمه الله :
9 - فَكُلُّ مَنْ كُلِّفَ شَرْعاً وَجَبَا *** عَلَيْه أَنْ يَعْرِفَ مَا قَدْ وَجبَا.
10 - لِلهِ والجائِزَ والمُمتنِعَا *** ومَثلِ ذا لِرُسْلهِ فاستمِعا.

المعرفة لغة واصطلاحاً :
المعرفة في اللغة : الإدراك والعلم .
وفي الاصطلاح : المعرفة والعلم ، معناهما واحد ، ـ أي : مترادفان ـ وهي : الإدراك الجازم المطابق للواقع الناشئ على دليل .

شرح التعريف :
الإدراك : جنسٌ في التعريف ، يشمل الجازم وغير الجازم .
الجازم : قيد في التعريف ، يخرج به الظنُّ ، ـ وهو إدراك الطرَف الراجح ـ ، ويخرج به الوهم ، ـ وهو : إدراك المرجوح ـ ، ويخرج به الشكُّ ، ـ وهو : استواء الطرفين.
المطابق للواقع : يخرج به غير المطابق ، وكجزم المُلحِد بعدم وجود الله .
عن دليل : يخرج به التقليد ؛ لأنه ليس ناشئًا عن دليل ؛ بل ناشئ عن الأخذ بقول الغير على ما سيأتي.

حكم معرفة الله :
أوجب الله ـ سبحانه ـ على كل فرد من أفراد المكلَّفين معرفته سبحانه وتعالى .
والمقصود بالمعرفة هنا : معرفة صفات الله ـ تعالى ـ ، من حيث ما يجب ، وما يجوز ، وما يستحيل في حقه ـ تعالى ـ ، وكذا الرسل ـ عليهم السلام ـ ، وليس المقصود معرفة ذاته ـ تعالى ـ ؛ لأن ذلك أمر لا سبيل إليه ؛ إذ لا يعرف ذاته وكُنْهَ حقيقته إلا هو ، وفي الحديث : (( تفكَّروا في الخلق ، ولا تُفكِّروا في الخالق ، فإنه لا تحيط به الفكرة )) {أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي }، فلا يعرف اللهَ إلا اللهُ ، وتَرْكُ الإدْرَاكِ إِدْرَاكٌ ، والبحث في الذات إشراك ، سبحانه : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ( الأنعام : 103) .
والمراد إذًا بمعرفة الله تعالى ، معرفة صفاته واسمائه وسائرأحكام الألوهية لا معرفة ذاته وكنه حقيقته.

_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تيسير شرح جوهرة التوحيد للشيخ البيجوري
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 05, 2015 3:50 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936

تابع مايجب على المكلف وأقسام الحكم العقلي



الدليل على وجوب معرفة الله :
قوله ـ سبحانه ـ : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ } ( محمد : 19 ) ، وإجماع الأمة على وجوب الإيمان ، ودعوة المخالفين إلى الإيمان، وعلى وجوب الفروع ، كالصلاة ، والصوم ، وما لا يتمّ الواجب إلا به ، فهو واجب .

رأي العلماء في طريق وجوب المعرفة :
ذهب الأشاعرة إلى أن معرفة الله واجبة بالشرع ، وكذلك سائر الأحكام ؛ إذ لا حكم قبل ورود الشرع في الأصول ، ولا في الفروع فعن أهل السنة الحَسَنُ : ما حسّنه الشرع ، والقبيح ما قبّحه الشرع .
وذهبت المعتزلة إلى أن الأحكام كلها ثبتت بالعقل ، وأما الشرع فإنما جاء مقرِّرًا ومؤكِّدًا لما أثبته العقل ، وهذا بناءً على مذهبهم في التحسين والتقبيح العقليين ، فعندهم أن الحسن هو : ما رآه العقل ، والقبيح هو : ما رآه العقل قبيحاً ، وعندهم ، أنه إذا أدرك العقل حُسْنَ شيءٍ حكم بوجوبه ، ووجب أن يجيء الشرعُ فيه مطابقًا لما حكم به العقل .
وذهب الماتريدي ، ومن شايعه إلى أن معرفة الله تعالى يدرك وجوبها العقل ، لكن على معنى أنه لو لم يرد الشرع لأدرك العقل ذلك اسقلالًا لكونه أمرًا واضحًا ، ولم يبنوا ذلك على التحسين العقلي ، كما فعل المعتزلة ، فالمذاهب في مسألة المعرفة ثلاثة :

الأول : مذهب الأشاعرة : وحاصله أن جميع الأحكام ، ومنها معرفة الله تعالى إنما ثبتت ـ وجبت ـ بالشرع ، ويكلَّف بها العقلاء أى بشرط العقل .

والثاني : مذهب الماتريدي: وحاصله أن معرفة الله وحدها ، ثبتت بالعقل المستقيم الخالي من الهوى والتقليد وعدم اعتبار العقل سبيلًا لمعرفة الله يكون إهمالًا له ولوظيفته التي هي النظر والتفكير ، أما سائر الأحكام ، فلا تثبت إلا بالشرع .

والثالث : مذهب المعتزلة : وحاصله أن الأحكام كلها ـ ومنها معرفة الله تعالى ثبتت بالعقل ، وجاء الشرع مبينًا ومؤكدًا لما أثبته العقل .

_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تيسير شرح جوهرة التوحيد للشيخ البيجوري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 06, 2015 3:41 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936

تابع مايجب على المكلف وأقسام الحكم العقلي



بيان الحكم وأقسامه :

لما كان المكلف مطالبًا بمعرفة ما يجب وما يجوز وما يستحيل عليه ـ سبحانه وتعالى ـ يَحْسُنُ أن نبين معنى الحكم وأقسامه .

تعريف الحكم : هو إثبات أمرٍ لأمرٍ ، أو نفيُه عنه ، فقولنا : محمدٌ ناجحٌ ، قضيةٌ موجبةٌ ، أثبتنا فيها الأمر الثاني ، وهو الناجح ، للأمر الأول ، وهو محمد ، وقولنا : محمد ليس بناجح ، قضية سالبة ، سَلَبَتِ النجاحَ عن محمد .
وينقسم إلى ثلاثة أقسام عقلي ، وشرعي ، وعادي .

فالحكم العقلي : هو إثباتُ أمرٍ لأمرٍ ، أو نفيُه عنه ، دون توقُّفٍ على تجربة ، أو حكم الشارع .
كقولنا : الكلُّ أكبر من الجزء .

والحكم الشرعي : هو إثبات أمرٍ لأمرٍ ، أو نفيُه عنه ، استناداً إلى القرآن الكريم ، والسنة المطهرة .
كقولنا : حجُّ البيت الحرام واجبٌ على كل مسلم مستطيع .

والحكم العادي : هو إثبات أمرٍ لأمرٍ ، أو نفيُه عنه ، استناداً إلى العادة والتجربة .
كقولنا : يقطع السكين اللحم ، وقولنا : الغذاء الجيِّد يقوِّي البدن ويُنَمِّيه .
والحكم العادي له اتصال وثيق بالكونيات ، وسنن الله فيها ، وما يجريه البشر عليها من التجارب ، وما يستفاد منها بالتكرار.
والذي يُهمنا في دراسة علم العقيدة ، هو الحكم العقلي وأقسامه ، ويتوقف عليه الكثير من مسائله ، فوجود الله ـ تعالى ـ واجب عقلًا ، وإرسال الرسل جائزٌ عقلًا ، وشريك للباري مستحيلٌ عقلًا .

_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تيسير شرح جوهرة التوحيد للشيخ البيجوري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 10, 2015 5:10 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936

تابع مايجب على المكلف وأقسام الحكم العقلي



تعريف الحكم العقلي وأقسامه :


الحكم العقلي هو : إثبات أمرٍ لأمرٍ ، أو نفيُه عنه ، بواسطة العقل .
وأقسامه ثلاثة :

1 ـ واجب . 2 ـ جائز . 3 ـ مستحيل .

1 ـ الواجب : هو الأمر الثابت الذي لا يتصور العقل انتفاءه ، وهو قسمان :
أ ــ ضروري بدهي : يدركه كل إنسان بغير نظر مثل صغر الولد في السن عن أبيه ، وكون الواحد أقل من الاثنين .
ب ــ نظري : ما يصل الإنسان إليه بعد النظر والتفكير ويحتاج إلى دليل .

2 ـ الجائز : ويسمى الممكنُ : وهو الذي يفيد الثبوت تارة والعدم تارة أخرى ، وهو قسمان :
أ ــ ضروري : كالحركة ، أو السكون للجسم .
ب ــ نظري : كجواز تعذيب المطيع ، وكجواز إثابة العاصي .

3 ـ المستحيل : وهو ما لا يتصور في العقل وجوده ، وهو قسمان :
أ ــ ضروري : كخُلُوِّ الجسم عن الحركة والسكون ، والابن أكبر من أبيه .
ب ــ نظري : مثاله شريك للباري .
ومعنى كون الوجوب والاستحالة والجواز أحكاماً عقلية : أنها لازمة لما حُكِمَ له بها لا تقبل التخلف عنه ولا الانفكاك .

تنبيه :

ويلاحظ أننا نسبنا الوجوب والاستحالة والجواز إلى العقل ، فالعقل الإنساني إذاً هو الذي يبحث ، وهو الذي يحكم ، وعلى أساس حكمه تبنى النتائج ــ فلا مجال هنا في إثبات العقيدة للتقليد ، ولا للوارثة ، ولا للعادات ولا للأهواء ، ولا للشهوات ، إنما المجالُ مجالُ العقلِ السليمِ الحر ، غير المكتوبِ وغير المعلول .

وسوف نجد في مسيرتنا مع هذا العلم أننا نستدل بآيات من كتاب الله تعالى ، فلا يقال ولا يجوز لأحد أن يقول : كيف تستدلون بكتاب الله على قضايا قررتم أن العقل هو الحكم فيها ؛ لأننا نقول : أننا نستدل بكتاب الله تعالى فيما يعرضه علينا من آيات تُحرِّك عقولنا وتفتح لها مجالات البحث والمناقشة والمحاورة ، ثم نترك الحكم على النتائج لعقولنا ، فكتاب الله لنا هو النور الذي يُشَعُّ فندرك به السبل ونعرف جوانب الطريق ومعالمه ، ويكفيك دليلاً على أنه يسلك هذا السبيل بالنسبة للنائين عنه ، قوله ـ تعالى ـ لرسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : { وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } ( الكهف : 29) .

_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تيسير شرح جوهرة التوحيد للشيخ البيجوري
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يناير 11, 2016 7:41 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936

(4)


التقليد وحكم إيمان المقلد



قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله :
11 - إذْ كُلُّ مَنْ قَلَّدَ بالتَّوِحيْدِ *** إيمَانُهُ لمْ يَخْلُ مِنْ تَرْدِيْدِ.
12 - فَفِيْهِ بَعْضُ القَوْم يَحْكي الخُلْفا *** وبَعْضُهُمْ حَقَق فِيْهِ الكَشْفَا.
13 - فَقَالَ إنْ يَجْزِمْ بقَوْلِ الغَيرِ *** كَفَى وَإلاَّ لَمْ يَزَلْ في الضيَّرِ

تعريف التقليد :
هو اعتقاد قول الغير اعتقاداً جازماً بلا دليل ، كاعتقادك وجوب القدرة لله بناءً على قول الغير من غير أن تعرف الدليل ، فإذا عرفت الدليل الذي استند إليه صاحب القول الذي أخذت به لم تكن مقلدًا .

حكم إيمان المقلِّد :
اختلف العلماء في صحة إيمان المقلِّد ، على أقوال :

القول الأول : عدم الاكتفاء بالتقليد ، بمعنى عدم صحة تقليد المقلِّد ، ولا يعتبر هذا الإيمان مُنْجِيًا لصاحبه في الآخرة ، وجرى على هذا السنوسي في كتابه (( شرح الكبرى )) ، والتحقيق أنه رجع على هذا القول .

القول الثاني : الاكتفاء بالتقليد مع كون المقلد عاصيًا مطلقاً ؛ أي : سواء أوجِدت في المقلِّد أهلية النظر الفعلي أم لم توجد .

القول الثالث : إنه مؤمن عاصٍ إن كان عنده أهلية النظر والاستدلال ؛ لأنه ترك ما يقدر عليه ، وإن لم تكن فيه أهلية النظر والاستدلال فهو مؤمن غير عاصٍ ؛ لأنه ترك شيئًا هو عاجز عن تحصيله ، ولا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها ، وهذ هو القول الراجح .
والصحيح من هذه الأقوال هو القول الثالث المبنيُّ على وجوب المعرفة بالدليل عند الاستطاعة ، أخذاً من قوله ـ سبحانه ـ : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } ( البقرة : 286 ) ، ولأن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قَبِل من الناس الإيمانَ دون أن يُطالبهم بالدليل ، وعندما سئل عن الإيمان في حديث جبريل ـ عليه السلام ـ المشهور قال : (( أن تؤمن بالله وملائكته . . . إلخ . ( متفق عليه ) دون أن يتعرَّض للدليل ، ومن لم تكن عنده المقدرة على النظر والاستدلال تسقط عنه المطالبة بهما كما تسقط المطالبة بالحج عن غير المستطيع .

حكم إيمان العوام :
وعلى ذلك فإيمان العوام صحيح ، وهم مؤمنون عارفون بربهم ، وغاية الأمر أنهم عاجزون عن التعبير عنه وعن تفصيله وهو لا يضر ، لأن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قَبِلَ إيمان الناس دون مطالبتهم بالدليل ؛ لأن فِطرَتَهم جُبِلت على توحيد الله ـ سبحانه ـ واعتقاد قِدَمِه ، وحدوث ما سواه ، وهذ هي الفطرة التي ذكرها الله ـ تعالى ـ في قوله : { فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } (الروم:30 ) ، وأشار إليها ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بقوله : (( كل مولود يولد على الفطرة )) ( متفق عليه ) ، وقد أجمع المتكلمون ــ كما حكاه الآمدي(1) ــ على صحة إيمان المقلِّد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هو سيف الدين الآمدي من أعلام مذهب الأشاعرة توفي 631هـ .
[/size]

_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 11 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 7 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط